بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63058 / تحميل: 6543
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الليلة الحادية عشر

٢٤١

٢٤٢

المجلس الأول

القصيدة: للشيخ عبد الحسين شكر(١)

ت ١٢٨٧ه

لم أنس زينبَ بعد الخدرِ حاسرةً

تُبدي النياحةَ ألحانا فأحانا

مسجورةَ القلبِ إلا أنَّ أعينَها

كالمعصراتِ تَصُبُّ الدمعَ عُقيانها

تدعو أباها أميرَ المؤمنين ألا

يا والدي حكمتْ فينا رعايانا

وغاب عنا المحامي والكفيلُ فَمن

يحمي حمانا ومن يُؤوي يتامانا

إن عسعس الليلُ وارى بذلَ أوجهِنا

وإن تنفّس وجهُ الصبحِ أبدانا

ندعوا فلا أحدٌ يصبو لدعوتِنا

وإن شكونا فلا يُصغى لشكوانا

قم يا عليُّ فما هذا القعودُ وما

عهدي تغض على الأقذاءِ أجفانا

وتنثني تارةً تدعو مشائخَها

من شيبة الحمد أشياخاً وشبانا

قوموا غِضابا من الأجداث وانتدبوا

واستنقدوا من يد البلوى بقايانا

ويلَ الفراتِ أباد اللهُ غامرَه

وردَّ واردَه بالرغم لهفانا

لم يُطفِ حرَّ غليلِ السبطِ باردُه

حتى قضى في سبيل الله عطشانا

لم يُذبحِ الكبشُ حتى يُروَ من ظمأٍ

ويُذبحُ ابنُ رسولِ الله ظمئانا(٢)

____________________

(١) - أقول وذكر صاحب رياض المدح والرثاء أنها للشاعر الكربلائي الحاج محمد علي كمونة.

(٢) - شعراء الغري ج٥ ص١٥٤.

٢٤٣

(نصاري)

اشحال ام الحزن زينب او كلثوم

عليها الليل من خيَّم او اظلم

اشحال الحرم وشحال اليتامه

ليل اهدعش من خيَّم ظلامه

گامت تذكر احسين او عمامه

او عليها الهظم فوگ الحزن خيَّم

غدت للحرم بالصيوان حَنَّه

هاي اتصيح يبني او تجر ونه

او ذيج اتصيح راحوا كل اهلنه

بعد ذاك الشمل هيهات يلتم

وليله اتصيح يوليدي يالاكبر

نايم عالثره او جسمك امطبَّر

عسن يوم اللفينه يوم الاگشر

إولا هل عالخلگ شهر المحرم

او رمله اتصيح يوليدي يجاسم

ابدال العرس عالتربان نايم

اگعد عاين الحال الفواطم

گبعت بالمذلَّه او لبست الهم

الرباب اتصيح يبني او نور عيناي

ورم صدري او درت لك ثداياي

يعبد الله انگطع برباك رجواي

او عگب عينك عليه النوم يحرم

(أبوذية)

يعاذل لا تلوم الگلب تنلام

عليه امن المصايب ثگل تنلام

خيمه ما بگت للحرم تنلام

بيها او تستچن ذيچ المسيه

الحوراء زينبعليها‌السلام تجمع العيال بعدما شتتها العدو

يا لها من ليلة مؤلمة مرت على بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك العز الشامخ الذي لم يفارقهن منذ أوجد الله كيانهن فلقد كن بالأمس في سرادق العظمة وأخبية الجلالة، وبقين في هذه الليلة في حلك دامس من فقد تلك

٢٤٤

الأنوار الساطعة. بين رحل منتهب، وخباء محترق، وحماة صرعى، لا محامي لهن، ولا كفيل، ولا يدرين من يدافع عنهن إذا دهمهن داهم. ومن يكسن فورة الفاقدات ويخفض من وجدهن.

قال بعض الأكابر: في هذه الليلة، قامت الحوراء زينبعليها‌السلام بجمع العيال، والأطفال في مكان واحد، فلما جمعتهم أخذ الأطفال ينظر بعضهم إلى بعض ودموعهم تتحادر على الخدود، وأخذوا يسألون الحوراء زينب عن أهاليهم من الرجال هذه تنادي: عمه زينب أين أبي؟ وذاك ينادي: أين عمي؟ وأخر ينادي: عمة أين أخي؟ بماذا تجيبهم زينب؟ أتقول لهم إنهم صرعى على وجه الأرض؟ أم عندها جواب آخر؟ نعم قامت إليهم، فأخذت تضم الطفلة إلى صدرها لتهدئها عن البكاء والعويل، فإذا هدأت، أخذت الأخرى ضمتها إلى صدرها. وكأني بها في تلك اللحظات، لحظات اللوعة والألم، تلتفت إلى أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

(مجردات)

خويه اتحيرت والله ابيتاماك

ما ينحمل يحسين فرگاك

والمثل هذا الوكت ردناك

(نصاري)

صاحت يبو اليمه ابدمع جاري

بناتك زيَّدن عگبك مراري

يخويه المن اسكت يو أباري

او تدري اشچم طفل عگبك تيتم

ولكنها لم تسمع من الحسين جوابا. وأنَّى له بالجواب، وقد فرق بين رأسه وجسده؟ ولهذا حولت بوجهها إلى الغري شاكية مصابها لأبيها أمير

٢٤٥

المؤمنينعليه‌السلام :

(مجردات)

بويه عليه الليل هود

وانه حرمه غريبه او مالي أحد

بيمن يبويه الگلب يضمد

بالحسين هلعندي امدد

وابن والدي العباس مارد

خلصوا هلي الله لحد

(مجردات)

يبويه علينه خيَّم الليل

او دارت علينه الزلم والخيل

او جسام والأكبر مچاتيل

او عباس مرمي ابغير تغسيل

او الحسين بيه مثِّلوا تمثيل

او سجادنه مطروح وانحيل

(فائزي)

امسه المسه والنار ما خلت لنا اخيام

صيوان ما ظل تلتجي ابفيه هاليتام

اگبل عليه الليل وازدادت الوحشه

او ما شوف غير ايتام تتصارخ ابدهشه

او شيخ العشيره احسين محد شال نعشه

مطروح وابجنبه علي الأكبر او جسّام

اصبحت واشبول الهواشم حولي اوگوف

وامسيت مالي اگناع اتستر بالكفوف

اوما شوف غير أطفال تتصارخ امن الخوف

وين المعزّة او وين زهرة ذيچ الأيام

٢٤٦

(أبوذية)

يا ناعي دصيح ابصوت وليان

يحيدر يا امطوع الإنس واليان

ترى زينب بگت من غير وليان

تحشِّم وينكم يهل الحميه

***

أبا حسنٍ تُغضي وتلتذُ بالكرى

وبالكف أمست تَستُر الوجهَ زينبُ

٢٤٧

المجلس الثاني

القصيدة: للسيد أحمد النواب الكربلائي

ت ١٣١١ه

الدمعُ لا يرقى مدى الأزمانِ

لرزيةِ المذبوحِ والعطشانِ

هذي المدامعُ سيلُها متواصلٌ

من كل قاصٍ في الأنام ودانِ

لهفي على العباسِ وهو مجدَّلٌ

والسبطُ يدعو في رحى الميدان

ظهري انحنى من عُظمِ ما قد حلَّ بي

يا أوصلَ الأصحابِ والإخوان

ثم انثنى نحوَ الخيامِ مناديا

هذا الوداعُ ولا وداعٌ ثان

نادته زينبُ والجَوى بفؤادِها

روحي الفدا يا سيدَ الأكوان

أأخيَّ كيف أراك في حرِّ الثرى

داميْ الوريدِ مضرَّجَ الجُثمان

يا ويلتا يا حسرتا يا لهفتا

تبدو السبايا من بني عدنان

جئنا من الحرم المنيعِ بعزةٍ

وحمايةِ الفرسان والشجعان

ثم انثنينا راجعين بلا حمىً

غيرَ اليتامى والأسيرِ العاني

والسبطُ مطروحٌ ثلاثا بالعرى

ملقى بلا غُسلٍ ولا أكفان(١)

____________________

(١) - أدب الطف ج٨، ص٧٨.

٢٤٨

(فائزي)

گوموا انروح الكربله انغسل الشبان

وانشيل جسم احسين وانفصِّل الأكفال

او راسه يشيعه انزّله عن راس السنان

والحرم نرجعها او لزينب ناخذ اخمار

ظلت تراهي امسلبه وحسين مطروح

او عدها عليل او من ونينه ايذوّب الروح

حرمه بلا والي تنادي وين أنا روح

واحسين كلفني ابيتامه اصغار واكبار

حرمه او غريبه او والدمع بالخد همّال

واتصيح وين أهلي اوعمامي اتعاين الحال

عندي جنازه امعطَّله او لا عندي ارجال

سمعوا يشيعه هالمصايب مثلها صار

(أبوذية)

جسمي امن الحزن يا ناس ينهار

او دمع العين علوجنات ينهار

عسنك لا تجي يا ريت ينها

ابشمس وعداي تتفرج عليه

السيدة زينبعليها‌السلام تفتقد

الرباب زوجة الإمام الحسينعليه‌السلام

لا أعرف ليلة أصعب من ليلة الحادي عشر من المحرم مرت على أطفال

٢٤٩

آل الرسول وبنات الزهراء البتول.

أمسوا ليلتهم، والحماة صرعى على وجه الأرض مجزرون، كالأضاحي، وأمسوا ليلتهم وهم بأيدي عدو ليس في قلبه رحمة، بحيث إذا بكت طفلة من أطفال الحسينعليه‌السلام أسكتوها بكعب الرمح، وبالسياط التي تتلوى على متنها، وهي تستغيث وتنادي: وا محمداه، ولا محمد لي اليوم، وا علياه ولا علي لي اليوم، وا حسيناه ولا حسين لي اليوم، وا عباساه ولا عباس لي اليوم.

وفي تلك الليلة افتقدت الحوراء زينب الرباب زوجة الحسين، فأخذت تبحث عنها بين النساء فلم تجدها، فنزلت إلى ساحة المعركة لعلها تجدها عند جسد الحسينعليه‌السلام فلما صارت قريبة من الجسد سمعت أنينا، وحنينا وقائلة تقول: بني عبد الله! صدري اوجعني، وثدياي درّا. فعرفت زينب أنها الرباب قال: رباب ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قالت يا بنت رسول الله انه لما أباح لنا القوم الماء در للبن في صدري فجئت لأرضع ولدي.

(مجردات)

جيت ارضع ابني الماشرب ماي

درَّت بيت حيدر ثداياي

بلكت يزينب يسمع انداي

ويگوم روحي اولبة احشاي

وغياب فگده مرَّد اچلاي

هو الكبد والروح والراي

راح الذي زهرتي ابدنياي

والمن اديرن بعد عيناي

بس هذا عندي او گطع رجواي

واشلون بعده ايهوّد ابچاي

وفي تلك اللحظات اغتنمت السيدة زينب الفرصة لتعبر عن آلامها ومصائبها، وبث شكواها إلى أخيا الحسينعليه‌السلام وكأني:

٢٥٠

من أي رزءٍ أشتكي ومصيبةٍ

فراقُكَ أم هتكي وذُلّي وغربتي

أم الجسمُ مرضوضا أم الشيبُ قانيا

أم الرأسُ مرفوعا كبدر الدجنة

أم العابدُ السجادُ أضحى مغلَّلا

عليلا يُقاسي في العدا كلَّ كربةِ

قال الشيخ أسد حيدر (رحمه‌الله ):

توجهت - زينب - إلى مصرع أخيها الحسينعليه‌السلام فأكبت على جسده الطاهر وهي تحاول موضعا يسمح لها بتقبيله لكثرة النبال وجمود الدم على جسده الطاهر فلم تجد، وأخذت تخاطبه بحرارة(١) وكأني:

(مجردات)

أمسى المسه يحسين وحدي

او متحيره ويدي اعلى خدي

بس الأطفال اتنوح عندي

يحسين يومك مرد چبدي

اولا تنطي نيران وجدي

يا ضوه اعيوني او بدر سعدي

لون البگه يحسين يجدي

بالعين إلك والروح لفدي

(أبوذية)

الحرم خويه بالهضم يحسين

من بعدك ابحال الحرم يحسين

يخويه بگت بس نسوان يحسين

وانته اموسد الغبره رميه

***

أأخيَّ مالك عن بناتِك معرضا

والكلُّ منك بمنظرٍ وبمسمع

____________________

(١) - مع الحسين في نهضته ص٢٨٦.

٢٥١

المجلس الثالث

القصيدة: للسيد مهدي الأعرجي

ما بالُ فِهرٍ أغفلتْ أوتارَها

هلا تُثير وغىً فتُدرُكُ ثارَها

أغفت على الضيم الجفونُ وضيعت

يالَلحميةِ عزَّها وفَخارها

عجبا لها هدأت وتلك أميةٌ

قتلت سراةَ قبيلِها وخَيارها

عجبا لها هدأت وتلك نسائُها

بالطفِّ قد هتك العِدى أستارها

لهفي لها بعد التحجُّبِ أصبحت

حسرى تُقاسي ذُلَّها وصَغارها

تدعوا أميرَ المؤمنينَ بمهجةٍ

فيها المنيةُ أنشبتْ أظفارها

قم وانظرِ ابنَك في العراءِ وجسمُه

جعلتْه خيلُ أميةٍ مِضمارها

ثاوٍ تُغسِّله الدماءُ بفيضِها

عارٍ تُكفّنه الرياحُ غُبارها

وخيولُ حربٍ منه رضت أضلُعاً

فيها النبوةُ أودعت أسرارها

وبيوتُ قدسٍ من جلالةِ قدرِها

كانت ملائكةُ السما زوارها

يقف الأمينُ ببابِها مستأذنا

ومقبِّلا أعتابَها وجدارها

أضحت عليها آلُ حربٍ عنوةً

في يوم عاشوراء تَشُنُ مَغارها

كم طفلةٍ ذُعرتْ وكم محجوبةٍ

برزت وقد سلب العدوُّ إزارها(١)

____________________

(١) - ديوان شعراء الحسينعليه‌السلام ص١٥٩.

٢٥٢

(مجردات)

تعنيت للمعركة ابهمَّه

أدور يعمَّه اعله ابو اليمه

لگيت اعله الجسم للگوم لمـَّه

او جرح البگلبه ايسيل دمه

تدنيت مگصودي ارد اشمه

او جسمه المطشَّر عود المـّه

أثاري الشمر موچب يعمَّه

طردني او لخلاني أصل يمَّه

(مجردات)

يحسين يا شيخ العشيره

يبن حامي ادخيله او مجيره

أنا اموجِّله او گلبي ابحيره

يبن والدي شنهي البصيره

منك صدگ تقبل الغيره

يا غيرة الله امشي يسيره

اطوي الفله ابحر الظهيره

وطبَّن ابكل بلده او ديره

(أبوذية)

الگلب من زود ونّي اعليك ولَّم

او گلبي من گبل طرواك ولم

جسمك ما يفيده الجمع واللم

امطشَّر بالفله بسيوف أميه

(تخميس)

أيا سائلا وشظايا القلبِ في شجنِ

هل جهَّزوا لقتيل مات ممتَحَنِ

أجبتُه بفؤادٍ خافقٍ وَهِنِ

ما غسلوه وما لفَّوه في كفنِ

يومَ الطفوفِ ولا مدُّوا عليه رِدا

السيدة زينبعليها‌السلام تبحث عن

فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسينعليه‌السلام

في ليلة الحادي عشر: طلبت زينب خيمة من عمر بن سعد تجمع فيها النساء والأيتام، لأن النار لم تبق لهم خيمة، فلما جاءوا لهم بالخيمة وجمعت

٢٥٣

فيها النساء والأيتام، وإذا بها تفتقد فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسينعليه‌السلام فجاءت إلى أختها أم كلثوم سألتها عنها، قالت أطلبيها عند جسد المولى أبي عبد الله لعلها هناك.

قامت الحوراء زينبعليها‌السلام وقصدت جسم الحسين في ذلك الليل الدامس، تتعثر بأشلاء القتلى، وهي تقول: عمه فاطمة أين أنت؟ حتى قربت من الجسد الشريف، وإذا بها تسمع أنينا، وحنينا، وقائلة تقول: أبه يا حسين من الذي حزَّ وريديك؟ أبه من الذي أيتمني على صغر سني؟

(مجردات)

يا والدي والله هضيمه

أنه اصير من صغري يتيمه

والنوح من بعدك لجيمه

أثاري الأبو يا ناس خيمه

يفيي على ابناته وحريمه

قال زينبعليها‌السلام فاطمة هذه؟ قالت بلى يا عمة، قالت بنية ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قالت عمة عندما هجم القوم على المخيم ارعبتني الخيل والرجال، فقلت ألوذ بجسد والدي.

(نصاري)

للحومه اعتنت زينب ابهمه

تون واتصيح وين انتي يعمه

لگتهه لايذه الجنب ابو اليمه

تون اعليه او وياه اتكلم

تگلَّه من گطع راسك ابسيفه

او من هشَّم اعظامك وأخذ حيفه

يبويه الجيش سلبنه اعله كيفه

او متني ابسوط عدوانك تورَّم

يبويه امست عليه هالمسيه

او بعيده اخيامنه صارت عليه

٢٥٤

ينور العين گلِّي شلون بيه

بعد ياهو الهلي ابردْتي ايتوزم

صاحت زينب ابعبرات وونين

يبعد اهلي اجيتچ لا تخافين

گامت فاطمه من جسم الحسين

شبگتها ودمعها انحدر واسجم

***

يا أخي فاطمُ الصغيرةُ كلمـ

ـها فقد كاد قلبُها أن يذوبا

ما أذلَّ اليتيمَ حين ينادي

بأبيه ولا يراه مجيبا

٢٥٥

المجلس الرابع

القصيدة: للشيخ عبد الحسين شكر

فما لنزارٍ لا تَسُلُّ حِدادَها

وما لِلُؤيٍّ لا تَهُزُّ كِعابَها

أتُغمضُ طرفا عن أميٍّ وإنها

دماً حلبت من آلِ طه رقابها

أثِرْ نقعَها واستنهضِ الغُلْبَ غالبا

وثِرْ مستفزّاً خيلَها وركابها

فتلك بنو حرب على الرغم تَوّجتْ

برأسِ حسينٍ في الطفوفِ حِرابها

وقوسُ أميِّ قد أصابت سهامُه

ذرى العرشِ أوشَقَّتْ لقوسينِ قابها

وتلك جسومُ الهاشميينَ غُودرتْ

طعام ظبىً كانت دماهمْ شرابها

وتلك سرايا شيبةِ الحمدِ هشَّمت

عوادي الأعادي شيبَها وشبابها

أتسطيعُ صبرا أنْ يُقالَ أميةُ

أجالت على جسم الحسينِ عِرابها

وإنَّ برغمِ الغُلبِ أبناءُ غالبٍ

كريمتُه أضحى الدماءُ خضابها

أتنسى هل يُنسى وقوفُ نسائِكم

لدى ابن زيادٍ إذ أماطَ حجابها

فما زينبٌ ذاتُ الحجالِ ومجلسٌ

به أسمع الطاغي عداه خطابها

أتسطيعُ صبرا أن يقالَ نسائِكم

سبايا قد ابتزَّ العدوُّ نقابها

لها الله من مسلوبةٍ ثوبَ عزِّها

كستها سياطُ المارقينَ ثيابها

وعمَّتُك الحوراءُ أنى توجَّهَتْ

رأت نائباتِ الدهرِ تَقرعُ بابها(١)

____________________

(١) - ديوان الشيخ عبد الحسين شكر ١٦.

٢٥٦

(مجردات)

يا عصمة الدين المنيعه

يمهيوب يا عين الطليعه

غيبتك طالت على الشيعه

تنسى الذي ذبحوا رضيعه

ابحضنه او روُّوه ابنجيعه

تنسى الوگع فوگ الشريعه

مطروح واچفوفه گطيعه

تنسى الجره بالطف جميعه

(أبوذية)

يمهدي المحب سل سيفه ولك ثار

ولك جد انذبح بالطف ولك ثار

الأشد واعظم يبو صالح ولكثر

يوم السبوا لبنات الزچيه

الإمام زين العابدينعليه‌السلام ليلة الحادي عشر

لما وضعت معركة بدر أوزارها أوثقوا أسرى المشركين وكان من بينهم العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما جن الليل، ونام الناس بقي النبي ساهرا، وما نامت عيناه، وكان يتقلب يمينا وشمالا. فقيل له: يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما الذي نزل بك لا تنام عيناك مع ما لقيت من التعب والمشقة وقد نامت العيون؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي العباس ونشيجه؟ فقاموا إلى العباس، وحلوا ما عليه من الحبال، فلما سكن أنينه نام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك الليلة.

أقول سيدي يا رسول الله، ليتك تسمع أنين ولدك الإمام زين العابدين ليلة الحادي عشر من المحرم، وهو عليل، قد فقد أخوته وأباه وأبناء عمومته، ليتك تسمعه ينادي: وا محمداه، ولا محمد لي اليوم، وا علياه ولا علي لي اليوم.

٢٥٧

أتهجعون وهم أسرى وجدُّهمُ

لعمِّه ليلُ بدرٍ قَطُّ ما هجعا

فليت شعري مَنِ العباسُ أرَّقَه

أنينُه كيف لو أصواتَها سَمِعا

ماكان يفعل مذ شِيلتْ هوادجُها

قسرا على كل صَعْبٍ في السُرى ظلعا

ما بين كلِّ دعيٍّ لم يُراعِ بها

من حرمة لا ولا حقَّ النبيّ رعا

(مجردات)

عگب گومه يويلي امگيدينه

تفت حتى الصخر جرَّت ونينه

او حزنه ايزيد من يسمع اسكينه

تگل زينب ابوي احسين وينه

يعمه لو يجي وتشوف عينه

بعده اشجرى والشمر علينه

زينب تگلها يا حزينه

بطلي النشد لا ترتجينه

أبوچ انكتل وحنه انولينه

هذا والإمام يسمع ويرى ما يجري على أخواته وعماته، فتزداد علته وتعظم عليه مصيبته، وليس بمقدوره أن يصنع لهن شيئا يا لله ما أعظمها من مصيبة؟

(أبوذية)

گلبي انكسر بعد اشلون ينشد

على الجبريل اله باللوح ينشد

ما شفنه عليل ابگيد ينشد

يس شفنه عليل الغاضريه

(أبوذية)

عليل او جسمه من المرض ينحل

او خذوه مكتوف لابن زياد ينحل

٢٥٨

الماله احَّد يحلَّه اشلون ينحل

او كل أهله صفت صرعى او رميه

***

وا لهفتاه على خزانةِ علمِك الـ

ـسجادِ وهو يُقاد في الأصفاد

٢٥٩

المجلس الخامس

القصيدة: للسيد عباس البغدادي

فيا راكبا مهريةً شَأَتِ الصَّبا

كأنَّ لها برقَ الغَمامِ زمامُ

إذا جُزْت في وادي قِبا قُل بعَولةٍ

أهاشمُ قومي فالقعودُ حرام

لقد حلّ فيكم حادثٌ أيُّ حادثٍ

هوت فيه للدينِ الحنيفِ دعام

قضى السبطُ ظمآنَ الفؤادِ وشلوُه

لبين المواضي والرماح طعام

وقد قُطعت أوداجُه بشَبا الظبى

ورُضّت له بالصافنات عظام

وأعظمُ رزءٍ زلزل الكون خلبُه

ودَكَّ الراوسي فهي منه رِمام

هجومُ العِدى بغياً على حُجْبِ أحمدٍ

ولم يُرعَ فيها للنبي ذِمام

فبينا بناتُ الوحي في الخدرِ إذ به

أحاط لسلبِ الطاهراتِ طُغام

ففرَّتْ من الأعداءِ حسرى مروعةً

لها الصونُ سِترٌ والعَفافُ لثام

تجيلُ بطرفٍ لِلحماة فلا ترى

سوى جُثثٍ قد غالهن حِمام

فنادت وقد عضّ المصابُ فؤادَها

وشبّ لها بين الضلوع ضَرامُ

فرقّ لها قلبُ العدو كآبةً

وناهيك رزءٌ رقَّ فيه لِئام(١)

(تجليلة)

الليلة اشلون مسّينه حرم كلنه

او كلها اعله الوطيه امذبحه اخوتنه

____________________

(١) - سفينة النجاة ص٣٦٢ العاملي.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

ولي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل نفسه.

و في (نقض عثمانية) الإسكافي: لم يميّز ابن عمر بين إمام الرشد و إمام الغيّ، فانّه امتنع من بيعة عليّعليه‌السلام ، و طرق على الحجّاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام، زعم لأنّه روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: «من مات و لا إمام له مات ميتة جاهليّة» و حتّى بلغ من احتقار الحجّاج له و استرذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش و قال: اصفق بيدك عليها( ١) .

فهذه روايات تسع دالّة صريحة على عدم بيعتهم. و روى أبو مخنف كما في (جمل المفيد) أنّهعليه‌السلام لمّا همّ بالمسير إلى البصرة، بلغه عن سعد و ابن مسلمة و اسامة و ابن عمر تثاقلهم عنه، فبعث إليهم فلمّا حضروا قال لهم:

قد بلغني عنكم هنات كرهتها لكم، و أنا لا اكرهكم على المسير معي. ألستم على بيعتي؟ قالوا: بلى، قال: فما الذي يقعدكم عن صحبتي؟ فقال له سعد: إنّي أكره الخروج في هذه الحرب فاصيب مؤمنا، فإن أعطيتني سيفا يعرف المؤمن من الكافر قاتلت معك. و قال له اسامة: أنت أعزّ الخلق عليّ و لكنّي عاهدت اللّه ألا اقاتل أهل (لا إله إلاّ اللّه) و ذكر في قتله رجلا شهد بالوحدانية و ظنّ أنّه قالها تعوّذا في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إنكار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه ذلك و قال عبد اللّه بن عمر: لست أعرف في هذه الحرب بشي‏ء أسألك ألا تحملني على ما لا أعرف. فقالعليه‌السلام لهم: ليس كلّ مفتون يعاتب. ألستم على بيعتي؟ قالوا: بلى، قال: فانصرفوا فسيغني اللّه( ٢) .

و لم نقف في بيعتهم على غير هذا الخبر، مع أنّ أبا مخنف الذي رواه روى ضدّه، مع أنّه يمكن حمل قوله: (ألستم على بيعتي)، على أنّ المراد عدم

____________________

(١) الإسكافي: نقض العثمانية، ملحق بكتاب العثمانية للجاحظ، ٣٠١ تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي بمصر، ١٩٥٥ م.

(٢) الجمل للمفيد: ٩٥ ٩٦.

٥٨١

الإخلال في بيعتي، فإنّهم و إن قعدوا عن مشاهده، إلاّ أنّهم لم يخلّوا في خلافته كطلحة و الزبير و مروان و سعيد بن العاص و الوليد بن عقبة.

و أمّا رواية أبي الحسن المعتزلي في (غرره) المرفوعة، فهي عين هذا الخبر بدليل أنّ ابن أبي الحديد نقلها عنه في شرح قولهعليه‌السلام : (فتداكوا عليّ)، هكذا قال عليّعليه‌السلام لهم: ما كلّ مفتون يعاتب، أ عندكم شكّ في بيعتي؟ قالوا: لا، قال فإذ بايعتم فقد قاتلتم( ١ ) . إلاّ أنّه لمّا أراد تنزيه سعد أحد عشرتهم المبشّرة، و أحد ستّة شوراهم و ابن فاروقهم، نقل كلامهعليه‌السلام عند نفسه بالمعنى فبدّل قولهعليه‌السلام : (انصرفوا فسيغني اللّه عنكم) بقوله: (فإذا بايعتم فقد قاتلتم)، لكنّه كما ترى و هل يصلح العطّار ما أفسد الدهر؟ قولهعليه‌السلام «خذلوا الحقّ و لم ينصروا الباطل» في (الطبري): قال عبد خير الخيواني لأبي موسى: هل كان هذا الرجلان يعني طلحة و الزبير ممّن بايع عليّا؟ قال: نعم، قال: هل أحدث حدثا يحل به نقض بيعته؟ قال: لا أدري، قال: لا دريت فإنّا تاركوك حتّى تدري، هل تعلم يا أبا موسى أحدا خارجا من هذه التي تزعم أنّها فتنة؟ إنّما بقى أربع قرون عليّعليه‌السلام بظهر الكوفة، و طلحة و الزبير بالبصرة، و معاوية بالشام و فرقة اخرى بالحجاز، لا يجبى بها في‏ء و لا يقاتل بها عدوّ. فقال له أبو موسى: اولئك خير النّاس و هي فتنة، فقال له عبد خير: يا أبا موسى غلب عليك غشّك( ٢) .

١١ - الحكمة (٢٦٢) وَ قِيلَ إِنَّ؟ اَلْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ؟ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ أَ تَرَانِي أَظُنُّ؟ أَصْحَابَ اَلْجَمَلِ؟ كَانُوا عَلَى ضَلاَلَةٍ

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٤: ١٠.

(٢) تاريخ الطبريّ ٤: ٤٨٥ ٤٨٦، سنة ٣٦.

٥٨٢

فَقَالَ ع يَا؟ حَارِثُ؟ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَ لَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ اَلْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ وَ لَمْ تَعْرِفِ اَلْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ فَقَالَ؟ اَلْحَارِثُ؟ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ؟ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ؟ وَ؟ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ؟ فَقَالَ ع إِنَّ؟ سَعْداً؟ وَ؟ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ عُمَرَ؟ لَمْ يَنْصُرَا اَلْحَقَّ وَ لَمْ يَخْذُلاَ اَلْبَاطِلَ أقول: رواه الجاحظ في (بيانه) و اليعقوبي في (تاريخه) ففي الأوّل:

نهض الحرث بن حوط الليثي إلى عليّعليه‌السلام و هو على المنبر فقال: أ تظن أنّا نظن أنّ طلحة و الزبير كانا على ضلال؟ قال: يا حار إنّه ملبوس عليك، إنّ الحق لا يعرف بالرجال، فاعرف الحق تعرف أهله( ١ ) و مثله الثاني و زاد: و اعرف الباطل تعرف من أتاه( ٢ ) . و رواه إبراهيم الثقفي كما يأتي كاملا مع اختلاف.

قول المصنف:

«و قيل ان الحارث بن حوت» هكذا في (المصرية)( ٣ ) ، و الصواب: (حوط) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٤ ) و (الخطية) و كما عرفت من (مستنده). ثم ان ابن أبي الحديد قال: (حوط) بالحاء المهملة و يقال: ان الموجود في خط الرضي بالمعجمة( ٥) .

قلت: لم يعلم كون خط الرضي بالمعجمة و إلاّ لذكره ابن ميثم، لكون نسخته بخط مصنفه.

و كيف كان فقال (الجمهرة) في المهملة: إنّهم سمّوا به و لم يذكر في

____________________

(١) البيان و التبيين.

(٢) تاريخ اليعقوبيّ ٢: ٢١٠.

(٣) نهج البلاغة ٣: ٢١٦.

(٤) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٤٧ و لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٣٧٧ «حوت» أيضا.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٤٨.

٥٨٣

المعجمة( ١ ) ، كما أنّ (القاموس) ذكر في المهملة جمعا مسمين به( ٢ ) و إن لم يذكر هذا و لم يذكر في المعجمة.

«أتاه فقال أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة» نظير الحارث بن حوط الليثي هذا اربد الفزاري ففي (صفين نصر) و غيره، لمّا خطب عليّعليه‌السلام النّاس و أمرهم بالمسير الى صفين و قال لهم: سيروا إلى أعداء السنن و القرآن، سيروا إلى بقيّة الأحزاب و قتلة المهاجرين و الأنصار قام رجل من بني فزارة يقال له أربد فقال له: أ تريد أن تسير بنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم؟ كلا و اللّه إذن لا نفعل ذلك. فقام الأشتر فقال: من لهذا؟ و هرب الفزاري و اشتد النّاس على أثره فلحقوه في مكان من السوق تباع فيه البراذين فوطئوه بأرجلهم و ضربوه بأيديهم و نعال سيوفهم حتّى قتل، فقالعليه‌السلام : قتيل عميه ديته من بيت المال( ٣) .

فقالعليه‌السلام «يا حارث» هكذا في (المصريّة)( ٤ ) ، و الصواب (يا حار) بالترخيم كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٥ ) و (الخطيّة) و كما في (مستنده).

«إنّك نظرت تحتك و لم تنظر فوقك فحرت» أي: صرت حيرانا من (حار يحار).

«إنّك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه» هكذا في (المصرية)( ٦ ) ، و الصواب:

____________________

(١) جمهرة اللغة ١: ٥٥٢ حوط.

(٢) القاموس المحيط ٢: ٣٥٦، مادة: (حوط).

(٣) وقعة صفّين: ٩٤ ٩٥، شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٧٩.

(٤) نهج البلاغة ٣: ٢١٦.

(٥) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٤٧ و لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٣٧٧ «يا حارث» أيضا.

(٦) نهج البلاغة ٣: ٢١٦.

٥٨٤

(فتعرف أهله) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم( ١ ) و الخطيّة و مستنده).

«و لم تعرف الباطل فتعرف من أتاه» هكذا في (المصرية و ابن أبي الحديد)( ٢ ) ، و لكن في (ابن ميثم)( ٣ ) أيضا: (فتعرف أهله)، و نسبت ما في المتن إلى نسخة.

و كيف كان فهو كلام في غاية النفاسة نظير قولهعليه‌السلام : «لا تنظروا إلى من قال و انظروا إلى ما قال»( ٤ ) ، فإن النّاس الذين ليس لهم معرفة كاملة يجعلون الرجال ميزان الحقّ و الباطل، و الواجب العكس، فقال تعالى لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :... لئن أشركت ليحبطن عملك...( ٥ ) و قد قال تعالى فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

و لو تقوّل علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين( ٦) .

فالحارث رأى أنّ عايشة يقال لها أمّ المؤمنين أخذا من قوله تعالى في حرمة نكاح أزواج نبيّه... و أزواجه امهاتهم...( ٧ ) إلاّ انّه لم يلاحظ قوله تعالى: يا نساء النبيّ من يأت منكن بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللّه يسيرا( ٨ ) و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهليّة الاولى...( ٩) .

كما أنّه رأى أنّ طلحة و الزبير من المهاجرين، و من ستّة الشورى، و لم

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٤٧ و لكن في شرح ابن ميثم ٥: ٣٧٧ «من أتاه» أيضا.

(٢) نهج البلاغة ٣: ٢١٦، شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٤٧.

(٣) في شرح ابن ميثم ٥: ٣٧٧ «من أتاه» أيضا.

(٤) غرر الحكم و درر الكلم بشرح الخوانساري ٦: ٢٦٦ ح ١٠١٨٩.

(٥) الزمر: ٦٥.

(٦) الحاقّة: ٤٤ ٤٦.

(٧) الأحزاب: ٦.

(٨) الأحزاب: ٣٠.

(٩) الأحزاب: ٣٣.

٥٨٥

يلاحظ أنّهما نكثا و أفسدا في الأرض و قتلا آلافا من المسلمين بغير حقّ، و قد قال تعالى:... فمن نكث فانّما ينكث على نفسه...( ١ ) و الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل و يفسدون في الأرض اولئك هم الخاسرون( ٢ ) أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار( ٣) .

و الحارث و نظراؤه في نظرهم إلى جانب دون جانب مصاديق قول الشاعر:

حفظت شيئا و غابت عنك أشياء

قول المصنف «فقال الحارث فإنّي اعتزل مع سعيد» هكذا في (المصرية)( ٤ ) و الصواب: (سعد)، فإنّ المراد سعد بن أبي وقاص المعروف.

«بن مالك و عبد اللّه بن عمر فقالعليه‌السلام إنّ سعيدا» الكلام فيه كالأوّل.

«و عبد اللّه بن عمر» هكذا في (المصرية)( ٥ ) ، و (بن عمر) زائدة لعدم وجوده في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٦ ) ، و لعدم الاحتياج إليه بعد ذكره في كلام الخصم كما في (سعد).

«لم ينصرا الحق» و هو هوعليه‌السلام ، ففي متواتر الخبر و ظاهر العيان و الأثر كونهعليه‌السلام مع الحقّ و كون الحقّ معهعليه‌السلام ( ٧ ) من أوّله إلى آخره و سلام عليه

____________________

(١) الفتح: ١٠.

(٢) البقرة: ٢٧.

(٣) ص: ٢٨.

(٤) نهج البلاغة ٣: ٢١٦.

(٥) المصدر نفسه.

(٦) في شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٤٧ و شرح ابن ميثم ٥: ٣٧٧ «ابن عمر» أيضا.

(٧) هذا من الأحاديث المتواترة من طرق الخاصّة و العامّة. جملة من رواته من أعلام العامّة في كتاب الغدير ٣: ١٧٦ ١٨٠، و كتاب التاج الجامع للاصول كتاب الفضائل في فضل عليّ بن أبي طالب، و إحقاق الحقّ ١: ٥٨ و ٧: ٤٧٠، و كذا في بحار الأنوار باب أنّه من الحقّ و الحقّ معه ٣٨: ٢٦.

٥٨٦

يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حيا( ١) .

«و لم يخذلا الباطل» و هو أعداؤهعليه‌السلام من الناكثين و القاسطين و المارقين، فإنّهما و إن لم يعاوناهم لم يعادياهم فلم يحصلا منهما خذلان كامل.

إلاّ ان الثقفي رواه كما في (أمالي الشيخ) بلفظ آخر فروى عن أبي الوليد الضبي، عن أبي بكر الهذلي قال: دخل الحرث بن حوط الليثي على أمير المؤمنينعليه‌السلام و قال لهعليه‌السلام : ما أرى طلحة و الزبير و عايشة أضحوا إلاّ على حقّ فقالعليه‌السلام : «يا حارث إنّك إن نظرت تحتك و لم تنظر فوقك جزت عن الحقّ. إنّ الحقّ و الباطل لا يعرفان بالناس، و لكن اعرف الحق باتّباع من اتّبعه و الباطل باجتناب من اجتنبه» قال: فهلا أكون كعبد اللّه بن عمر و سعد بن مالك؟

فقالعليه‌السلام : إنّ عبد اللّه و سعدا خذلا الحق و لم ينصرا الباطل متى كانا إمامين في الخير فيتبعان( ٢ ) ؟

هذا و أما سعد فقد مر عنهعليه‌السلام فيه أنّه لم يبايعه لكونه حسودا، و روى سليم بن قيس في كتابه: أنّ سعدا إمام المذبذبين( ٣) .

و في (مروج المسعودي): لمّا حجّ معاوية طاف بالبيت و معه سعد، فلمّا فرغ انصرف إلى دار الندوة و أجلس سعدا معه على السرير، ثم وقع في سبّ عليّعليه‌السلام فزحف سعد و قال لمعاوية: أجلستني معك ثم شرعت في سبّ عليّ، و اللّه لئن يكون فيّ خصلة واحدة من خصال كانت لعليّعليه‌السلام أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، و اللّه لأن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي ما قال له يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله ليس بفرّار يفتح اللّه على يديه» أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه

____________________

(١) مريم: ١٥.

(٢) الأمالي للشيخ الطوسيّ ١: ١٣٣ ١٣٤، بحار الأنوار ٢٢: ١٠٥.

(٣) كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري، ١٥٢، طبع النجف الأشرف.

٥٨٧

الشمس. و اللّه لأن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي ما قال له في غزوة تبوك: «ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي» أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، و ايم اللّه لا دخلت لك دارا ما بقيت.

و نهض.

و وجدت في كتاب علي بن محمّد بن سليمان النوفلي، في الأخبار عن ابن عايشة و غيره: أنّ سعدا لمّا قال هذه المقالة لمعاوية و نهض ليقوم ضرط له معاوية و قال له: اقعد حتّى تسمع جواب ما قلت، فما كنت عندي قط ألأم منك الآن، فهلا نصرت عليّا؟ و لم قعدت عن بيعته؟ فإنّي لو سمعت من النبيّ فيه مثل الذي سمعت فيه لكنت خادما لعليّ ما عشت.

فقال سعد: و اللّه إنّي لأحق بموضعك منك.

فقال معاوية: يأبى عليك بنو عذرة و كان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة.

و في ذلك يقول السيّد الحميري:

سائل قريشا بها إن كنت ذا عمه

من كان أثبتها في الدين أوتادا

إن يصدقوك فلم يعدوا أبا حسن

إن أنت لم تلق للأبرار حسّادا

إن أنت لم تلق تيميّا أخا صلف

و من عدي لحق اللّه جحّادا

أو من بني عامر أو من بني أسد

رهط العبيد ذوي جهد و أوغادا

و رهط سعد و سعد كان قد علموا

عن مستقيم صراط اللّه صدّادا

قوم تداعوا زنيما ثم سادهم

لولا خمول بني زهر لمـّا سادا( ١)

و أما ابن عمر ففي (الطبري): أنّ عمر لمّا تمنى حين وفاته حياة أبي عبيدة و سالم مولى أبي حذيفة حتى يستخلفهما، قيل له: فابنك؟ قال: كيف

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٢٣ ٢٤، و النقل بتصرّف و تلخيص.

٥٨٨

استخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته( ١ ) ؟

و في (مسترشد الطبري) الإمامي مخاطبا للعامّة: و من فقهائكم و رواة أخباركم ابن عمر الذي قعد عن بيعة عليّعليه‌السلام ثم مضى إلى الحجّاج فطرقه ليلا فقال: هات يدك لابايعك لأمير المؤمنين عبد الملك فإني سمعت النبيّ يقول:

«من مات و ليس عليه إمام فميتته جاهلية» حتى أنكرها عليه الحجّاج مع كفره و عتوّه( ٢) .

و مرّ عن الإسكافي: أنّه بلغ من احتقار الحجّاج له أن أخرج رجله من الفراش، و قال اصفق بيدك عليها.

١٢ - الحكمة (١٤) و قالعليه‌السلام :

مَا كُلُّ مَفْتُونٍ يُعَاتَبُ أقول: قد عرفت في العنوان التاسع من رواية أبي مخنف التي نقلها (جمل المفيد): أنّهعليه‌السلام قال لسعد و ابن عمر و اسامة و محمّد بن مسلمة لمّا اعتذروا عن تخلّفهم عنه: «ما كل مفتون يعاتب ألستم على بيعتي؟» قالوا:

بلى. قال: «فانصرفوا فسيغني اللّه عنكم». و قلنا ثمة أنّ تبديل أبي الحسين المعتزلي ذيل الخبر: (فانصرفوا فسيغني اللّه عنكم) بقوله: (فاذا بايعتم فقد قاتلتم)، من تصرفاته في الخبر دفعا للطعن عن سعد و ابن عمر مع أنّك قد عرفت أنّ عدم بيعتهم متواترة، و أنّ الخبر شاذ و لو لم نطرحه لا بد من تأويله بكون المراد بكونهم على بيعتهعليه‌السلام عدم إخلالهم بخلافتهعليه‌السلام .

ثم إنّ المراد بقولهعليه‌السلام : (ما كلّ مفتون يعاتب)، أنّ المفتون إنّما يعاتب

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٤: ٢٢٧ ٢٢٨، سنة ٢٣.

(٢) ابن رستم الطبري: المسترشد: ١٦ ط الحيدرية، النجف.

٥٨٩

إذا كانت الفتنة عن التباس الأمر عليه، فيعاتب و يقال له: ويحك الأمر حقيقته كذا و كذا، و إمّا إذا كانت عن تلبيس على نفسه لمرض في قلبه، فلا يعاتب لأن العتاب لا يفيده و مثلهم المغيرة فيأتي أنّهعليه‌السلام قال: «المغيرة عمدا لبس على نفسه ليجعل الشبهات عاذرا لسقطاته».

و مر أنّهعليه‌السلام قال لعمّار لمّا ذهب إلى ابن عمر و ابن مسلمة و سعد و حاجّهم و أفحمهم و انصرف إليهعليه‌السلام : دع هؤلاء الرهط، أمّا ابن عمر فضعيف، و أما سعد فحسود، و ذنبي إلى محمّد بن مسلمة أنّي قتلت أخاه يوم خيبر.

و مرّ في الحادي عشر: أنّ سعدا لمّا ذكر لمعاوية أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيهعليه‌السلام يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله». و يوم تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي» قال له معاوية: ما كنت قط عندي ألأم منك الآن لعدم بيعتك معه مع ذلك.

و في (خلفاء ابن قتيبة): أنّ معاوية لمّا كتب إلى سعد: (قد نصر عثمان طلحة و الزبير و هما شريكاك في الأمر و الشورى) كتب إليه سعد: أنّ أهل الشورى ليس منهم أحد أحقّ بها من صاحبه، غير أنّ عليّا كان له من السابقة ما لم يكن فينا، و شاركنا في محاسننا و لم نشاركه في محاسنه، و كان أحقّنا كلّنا بالخلافة، و لكن مقادير اللّه التي صرفتها عنه حيث شاء لعلمه و قدره، و قد علمنا أنّه أحقّ بها منّا و لكن لم يكن بدّ من الكلام في ذلك و التشاجر...( ١) .

هكذا يقول سعد في حقّه و لا يبايعه، فأي عتاب يفيده.

____________________

(١) الإمامة و السياسة ١: ١٠٠.

٥٩٠

و أمّا قوله: (و لكن مقادير اللّه التي صرفتها عنه) فيقال له: كل شي‏ء يقع في الدّنيا بمقادير اللّه، و لكن الذي صرفتها عنهعليه‌السلام تدابير المنافقين لا مقادير اللّه.

١٣ - الحكمة (٤٠٥) وَ قَالَ ع؟ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ؟ وَ قَدْ سَمِعَهُ يُرَاجِعُ؟ اَلْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ؟

كَلاَماً دَعْهُ يَا؟ عَمَّارُ؟ فَإِنَّهُ لَنْ يَأْخُذَ مِنَ اَلدِّينِ إِلاَّ مَا قَارَبَهُ مِنَ اَلدُّنْيَا وَ عَلَى عَمْدٍ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ لِيَجْعَلَ اَلشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِهِ و قالعليه‌السلام لعمّار بن ياسر و قد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما:

أقول: رواه (أمالي المفيد) و (خلفاء ابن قتيبة)، ففي الأوّل: مسندا عن مالك بن أنس عن عمّه أبي سهل عن أبيه قال: إنّي لواقف مع المغيرة عند نهوض عليّعليه‌السلام من المدينة إلى البصرة إذ أقبل عمّار فقال له: هل لك في اللّه عزّ و جلّ يا مغيرة، فقال: و أين هو لي يا عمّار؟ قال: تدخل في هذه الدعوة فتلحق بمن سبقك و تسود من خلفك.

فقال له المغيرة: أو خير من ذلك؟ قال عمّار: و ما هو؟ قال: ندخل بيوتنا و نغلق علينا أبوابنا حتى يضي‏ء لنا الأمر، فنخرج و نحن مبصرون، و لا تكون كقاطع السلسلة أراد الضحك فوقع في الغنم. فقال له عمّار: هيهات هيهات أجهل بعد علم و أعمى بعد علم و أعمى بعد استبصار و اسمع لقولي، فو اللّه لن تراني إلاّ في الرعيل الأوّل، فطلع عليهما أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أبا اليقظان ما يقول لك الأعور، فإنّه و اللّه دائما يلبس الحقّ بالباطل و يموّه فيه، و لن يتعلّق من الدين إلاّ بما يوافق الدنيا، ويحك يا مغيرة إنّها دعوة تسوق من يدخل فيها إلى الجنّة.

٥٩١

فقال له المغيرة: صدقت يا أمير المؤمنين إن لم أكن معك فلن أكون عليك( ١) .

و في الثاني: دخل المغيرة على عليّعليه‌السلام فقالعليه‌السلام له: هل لك يا مغيرة في اللّه؟ قال: فأين هو يا أمير المؤمنين؟ قال تأخذ سيفك فتدخل معنا في هذا الأمر فتدرك من سبقك و تسبق من معك، فإنّي أرى امورا لا بد للسيوف أن تشحذ لها و تقطف الرؤوس بها. فقال المغيرة: إنّي و اللّه ما رأيت عثمان مصيبا و لا قتله صوابا، و إنّها لمظلمة تتلوها ظلمات، فاريد إن أذنت لي أن أضع و أنا في بيتي، حتّى تنجلي الظلمة و يطلع قمرها فنسري مبصرين نقفو آثار المهتدين و نتّقي سبيل الجائرين.

فقالعليه‌السلام له: لقد أذنت لك فكن من أمرك على ما بدا لك.

فقام عمّار فقال له: معاذ اللّه يا مغيرة تقعد أعمى بعد أن كنت بصيرا، يغلبك من غلبته و يسبقك من سبقته، انظر ما ترى و ما تفعل، فأما أنا فلا أكون إلاّ في الرعيل الأوّل.

فقال له المغيرة: يا أبا اليقظان إيّاك أن تكون كقاطع السلسلة فرّ من الضحاء فوقع في الرمضاء.

فقال عليّعليه‌السلام لعمّار: دعه فإنّه لم يأخذ من الآخرة إلاّ ما خالطته الدّنيا، أما و اللّه يا مغيرة إنّها المثوبة تؤدي من قام فيها إلى الجنّة و لمّا اختار بعدها، فإذا غششتنا فنم في بيتك.

فقال المغيرة: أنت و اللّه يا أمير المؤمنين أعلم منّي و لئن لا اقاتل معك لا اعين عليك، فإن يكن ما فعلت صوابا فإيّاه أردت، و إن خطأ فمنه نجوت، و لي ذنوب كثيرة لا قبل لي بها إلاّ الاستغفار منها( ٢) .

____________________

(١) الأمالي للمفيد: ٢١٧.

(٢) الإمامة و السياسة ١: ٥٠.

٥٩٢

قول المصنف: «و قالعليه‌السلام لعمار بن ياسر و قد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما» قد عرفت من الروايتين أنّ مراجعة عمّار للمغيرة كلاما إنّما كانت في دعوة عمّار للمغيرة إلى بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام و مساعدته على أعدائه، و إنّ المغيرة ما قبل ذلك، و قال لعمّار: مثلك في نصرتك له كمن فر من الضحاء فوقع في الرمضاء، بمعنى أنّك فررت من ضغطة أيّام عثمان فتقع بمساعدتهعليه‌السلام في ضغطات معاوية التي هي أكثر.

قولهعليه‌السلام : «دعه يا عمّار فإنّه لم يأخذ من الدين إلاّ ما قاربه من الدّنيا» هكذا في (المصرية)( ١ ) و لكن في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ٢ ) : (إلاّ ما قاربته الدّنيا) و حينئذ فالمراد لم يأخذ من الدّين إلاّ ما قاربته الدّنيا إليه، و أما دين لم تقاربه الدّنيا إليه، فلا يكترث المغيرة به. و يمكن أن يكون (قاربته) فيهما مصحف (قاربه) ففي (الخطيّة): «قاربه الدنيا».

و صدقعليه‌السلام حتى أنّ أصل إسلام المغيرة إنّما كان كذلك.

ففي (الاغاني) و نقله ابن أبي الحديد أيضا: أنّ المغيرة كان يحدّث حديث إسلامه قال: خرجت مع قوم من بني مالك و نحن على دين الجاهلية إلى المقوقس ملك مصر فدخلنا إلى الاسكندرية و أهدينا للملك هدايا كانت معنا و كنت أهون أصحابي على الملك فقبض هدايا القوم و أمر لهم بجوائز، و فضّل بعضهم على بعض و قصر بي فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له. و خرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم و هم مسرورون، و لم يعرض عليّ أحد منهم مواساة، فلمّا خرجوا حملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها فأشرب معهم، و نفسي تأبى أن تدعني معهم و قلت: ينصرفون إلى الطائف و يخبرون قومي بازدراء الملك إيّاي، فأجمعت على قتلهم، فقلت إنّي أجد صداعا

____________________

(١) نهج البلاغة ٣: ٢٥٠.

(٢) في شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٨ و شرح ابن ميثم ٥: ٤٤٠ «إلاّ ما قاربه من الدنيا» أيضا.

٥٩٣

فوضعوا شرابهم و دعوني، فقلت: رأسي يصدع و لكن اجلسوا فأسقيكم فلم ينكروا من أمري شيئا، فجلست أسقيهم فلمّا دبت فيهم اشتهوا الشرب فجعلت أصرف لهم الكأس و انتزع الكأس فأهمدتهم الخمر حتّى ناموا ما يعقلون، فوثبت إليهم فقتلتهم جميعا و أخذت جميع ما كان معهم و قدمت بالمدينة فوجدت النبيّ في المسجد و عنده أبو بكر و كان عارفا بي، فلمّا رآني قال: ابن أخي عروة، قلت: نعم، قد جئت أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسوله، فقال أبو بكر: أمن مصر أقبلت؟ قلت: نعم، قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني و بينهم بعض ما يكون بين العرب و نحن على دين الشرك فقتلتهم و أخذت أسلابهم، و جئت بها إلى النبيّ ليخمسها فإنّها غنيمة من المشركين، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمّا إسلامك فقبلته و لا نأخذ من أموالهم شيئا و لا نخمسها، لأنّ هذا غدر و الغدر لا خير فيه، فأخذني ما قرب و ما بعد، فقلت: انّما قتلتهم و أنا على دين قومي ثم أسلمت حين دخلت إليك الساعة، فقال: الإسلام يجب ما قبله و كان قتل منهم ثلاثة عشر رجلا و احتوى على ما معهم فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن حمل عمّه عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية( ١) .

و قال ابن أبي الحديد: و لمّا جاء عروة بن مسعود إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام الحديبية، نظر إلى المغيرة قائما على رأس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متقلّدا سيفا، فقال: من هذا؟ فقيل له: ابن أخيك المغيرة. قال: و أنت ها هنا يا غدر، و اللّه إنّي إلى الآن ما غسلت سوأتك( ٢) .

و قال أيضا: قال أصحابنا البغداديون: من كان إسلامه على هذا الوجه، و كانت خاتمته ما قد تواتر به الخبر من سبّه على المنابر إلى أن مات

____________________

(١) الأغاني ١٦: ٨٠ ٨٢، شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٩ ١٠، و النقل بتصرّف و تلخيص.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٢٠: ٨.

٥٩٤

عليّاعليه‌السلام ، و كان المتوسط من عمره الفسق و إعطاءه البطن و الفرج سؤلهما و ممالاة الفاسقين، كيف نتولاّه و لا نكشف فسقه و أي عذر لنا في الإمساك عنه( ١) .

قلت: لم ينحصر كشف فسقه بل نفاقه بمعتزلة بغداده، بل كشف ذلك قبلهم عبد الرحمن بن عوف أحد عشرتهم و ستتهم و عثمان بن عفان أحد عشرتهم و ستتهم و إمامهم الثالث و ذو نوريهم.

أمّا الأوّل ففي الجوهري في (سقيفته) و عوانة في (شوراه): أنّه لمّا بايع ابن عوف عثمان قال المغيرة لعثمان: أما و اللّه لو بويع غيرك لمّا بايعناه. فقال له ابن عوف: كذبت و اللّه لو بويع غيره لبايعته، و ما أنت و ذاك يا بن الدباغة؟ لو وليها غيره لقلت له مثل ما قلت الآن تقرّبا إليه و طمعا في الدّنيا( ٢) .

و أمّا الثاني ففي (الطبري): أنّ النّاس لمّا استسفروا عليّاعليه‌السلام بينهم و بين عثمان، دخل على عثمان و قال له: ممّا أنكر النّاس عليك توليتك الفسقة كابن عامر و الوليد بن عقبة. فقال له عثمان: انشدك اللّه يا عليّ هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك؟ قال: نعم، قال: فتعلم أنّ عمر ولاّه؟ قال: نعم، قال: فلم تلومني إن وليت ابن عامر في رحمه...( ٣) .

و ان كان فاروقهم أنكر نفاقه حيث جعله من المهاجرين لمّا دافع عنه في زناه، و مانع الشاهد الرابع من أداء شهادته حتى لا يرجم.

ففي (الأغاني) لأبي الفرج بعد ذكر أداء أبي بكرة و نافع و شبل بن معيد شهادتهم في رؤيتهم زنا المغيرة، كالميل في المكحلة: فأمر عمر أن ينحوا و لا يجالسهم أحد من أهل المدينة، و انتظر قدوم زياد فلمّا رآه مقبلا قال: إنّي

____________________

(١) المصدر نفسه ٢٠: ١٠.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٩: ٥٣.

(٣) تاريخ الطبريّ ٤: ٣٣٨، سنة ٣٤.

٥٩٥

لأرى رجلا لن يخزي اللّه على لسانه رجلا من المهاجرين( ١) .

و في حديث ابن شبه عن السري، عن عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان قال: لمّا جاء الثالث فشهد بزنا المغيرة، كان عمر كانّما نثر الرماد على وجهه، فلمّا جاء زياد جاء شاب يخطر بيديه، فرفع عمر رأسه إليه و قال له: ما عندك أنت يا سلح العقاب و صاح أبو عثمان صيحة تحكي صيحة عمر قال عبد الكريم: لقد كدت أن يغشى عليّ لصيحته فقال زياد لعمر: أما أن أحقّ ما حق القوم فليس عندي، و لكني رأيت مجلسا قبيحا و سمعت نفسا حثيثا و ابتهارا، و رأيته متبطنها، فقال عمر أ رأيته يدخل و يخرج كالميل في المكحلة؟

قال: لا( ٢) .

و في كثير من الروايات: قال زياد: رأيته رافعا برجليها و رأيت خصييه مترددين بين فخذيها و سمعت خفرا شديدا و نفسا عاليا، فقال عمر: أ أرأيته يدخله و يخرجه كالميل في المكحلة؟ قال: لا. فقال عمر: اللّه أكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم. فضربهم فقال أبو بكره بعد أن ضرب: أشهد أنّ المغيرة فعل كذا و كذا، فهمّ عمر بضربه. فقال له عليّعليه‌السلام : إن ضربته رجمت صاحبك.

و حجّ عمر بعد ذلك مرّة فوافق الرقطاء التي رمي بها المغيرة بالموسم فرآه و كان المغيرة يومئذ بالموسم فقال عمر للمغيرة: أ تعرف هذه؟ قال:

نعم، هذه ام كلثوم بنت عليّ، فقال له: ويحك أ تتجاهل عليّ؟ و اللّه ما أظن أبا بكرة كذب عليك، و ما رأيتك إلاّ خفت أن ارمى بحجارة من السماء و كان عليّ بعد ذلك يقول: إن ظفرت بالمغيرة لأتبعته أحجاره( ٣) .

و في (نقض الاسكافي): كان المغيرة يسبّ عليّاعليه‌السلام على منبر الكوفة

____________________

(١) الأغاني ١٦: ٩٥ ٩٧، و النقل بتلخيص.

(٢) المصدر نفسه ١٦: ٩٧ ٩٨.

(٣) المصدر نفسه.

٥٩٦

لأنّه بلغه أيّام عمر أن عليّا قال: لئن رأيت المغيرة لأرجمنه بأحجاره( ١) .

و في (مفاخرات الزبير بن بكار): اجتمع عمرو بن العاص و الوليد بن عقبة و عتبة بن أبي سفيان و المغيرة بن شعبة عند معاوية و قد كان بلغهم عن الحسن بن عليّعليه‌السلام قوارص فقالوا لمعاوية: إنّ الحسن قد أحيا أباه ابعث إليه فليحضر لنسبّه و نسبّ أباه و نوبّخه و نخبّره أن أباه قتل عثمان إلى أن قال: فتكلّم المغيرة فشتم عليّاعليه‌السلام و قال: و اللّه ما أعيبه في قضية يخون و لا في حكم يميل و لكنّه قتل عثمان فقال له الحسنعليه‌السلام : و أما أنت يا مغيرة فلم تكن بخليق أن تقع في مثل هذا، و إنّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة استمسكي فإنّي طائرة عنك، فقالت النخلة و هل علمت بك واقفة عليّ فأعلم بك طائرة عني؟ و اللّه ما نشعر بعداوتك إيّانا و لا اغتممنا إذ علمنا بها و لا يشقّ علينا كلامك، و إنّ حدّ اللّه في الزنا لثابت عليك، و لقد درأ عمر عنك حقّا اللّه سائله عنه، و لقد سألت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها؟ فقال: لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا لعلمه بأنّك زان...( ٢) .

و لم يكتف عمر بمنع زياد عن شهادته حتى لا يرجم، بل رفع درجته، فإنّه و إن عزله عن البصرة لكون زناه فيها، إلاّ انّه ولاّه الكوفة التي كانت أهم، حتّى صار مثلا بين النّاس (غضب اللّه عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة عزله عن البصرة و ولاّه الكوفة).

إلاّ أنّ عمر كان معذورا في ذلك، فعل ذلك به شكرا له لحمله له و لصاحبه على طلب الخلافة و مساعدته لهما في ذلك.

فروى الجوهري في (سقيفته): أنّ المغيرة مرّ بأبي بكر و عمر و هما جالسان على باب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قبض فقال لهما: ما يقعدكما؟ قالا: ننتظر هذا

____________________

(١) أورده ابن أبي الحديد في نهج البلاغة ٢: ٦٩.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٢٨٥ ٢٩٤، و النقل بتصرّف و تلخيص.

٥٩٧

الرجل يخرج فنبايعه يعنيان عليّاعليه‌السلام فقال لهما المغيرة: أ تريدون أن تنظروا خيل الحلبة من أهل هذا البيت و سعوها في قريش تتسع، فقاما إلى سقيفة بني ساعدة( ١) .

و لكن في أخبارنا أنّ إبليس تمثل بصورة المغيرة يوم السقيفة و قال:

أيّها النّاس لا تجعلوها كسرانية و لا قيصرانية و سعوها تتسع و لا تردوها في بني هاشم( ٢) .

و في (خلفاء ابن قتيبة) بعد ذكر امتناع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن بيعة أبي بكر و لحوقه بقبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و خطابه للنبي: يا... ابن امّ إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني...( ٣ ) ، و قول فاطمةعليها‌السلام لأبي بكر: «و اللّه لا دعون اللّه عليك في كلّ صلاة اصلّيها». و قولها له و لعمر بعد تقريرهما بأنّ سخطها من سخط اللّه: «اشهد اللّه و ملائكته انّكما أسخطتماني و لأشكونكما إليه إذا لقيته» فقال المغيرة لأبي بكر: أرى أن تلقوا العبّاس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيبا يكون له و لعقبه، و تكون لكما الحجّة على علي‏ا و بني هاشم إذا كان العبّاس معكم( ٤) .

و فعل ذلك به لاحتياجه بنفسه إليه بعد، و ليبقى بعده و يساعد ولاة الأمر بعده على استيصال أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ففي (الطبري): لمّا ولّى معاوية المغيرة الكوفة سنة (٤١) قال له: أردت إيصاءك بأشياء كثيرة و أنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني و يسعد سلطاني، و يصلح به رعيتي، و لست تاركا إيصاءك بخصلة، لا تتحمّ عن شتم

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٤٣، السقيفة و فدك: ٦٨.

(٢) الجوهري: السقيفة و فدك: ٦٨ مكتبة نينوى، طهران، و أورده المجلسي في بحاره ٢٨: ٢٠٥.

(٣) الأعراف: ١٥٠.

(٤) الإمامة و السياسة ١: ١٢ ١٥، و النقل بتصرّف و تلخيص.

٥٩٨

عليّ و ذمه، و العيب على أصحابه و الإقصاء لهم، و ترك الاستماع منهم و عن الترحم على عثمان و إطراء شيعته و الإدناء لهم و الاستماع منهم. فقال له المغيرة: قد جربت و جربت، و عملت قبلك لغيرك فلا يذمم بي دفع و لا رفع و لا وضع...( ١) .

و من اطمينان المغيرة بعمر لمّا قال في الموسم للمغيرة و كان رأى ثمة تلك المرأة: أ تعرفها؟ استهزأ به المغيرة و قال: له: هي امرأتك كما مر، و عمر و إن قال له: ما رأيتك إلاّ خفت أن ارمى بحجارة من السماء، إلاّ أنّه كان جوابا ظاهريا، مع أنّه كان إقرارا من عمر بإبطاله الحدّ في حقّه و إلاّ لم خاف( ٢) .

ثم إنّ المغيرة اجترأ ان يقول لعمر: هي امرأتك لكونها بنتهعليه‌السلام ، لعلمه بعداوته معه و أنّه نكحها إذلالا لهعليه‌السلام ، و لو كان المغيرة تسمى امرأة اخرى لعمر و لو كانت في غاية الدناءة ما احتمل عمر ذلك له مع منزلته تلك عنده.

و من اطمينانه بعمر لمّا لم يأت زياد بلفظ الميل في المكحلة و إن أتى بمعناه، قال المغيرة لزياد حين أراد اداء شهادته: و اللّه لو كنت بين بطني و بطنها ما رأيت أين سلك ذكري منها( ٣) .

و من اطمينانه بعمر أنّه لمّا دعا بالشهود فتقدم أبو بكرة فقال له عمر:

أ رأيته بين فخذيها؟ فقال أبو بكرة: نعم، و اللّه لكأنّي أنظر تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة: لقد ألطفت النظر أ ليس كلّ ذلك إقرارا من المغيرة في حضور عمر؟ و قد أراد المغيرة في قوله لزياد: «لو كنت بين بطني و بطنها ما رأيت أين سلك ذكري منها» إفهام زياد أنّ الاستشهاد مجرّد صورة، و عمر

____________________

(١) الطبري، تاريخ الامم و الملوك ٣: ٢١٨ دار الكتب العلمية، بيروت في حوادث، سنة ٤٥١ و ذكره ابن الاثير في الكامل ٣: ٤٧٢ دار صادر.

(٢) الأغاني ١٦: ٩٩.

(٣) الأغاني ١٦: ٩٨.

٥٩٩

معه فلا يؤدي زياد شهادته( ١) .

و من اطمينانه بعمر أنّه لمّا شخص من البصرة إلى عمر رأي: في طريقه جارية فأعجبته فخطبها إلى أبيها، فقال له: أنت على هذه الحال يعني يذهبون بك لإجراء الحدّ عليك و يرجموك فقال لأبيها: و ما عليك أن أعف، فهو الذي نريد، و إن اقتل ترثني. فزوّجه و قدم بها على عمر فقال له: إنّك لفارغ القلب طويل الشبق( ٢) .

و كيف لا يكون فارغ القلب و كان مطمئنا به؟ و لمّا ضرب الثلاثة الحدّ قال لهم المغيرة: اللّه أكبر الحمد للّه الذي أخزاكم.

و عمر و إن كان قال له: اسكت أخزى اللّه مكانا و اراك، إلاّ أنّه قال ذلك لئلاّ يفتضح بدفاعه عنه، مع أنّ الظاهر أنّه دعا على مكان وقع العمل من المغيرة، لعدم كونه مكانا يواريه حتّى يروه و يحصل له كلفة.

و ممّا يدلّ على إعماله الغرض في أمره أنّه ضرب أبا بكرة ضربا شديدا فوق الحدّ، حتّى أمرت امّه بشاة فذبحت و جعلت جلدها على ظهره( ٣) .

هذا و قد قال حسّان في هجو المغيرة في عمله هذا:

لو أنّ اللوم ينسب كان عبدا

قبيح الوجه أعور من ثقيف

تركت الدين و الإسلام لمـّا

بدت لك غدوة ذات النصيف( ٤)

و كيف لا يدافع عمر عنه و هو سمّى عمر أمير المؤمنين؟ فقال الزبير بن بكار: لمّا ولّي عمر قال: كان أبو بكر يقال له خليفة النبيّ، فكيف يقال لي خليفة خليفة النبيّ بطول هذا؟ فقال له المغيرة: أنت أميرنا و نحن المؤمنون( ٥) .

____________________

(١) الأغاني ١٦: ٩٦ ٩٨، و النقل بتلخيص.

(٢) الأغاني ١٦: ١٠٠.

(٣) الأغاني ١٦: ٩٨ ٩٩.

(٤) الأغاني ١٦: ١٠٠.

(٥) لم يشر الزبير بن بكار الى هذا الموضوع في أخبار الموفقيات بل اكتفى بمخاطبة المغيرة بن شعبة لعمر بلقب أمير المؤمنين راجع صفحة ٦٢٠ رقم (٤٠٣) و يذكر ابن هلال العسكري في الأوائل: ١٠٣ أن عمرو بن العاص هو أوّل من سمى عمر بأمير المؤمنين.

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607