بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253740 / تحميل: 8971
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

  ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) قال : ا ل م كأوّل البقرة )(١) .

وفي( الميزان ) :

( قال الخطيب في جامعة : لم يحكِ عن أحد مِن المحدّثين مِن التصحيف في القرآن الكريم ، أكثر ممّا حكي عن عثمان بن أبي شيبة ، ثمّ ساق بسنده عن إسماعيل بن محمّد التستري : سمعت عمثان بن أبي شيبة يقرأ( فإنْ لم يصبها وابل فظل ) وقرأ مرّة( من الخوارج مكلّبين ) .

وقال أحمد بن كامل القاضي : ثنا أبو الشيخ الأصبهاني محمّد بن الحسن قال : قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة( بطشتم خبّازين ) .

وقال محمّد بن عبيد الله بن المنادي : قال لنا عثمان بن أبي شيبة :( ن وَالْقَلَمِ ) أيّ سورة هو ؟

وقال مطين : قرأ عثمان بن أبي شيبة( فضرب لهم سنور له ناب ) فردّوا عليه فقال : قراءة حمزة عندنا بدعة .

وقال يحيى بن محمّد بن كاس النخعي : ثنا إبراهيم بن عبد الله الخصّاف قال : قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة تفسيره فقال :( جعل السفينة في رجل أخيه ) فقيل : إنّما هو ( السِّقَايَةَ ) فقال : أنا وأخي لا نقرأ لعاصم )(٢) .

وكما حمل الذهبي خطأ عثمان في سورة الفيل على سبقِ اللّسان ، حاول حمل تصحيفاته على المزاح والدعابة ! فقال : ( قلت : فكأنّه كان صاحب دعابة ، ولعلّه تاب وأناب )... لكن الدعابة في ألفاظ القرآن تُوجب الفسق ، ولذا قال ( لعلّه تاب

ـــــــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي ٢ : ١٧٥ ـ النوع السادس والثلاثون .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٧/ ٥٥١٨ .

٢٨١

وأناب ) ، وهل يكفي ( لعلّ ) لو كان ذلك منه ( دعابة ) ؟

والألطف مِن ذلك تمنّيه موت إسحاق مِن أجل الشهرة والرئاسة ، قال في( الميزان ) :

( قال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ : دخلت عليه فقال لي : إلى متى لا يموت إسحاق ؟ فقلت : شيخٌ مثلك يتمنّى موت شيخٍ مثله ؟ !

فقال : دعني ، فلو مات لصفا لي جوّي )(١) .

الطبقة الرابعة

قال السيوطي :

( وبعدهم : ابن جرير الطبري ، وكتابه أجلّ التفاسير وأعظمها ، ثمّ ابن أبي حاتم ، وابن ماجة ، والحاكم ، وابن مَرْدَوَيه ، وأبو الشيخ ابن حيّان ، وابن المُنذر ، في آخرين .

وكلّها مسندة إلى الصحابة وأتباعهم ، وليس فيها غير ذلك ، إلاّ ابن جرير ، فإنّه يتعرّض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض ، والإعراب والاستنباط ، فهو يفوقها بذلك )(٢) .

أقـول :

إنّ أفضل وأشرف تفاسير هذهِ الطبقة :

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٨/ ٥٥١٨ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٢ .

٢٨٢

تفسير ابن جرير الطَبَري

كما قال السيوطي ، بل لقد ادّعى الإجماع على ذلك ، حيث قال :

( فإنْ قلْت : فأيّ التفاسير ترشد إليه ، وتأمر الناظر أنْ يعوّل عليه ؟

قلت : تفسير الإمام أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري ، الذي أجمع العلماء والمفسّرون على أنّه لم يُؤلَّف في التفسير مثله )(١) .

وقال النووي : ( له التاريخ المشهور ، وكتابٌ في التفسير لم يُصنِّف أحدٌ مثله )(٢) .

وقال ياقوت الحموي نقلاً عن الخطيب : ( وله الكتابُ المشهور في تاريخ الأُمم والملوك ، وكتابٌ في تفسير القرآن لم يصنِّف أحدٌ مثله )(٣) .

قال ياقوت : ( ومِن كتبه : الكتاب المسمّى جامعُ البيان عن تأويل آي القرآن .

قال أبو بكر ابن كامل : أملى علينا مِن كتاب التفسير مئةً وخمسينَ آية ، ثمّ خرجه بعد ذلك إلى آخر القرآن فقرأه علينا ، وذلك في سنة سبعين ومِئتين ، واشتهر الكتاب وارتفع ذكره وأبو العبّاس أحمد بن يحيى ثعلب

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٤ .

(٢) تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٧٨/ ٨ .

(٣) معجم الأُدباء ١٨ : ٤١/ ١٧ .

٢٨٣

وأبو العبّاس محمّد بن يزيد المبرد يَحْيَيان ، ولأهل الإعراب والمعاني معقلان ، وكان أيضاً في الوقت غيرهما مثل : أبي جعفر الرستمي ، وأبي الحسن ابن كيسان ، والمفضّل بن سلمة ، والجعد وأبي إسحاق الزجّاج ، وغيرهم من النحويّين من فرسان هذا الشأن ، وحمل هذا الكتاب مشرقاً ومغرباً ، وقرأه كلّ مَن كان في وقته مِن العلماء ، وكلّ فضّله وقدّمه .

قال أبو جعفر : حدّثني به نفسي وأنا صبي .

قال أبو جعفر : استخرت الله تعالى في عمل كتاب التفسير ، وسألته العون على ما نويته ثلاث سنين قبل أنْ أعمله ، فأعانني .

وقال أبو محمّد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني : أخبرني شيخ من جِسْرِ ابن عفيف قال : رأيت في النوم كأنّي في مجلس أبي جعفر والنّاس يقرؤون عليه كتاب التفسير ، فسمعت هاتفاً بين السماء والأرض يقول : مَن أراد أنْ يسمع القرآن كما اُنزل فليسمع هذا الكتاب .

ولم يتعرّض ـ أي الطبري ـ لتفسيرٍ غيرَ موثوقٍ به ، فإنّه لم يُدخل في كتابه شيئاً عن كتاب محمّد بن السائب الكلْبي ، ولا مقاتل بن سليمان ، ولا محمّد بن عمر الواقدي ؛ لأنّهم عنده أظنّاء )(١) .

وقال السمعاني في( الأنساب ) :

( قال أبو حامد الإسفرائيني : لو سافر رجلٌ إلى الصِّين ، حتّى يحصل له كتاب تفسير محمّد بن جرير ، لم يكن ذلك كثيراً )(٢) .

وأمّا محمّد بن جرير الطبري نفسه ، فتوجد مكارمه ومحامده في الكتب

ـــــــــــــــــــ

(١) معجم الأدباء ١٨ : ٦١ ـ ٦٥/ ١٧ .

(٢) الأنساب ٤ : ٤٦ .

٢٨٤

التالية :

تذكرة الحفّاظ ٢ : ٧١٠ ـ ٧١٦ .

طبقات الشافعيّة للسبكي ٣ : ١٢٠ ـ ١٢٨ .

طبقات الحفّاظ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ .

وفيَات الأعيان ٤ : ١٩١ ـ ١٩٢.

مرآة الجنان ٢ : ٢٦٠.

تاريخ بغداد ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٩.

تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٧٨ ـ ٧٩ .

سير أعلام النُبَلاء ١٤ : ٢٦٧ ـ ٢٨٢

وغيرها مِن كتب التاريخ وتراجم الرّجال .

قال ياقوت الحمَوي في( معجم الأُدباء ) نقلاً عن الخطيب :

( كان أحد أئمّة العلماء ، يحكم بقوله ، ويرجع إلى رأيه ، لمعرفته وفضله ، وكان قد جمع مِن العلوم ما لم يُشاركهُ فيه أحدٌ مِن أهل عصره ، وكان حافظاً لكتاب الله عزّ وجلّ ، عارفاً بالقراءات ، بصيراً بالمعاني ، فقيهاً بأحكام القرآن ، عالماً بالسُنن وطُرقها ، وصحيحها وسقيمها ، وناسخها ومنسوخها ، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين ومِن بعدهم مِن المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام ، عارفاً بأيّام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأُمم والملوك ، وكتاب في تفسير القرآن لم يصنِّف أحدٌ مثله ، وكتابٌ سمّاه تهذيب الآثار لم أرَ سواه في معناه ، لم يتمّه .

قال ابن خزيمة ـ لمّا لاحظ تفسير ابن جرير ـ : ما أعلم على أديم الأرض أعلم مِن ابن جرير .

٢٨٥

قال أبو محمّد بن عبد العزيز بن محمّد الطبري : كان أبو جعفر مِن الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد ؛ لجمعه مِن علوم الإسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحدٍ مِن هذه الأُمة ، ولا ظهر مِن كتب المصنّفين وانتشر مِن كتب المؤلّفين ما انتشر له ، وكان راجحاً في علوم القرآن والقراءات ، وعلم التاريخ مِن الرسُل والخلفاء والملوك واختلاف الفقهاء مع الرواية لذلك ، على ما في كتابه البسيط والتهذيب وأحكام القراءات ، مِن غير تعويل على المناولات والإجازات ، ولا على ما قيل في الأقوال ، بل يذكر ذلك بالأسانيد المشهورة .

كان كالقاري الذي لا يعرف إلاّ القرآن ، وكالمحدّث الذي لا يعرف إلاّ الحديث ، وكالفقيه الذي لا يعرف إلاّ الفقه ، وكالنحوي الذي لا يعرف إلاّ النحو ، وكالحاسب الذي لا يعرف إلاّ الحساب ، وكان عاملاً بالعبادات ، جامعاً للعلوم ، وإذا جمعت بين كتبه وكتب غيره وجدت لكتبه فضلاً على غيرها )(١) .

أقـول :

وإذا كان الطبري بهذه المنزلة ، فلماذا يسقط كلامه عن الاعتبار إذا احتجَّ به أصحابنا في موردٍ ويُتكلَّم فيه ؟

لقد احتجّ العلاّمة الحلّي برواية الطبري تهديد عمر بن الخطّاب فاطمة الزهراء الطاهرةعليها‌السلام بإحراق بيتها ، فقال ابن روزبهان في جوابه :

( ومِن أسمج ما افتراه الروافض هذا الخبر ـ وهو إحراق عمر بيت فاطمة ـ وما ذُكر أنّ الطبري ذكره في التاريخ ، فالطبري من الروافض مشهورٌ بالتشيّع ، حتّى أنّ علماء بغداد هجروه ، لغوّه في الرفض والتعصّب ، وهجروا كُتبه

ـــــــــــــــــــ

(١) معجم الأدباء ١٨ : ٤١ ـ ٤٣ و٥٩ و٦١/ ١٧ .

٢٨٦

ورواياته وأخباره .

وكلّ مَن نقل هذا الخبر فلا يُشك أنّه رافضيٌّ متعصّب ، يُريد إبداء القَدْح والطعن على الأصحاب ؛ لأنّ العاقل المؤمن الخبير بأخبار السلَف ظاهرٌ عليه أنّ هذا الخبر كذِبٌ صراح وافتراءٌ بيّن ، لا يكون أقبح منه ولا أبعد مِن أطوار السلَف )(١) .

وإذا كان الطبري مِن الروافض ، شمله كلّ ما ذكره ابن تيميّة وغيره للروافض ، من القبائح والمثالب التي تفوق الحصر وتتجاوز حدّ الشرح والتبيين...

هذا ، وقد سبقه إلى الاتّهام بالتشيّع الفخر الرازي في كتابه( نهاية العقول ) في الكلام على النصّ على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( الثالث : إنّ هذا النص لو كان كذباً لما دعا إلى روايته إلاّ الهوى ، فكان ينبغي أنْ لا يرويه مَن لا يهوى مُقتضاه ، وقد رواه أصحاب الحديث كابن جرير الطبري ، وليس هو من الإماميّة ، فبطل أنْ يكون كذباً ) .

فأجاب الرَّازي أوّلاً بأنّ الطبري لم يروِ هذا النص ثمّ قال :

( ثمّ إنّ سلّمنا أنّه ذكره ، فلعلّه رواه قبل أنْ تثبت عنده صحّة هذا الحديث ، فإنّ مِن المحدّثين مَن يروي كلّ غثٍّ وسمين .

ثمّ إنْ سلّمنا ذلك ، فلا نسلّم أنّه ما كان متّهماً بالتشيّع )(٢) .

فكان ابن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ ممّن يروي الغثّ

ـــــــــــــــــــ

(١) ورد القول في دلائل الصدق ٣ : ٧٩ .

(٢) نهاية العقول ـ مخطوط .

٢٨٧

والسمين ، وكان متّهماً بالتشيّع...!!

هذا ، ومِن العجائب تناقض ابن تيميّة تجاه ابن جرير وتفسيره ، فإنّه لمّا لم يخرج ابن جرير حديث نزول آية الولاية في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، جعل ابن تيميّة يمدحه ويمدح تفسيره ، وينصُّ على خلوّه من الموضوعات(١) ، حتّى إذا رأى أنّه قد روى بتفسير آية الإنذار نصّ النبيّ على أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، بالإمامة والخلافة والولاية مِن بعده... جعل يذّم تفسير ابن جرير ومؤلِّفه بشدّةٍ...!!(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥ .

(٢) منهاج السنّة ٤ : ١٢٨ .

٢٨٨

تفسير ابن أبي حاتم

المحدّث الحافظ ، الفقيه ، المفسّر ، الرجالي ، الذي ترجم له ابن قاضي شهبة في( طبقات الشافعيّة ) فقال :

( عبد الرحمان بن محمّد بن إدريس ، أبو محمّد ، ابن أبي حاتم ، الحنظلي الرّازي ، أحد الأئمّة في الحديث والتفسير والعبادة والزهد والصلاح ، حافظ ابن حافظ ، أخذ عن أبيه وعن أبي زرعة ، وصنّف الكُتب المهمّة ، كالتفسير الجليل المقدار ، في أربع مجلّدات ، غالبه آثار مُسندة... )(١) .

وفي( فوات الوفيات ) :

( قال أبو عليّ الخليلي : كان يُعدّ من الأبدال ، وقد أثنى عليه جماعة بالزهد والورع التام والعلم والعمل )(٢) .

وذكر السيوطي في( اللآلي المصنوعة ) بعد حديث تكليم الله موسى :

( وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ، وقد التزم أنْ يخرّج فيه أصحّ ما ورد ، ولم يخرّج فيه حديثاً موضوعاً ألبتّة )(٣) .

وفي( الإتقان ) بعد ذكر تفسير السدّي:

( ولم يورد منه ابن أبي حاتم شيئاً ؛ لأنّه التزم أنْ يخرّج أصحّ ما ورد )(٤) .

ـــــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعيّة ١ : ١١١/ ٥٨ .

(٢) فوات الوفيات ٢ : ٢٨٨/ ٢٥٧ .

(٣) اللآلي المصنوعة ١ : ١٢ .

(٤) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٨ .

٢٨٩

لكنّ ابن تيميّة يقول ـ في الجواب عن الاستدلال بالحديث الوارد بذيل الآية :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) الذي رواه ابن أبي حاتم أيضاً ، كما في( الدرّ المنثور ) (١) ـ :

( والجواب مِن وجوه :

الأوّل : المطالبة بصحّة النقل ، وما ادّعاه مِن نقل النّاس كافّة ، مِن أظهر الكذِب عند أهل العلم بالحديث ، فإنّ هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل ، لا في الكتب الصحاح ولا في المسانيد والسُنن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتجّ به .

وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل فيها الصحيح والضعيف ، مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغَوي ، بل وابن جرير وابن أبي حاتم ، لم يكن مجرّد رواية واحدٍ مِن هؤلاء دليلاً على صحّته باتّفاق أهل العلم ، فإنّه إذا عرف أنّ تلك المنقولات فيها صحيحٌ وضعيف ، فلابدّ من بيان أنّ هذا المنقول مِن قسم الصحيح دون الضعيف ، وهذا الحديث غايته أنْ يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغثّ والسمين ، بل وفيها أحاديثٌ كثيرةٌ موضوعةٌ مكذوبة ، مع أنّ كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والثعلَبي والبغَوي يَنقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يُناقض هذا ) .

وقال :

(الثالث : إنّ هذا الحديث كذِبٌ موضوع عند أهل المعرفة بالحديث ، فما مِن عالم يعرف الحديث إلاّ وهو يعلم أنّ هذا كذِبٌ موضوع ، وهذا لم يروِه أحدٌ منهم في الكتب التي يُرجع إليها في المنقولات ؛ لأنّ أدنى مَن له معرفة

ـــــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٦ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ .

٢٩٠

بالحديث يعلم أنّ هذا كذِب )(١) .

وعلى هذا ، فإنّ جميع المدائح المذكورة لابن أبي حاتم وتفسيره تذهب أدراج الرّياح .

هذا بالنسبة إلى تفسيره .

وأمّا بالنسبة إلى كتابه في الجرح والتعديل ، فقد ذكر ابن الجوزي في( تلبيس إبليس ) ما نصّه :

( وبالإسناد عن أبي الحسن عليّ بن محمّد البخاري يقول : سمعت محمّد ابن الفضل العبّاسي يقول : كنّا عند عبد الرحمان بن أبي حاتم وهو يقرأ علينا كتاب الجرْح والتعديل ، فدخل عليه يوسف بن الحسين الرّازي فقال : يا أبا محمّد ، ما هذا الذي تقرؤه على الناس ؟ فقال : كتابٌ صنّفته في الجرح والتعديل .

فقال : وما الجرح والتعديل ؟ فقال : أظهر أحوال أهل العلم مَن كان منهم ثقةٌ أو غير ثقة فقال له يوسف بن الحسين : استحييت لك يا أبا محمّد مِن هؤلاء القوم ، قد حطّوا رواحلهم في الجنّة منذ مئة سنة ومِئتي سنة ، تذكرهم وتغتابهم على أديم الأرض ، فبكى عبد الرحمان وقال : يا أبا يعقوب لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيفي هذا الكتاب لم أُصنّفه )(٢) .

ولكنّ هذا الكلام يدلّ على جهل ابن أبي حاتم وعدم فهمه ، لِلِزوم المفسدة العظيمة في الدين والشريعة لولا الجرْح والتعديل للرجال... ولذا قال ابن الجوزي :

( قلت : عفا الله عن ابن أبي حاتم ، فإنّه لو كان فقيهاً لردّ عليه كما ردّ إمام

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنة ٤ : ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٢) تلبيس إبليس : ٣٧٩ .

٢٩١

القوم في الجنّة أحمد على أبي تراب ، ولولا الجرح والتعديل من أين كان يعرف الصحيح من الباطل ، ثمّ كون القوم في الجنّة لا يمنع أنْ نذكرهم بما فيهم ، وتسمية ذلك غيبة حديث سوء ثمّ مَن لا يدري الجرح والتعديل ما هو كيف يذكر كلامه ؟ )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تلبيس إبليس : ٣٧٩ باختلافٍ في النص .

٢٩٢

تفسير الحاكم النّيسابوري

الذي قال عنه المناوي في( فيض القدير ) :

( قال السبكي : اتّفق العلماء على أنّه مِن أعظم الأئمّة الذين حفظ الله بهم الدين )(١) .

وقال ابن قاضي شهبة :

( وقد أطنب عبد الغافر في مدحه وذكر فضائله وفوائده ومحاسنه ـ إلى أنْ قال : ـ مضى إلى رحمة الله تعالى ولم يخلّف بعده مثله )(٢) .

وقال ابن الأثير في وصف منزلته في علم الحديث : ( كان عالماً بهذا الفن ، خبيراً بغوامضه ، عارفاً بأسراره )(٣) .

إلاّ أنّه لروايته بعض مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، تكلّم فيه بعض أكابر القوم ، قال الذهبي في( الميزان ) :

( وقد قال ابن طاهر : سألت أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله فقال : إمام في الحديث ، رافضي خبيث )(٤) .

بل إنّ الفضل ابن روزبهان اتّخذ اتّهامه بالتشيّع ذريعةً للردّ على الإماميّة حين قال :

( وذكر الإمام الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، المحدّث الكبير والحافظ المتقن الفاضل النحرير ، في كتاب معرفة علو الحديث ، بإسناده عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ( عليه وعلى آبائه السلام ) أنّه قال : أبو بكر الصدّيق جدّي ، وهل يسبُّ أحد آبائه ، لا قدّمني الله إنْ لا أُقدّمه .

وقد اشتهر بين المحدّثين والعلماء : أنّ الحاكم أبا عبد الله المذكور كان مائلاً إلى التشيّع ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير ١ : ٢٦ .

(٢) طبقات الشافعية ١ : ١٩٤/ ١٥٣ .

(٣) جامع الأُصول ـ ترجمة الحاكم النيسابوري .

(٤) ميزان الاعتدال ٣ : ٦٠٨/ ٧٨٠٤ .

٢٩٣

تفسير ابن ماجة

وأمّا تفسير ابن ماجة القزويني ، فمن الرّجال الذين روى عنهم فيه :

عيسى بن قرطاس الكوفي : قال ابن حجر في( تقريب التهذيب ) :

( عيسى بن قرطاس الكوفي ، متروك ، وقد كذَّّبه الساجي ، مِن السادسة )(١) .

محمّد بن عبد الله الأنصاري : قال الذهبي :

( قال العقيلي : مُنكرُ الحديث .

وقال ابن حبّان : مُنكر الحديث جدّاً .

وقال ابن طاهر : كذّاب ، وله طامّات )(٢) .

وقال ابن حجر : ( كذّبوه )(٣) .

نوح بن درّاج : قال ابن حجر : ( متروك ، وقد كذّبه ابن معين )(٤) .

وقال الذهبي : ( قال النسائي وغيره : ضعيف .

وقال أبو داود : كذّاب يضع الحديث )(٥) .

نوح بن أبي مريم : وستعرفه .

ـــــــــــــــــــ

(١) تقريب التهذيب ٢ : ١٠٧/ ٥٩٨٣ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٥٩٨/ ٧٧٦٤ .

(٣) تقريب التهذيب ٢ : ١٨٦/ ٦٧٦٣ .

(٤) تقريب التهذيب ٢ : ٣١٣/ ٨١١٢ .

(٥) ميزان الاعتدال ٤ : ٢٧٦/ ٩١٣٣ .

٢٩٤

تفسير ابن مردويه

وأمّا تفسير ابن مردويه ، فقد نصّ المولوي عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة الاثني عشريّة في رسالته في( أُصول الحديث ) بأنّه من التفاسير المشهورة ، إلاّ أنّه أورده في عداد كتب الطبقة الرابعة ، مُصرّحاً بأنّ أحاديث هذه الكتب ليست بقابلةٍ للاعتماد ، للدلالة على عقيدةٍ أو حكم .

كما أنّ ابن الجوزي قد حكم بالوضع على أحاديث كثيرة في هذا التفسير .

تفسير ابن المنذر

الذي جاء في( طبقات الشافعيّة ) لابن قاضي شهبة بترجمته :

( محمّد بن إبراهيم بن المنذر ، أبو بكر النيسابوري ، الفقيه ، نزيل مكّة ، أحد الأئمّة الأعلام ، وممّن يُقتدى بنقله في الحلال والحرام ، صنّف كتباً معتبرةً عند أئمّة الإسلام ، منها... التفسير وغير ذلك ، وكان مجتهداً لا يقلّد أحداً )(١) .

لكنْ في( ميزان الاعتدال ) ما نصّه :

( قال مسلمة بن قاسم الأندلسي : كان لا يُحسن الحديث : ثمّ نسب إلى العقيلي : إنّه كان يحمل عليه وينسبه إلى الكذِب ، وكان يروي عن الربيع بن سليمان عن الشافعي ، ولم يرَ الربيع ولا سمِع منه ، وذكر غير ذلك توفّي سنة ٣١٨ ، ولا عبرة بقول مسلمة فيه ، وأمّا العقيلي فكلامه مِن قبيل كلام الأقران بعضهم في بعض ، مع أنّه لم يذكره في كتاب الضعفاء له )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعيّة ١ : ٩٨/ ٤٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٥٠ ـ ٤٥١/ ٧١٢٣ .

٢٩٥

تفسير بن أبي داود السجستاني

الذي ذكر الذّهبي مناقبه فقال :

( قد كان أبو بكر مِن كبار الحفّاظ والأئمّة الأعلام ، حتّى قال الخطيب : سمعت الحافظ أبا محمّد الخلاّل يقول : كان أبو بكر أحفظ مِن أبيه أبي داود .

وروى ابن شاهين عن أبي بكر أنّه كتب في شهر عن أبي سعيد الأشج ثلاثين ألفاً .

وقال أبو بكر النقّاش والعهدة عليه : سمعت أبا بكر ابن أبي داود يقول : إنّ تفسيره فيه مِئة ألف وعشرون ألف حديث .

قلت : ولد سنة ثلاثين ومئتين ، ورحل به أبوه ، فلقي الكبار وسمع عيسى ابن حمّاد صاحب الليث بن سعد وطبقته ، وانفرد عن طائفة .

قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان : ذهب أبو بكر إلى سجستان فاجتمعوا عليه وسألوه أنْ يحدّثهم فقال : ليس معي كتاب ، فقالوا : ابن أبي داود وكتاب ؟ قال : فأثاروني فأمليت عليهم مِن حفظي ثلاثين ألفَ حديث ، فلمّا قدِمت بغداد قال البغداديّون : لعبت بأهل سجستان ثمّ فيّجوا فيجاً اكتروه بستّة دنانير ليكتب لهم النسخة ، فكتب ، وجيء بها فعرضت على الحفّاظ فخطّأوني في ستّة أحاديث منها ثلاثة رويتها كما سمعت .

وقال الحافظ أبو عليّ النيسابوري : سمعت ابن أبي داود يقول : حدّثت بأصبهان مِن حفظي بستّةٍ وثلاثين ألفَ حديث ، ألزموني الوهم في سبعةأحاديث ، فلمّا رجعت وجدت في كتابي منها خمسة على ما حدّثتهم ) (١) .

لكنّ ابن أبي داود مجروحٌ ومقدوحٌ بقوادحٍ عظيمة كالنصْب والكذِب ، حتّى أنّهم نقلوا عن أبيه ـ أبي داود صاحب السُنن ـ اتّهامه بالكذِب... وقد أورده الذهبي في( الميزان ) فقال :

( عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني ، أبو بكر ، الحافظ الثقة ، صاحب التصانيف ، وثّقه الدار قطني فقال : ثقةٌ إلاّ أنّه كان كثير الخطأ في الكلام على الحديث .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٤٣٥/ ٤٣٦٨ .

٢٩٦

وذكره ابن عدِي وقال : لولا ما شرطنا وإلاّ لما ذكرته ـ إلى أنْ قال : ـ وهو معروف بالطلب ، وعامّة ما كتب مع أبيه وهو مقبول عند أصحاب الحديث وأمّا كلام أبيه فيه فلا أدري أيش تبيّن له منه .

ثنا عليّ بن عبد الله الداهري ، سمعت أحمد بن محمّد بن عمرو كركرة ، سمعت عليّ بن الحسين بن الجنيد ، سمعت أبا داود يقول : ابني عبد الله كذّاب .

قال ابن صاعد : كفانا ما قال أبوه فيه .

ثمّ قال ابن عدي : سمعت موسى بن القاسم الأشيب يقول : حدّثني أبو بكر يقول : سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول : أبو بكر ابن أبي داود كذّاب .

وسمعت أبا القاسم البغوي وقد كتب إليه أبو بكر ابن أبي داود يسأله عن لفظ حديث لجدّه ، فلمّا قرأ رقعته قال : أنت ـ والله ـ عندي منسلخٌ من العلم .

وسمعت عبدان ، سمعت أبا داود السجستاني يقول : مِن البلاء أنّ عبد الله يُطلب للقضاء .

وسمعت محمّد بن الضحّاك بن عمرو بن أبي عاصم يقول : أشهد على محمّد بن يحيى بن مندة بين يدي الله أنّه قال : أشهد على أبي بكر ابن أبي داود بين يدي الله تعالى أنّه قال : روى الزهري عن عروة قال : حفيت أظافير فلان ، من كثرة ما كان يتسلّق على أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قلت : هذا لم يسنده أبو بكر إلى الزهري ، فهو منقطع ، ثمّ لا يسمع قول الأعداء بعضهم في بعض ، ولقد كاد أنْ يضرب عنق عبد الله لكونه حكى هذا ، فشدّ منه محمّد بن عبد الله بن حفص الهمداني وخلّصه من أمير أصبهان أبي ليلى ، وكان انتدب له بعض العَلَويّة خصماً ، ونسب إلى عبد الله المقالة ، وأقام الشهادة عليه ابن مندة المذكور ومحمّد بن عبّاس الأخرم وأحمد بن علي الجارود ، فأمر أبو ليلى بقتله ، فأتى الهمداني وجرح الشهود...) .

وأيضاً في( الميزان ) :

( قلت : كان ـ أي عبد الله بن سليمان ـ قويّ النفس ، وقع [فتنة] بينه وبين ابن صاعد وبين ابن جرير ، نسأل الله العافية .

٢٩٧

قال ابن شاهين : أراد الوزير عليّ بن عيسى أنْ يصلح بين أبي بكر ابن أبي داود وابن صاعد ، فجمعهما وحضر القاضي أبو عمر ، فقال الوزير لأبي بكر : أبو محمّد ابن صاعد أكبر منك فلو قمت إليه فقال : لا أفعل فقال له : أنت شيخٌ زيف قال أبو بكر : الشيخُ الزيف الكذّاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال الوزير : مَن الكذّاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال أبو بكر : هذا ، ثمّ قال إنّي أذّل لأجلِ رزقٍ يصل إليّ على يدك ، والله لا أخذت مِن يدك شيئاً أبداً ، وعليَّ مِئة بدنة إنْ أخذت منك شيئاً ، فكان المقتدر بعد يزن رزقه بيده ويبعثه على يد خادم .

وقال محمّد بن عبد الله القطّان : كانت عند محمّد بن جرير فقال رجل :

ابن أبي داود يقرأ على النّاس فضائل عليّرضي‌الله‌عنه فقال ابن جرير : تكبيرةٌ مِن حارس .قلت : وقد قام ابن أبي داود وأصحابه ـ وكانوا خلقاً كثيراً ـ على ابن جرير ونسبوه إلى بدعة اللّفظ ، فصنّف الرجل معتقداً حسناً سمعناه ، تنصّل فيه ممّا قيل عنه وتألّم لذلك) (١) .

هذا ، وقد ذمّه ابن الجوزي على روايته الخبر الطويل الموضوع في فضائل السّور وفرَّقه عليها ، مع علمه بوضعه وبطلانه ! قال :

( وإنّما عجبت مِن أبي بكر ابن أبي داود ، كيف فرّقه على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن وهو يعلم أنّه حديثٌ محال ؟! ولكنْ شره جمهور المحدّثين ، فإنّ من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل ، وهذا قبيحٌ منهم ؛ لأنّه قد صحَّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( مَن حدّث عنّي حديثاً يرى أنّه كذِب ، فهو أحدُ الكاذبين ) (٢) .

وقد أورد السيوطي كلام ابن الجوزي هذا مع إسقاط الجملة الأخيرة منه التي فيها ذمّ لجمهور المحدّثين...(٣) .

فكان ابن أبي داود مطعوناً عند ابن الجوزي والسيوطي أيضاً .

وحرمة رواية الحديث الموضوع ـ مع العلم بوضعه ـ ممّا استفاض فيه الحديث النبوي واتّفق عليه العلماء .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٤٣٣ ـ ٤٣٥/ ٤٣٦٨ .

(٢) كتاب الموضوعات ١ : ٢٤٠ .

(٣) اللآلي المصنوعة ١ : ٢٢٨ .

٢٩٨

تفسير أبي بكر النقّاش

وهو مِن مشاهير مفسّريهم ، وقد اعتمد على تفسيره علماؤهم ، حتّى أنّ صاحب( التحفة ) رجّح روايته في نزول آية الولاية ، في المهاجرين والأنصار على رواية الثعلبي نزولها في أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) .

وقال السيوطي في( اللآلي المصنوعة ) :

( وأمّا النقّاش ، فهو أحد العلماء بالقراءات ، وأحد الأئمّة في التفسير ، قال الذهبي : صار شيخ المُقرين في عصره ، على ضعفٍ فيه ، أثنى عليه أبو عمرو الداني ، وحدّث بمناكير ) .

واعتمد السبكي على توثيق أبي عمرو الداني ، قال :

( محمّد بن الحسن بن محمّد بن زياد بن هارون بن جعفر بن سند ، أبو بكر النقّاش ، الموصلي ثمّ البغدادي ، الإمام في القراءة والتفسير وكثير من العلوم... وثّقه أبو عمرو الداني وقبله وزكّاه... )(٢) .

لكنّ تكلّمهم فيه وفي تفسيره كثير :

قال السمعاني :

( ذكر طلحة بن محمّد بن جعفر النقّاشَ فقال : كان يكذب في الحديث والغالب عليه القصص .

ـــــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثنا عشريّة : ١٩٨ .

(٢) طبقات الشافعيّة ٣ : ١٤٥ ـ ١٤٦/ ١٢٩ .

٢٩٩

وسُئل أبو بكر البرقاني عن النقّاش فقال : كلّ حديثه منكر .

وقال البرقاني وذكر تفسير النقّاش فقال : ليس فيه حديثٌ صحيح .

وكان هبة الله الطبري اللالكائي يقول : تفسير النقّاش ذلك إشفاء الصدور ليس بشفاء الصدور )(١) .

وأورد الذهبي الكلمات المذكورة في( الميزان ) (٢) وفيه أيضاً :

( محمّد بن الحسن ، روى عنه إسحاق بن محمّد السيوطي أحاديث مختلفة في فضل معاوية ، لعلّه النقّاش صاحب التفسير ، فإنّه كذّاب )(٣) .

وكذا في( لسان الميزان ) (٤) و( وفيات الأعيان ) (٥) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٥ : ٥١٧ ـ ٥١٨ ( النقّاش ) .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٥٢٠/ ٧٤٠٤ .

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٥١٦/ ٧٣٩٠ .

(٤) لسان الميزان ٦ : ٤٥/ ٧٢٨٨ .

(٥) وفيات الأعيان ٤: ٢٩٨/ ٦٢٧ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

و الصواب المختار أن تقول : ألقت الدواة ، و حكى عن ابن دريد ألقت و لقت(١) . .

و حينئذ فليقل للجوهري و لمقلده ابن أبي الحديد في نسبة كلامهعليه‌السلام إلى اللّغة القليلة : « إقلب تصب » .

و لعل منشأ توهّم الجوهري أنّه رأى أنّهم قالوا « القنا الدوايا رديئة » و مقصودهم رداءة الدوايا فظن كون مرادهم رداءة الاق ، فقال الصولي : يقال دواة و دوايا و هي رديئة ، قال الشاعر :

إذا نحن وجّهنا إليكم صحيفة

ألقنا الدوايا بالدموع السواجم(٢) .

هذا ، و في ( اليتيمة ) كان كاتب سيف الدولة يعجن مداده بالمسك و لا تليق دواته إلاّ بماء الورد تفاديا من قول القائل :

دعيّ في الكتابة لا رويّ

له يعدّ و لا بديه

كأنّ دواته من ريق فيه

تلاق فريحها أبدا كريه(٣)

« تلاق » المستقبل المجهول من ألاق .

« و أطل جلفة قلمك » في ( الأساس ) : جلفة القلم من مبراه إلى سنّه ، من جلفته بالسيف إذا بضعت من لحمه بضعة(٤) .

في ( تاريخ بغداد ) كان أحمد بن يوسف بن صبيح من أفاضل كتّاب المأمون ، قال : و رآني عبد الحميد بن يحيى أكتب خطّا رديئا ، فقال لي : ان أردت أن يجود خطّك فأطل جلفتك و أسمنها و حرّف قطعتك و أيمنها(٥) .

هذا ، و ممّا لغز في القلم قول الشاعر :

____________________

( ١ ) أدب الكتاب للصولي : ٩٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) يتيمة الدهر للثعالبي ١ : ٢٠١ .

( ٤ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٦٢ مادة ( ج ل ض ) .

( ٥ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٥ : ٢١٧ .

٤٨١

عجبت لذي سنّين في الماء نبته

له أثر في كلّ مصر و معمر(١)

و في ( اليتيمة ) قال السري في الفياض كاتب سيف الدولة :

لك القلم الذي يصبح و يمسي

به الاقليم محميّ الحريم(٢)

و في ( طرائف المقدسي ) : كما أقسم اللَّه تعالى بالأشياء الجليلة الأقدار الكبيرة الأخطار في نفوس عباده و عيون بلاده كالشمس و القمر و الليل و النهار و السماء و الأرض ، أقسم بالقلم فقال :( ن و القَلَمِ وَ ما يَسطُرُون ) (٣) و ذاكرت في هذا أبا الفتح البستي فأنشدني لنفسه :

إذا افتخروا يوما بسيفهم

و عدّوه ممّا يكسب المجد و الكرم

كفى قلم الكتّاب فخرا و رفعة

مدى الدهر أنّ اللَّه أقسم بالقلم(٤)

و قال آخر : لم أر باكيا أحسن تبسّما من القلم .

« و فرّج بين السطور » لا تنافي بين التفريج بينها كما هنا و المقاربة بنيها كما في خبر الخصال(٥) كما لا يخفى .

« و قرمط بين الحروف » أي : قارب بينها ، و لا بد ان حروف كلّ كلمة لتكن أقرب إلى نفسها منها إلى حروف كلمة أخرى .

« فان ذلك أجدر بصباحة الخط » في ( الطرائف ) قال إقليدس : الخطّ هندسة روحانية و إن ظهرت بآلة جسمانية .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٤٨ .

( ٢ ) يتيمة الدهر و خريدة العصر للثعالبي ١ : ١٠٢ .

( ٣ ) القلم : ١ .

( ٤ ) الطرايف و اللطايف لأحمد المقدسي : ٣١ ، الباب الخامس عشر في مدح الخط و القلم ، و ذكر الآية فقط أما باقي النصّ فالظاهر أنّه إضافة من المؤلف زيادة في التوضيح .

( ٥ ) الخصال للصدوق ١ : ٣١٠ ح ٨٥ ، و قد مرّ في الصفحة ٢٦٥ في بداية شرح الحكمة ٣١٥ فراجع .

٤٨٢

و قال إفلاطون : الخطّ عقال العقل(١) .

قولهعليه‌السلام في ( رواية الخصال ) : و احذفوا من فضولكم و اقصدوا المعاني ، و إيّاكم و الإكثار(٢) .

في ( تاريخ بغداد ) : رئي مروان بن أبي حفصة واقفا بباب الجسر كئيبا آسفا ينكت بسوطه في معرفة دابته ، فقيل : ما الذي نراه بك ؟ قال : أخبركم بالعجب ، مدحت الرشيد فوصفت له ناقتي من خطامها إلى خفّيها و وصفت الفيافي من اليمامة إلى بابه أرضا أرضا و رملة رملة ، حتى إذا أشفيت منه على غناء الدهر جاء ابن بيّاعة النخاخير يعني أبا العتاهية فأنشده بيتين ضعضع بهما شعري و سوّاه في الجائزة بي و هما :

إنّ المطايا تشتكيك لأنّها

تطوي إليك سباسبا و رمالا

فإذا رحلن بنا رحلن مخفّة

و إذا رجعن بنا رجعن ثقالا(٣)

٢٨ الحكمة ( ٦٦ ) و قالعليه‌السلام :

فَوْتُ اَلْحَاجَةِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِهَا إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا أقول : في الكافي عن الحسنعليه‌السلام : إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها .

قيل : يا ابن رسول اللَّه من أهلها قال : الذين ذكرهم اللَّه في كتابه فقال( إِنّما يَتذكرُ اُولُو الأَلبابِ ) (٤) و هم أولو العقل(٥) .

____________________

( ١ ) الطرائف و اللطائف لأحمد المقدسي : ٣١ .

( ٢ ) الصدوق : الخصال ١ : ٣١٠ ح ٨٥ و قد مرّ : ٢٦٥ .

( ٣ ) ورد في ديوان أبي العتاهية : ٢١٦ كذلك راجع تاريخ بغداد ٦ : ٢٥٨ ترجمة إسماعيل بن القاسم .

( ٤ ) الزمر : ٩ .

( ٥ ) الكافي للكليني ١ : ١٩٠ ح ٢٢ .

٤٨٣

و لمّا مطل أحمد بن أبي داود أبا الأسد في حاجته قال :

فصرت من سوء ما رميت به

اكنى أبا الكلب لا أبا الأسد(١)

٢٩ الحكمة ( ٦٧ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ اَلْقَلِيلِ فَإِنَّ اَلْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ أقول : في ( تاريخ بغداد ) كتب كلثوم بن عمرو إلى رجل :

إذا تكرّهت أن تعطي القليل و لا

تكون ذا سعة لم يظهر الجود

بثّ النّوال و لا يمنعك قلّته

فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود

فشاطره ماله حتى بعث بنصف خاتمه و فرد نعله(٢) .

٣٠ الحكمة ( ٥ ) و قالعليه‌السلام :

صَدْرُ اَلْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ وَ اَلْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ اَلْمَوَدَّةِ وَ اَلاِحْتِمَالُ قَبْرُ اَلْعُيُوبِ أَو وَ اَلْمُسَالَمَةُ خِبَاءُ اَلْعُيُوبِ وَ مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ اَلسَّاخِطُ عَلَيْهِ أقول : كون العنوان إلى هنا في ( الطبعة المصرية )(٣) ، و لكن ابن أبي الحديد جعل(٤) فقرة « و من رضي . » جزء الآتي ، و أمّا ( ابن ميثم )

_ ___________________

( ١ ) ذكر ترجمته و بعض أخباره ابن عبد ربه في العقد الفريد ٤ : ١٣٩ .

( ٢ ) الخطيب البغدادي تاريخ بغداد ١٢ : ٤٩١ .

( ٣ ) النسخة المصرية : ٦٠٩ رقم ٥ ، شرح محمّد عبده .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٩٧ رقم ( ٦ و ٧ ) .

( ٥ ) راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٢٣٨ .

٤٨٤

و الخطية(١) فجعلا من العنوان الثاني إلى السادس ، أي من الباب الثالث عنوانا واحدا .

« صدر العاقل صندوق سرّه » في ( أدب كاتب الصولي ) : كان رجل من الكتّاب يهوى مغنّية و يكاتبها ، فكانت تخرّق كتبه و تأمر بتخريق كتبها ، فكتب إليها : إنّي أحتفظ بكتبك و تتهاونين بكتبي فتخرّقينها ، فكتبت إليه :

يا ذا الذي لام في تخريق قرطاس

كم مرّ محلك في الدّنيا على راسي

الحزم تخريقه إن كنت ذا نظر

و إنّما الحزم سوء الظنّ بالناس

إذا أتاك و قد أدّى أمانته

فاجعل كرامته دفنا بأرماس

و شق قرطاس من تهوى و كن حذرا

يا رب ذي ضيعة من حفظ قرطاس

فكتب إليها : « الصواب رأيك » ، و خرّق رقاعها(٢) .

و في ( كامل المبرد ) : أحسن ما سمع في صيانة السر ما يعزى إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقائل يقول هو له و قائل يقول قاله متمثلا و لم يختلف في انّه كان يكثر إنشاده :

فلا تفش سرّك إلاّ إليك

فان لكلّ نصيح نصيحا

و إنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال امرؤ القيس :

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه

فليس على شي‏ء سواه بخازن(٤)

و قال آخر :

____________________

( ١ ) النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣٠٦ .

( ٢ ) أدب الكتاب للصولي : ١٠٩ .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرد ٢ : ١٥ « في صيانة السر » زيادة من المؤلف ، ذكره النخعي في الديوان المنسوب إلى الإمام : ٣٠ .

( ٤ ) ديوان امرى‏ء القيس : ١٧٣ .

٤٨٥

سأكتمه سرّي و أحفظ سرّه

و ما غرّني أنّي عليه كريم

حليم فينسى أو جهول يضيعه

و ما الناس إلاّ جاهل و حليم(١)

أيضا :

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه

فصدر الذي يستودع السر أضيق(٢)

« و البشاشة حبالة المودة » عنهعليه‌السلام « إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه و حسن اللقاء »(٣) .

و عن علي بن محمد التنوخي :

الق العدوّ بوجه لا قطوب به

يكاد يقطر من ماء البشاشات

فأحزم الناس من يلقى أعاديه

في جسم حقد وثوب من مودّات(٤)

و عن أكثم بن صيفي : الانقباض من الناس مكسبة للعداوة ، و افراط الانس مكسبة لقرناء السوء(٥) .

« و الاحتمال قبر العيوب » قال ابن أبي الحديد و من كلامهعليه‌السلام « وجدت الاحتمال أنصر لي من الرجال » .

و من كلامهعليه‌السلام : من سالم الناس سلم منهم ، و من حاربهم حاربوه ، فإنّ العثرة للكاثر .

و كان يقال : العاقل خادم الأحمق أبدا ، إن كان فوقه لا يجد بدّا من مداراته و إن كان دونه لم يجد من احتماله و استكفاف شرّه بدّا(٦) .

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرد ٢ : ١٨ ، ( المعارف : بيروت ) .

( ٢ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٢ : ١٩ .

( ٣ ) نسبها الصدوق للرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله من حديث غياث بن إبراهيم : الأمالي : ٢٠ ح ٩ .

( ٤ ) أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٨٣ .

( ٥ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٢٨ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٩٩ .

٤٨٦

« أو و المسالمة خباء العيوب » هكذا في ( الطبعة المصرية ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) : و ( روي أنّهعليه‌السلام قال في العبارة عن هذا المعنى أيضا :

« المسالمة خباء العيوب » و صرّح الثاني بأنّه كلام الرضي ) و هو الصحيح ، و خباء العيوب خفاؤها و استتارها(١) .

و في معنى قوله هذا الاحتمال أو المسالمة قبر العيوب أو خباء العيوب و قولهعليه‌السلام « البشاشة حبالة المودة »(٢) و قولهعليه‌السلام « ليجتمع في قلبك الافتقار إلى النّاس و الاستغناء عنهم ، يكون افتقارك إليهم في لين كلامك و حسن سيرك ، و يكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك و بقاء عزّك »(٣) .

« و من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه » لأنّه يعجب بنفسه ، و من أعجب بنفسه يتنفر الناس عنه و يكثرون السخط عليه .

و قال ابن أبي الحديد مثله قول الشاعر :

إذا كنت تقضي أنّ عقلك كامل

و أنّ بني حوّاء غيرك جاهل

و أنّ مفيض العلم صدرك كلّه

فمن ذا الذي يدري بأنّك عاقل(٤)

لكنه كما ترى معنى آخر .

٣١ الحكمة ( ٢٠ ) و قالعليه‌السلام :

قُرِنَتِ اَلْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ وَ اَلْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ وَ اَلْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ اَلسَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ اَلْخَيْرِ

____________________

( ١ ) راجع الهوامش ( ٢ ٤ ) من الصفحة السابقة .

( ٢ ) بحار الأنوار ١٨ : ٩٨ .

( ٣ ) بحار الأنوار ٧٥ : ١٠٦ رواية ٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٠١ .

٤٨٧

أقول : و روى الشيخ في ( أماليه ) مسندا عن الرضاعليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الهيبة خيبة و الفرصة خلصة و الحكمة ضالّة المؤمن فاطلبوها و لو عند المشرك تكونوا أحقّ بها و أهلها(١) .

و في ( الأغاني ) : قال دعبل : ما حسدت أحدا قط على شعر كما حسدت العتابي على قوله :

هيبة الإخوان قاطعة

لأخي الحاجات عن طلبه

فإذا ما هبت ذا أمل

مات ما أمّلت من سببه(٢)

قال ابن مهرويه : هذا سرقة العتابي من قول علي بن أبي طالب :

الهيبة مقرونة بالخيبة ، و الحياء مقرون بالحرمان ، و الفرصة تمرّ مرّ السّحاب .

حدّثني محمد بن داود عن محمد بن أبي الأزهر عن عيسى بن الحسن بن داود الجعفري عن أخيه عن علي بن أبي طالب بذلك(٣) .

« قرنت الهيبة بالخيبة » قال ( ابن أبي الحديد ) : كانت العرب إذا أوفدت وافدا قالت له : إيّاك و الهيبة فإنّها خيبة ، و لا تبت عند ذنب الأمر و بت عند رأسه(٤) . . و قال الشاعر :

من راقب الناس مات غمّا

و فاز باللذة الجسور(٥)

« و الحياء بالحرمان » في ( المعجم ) قال البلاذري : كانت بيني و بين عبيد اللَّه بن يحيى بن خاقان حرمة منذ أيام المتوكل ، و ما كنت أكلفه حاجة

____________________

( ١ ) أمالي الطوسي : ٦٢٥ رقم ١٢٩٠ ( بنياد بعثت ) .

( ٢ ) ذكر التبيين ابن قتيبة في عيون الأخبار ٣ : ١٢٠ .

( ٣ ) الأغاني للأصفهاني ١٣ : ١١٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٣١ .

( ٥ ) القائل هو سلم بن عمرو ، نهاية الأرب ٣ : ٨١ .

٤٨٨

لاستغنائي عنه ، فنالتني في أيّام المعتمد إضاقة ، فدخلت عليه و هو جالس للمظالم فشكوت إليه تأخّر رزقي و ثقل ديني و قلت : إنّ عيبا على الوزير حاجة مثلي في أيامه و غض طرفه عنّي فوقّع لي بعض ما أردت و قال : إنّ حياءك المانع لك من الشكوى عن الاستبطاء فقلت له : غرس البلوى يثمر الشكوى .

و انصرفت و كتبت إليه :

لحاني الوزير المرتضى في شكايتي

زمانا احّلت للجدوب محارمه

و قال لقد جاهرتني بملامة

و من لي بدهر كنت فيه اكاتمه

فقلت : حياء المرء ذي الدّين و التّقى

يقلّ إذا قلّت لديه دراهمه(١)

و قال ( ابن أبي الحديد ) : قال الشاعر :

ليس للحاجات إلاّ

من له وجه وقاح

و لسان طرمذيّ

و غدوّ و رواح

فعليه السعي فيها

و على اللَّه النجاح(٢)

« و الفرصة تمرّ مرّ السحاب » قال ( ابن أبي الحديد ) : قال ابن المقفع : إنتهز الفرصة في إحراز المآثر ، و اغتنم الإمكان باصطناع الخير ، و لا تنتظر ما تعامل فتجازي عنه بمثله ، فإنّك إن عوملت بمكروه و اشتغلت ترصد المكافأة عنه قصر العمر بك عن اكتساب فائدة و اقتناء منقبة .(٣) .

« فانتهزوا فرص الخير » أي : إغتنموها و لا تدعوها تفوت فتندموا .

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ٥ : ١٠٠ في ترجمة أحمد بن يحيى البلاذري .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٣١ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٤٨٩

٣٢ الحكمة ( ٢١١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْجُودُ حَارِسُ اَلْأَعْرَاضِ وَ اَلْحِلْمُ فِدَامُ اَلسَّفِيهِ وَ اَلْعَفْوُ زَكَاةُ اَلظَّفَرِ وَ اَلسُّلُوُّ عِوَضُكَ مِمَّنْ غَدَرَ وَ اَلاِسْتِشَارَةُ عَيْنُ اَلْهِدَايَةِ وَ قَدْ خَاطَرَ مَنِ اِسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ وَ اَلصَّبْرُ يُنَاضِلُ اَلْحِدْثَانَ وَ اَلْجَزَعُ مِنْ أَعْوَانِ اَلزَّمَانِ وَ أَشْرَفُ اَلْغِنَى تَرْكُ اَلْمُنَى وَ كَمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِيرٍ تَحْتَ هَوَى أَمِيرٍ وَ مِنَ اَلتَّوْفِيقِ حِفْظُ اَلتَّجْرِبَةِ وَ اَلْمَوَدَّةُ قَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ وَ لاَ تَأْمَنَنَّ مَلُولاً « الجود حارس الأعراض » في ( شعراء ابن قتيبة ) : جاور الحطيئة الزبرقان بن بدر ، فتحوّل عنه إلى بغيض فأحسن إليه ، فقال الحطيئة يمدح البغيض و يهجو الزبرقان :

ما كان ذنب بغيض أن رأى رجلا

ذا فاقة عاش في مستوغر(١) شاس

جار لقوم أطالوا هون منزله

و غادروه مقيما بين أرماس(٢)

ملّوا قراه و هدّته كلابهم

و جرّحوه بأنياب و أضراس

و قال للزبرقان :

دع المكارم لا تنهض لبغيتها

و اقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي(٣)

فاستعدى الزبرقان عليه عمر بن الخطاب و أنشده البيت ، فقال له عمر :

ما أراد هجاءك ، أما ترضى أن تكون طاعما كاسيا قال : إنّه لا يكون في الهجاء أشدّ من هذا فبعث إلى حسّان يسأله عن ذلك فقال : ما هجاه و لكن

____________________

( ١ ) مستوغر : مكان شديد القيظ ، شاس : الخشن من الحجارة .

( ٢ ) أرماس : جمع رمس و هو القبر .

( ٣ ) ذكر البيت بالإضافة إلى ابن قتيبة المبرد في الكامل ٢ : ٥٣٧ ، و النويري في نهاية الارب ٣ : ٧٢ .

٤٩٠

سلح عليه فحبسه عمر(١) .

و قال بعضهم : كفى بالبخيل عارا أنّ اسمه لم يقع في حمد قط ، و كفى بالجواد مجدا أنّ اسمه لم يقع في ذمّ قط .

و قال آخر : لا أردّ سائلا إنّما هو كريم أسدّ خلّته أو لئيم أشتري عرضي منه ، و قال الشاعر :

و من يجعل المعروف من دون عرضه

يفره و من لا يتّق الشتم يشتم(٢)

« و الحلم » و ما في ( الطبعة المصرية ) « و العلم » غلط واضح .

« فدام السفيه » الفدام ما يوضع في فم الإبريق ليصفي ما فيه(٣) .

و في ( كامل المبرد ) : دخل شامي المدينة فرأى رجلا راكبا على بغلة لم ير أحسن وجها و لا سمنا و لا ثوبا و لا دابة منه ، فمال قلبه إليه ، فسأل عنه قيل له هو الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال : فامتلأ قلبي له بغضا و حسدت عليّا أن يكون له ابن مثله ، فصرت إليه و قلت له : أنت ابن أبي طالب فقال : إبن ابنه فقلت : فبك و بأبيك أسبهما فلمّا انقضى كلامي قال لي : أحسبك غريبا .

قلت : أجل قال : فمل بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آسيناك أو إلى حاجة عاونّاك فانصرفت عنه و و اللَّه ما على الأرض أحد أحبّ إليّ منه(٤) .

« و العفو زكاة الظفر » هو نظير قولهعليه‌السلام في ( ١٠ ) : إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه(٥) .

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١١٠ ١١٤ .

( ٢ ) القائل هو زهير بن أبي سلمى في ديوانه : ٨٧ ، و نقله ابن عبد ربّه في العقد الفريد ١ : ٣٠٤ .

( ٣ ) راجع الطبعة المصرية : ٧٠٥ النسخة المنقحة بلفظ و الحلم و ليس العلم .

( ٤ ) الكامل في الأدب للمبرد ١ : ٢٣٥ ( مكتبة المعارف ) .

( ٥ ) من الكلمات في المعجم القصار برقم ( ١١ ) .

٤٩١

و في ( العقد ) أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل ، فقال له رجاء بن حيوه : إنّ اللَّه قد فعل ما تحبّ من الظّفر فافعل ما يحبّه من العفو(١) .

و قال مبارك بن فضالة : كنت عند المنصور فأمر بقتل رجل ، فقلت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألا من كانت له عند اللَّه يد فليتقدّم فلا يتقدّم إلاّ من عفا عن مذنب » فأمر بإطلاقه(٢) .

« و السلوّ عوضك ممّن غدر » يعني ان الغدر من الصديق يستعقب السلوّ عن تعلق القلب به ، و هو المراد من قول الشاعر :

أعتقني سوء ما صنعت من الرقّ

فيا بردها على كبدي(٣)

« و الاستشارة عين الهداية » يكفي في فضلها قوله تعالى لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَ شاورهُم في الأَمرِ ) (٤) .

« و قد خاطر » أي : أشرف على الهلاك .

« من استغنى برأيه » قولهعليه‌السلام هنا في الاستشارة و الاستبداد نظير قولهعليه‌السلام في ( ١٦١ ) : « من استبد برأيه هلك و من شاور الرجال شاركها في عقولها »(٥) .

« و الصبر يناضل الحدثان » أي : يرامي حوادث الدهر .

« و الجزع من أعوان الزمان » على بوار الإنسان ، ذكرعليه‌السلام فائدة الصبر و مضرّة الجزع تحريضا و تحذيرا .

« و أشرف الغنى ترك المنى » سها المصنف فذكر هذه الفقرة في

____________________

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربّه ٢ : ١٥٧ .

( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربّه ٢ : ١٥٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٠٧ .

( ٤ ) آل عمران : ١٥٩ .

( ٥ ) مرّ ذكره في الصفحة ٢٢٤ من هذا الكتاب .

٤٩٢

عنوانه ( ٣٤ )(١) .

« و كم من عقل أسير تحت هوى أمير » هو نظير قولهعليه‌السلام في كتاب اشتراء شريح لداره « شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى » فكل انسان يعلم بعقله بقاء الآخرة و فناء الدّنيا و وجوب العمل بالحقّ و التجنّب عن الباطل ، إلاّ أنّ هواه لا يدعه يعمل بمقتضاه .

« و من التوفيق حفظ التجربة » فالتجارب تحصل منها فوائد كثيرة ، فمن لم يحفظها حرم منها فلا يكون موفقا .

« و المودة قرابة مستفادة » و في العنوان ( ٣٠٨ ) « مودّة الآباء قرابة بين الابناء ، و القرابة إلى المودة أحوج من المودة إلى القرابة »(٢) ، و من كون المودة قرابة مستفادة تكون المصاهرة كنسب جديد ، و لذا أردفه اللَّه تعالى في قوله عز و جل( فَجَعَلَهُ نَسَباً و صهراً ) (٣) .

« و لا تأمننّ ملولا » فعول من الملالة ، و مصداق كلامهعليه‌السلام أصحابه في صفّين ، فقد كانوا ملّوا من الحرب فكانوا منتظرين لمكيدة من العدو و يكون عذرا لهم في ترك القتال .

٣٣ الحكمة ( ٥٢ ) و قالعليه‌السلام :

أَوْلَى اَلنَّاسِ بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى اَلْعُقُوبَةِ في ( العيون ) : قال رجل لبعض الأمراء : أسألك بالذي أنت بين يديه أذلّ

____________________

( ١ ) سيأتي ذكره في شرح الحكمة ١١٦ في الصفحة ٢٨٠ من هذا الكتاب .

( ٢ ) راجع الحكمة ( ٣٠٨ ) : ١٧٨ من نسخة المعجم .

( ٣ ) الفرقان : ٥٤ .

٤٩٣

منّي بين يديك ، و هو على عقابك أقدر منك على عقابي ، إلاّ نظرت في أمري نظر من برئي أحبّ إليه من سقمي و براءتي أحبّ إليه من جرمي .

و أمر عبد الملك بقتل رجل فقال له : إنّك أعزّ ما تكون أحوج ما تكون إلى اللَّه تعالى ، فاعف عنّي له فإنّك به تعان و إليه تعود فخلّى سبيله(١) .

و قالوا : وقف رجل جنى جناية بين يدي المأمون ، فقال له : و اللَّه لأقتلنّك .

فقال الرجل : تأنّ عليّ فإنّ الرفق نصف العفو قال : و كيف و قد حفت ؟ فقال : ت لأن تلقى اللَّه حانثا خير من أن تلقاه قاتلا فخلّى سبيله(٢) .

٣٤ الحكمة ( ١١٦ ) و قالعليه‌السلام :

كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ اَلْقَوْلِ فِيهِ وَ مَا اِبْتَلَى اَللَّهُ أَحَداً بِمِثْلِ اَلْإِمْلاَءِ لَهُ الحكمة ( ٤٦٢ ) و قالعليه‌السلام :

رُبَّ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ اَلْقَوْلِ فِيهِ أقول : كرره بعينه بنقل ( ابن أبي الحديد ) و الخطية(٣) في ( ٢٦٠ ) زائدا « و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلاّ أنّ فيه ها هنا زيادة جيّدة » بنقل ابن أبي الحديد و « زيادة مفيدة » بنقل ( النسخة الخطية و الطبعة المصرية )(٤) جمعت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٢ .

( ٢ ) ذكره البيهقي بالمعنى و نسبه إلى المنصور .

( ٣ ) انظر شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٨١ رقم ( ١١٢ ) و ١٩ : ١٠٣ رقم ( ٢٥٨ ) ، و راجع النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣١٩ .

( ٤ ) راجع النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ١٨٣ و ٧١٤ رقم ( ١٧ ) و رقم ( ٢٦٢ ) .

٤٩٤

بينهما ، لكن ليس في ( ابن ميثم )(١) تكرار ، لكن أواخر نسخته لا تخلو من السقم فلعلّه من سقط النسخة ، و لو كان نقل الأوّلين صحيحا لم يصح قول المصنف و قد مضى . ، بعد كونه بعينه بلا زيادة و لا نقصان .

و كيف كان فكرّر الفقرة الثالثة مستقلة في ( ٤٦٢ ) اتفاقا بلفظ « رب مفتون بحسن القول فيه » كما عرفت من العنوان ، و قد عرفت في أوّل الكتاب تصريح ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) بختم المصنف الكتاب أولا به(٢) .

« كم من مستدرج بالإحسان إليه »( أَيحسَبُون أَنّما نُمدُّهم بهِ مِن مَالٍ و بَنينَ نُسارِعُ لهُم فِي الخَيراتِ بل لا يشعُرون ) (٣) ( فلمّا نَسُوا ما ذكرُوا به فتحنا عليهم أَبواب كلّ شي‏ءٍ حتى إذا فرحوا بما اُوتُوا أَخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون فقطع دابرُ القوم الَّذين ظَلَموا و الحمدُ للَّه ربّ العالَمين ) (٤) .( سنَستَدرجهم من حَيثُ لا يعلَمُونَ ) (٥) .

« و مغرور بالستر عليه » و ورد أنّه لو لا ستر اللَّه على الناس لكانوا يطرحون كثيرا من الناس على المزابل و لا يدفنونهم .

« و مفتون بحسن القول فيه » كخلفاء الباطل و المتملّقين لهم ، فكانوا يقولون لبيعة معاوية لابنه يزيد و بيعة هارون لبنيه و بيعة المتوكل لبنيه :

« إنها بيعة مثل بيعة الشجرة » .

و قال ابن قتيبة في ( خلفائه ) بعد ذكر أنّ فاطمةعليها‌السلام قالت لأبي بكر و عمر بعد تقريرهما بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها « رضا فاطمة من رضاي و سخط

____________________

( ١ ) راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٣ رقم ١٠٧ .

( ٢ ) راجع المصادر السابقة النسخة المصرية ، ابن أبي الحديد ، ابن ميثم ، الخطية .

( ٣ ) المؤمنون : ٥٥ ٥٦ .

( ٤ ) الأنعام : ٤٤ ٤٥ .

( ٥ ) الأعراف : ١٨٢ .

٤٩٥

فاطمة من سخطي ، و من أرضى فاطمة فقد أرضاني و من أسخط فاطمة فقد أسخطني » إنّي اشهد اللَّه و ملائكته أنّكما أسخطتماني و ما أرضيتماني ، و لئن لقيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأشكونّكما إليه فانتحب أبو بكر يبكي و فاطمةعليها‌السلام تقول :

و اللَّه لأدعونّ اللَّه عليك في كلّ صلاة اصلّيها ، فخرج باكيا و اجتمع إليه الناس فقال لهم : لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي قالوا : إنّ هذا الأمر لا يستقيم و أنت أعلمنا بذلك ، إنّه إن كان هذا لم يقم للَّه دين فقال : و اللَّه لو لا ذلك و ما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة و لي في عنق مسلم بيعة بعد ما سمعت و رأيت من فاطمة .(١) .

فلو لا فتنته بحسن قولهم فيه لكان اللازم أن نقول : إنّ كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جزافا و باطلا ، و هوى نفس لبنته و رضاه بخراب الدين لأجلها .

و قال ابن قتيبة أيضا : إنّ عمر دعا في احتضاره ابن عباس و قال له : لو أنّ لي ما طلعت عليه الشمس و ما غربت لافتديت به من هول المطلع فقال له ابن عباس : أسلمت و كان إسلامك عزّا ، و هاجرت و كانت هجرتك فتحا ، و وازرت الخليفة و قبض الخليفة عنك راضيا ، و مصر اللَّه بك الأمصار وجبى بك الأموال و أوصل بك على أهل بيت كلّ مسلم توسعة في دينهم و توسعة في أرزاقهم ثم ختم لك بالشهادة فقال له عمر : أتشهد لي بهذا يا عبد اللَّه عند اللَّه يوم القيامة قال : نعم فقال عمر : اللّهم لك الحمد .(٢) .

فهل اللَّه محتاج إلى شهادة ابن عباس لو لا فتنته بمثل تلك الأقوال ؟

« و ما ابتلى اللَّه أحدا بمثل الإملاء له » قال تعالى في موضعين من كتابه :

____________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة : ١٤ .

( ٢ ) ابن قتيبة ، الامامة و السياسة : ٢٢ ٢٣ .

٤٩٦

و اُملي لهم إِنّ كيدي متينٌ(١) .

٣٥ الحكمة ( ٤٦٦ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَيْنُ وِكَاءُ اَلسَّهِ أقول : أيّ حبل يسد به الاست ، فالوكاء الذي يشد به رأس القربة و ( السّه ) الاست ، أي : الدّبر و أصل سه « سته » لأن جمعه أستاه و قال الجوهري في سته إذا أردت الهاء الّتي هي لام الفعل و حذفت العين أي : من الاست قلت ( سه ) بالفتح قال الشاعر :

و أنت السّه السّفلى

إذا دعيت نصر(٢)

أي : أنت فيهم بمنزلة الاست ، و في الحديث : « العين وكاء السّه » .

في ( العيون ) : كان سليمان بن عبد الملك يأخذ الوليّ بالوليّ و الجار بالجار ، فدخل عليه رجل و على رأسه وصيفة روقة(٣) ، فنظر إليها فقال سليمان : أأعجبتك ؟ قال : بارك اللَّه للخليفة فيها قال : هات سبعة أمثال في الاست و خذها فقال : « صرّ عليه الغزو استه » قال : واحد ، قال : « است البائن أعلم » قال : إثنان ، قال : « أست لم تعوّد المجمر تحترق » قال : ثلاثة ، قال : « الحرّ يعطي و العبد ييجع باسته » قال : أربعة ، قال : « أستي أخبثي » قال : خمسة ، قال :

« عاد سلاها في استها » قال : ستة ، قال « لا مائك أبقيت و لا حرك أنفيت » قال :

ليس هذا من ذاك قال : أخذت الجار بالجار كما يفعل الخليفة قال : خذها(٤) .

____________________

( ١ ) الأعراف : ١٨٣ ، و القلم : ٤٥ .

( ٢ ) الصحاح للجوهري ٦ : ٢٢٣٣ مادة ( سته ) .

( ٣ ) الوصيفة : الجارية ، و الروقة : الحسناء الجميلة .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ١٣٠ .

٤٩٧

قلت : و لو ذكر السابع شعر جعفر بن الزبير في الفرزدق و امرأته نوار لمّا وكّلته في تزويجها فزوجها من نفسه فأبت و ما رضيته و حاكمته إلى ابن الزبير :

لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا

و لو رضيت رمح استه لاستقرّت(١)

كان وجها ، و الظاهر أنّه تعمّد التبديل و إلاّ فقولهم « أخطأت استه الحفرة » مثل معروف .

و في الأساس : و في مثل « إني لأعلم من المائح باست الماتح » و الثاني من ينزح من البئر و الأول من ينزل في البئر فيملا الدلوله(٢) .

هذا ، و في ( الأغاني ) كانت امرأة من عقيل يقال لها ليلى يتحدّث إليها الشبّان ، فدخل عليها الفرزدق فجعل يحادثها ، و أقبل فتى من قومها فأقبلت عليه ، فغاظ ذلك الفرزدق فقال للرجل أ تصارعني ؟ قال : ذاك إليك فقام إليه فصرعه الفتى و جلس على صدره ، فخرج من الفرزدق صوت فقام الرجل و قال : ما أردت بك ما جرى فقال : ما بي إن صرعتني ، و لكن كأنك بجرير بلغه خبري فقال فيّ :

جلست إلى ليلى لتحظى بقربها

فخانك دبر لا يزال يخون

فلو كنت ذا حزم شددت و كاءها

كما شدّ خرتا للدّلاص قيون(٣)

فما مضت أيام حتى بلغ جرير الخبر فقال فيه البيتين(٤) .

و من أمثالهم كما في ( الأغاني ) « أريها استها و تريني القمر »(٥) .

____________________

( ١ ) الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ٣ : ٣٦٤ .

( ٢ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٤٤٠ مادة ( م ى ح ) .

( ٣ ) الوكاء : الخيط الذي تربط به الصرة ، الخرت : الثقب ، الدلاص : الدرع اللينة ، قيون : جمع قين و هو الحداد .

( ٤ ) الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ٢١ : ٣٤٠ .

( ٥ ) الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ١٦ : ٣٧٨ .

٤٩٨

و من أمثالهم كما في ( الكرماني ) « مالك است مع استك »(١) و قال : قال أبو زيد : يضرب لمن لم تكن له ثروة من مال و لا عدة من رجال .

و منها كما فيه « في أست المغبون عود »(٢) أيضا « في استها ما لا ترى »(٣) .

و في الأساس : « لقيت منه است الكلبة »(٤) أي ما كرهته و « أضيق استا من ذاك »(٥) أي : عاجز و « تركته باست الأرض »(٦) أي : عديما لا شي‏ء له و « يا ابن استها »(٧) كناية عن احماض امه اياه و « على است الدهر »(٨) أي : على وجهه و « باست فلان » إذا استخف به(٩) .

هذا ، و في ( القاموس المحيط ) الحماء الاست جمعه حم .

و في ( الأغاني ) : حكى ابن الكلبي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا افتتح مكة قدمت عليه وفود العرب ، فكان فيمن قدم قيس بن عاصم و عمرو بن أهتم ابن عمّه ، فلمّا صارا عنده تسابّا ، فقال قيس لعمرو : و اللَّه ما هم منّا ، و إنّهم لمن أهل الحيرة .

فقال عمرو : هو و اللَّه من الروم و ليس منّا ثم قال له :

____________________

( ١ ) ذكره الميداني في مجمع الأمثال و هو ( المعتمد ) الميداني ٢ : ١٦٧ ، يضرب لمن لم تكن له ثروة من مال و لا عدة من رجال .

( ٢ ) المصدر نفسه ٢ : ١٨ و يضرب فيمن غبن .

( ٣ ) المصدر نفسه ٢ : ١٢ ، و يضرب للباذل الهيئة يكون مخبره أكثر من مرآة و يضرب لمن خفي عليه شي‏ء و هو يظن انه عالم به .

( ٤ ) المصدر نفسه ٢ : ٩٥ .

( ٥ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٢٠٢ .

( ٦ ) في مجمع الأمثال ١ : ٨٢ ، ذكره الميداني بلفظ تركته باست المتن ، و المتن ما طلب من الأرض أي تركته وحيدا ، و في أساس البلاغة : ٢٠٢ بلفظ الأرض .

( ٧ ) أورده الميداني بلفظ يا ابن استها إذا أخمظت خمارها ٢ : ٥٠٠ .

( ٨ ) للفيروز آبادي ٤ : ١٠١ .

( ٩ ) الزمخشري ، أساس البلاغة : ٢٠٢ مادة ( س ت ه ) .

٤٩٩

ظللت مفترش الهلباء تشتمني

عند الرسول فلم تصدق و لم تصب

الهلباء يعني استه ، يعيّره بذلك و بأن عانته وافية قال : و إنّما نسبه إلى الروم لأنّه كان أحمر ، فيقال : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهاه عن هذا القول في قيس ، و قال :

إسماعيل بن إبراهيم كان أحمر(١) .

و في ( القاموس ) « و ام العزم و عزمه و ام عزمه مكسورات الاست »(٢) .

و في ( النهاية ) : قال الأشعث لعمرو بن معد يكرب : لئن دنوت لاضرّطنّك .

فقال عمرو : كلاّ إنّها لعزوم مفرّغة ، يريد أنّ استه ذات عزم و قوّة(٣) .

و في ( بديع ابن المعتز ) : قال عبد اللَّه بن أياد لسويد بن منجوف : اقعد على است الأرض فقال سويد : ما أعلم للأرض استا(٤) .

و في ( الصحاح ) : الوباعة بالعين و الغين : الاست(٥) .

و في ( تقريب المعاهد ) : قال المنصور الخالدي كنت ليلة عند التنوخي في ضيافة فأغفى إغفاء فخرجت منه ، فضحك بعض القوم فانتبه لضحكه فقال :

إذا نامت العينان من متيقّظ

تراخت بلا شكّ تشاريح فقحته

فمن كان ذا عقل فيعذر نائما

و من كان ذا جهل ففي جوف لحيته(٦)

و ذكروا أن المأمون وضع رأسه في حجر بوران بنت الحسن بن سهل

____________________

( ١ ) الأغاني ١٤ : ٨٨ .

( ٢ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ٤ : ١٥٠ .

( ٣ ) النهاية ١ : ٢٣٢ .

( ٤ ) البديع لابن المعتز : ٢٣ و في النسخة عبيد اللَّه و ليس عبد اللَّه بن أياد .

( ٥ ) الصحاح للجوهري ٣ : ١٢٩٤ مادة ( وبع ) .

( ٦ ) معاهد التنصيص ، لعبد الرحيم العباس : ١٨١ .

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639