بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253904 / تحميل: 8981
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

كذّابا ثم قال لهما : فردّاها عليه و أعلماه أنّه لا حاجة لي فيها و لا فيما عنده حتى ألقى اللَّه ربّي فيكون هو الحاكم بيني و بينه(١) .

و روى ( الكافي ) : ان رجلا من أصحاب أبي عبد اللَّهعليه‌السلام كان يدخل عليه فغبر زمانا(٢) لا يحجّ ، فدخل عليه بعض معارفه فقالعليه‌السلام : كيف فلان ؟ ما فعل ؟ قال : فجعل يضجع(٣) الكلام يظن انّهعليه‌السلام يعني الميسرة و الدنيا فقالعليه‌السلام له : كيف دينه ؟ فقال : كما تحبّ فقالعليه‌السلام : هو و اللَّه الغني(٤) .

و روى أن بلالا أقبل من جهة الحلبة ، فسأله رجل : من سبق ؟ قال :

المقرّبون قال : أسألك عن الخيل قال : و اجيبك عن الخير(٥) .

٤ الحكمة ( ٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

أَشْرَفُ اَلْغِنَى تَرْكُ اَلْمُنَى أقول : نقله المصنف جزء عنوانه ٢١١ ٣ فذكره هنا تكرار ، و وجهه ما قاله في الديباجة من الاعتذار(٦) .

و كيف كان فوجه ما قالهعليه‌السلام ان من ترك المنى استغنى عن كثير من علائق الدنيا فيكون غناه أشرف غنى .

____________________

( ١ ) رجال الكشي : ٢٧ ٢٨ .

( ٢ ) غبر غبورا : مكث و في بعض النسخ ( فصبر زمانا ) .

( ٣ ) يضجع الكلام : أي يقصر فيه .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٢١٦ ح ٤ .

( ٥ ) لم نعثر عليه في ترجمة بلال بن رباح انظر الاصابة ١ : ١٧٠ و طبقات ابن سعد ٣ : ٢٣٢ و حلية الأولياء ١ : ١٤٧ .

( ٦ ) في الكلمة التي أولها : الجود حارس الأعراض .

٢٤١

٥ الحكمة ( ٥٤ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ غِنَى كَالْعَقْلِ وَ لاَ فَقْرَ كَالْجَهْلِ وَ لاَ مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ وَ لاَ ظَهِيرَ كَالْمُشَاوَرَةِ « لا غنى كالعقل » قال ابن أبي الحديد : في ( كامل المبرد ) قال أبو عبد اللَّهعليه‌السلام : خمس من لم تكن فيه ، لم يكن فيه كثير مستمتع : العقل ، و الدين ، و الأدب ، و الحياء ، و حسن الخلق(١) .

و قال أيضا : لم يقسم بين الناس شي‏ء أقل من خمس : اليقين و القناعة و الصبر و الشكر و الخامسة التي يكمل بها هذا كلّه العقل(٢) .

و قال أيضا : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان اللَّه ليبغض الضعيف الذي لا زبر له و الزبر العقل(٣) .

و قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما قسم اللَّه للعباد أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، و فطر العاقل أفضل من صوم الجاهل ، و إقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ، و ما بعث اللَّه رسولا حتى يستكمل فيه العقل حتى يكون عقله أفضل من عقول جميع امّته ، و ما يضمره في نفسه أفضل من

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٥ ، و أورده المجلسي في بحار الأنوار ١ : ٨٣ ، و لم نعثر عليه في الكامل ، لا في الطبعة البيروتية و لا في الطبعة المصرية القديمة و لا الحديثة ، و أيضا تمت مراجعة فهارس الكامل التي نظمها سيد كيلاني في الطبعة المصرية للناشر ( البابي ) و لربّما كان النصّ موجودا في الكتاب أيم ابن أبي الحديد فسقط مثله مثل الكثير من النصوص التي سقطت أما سهوا أو عمدا و قد نقل العلاّمة التستري النصّ من ابن أبي الحديد .

( ٢ ) أورده المجلس عن أبي الوليد عن ابن مطان عن أبي عبد اللَّهعليه‌السلام قال : لم يقسم بين العباد أقل من خمس : اليقين و القنوع و الصبر و الشكر ، و الذي يكمل به هذا كله العقل ، بحار الأنوار ١ : ٨٧ و ذكره ابن أبي الحديد في شرحه ١٨ : ١٨٥ .

( ٣ ) معاني الأخبار للصدوق ٢ : ٣٤٤ ح ١ ، و ذكره ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٥ .

٢٤٢

اجتهاد جميع المجتهدين ، و ما أدّى العبد فرائض اللَّه تعالى حتى عقل عنه ، و لا يبلغ جميع العابدين في عباداتهم ما يبلغه العاقل ، و العقلاء هم أولو الألباب الذين قال تعالى عنهم و ما يَذَّكَّرُ إلاّ أولوا الألباب(١) .

و قال رجل من أصحاب أبي عبد اللَّهعليه‌السلام و قد سمعه يقول بل يروى مرفوعا ( إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله فإنّما يجازى بعقله ) يا ابن رسول اللَّه إنّ لي جارا كثير الصدقة كثير الصلاة كثير الحجّ .

فقال : كيف عقله ؟ فقال : ليس له عقل فقال : لا يرتفع بذاك منه(٢) .

و قال : ما بعث اللَّه نبيّا إلاّ عاقلا ، و بعض النبيين أرجح من بعض ، و ما استخلف داود سليمان حتى اختبر عقله و هو ابن ثلاث عشرة سنة ، فمكث في ملكه ثلاثين سنة(٣) .

و قال : صديق كل امرى‏ء عقله ، و عدوّه جهله(٤) .

و قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّا معاشر الأنبياء نكلّم الناس على قدر عقولهم(٥) .

و سئل ما العقل ؟ فقال : ما عبد به الرحمن ، و اكتسب به الجنان(٦) .

و قال : سئل الحسن بن عليعليهما‌السلام عن العقل فقال : التجرّع للغصة ،

____________________

( ١ ) مرّ ذكره في الصفحة ١٣ ، و ذكره ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٥ ١٨٦ و الآية ٢٦٩ من سورة البقرة .

( ٢ ) أخرجه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبد اللَّه ، الكافي ١ : ٢٤ ح ١٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٦ .

( ٤ ) أخرجه الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن الجهم قال : سمعت الإمام الرضاعليه‌السلام يقول : . إلى آخر الحديث الكافي ١ : ١١ ح ٤ و ذكره ابن أبي الحديد في شرحه ١٨ : ١٨٦ .

( ٥ ) أورده الحراني في تحف العقول بهذا اللفظ : إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم . : ٢٦ و أورده العقيلي في الضعفاء بلفظ « أمرنا أن نكلّم » ١ : ٨٥ و في : ١٠٦ بدون هذا اللفظ .

( ٦ ) أخرجه الكليني عن أحمد بن إدريس عن محمّد بن عيد الجيار عن بعض الأصحاب رفعه إلى أبي عبد اللَّهعليه‌السلام ١ :

١١ ح ٣ و ذكره ابن أبي الحديد بسنده عن أبي العباس المبرد ١٨ : ١٨٦ .

٢٤٣

و مداهنة الأعداء(١) .

و قالعليه‌السلام : العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ، و لا يسأل من يخاف منعه ، و لا يثق بمن يخاف غدره ، و لا يرجو من لا يوثق برجائه(٢) .

و قال : قال المبرد : روي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : كان موسىعليه‌السلام يدني رجلا لطول سجوده و طول صمته ، فلا يكاد يذهب إلى موضع إلاّ هو معه ، فبينا هو يوما من الإمام إذ مرّ على أرض معشبة تهتزّ ، فتأوّه الرجل ، فقال له موسىعليه‌السلام : على ماذا تأوهت ؟ قال : تمنيت أن يكون لربي حمار أرعاه هنا .

فأكبّ موسىعليه‌السلام طويلا ببصره إلى الأرض اغتماما بما سمع منه ، فانحطّ عليه الوحي : ما الذي أنكرت من مقالة عبدي ، إنّما آخذ عبادي على قدر ما آتيتهم(٣) .

قال : و روى عن عليعليه‌السلام : هبط جبرئيل على آدمعليه‌السلام بثلاث ليختار واحدة و يدع اثنتين ، و هي العقل و الحياء و الدين ، فاختار العقل فقال جبرئيل :

للحياء و الدين انصرفا ، فقالا : إنّا امرنا أن نكون مع العقل حيث كان فقال :

فشأنكما ، ففاز بالثلاث(٤) .

قلت : و في السير : أتى نصيب الشاعر عبد الملك ، فأنشده فاستحسن شعره و وصله ثم دعا بالطعام فأكل معه ، فقال له : هل لك في المنادمة ؟ فقال له : تأمّلني قال : قد أراك قال : جلدي أسود و خلقي مشوّه و وجهي قبيح و لست في منصب ، و إنّما بلغ بي مجالستك و مؤاكتك عقلي ، و أنا أكره أن أدخل عليه

____________________

( ١ ) بحار الأنوار ١ : ١٣٠ ، بحار الأنوار ٧٥ : ٣٩٤ و عن أمير المؤمنين مثله و زاده مداراة الأصدقاء و ذكره ابن أبي الحديد في شرحه ١٨ : ١٨٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٧ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٧ ، و ذكره الصدوق في المواعظ : ١٢٥ ح ١ .

٢٤٤

ما ينقصه ، فأعجبه كلامه فأعفاه(١) .

« و لا فقر كالجهل » قال شاعر :

و لم أر مثل الجهل أدنى إلى الردى

و لا مثل بغض الناس غمض صاحبه

أيضا :

تعلم فليس المرء يولد عالما

و ليس أخو علم كمن هو جاهل

و إنّ كبير القوم لا علم عنده

صغير إذا التفّت عليه المحافل(٢)

و في ( عيون ابن قتيبة ) : خرج الوليد بن يزيد حاجّا و معه عبد اللَّه بن معاوية بن عبد اللَّه بن جعفر ، فكانا ببعض الطريق يلعبان بالشطرنج ، فاستأذن عليه رجل من ثقيف ، فأذن له و ستر الشطرنج بمنديل ، فلمّا دخل سلّم فسأله حاجته فقال له الوليد : أقرأت القرآن قال : لا قال : أفتعرف الفقه قال : لا قال :

أفرويت من الشعر شيئا ؟ قال : لا قال : أفعلمت من أيام العرب شيئا ؟ قال : لا .

فكشف الوليد المنديل و قال لعبد اللَّه ما معنا أحد(٣) .

و في السير : لمّا قدم عبد الملك الكوفة بعد قتل مصعب ، جلس لعرض أحياء العرب ، فقام إليه معبد الجدلي و كان قصيرا دميما فتقدّمه إليه رجل حسن الهيئة ، فنظر إليه عبد الملك و قال : من أنت ؟ فسكت و لم يقل شيئا قال معبد و كان منّا فقلت من خلفه : نحن من جديلة ، فأقبل على الرجل و تركني و قال له : من أيّكم ذو الأصبع قال الرجل : لا أدري قلت : كان عدوانيا ، فأقبل على الرجل و تركني و قال له : لم سمّي ذو الاصبع قال : لا أدري قلت : نهشته حيّة في اصبعه فيبست فأقبل على الرجل و تركني فقال : و بم كان يسمّى قبل

____________________

( ١ ) ذكره المبرد الحكاية في ( الفاضل ) : ٣١٧ و نسب الحكاية إلى عبد اللَّه بن جعفر و ليس عبد الملك بن مروان .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٣١ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٢٠ ١٢١ بتصرف .

٢٤٥

ذلك ؟ قال : لا أدري قلت : كان يسمّى حرثان فأقبل على الرجل و تركني و قال له : من أيّ عدوان كان ؟ فقلت من خلفه : من بني ناج الذين يقول فيهم الشاعر :

و أمّا بنو ناج فلا تذكرنّهم

و لا تتبعن عينيك ما كان هالكا

إذا قلت معروفا لاصلح بينهم

يقول و هيب لا اسلّم ذلكا

فأضحى كظهر الفحل جُبّ سنامه

يدبّ إلى الأعداء أحدب باركا

فأقبل على الرجل و تركني فقال له : أنشدني قوله

« عذير الحي من عدوان »

قال : لا أدري قلت : إن شئت أنشدتك قال : ادنّ منّي فإنّي أراك بقومك عالما ، فأنشدته أبياته فقال للرجل : كم عطاؤك ؟ قال : ألفان و قال لي : كم عطاؤك ؟ قلت : خمسمائة فأقبل على كاتبه و قال : إجعل الألفين لهذا و الخمسمائة لهذا ، فانصرفت بها(١) .

« و لا ميراث كالأدب » في أدب كاتب الصولي : قال فضل البريدي : كان ولد محمد بن نصر بن بسّام يقرأون عليّ الشعر ، و كذلك أولاد عبد اللَّه بن إسحاق بن إبراهيم و كانوا ادباء ، و كان محمد بن نصر و عبد اللَّه بن إسحاق منفردين ، فجلسا يوما في مجلس فيه أولادهما و مدّت ستارة لم يسمع الناس بأحذق في الغناء ممّن خلفها ، و في المجلس ما يكون مثله في مجالس الخلفاء و أزيد ، فغنت صاحبة الستارة شعرا لجرير :

ألا حيّ الديار بسعد(٢) إني

أحبّ لحبّ فاطمة الديارا

فقال عبد اللَّه لمحمد : لو لا جهل الأعراب ما معنى السعد ها هنا .

فقال محمد : لا تغفل ، فإنّه يقوّي معدهم و يصلح أسنانهم .

قال فضل البريدي : فقال لي علي بن محمد : يا استاذ إصفع أيّا شئت

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ٣ : ٩١ ٩٢ و ذكره شرح ابن أبي الحديد مع فارق في شرح نهج البلاغة ١٨ : ٩٥ .

( ٢ ) سعد : بالضم موضع بنجد .

٢٤٦

منهما و اجعله أبي(١) .

و في ( بيان الجاحظ ) : لحن الوليد بن عبد الملك على المنبر ، فقال الكروس : لا و اللَّه ان رأيته على هذه الأعواد قط فأمكنني أن أملأ عينيّ منه ، من كثرته في عيني و جلالته ، فإذا لحن هذا اللحن الفاحش صار عندي كبعض أعوانه قال عبد الملك : أضرّ بالوليد حبّنا له فلم نوجهه إلى البادية(٢) .

و من الادباء في عصر السفّاح ، خالد بن صفوان الذي نقل ( مروج المسعودي ) عنه مباحثة بين رجل و امرأة و أن المرأة تقول للرجل : من أي قبيلة أنت ؟ فيقول الرجل : من القبيلة الفلانية فتقول المرأة هذه القبيلة : قال الشاعر فيها : و تذكر أبيات هجو و يقول الرجل بل من قبيلة اخرى ، فتفعل كذلك في كلّ قبيلة سمّاها حتى قبيلة هاشم ، فقال السفّاح لخالد : إن كنت تقوّلت هذا الخبر و نظمت فيمن ذكرت هذه الأشعار ، فأنت سيّد الكاذبين ، و ان كان الخبر حقّا فتلك المرأة من أحضر الناس جوابا و أبصرهم بمثالب الناس(٣) .

و كان الجاحظ يتعجّب من قول خالد في وصف أهل اليمن أنّهم بين حائك برد ، و دابغ جلد ، ملكتهم امرأة ، و أغرقتهم فأرة ، و دلّ عليهم هدهد(٤) .

و من الأدباء في عصر المتوكل ، أبو العيناء ، كان آية عجيبة في ذلك(٥) .

و قال ابن أبي الحديد : في حكم الفرس عن بزرجمهر : ما ورّثت الآباء أبناءها شيئا أفضل من الأدب ، لأنّها إذا ورّثتها الأدب اكتسبت بالأدب المال ،

____________________

( ١ ) الصولي ، أدب الكتاب : ١٧١ .

( ٢ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٢٠٥ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٧١ .

( ٤ ) ذكره شرح ابن أبي الحديد و نسبه إلى خالد بن صفوان ١ : ٢٩٧ .

( ٥ ) هو أبو عبد اللَّه محمد بن القاسم صاحب النوادر و الشعر و الأدب ، أصله من اليمامة و مولده الأهواز و منشؤه البصرة ( وفيات الاعيان لابن خلكان ٤ : ٣٤٣ ) .

٢٤٧

و إذا ورّثتها المال بلا أدب أتلفتها بالجهل و قعدت صفرا من المال و الأدب(١) .

و قال بعض الحكماء : من أدب ولده صغيرا سرّ به كبيرا(٢) .

و ثلاثة لا غربة معهن ، مجانبة الريب ، و حسن الأدب ، و كفّ الأذى(٣) .

و عليكم بالأدب ، فانّه صاحب في السفر ، و مؤنس في الوحدة ، و جمال في المحفل ، و سبب إلى طلب الحاجة(٤) .

و قال بزرجمهر : من كثر أدبه كثر شرفه و ان كان قبل وضيعا ، و بعد صيته و إن كان خاملا ، و ساد و إن كان غريبا ، و كثرت الحاجة إليه و إن كان مقلاّ(٥) .

و قال بعض الملوك لبعض وزرائه : ما خير ما يرزقه العبد ؟ قال : عقل يعيش به قال : فان عدمه ؟ قال : أدب يتحلّى به قال : فان عدمه ؟ قال : مال يستتر به قال : فان عدمه ؟ قال : صاعقة تحرقه فتريح منه العباد و البلاد(٦) .

« و لا ظهير كالمشاورة » قال أعرابي : ما غبنت حتى يغبن قومي قيل له :

كيف ذلك ؟ قال : لأني لا أفعل شيئا حتى أشاورهم(٧) .

و قال بشّار :

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

بحزم نصيح أو نصاحة حازم

و لا تجعل الشورى عليك غضاضة

فريش الخوافي تابع للقوادم(٨)

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) معجم الادباء لياقوت الحموي ١ : ٧٤ ، و أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٨ : ١٨٨ .

( ٥ ) معجم الادباء لياقوت الحموي ١ : ٧٤ ، و أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٨ : ١٨٨ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٨٨ .

( ٧ ) ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ : ٣٢ ، و ذكره ابن عبد ربه بلفظ مشابه في العقد الفريد ٢ : ٤١٣ .

( ٨ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٨٣ و عجز البيت الثاني فيه فإن الخوافي عدّة للقوادم في الشعر و الشعراء : ٨٤ باللفظ

٢٤٨

و عن الأصمعي قلت لبشّار : رأيت رجال الرأي يعجبون من أبياتك في المشورة فقال : أو ما علمت أنّ المشاور بين احدى الحسنيين : صواب يفوز بثمرته ، أو خطأ يشارك في مكروهه فقلت له : أنت و اللَّه في هذا الكلام أشعر منك في شعرك(١) .

و في ( المبهج ) : ثمرة رأي الأديب المشير أحلى من الأرى(٢) المشور(٣) .

٦ الخطبة ( ١٠١ ) ( و منها ) :

اَلْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ وَ كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ وَ إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ اَلرِّجَالِ إِلَى اَللَّهِ لَعَبْداً وَكَلَهُ اَللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ جَائِراً عَنْ قَصْدِ اَلسَّبِيلِ سَائِراً بِغَيْرِ دَلِيلٍ إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ اَلدُّنْيَا عَمِلَ وَ إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ اَلْآخِرَةِ كَسِلَ كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَ كَأَنَّ مَا وَنَى فِيهِ سَاقِطٌ عَنْهُ « و منها » هكذا في الطبعة ( المصرية )(٤) ، و الصواب : ( منها ) كما في ابن أبي الآتي و ذكره ابن قتيبة :

إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن

برأي نصيح أو نصيحة حازم

و لا تحسب الشورى عليك غضاضة

فإن الخوافى راد فات القوادم

____________________

( ١ ) ذكره الجرجاني في الكنايات : ٦٠ بهذا اللفظ :

قال الأصمعي : قلت لبشار ما احسن ابياتك يا أبا معاذ يريدها فقال : أو ما علمت ان المشاورة بين إحدى الحسنيين ، صواب يفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه ، فقلت له هذا و اللَّه أحسن من الشعر .

( ٢ ) الأرى : العسل .

( ٣ ) ذكره ابن أبي الحديد في شرحه ١٨ : ٣٨٣ بقوله : و من ألفاظهم البديعة و لم يشر إلى قائله ، و لم نعثر على كتاب المبهج .

( ٤ ) في النسخة المصرية المنقحة ٢٤٨ : ( منها ) .

٢٤٩

الحديد(١) و ابن ميثم(٢) و الخطية(٣) ، و لأنه لا وجه للعطف .

« العالم من عرف قدره ، و كفى بالمرء جهلا ألاّ يعرف قدره » في ( الكافي ) عنهعليه‌السلام : ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه ، و لا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه(٤) .

« و ان من أبغض الرجال إلى اللَّه » ليست كلمة « إلى اللَّه » في الطبعة ( المصرية ) مع انّها موجودة في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و الخطية(٥) .

« لعبدا وكله اللَّه إلى نفسه جائرا عن قصد السبيل » أي : مائلا عن عدل الطريق .

« سائرا بغير دليل » و لا بد في مثله أن يضلّ و لا يصل إلى مقصد .

و روى ( بدع الكافي ) عنهعليه‌السلام : إنّ من أبغض الخلق إلى اللَّه تعالى لرجلين : رجلا وكله اللَّه تعالى إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة قد لهج بالصوم و الصلاة ، فهو فتنة لمن افتتن به ضالّ عن هدى من كان قبله مضلّ لمن اقتدى به في حياته و بعد موته ، حمّال خطايا غيره ، رهن بخطيئته(٦) .

« إن دعي إلى حرث الدّنيا عمل ، و إن دعي إلى حرث الآخرة كسل ، كأنّ ما عمل له واجب عليه ، و كأن ماونى » أي : ضعف و فتر .

« فيه ساقط عنه » .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ١٠٧ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١٨ .

( ٣ ) النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٨٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٥١ ح ١٤ ، أخرجه عن أبي عائشة البصري مرفوعا .

( ٥ ) النسخة المصرية المصححة تتضمن لفظ « إلى اللَّه » خلافا لمّا ذكر و المتعلق بالنسخة القديمة .

( ٦ ) الاصول الكافي للكليني ١ : ٥٥ ح ٦ أخرجه عن مسعدة بن صدقة .

٢٥٠

روى ( الكافي ) عنهعليه‌السلام قال : أيّها الناس إعلموا أنّ كمال الدين طلب العلم و العمل به ، ألا و إنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إنّ المال مقسوم مضمون لكم ، قد قسّمه عادل بينكم و ضمنه و سيفي لكم ، و العلم مخزون عند أهله و قد امرتم بطلبه من أهله فاطلبوه(١) .

و قد نظم البهائي « ره » مضمون قولهعليه‌السلام ( ان دعي إلى حرث الدّنيا عمل و ان دعي إلى حرث الآخرة كسل ) بالفارسية ، فقال مشيرا إلى الحرثين :

در ره آن تيز هوش و زيركى

در ره اين كند فهم و احمقى

در ره آن ميدوى از جان و دل

در ره اين ميروى چون خر به گل(٢)

٧ الحكمة ( ١١٣ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ مَالَ أَعْوَدُ مِنَ اَلْعَقْلِ وَ لاَ وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ اَلْعُجْبِ وَ لاَ عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ وَ لاَ كَرَمَ كَالتَّقْوَى وَ لاَ قَرِينَ كَحُسْنِ اَلْخُلُقِ وَ لاَ مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ وَ لاَ قَائِدَ كَالتَّوْفِيقِ وَ لاَ تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ اَلصَّالِحِ وَ لاَ رِبْحَ كَالثَّوَابِ وَ لاَ وَرَعَ كَالْوُقُوفِ عِنْدَ اَلشُّبْهَةِ وَ لاَ زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي اَلْحَرَامِ وَ لاَ عِلْمَ كَالتَّفَكُّرِ وَ لاَ عِبَادَةَ كَأَدَاءِ اَلْفَرَائِضِ وَ لاَ إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ وَ اَلصَّبْرِ وَ لاَ حَسَبَ كَالتَّوَاضُعِ وَ لاَ شَرَفَ كَالْعِلْمِ وَ لاَ مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنَ اَلْمُشَاوَرَةِ أقول : هو جزء خطبة الوسيلة التي خطبعليه‌السلام بها لسبعة أيام من وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما رواه ( روضة الكافي ) عن الباقرعليه‌السلام ، لكن فيه : أيها الناس

____________________

( ١ ) من الكافي للكليني ١ : ٣٠ ٣١ ح ٤ ، أخرجه عن أبي اسحاق السبيعي عمّن حدّثه .

( ٢ ) ورد في ( الكليات ) باختلاف طفيف ، راجع كليات الشيخ البهائي : ١٧ .

٢٥١

إنّه لا مال أعود من العقل ، و لا فقر أشدّ من الجهل ، و لا واعظ أبلغ من النصح ، و لا عقل كالتدبّر ، و لا علم كالتفكّر ، و لا مظاهرة أوثق من المشاورة ، و لا وحشة أشدّ من العجب ، و لا ورع كالكفّ عن المحارم ، و لا حلم كالصبر و الصمت(١) .

« لا مال أعود من العقل » في ( كنز الكراجكي ) قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

العقل ولادة ، و العلم إفادة ، و مجالسة العلماء زيادة(٢) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ليس بين الإيمان و الكفر إلاّ قلّة العقل(٣) .

قيل : و كيف ذاك ؟ قال : ان العبد يرفع رغبته إلى مخلوق ، فلو أخلص نيّته للَّه لأتاه الذي يريد في أسرع من ذلك(٤) .

و في ( عيون القتيبي ) : لو صور العقل لا ظلمت معه الشمس(٥) .

« و لا وحدة أوحش من العجب » في ( عقاب الأعمال ) عن أبي جعفرعليه‌السلام : انّ اللَّه تعالى فوّض الأمر إلى ملك من الملائكة فخلق سبع سماوات و سبع أرضين و أشياء فلما رأى الأشياء قد انقادت له قال : من مثلي ؟ فأرسل اللَّه تعالى نويرة من نار مثل انملة ، فاستقبلها بجميع ما خلق حتى وصلت إليه لمّا أن دخله العجب(٦) .

و في ( تفسير القمي ) : لمّا كلّم اللَّه تعالى موسىعليه‌السلام و أنزل عليه الألواح رجع إلى بني اسرائيل ، فصعد المنبر فأخبرهم أنّ اللَّه كلّمه و أنزل عليه التوراة

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني ٨ : ١٨ ح ٤ .

( ٢ ) كنز الفوائد للكراجكي ١ : ٥٦ .

( ٣ ) يعني ان قليل العقل متوسط بين المؤمن و الكافر ، فليس مؤمنا حقيقيا كاملا لمّا فيه من قصور العقل .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٢٨ ح ٣٣ اسنده إلى محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن بعض الأصحاب عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

( ٥ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٢٨٠ نقلا عن أعرابي .

( ٦ ) ثواب الأعمال و عقاب الأعمال للصدوق : ٥٧١ .

٢٥٢

ثم قال في نفسه : ما خلق اللَّه خلقا أعلم منّي فأوحى اللَّه تعالى إلى جبرئيل أدرك موسى فقد هلك ، و أعلمه أنّ عند ملتقى البحرين عند الصخرة الكبيرة رجلا أعلم منك فصر إليه و تعلّم من علمه ، فنزل جبرئيل على موسىعليه‌السلام و أخبره بذلك .(١) .

« و لا عقل كالتدبير » قد عرفت أن ( روضة الكافي ) رواه « و لا عقل كالتدبّر » و كلاهما صحيح في نفسه(٢) .

و في الخبر : ينبغي للعاقل أن لا يرى إلاّ في إحدى ثلاث تزود لمعاد ، أو مرمّة لمعاش ، أو لذّة في غير محرم ، و ينبغي للعاقل أن يكون عارفا بزمانه ، حافظا للسانه ، مقبلا على شأنه(٣) .

و عن الباقرعليه‌السلام : الكمال كل الكمال ، التفقّه في الدين ، و الصبر على النّائبة ، و تقدير المعيشة(٤) .

« و لا كرم كالتقوى » :

إذا أنت لم تلبس لباسا من التقى

تقلّبت عريانا و إن كنت كاسيا

« و لا قرين كحسن الخلق » عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا زعيم بيت في ربض الجنّة و بيت في وسط الجنّة و بيت في أعلى الجنّة لمن ترك المراء و ان كان محقّا ، و لمن ترك الكذب و إن كان هازلا ، و لمن حسّن خلقه(٥) .

____________________

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ٣٧ .

( ٢ ) الروضة من الكافي للكليني ٨ : ١٨ ح ٤ .

( ٣ ) أورده المجلسي في بحار الأنوار ٧٧ : ٤٩ عن الإمام الرضاعليه‌السلام بلفظ : لا ينبغي للعاقل أن يكون ضاعنا الاّ في ثلاث : حرمة لمعاش و تزود لمعاد ، أو لذّة في غير محرم .

( ٤ ) الاصول من الكافي للكليني ١ : ٣٢ ح ٤ و أخرجه عن محمّد بن إسماعيل نقله المجلسي في بحار الأنوار ٧٨ :

١٧٢ .

( ٥ ) أخرجه أبو داود عن محمّد بن عثمان في ( سننه ) بلفظ « أنا زعيم ببيت في ربض » سنن أبي داود ٤ : ٢٥٣ ح ٤٨٠٠ .

كذا أخرجه المنذري في الترغيب و الترهيب عن معاذ بن جبل بلفظ « ببيت » أيضا و بدلا من « هازلا » ذكر « مازحا »

٢٥٣

و في ( تاريخ بغداد ) : كان الفضل بن يحيى عبسا بسرا و كان سخيا كريما ، و كان أخوه جعفر طلقا بشرا و كان بخيلا لا عطاء له ، و كان الناس إلى لقاء جعفر أميل منهم إلى لقاء الفضل(١) .

قلت : فكان الفضل كمن قيل فيه بالفارسية « من عطايش را بلقايش بخشيدم » .

« و لا ميراث كالأدب » قال الشعبي : حلي الرجال العربية و حلي النساء الشحم .

و قال سعيد بن سلم : دخلت على الرشيد فبهرني هيبة و جمالا ، فلما لحن خفّ في عيني(٢) .

و قال أبو عمرو الشيباني : تكلّم المنصور في مجلس فيه أعرابي فلحن ، فصرّ الأعرابي اذنيه ، فلحن مرّة اخرى أعظم من الاولى فقال الأعرابي : افّ لهذا ما هذا ؟ ثم تكلّم فلحن الثالثة فقال الأعرابي : أشهد لقد وليت هذا الأمر بقضاء و قدر(٣) .

و عن الضحّاك السّكسكي قال : كنّا مع سليمان بن عبد الملك بدابق إذ قام إليه السحّاح الأزدي الموصلي فقال : إنّ أبينا هلك و ترك مال كثير ، فوثب أخانا على مال أبانا فأخذه فقال سليمان : فلا رحم اللَّه أباك ، و لا نيح عظام أخيك ، و لا بارك لك في ما ورثت أخرجوا هذا اللّحّان عنّي ، فأخذ بيده بعض الشاكرية فقال : قم فقد آذيت أمير المؤمنين بالضم فقال سليمان : و هذا انظر المنذري : الترغيب و الترهيب ١١ : ١٣ .

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٢ : ٣٣٤ .

( ٢ ) معجم الادباء لياقوت الحموي ١ : ٨٣ و نسبه ابن قتيبة في عيون الأخبار ٤ : ٣٠ إلى ابن شبرمة .

( ٣ ) معجم الادباء لياقوت الحموي ١ : ٨٤ .

٢٥٤

العاض بظر امّه ، إسحبوا برجله(١) .

و أخذ عبد الملك رجلا كان يرى رأي الخوارج فقال له ألست القائل :

و منّا سويد و البطين و قعنب

و منّا أمير المؤمنين شبيب

فقال : إنّما قلت : « أمير المؤمنين » أي : يا أمير المؤمنين ، فأمر بتخلية سبيله(٢) .

و قال رجل للحسن : ما تقول في من ترك أبيه و أخيه ؟ فقال الحسن : ترك أباه و أخاه فقال الرجل : فما لأباه و أخاه قال الحسن : إنّما هو « فما لأبيه و أخيه » فقال الرجل : ما أشد خلافك عليّ قال : أنت أشد خلافا عليّ ، أدعوك إلى الصواب و تدعوني إلى الخطأ(٣) .

و عن ابن المبارك : تعلّموا العلم شهرا و الأدب شهرين(٤) .

و قال رجل لبنيه : أصلحوا من ألسنتكم ، فإنّ الرجل تنوبه النائبة يحتاج أن يتجمّل فيها فيستعير من أخيه دابّة و من صديقه ثوبا و لا يجد من يعيره لسانا(٥) .

« و لا قائد كالتوفيق » من اللَّه تعالى .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور فأضاء لها سمعه و قلبه ثم تلا هذه الآية فمن يرد اللَّه أن يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا

____________________

( ١ ) المصدر نفسه .

( ٢ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١ : ٨٨ ، و ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار ٢ : ١٥٥ .

( ٣ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١ : ٨٧ .

( ٤ ) المصدر نفسه ١ : ٨٩ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٥٥

كأنّما يصَّعَّد في السماء(١) .

« و لا تجارة كالعمل الصالح » في أرباحها و الأمن من الخسران فيها .

( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللَّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة و اللَّه يضاعف لمن يشاء و اللَّه واسع عليم ) (٢) .

« و لا ربح كالثواب » في الخبر : ينادي ملك كلّ يوم : يا صاحب الخير أتمّ و أبشر(٣) .

« و لا ورع كالوقوف عند الشبهة » لئلاّ يقع في الحرام فيهلك .

« و لا زهد كالزّهد في الحرام » و أمّا الزهد في المباح فليس بذاك ، قال تعالى :

( قل من حرّم زينة اللَّه الّتي أخرج لعباده و الطيّبات من الرزق ) (٤) .

« و لا علم كالتفكر » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : أفضل العبادة إدمان التفكّر في اللَّه و في قدرته(٥) .

و عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : التفكّر يدعو إلى البر و العمل به ، نبّه بالتفكّر قلبك و جاف عن الناس جنبك و اتّق اللَّه ربّك(٦) .

و في الخبر : التفكر مرآتك تريك سيئاتك و حسناتك(٧) .

« و لا عبادة كأداء الفرائض » في الخبر أعبد الناس من أقام الفرائض(٨) .

« و لا ايمان كالحياء و الصبر » أما الحياء ففي الكافي عن الصادقعليه‌السلام :

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٤٣ ح ٣٠ و الآية ١٢٥ من سورة الأنعام .

( ٢ ) البقرة : ٢٦١ .

( ٣ ) بحار الأنوار للمجلسي ٥٨ : ١٤٣ مرويا عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام .

( ٤ ) الأعراف : ٣٢ .

( ٥ ) الكافي ٢ : ٥٤ ح ٢ .

( ٦ ) هما حديثان للإمام عليّعليه‌السلام بلفظ ( التفكير يدعو ) و ( جاف عن الليل ) ، الكافي ٢ : ٥٤ ٥٥ ح ١ و ٢ .

( ٧ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧١ : ٣٢٥ الرواية ١٩ .

( ٨ ) أخرجه الصدوق في معاني الأخبار عن أبي حمزة الثمالي عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ٢ : ١٩٥ ح ١ .

٢٥٦

الحياء و الايمان مقرونان في قرن ، فاذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه(١) .

و عنهعليه‌السلام : لا إيمان لمن لا حياء له و أمّا الصبر فهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد .

« و لا حسب كالتواضع » يقال : إسمان متضادّان بمعنى واحد التواضع و الشرف و عن الصادقعليه‌السلام : وقع بين سلمان الفارسي و رجل خصومة ، فقال الرجل لسلمان : من أنت ؟ فقال : سلمان ، أمّا أوّلي و أوّلك فنطفة قذرة ، و أما آخري و آخرك فجيفة منتنة ، فإذا كان يوم القيامة و وضعت الموازين فمن ثقل ميزانه فهو الكريم و من خف ميزانه فهو اللئيم .

« و لا شرف كالعلم » قال الباقرعليه‌السلام : عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد .

و أيّ شرف أعلى من شرف العلم و قد جعل اللَّه تعالى صاحب العلم رديف نفسه و ملائكته ، قال تعالى :( شهد اللَّه أنّه لا إله إلاّ هو و الملائكة و أولوا العلم ) (٢) .

« و لا مظاهرة أوثق من المشاورة » قال حكيم : إذا شاورت عاقلا صار عقله لك و قد قيل : نصف عقلك مع أخيك فاستشره .

و في الصديق و الصداقة للتوحيدي قال حكيم : إذا استشارك عدوّك فامحضه النصيحة ، فإنّه إن عمل برأيك و انتفع ندم على تفريطه في مناوأتك و أفضت عداوته إلى المودة ، و إن خالفك و استضرّ عرف قدر أمانتك بنصحه و بلغت مناك في مكروهه(٣) .

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٦ ح ٤ .

( ٢ ) آل عمران : ١٨ .

( ٣ ) لم نعثر على النصّ في الصداقة و الصديق لأبي حيان التوحيدي ( طبع مصر ) .

٢٥٧

٨ الحكمة ( ٢٥٩ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْوَفَاءُ لِأَهْلِ اَلْغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اَللَّهِ وَ اَلْغَدْرُ لِأَهْلِ اَلْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ اَللَّهِ في ( الطبري ) : كان مالك بن أبي السمح المغني و عمرو الوادي مع الوليد بن يزيد لمّا حصر ، فلما تفرّق أصحابه عنه قال مالك لعمرو : إذهب بنا فقال عمرو : ليس هذا من الوفاء و نحن لا يعرض لنا لأنّا لسنا ممّن يقاتل فقال له مالك : ويلك و اللَّه لئن ظفروا بنا لا يقتل أحد قبلي و قبلك فيوضع رأسه مع رأسينا و يقال للناس انظروا من كان معه في هذه الحال ، فلا يعيبونه بشي‏ء أشد من هذا ، فهربا و قتل و كان قتله سنة ( ١٢٦ ) .

و فيه بعد ذكر شفاعة عبد اللَّه بن عمر للمختار عند عاملي ابن الزبير على الكوفة لمّا حبساه دعواه فحلّفاه باللَّه الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم لا يبغيهما غائلة و لا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان ، فان هو فعل فعليه ألف بدنة ينحرها عند رتاج الكعبة ، و مماليكه كلّهم ذكرهم و انثاهم احرار ، فحلف لهما بذلك ثم خرج فقال :

قاتلهم اللَّه ما أحمقهم حين يرون أنّي أفي لهم بأيمانهم هذه ، أمّا حلفي لهم باللَّه فانه ينبغي لي إذا حلفت على يمين فرأيت ما هو خير منها أن أدع ما حلفت عليه و آتي الذي هو خير و أكفر يميني ، و خروجي عليهم خير من كفّي عنهم .(١) .

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٥ : ٥٥٦ .

٢٥٨

٩ الخطبة ( ٣٢٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ اَلْإِثْمُ بِهِ وَ اَلْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ أقول : في ( اللهوف على قتلى الطفوف ) : أقبل ابن زياد على زينب فقال :

الحمد للَّه الذي فضحكم و أكذب أحدوثتكم فقالت : إنّما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا فقال : كيف رأيت صنع اللَّه بأخيك و بأهل بيتك ؟ فقالت : ما رأيت إلاّ جميلا ، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع اللَّه بينك و بينهم فتحاجّ و تخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ(١) .

و ( فيه ) أيضا في شرح ورود أهل بيت الحسينعليه‌السلام على يزيد : فقامت زينب و قالت : أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الاسارى ، أنّ بنا هوانا على اللَّه و بك عليه كرامة ؟ فشمخت بأنفك و نظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت لك الدنيا مستوسقة و الامور متّسقة ، و حين صفالك ملكنا و سلطاننا إلى أن قالت فكد كيدك واسع سعيك ، فو اللَّه لا تمحو ذكرنا و لا تميت وحينا و لا تدرك أمدنا و لا ترحض عنك عارها ، و هل رأيك إلاّ فندو أيّامك إلاّ عدد و جمعك إلاّ بدد ، و يوم يناد المناد ألا لعنة اللَّه على الظالمين(٢) .

هذا و قال ابن أبي الحديد : بعد العنوان « و نظير قولهعليه‌السلام هذا قوله : من قصّر في الخصومة ظُلِم و من بالغ فيها أثم »(٣) .

____________________

( ١ ) ابن طاووس ، اللهوف في قتلى الطفوف : ١٤٢ .

( ٢ ) المصدر نفسه : ١٦٤ ١٦٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٣٩ .

٢٥٩

قلت : أين ذاك الكلام من هذا الكلام ، فان كلاّ منهما في مقام ، فإنّ المقصود من ذاك أنّ الخصومة أمر يعسر معه القيام على الجادة الوسطى حتى لا يكون ظالما و لا مظلوما ، و أمّا هذا فالمراد به أنّ الظافر على صاحبه بالشر و الغالب عليه بالإثم مغلوب و منكوب في الحقيقة و ان كان في الظاهر غالبا و ظافرا .

و إنّما نظير قولهعليه‌السلام هذا قول ابنه الصادقعليه‌السلام حين دخل عليه رجلان مدارأة بينهما في خصومة ، فلما أن سمع كلامهما قال : « ما ظفر أحد بخير من ظفر بظلم ، أما إنّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم ، من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به ، إنّما يحصد ابن آدم ما يزرع ، و ليس يحصد أحد من المرّ حلوا و من الحلو مرّا » فاصطلح الرجلان(١) .

١٠ الحكمة ( ٤٢٨ ) و قالعليه‌السلام في بعض الاعياد :

إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اَللَّهُ صِيَامَهُ وَ شَكَرَ قِيَامَهُ وَ كُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اَللَّهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ « في بعض الأعياد » أي : الفطر بقرينة ذكر الصيام و القيام فيه .

« إنّما هو عيد لمن قبل اللَّه صيامه » و قبول الصيام بالكفّ عن جميع المحرّمات لا خصوص المفطرات ، و إنّما الكفّ عنها يوجب سقوط القضاء و الكفارة دون القبول .

ففي الخبر : ليس الصيام من الطعام و الشراب وحده ، إذا صمت فليصم

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٥ : ٣٢٨ .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

ولا يضرّ بهذا ولا بأُولئك، وذلك بما وضَع لها مِن شروط:

١ - فهو لا يجيز اكتساب المال وتملّكه إلاّ بطرقٍ مشروعة محلّلة، وحرّم ما سِوى ذلك كالربا والرشا والاحتكار، واكتناز المال الذي فرَض اللّه فيه نصيباً للفقراء، أو ابتزازه غصباً.

٢ - شرّع قانون الإرث المُوجب لتفتيت الثراء وتوزيعه على عدَد مِن الورّاث في كلّ جيل.

٣ - شرّع الفرائض الماليّة لإعانة الفقراء وإنعاشهم، كالزكاة والخُمس والكفّارات وردّ المظالم.

وقد استطاع الإسلام بمبادئه الاقتصاديّة الحكيمة أنْ يُشيع بين المسلمين روح التعاطف والتراحم، ويحقّق العدل الاجتماعي فيهم، فلا تجِد بينهم جائعاً إزاء مُتخَم، ولا عارياً إزاء مكتسٍ بالحرير.

٧ - حق الرعاية الإسلاميّة:

كان مِن أبرَز خصائص المجتمع الإسلامي ومزاياه، ذلك التجاوب العاطفي، والأحاسيس الأخويّة المتبادلة بين أفراده، ما جعلهم كالبُنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، أو كالجسَد الواحد إذا اشتكى عضوٌ تألّمت له سائر الأعضاء.

فما كان للمسلم الحقّ أنْ يتغاضى عن الاهتمام بشؤون مجتمعه، ورعاية مصالحه العامّة، والحرص على رقيّه وازدهاره، كما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

٤٨١

( مَن أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم )(١).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما آمَن بي مَن بات شبْعان وجاره جائع، وما مِن أهل قريةٍ فيهم جائع ينظر اللّه إليهم يوم القيامة )(٢).

وما كان للمجتمع الإسلامي أنْ يتغاضى عن رعاية أفراده البؤساء، وهُم يعانون مرارة الفاقة ومضض الحرمان، دون أنْ يتحسّس بمشاعرهم ويتطوّع لإغاثتهم والتخفيف مِن ضُرّهم.

وحسبُك في شرف المؤمن وضرورة دعمه وإسناده، دعوة أهل البيتعليهم‌السلام وحثّهم على توقيره وإكرامه ورعايته مادّياً ومعنويّاً ما لو طبَقه المسلمون اليوم لكانوا أسعد الأُمم، وأرغدهم عيشاً وأسماهم منعةً وجاهاً.

وإليك نماذج مِن وصاياهم في ذلك:

أ - إطعامه وسقيه:

قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : ( مَن أطعَم مؤمناً مِن جوعٍ، أطعمه اللّه مِن ثِمار الجنّة، ومَن سقى مؤمناً سقاه اللّه مِن الرحيق المختوم )(٣).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن أطعم مؤمناً حتّى يشبعه لم يدرِ أحدٌ مِن خلقِ اللّه ماله مِن الأجر في الآخرة، لا ملَكٌ مُقرّب، ولا نبيٌّ مُرسل إلاّ اللّه ربّ العالمين ).

ثمّ قال: ( مِن مُوجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان )، ثمّ تلا قول اللّه

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٩ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩٦ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٢٠ عن الكافي.

٤٨٢

تعالى:( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ) ( البلد: ١٤ـ١٥ـ١٦ )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن سقى مؤمناً شُربةً مِن ماء مِن حيثُ يقدّر على الماء، أعطاه اللّه بكلّ شربةٍ سبعينَ ألفَ حسنةٍ، وإنْ سقاه مِن حيث لا يقدِر على الماء، فكأنّما أعتق عشرَ رِقاب مِن وِلد إسماعيل )(٢).

ب - إكساء المؤمن:

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن كسا أخاه كسوةً، شتاءً أو صيف، كان حقّاً على اللّه أنْ يكسوه مِن ثياب الجنّة، وأنْ يهوّن عليه مِن سكَرات الموت وأنْ يوسّع عليه في قبره، وأنْ يلقى الملائكة إذا خرَج مِن قبره بالبشرى، وهو قوله تعالى في كتابه:( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) )(٣) ( الأنبياء:١٠٣ ).

وقالعليه‌السلام : ( مَن كسا أحداً مِن فُقراء المسلمين ثوباً مِن عري، أو أعانة بشيءٍ ممّا يقوته مِن معيشته، وكّل اللّه تعالى به سبعة آلاف ملَك مِن الملائكة، يستغفرون لكلِّ ذنبٍ عمِله إلى أنْ يُنفخ في الصور..)

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن كسا أحداً.. ) الحديث مثله - إلاّ أنّ فيه سبعين ألف ملَك(٤) .

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٢٠ عن الكافي.

(٢)، (٣)، (٤) الوافي ج ٣ ص ١٢١ عن الكافي.

٤٨٣

ج - قضاء حاجة المؤمن:

عن المفضّل عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: قال لي: ( يا مفضل، اسمع ما أقول لك، واعلم أنّه الحقّ، وافعله واخبر به علية إخوانك )، قلت: جُعلت فِداك وما علية إخواني ؟

قال: ( الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم )، قال: ثمّ قال:

( ومَن قضى لأخيه المؤمن حاجة، قضى اللّه تعالى له يوم القيامة مِئة ألف حاجة، مِن ذلك أوّلها الجنّة، ومِن ذلك أنْ يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنّة، بعد أنْ لا يكونوا نصاباً )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلاّ ناداه اللّه تعالى: عليّ ثوابك، ولا أرضى لك بدون الجنّة )(٢).

وقالعليه‌السلام : ( إنّ المؤمن منكم يوم القيامة ليمرّ به الرجل له المعرفة به في الدنيا وقد أُمر به إلى النار، والملَك ينطلق به، قال: فيقول له: يا فلان، أغثني فقد كُنت أصنع إليك المعروف في الدنيا، وأُسعفك في الحاجة تطلبها منّي، فهل عندك اليوم مكافأة ؟ فيقول المؤمن للملَك الموكّل به خلّ سبيله، قال: فيسمع اللّه قول المؤمن، فيأمر الملَك أنْ يَجبر قول المؤمن، فيُخلّي سبيله )(٣).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١١٧ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١١٨ عن الكافي.

(٣) البحار. كتاب العشرة. ص ٨٦ عن ثواب الأعمال للصدوق.

٤٨٤

د - مسرّة المؤمن:

عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، عن أبيه، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أحبَّ الأعمال إلى اللّه تعالى إدخال السرور على المؤمنين )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الخَلْق عِيال اللّه، فأحبُّ الخَلْق إلى اللّه مَن نفَعَ عِيالَ اللّه، وأدخَل على أهل بيتٍ سروراً )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن أدخَل على مؤمن سروراً، خلَق اللّه مِن ذلك السرور خلْقاً فيَلقاه عند موته فيقول له: أبشِر يا ولي اللّه بكرامة من اللّه ورضوان، ثمّ لا يزال معه حتّى يدخله قبره، فيقول له مثل ذلك فإذا بُعِث يلقاه فيقول له مثل ذلك، ثمّ لا يزال معه عند كلّ هول يُبشّره ويقول له مثل ذلك، فيقول له: مَن أنت رحِمَك الله ؟ فيقول له: أنا السرور الذي أدخلته على فلان )(٣).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١١٧ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩٩ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١١٧ عن الكافي.

٤٨٥

هـ - زيارة المؤمن:

عن أبي عزّة قال: سمِعت أبا عبد اللّهعليه‌السلام يقول: ( مَن زار أخاه في اللّه، في مرضٍ أو صحّة، لا يأتيه خِداعاً ولا استبدالاً، وكّل اللّه به سبعين ألفَ ملَك، ينادونه في قَفاه: أنْ طِبتَ وطابَت لك الجنّة، فأنتم زوّار اللّه وأنتم وفد الرحمان، حتّى يأتي منزله )(١).

وقالعليه‌السلام : ( إنّ ضيفَ اللّه عزّ وجل: رجلٌ حجّ واعتمر فهو ضيفُ اللّه حتّى يرجع إلى منزله، ورجلٌ كان في صلاته فهو كنَف اللّه حتّى ينصرف، ورجلٌ زار أخاه المؤمن في اللّه عز وجل فهو زائر اللّه في ثوابه وخزائن رحمته ).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٠٧ عن الكافي.

٤٨٦

الحاكمون وواجباتهم

الإنسان مدنيٌّ بالطبع، لا يستغني عن إفراد نوعه، والأُنس بهم والتعاون معهم على إنجاز مهامّ الحياة، وكسب وسائل العيش.

وحيث كان أفراد البشَر متفاوتين في طاقاتهم وكفاءاتهم الجسميّة والفكريّة، فيهم القويّ والضعيف، والذكيّ والغبيّ، والصالح والفاسد، وذلك ما يُثير فيهم نوازع الإثرة والأنانيّة والتنافس البغيض على المنافع والمصالح، ممّا يُسبّب بلبلة المجتمع، وهدْر حقوقه وكرامته ؛ لذلك كان لا بدّ للأُمم مِن سلطةٍ راعيةٍ ضابطة، ترعى شؤونَهم وتحمي حقوقهم، وتشيع الأمن والعدل والرخاء فيهم.

ومِن هنا نشأت الحكومات وتطوّرت عِبر العصور مِن صورها البدائيّة الأُولى حتّى بلغَت طورها الحضاري الراهن، وكان للحكّام أثرٌ بليغ في حياة الأٌمم والشعوب وحالاتها رقياً أو تخلفاً، سعادة أو شقاءً، تبعاً لكفاءة الحكام وخصائصهم الكريمة أو الذميمة.

فالحاكم المثالي المُخلص لامته هو: الذي يسوسها بالرفق والعدل والمساواة، ويحرص على إسعادها ورفع قيمتها المادية والمعنويّة.

والحاكم المستبدّ الجائر هو: الذي يستعبد الأُمّة ويسترقّها لأهوائه ومآربه ويعمَد على إذلالها وتخلّفها، وقد أوضحت آثار أهل البيتعليهم‌السلام أهميّة الحكّام وآثارهم الحسنة أو السيّئة في حياة الأُمّة، فأثنت على العادلين المُخلصين منهم، وندّدت بالجائرين وأنذرتهم بسوء المغبّة والمصير.

٤٨٧

فعن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : صنفان مِن أُمّتي إذا صلُحا صلحت أُمّتي، وإذا فسدا فسدت. قيل يا رسول اللّه ومن هما؟ قال: الفقهاء والأُمراء )(١) .

وعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( تُكلّم النار يوم القيامة ثلاثة: أميراً، وقارياً، وذا ثروةٍ مِن المال، فتقول للأَمير: يا مَن وهَب اللّه له سُلطاناً فلَم يعدِل، فتزدرده كما يزدرد الطير حبَّ السمسم، وتقول للقارئ: يا من تزيّن للناس وبارَز اللّه بالمعاصي فتزدرده،

وتقول للغنيّ: يا من وهَب اللّه له دُنياً كثيرةً واسعةً فيضاً، وسأَله الحقير اليسير فرضاً فأَبى إلاّ بُخلاً فتزدرده )(٢).

ولم يكتفِ أهل البيتعليهم‌السلام بالإعراب عن سخَطِهم على الظلم والظالمين ووعيدهم، حتّى اعتبروا أنصارهم والضالعين في رِكابهم شُركاء معهم في الإثم والعقاب.

فعن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ. أين الظَّلَمة وأعوانهم، ومَن لاقَ لهم دواة، أو ربط لهم كيساً، أو مدّ لهم مدّة قلم ؟ فاحشروهم معهم )(٣).

والطغاة مهما تجبروا وعتوا على الناس، فإنّهم لا محالة مؤاخذون بما

_____________________

(١)، (٢) البحار. كتاب العشرة. ص ٢٠٩ عن الخصال.

(٣) البحار. كتاب العشرة ص ٢١٨ عن ثواب الأعمال للصدوق.

٤٨٨

يستحقّونه مِن عقابٍ عاجلٍ أو آجل، فالمكر السيّئ لا يحيق إلاّ بأهلهِ ولعنةُ التاريخ تُلاحق الطواغيت، وتمطرهم بوابلٍ الذمِّ واللعن، وتنذرهم بسوءِ المغبّة والمصير، وفي التاريخ شواهدٍ جمّة على ذلك.

منها ما حكاه الرواة عن ابن الزيّات: إنّه كان قد اتّخذ في أيّام وزارته تنّوراً مِن حديد، وإطراف مساميره محدودة إلى داخل وهي قائمة مثل رؤوس المسال، وكان يعذّب فيه المصادرين وأرباب الدواوين المطلوبين بالأموال، فكيف ما انقلب واحدٌ منهم أو تحرّك مِن حرارة العقوبة تدخل المسامير في جسمه، فيجدون لذلك أشدّ الألَم ولم يسبقه أحدٌ إلى هذه المعاقبة.

فلمّا تولّى المتوكّل الخلافة اعتقل ابن الزيّات، وأمر بإدخاله التنّور وقيّده بخمسة عشَر رطلاً مِن الحديد، فأقام في التنّور أربعين يوماً ثمّ مات(١) .

ومنها: الحجّاج بن يوسف الثقفي.

فإنّه تأمّر عشرين سنة، و أُحصي مَن قتله صبراً سِوى مَن قُتِل في عساكره وحروبه فوجد - مِئة ألف وعشرين ألفاً - وفي حبسه خمسون ألف رجل، وثلاثون ألف امرأة، منهنّ ستّة عشر ألفاً مُجرّدة، وكان يحبس النساء والرجال في موضعٍ واحد، ولم يكن للحبس سترٌ يستُر الناس مِن الشمس في الصيف، ولا مِن المطر والبرد في الشتاء.

ثمّ لاقى جزاء طُغيانه وإجرامه خِزياً ولعناً وعذاباً، وكانت عاقبة أمره أنّه ابتلي بالآكلة في جوفه، وسلّط اللّه عزّ وجل عليه الزمهرير،

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٥٧٤.

٤٨٩

فكانت الكوانين المتوقّدة بالنار تُجعَل حوله، وتُدنى منه حتّى تحرق جِلده وهو لا يحسّ بها، حتّى هلَك عليه لعائن اللّه.

حقوق الرعيّة على الحاكم:

والحاكم بصفته قائد الأُمّة وحارسها الأمين مسؤول عن رعايتها وصيانة حقوقها، وضمان أمنها ورخائها، ودرء الأخطار والشرور عنها.

وإليك أهمّ تلك الحقوق:

أ - العدل:

وهو أقدس واجبات الحكّام، وأجلّ فضائلهم، وأخلَد مآثرهم، فهو أساس المُلك، وقوام حياة الرعيّة، ومصدر سعادتها وسلامها. وكثيراً ما يُوجب تمرّد الناس على اللّه تعالى، وتنكبّهم عن طاعته ومنهاجه تسلّط الطغاة عليهم واضطهادهم بألوان الظُّلامات كما شهدت بذلك أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام :

فعن الصادقعليه‌السلام عن آبائه عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال اللّه جلّ جلاله: أنا اللّه لا إله إلاّ أنا خلقت الملوك وقلوبهم بيدي، فأيُّما قومٍ أطاعوني جعلتُ قلوبَ الملوك عليهم رحِمَة، وأيُّما قومٍ عصوني جعلتُ قلوبَ الملوك عليهم سخِطة، ألا لا تشغلوا أنفسكم بسبِّ الملوك، توبوا إليّ أعطف قلوبهم عليكم )(١) .

_____________________

(١) البحار. كتاب العشرة ص ٢١٠ عن أمالي الشيخ الصدوق.

٤٩٠

وقد بحثت في القسم الأوّل مِن هذا الكتاب موضوع العدل وفضائله وأنواعه فراجعه هناك.

ب - الصلاح:

ينزع غالب الناس إلى تقليد الحكّام والعظماء تشبّهاً بهم ومحاكاةً لهم، ورغبةً في جاههم ومكانتهم.

ولهذا وجَب اتّصاف الحاكم بالصلاح وحُسن الخُلُق وجمال السيرة والسلوك ليكون قدوةً صالحة ونموذجاً رفيعاً تستلهمه الرعيّة وتسير على هديه ومنهاجه.

وانحراف الحاكم وسوء أخلاقه وأفعاله يدفع غالب الرعيّة إلى الانحراف وزجّها في متاهات الغواية والضلال، فيعجز الحاكم آنذاك عن ضبطها وتقويمها.

ونفسك فاحفظها مِن الغيّ والردى

فمتى تغواها تغوي الذي بكَ يَقتدي

وفي التأريخ شواهدٌ جمّة على تأثّر الشعوب بحكّامها، وانطباعها بأخلاقهم وسجاياهم حميدةً كانت أو ذميمة كما قيل: - الناس على دين ملوكهم.

ج - الرفق:

ويجدر بالحاكم أنْ يسوس الرعيّة بالرفق وحُسن الرعاية، ويتفادى سياسة العُنف والإرهاب، فليس شيءٌ أضرّ بسمعة الحاكم وزعزعة كيانه مِن الاستبداد والطغيان.

وليس شيءٌ أضرّ بالرعيّة، وأدعى إلى إذلالها وتخلّفها مِن أنْ تُساس بالقسوة والاضطهاد.

فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ الرفق لم يوضع على شيء إلاّ زانه، ولا نُزِع مِن شيءٍ إلاّ شانه )(١) .

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٨٦ عن الكافي.

٤٩١

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن كان رفيقاً في أمره، نال ما يُريد مِن الناس )(١) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في عهده إلى مالك الأشتَر: ( وأشعِر قلبَك الرحمة للرعيّة، والمحبّة لهم واللطف بهم، ولا تكوننّ سبُعاً ضارياً تغتنم أكلَهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظيركَ في الخلق، يفرط منهم الزلَل، وتعرُض لهم العِلل، ويُؤتي على أيديهم في العمد والخطأ، فاعطهم مِن عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ وترضى أنْ يعطيك اللّه مِن عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، واللّه فوق مَن ولاّك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم ).

وبديهيّ أنّ الرفق لا يجمل وقعه ولا يحمد صنيعه إلاّ مع النبلاء الأخيار، أمّا الأشرار العابثون بأمن المجتمع وحرماته فإنّهم لا يستحقّون الرفق ولا يليق بهم، إذ لا تجديهم إلاّ القسوة الزاجرة والصرامة الرادعة عن غيّهم وإجرامهم.

إذا أنتَ أكرمت الكريم ملكته

وإنْ أنت أكرمت اللئيم تمرّدا

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا

مضرٌ كوضعِ السيف في موضع الندى

مظاهر الرفق:

وللرفق صورٌ رائعة ومظاهر خلاّبة، تتجلّى في أقوال الحاكم وأفعاله.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٨٧ عن الكافي.

٤٩٢

أ - فعليه أنْ يكون عف اللسان، مهذّب القول، مجانباً للبذاء.

ب - وأنْ يكون عطوفاً على الرعيّة يتحسّس بآلامها ومآسيها، فإذا داهمها خطر، وحاق بها بلاءٌ سارَع لنجدتها ومواساتها والتخفيف مِن بؤسها وعنائها.

ج - وأنْ يتفادى إرهاق الرعيّة بالإتاوات الباهضة، والضرائب الفادحة الباعثة على شقائها وعنتها.

آثار الرفق:

للرفق خصائص وآثار طيّبة تفيء على الحاكم والمحكوم بالخير والوئام. فهو مدعاة حبّ الرعيّة للراعي وإخلاصها له وتفانيها في سبيله.

كما هو عاصم للرعيّة عن الملق والنفاق الناجمين مِن رهبة الحاكم المتجبّر والخوف مِن بطشة وفتكه. وقد مدح اللّه رسوله الأعظم بالرفق والعطف فقال تعالى:

( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ( آل عمران: ١٥٩ ).

د - اختبار الأعوان:

لا يستطيع الحاكم مهما أوتي مِن قدرة وكفاءة أنْ يستقلّ بسياسة الرعيّة، ويضطلع بمهامّ الحُكم وإدارة جهازه، فهو لا يستغني عن أعوان يؤازرونه على تحقيق أهدافه وإنجاز أعماله.

٤٩٣

ولهؤلاء الأعوان أثرٌ كبيرٌ وخطير في توجيه الحاكم وتكييف أخلاقه وآرائه حسبما تتّصف به مِن خلالٍ وميولٍ رفيعةٍ أو وضيعة.

لذلك كان على الحاكم أنْ يختار بطانته وأعوانه مِن ذوي الكفاءة والنزاهة والصلاح، لتمحضه النصيحة، وتؤازره على إسعاد الرعيّة وتحقيق آمالها وأمانيها، دونما نزوع إلى إثرة أو محاباة تضرّ بصالح الرعيّة وتجحف بحقوقها.

هـ - محاسبة العمّال والموظفين:

كثيراً ما يزهو الموظّف بمنصبه ونفوذه، ويستحوذ عليه الغرور فيتحدّى الناس، ويتعالى عليهم، ويمتهن كرامتهم ويهمل أعمالهم ولا ينجزها إلاّ بدافعٍ مِن الطمع أو المُحاباة، الخوف أو الرجاء ممّا يُعرقل مهمّاتهم ويستثير سخطِهم وحنقهم على جهاز الحكم. لهذا يجب على الحاكم مراقبة الموظفين ومحاسبتهم على أعمالهم ومكافأة المُحسن منهم على إحسانه، ومعاقبة المُسيء على إساءته، ليؤدّي كلّ فردٍ منهم واجبة نحو المجتمع، وليستشعر الناس مفاهيم العزّة والكرامة والرخاء.

وبذلك تتّسق شؤون الرعيّة، ويسودها العدل، وتنجو مِن مآسي الملَق والتزلّف إلى الموظّفين بالرشا وألوان الشفاعات.

و - إسعاد الرعيّة:

والحاكم بوصفه قائد الأُمّة وراعيها الأمين، فهو مسؤول عن رعايتها والعناية بها، والحرص على إسعادها ورقيّها مادّياً وأدبيّاً. وذلك: بتفقّد شؤون الرعيّة، ورعاية مصالحها وضمان حقوقها وإشاعة الأمن والعدل والرخاء فيها، وتصعيد مستوياتها العلميّة والصحيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة

٤٩٤

والعمرانيّة: بنشر العِلم وتحسين طُرق الوقاية والعلاج وتهذيب الأخلاق والاهتمام بالتنمية الصناعيّة والزراعيّة والتجارية، بالأساليب العلميّة الحديثة واستغلال الموارد الطبيعيّة، وتشجيع المواهب والطاقات على الإبداع في تلك المجالات على أفضل وجه مُمكن.

وبذلك تتوطّد دعائم المُلك، وتعلو أمجاد الأُمم، وتتوثّق أواصر الودّ والإخلاص بين الحاكم والمحكوم، ويتبوّأ الحاكم عرش القلوب. ويحظى بخلود الذكر وطيب الثناء.

وقد عرضت في حقوق المجتمع الإسلامي طرَفاً مِن حقوق أفراده تندّرج في حقوق الرعيّة على الحاكم، باعتباره المسؤول الأوّل عن رعايتها وصيانة حقوقها، وضمان أمنها ورخائها.

حقوق الحاكم على الرعيّة

الحاكم العادل هو: قطب رَحى الأُمّة، ورائد نهضتها، وباني أمجادها، وحارسها الأمين، وهو عنصرٌ فعّال مِن عناصر المجتمع، وجزءٌ أصيل لا يتجزّأ عنه، لهذا وجَب أنْ يكون التجاوب في العواطف والمشاعر قويّاً بين الحاكم والمحكوم، والراعي والرعيّة ؛ ليستطيع الأوّل أداء رسالته الإصلاحيّة لأُمّته، وتحقيق أهدافها وأمانيّها، ولتنال الأُمّة في ظلال حكمه مفاهيم الطمأنيّنة والحريّة والرخاء.

لذلك كان للحاكم حقوق على الرعيّة إزاء حقوقها عليه، وكان على

٤٩٥

كل منهما رعاية حقوق الآخر، والقيام بواجبه نحوه.

وهذا ما أوضحه أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

( فليست تصلح الرعيّة إلاّ بصلاح الولاة، ولا تصلُح الولاة إلاّ باستقامة الرعيّة، فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه، وأدّى الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدين واعتدلَت معالِم العدل، وجرت على إذلالها السُنن، فصلُح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء.

وإذا غلبَت الرعيّة واليها، وأجحَف الوالي برعيّته، اختلفت هناك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثُر الإدغال في الدين، وتُرِكت محاجّ السنن، فعُمِل بالهوى وعُطّلت الأحكام، وكثُرت عِلل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حقٍّ عُطّل، ولا لعظيم باطلٍ فُعِل، فهناك تذلّ الأبرار، وتعزّ الأشرار، وتعظُم تَبِعات اللّه عند العباد )(١).

وإليك مُجملاً مِن حقوق الحاكم:

١ - الطاعة: للحاكم حقّ الطاعة على رعيّته فيما يرضي اللّه عزّ وجل، حيثُ لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.

والطاعة هي: المشجّع الأوّل للحاكم على إخلاصه للرعيّة، وتحسّسه بمشاعرها وآلامها، ودأبه على إسعادها وتحقيق آمالها وأمانيها.

أمّا التمرّد والعصيان والخُذلان فهي خلال مقيتة تستفزّ الحاكم وتستثير نقمته على الرعيّة، وبطشه بها، وتقاعسه على إصلاحها ورقيّها، ومِن

_____________________

(١) نهج البلاغة. مِن كلام لهعليه‌السلام في حقّ الحاكم على المحكوم.

٤٩٦

ثمّ إحباط جهوده الهادفة البنّاءة في سبيلها.

انظر كيف يوصي الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام شيعته بطاعة الحاكم: ( يا معشَر الشيعة، لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فإنْ كان عادلاً فاسألوا اللّه إبقاءه، وإنْ كان جائراً فاسألوا اللّه إصلاحه، فإنّ صلاحكم في صلاح سلطانكم، وإنّ السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبّوا له ما تحبّون لأنفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم )(١) .

٢ - المؤازرة: والحاكم مهما سمت كفاءته ومواهبه، فإنّه قاصر عن الاضطلاع بأعباء الملك، والقيام بواجبات الرعيّة وتحقيق منافعها العامّة، ومصالحها المشتركة إلاّ بمؤازرة أكفائها، ودعمهم له، ومعاضدتهم إيّاه بصنوف الجهود والمواهب الماديّة والمعنويّة، الجسميّة والفكريّة. وبمقدار تجاوبهما وتضامنهما يستتبّ الأمن، ويعمّ الرخاء ويسعد الراعي والرعيّة.

٣ - النصيحة: كثيراً ما يستبدّ الغرور بالحاكم، وتستحوذ عليه نشوة الحكم وسكرة السلطان، فينزع إلى التجبّر والطغيان، واستعباد الرعيّة، وخنق حرّيتها، وامتهان كرامتها، واستباحة حرماتها، وسومها سوء المذلّة والهوان.

وهذا ما يُحتّم على الغيارى مِن قادة الرأي، وأعلام الأُمّة أنْ يبادروا إلى نصحه وتقويمه، والحدّ من طغيانه، فإنْ أجدى ذلك، وإلاّ فقد أعذر المصلحون وقاموا بواجب الإصلاح.

وقد جاء في الحديث عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام عن النبيّ

_____________________

(١) البحار. كتاب العشرة ص ٢١٨ عن أمالي الشيخ الصدوق.

٤٩٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله قال:

( السلطان ظلّ اللّه في الأرض، يأوي إليه كلّ مظلوم، فمَن عدَل كان له الأجر، وعلى الرعيّة الشكر، ومَن جار كان عليه الوزر وعلى الرعيّة الصبر، حتّى يأتيهم الأمر )(١) .

أمّا في العصر الحاضر وقد تطوّرت فيه أساليب الحياة، ووسائل الإصلاح، فلَم يعد الحكّام يستسيغون العظة والنصح ولا تجديهم نفعاً.

مِن أجل ذلك فقد استجازت الحكومات المتحضّرة نقد حكّامها المنحرفين عن طريق البرلمانات والصحف والمذكّرات التي تندّد بأثرتهم وأنانيّتهم، وتنذرهم عليها بلعنة الشعب، وثورته الماحقة على الطغاة والمستبدين.

_____________________

(١) البحار. كتاب العشرة. ص ٢١٤ عن أمالي الشيخ ابن عليّ ابن الشيخ الطوسي.

٤٩٨

حاجات الجسم والنفس

يتألّف الإنسان مِن عنصرين: عنصر الجسَد، وعنصر الروح، وهما مترابطان ترابطاً وثيقاً، ومتفاعلان تفاعلاً قويّاً، لا ينفكّ أحدهما عن الثاني إلاّ بتصرّم العمر، ونهاية الحياة، وسعادة الإنسان وهناؤه الجسمي والفكري منوطٌ بصحّة هذين العنصرين وسلامتهما معاً.

لهذا كان على ناشد السعادة ومبتغيها أنْ يعني بهما عناية فائقة تضمن صحّتهما وازدهارهما، وصيانتهما مِن المضار.

ولكلّ مِن الجسم والروح أشواقه وحاجاته:

فحاجات الجسم هي: المآرب الماديّة الموجبة لنموه وصحّته وحيويّته، كالغذاء والشراب والكساء ونحوها مِن ضرورات الحياة.

وحاجات الروح هي: الأشواق الروحيّة والنفسيّة التي تتعشّقها الروح، وتهفو إليها، كالمعرفة، والحريّة، والعدل، وراحة الضمير ورخاء البال وما إلى ذلك من المثل العليا والأماني الروحيّة. ولا مناص مِن تلبية هذه المآرب والرغائب الجسميّة والروحيّة لتحقيق صحّة الجسم والروح، وضمان هنائهما المرجو.

فحرمان الجسم مِن أشواقه يفضي به إلى الضعف والسقم والانحلال

٤٩٩

وحرمان الروح والنفس من أمانيها، يقودها إلى الحيرة والقلق والشقاء.

والسعادة الحقّة منوطة بصحّة الجسم والنفس وازدهارهما معاً ورعاية حقوقهما الماديّة والروحيّة.

حقوق الجسَد:

وتتلخّص هذه الحقوق في رعاية القوانين الصحيّة، وأتباع الآداب الإسلاميّة الكفيلة بصحّة الجسم وحيويّته ونشاطه، كالاعتدال في الطعام والشراب وتجنّب الكحول والعادات الضارّة، كالخمر والحشيش والأفيون والتوقّي مِن الشهوات الجنسيّة الآثمة، واعتياد النظافة، وممارسة الرياضة البدنيّة، ومعالجة الأمراض الصحيّة ونحو ذلك مِن مقوّمات الصحّة وشرائطها ممّا هو معروف لغالب الناس لتوفّر التوعية الصحيّة، والنصائح الطبّية في حقول الإعلام الصحفي والإذاعي. فلا أجد حاجة إلى تفصيله والإطناب فيه.

حقوق النفس:

بيد أنّ صحّة النفس ووسائل وقايتها وعلاجها، وعوامل رقيّها وتكاملها، ورعاية حقوقها وواجباتها، يجهلها أو يتجاهلها الكثيرون لقلّة احتفائهم بالقيم الروحيّة والمفاهيم النفسيّة، وجهلهم بعلل النفس وانحرافاتها، وما تعكسه مِن آثار سيّئة على حياة الناس.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639