بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253249 / تحميل: 8942
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الثالث عشر

الشيخ محمد تقي التّستري

١

المجلد الرابع عشر

٢

الفصل الخمسون في وصف الانصار و طوائف قريش و تميم و في الشعراء

٣

١ الحكمة ( ٤٦٥ ) و قالعليه‌السلام في مدح الأنصار :

هُمْ وَ اَللَّهِ رَبَّوُا اَلْإِسْلاَمَ كَمَا يُرَبَّى اَلْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمُ اَلسِّبَاطِ وَ أَلْسِنَتِهِمُ اَلسِّلاَطِ قول المصنّف : « و قالعليه‌السلام في مدح الأنصار » في ( الأغاني ) : حضرت وفود الأنصار باب معاوية فقيل له : استأذن للأنصار و كان عنده عمرو بن العاص فقال له : ما هذا اللقب ارددهم إلى أنسابهم إلى أن قال فدخلوا يقدمهم النعمان بن بشير و هو يقول :

يا سعد لا تجب الدعاء فما لنا

نسب نجيب به سوى الأنصار

نسب تخيره الإله لقومنا

أثقل به نسبا على الكفار

ان الذين ثووا ببدر منكم

يوم القليب هم وقود النار

٤

فقال معاوية لعمرو بن العاص : قد كنّا لأغنياء عن هذا(١) .

و فيه : روى الزهري أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يبغض الأنصار .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بنو هاشم و الأنصار حلفان ، و بنو امية و ثقيف حلفان(٢) .

و في ( المجازات النبوية ) للمصنف : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصار « أنتم الشعار و الناس الدثار »(٣) و قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الأنصار كرشي و عيبتي »(٤) .

و في ( كامل الجزري ) : قال أبو سعيد الخدري : لمّا أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من غنائم حنين قريشا و قبائل العرب و لم تعط الأنصار شيئا وجدوا في أنفسهم حتى قال قائلهم : لقي النبي قومه فأخبر سعد بن عبادة النبي بذلك فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

له : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : ما أنا إلاّ من قومي قال : فاجمع لي قومك .

فجمعهم فأتاهم النبي فقال : ما حديث بلغني عنكم ، ألم آتكم ضلاّلا فهداكم اللَّه بي و فقراء فأغناكم اللَّه بي و أعداء فألّف اللَّه بين قلوبكم بي ؟ قالوا : بلى و اللَّه ، و للَّه و لرسوله المنّ و الفضل فقال : ألا تجيبوني ؟ قالوا : بماذا نجيبك ؟ فقال :

و اللَّه لو شئتم لقلتم فصدقتم « أتيتنا مكذّبا فصدّقناك و مخذولا فنصرناك و طريدا فآويناك و عائلا فواسيناك » أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألّفت بها قوما ليسلموا و وكلتكم إلى إسلامكم ، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالشاة و البعير و ترجعوا برسول اللَّه إلى رحالكم ، و الذي نفسي بيده لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، و لو سلك الناس شعبا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ، اللّهم ارحم الأنصار و أبناء

____________________

( ١ ) الأغاني ١٦ : ٤٨ .

( ٢ ) لم نعثر عليه في كتب الصحاح المعبّرة .

( ٣ ) المجازات النبوية : ٤١ .

( ٤ ) المجازات النبوية : ٧١ .

٥

الأنصار و أبناء أبناء الأنصار فبكى القوم حتى اخضلو الحاهم و قالوا : رضينا برسول اللَّه قسما و حظا ، و تفرقوا(١) .

و قال كعب بن زهير فيهم :

من سرّه كرم الحياة فلا يزل

في مقنب من صالحي الأنصار

ورثوا المكارم كابرا عن كابر

ان الخيار هم بنو الأخيار

الناظرون بأعين محمرة

كالجمر غير كليلة الأبصار

الباذلون نفوسهم و دماءهم

يوم الهياج و سطوة الجبار

يتطهّرون يرونه نسكا لهم

بدماء من قتلوا من الكفار

فكساه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بردة كانت عليه ، و هي البردة التي عند الخلفاء الآن اشتراها معاوية من ولده(٢) .

و في ( الطبري ) : لما مات أبو امامة أسعد بن زرارة اجتمعت بنو النجار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : ان هذا الرجل كان منّا فاجعل منّا رجلا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيمه فقال لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنتم أخوالي و أنا منكم و أنا نقيبكم .

كره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخص بها بعضهم دون بعض ، فكان من فضل بني النجار الذي يعدّ على قومهم ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان نقيبهم(٣) .

و قال ابن أبي الحديد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصار : إنّكم لتكثرون عند الفزع و تقلّون عند الطمع(٤) .

و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعامر بن الطفيل لما توعده : يكفي اللَّه ذلك و أبناء قيلة(٥) .

____________________

( ١ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٢٧١ ٢٧٢ .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٢٧٦ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٩ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٠٥ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٨٤ .

٦

و قالت الأنصار : لو لا عليعليه‌السلام لأنفنا أن يذكر المهاجرون معنا أو أن يقرنوا بنا ، و لكن ربّ واحد كألف بل كألوف(١) .

و قال الوزير المغربي و كان شديد العصبية للأنصار و لقحطان قاطبة ، و كان ينتمي إلى ازد شنؤة :

ان الذي أرسى دعائم أحمد

و علا بدعوته على كيوان

ابناء قيلة وارثو شرف العلى

و عراعر الأقيال من قحطان

بسيوفهم يوم الوغى و أكفّهم

ضربت مصاعب ملكه بجران

لو لا مصارعهم و صدق قراعهم

خرّت عروش الدين للأذقان

فليشكرنّ محمد أسياف من

لولاه كان كخالد بن سنان(٢)

و قال ابن أبي الحديد و هذا إفراط قبيح منه ، و لا سيما في البيت الأخير(٣) .

قلت : بل ليشكرنّ الأنصار لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال تعالى .( بل اللَّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) (٤) .

قولهعليه‌السلام « هم و اللَّه ربوا » بفتح الباء من التربية .

« الإسلام كما يربى الفلو » بتشديد الواو و ضم الفاء أو فتحها ، أي : المهر لأنّه يفتلى أي يفطم .

في ( المروج ) في ورود النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة و إحداق الأنصار به يقول صرمة النجاري :

ثوى في قريش بضع عشرة حجّة

يذكر لا يلقى صديقا مواتيا

و يعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يوفي و لم ير داعيا

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٨٥ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٨٥ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ١٨٥ .

( ٤ ) الحجرات : ١٧ .

٧

فلما أتانا أظهر اللَّه دينه

و أصبح مسرورا بطيبة راضيا

و أصبح لا يخشى من الناس واحدا

بعيدا و لا يخشى من الناس دانيا

بذلنا له الأموال في كل ملكنا

و أنفسنا عند الوغى و التآسيا

و نعلم أنّ اللَّه لا ربّ غيره

و أنّ رسول اللَّه للحق رائيا

نعادي الذي عادى من الناس كلّهم

جميعا و إن كان الحبيب المصافيا(١)

و في ( الاستيعاب ) : اختلف إليه ابن عباس حتى تعلّم منه هذه الأبيات(٢) .

« مع غنائهم بأيديهم السباط » قال الجوهري : شعر سبط و سبط :

مسترسل و رجل سبط الجسم إذا كان حسن القد و الاستواء ، قال جندح :

فجاءت به سبط العظام كأنّما

عمامته بين الرجال لواء(٣)

في ( الطبري ) : كان ممّا صنع اللَّه به لرسوله أنّ هذين الحيين الأوس و الخزرج من الأنصار كانا يتصاولان مع النبي تصاول الفحلين ، لا تصنع الأوس شيئا فيه عن النبي غناء إلاّ قالت الخزرج و اللَّه لا يذهبون بهذه فضلا علينا عند النبي في الاسلام حتى يوقعوا مثلها ، و إذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك ثم ذكر غيلة الأوس لكعب بن الأشرف الذي كان شديدا في عداوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ذكر غيلة الخزرج في قبالهم لسلام بن أبي الحقيق الخيبري الذي كان أيضا شديدا في عداوته قال : و كان المتصدون لقتله ثمانية ، و كان نهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة ، و كانت امرأته تصيح فيرفعون السيف عليها فيذكرون نهي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكفّون أيديهم عنها ثم كلّ منهم يدّعي قتله لما رجعوا ، فنظر النبي إلى أسيافهم فقال : أرى أثر العظام في سيف

____________________

( ١ ) المروج ٢ : ٢٨٧ .

( ٢ ) الاستيعاب ١ : ٣٣٤ .

( ٣ ) الجوهري ٢ : ١١٢٨ مادة سبط .

٨

عبد اللَّه بن أنيس رجل من الثمانية .

و فيه في مجي‏ء قريش إلى بدر : فبعثوا عمير الجمحي و قالوا له احزر لنا أصحاب محمد فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال ثلاثمائة يزيدون أو ينقصون ، و لكن يا معشر قريش رأيت الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع ، قوم ليس لهم منعة و لا ملجأ إلاّ سيوفهم ، و اللَّه ما أرى يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم . .

و فيه في مسير النبي إلى بدر ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أشيروا عليّ أيّها الناس و إنّما يريد الأنصار لأنّهم كانوا عدد الناس و كانوا لما بايعوهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعقبة قالوا له : إذا وصلت إلينا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا و نساءنا فكان النبي يتخوّف ألا ترى الأنصار نصرته إلاّ من عدو دهمه بالمدينة ، فقال له سعد بن معاذ : و اللَّه لكأنّك تريدنا يا رسول اللَّه قال : أجل قال : فقد آمنّا بك و صدّقناك فامض لما أردت ، فو الذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ، إنّا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء فسرّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله فقال :

سيروا و ابشروا ، و اللَّه لكأنّي الآن أنظر إلى مصارع القوم(١) .

و في ( المروج ) : دخل قيس بن سعد بن عبادة بعد وفاة عليعليه‌السلام و وقوع الصلح في جماعة من الأنصار على معاوية فقال لهم معاوية : يا معشر الأنصار بم تطلبون ما قبلي ، فو اللَّه لقد كنتم قليلا معي كثيرا عليّ ، و لفللتم حدي يوم صفين حتى رأيت المنايا تلظى في أسنتكم ، و هجوتموني في أسلافي بأشدّ من وقع الأسنة حتى إذا أقام اللَّه ما حاولتم ميله قلتم « ارع وصيّة النبي فينا » هيهات يأبى الحقير الغدرة فقال قيس : نطلب ما قبلك بالإسلام الكافي به اللَّه لا بما تمت إليه الأحزاب ، و أما عداوتنا لك فلو شئت كففنا ، و أما هجاؤنا إيّاك

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٨٤ .

٩

فقول يزول باطله و يثبت حقّه ، و اما استقامة الأمر لك فعلى كره كان منّا ، و اما فلّنا حدّك يوم صفين فانّا كنّا مع رجل طاعته طاعة اللَّه ، و أما وصيّة النبي بنا فمن آمن بالنبي رعاها بعده(١) .

و في ( صفين نصر ) : دعا معاوية النعمان بن بشير و مسلمة بن مخلد و لم يكن معه من الأنصار غيرهما فقال : يا هذان لقد غمّني ما لقيت من الأوس و الخزرج ، صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال ، حتى و اللَّه جبنوا أصحابي الشجاع و حتى ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلاّ قالوا قتله الأنصار ، أما و اللَّه لألفينهم بحدّي و حديدي و لأعبين لكلّ فارس منهم فارسا ينشب في حلقه ، ثم لأرمينهم بأعدادهم من قريش رجال لم يغذهم التمر و الطفيشل ، آووا و نصروا و لكن أفسدوا حقّهم بباطلهم فغضب النعمان و قال : يا معاوية لا تلومن الأنصار بسرعتهم في الحرب ، فانّهم كانوا كذلك في الجاهلية ، و أما دعاؤهم إلى النزال فقد رأيتهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و اما لقاؤك إيّاهم في أعدادهم من قريش فان أحببت ان ترى فيهم مثل ما رأيت آنفا فافعل ، و اما التمر فانّه كان لنا فلما ان ذقتموه شاركتمونا فيه ، و أما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناه غلبناهم عليه كما غلب قريش على السخينة .

إلى أن قال : و انتهى الكلام إلى الأنصار ، فجمعهم قيس بن سعد و خطبهم فقال : ان معاوية قال ما قد بلغكم و أجاب عنكم صاحبكم ، فلعمري لئن غظتم اليوم معاوية لقد غظتموه بالأمس ، و ان وترتموه في الاسلام لقد وترتموه في الشرك ، و ما لكم اليه ذنب غير نصر هذا الدين أنتم عليه ، فجدوا اليوم جدا تنسونه ما كان أمس ، وجدوا غدا فتنسوه ما كان اليوم ، و أنتم مع هذا الذي كان عن يمينه جبرئيل يقاتل و عن يساره ميكائيل يقاتل و القوم مع

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٧ .

١٠

لواء أبي جهل و الأحزاب(١) .

و في ( جمل المفيد ) : قال محمد بن الحنفية : فوقفت بين يدي أبي باللواء ، فقال قيس بن سعد بن عبادة :

هذا اللواء الذي كنّا نحفّ به

مع النبي و جبريل لنا مددا

ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته

ألاّ يكون له من غيرهم أحدا

قوم إذا حاربوا طالت أكفّهم

بالمشرفية حتى يفتحوا البلدا(٢)

« و ألسنتهم السلاط » أي : الحداد .

في ( طبقات كاتب الواقدي ) : أقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة ما أقام يدعو القبائل إلى اللَّه و يعرض نفسه عليهم نفسه كلّ سنة بمجنة و عكاظ و منى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه و لهم الجنّة ، فلا يستجيب له قبيلة بل يؤذى و يشتم ، حتى أراد اللَّه إظهار دينه ساقه إلى هذا الحي من الأنصار ، فانتهى إلى نفر منهم و هم يحلقون رؤوسهم ، فجلس إليهم فدعاهم إلى اللَّه و قرأ عليهم القرآن ، فاستجابوا له و أسرعوا ، فآمنوا و صدقوا و آووا و نصروا و واسوا ، و كانوا أطول الناس ألسنة و أحدّهم سيوفا(٣) .

هذا ، و في ( كامل المبرّد ) : قال رجل من بني مخزوم قلت و هم قوم أبي جهل لرجل من الأنصار : أتعرف الذي يقول :

ذهبت قريش بالمكارم كلّها

و اللؤم تحت عمائم الأنصار

قال : لا و لكن أعرف الذي يقول :

الناس كنوه أبا حكم

و اللَّه كنّاه أبا جهل

____________________

( ١ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٤٤٥ .

( ٢ ) جمل المفيد : ١٨٢ ١٨٣ .

( ٣ ) الطبقات لابن سعد ١ : ٢١٧ .

١١

أبقت رئاسته لأسرته

لؤم الفروع و دقّة الأصل

و كان يزيد عتب على قوم من الأنصار ، فأمر كعب بن جعيل بهجائهم فقال : أهجو الأنصار فأردّ إلى الكفر ، أدلّك على غلام من الحي نصراني كأن لسانه لسان ثور يعني الأخطل فأمره فقال ذاك البيت ، فدخل النعمان بن بشير على معاوية ، فحسر عمامته عن رأسه ثم قال : يا معاوية أترى لؤما ؟

فقال : ما أرى إلاّ كرما فقال له :

فما لي ثار دون قطع لسانه .

و دونك من يرضيه عنك الدراهم(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس : أنّ المهاجرين قالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذهبت الأنصار بالأجر كلّه قال : لا ما دعوتم اللَّه لهم و أثنيتم عليهم(٢) .

هذا ، و في ( سيرة ابن هشام ) : أسعد أبو كرب تبع الآخر لما قاتل أهل المدينة تزعم الأنصار أنّهم كانوا يقاتلونه بالنهار و يقرونه بالليل ، فيعجبه ذلك منهم و يقول : و اللَّه ان قومنا لكرام(٣) .

و فيه : بلغني عن يحيى بن سعيد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين افتتح مكة و دخلها قام على الصفا يدعو و قد أحدقت به الأنصار ، فقالوا فيما بينهم : أترون النبي إذ فتح اللَّه عليه أرضه و بلده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال : ما ذا قلتم ؟ قالوا : لا شي‏ء فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال النبي : معاذ اللَّه ، المحيى محياكم و الممات مماتكم .

____________________

( ١ ) الكامل للمبرّد ١ : ١٥٣ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٢ ٣٤٩ حديث ٤٨١٢ .

( ٣ ) سيرة ابن هشام ١ : ١١ .

١٢

٢ الحكمة ( ١٢٠ ) و سئلعليه‌السلام عن قريش فقال :

أَمَّا ؟ بَنُو مَخْزُومٍ ؟ فَرَيْحَانَةُ ؟ قُرَيْشٍ ؟ تُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ وَ اَلنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ وَ أَمَّا ؟ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ ؟ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً وَ أَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا وَ أَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا وَ أَسْمَحُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا وَ هُمْ أَكْثَرُ وَ أَمْكَرُ وَ أَنْكَرُ وَ نَحْنُ أَفْصَحُ وَ أَنْصَحُ وَ أَصْبَحُ أقول : و في ( رسالة الجاحظ ) كما في ( ينابيع مودة سليمان الحنفي ) قال عليعليه‌السلام حين سئل عن بني هاشم و بني امية « نحن أنجد و أمجد و أجود و هم أنكر و أمكر و أغدر »(١) .

و قالعليه‌السلام أيضا : نحن أطعم للطعام و أضرب للهام(٢) .

و روى ( موفقيات ابن بكار ) عن عبد اللَّه بن إبراهيم الجمي عن نوفل بن عمارة : قال رجل من قريش لعليعليه‌السلام : أخبرنا عنكم و عن بني عبد شمس قال :

نحن أصبح و أفصح و أسمح فقال الرجل : ما أبقيت للقوم شيئا قال : بلى هم أكثر و أمكر و أنكر(٣) .

و في ( العقد ) : قيل لعليعليه‌السلام : أخبرنا عنكم و عن بني امية فقال : بنو امية أنكر و أمكر و أفجر ، و نحن أصبح و أنصح و أسمح .

و قال الشعبي : قال عليعليه‌السلام : أما بنو هاشم فأطعمها للطعام و أضربها للهام ، و أمّا بنو أمية فأشدّها حجرا و أطلبها للأمر الذي لا ينال فينالونه(٤) .

____________________

( ١ ) ينابيع المودة : ١٥٤ .

( ٢ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ : ٢٠٨ .

( ٣ ) موفقيات ابن بكار : ٣٤٣ .

( ٤ ) العقد الفريد ٣ : ٣١٥ .

١٣

و في ( العيون ) : قال عليعليه‌السلام : خصصنا بخمس بصباحة و فصاحة و سماحة و رجاحة و حظوة يعني عند النساء(١) .

و سئلعليه‌السلام فقال : هم أغدر و أفجر و أمكر ، و نحن أفصح و أصبح و أسمح .

قول المصنّف : « و سئلعليه‌السلام عن قريش » في ( المروج ) : قريش خمسة و عشرون بطنا : بنو هاشم ، بنو المطلب ، بنو أسد بن عبد العزى ، بنو عبد الدار بن قصي ، بنو زهرة بن كلاب ، بنو تيم بن مرة ، بنو مخزوم ، بنو يقظة ، بنو عدي بن كعب ، بنو سهم ، بنو جمح و هم قريش البطاح ، بنو مالك بن حنبل ، بنو معيص ، بنو عامر ، بنو أسامة بن لؤي ، بنو الأدرم و هم تيم بن غالب ، بنو محارب بن فهم ، بنو الحرث بن عبد اللَّه ، بنو عائذة و هم خزيمة بن لؤي بنو بنانة و هم سعد بن لؤي قريش الظواهر(٢) .

و في ( المعارف ) : النضر بن كنانة أبو قريش ، و ولده مالك و الصلت و صار الصلت في اليمن و رجعت قريش إلى مالك بن النضر فهو أبوها كلّها ، و ولده فهر و الحارث ، و من الحارث أبو عبيدة ، و أما فهر فمنه تفرّقت قبائل قريش و ولده غالب و محارب ، و من محارب ضرار بن الخطاب شاعر قريش في الجاهلية ، و ولد غالب لؤي و تيم و من تيم الأدرم من أعرابهم قال :

ان بني الأدرم ليسوا من أحد

ليسوا إلى قيس و ليسوا من أسد

و لا توفاهم قريش في العدد

و أمّا لؤي فإليه ينتهي عدد قريش و شرفها ، و ولده كعب و عامر و سعد و خزيمة و الحارث و عوف ، و ولد عامر حسل و معيص ، و من معيص ابن ام

____________________

( ١ ) العيون ٤ : ٢٥ .

( ٢ ) المروج ٢ : ٣٢ .

١٤

كلثوم ، و من حسل سهل و سهيل و السكران بنو عمرو و سامة بن لؤي وقع بعمان ، و أما سعد بن لؤي فمنهم عائذة و هم في بني شيبان و مقاس العائذي الشاعر و أمّا كعب بن لؤي فولده مرة و هصيص و عدي ، و من هصيص بنو سهم و بنو جمح و أما عدي فمنهم عمر ، و أما مرة فمنهم تيم رهط أبي بكر و طلحة ، و منهم مخزوم و من مخزوم أبو جهل بن هشام ، و في هشام قالوا :

و أصبح بطن مكّة مقشعرا

كأنّ الأرض ليس بها هشام

و منهم كلاب و ولد كلاب زهرة و قصي ، و زهرة أخوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و أمّا قصي و اسمه زيد فسمّي مجمعا لأنّه جمع قبائل قريش و أنزلها مكّة و بنى دار الندوة و أخذ المفتاح من خزاعة و ولده عبد مناف و اسمه المغيرة و عبد الدار و عبد العزى و عبد و قد باد و من عبد العزى خويلد بن أسد أبو خديجة و جد الزبير ، و من عبد الدار آل أبي طلحة قتلوا يوم أحد إلاّ عثمان بن طلحة أسلم فدفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إليه مفتاح الكعبة و شيبة بن عثمان في ولده المفتاح ، و ولد عبد مناف هاشم و عبد شمس و المطلب و نوفل و من نوفل جبير بن مطعم(١) .

« فقال أمّا بنو مخزوم » بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب قال الجوهري : يقال لكلّ مثقوب مخزوم .

و في ( البيان ) : قال خالد بن صفوان لعبدري : هشمتك هاشم و أمتك امية و خزمتك مخزوم ، و أنت من عبد دارها و منتهى عارها تفتح لها الأبواب إذا أقبلت و تغلقها إذا أدبرت(٢) .

« فريحانة قريش » و في ( البيان ) : سأل معاوية دغفلا عن بني مخزوم

____________________

( ١ ) المعارف : ٦٧ .

( ٢ ) البيان و التبيين ١ : ٣٣٦ .

١٥

فقال : معزى مطيرة ، عليها قشعريرة ، إلاّ بني المغيرة ، فإنّ فيهم تشادق الكلام و مصاهرة الكرام(١) .

و في ( البيان ) : قال معاوية : لا ينبغي أن يكون الهاشمي غير جواد ، و لا الاموي غير حليم ، و لا الزبيري غير شجاع ، و لا المخزومي غير تياه فبلغ ذلك الحسن بن عليعليهما‌السلام فقال : قاتله اللَّه أراد أن يجود بنو هاشم فينفد ما بأيديهم ، و يحلم بنو امية فيتحببوا إلى الناس ، و يتشجع آل الزبير فيفنوا ، و يتيه بنو مخزوم فيبغضهم الناس(٢) .

« تحب حديث رجالهم » قد عرفت أن دغفلا النسابة قال في بني المغيرة :

تشادق الكلام .

هذا ، و من المحبوبين حديثا مالك بن نويرة اليربوعي الذي قتله خالد بن الوليد من قبل أبي بكر غدرا و زنا بامرأته حتى أنكر ذلك عليه عمر ، قال أخوه متمم لعمر : أسرني بنو تغلب في الجاهلية فبلغ ذلك مالكا فجاء ليفتديني ، فلما رآه القوم أعجبهم جماله و حدّثهم فأعجبهم حديثه فأطلقوني له بغير فداء .

« و النكاح في نسائهم » و من نسائهم ام سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و منهن ام سلمة زوجة السفاح .

في ( المروج ) : كانت ام سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد اللَّه بن الوليد بن المغيرة المخزومي عند عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك فهلك عنها ، ثم كانت عند هشام فهلك عنها ، فبينا هي ذات يوم إذ مر بها أبو العباس السفاح و كان جميلا وسيما فسألت عنه فنسب لها ، فأرسلت مولاة لها تعرض عليه أن يتزوجها و قالت لها : قولي له : هذه سبعمائة دينار وجه بها إليّ و كان معها

____________________

( ١ ) البيان و التبيين ١ : ١٢١ .

( ٢ ) البيان و التبيين ٤ : ٦١ .

١٦

مال عظيم و جوهر و حشم فأتته المولاة فعرضت عليه ذلك فقال : أنا مملق لا مال عندي فدفعت إليه المال فأنعم لها و أقبل إلى أخيها فسأله التزويج فزوجه إيّاها ، فأصدقها خمسمائة دينار و أهدى مائتي دينار و دخل عليها من ليلته ، فإذا هي على منصة ، فصعد عليها فإذا كلّ عضو منها مكلّل بالجوهر فلم يصل إليها ، فدعت بعض جواريها فنزلت و غيّرت لبسها و لبست ثيابا مصبغة و فرشت له فراشا على الأرض دون ذلك ، فلم يصل إليها فقالت : لا يضرّك هذا ، كذلك كان يصيبهم مثل ما أصابك فلم تزل به حتى وصل إليها من ليلته و حظيت عنده ، و حلف ألا يتزوج عليها و لا يتسرى ، فولدت له محمدا و ريطة ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها و بتدبيرها .(١) .

و في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : بعث عبد الملك بن مروان إلى المغيرة ابن عبد الرحمن المخزومي أن يقدم عليه أراد أن يزوجه اخته زينب فقدم المغيرة أيلة و بها يحيى بن الحكم ، فخطب إليه اخته زينب و جعل له أربعين ألف دينار فزوّجه إيّاها و لما قدم دمشق على عبد الملك خطب إليه زينب فقال له : مررت بعمّك يحيى فخطبها إليّ فزوجتها منه و لم أعلم أن لك فيها حاجة فغضب عبد الملك على عمّه و أخذ كلّ شي‏ء له ، فقال يحيى « كعكتان و زينب » يعني لا ابالي إذا وجدت كعكتين و عندي زينب و كانت زينب تسمى من حسنها الموصولة ، لأنّ كل رب منها كأنّما حسن خلقه ثم وصل إلى الإرب الآخر(٢) .

هذا ، و ورد مدح مطلق نساء قريش ، روى ( الكافي ) عن أحدهماعليهما‌السلام قال :

خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ام هاني بنت أبي طالب فقالت : يا رسول اللَّه اني مصابة في

____________________

( ١ ) المروج ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) نسب قريش : ٣٠٧ .

١٧

حجري أيتام و لا يصلح لك إلاّ امرأة فارغة فقال النبي : ما ركب الإبل مثل نساء قريش أحناها على ولد و لا أرعى على زوج في ذات يديه(١) .

هذا ، و أتى ابن أبي الحديد بما يضحك الثكلى ، فاقتصر في شرح العنوان على عد رجال مخزوم في الجاهلية و الاسلام و ما قيل فيهم من الأشعار ثم ان ابن أبي الحديد كأنّه كان من أكبر رجال مخزوم و أنف من قولهعليه‌السلام فيهم ، فقال : و يمكن أن يقال قالت مخزوم ما أنصفنا من اقتصر في ذكرنا على أن قال « مخزوم ريحانة قريش تحب حديث رجالهم و النكاح في نسائهم » و لنا في الجاهلية و الإسلام مآثر عظيمة و رجال كثيرة ثم عدّ منهم المغيرة و الوليد بن المغيرة و هشام بن المغيرة و أبا جهل بن هشام و عكرمة بن أبي جهل و عمر بن أبي ربيعة و خالد بن الوليد و ابنه عبد الرحمن و هشام بن إسماعيل و جمعا آخر ، و قال : ينبغي أن يقال إنّهعليه‌السلام لم يقل هذا الكلام احتقارا لهم ، و لكن لما كان أكثر همّه يوم المفاخرة أن يفاخر بني عبد شمس لما بينه و بينهم فلما مر ذكر مخزوم بالعرض قال فيهم ما قال ، و لو كان يريد مفاخرتهم لما اقتصر على ما قال على أن أكثر هؤلاء إسلاميون بعده و علي إنّما يذكر من قبله(٢) .

فإنّ هذا الرجل يدّعي المعرفة و يتكلّم بمثل هذا الكلام ، إلاّ انّه لما كان كثير من الذين قال بامامتهم سابّين لهعليه‌السلام لا غرو منه ان يقتصر على هذا المقدار ، و كان يمكنه اذ أنف لمخزوم أن يقول انّه غير معلوم كون هذا من كلامهعليه‌السلام فقد عرفت ان ( رسالة الجاحظ ) و ( عقد ابن عبد ربه ) و ( عيون ابن قتيبة ) اقتصرت على نقل وصفهعليه‌السلام لهاشم و امية دون مخزوم .

ثم أيّ قيمة لرجال كفار و منافقين و مخالفين عند اللَّه تعالى و عند

____________________

( ١ ) الكافي ٥ : ٣٢٦ ح ٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٨٥ .

١٨

رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله و عندهعليه‌السلام ، و قد قال الجاحظ فيما نقل نفسه عنه ان في مخزوم نزل قوله تعالى( و ذرني و المكذِّبين أولي النّعمة ) .(١) و قوله تعالى .( و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم ) .(٢) و في الوليد نزل قوله تعالى( ذرني و من خلقتُ وحيداً و جعلت له مالاً ممدوداً و بنين شهوداً ثم يطمع أن أزيد كلا انّه كان عنيداً سأُرهقه صعوداً انّه فكّر و قدّر فقُتل كيف قدّر ثم قُتل كيف قدّر ثم نظر ثم عبس و بسر ثم أدبر و استكبر فقال ان هذا إلا سحرٌ يؤثر ان هذا إلاّ قول البشر سأُصليه سقر و ما أدراك ما سقر لا تبقي و لا تذر لواحة للبشر ) (٣) و قوله تعالى أما من استغنى .

( فأنت له تصدى و ما عليك ألاّ يزّكى ) (٤) و في أبي جهل نزل قوله تعالى( ذق انّك أنت العزيز الكريم ) (٥) و قوله تعالى( فليدع ناديه سندع الزبانية ) (٦) .

و كان أبو جهل أعتى من فرعون ، ففرعون لما أدركه الغرق قال . .

( آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ) .(٧) ( حتى قال له جبرئيل الان ) ( و قد عصيت قبل ) .(٨) و أما أبو جهل فحين قتله ادّعى أنّه غلب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و عكرمة بن أبي جهل كان سرّ أبيه ، فروى الزبير بن بكار أنّه لما بويع أبو بكر ندم قوم من الأنصار و ذكروا عليّاعليه‌السلام و هتفوا باسمه و أنّه في داره لم

____________________

( ١ ) المزمل : ١١ .

( ٢ ) الأنعام : ٩٤ .

( ٣ ) المدثر : ١٠ ٢٩ .

( ٤ ) عبس : ٤ ٧ .

( ٥ ) الدخان : ٤٩ .

( ٦ ) العلق : ١٦ ١٨ .

( ٧ ) يونس : ٩٠ .

( ٨ ) يونس : ٩١ .

١٩

يخرج إليهم ، و كان أشدّ قريش على الأنصار نفر سهيل بن عمرو العامري و الحرث بن هاشم و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان و هؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم دخلوا في الاسلام و كلّهم موتور قد وتره الأنصار إلى أن قال : فلما بلغ الأنصار قول هؤلاء الرهط قام ثابت بن قيس بن شماس فقال : يا معشر الأنصار إنّما يكبر عليكم هذا القول لو قاله أهل الدين من قريش ، فأما إذ كان من أهل الدّنيا لا سيما من أقوام كلّهم موتور فلا يكبرن عليكم ، فان تكلمت رجال قريش الذين هم أهل الآخرة مثل كلام هؤلاء فعند ذلك قولوا ما أحببتم و إلا فأمسكوا(١) .

و أما خالد بن الوليد فعمدة آثاره فراره بالمسلمين يوم موتة فصار عارا للإسلام ، و لما رجعوا إلى المدينة كان المسلمون يصيحون بهم يا فرار و يحثّون عليهم التراب ، و غدره بجمع من المسلمين زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قتله لهم بغير حق ، فتبرأ منه و من فعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و بعث لإرضاء أوليائهم ، و غدره بجمع من المسلمين زمان أبي بكر كما مر و قرره أبو بكر و دافع عنه فعزله عمر ساعة وفاة أبي بكر و قيامه بالأمر لذلك(٢) .

و أما ابنه عبد الرحمن فأحد أعوان معاوية ، و كانعليه‌السلام يلعنه بعد صفين كما يلعن معاوية بعد صلاة غداته و مغربه(٣) .

و أما عمر بن أبي ربيعة فهو الهتاك للمحصنات حتى سمّي بالفاسق و أحرقه اللَّه في الدنيا قبل الآخرة(٤) .

و أما هشام بن اسماعيل فهو أحد من كان يسبّهعليه‌السلام ، فلما عزله الوليد

____________________

( ١ ) أخبار الموفقيات للزبير بن بكار : ٥٨٣ .

( ٢ ) المغازي للواقدي ٢ : ٧٦٤ .

( ٣ ) الغارات : ١٧٤ .

( ٤ ) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ١ : ٢٤٨ .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

السّماء قد تفتّحت , وإذا أنا بنور ساطع من السّماء إلى الأرض , وإذا أنا بوصائف من وصائف الجنّة , وإذا أنا بروضة خضراء وفي تلك الرّوضة قصر , وإذا أنا بخمس مشايخ يدخلون إلى ذلك القصر وعندهم وصيف , فقلت : يا وصيف , أخبرني لمن هذا القصر ؟ فقال : هذا لأبيك الحُسين أعطاه الله ثواباً لصبره. فقلت : ومَن هؤلاء المشايخ ؟ فقال : أمّا الأوّل فآدم أبو البشر ، وأمّا الثّاني فنوح نبي الله ، وأمّا الثّالث فإبراهيم خليل الرّحمن ، وأمّا الرّابع فموسى الكليم. فقلت : ومَن الخامس الذي أراه قابضاً على لحيته باكياً حزيناً من بينهم ؟ فقال لي : يا سكينة أما تعرفينه ؟ فقلت : لا. فقال : هذا جدّك رسول الله. فقلت له : إلى أين يريدون ؟ فقال : إلى أبيك الحُسين ، فقلت : والله , لألحقنّ جدّي واخبرنّه بما جرى علينا. فسبقني ولم ألحقه , فبينما أنا متفكّرة , وإذا بجدّي عليّ بن أبي طالب وبيده سيفه وهو واقف , فناديته : يا جدّاه قُتل والله ابنك من بعدك ! فبكى وضمّني إلى صدره وقال : (( يا بنية , صبراً وبالله المستعان )). ثمّ إنّه مضى ولم أعلم إلى أين ، فبقيت متعجّبة كيف لم أعلم به , فبينما أنا كذلك , إذا بباب قد فُتح من السّماء ، وإذا بالملائكة يصعدون وينزلون على رأس أبي. قال : فلمّا سمع يزيد ذلك , لطم على وجهه وبكى وقال : ما لي ولقتل الحُسين.

وفي نقل آخر : أنّ سكينة قالت : ثمّ أقبلت على رجل ؛ دري اللون قمري الوجه حزين القلب ، فقلت للوصيف : مَن هذا ؟ فقال : جدّك رسول الله. فدنوت منه وقلت له : يا جدّاه ! قُتلت والله رجالنا وسفكت والله دماؤنا ، وهتكت والله حريمنا ، وحملنا على الأقتاب بغير وطاء ، نساق إلى يزيد. فأخذني إليه وضمّني إلى صدره ، ثمّ أقبل على آدم ونوح وإبراهيم وموسى , ثمّ قال لهم : (( ماترون إلى ما صنعت اُمّتي بولدي من بعدي ؟ )). ثمّ قال الوصيف : يا سكينة , اخفضي صوتك فقد أبكيت رسول الله. ثمّ أخذ الوصيف بيدي وادخلني المصر , وإذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهن وزاد في نورهن , وبينهنّ امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها وعليها ثياب سود وبيدها قميص مضمّخ بالدّم , وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها ، فقلت للوصيف : مَن هؤلاء النّسوان اللواتي قد عظم الله خلقتهن ؟ فقال : يا سكينة , هذه حواء اُمّ البشر ، وهذه مريم ابنة عمران ، وهذه خديجة بنت

٢٦١

خويلد ، وهذه هاجر ، وهذه سارة ، وهذه التي بيدها القميص المضمّخ بالدّم وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها , هي جدّتك فاطمة الزّهراء. فدنوت منها وقلت لها : يا جدتاه ! قُتل والله أبي وأوتمت على صغر سني. فضمّتني إلى صدرها وبكت بكاءاً شديداً وبكين النّسوة كلّهن وقلن لها : يا فاطمة , يحكم الله بينك وبين يزيد يوم فصل القضاء. ثمّ إنّ يزيد تركها ولم يعبأ بقولها :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

قتلتم أبي ظلماً فويل لأمكم

ستجزون ناراً حرها تتوقد

سفتكم دماء حرم الله سفكها

وحرمها القرآن ثمّ محم

ألا فابشروا بالنّار إنكم غداً

لفي سقر حقاً يقيناً تخلدوا

وإني لأبكي في حياتي على أبي

على خير من بعد النّبي سيولد

بدمع غزير مستهل مكفكف

على الخد منّي ذائب ليس يجمد

قال : ثمّ إنّ يزيد لعنه الله أمر الخطيب أن يصعد المنبر يسبّ عليّاً والحسن والحُسين , قال : فصعد ففعل ذلك ، فقال له زين العابدين : (( سألتك بالله إلّا ما أذنت لي بالصّعود على المنبر , وأتكلّم بكلام لله فيه رضى وللاُمّة فيه صلاح )). فاستحى منه فأذن له ، ثمّ إنّ زين العابدين جعل بعذوبة منطقه وفصاحة لسانه ودلائل النّبوة بعد أن حمد الله وأثنى عليه , ثمّ قال : (( معاشر النّاس , مَن عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإنّي أعرّفه بنفسي , أنا عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن من حجّ ولبّى , أنا ابن من طاف وسعى , أنا ابن زمزم والصّفا ، أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن البشير النّذير ، أنا ابن الدّاعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن من دنى فتدلّى ، أن ابن مُحمّد الـمُصطفى ، أنا ابن عليّ الـمُرتضى ، أنا ابن فاطمة الزّهراء ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن صريع كربلاء ، أنا ابن محزوز الرّأس من القفا ، أن ابن العطشان حتّى قضى ، أنا ابن الذي افترض الله ولايته : فقال :( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) (١) . ألا أنّ الاقتراف مودّتنا أهل البيت.

أيّها النّاس , فضّلنا الله بخمس خصال , فينا الشّجاعة والسّماحة والهُدى والحكم بين النّاس بالحقّ والحمية في قلوب المؤمنين )). قال : فقام المؤذّن فقطع خطبته , فلمّا قال : الله أكبر الله أكبر. قال

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

(١) سورة الشّورى / ٢٣.

٢٦٢

الإمام زين العابدين : (( كبّرت كبيراً وعظمت عظيماً وقُلت حقّاً جليلاً )). فقال المؤذّن : أشهد أن لا إله إلا الله. فقال الإمام : (( وأنا أشهد أن لا إله إلا الله )). فقال المؤذّن : أشهد أنّ مُحمّداً رسول الله. فبكى زين العابدين وقال : (( يا يزيد , مُحمّد جدّي أم جدّك ؟ )). فقال : بل جدّك. قال : لِم قتلت ولده ؟ فلم يرد جواباً ، حتّى نُقل أنّه قال : ما لي بالصّلاة حاجة. فخرج ولم يصل.

قال : ثمّ إنّ المنهال لقي عليّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) ، فقال : كيف أصبحت يا بن رسول الله ؟ فقال : (( كيف أصبح من قُتل بالأمس أبوه وأهله وهو يتوقّع الموت بعدهم )). ثمّ قال : (( أصبحت العرب تفتخر على العجم ؛ لأنّ مُحمّداً منهم , ونحن أهل البيت أصبحنا مظلومين مقتولين مشردين )). قال : فعلت الأصوات بالبكاء والنّحيب حتّى أنّ يزيد لعنه الله خشي الفتنة.

ونُقل عن هند زوجة يزيد , قالت : كنت أخذت مضجعي , فرأيت باباً من السّماء قد فتحت والملائكة ينزلون كتائب كتائب إلى رأس الحُسين , وهم يقولون : السّلام عليك يا أبا عبد الله , السّلام عليك يا بن رسول الله. فبينما أنا كذلك , إذ نظرت إلى سحابة قد نزلت من السّماء وفيها رجال كثيرون , وفيهم رجل دري اللون قمري الوجه , فأقبل يسعى حتّى انكبّ على ثنايا الحُسين يقبّلهما وهو يقول : (( يا ولدي قتلوك , أتراهم ما عرفوك ومن شرب الماء منعوك , يا ولدي , أنا جدّك رسول الله , وهذا أبوك عليّ الـمُرتضى , وهذا أخوك الحسن , وهذا عمّك جعفر وهذا عقيل , وهذان الحمزة والعبّاس )). ثمّ جعل يعدّد أهل بيته واحداً بعد واحد. قالت هند : فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة , وإذا بنور قد انتشر على رأس الحُسين , فجعلت أطلب يزيد وهو قد دخل إلى بيت مظلم وقد دار وجهه إلى الحائط , وهو يقول : ما لي وللحسين. وقد وقعت عليه الهمومات , فقصصت عليه المنام وهو منكس الرّأس.

قال : فلمّا أصبح , استدعى بحرم رسول الله , فقال لهم : أيما أحبّ إليكنّ , المقام عندي أو الرّجوع إلى المدينة ولكم الجائزة السّنية ؟ قالوا : نحبّ أوّلاً أن ننوح على الحُسين. قال : افعلوا ما بدا لكم. ثمّ اُخليت لهن الحجر والبيوت في دمشق , ولم تبق هاشمية ولا قرشية إلّا ولبست السّواد على الحُسين , وندبوه على ما نُقل سبعة أيّام ، فلمّا كان اليوم الثّامن , دعاهم يزيد وعرض عليهم المقام , فأبوا وأرادوا الرّجوع إلى المدينة

٢٦٣

فأحضر لهم المحامل وزيّنها , وأمر بالأنطاع من الإبريسم وصبّ عليها الأموال , وقال : يا اُمّ كثلوم , خذوا هذا المال عوض ما أصابكم. فقالت اُمّ كلثوم : يا يزيد , ما أقلّ حياءك وأصلف وجهك , أتقتل أخي وأهل بيتي وتعطيني عوضهم مالاً ؟! والله لا كان ذلك أبداً.

فيا ذلة الإسلام من بعد عزه

ويا لك رزء في الأنام خطير

فيا عبرتي سحي ويا حرقتي إزددي

ويا نفس ذوبي فالمصاب كبير

فأي حياة بعد ذا الرزء ترتجي

وأي فؤاد يعتريه سرور

نُقل : اللعين يزيد أوعد عليّ بن الحُسين بثلاث حاجات يقضيها له ، فلمّا أحضره , قال له : اذكر لي حاجاتك اللاتي وعدتك بهن. فقال له : (( الأولى : أن تريني وجه سيّدي ومولاي الحُسين , فأتزوّد منه وأودّعه. والثّانية : أن ترد علينا ما أخذت منّا. والثّالثة : إن كنت قد عزمت على قتلي , فوجّه مع هؤلاء النّسوة من يردّهن إلى حرم جدّهن )).

فقال : أمّا وجه أبيك لن تراه أبداً ، وأمّا قتلك فقد عفونا عنك ، وأمّا النّسوة فلا يسير بهن إلى المدينة غيرك ، وأمّا ما اُخذ منكم فأنا أعوّضكم عنه. فقال (عليه‌السلام ) : (( أمّا مالك فهو موفور عليك ، وإنّما طلبت ما اُخذ منّا ؛ لأنّ فيها مغزل فاطمة بنت مُحمّد ومقنعتها وقلادتها وقميصها )). فأمر اللعين برد ذلك وأمر برد الأسارى إلى أوطانهم.

قال : فسار القائد وكان يتقدمهم تارة ويتأخّر عنهم تارة , فقلن النّساء له : بحقّ الله عليك إلّا ما عرجت بنا على طريق كربلاء. ففعل ذلك حين وصل إلى قرب النّاحية , وكان قدومهم إلى ذلك المصرع يوم العشرين من صفر , فوجدوا هناك جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من نساء بني هاشم , فتلاقوا في وقت واحد , فأخذوا بالنّوح والبكاء وإقامة المآتم إلى ثلاثة أيّام , فلمّا انقضت , توجّهوا إلى نحو المدينة.

قال بشر بن حذلم : لـمّا صرنا قريباً من المدينة , نزل عليّ بن الحُسين وحطّ رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه , وقال لي : (( يا بشر , ادخل المدينة وانع أهلها بأبي عبد الله وأخبرهم بقدومنا )). قال بشر : فركبت ودخلت المدينة ورفعت صوتي بالبكاء والنّحيب , فقلت : يا أهل المدينة , هذا عليّ بن الحُسين قد قدم إليكم مع عمّاته وأخواته , وقد نزل قريباً منكم , وأنا رسوله إليكم أعرّفكم بمكانه. قال : فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة , إلّا

٢٦٤

وبرزن من خدورهن خمشة وجوههن لاطمات يدعون بالويل والثّبور وعظائم الأمور. قال : فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم(١) . قال : ثمّ إنّ أهل المدينة تبادروا مسرعين إلى نحو زين العابدين وأنا معهم , فوجدت النّاس قد ملأوا الطّرق والأمكنة , فنزلت عن فرسي وبقيت أتخطى رقاب النّاس حتّى قربت من باب الخيمة وكان زين العابدين (عليه‌السلام ) داخلاً , فخرج وبيده منديل يمسح به دموعه - وكان عمره يومئذ على ما نُقل أحد عشر سنة - فجلس على كرسي له وهو لا يتمالك على نفسه من شدّة البكاء , والنّاس يعزونه وهم مع ذلك يبكون وينحبون , فأومى إليهم أن اسكتوا , فقام وقال : (( الحمد لله ربّ العالمين , مالك يوم الدّين , بارئ الخلائق أجمعين , الذي بعد فارتفع في السّماوات العلى , وقرب فشهد النّجوى , نحمده على عظائم الاُمور ومجامع الدّهور , وألم الفجائع ومضاضة اللواذع , وجليل الرّزء وعظيم المصائب.

أيّها النّاس , إنّ الله له الحمد وله الشّكر قد ابتلانا بمصائب جليله ، ومصيبتنا ثلمة عظيمة في الإسلام ورزء جليل في الأنام ، قُتل أبي الحُسين وعترته وأنصاره وشيعته ، وسبيت نساؤه وذرّيّته ، وطيف برأسه في البلدان من فوق عالي السّنان فهذه الرّزيّة تعلو على كلّ رزية ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

أيّها النّاس , مَن منكم يسر قلبه بعد قتل أبي وهو ابن بنت رسول الله ؟ أم أيّة عين تحبس وتضن بانهمالها فلقد بكت السّبع الشّداد لقتله ، والسّبع الطّباق لفقده ، وبكت البحار بأمواجها , والسّماوات بأركانها وسكّانها ، والأرضون بأرجائها , والأشجار بأغصانها , والطّيور بأوكارها , والحيتان في لجج البحار , والوحوش في البراري والقفار ، والملائكة المقرّبون , والسّماوات والأرضون.

أيّها النّاس , أيّ قلب لا ينصدع لقتله ولا يحزن لأجله ؟

أيّها النّاس , أصبحنا مشردين لائذين شاسعين عن الأمصار , كأننا من أولاد الكفّار من غير جرم اجترمناه أو مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ولا فاحشة فعلناها. فوالله , لو أنّ النّبي أوصى إليهم في قتالنا , لما زادوا على ما فعلوه بنا. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون )). ثمّ قام يمشي إلى دار الرّسول ليدخلها. وأمّا اُمّ كلثوم , فحين توجّهت إلى المدينة , جعلت تبكي وتقول :

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جينا

____________________

(١) هكذا ورد في هذا الكتاب , ولكن الوارد في اللهوف في قتلى الطّفوف /١١٥ , وغيره : قال : فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلا برزن من خدورهن , مكشوفة شعورهن , مخمشة وجوههن , ضاربات خدودهن , يدعون بالويل والثّبور , فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم , ولا يوما أمر على المسلمين منه...(معهد الإمامين الحسنين).

٢٦٥

ألا فاخبر رسول الله عنا

بأنا قد فجعنا في أخينا

وإن رجالنا في الطف صرعى

بلا رؤوس وقد ذبحوا البنينا

وأخبر جدنا أنا أسرنا

وبعد الأسر يا جد سبينا

ورهطل يا رسول الله أضحوا

عاريا بالطفوف مسلبينا

وقد ذبحوا لحسين ولم يراعوا

جنابك يا رسول الله فينا

فلو نظرت عيونك لأسارى

على أقتاب الجمال محملينا

رسول الله بعد الصون صارت

عيون الناس ناظرة إلينا

وكنت تحوطنا حتّى تولت

عيونك ثارت الأعدا علينا

أفاطم لو نظر إلى السبايا

بناتك في البلاد مشتتينا

أفاطم لو نظرت إلى الحيارى

ولو أبصرت زين العابدينا

أفاطم لو رأيتنا سهارى

ومن سهر الليالي قد عمينا

أفاطم ما لقيت من عداكي

ولا قيراط مما لقينا

فلو دامت حياتك لم تزالي

إلى يوم القيامة تندبينا

وعرج بالبقيع وقف وناد

أأين حبيب رب العالمينا

وقل يا عم يا الحسن المزكى

عيال أخيك اضحوا ضائعينا

أيا عماه إن أخاك أضحى

بعيداً عنك بالرمضاء رهينا

بلا رأس تنوح عليه جهراً

طيور والوحوش الموحشينا

ولو عاينت يا مولاي ساقوا

حريماً لا يجدن لهم معينا

على متن النياق بلا وطاء

وشاهدت العيال مشكفينا

مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جينا

خرجنا منك بالأهلين جمعاً

رجعنا لا رجال ولا بنينا

وكنا في الخروج بجمع شمل

رجعنا حاسرين مسلبينا

ونحن في أمان الله جهراً

رجعنا بالقطيعة خائفينا

ومولانا الحُسين لنا أنيس

رجعنا والحُسين به رهينا

فنحن الضائعات بلا كفيل

ونحن النائحات على أخينا

ونحن السائرات على المطايا

نشال على جمال المبغضينا

٢٦٦

ونحن بنات (يس) و(طه)

ونحن الباكيات على أبينا

ونحن الطاهرات بلا خفاء

ونحن المخلصون المصطفونا

ونحن الصابرات على البلايا

ونحن الصادقون الناصحونا

ألا يا جدنا قتلوا حسيناً

ولم يرعوا جناب الله فينا

لقد هتكوا النساء وحملوها

على الأقتاب قهراً أجمعينا

وزينب أخرجوها من خباها

وفاطم والهةً تبدي الأنينا

سكينة تشتكي من حر وجد

تنادي الغوث رب العالمينا

وزين العابدين بقيد ذل

وراموا قتله أهل الخؤنا

فبعدهم على الدُنيا تراب

فكأس الموت فيها قد سقينا

وهذي قصتي مع شرح حالي

ألا يا سامعون أبكوا علينا

قال الرّاوي : أمّا زينب , فأخذت بعضادتي باب المسجد ونادت : يا جدّاه إنّي ناعية إليك أخي الحُسين ! وهي مع ذلك لا تجفّ لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنّحيب , وكلّما نظرت إلى عليّ بن الحُسين , تجدد حزنها وزاد وجدها.

وأمّا عليّ بن الحُسين (عليهما‌السلام ) ، فلمّا دخل إلى دار الرّسول , وجدها مقفرة الطّلول خالية من سكّانها حاكية أحزانها , وقد غشيها القدر النّازل ، وساورها الخطب الهائل , وأطلّت عليها عذبات المنايا , واظلّتها جحافل الرّزايا ، فهي موحشة العرصات لفقد الأئمة الهداة ، لهوام لي معاهدها صياح ، وللرياح في محو آثارها إلحاح ، ولسان حالها يندب ندب الفاقد ويذري دمعاً من عين ساهرة ، وقد جالت عواصف الشّمال والدّبور في تلك المعالم والقصور ، وقالت بلسان حالها : يا قوم , ساعدوني على الحزن على اُناس كنت آنس بهم في الخلوات ، واسمع تهجدهم في الصّلوات , فيا ليتني حيث لم أحطّ بالمساواة عند النّزال , وحرمت معالجة تلك الأهوال , كنت لأجسادهم الشّريفة محلاً لجثثهم موطناً ومجناً ، فكيف لا أندب الأطلال والدّوارس ، واوقض الأعين النّواعس ؟ وقد كان سكّانها سماري في ليلي ونهاري وهم شموسي وأقماري , وافتخر على أمثالي بجوارهم , واتمتع مواطىء أقدامهم وآثارهم ، فكيف يقلّ جزعي وحزني عليهم ؟

٢٦٧

وكيف لا تنهدّ أركاني تشوّقاً إليهم ؟! ولله درّ مَن قال :

وقفت على دار النّبي مُحمّد

فلقيتها قد أقفرت عرصاتها

وامت خلاء من تلاوة قارئ

وعطل منها صومها وصلاتها

وكانت ملاذاً للأنام وجنة

من الخطب يغني المعتفين صلاتها

فأقفرت من السادات من آل هاشم

ولم يجتمع بعد الحُسين شتاتها

فعيني لقتل السبط عبرى ولوعتي

على فقدهم ما تنقضي زفراتها

فيا كبدي كم تصبرين على الأذى

أما آن أن تقني إذاً حسراتها

أيّها المفتون بهذا المصاب ملاذ الحماة من سفرة الكتاب , بلزوم الأحزان على أئمة الأنام ورؤساء الإيمان ، فقد روي عن الباقر (عليه‌السلام ) , أنّ زين العابدين (عليه‌السلام ) كان مع علمه وصبره , شديد الجزع والشّكوى لهذه المصيبة والبلوى ، وأنّه بكى على أبيه أربعين سنة بدمع مسفوح وقلب مقروح , يقطع نهاره بصيامه وليله بقيامه ، فإذا حضر الطّعام لإفطاره , ذكر قتلاه ونادى : (( وا أباه ! )). ثمّ يقول : (( قُتل ابن رسول الله جائعاً , قُتل ابن رسول الله عطشاناً ، وأنا آكل طيباً وأشرب بارداً )). ثمّ يبكي كثيراً حتّى يبلّ ثيابه بدموعه ، ولله درّ من قال :

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا

شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا

يقضي علينا الأسى لولا تآسينا

حالت لبعدكم أيامنا فغدت

سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا

إن الزمان الذي قد كان يضحكنا

أنساً بقربكم قد عاد يبكينا

نُقل : أنّه قيل لعلي بن الحُسين (عليه‌السلام ) : إلى متى هذا البكاء يا مولاي ؟ فيقول : (( يا قوم , إنّ يعقوب النّبي فقد سبطاً من أولاده الاثني عشر , فبكى عليه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن , وابنه حيّ في دار الدُنيا ويعلم أنّه لم يمت ، وأنا قد نظرت بعيني إلى أبي وسبعة عشر من أهل بيتي قتلوا في ساعة واحدة ، فترون حزنهم يذهب من قلبي ، وذكرهم يخلو من لساني ، وشخصهم يغيب عن عيني ، لا والله , لا أنساهم حتّى أموت )).

فيا إخواني , على مثل هؤلاء الأبرار يحقّ أن يبكي الباكون ، وإيّاهم يندب النّادبون ، ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا

٢٦٨

تكونون كبعض مادحيهم حيث عرتهم الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة لابن حماد (رحمه‌الله )

نُقل : أنّ بعض الرّجال في يوم عاشوراء أتاه ليهنئه بالعيد على ما هو معروف بينهم , فقال :

هن بالعيد إن أردت سوائي

أي عيد لمستباح العزاء

إن في مأتمي عن العيد شغلاً

فاله عني وخلني بشجائي

فإذا الناس عيدوا بسرور

كان عيدي بزفرة وبكائي

وإذا جددوا الأبزة جددت

ثياباً من لوعتي وضنائي

وإذا أدمنوا الشراب فشربي

من دموعي ممزوجة بدمائي

وإذا استشعروا الغناء فنوحي

وعويلي على الحُسين غنائي

وقليل لو مت هماً ووجداً

لمصاب الغريب في كربلاء

أيهنا بعيده من مواليه

أياديهم يد الأعداء

آه يا كربلاء كم فيك من كرب

لنفس شجية وبلاء

أألذ الحياة بعد قتيل الطف

ظلماً إذاً لقل حيائي

كيف ألتذ شرب الماء وقد

جرع كأس الردى بكرب الظماء

كيف لا أسلب العزاء إذا ما

أنا مثلته سليب الرداء

كيف لا تسكب الدّموع جفوني

بعد تضريج شبيه بالدماء

تطأ الخيل جسمه في ثرى الطف

وجسمي يلتذ لين الوطاء

بأبي زينب وقد سبيت بالذل

من خدرها كسبي الإماء

فإذا عاينتيه ملقى على الترب

معرّى مجدلاً بالعراء

أقبلت نحوه فيمنعها الشمر

فتدعو في خفية وخفاء

أيها الشمر خلني اتزود

نظرة منه فهي أقصى منائي

ما لجدي عليك حق فلم

تضربني جاهراً بسوء مراء

ثم تدعو الحُسين يا شقيق روحي

وابن أمي خلفتني لشقائي

يا أخي يومك المشؤوم برى جسمي

وعظمي وأوهى قوائي

٢٦٩

يا أخي كنت أرتجيك لموتي

وحياتي فالآن خاب رجائي

يا أخي لو فداك من الموت شخص

كنت أفديك بي وقل فدائي

يا أخي لا حييت بعدك بل لا

عشت إلّا بمقلة عمياء

آه وا حسرتاه لفاطمة الصغرى

وقد أبرزت بذل السباء

كفها فوق رأسها من جوى الثكلٍ

فلهفي لها على الأحشاء

فإذا عاينت أباها صريعاً

فاحصاً باليدين في الرمضاء

لم تطق نهضة إليه من الضعف

تناديه في خفي النداء

يا أبا من ترى ليتمي وضعفي

بعدكم يا أبا ومن لضنائي

فإذا لم يطق جواباً هلما إلّا

بغمر الجفون بالإيماء

أقبلت نحو عمتيها وقالت

ما أرى والدي مع الأحياء

عمتا ما له جفاني وما كان

له قط عادة بالجفاء

يا بني أحمد السلام عليكم

ما أدارت كواكب الجوزاء

أنتم صفوة الإله من الخلق

ومن بعد خاتم الأنبياء

يا نجوم الهدى بنوركم يهدى

الورى في حنادس الظلماء

أنا مولاكم ابن حماد أعدتكم

في غد ليوم الجزاء

قد تمّ الجزء الثّاني من كتاب الـمُنتخب

وبه تمّ الكتاب

٢٧٠

الفهرس

المجلس الأوّل في الليلة السّادسة من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٣

الباب الثّاني ١٢

الباب الثّالث ٢٠

المجلس الثّاني في اليوم السّادس من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٢٦

الباب الثّاني ٣٣

حديث الكساء ٣٥

الباب الثّالث ٤٢

المجلس الثّالث من الجزء الثّاني في الليلة السّابعة من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٤٨

الباب الثّاني ٥٥

الباب الثّالث ٦٣

المجلس الرّابع من الجزء الثّاني في السّابع من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٧٢

الباب الثّاني ٧٩

الباب الثّالث ٨٧

المجلس الخامس من الجزء الثّاني في الليلة الثّامنة من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٩٤

الباب الثّاني ١٠٢

الباب الثّالث ١١٠

المجلس السّادس من الجزء الثّاني في اليوم الثّامن من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ١٢١

الباب الثّاني ١٣٠

الباب الثّالث ١٣٦

المجلس السّابع من الجزء الثّاني في الليلة التّاسعة من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ١٤٤

الباب الثّاني ١٥٢

٢٧١

الباب الثّالث ١٦٠

المجلس الثّامن من الجزء الثّاني ، في التّاسع من عشر الـمُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ١٦٧

الباب الثّاني ١٧٤

الباب الثّالث ١٨٠

المجلس التّاسع من الجزء الثّاني في الليلة العاشرة من الـمُحرّم وفي ابتداء مصرع الحُسين ( عليه‌السلام ) وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ١٨٦

الباب الثّاني ٢٠٣

الباب الثّالث ٢١٨

المجلس العاشر من الجزء الثّاني ، في العاشر من شهر المـُحرّم وفيه أبواب ثلاثة الباب الأوّل ٢٢٧

الباب الثّاني ٢٤٢

الباب الثّالث ٢٥٨

الفهرس ٢٧١

٢٧٢

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639