بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253805 / تحميل: 8971
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

أكله ، وليس بنجس إنّ مات فيما تولد فيه إجماعاً ، وإذا خرج فكذلك عندنا.

وللشافعي قولان ، وكذا في أكله عنده قولان : أظهرهما : التحريم مع الانفراد(1) .

الخامس : لو وقع الذباب وشبهه في ماءً قليل ومات فيه ، لم ينجسه عندنا ، وللشافعي قولان(2) .

ولو تغير الماء به فكذلك عندنا ، وللشافعي ـ على تقدير عدم النجاسة بالملاقاة ـ وجهان(3) ولو سلبه الاطلاق فمضاف طاهر.

السادس : حيوان الماء المحرم مما له نفس سائلة إذا مات في ماءً قليل نجسه عندنا ، لأنّفعال القليل بالنجاسة ، وبه قال الشافعي(4) .

وقال أبو حنيفة : لا ينجس ، لأنّه يعيش في الماء فلا ينجس بموته فيه ، كالسمك(5) . ويبطل بالفرق.

وما لا نفس له سائلة ـ كالضفدع ـ لا ينجس به الماء القليل ، وبه قال أبو حنيفة(6) ، خلافاً للشافعي(7) .

السابع : الجنين الذي يوجد ميتاً عند ذبح الاُم ـ إذا كان تاماً ـ حلال

__________________

1 ـ الوجيز 1 : 6 ، فتح العزيز 1 : 167 ـ 169 ، المجموع 1 : 131.

2 ـ الاُم 1 : 5 ، المجموع 1 : 129 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المبسوط للسرخسي 1 : 51.

3 ـ المجموع 1 : 130.

4 ـ الاُم 1 : 5 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 131.

5 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 19.

6 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، بدائع الصنائع 1 : 79.

7 ـ الاُم 1 : 5 ، فتح العزيز 1 : 163 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19.

٦١

طاهر ، وإن لم تتم خلقته كان حراماً نجساً.

الثامن : المتكون من النجاسات ـ كدود العذرة ـ طاهر ، للعموم ، وكذا الدود المتولد من الميتة ، وفي وجه للشافعي : أنّه نجس(1) .

التاسع : يكره ما مات فيه الوزغ والعقرب ، وقول ابن بابويه : إذا ماتت العضاء‌ة في اللبن حرم(2) ، لرواية عمار(3) ، ضعيف ، ويحمل على الكراهة ، أو على التحريم للتضرر ، لا للنجاسة.

العاشر : لو وقع الصيد المجروح الحلال في الماء فمات ، فإن كانت حياته مستقرة فالماء نجس ، والصيد حرام ، وإن كانت حياته غير مستقرة فالضد منهما ، وإن اشتبه حكم بالأصلين فيهما على إشكال ينشأ من تضادهما ، فالاحوط التحريم فيهما.

الحادي عشر : جلد الميتة نجس بإجماع العلماء ، إلّا الزهري ، والشافعي في وجه ، فإنه طاهر عندهما(4) .

الثاني عشر : عظم الحيوان وقرنه وظفره وسنه لا تحلها الحياة فهي طاهرة ، وبه وقال أبو حنيفة(5) ، وقال الشافعي : إنّها نجسة لنموها(6) .

الثالث عشر : الشعر والصوف والريش من الميتة طاهر ، إلّا من نجس العين على ما تقدم ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ـ في أحد القولين ـ لأنّها

__________________

1 ـ المجموع 1 : 131.

2 ـ الفقيه 1 : 15 ذيل الحديث 32 ، والمقنع : 11.

3 ـ التي رواها الشيخ كاملة في التهذيب 1 : 285 / 832.

4 ـ المجموع : 217.

5 ـ المجموع 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 78 ، الهداية للمرغيناني 1 : 21 ، شرح فتح القدير 1 : 84 ، اللباب 1 : 24.

6 ـ المجموع 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 78 ، شرح العناية 1 : 84.

٦٢

لا تحلها الحياة ، وفي الآخر : إنّها نجسة لنمائها(1) .

ولو جز من حيوان ـ لا يؤكل لحمه ـ حي فطاهر عندنا ، خلافاً له(2) ولو جز من مأكول فهو طاهر إجماعا.

ولو نتف منه حياًَ فكذلك عندنا ، وللشافعي وجهان : النجاسة لأنّه ترك طريق إباحته ، وهو الجز فصار كخنق الشاة ، والطهارة لكثرة الالم فهو كالتذكية(3) .

الرابع عشر : ما لا يؤكل لحمه إذا وقعت عليه الذكاة فذكي كان لحمه وجلده طاهرين ، عملاً بالأصل.

وقال الشافعي : نجسان ، لأنّ التذكية لم تبح اللحم ، فلا تفيده الطهارة(4) .

وقال أبو حنيفة : الجلد طاهر ، وفي اللحم روايتان(5) .

الخامس عشر : البيضة في الميتة طاهرة إنّ اكتست الجلد الفوقاني ، وإلّا فلا ، وقال الشافعي : إنّها نجسة(6) ، ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام (7) .

__________________

1 ـ المجموع 1 : 231 ـ 232 و 236 ، شرح العناية 1 : 84 ، بداية المجتهد 1 : 78.

2 ـ المجموع 1 : 241 ـ 242 ، المهذب للشيرازي 1 : 18.

3 ـ المجموع 1 : 241 ـ 242.

4 ـ المجموع 1 : 245 ، المهذب للشيرازي 1 : 18.

5 ـ المجموع 1 : 245 ، اللباب 3 : 230 ، شرح فتح القدير 1 : 84 ، الهداية للمرغيناني 1 : 21.

6 ـ المجموع 1 : 244.

7 ـ المجموع 1 : 245.

٦٣

والمشيمة نجسة.

السادس عشر : في لبن الشاة الميتة روايتان(1) ، أقواهما : التحريم والنجاسة ، لملاقاة النجاسة ، وللشافعي وجهان(2) .

مسألة 20 : الخمر نجسة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا ابن بابويه ، وابن أبي عقيل(3) ، وقول عامة العلماء أيضاً إلّا داود ، وربيعة ، وأحد قولي الشافعي(4) . لقوله تعالى : (إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس )(5) والرجس لغة : النجس ، ولأنّ ما حرم على الاطلاق كان نجساً كالدم والبول ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى تغسله »(6) .

وقولهمعليهم‌السلام : « إنّ الله حرم شربها ، ولم يحرم الصلاة فيها »(7) . لا يدل على الطهارة ، واستصحاب حال كونه عصيراً ـ كما قاله داود ـ(8) ضعيف.

__________________

1 ـ فالدالة على الحلية ما في الكافي 6 : 258 / 3 ، الفقيه 3 : 216 / 1006 و 219 / 1011 ، التهذيب 9 : 75 / 320 و 76 / 324 ، الاستبصار 4 : 88 / 328 و 89 / 339 ، الخصال 2 : 434 / 19 وغيرها ، ومن الدالة على التحريم ما روي في التهذيب 9 : 77 / 325 ، الاستبصار 4 : 89 / 340 ، قرب الاسناد : 64 ، وغيرها.

2 ـ المجموع 1 : 244.

3 ـ الفقيه 1 : 160 / 752 ، علل الشرائع : 357 باب 72 ، وحكى المحقق قول ابن ابي عقيل في المعتبر : 117.

4 ـ المجموع 2 : 563 ، فتح العزيز 1 : 156 ، تفسير القرطبي 6 : 288 ، الميزان 1 : 105 ، مغني المحتاج 1 : 77.

5 ـ المائدة : 90.

6 ـ التهذيب 1 : 278 / 817 ، الاستبصار 1 : 189 / 660.

7 ـ الفقيه : 160 / 752 ، علل الشرائع : 357 باب 72 ، قرب الاسناد : 16.

8 ـ المجموع 2 : 563 ، الميزان 1 : 105.

٦٤

فروع :

الأول : كلّ المسكرات كالخمر في التحريم والنجاسة ، لقول الكاظمعليه‌السلام : « وما عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر »(1) وقول الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ مسكر خمر »(2) .

وقال أبو حنيفة : النبيذ طاهر ، وهو أحد قولي الشافعي(3) .

الثاني : العصير إذا غلى حرم حتى يذهب ثلثاه ، وهل ينجس بالغليان أو يقف على الشدة؟ إشكال.

الثالث : الفقاع كالخمر عندنا في التحريم والنجاسة ـ خلافاً للجمهور(4) ـ لقول الرضاعليه‌السلام : « هو خمر مجهول »(5) .

الرابع : الخمر إذا انقلبت خلاً طهر إجماعاً ، ولو لاقته نجاسة ، أو عصره مشرك لم يطهر بالأنّقلاب.

الخامس : بواطن حبات العنقود إذا استحال ما فيها خمراً كان نجساً ، وهو أحد قولي الشافعي(6) .

السادس : المسكرات الجامدة ليست نجسة وإن حرمت ، ولو تجمّد الخمر ، أو ما مازجه لم يخرج عن نجاسته ، وكذا لو سال الجامد بغير

__________________

1 ـ الكافي 6 : 412 / 2 ، التهذيب 9 : 112 / 486.

2 ـ الكافي 6 : 408 / 3 ، التهذيب 9 : 111 / 482.

3 ـ المجموع 1 : 93 و 2 : 564 ، فتح العزيز 1 : 158 ، مغني المحتاج 1 : 77 ، تفسير القرطبي 13 : 51 ، بداية المجتهد 1 : 33.

4 ـ بدائع الصنائع 5 : 117 ، المبسوط للسرخسي 24 : 17 ، المغني 10 : 337 ، رحمة الامة 2 : 170 ، المنتقى للباجي 3 : 150.

5 ـ الكافي 6 : 422 / 1 ، التهذيب 9 : 124 / 539 ، الاستبصار 4 : 95 / 368.

6 ـ المجموع 2 : 564 ، مغني المحتاج 1 : 77.

٦٥

ممازجة لم يخرج عن طهارته.

مسألة 21 : الكلب والخنزير نجسان عيناً ولعاباً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وعروة بن الزبير ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وأحمد(1) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات )(2) ، وقول الصادقعليه‌السلام عن الكلب : « رجس نجس »(3) .

وقال أبو حنيفة : الكلب طاهر ، والخنزير نجس ، لعدم وجوب غسل ما عضه الكلب من الصيد(4) ، وهو ممنوع.

وقال الزهري ، ومالك ، وداود : الكلب والخنزير طاهران(5) .

فروع :

الأول : الحيوان المتولد منهما يحتمل نجاسته مطلقاًً ، واعتبار اسم أحدهما ، والمتولد من أحدهما وما غايرهما يتبع الاسم.

الثاني : كلّ أجزاء الكلب والخنزير وان لم تحلها الحياة نجسة ، خلافاً للمرتضى(6) .

__________________

1 ـ السراج الوهاج : 22 ، المجموع 2 : 567 ـ 568 ، الاشباه والنظائر للسيوطي : 431 ، مغني المحتاج 1 : 78 ، المحلى 1 : 112 ، الاُم 1 : 5 ، نيل الأوطار 1 : 42.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 234 / 91 و 92 ، سنن أبي داود 1 : 19 / 71 ، مسند أحمد 2 : 427.

3 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 40.

4 ـ شرح فتح القدير 1 : 82 ، الهداية للمرغيناني 1 : 20 ، الكفاية 1 : 82 ، شرح العناية 1 : 82 ، المبسوط للسرخسي 1 : 48 ، بدائع الصنائع 1 : 63.

5 ـ المجموع 2 : 567 ـ 568 ، مغني المحتاج 1 : 78 ، نيل الأوطار 1 : 43 ، الشرح الصغير 1 : 18 ، تفسير القرطبي 13 : 45 ، المبسوط للسرخسي 1 : 48 ، فتح العزيز 1 : 161 ، بداية المجتهد 1 : 29 ، المدونة الكبرى 1 : 5.

6 ـ الناصريات : 218 المسألة 19.

٦٦

الثالث : كلب الماء طاهر بالأصل ، خلافاً لابن ادريس(1) ، ولا يجوز حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز بغير قرينة.

الرابع : الأقرب طهارة الثعلب ، والأرنب ، والفأرة ، والوزغة ـ وهو قول المرتضى ، وأحد قولي الشيخ(2) ـ عملاً بالأصل ، والنص الدال على طهارة سؤر ما عدا الكلب والخنزير(3) .

احتج الشيخ بأمر الكاظمعليه‌السلام بغسل أثر ما أصابته الفأرة الرطبة(4) ، وأمر الصادقعليه‌السلام بغسل اليد من مسّ الثعلب والأرنب(5) وهو محمول على الاستحباب.

مسألة 22 : الكافر عندنا نجس لقوله تعالى :( إنّما المشركون نجس ) (6) والحذف على خلاف الأصل ، والوصف بالمصدر جائز لشدة المعنى ، وقوله تعالى :( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) (7) ولقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد سئل إنا بأرض قوم أهل كتاب نأكل في آنيتهم؟ : ( لا تأكلوا فيها إلّا ان لا تجدوا غيرها ، فاغسلوها ثم كلوا فيها )(8) .

وسئل الصادقعليه‌السلام عن سؤر اليهودي والنصراني.

__________________

1 ـ السرائر : 208.

2 ـ الناصريات : 216 المسألة 9 ، جمل العلم والعمل : 49 ، الخلاف 1 : 187 مسألة 144.

3 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ـ 647 و 261 / 760 ، الاستبصار 1 : 19 / 40 ـ 41.

4 ـ التهذيب 1 : 261 / 761 ، الكافي 3 : 60 / 3.

5 ـ التهذيب 1 : 262 / 763 ، الكافي 3 : 61 / 4.

6 ـ التوبة : 28.

7 ـ الأنعام : 125.

8 ـ سنن البيهقي 1 : 33 ، مستدرك الحاكم 1 : 143.

٦٧

فقال : « لا »(1) .

فروع :

الأول : لا فرق بين أن يكون الكافر أصلياً أو مرتداً ، ولا بين أن يتدين بملة أو لا ، ولا بين المسلم إذا أنكر ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة وبينة ، وكذا لو اعتقد المسلم ما يعلم نفيه من الدين ضرورة.

الثاني : حكم الشيخ بنجاسة المجبرة والمجسمة(2) ، وقال ابن ادريس بنجاسة كلّ من لم يعتقد الحق إلّا المستضعف(3) ، لقوله تعالى :( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) (4) .

والأقرب طهارة غير الناصب لأنّ علياًعليه‌السلام لم يجتنب سؤر من باينه من الصحابة.

الثالث : الناصب ـ وهو من يتظاهر ببغضه أحد من الائمةعليهم‌السلام ـ نجس ، وقد جعله الصادقعليه‌السلام شراً من اليهود والنصارى(5) ، والسر فيه أنهما منعا لطف النبوة وهو خاص ، ومنع هو لطف الامامة وهو عام.

وكذا الخوارج لانكارهم ما علم ثبوته من الدين ضرورة ، والغلاة أيضاً أنجاس لخروجهم عن الإسلام وان انتحلوه.

الرابع : أولاد الكفار حكمهم حكم آبائهم ، وهل يتبع المسبي السابي

__________________

1 ـ الكافي 3 : 11 / 5 ، التهذيب 1 : 223 / 638 ، الاستبصار 1 : 18 / 36.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 14.

3 ـ السرائر : 13.

4 ـ الأنعام : 125.

5 ـ الكافي 3 : 11 / 6 ، التهذيب 1 : 223 / 639 ، الاستبصار 1 : 18 / 37.

٦٨

في الإسلام؟ اشكال.

الخامس : قال ابن بابويه : لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا(1) ، وحكم ابن ادريس بنجاسته لأنّه كافر(2) ، وهو ممنوع ، والأقرب الطهارة.

تذنيب : ظهر مما قررناه أن النجاسات بالاصالة عشرة : البول ، والغائط ، والمني ، والدم ، والميتة ، والخمر ، والفقاع ، والكلب ، والخنزير ، والكافر ، وما عدا ذلك طاهر ، تعرض له النجاسة بملاقاة أحدها رطبا.

* * *

__________________

1 ـ الهداية : 14 ، الفقيه 1 : 8.

2 ـ السرائر : 81 ، 183 ، 241 ، 287.

٦٩
٧٠

الفصل الثاني : في أحكام النجاسات

مسألة 23 : النجاسات غير الدم يجب إزالة قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن ، سواء قلّت أو كثرت عند علمائنا أجمع ، إلّا ابن الجنيد(1) ، وبه قال الشافعي(2) ، لقوله تعالى :( وثيابك فطُهر ) (3) وقولهعليه‌السلام : ( تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه )(4) .

وقال ابن الجنيد : إن قلّت عن الدرهم فمعفو ، كالدم(5) . وبه قال أبو حنيفة(6) ، وهو قياس في معارضة النص ، فيرد.

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 118.

2 ـ المجموع 3 : 131 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، كفاية الأخيار 1 : 55 ، الوجيز 1 : 8 ، الهداية للمرغيناني 1 : 35.

3 ـ المدثر : 4.

4 ـ سنن الدارقطني 1 : 127 و 128 / 2 و 7 و 9.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 118.

6 ـ اللباب 1 : 52 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، فتح القدير 1 : 177 ، المحلى 1 : 94 ، بدائع الصنائع 1 : 80.

٧١

وقال مالك : لا يجب إزالة النجاسة مطلقاًً ، قلت أو كثرت(1) لقول ابن عباس : ليس على الثوب جنابة(2) ، ولا دلالة فيه.

وقال أبو حنيفة : النجاسة المغلظة يجب إزالة ما زاد على الدرهم ، والمخففة لا يجب إلّا أن يتفاحش(3) .

واختلف أصحابه في التفاحش ، قال الطحاوي : التفاحش أن يكون ربع الثوب(4) ، وقال بعضهم : ذراع في ذراع(5) ، وقال أبوبكر الرازي : شبر في شبر(6) ، وكل ذلك تخمين.

و أما الدم منها فإن كان حيضاً ، أو استحاضة ، أو نفاساً ، وجب ازالة قليله وكثيره ـ خلافاً لأحمد حيث عفى عن يسيره(7) ـ لقول الصادقعليه‌السلام عن الحائض : « تغسل ما أصاب ثيابها من الدم »(8) ولأنّه مقتضى الدليل.

وألحق به القطب الراوندي دم الكلب والخنزير ـ(9) ، واستبعده ابن ادريس(10) .

ــــــــــــــــــ

1 ـ الكافي في فقه أهل المدينة : 17 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، نيل الأوطار 2 : 119.

2 ـ مصنف عبدالرزاق 1 : 372 / 1450.

3 ـ اللباب 1 : 51 ـ 52 ، بداية المجتهد 1 : 81 ، شرح فتح القدير 1 : 177 ـ 178.

4 ـ حلية العلماء 2 : 44.

5 ـ بدائع الصنائع 1 : 80 ، شرح فتح القدير 1 : 178 ، حلية العلماء 2 : 44.

6 ـ حلية العلماء 2 : 44.

7 ـ المغني 1 : 59 ، الشرح الكبير 1 : 61.

8 ـ الكافي 3 : 109 / 1 ، التهذيب 1 : 270 / 652 الاستبصار 1 : 186 / 652.

9 ـ حكاه ابن ادريس في السرائر : 35.

10 ـ السرائر : 35.

٧٢

والحق عندي اختيار القطب ، ويلحق به أيضاً دم الكافر ، والضابط دم نجس العين ، لحصول حكم طارئ للدم ، وهو ملاقاته لنجس العين ، وكذا كلّ دم أصابه نجاسة غيره.

وإن كان دم قرح أو جرح سائلا لازما لم تجب إزالته ـ وإن كثر مع نجاسته ، سواء الثوب والبدن في ذلك ـ للمشقة ، ولقولهمعليهم‌السلام عن دم القروح التي لا تزال تدمي : « يصلّي »(1) .

وان كانت الدماء تسيل ، فإن انقطع السيلان اعتبر بالدرهم ، لزوال حرج إزالته.

وإن كان مغايراً لهذين القسمين من المسفوح كدم الفصاد والبثور والذبيحة كان نجساً وتجب إزالته إنّ زاد على الدرهم البغلي إجماعاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « وان كان أكثر من قدر الدرهم ورآه ولم يغسله وصلّى فليعد صلاته »(2) .

وان نقص عنه لم تجب إزالته إجماعاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم »(3) وفي الدرهم قولان لعلمائنا(4) ، أحوطهما : الوجوب.

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 256 / 744 ، الاستبصار 1 : 177 / 615.

2 ـ التهذيب 1 : 255 / 739 ، الاستبصار 1 : 175 / 610.

3 ـ التهذيب 1 : 256 / 742 ، الاستبصار 1 : 176 / 612.

4 ـ ممن ذهب إلى الوجوب السيد المرتضى في الانتصار : 13 ، وابن أبي عقيل على ما حكاه المصنف عنه في مختلف الشيعة : 60 ، وسلار في المراسم : 55.

وإلى عدمه الشيخ في المبسوط 1 : 35 ، والمفيد في المقنعة : 10 ، والصدوق في الهداية : 15 ، وابن البراج في المهذب 1 : 51.

٧٣

فروع :

الأول : قسم الشافعي النجاسة إلى دم وغيره ، والأول : إن كان من ذي النفس السائلة ففي قول عنه : أنّه غير معفو عنه مطلقاً. وفي القديم : يعفى عما دون الكف ، وفي ثالث : يعفى عن قليله ، وهو ما لم يتفاحش.

وإن كان من غير ذي النفس فهو نجس يعفى عما قل ، دون المتفاحش ، وغير الدم لا يعفى عن قليله ولا كثيره(1) .

الثاني : الدرهم البغلي هو المضروب من درهم وثلث ، منسوب إلى قرية بالجامعين(2) ، وابن أبي عقيل قدّره بسعة الدينار(3) ، وابن الجنيد بأنملة الإبهام(4) .

الثالث : هذا التقدير في المجتمع ، والأقرب في المتفرق ذلك لو جمع ، فيجب إزالته ، أو ما يحصل معه القصور ، وقال الشيخ : ما لم يتفاحش(5) .

الرابع : لو لاقت نجاسة غير الدم ما عفي عنه منه لم يبق عفو ، سواء لاقت قبل الاتصال بالمحل أو بعده.

مسألة 24 : نجس العين لا يطهر بحال ، إلّا الخمر تتخلل ، والنطفة والعلقة [ والمضغة ](6) والدم في البيضة اذا صارت حيوانا إجماعاً ، ودخان

__________________

1 ـ المهذب للشيرازي 1 : 67 ، المجموع 3 : 133 ـ 135 ، حلية العلماء 2 : 42 ـ 43.

2 ـ الجامعين : هي حلة بني مزيد التي بأرض بابل على الفرات بين بغداد والكوفة. معجم البلدان 2 : 96. وللتوسعة في بحث الدرهم اُنظر : العقد المنير فيما يتعلق بالدراهم والدنانير.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر 119.

4 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 119.

5 ـ النهاية : 52.

6 ـ الزيادة من النسخة « م ».

٧٤

الاعيان النجسة عندنا ـ وهو أحد وجهي الشافعي(1) ـ وما أحالته النار عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(2) ، فإن الاستحالة أبلغ في الإزالة من الغسل ، خلافاً للشافعي(3) ، لأنّها لم تنجس بالاستحالة فلم تطهر بها ، والملازمة ممنوعة.

ولو وقع في القدر ـ وهي تغلي على النار ـ دم ، قال بعض علمائنا : تطهر بالغليان ، لأنّ النار تحيل الدم(4) ، وفيه ضعف ، ولو كان غير الدم لم تطهر إجماعا.

ولو استحال الخنزير ـ وغيره من العينيات ـ ملحاً في المملحة ، أو الزبل الممتزج بالتراب ـ حتى طال عهده ـ ترابا ، قال أبو حنيفة : يطهر ، وللشافعي وجهان(5) ، وعندي في ذلك تردد ، وللشيخ قولان في تراب القبر بعد صيرورة الميت رميماً(6) .

و أما النجس بالملاقاة فعلى أقسام :

الأول : الحصر ، والبواري ، والارض ، والثابت(7) فيها ، والأبنية ، تطهر بتجفيف الشمس خاصة من البول وشبهه ، كالماء النجس ، وإن كان خمراً إذا ذهبت الآثار.

____________

1 ـ المجموع 2 : 579.

2 ـ المجموع 2 : 579 ، بدائع الصنائع 1 : 85.

3 ـ المجموع 2 : 579.

4 ـ الصدوق في المقنع : 12.

5 ـ المجموع 2 : 579 ، السراج الوهاج : 23 ، مغني المحتاج 1 : 81 ، بدائع الصنائع 1 : 85 ، حلية العلماء 1 : 245.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 32 و 93.

7 ـ في نسخة « ش » : والنابت ، والصحيح ظاهراً ما اثبت من نسخة « م ».

٧٥

وقال بعض علمائنا : لا يطهر ، وان جازت الصلاة عليها(1) .

ولو جفّ بغير الشمس أو بقيت عينه لم يطهر إجماعاً ، وللشيخ منع في غير البول(2) .

وما اخترناه قول أبي حنيفة وصاحبيه ، والشافعي في القديم(3) ، لأنّ الأرض والشمس من شأنهما الاحالة ، وهي أبلغ من تأثير الماء ، ولأنّ الشمس تفيد سخونة ، وهي تقتضي تصاعد أجزاء النجاسة ومفارقتها.

وقال مالك والشافعي ـ في الجديد ـ وأحمد وإسحاق : لا يطهر بتجفيف الشمس(4) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بصب الذنوب(5) ، ولو سلم لم يمنع.

وهل تطهر الأرض من بول الرجل بإلقاء ذنوب عليها ، بحيث يغمرها ، ويستهلك فيه البول ، فتذهب رائحته ولونه؟ قال الشيخ : نعم(6) ، وبه قال الشافعي(7) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بإراقة ذنوب من ماءً على بول

__________________

1 ـ ذهب إليه الشيخ في المبسوط 1 : 93 ، والمحقق في المعتبر : 124 ، وابن حمزة في الوسيلة : 79.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 93.

3 ـ المجموع 2 : 596 ، الاُم 1 : 52 ـ 53 ، النتف 1 : 33 ، البحر الزخار 2 : 25.

4 ـ الاُم 1 : 52 و 53 ، المجموع 2 : 596 ، القواعد في الفقه الاسلامي : 344 ، نيل الأوطار 1 : 52.

5 ـ صحيح البخاري 1 : 65 ، سنن أبي داود 1 : 103 / 380 ، صحيح مسلم 1 : 236 / 284 ، الموطأ 1 : 65 / 111.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 92.

7 ـ المجموع 2 : 591 ، الاُم 1 : 52 ، الوجيز 1 : 9 ، مغني المحتاج 1 : 85.

٧٦

الأعرابي(1) .

وقال أبو حنيفة : إنّ كانت رخوة ينزل فيها الماء كفاه الصب ، وإن كانت صلبة لم يجد فيها إلّا حفرها ونقل التراب ، لأنّ الماء المزال به النجاسة نجس ، فاذا لم يزل من الأرض كان على وجهها نجساً ، والأقرب أنها تطهر بتجفيف الشمس ، أو بإلقاء الكر ، أو الجاري ، أو المطر عليها(2) .

ولو سلم حديث الأعرابي حمل على الجفاف بالهواء ، فاعيدت الرطوبة لتجف بالشمس ، مع أن بعضهم روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بأخذ التراب الذي أصابه البول فيلقى ، ويصب على مكانه ماء‌اً(3) ، ونحن نقول بذلك.

فروع :

الأول : قال الشيخ : يحكم بطهارة الأرض التي يجري عليها وإليها(4) .

الثاني : قال الشيخ : لو بال اثنان وجب أن يطرح مثل ذلك ، وعلى هذا أبداً(5) .

__________________

1 ـ صحيح البخاري 1 : 65 ، سنن أبي داود 1 : 103 / 380 ، سنن الترمذي 1 : 296 / 147 ، سنن الدارمي 1 : 189 ، صحيح مسلم 1 : 236 / 99 ، الموطأ 1 : 64 / 111 ، مسند أحمد 2 : 239 ، سنن ابن ماجة 1 : 176 / 529 و 530.

2 ـ المجموع 2 : 592 ، نيل الأوطار 1 : 52 ، فتح الباري 1 : 259 ، بدائع الصنائع 1 : 89.

3 ـ سنن أبي داود 1 : 103 / 381 ، سنن الدارقطني 1 : 132 / 4.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 93.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 92.

٧٧

الثالث : ليس للذنوب تقدير ، بل ما يقهر البول ويزيل لونه وريحه.

وقال الشافعي : يطرح سبعة أضعاف البول(1) .

الرابع : لو جفت هذه الاشياء بغير الشمس لم تطهر ، فإن رمي عليها ماءً طاهر ، أو نجس ، أو بول ، وجفت بالشمس طهرت باطناً وظاهراً.

وقال الشافعي في القديم : تطهر لو جفت بغير الشمس ـ كالريح ، وطول الزمان ـ ظاهرها ، وفي باطنها قولان(2) .

الخامس : ليس الثوب كالارض ، وهو أظهر وجهي الشافعي(3) ، لأنّ في أجزاء التراب فوة محيلة إلى صفة نفسها ، بخلاف الثوب ، فلا يطهر إلّا بالغسل بالماء.

الثاني : الجسم الصقيل كالمرآة والسيف ، قال المرتضى : يطهر بالمسح إذا أزال العين ، لأنّ المقتضي للنجاسة قد زال فيزول معلوله(4) ، وقال الشيخ : لا يطهر(5) . وهو الأقوى لأنّها حكم شرعي فيقف على مورده.

الثالث : العجين بالماء النجس لايطهر بالخبز ، لقول الصادقعليه‌السلام : « يدفن ولا يباع »(6) وللشيخ قولان(7) : أحدهما : الطهارة ، لقول

__________________

1 ـ الاُم 1 : 52 ، المجموع 2 : 592.

2 ـ اُنظر الاُم 1 : 52 ـ 53.

3 ـ الاُم 1 : 55 ، المجموع 2 : 596.

4 ـ حكاه عنه في الخلاف 1 : 479 مسألة 222 ، والمعتبر : 125.

5 ـ الخلاف 1 : 479 مسألة 222.

6 ـ الاستبصار 1 : 29 / 77 ، التهذيب 1 : 414 / 1306.

7 ـ قال بالطهارة في الاستبصار 1 : 29 ـ 30 حيث رجح في ذيل أخبار الباب القول بالطهارة ، والنهاية : 8. وبالنجاسة في التهذيب 1 : 414 ذيل الحديث 1306 والمبسوط 1 : 13.

٧٨

الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أكلت النار ما فيه »(1) وهو محمول على الاحالة ، إذ بدونها لم تأكل.

واللبن المضروب بماء نجس ، أو ببول يطهر بإحراقه آجراً ، قاله الشيخ(2) ، لأنّ النار أحالت الاجزاء الرطبة.

وقال الشافعي : لا يطهر ، إلّا أن يكاثره الماء فيطهر ظاهره ، أما باطنه فإن تفتت ترابا وكاثره الماء طهر ، ولا يطهر بالاحراق(3) .

الرابع : أسفل القدم والنعل ، وباطن الخف يطهر بالارض مع زوال النجاسة ، وبه قال أبو حنيفة(4) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فإن رأى في نعله أثرا ، أو أذى فليمسحها وليصل فيها )(5) .

وقالعليه‌السلام : ( إذا وطأ أحدكم الاذى بخفيه فإن التراب له طهور )(6) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس » وقد سئل عن وطئ العذرة بالخف ثم مسحت حتى لم ير شيئاً(7) .

ولا يشترط جفاف النجاسة ، ولا أن يكون لها جرم ، خلافاً لابي

__________________

1 ـ الاستبصار 1 : 29 / 75 ، التهذيب 1 : 414 / 1304 ، الفقيه 1 : 11 / 19.

2 ـ الخلاف 1 : 501 مسألة 241.

3 ـ المجموع 2 : 597 ، الاُم 1 : 53 ، فتح العزيز 1 : 251.

4 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 82 ، اللباب 1 : 50 ، الهداية للمرغيناني 1 : 34 ، نيل الأوطار 1 : 54 ، المجموع 2 : 598 ، المحلى 1 : 94.

5 ـ سنن ابي داود 1 : 175 / 650.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 105 / 385 ، مستدرك الحاكم 1 : 166.

7 ـ التهذيب 1 : 274 / 808.

٧٩

حنيفة(1) ، للعموم والاولوية.

مسألة 25 : ما عدا هذه الاشياء على أقسام :

الأول : الثوب يغسل من النجاسة العينية حتى يذهب العين والاثر ، وإن بقيت الرائحة واللون لعسر الإزالة ، وكذا غيره ، والمستحب صبغ أثر الحيض مع المشقة ، بالمشق وشبهه ، ويجب في الغسل أن يورد الماء على النجاسة ويغلبه عليها ، فلو أدخل الثوب أو غيره على الإناء لم يطهر ، ونجس الماء.

وللشافعي قول بعدم الطهارة مع بقاء الرائحة أو اللون وإن عسر زواله(2) ، وهو مردود ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لخولة وقد سألته عن دم الحيض يبقى أثره : ( لا بأس به يكفيك ولا يضرك أثره )(3) .

ولو كانت النجاسة حكمية ، وهي التي لا تدرك بالحواس ، كالبول إذا جفّ على الثوب ، ولم يوجد له أثر ، يجب غسلها أيضاً عن الثوب والبدن وغيرهما.

ولا بد في غسل الثوب من العصر ـ وهو أحد قولىّ الشافعي(4) ـ لأنّ الغسالة نجسة ، فلا يطهر مع بقائها فيه ، ولا يكفي صب الماء ، ولا بد من الغسل مرتين.

__________________

1 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 82 ، الهداية للمرغيناني 1 : 34 ، فتح القدير 1 : 172 ، اللباب 1 : 50 ، المحلى 1 : 94.

2 ـ فتح العزيز 1 : 240 ، مغني المحتاج 1 : 85.

3 ـ سنن ابي داود 1 : 100 / 365 ، مسند أحمد 2 : 364 و 380.

4 ـ السراج الوهاج : 24 ، مغني المحتاج 1 : 85 ، المجموع 2 : 593 ، فتح العزيز 1 : 244.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

و عن الباقرعليه‌السلام : قال تعالى : و عزّتي و جلالي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شي‏ء من أمر الدّنيا إلاّ جعلت غناه في نفسه و همّه في آخرته ، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه ، و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر(١) .

و في ( المروج ) كان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب على بغداد أي : في خلافة المتوكل فرأى في منامه كأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له « أطلق القاتل » ، فارتاع لذلك روعا عظيما و نظر في الكتب الواردة لأصحاب الحبوس فلم يجد فيها ذكر قاتل ، فأمر باحضار السندي و عباس فسألهما هل رفع إليهما أحد ادّعي عليه بالقتل فقال له العباس : نعم و قد كتبنا بخبره ، فأعاد النظر فوجد الكتاب في أضعاف القراطيس و اذا الرجل قد شهد عليه بالقتل و أقر به ، فأمر باحضاره و قال له : إن صدقتني أطلقتك ، فذكر أنّه كان هو وعدّة من أصحابه يرتكبون كلّ عظيمة و يستحلّون كلّ محرم و أنّه كان اجتماعهم في منزل بمدينة المنصور يعكفون فيه على كلّ بلية ، فلمّا كان في هذا اليوم جاءتهم عجوز تختلف إليهم للفساد و معها جارية بارعة الجمال ، فلمّا توسط الجارية الدار صرخت صرخة ، فبادرت إليها من بين أصحابي فأدخلتها بيتا و سكّنت روعتها و سألتها عن قصتها فقالت : اللَّه اللَّه فيّ فإنّ هذه العجوز خدعتني و أعلمتني أنّ في خزانتها حقا لم ير مثله ، فشوّقتني إلى النظر إليه فخرجت معها واثقة بقولها فهجمت بي عليكم ، و جدّي رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله و امّي فاطمةعليها‌السلام و أبي الحسن بن عليعليهما‌السلام فاحفظوهم فيّ ، فضمنت خلاصها و خرجت إلى أصحابي فعرّفتهم ، فكأنّي أغريتهم بها و قالوا : لمّا قضيت حاجتك منها أردت صرفنا عنها ، و بادروا إليها و قمت دونها أمنع عنها ، فتفاقم الأمر بيننا إلى أن نالتني جراح ، فعمدت إلى أشدّهم في أمرها و أكلبهم على هتكها فقتلته ، و لم

____________________

( ١ ) بحار الأنوار ٧٠ : ٧٥ رواية ٢ .

٥٢١

أزل أمنع عنها إلى أن خلّصتها و أخرجتها من الدار فقالت : سترك اللَّه كما سترتني و كان لك كما كنت لي و سمع الجيران الضجّة فتبادروا إلينا و السكين في يدي و الرجل يتشحّط في دمه ، فرفعت على هذه الحالة فقال له إسحاق : قد عرفت لك ما كان من حفظك للمرأة و وهبتك للَّه و لرسوله قال :

فوحق من وهبتني له لا عاودت معصية و لا دخلت في ريبة حتى ألقى اللَّه تعالى ، فأخبره إسحاق بالرؤيا التي رآها و أنّ اللَّه لم يضيّع له ذلك ، و عرض عليه برّا واسعا فأبى قبول شي‏ء(١) .

و في ( المعجم ) عن المبرد أنّ يهوديا بذل للمازني مائة دينار ليقرئه كتاب سيبويه ، فامتنع من ذلك فقيل : لم امتنعت مع حاجتك و عيلتك ؟ فقال : إنّ في كتاب سيبويه كذا و كذا آية من كتاب اللَّه فكرهت أن أقرى‏ء كتاب اللَّه للذمة ، فلم يمض على ذلك إلاّ مديدة حتى أرسل الواثق في طلبه و أخلف اللَّه عليه أضعاف ما تركه للَّه ، فبعث إليه يسأله عن قول الشاعر :

أظليم إن مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحية ظلم(٢)

هل يصحّ رفع « رجل » ؟ فأجابه : لا لأنّه ليس بخبر و إنّما الخبر « ظلم » لأن به يتمّ الكلام ، فأمر له بألف دينار و في كل شهر مائة(٣) .

و في الأول : « و من كان له من نفسه واعظ كان عليه من اللَّه حافظ » قال تعالى :

( و الَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنهديَنَّهُم سُبلنا ) (٤) و في الثاني : « من أصلح سريرته

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ١٢ .

( ٢ ) ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان ١ : ٢٨٤ و نسبه إلى العرجي ، و نسبه البغدادي في خزانة الأدب ١ : ٣١٧ ، إلى الحارث بن خالد المخزومي .

( ٣ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ٧ : ١١١ ١١٢ ، و ذكرها البيهقي في المحاسن و المساوى : ٤٠ ، ( طبع بيروت ) .

( ٤ ) العنكبوت : ٦٩ .

٥٢٢

أصلح اللَّه علانيته » نقل كشكول البهائي(١) عن تفسير القاضي(٢) قال : روى الحارث الهمداني عن أمير المؤمنين كرّم اللَّه وجهه قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ما من عبد إلاّ و له جوّاني و برّاني يعني سريرة و علانية فمن أصلح جوانيه أصلح اللَّه برّانيه ، و من أفسد جوانيه أفسد اللَّه برانيه ، و ما من أحد إلاّ و له صيت في أهل السماء ، فإذا حسن وضع اللَّه له ذلك في أهل الأرض ، و إذا ساء صيته في السماء وضع له ذلك في الأرض ، فسئل عن صيته ما هو ، قال : ذكره .

و أقول : الصيت يقال له بالفارسية : « آوازه » .

٤٥ الحكمة ( ١٠٦ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَتْرُكُ اَلنَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لاِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إِلاَّ فَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام ، ما من عبد يمنع درهما في حقّه إلاّ أنفق اثنين في غير حقّه ، و ما من رجل يمنع حقّا من ماله إلاّ طوقه اللَّه تعالى به حيّة من نار يوم القيامة(٣) .

و في ( الفقيه ) عن الباقرعليه‌السلام : ما من عبد يؤثر على الحجّ حاجة من حوائج الدنيا إلاّ نظر إلى المحلّقين قد انصرفوا قبل أن يقضى له تلك الحاجة(٤) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام قال لسماعة : مالك لا تحجّ العام ؟ قال :

معاملة كانت بيني و بين أقوام و أشغال و عسى أن يكون ذلك خيره فقال : لا

____________________

( ١ ) كشكول البهائي : ١٠٢ طبع القاهرة .

( ٢ ) تفسير البيضاوي للقاضي : لم يرد هذا النص في تفسير البيضاوي ، و قد وقع ذلك سهوا من العلاّمة التستري أنظر الكشكول .

( ٣ ) الكافي للكليني ٣ : ٥٠٤ من حديث عبيد بن زراره .

( ٤ ) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٢٢٠ ح ٢٢٢٦ .

٥٢٣

و اللَّه ما فعل اللَّه لك في ذلك من خيره ثم قال : ما حبس عبد عن هذا البيت إلاّ بذنب و ما يعفو أكثر(١) .

و عنهعليه‌السلام : إذا قام العبد في الصلاة فخفّف صلاته قال تعالى لملائكته :

أما ترون إلى عبدي كأنّه يرى ان قضاء حوائجه بيد غيري ، أما يعلم أن قضاء حوائجه بيدي(٢) .

٤٦ الحكمة ( ١١٤ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا اِسْتَوْلَى اَلصَّلاَحُ عَلَى اَلزَّمَانِ وَ أَهْلِهِ ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ اَلظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خَزْيَةٌ فَقَدْ ظَلَمَ هكذا في ( الطبعة المصرية )(٣) و يصدقها ابن ميثم(٤) و في ابن أبي الحديد بدل « خزية » حوبة(٥) ، و المعنى واحد لكن ما هنا أجود .

قال ابن أبي الحديد : روى جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى الكعبة فقال : ما أعظم حرمتك ، و إنّ المؤمن أعظم حرمة منك ، لأنّ اللَّه تعالى حرّم منك واحدة و من المؤمن ثلاثة : دمه و ماله و أنّ يظنّ به الظنّ السّوء(٦) .

« و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرّر » قال ابن أبي الحديد : قال شاعر :

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٦٩ ح ٦٠ من حديث هشام بن سالم .

( ٢ ) الكافي للكليني ٣ : ٢٦٩ ح ٦٠ من حديث هشام بن سالم .

( ٣ ) هناك اضافة في الطبعة المصرية هي و إذا ( استولى الفساد . ) : ٦٨٢ رقم ١١٥١ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم بلفظ « خزية » ٥ : ٣٠٢ .

( ٥ ) راجع ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧٨ بلفظ « حوية » أيضا .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧٨ .

٥٢٤

و قد كان حسن الظن بعض مذاهبي

فأدّبني هذا الزمان و أهله(١)

و قيل لصوفي : ما صناعتك ؟ قال حسن الظن باللَّه و سوء الظن بالناس(٢) .

قلت : كلامهعليه‌السلام هنا من حيث الزمان ، و أمّا من حيث الشخص فقد قالعليه‌السلام كما في ( ١٥٩ ) من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومنّ من أساء به الظنّ .

٤٧ الحكمة ( ١٢١ ) و قالعليه‌السلام :

شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَ تَبْقَى تَبِعَتُهُ وَ عَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُهُ وَ يَبْقَى أَجْرُهُ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية ) « ما بين » و الصواب : ( بين ) بدون « ما » كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و النسخة الخطية(٣) .

و روي انّهعليه‌السلام كان أيام إقامته بالكوفة يبكّر كلّ يوم إلى السوق و يعظهم صنفا صنفا و يقول : قدّموا الاستخارة ، و تبرّكوا بالسهولة ، و اقتربوا من المبتاعين ، و تزيّنوا بالحلم ، و تناهوا عن اليمين ، و جانبوا الكذب ، و تجافوا عن الظلم ، و أنصفوا المظلومين ،( و لا تبخسوا النّاسَ أشياءهُم و لا تَعثَوا في الأرض مُفسِدِينَ ) (٤) ثم ينادي :

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) ورد في النسخة المصرية : ٦٨٤ رقم ( ١٢٢ ) و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٠ رقم ( ١١٧ ) و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٦ رقم ( ١١٢ ) بلفظ « ما بين » ، و النسخة الخطية بين ( بدون ما ) : ٣١٩ .

( ٤ ) هود : ٨٥ .

٥٢٥

تفنى اللّذاذة ممّن نال صفوتها

من الحرام و يبقى الإثم و العار

تبقى عواقب سوء في مغبّتّها

لا خير في لذّة من بعدها النار(١)

٤٨ الحكمة ( ٤٣٣ ) و قالعليه‌السلام :

اُذْكُرُوا اِنْقِطَاعَ اَللَّذَّاتِ وَ بَقَاءَ اَلتَّبِعَاتِ فِي الذُّنُوبِ و المَعَاصِي حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْكُمْ تَرْكُهَا وَ يَكْبُرَ عَلَيْكُمُ ارْتِكَابُهَا و في ( دعاء التوبة ) : من ذنوب أدبرت لذاتها فذهبت و أقامت تبعاتها فلزمت ، و قال الشاعر :

ما كان ذاك العيش إلاّ سكرة

رحلت لذاذتها و حلّ خمارها

٤٩ الحكمة ( ١٢٦ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ اَلْفَقْرَ اَلَّذِي مِنْهُ هَرَبَ وَ يَفُوتُهُ اَلْغِنَى اَلَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ فَيَعِيشُ فِي اَلدُّنْيَا عَيْشَ اَلْفُقَرَاءِ وَ يُحَاسَبُ فِي اَلْآخِرَةِ حِسَابَ اَلْأَغْنِيَاءِ وَ عَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ اَلَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ نُطْفَةً وَ يَكُونُ غَداً جِيفَةً وَ عَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اَللَّهِ وَ هُوَ يَرَى خَلْقَ اَللَّهِ وَ عَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ اَلْمَوْتَ وَ هُوَ يَرَى اَلْمَوْتَى وَ عَجِبْتُ لِمَنْ أَنْكَرَ اَلنَّشْأَةَ اَلْأُخْرَى وَ هُوَ يَرَى اَلنَّشْأَةَ اَلْأُولَى وَ عَجِبْتُ لِعَامِرٍ دَارَ اَلْفَنَاءِ وَ تَارِكٍ دَارَ اَلْبَقَاءِ في ( الطبري ) قيل لجعفر بن محمدعليه‌السلام : إنّ المنصور يعرف بلباس جبّة هروية مرقوعة و انه يرقع قميصه ، فقالعليه‌السلام : الحمد للَّه الذي لطف له حتى ابتلاه بفقر نفسه أو قال بالفقر في ملكه .

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٤١ : ١٠٤ رواية ٥ و قد وردت الأبيات الشعرية في ديوان أمير المؤمنين : ٤٨ .

٥٢٦

و قال محمد بن سليمان الهاشمي : بلغني أنّ المنصور أخذ الدواء في يوم شائت شديد البرد ، فأتيته أسأله عن موافقة الدواء ، فادخلت مدخلا من القصر لم أدخله قط ، ثم صرت إلى حجرة صغيرة و فيها بيت واحد و رواق بين يديه في عرض البيت و عرض الصحن على أسطوانة ساج و قد سدل على وجه الرواق بواري كما يصنع بالمساجد ، فدخلت فإذا في البيت مسح ليس فيه شي‏ء غيره إلاّ فراشه و مرافقه و دثاره ، فقلت له : هذا بيت أربأبك عنه فقال : يا عم هذا بيت مبيتي قلت له : ليس هنا غير الذي أرى قال : ما هو إلاّ ما ترى .

و مثل البخيل مثل الطائر الذي لا يروى من البحر لئلاّ ييبس ، و الدود الذي لا يشبع من التراب لئلاّ يفنى .

و قال واضع مولى المنصور : قال لي المنصور : انظر ما عندك من الثياب الخلقان فاجمعها و جئني بها و ليكن معها رقاع ، ففعلت و دخل عليه المهدي و هو يقدّر الرقاع فضحك و قال : من هاهنا يقول الناس : نظروا في الدينار و الدرهم و ما دون ذلك و لم يقل دانق فقال المنصور : إنّه لا جديد لمن لا يصلح خلقه ، و هذا الشتاء قد حضر و نحتاج إلى كسوة للعيال و الولد فقال المهدي : فعليّ كسوتك و كسوة عيالك و ولدك فقال له : دونك فافعل .(١) .

كان عمله هكذا مع انّه قال لابنه : قد جمعت لك من الأموال ما ان كسر عليك الخراج عشر سنين كان عندك كفاية لأرزاق الجند و النفقات و عطاء الذرية و مصلحة الثغور .

« فيعيش في الدنيا عيش الفقراء و يحاسب في الآخرة حساب الأغنياء » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إنّ فقراء المؤمنين يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا و قال : سأضرب لك مثل ذلك ، إنّما مثله مثل سفينتين

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٣٢٤ .

٥٢٧

مرّ بهما على عاشر ، فنظر في إحداهما فلم ير فيها شيئا فقال : أسربوها ، و نظر في الاخرى فإذا هي موقرة فقال : إحبسوها .

و عنهعليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة قام عنق من الناس حتى يأتوا باب الجنّة فيقولون : من أنتم ؟ فيقولون : نحن الفقراء فيقال لهم : أقبل الحساب فيقولون :

ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه فيقول اللَّه تعالى : صدقوا ، ادخلوا الجنّة(١) .

« و عجبت للمتكبّر الذي كان بالأمس نطفة و يكون غدا جيفة » و خرج من مبال إلى مبال ثم يخرج منه ، فإن لم يخرج من الثاني فمن الأول لا محالة .

فقالوا : كان أحمد بن سهل و هو من ولد يزدجرد ماتت امّه و هو في بطنها ، فشق عنه فكان يتيه على الناس ، و إذا شتم أحدا قال له : ابن البضع ، و كان يفخر على أبناء الملوك بأنّه لم يخرج من بضع(٢) .

« و عجبت لمن شكّ في اللَّه و هو يرى خلق اللَّه » مع عدم تجويز عقل حصول بناء محقّر بدون بان ، و قال تعالى :( أَلم يأتِكُم نَبأُ الّذين من قَبلكم قوم نُوحٍ و عادٍ و ثَمودَ و الّذين من بَعدِهم لا يَعلمُهُم إِلاّ اللَّه جَاءَتهُم رُسُلهم بالبيّنات فردُّوا أيديهم في أَفواهِهِم و قالوا إِنّا كفرنا بما اُرسلتُم بِهِ و إِنّا لَفي شك ممّا تدعوننا إِليه مُريب قالت رُسُلهم أَفي اللَّه شكّ فاطِر السّماوات و الأرض ) (٣) .

« و عجبت لمن نسي الموت و هو يرى الموتى » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٤) ، و الصواب ما في ( ابن أبي الحديد(٥) و ابن ميثم )(٦) و النسخة

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٦٤ ح ١٨ ، من حديث هشام بن الحكم .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٠٤ .

( ٣ ) إبراهيم : ٩ ١٠ .

( ٤ ) انظر النسخة المصرية : ٦٨٦ رقم ( ١٢٧ ) .

( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٥ بلفظ « من يموت » .

( ٦ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٩ رقم ( ١١٦ ) بلفظ « الموتى » .

٥٢٨

الخطية(١) ( و هو يرى من يموت ) لصحّة تلك النسخ دون الطبعة المصرية ، و لأنّ العجب في رؤية أحياء مثله يموتون و ينساه دون مجرّد رؤية موتى لاحتمال حكم وهمه بكونهم أمواتا أبدا ، و أما الذين رآهم ماتوا فلا مجال لحكم و هم فيهم .

ثمّ العجب أنّه يرى أنّ أكثرهم كان منه أشدّ قوّة و أصحّ مزاجا و أسمن بدنا و أكثر أملا و ينسى .

و في الخبر : ما خلق اللَّه يقينا أشبه بالشكّ من الموت(٢) .

« و عجبت لمن أنكر النشأة الاخرى و هو يرى النشأة الأولى » أَوَ لَم يرَ الإنسانُ أَنّا خَلقناهُ مِن نُطفَةٍ فإذا هُو خَصيمٌ مبين و ضَرَبَ لَنا مَثلاً وَ نَسي خَلقَه قالَ مَن يُحيي العِظامَ و هي رَميم( قُل يُحييها الّذي أَنشأها أَوّلَ مرّةٍ وَ هو بِكُلِّ خَلقٍ عَليم ) (٣) أَو لَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ و الأرض بقادرٍ عَلى أَن يَخلقَ مِثلَهم بَلى وَ هُو الخَلاّقُ العليم إِنّما أَمرُهُ إِذا أَرادَ شَيئاً أَن يَقولَ لَهُ كُن فيكون( فَسُبحانَ الّذي بِيَده مَلكُوتُ كُلِّ شَي‏ءٍ و إِليهِ تُرجَعُون ) (٤) .

« و عجبت لعامر دار الفناء و تارك دار البقاء »( انّما هذه الحياة الدُّنيا متاع و إنَّ الآخرة هي دار القرار ) (٥) .

هذا ، و في الخبر : عجبت لأقوام يحتمون من الطعام مخافة الأذى كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار ، عجبت لمن يشتري المماليك بماله كيف لا

____________________

( ١ ) النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣٢٠ .

( ٢ ) أورده ( من لا يحضره الفقيه ) هكذا : لم يخلق اللَّه عزّ و جلّ يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت و نسبه إلى الإمام الصادقعليه‌السلام ١ : ١٢٤ ، نقله المجلسي في البحار ٦ : ١٢٧ .

( ٣ ) يس : ٧٧ ٧٩ .

( ٤ ) يس : ٨١ ٨٣ .

( ٥ ) غافر : ٣٩ .

٥٢٩

يشتري الأحرار بمعروفه(١) .

٥٠ الحكمة ( ١٢٧ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ قَصَّرَ فِي اَلْعَمَلِ اُبْتُلِيَ بِالْهَمِّ وَ لاَ حَاجَةَ لِلَّهِ فِيمَنْ لَيْسَ لِلَّهِ فِي مَالِهِ وَ نَفْسِهِ نَصِيبٌ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) من كون الجميع عنوانا واحدا ، لكن ابن أبي الحديد(٣) جعل قوله « و لا حاجة . » عنوانا آخر ، و الأصحّ ما هنا لتصديق ابن ميثم(٤) له و نسخته من النهج بخط المصنف .

( من قصّر في العمل ابتلي بالهم ) و المراد أنّ من قصّر في عمل من الدنيا أو الآخرة كان الإتيان به واجبا و قصّر فيه يبتلى بالهمّ و الحسرة لم قصّر ، قال تعالى في الثاني( و اتَّبعُوا أَحسَنَ ما اُنزلَ إِليكم من ربِّكم من قَبل أَن يأتيكم العذابُ بَغتةً و أَنتُم لا تَشعُرون أن تقول نفسٌ يا حَسرتى على ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّه و إن كُنتُ لَمِنَ الساخرين ) (٥) .

« و لا حاجة للَّه في من ليس للَّه في ماله و نفسه نصيب » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٦) و الصواب ما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم ( و لا حاجة للَّه في من

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٨ : ٤٠ نسبه للإمام عليعليه‌السلام .

( ٢ ) انظر النسخة المصرية : ٦٨٦ رقم ( ١٢٨ ) الموافقة لنسخة شرح ابن ميثم ٥ : ٣١٠ رقم ( ١١٧ ) .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٦ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣١٠ .

( ٥ ) الزمر : ٥٥ ٥٦ .

( ٦ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٨٦ رقم ( ١٢٨ ) نسخة شرح ابن ميثم المنقحة مطابقة للنسخة المصرية شرح محمّد عبده ٥ : ٣١٠ ، و راجع ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٧ .

٥٣٠

ليس في نفسه و ماله نصيب ) فوقع في ( الطبعة المصرية ) زيادة و تقديم و تأخير .

أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نكاح امرأة كلبية أو سلمية ، فقال أبوها : من صفتها كذا و كذا و كفاك من صحّة بدنها أنّها لم تمرض قط و لم تصدع فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حاجة لنا فيها(١) .

قال البلاذري : قال بعضهم : عرض الضحّاك الكلابي ابنته على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله و قال : إنها لم تمرض و لم تصدع فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا حاجة لنا فيها و قال الكلبي : التي قال أبوها انها لم تصدع قط و عرضها على النبي فقال لا حاجة لنا بها سلمية و أما الكلابية فاختارت قومها فذهبت عقلها فكانت تقول : أنا الشقية(٢) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : دعي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى طعام فنظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فتثبت عليه ، فتعجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له الرجل : أعجبت من هذه البيضة فو الذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط فنهض النبي و لم يأكل شيئا من طعامه و قال : من لم يرزأ فما للَّه فيه من حاجة(٣) .

و قال ابن أبي الحديد بروي أنّه دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعرابي ذو جثمان عظيم ، فقال له متى عهدك بالحمّى قال : ما أعرفها قال : بالصداع ؟ قال : ما أدري ما هو قال : فاصبت بمالك ؟ قال : لا قال : فرزئت بولدك ؟ قال : لا فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ اللَّه تعالى ليكره العفريت النفريت الذي لا يرزأ في ولده و لا يصاب بماله(٤) .

____________________

( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ١ : ٤٥٥ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٤٥٥ و هي فاطمة الكلابية .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٥٦ ح ٢٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٧ .

٥٣١

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : أيّكم يحبّ أن يصح فلا يسقم ؟ قالوا :

كلّنا قال : أتحبّون أن تكونوا كالحمر الصائلة ، ألا تحبّون أن تكونوا أصحاب بلايا و أصحاب كفّارات ، و الذي بعثني بالحق إنّ الرجل ليكون له الدرجة في الجنّة و لا يبلغها بشي‏ء من عمله فيبتليه اللَّه ليبلغه تلك الدرجة(١) .

و في الخبر : مرّ موسىعليه‌السلام برجل كان يعرفه مطيعا للَّه تعالى قد مزقت السباع لحمه ، فوقف متعجّبا فاوحي إليه : إنّه سألني درجة لم يبلغها بعمله فجعلت له سبيلا بذلك(٢) .

و عن جابر رفعه : يود أهل العافية يوم القيامة أنّ لحومهم كانت تقرض بالمقاريض لمّا يرون من ثواب أهل البلاء(٣) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان اللَّه ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالطعام ، و اللَّه يحمي عبده المؤمن كما يحمي أحدكم المريض من الطعام(٤) .

٥١ الحكمة ( ١٢٨ ) و قالعليه‌السلام :

تَوَقَّوُا اَلْبَرْدَ فِي أَوَّلِهِ وَ تَلَقَّوْهُ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي اَلْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي اَلْأَشْجَارِ أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَ آخِرُهُ يُورِقُ قال ابن ميثم إنّما وجب اتّقاء البرد في أوّله لأنّ الصيف و الخريف يشتركان في اليبس ، فإذا ورد البرد ورد على أبدان استعدت بحرارة الصيف

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٧ ، في حديث عبد اللَّه بن انس .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١٨ .

( ٣ ) المصدر نفسه ١٨ : ٣١٨ في حديث جابر بن عبد اللَّه .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٥٩ ح ٢٨ نسبه إلى الصادقعليه‌السلام و نسبه ابن أبي الحديد إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ١٨ : ٣١٨ .

٥٣٢

و يبسه للتخلخل و تفتح المسام ، فاشتد انفعال البدن عنه و أسرع في قهر الحرارة الغريزية فيقوى في البدن البرد و اليبس و هما طبيعة الموت ، فيكون بذلك يبس الأشجار و ضمور الأبدان ، و وجب تلقّيه في آخره لأن الشتاء و الربيع يشتركان في الرطوبة و يفترقان بأنّ الشتاء بارد و الربيع حار ، فالبرد المتأخّر إذا امتزج بحرارة الربيع و انكسرت سورتها بها لم يكن له بعد ذلك نكاية في الأبدان ، فقويت الحرارة الغريزية و كان منه النمو و قوّة الأبدان و بروز الأوراق و الثمار(١) .

٥٢ الحكمة ( ١٤١ ) و قالعليه‌السلام :

قِلَّةُ اَلْعِيَالِ أَحَدُ اَلْيَسَارَيْنِ أقول : هو من حديثهعليه‌السلام في الأربعمائة ، و نظيره قولهم : « العيال سوس المال » و قيل : « لا مال لكثير العيال » .

هذا ، و في ( الطبري ) قال الوضين بن عطاء : استزارني المنصور و كانت بيني و بينه خلالة قبل الخلافة ، فصرت إلى بغداد فخلونا يوما فقال لي : ما مالك ؟ قلت : القدر الذي يعرفه الخليفة قال : و ما عيالك ؟ قلت : ثلاث بنات و المرأة و خادم لهن فقال : أربع في بيتك ؟ قلت : نعم فو اللَّه لردد ذلك عليّ حتى ظننت انّه سيموّلني ثم رفع رأسه الي فقال لي : أنت أيسر العرب أربع مغازل يدرن في بيتك(٢) .

____________________

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣١١ رقم ١١٨ .

( ٢ ) تاريخ الامم و الطبري للطبري ٦ : ٣٢٠ .

٥٣٣

٥٣ الحكمة ( ١٤٢ ) و قالعليه‌السلام :

اَلتَّوَدُّدُ نِصْفُ اَلْعَقْلِ و الحكمة ( ١٤٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْهَمُّ نِصْفُ اَلْهَرَمِ أقول : هكذا في ابن أبي الحديد جعلهما عنوانين(١) ، و أخذ منه ( الطبعة المصرية الثانية ) و اما الأولى فليس الأول فيه رأسا(٢) ، و الصواب كون الكلامين عنوانا واحدا كما في ابن ميثم لأن نسخته بخط المصنّف(٣) ، و لأنّهما في سياق واحد ، و لأن في مستندهما هما معا ، فرواه مناقب ابن الجوزي كذلك(٤) ، بل هما جزء العنوان السابق « قلّة العيال أحد اليسارين » كما في ابن أبي الحديد و النسخة الخطية(٥) و إنّ جعله ابن أبي الحديد أيضا مستقلا .

ثم قال ابن أبي الحديد في شرح عنوانه الأول : كأن يقال : قلّ من تودّد إلاّ صار محبوبا و المحبوب مستور العيوب و قال في الثاني : قال الشاعر :

هموم قد أبت إلاّ التباسا

تبتّ الشّيب في رأس الوليد

و تقعد قائما بشجا حشاه

و تطلق للقيام جثى القعود

و أضحت خشّعا منها نزار

مركّبة الرواجب في الخدود

____________________

( ١ ) انظر ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤٠ ٣٤١ .

( ٢ ) في الطبعة المصرية المنقحة هي « قلّة العيال أحد اليسارين » : ٦٩٠ رقم ( ١٤٢ ) .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ : ٣١٩ رقم ( ١٣٠ ) .

( ٤ ) لم نعثر على كتاب المناقب لابن الجوزي .

( ٥ ) في النسخة الخطية : ٣٢٢ هما جزء العنوان السابق « قلة العيال أحد اليسارين » .

٥٣٤

و قال أبو تمام :

شاب رأسي و ما رأيت مشيب

الرأس إلاّ من فضل شيب الفؤاد

كذلك(١) القلوب في كلّ بؤس

و نعيم طلايع الأجساد

طال انكاري البياض و لو عمّر

ت شيئا أنكرت لون السّواد(٢)

قلت : و في ( الطبري ) قال ابن هبيرة : ما رأيت رجلا قط في حرب و لا سمعت به في سلم أمكر و لا أبدع و لا أشد تيقّظا من المنصور ، لقد حصرني في مدينتي تسعة أشهر و معي فرسان العرب ، فجهدنا كلّ الجهد أن ننال من عسكره شيئا نكسره به و ما تهيّا ، و لقد حصرني و ما في رأسي بيضاء فخرجت إليه و ما في رأسي سوداء(٣) .

٥٤ الحكمة ( ١٥٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ قَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اِهْتَدَيْتُمْ وَ أُسْمِعْتُمْ إِنِ اِسْتَمَعْتُمْ التبصير التعريف و الايضاح ، و أمّا الأبصار فقد يجي‏ء بمعنى التبصير كما في قوله تعالى( فلَمّا جاءَتهُم آياتُنا مبصِرَةً ) (٤) و قد يجي‏ء بمعنى الرؤية كما في قولهعليه‌السلام هذا .

و الأصل في كلامهعليه‌السلام قوله تعالى( قَد جاءَكُم بصائِرُ من ربِّكم فمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِه و من عَمي فَعَليها و ما أَنا عليكُم بِحفيظٍ ) (٥) .

____________________

( ١ ) كذاك في الديوان : ٧٥ ، و أظنه خطأ طباعي و الأوفق : و كذاك كما في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤١ .

( ٢ ) ديوان أبي تمام : ٧٥ كذا ذكره شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤١ .

( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٣٢١ .

( ٤ ) النمل : ١٣ .

( ٥ ) الأنعام : ١٠٤ .

٥٣٥

« و قد هديتم ان اهديتم »( فمن تبع هداي فلا خَوفٌ عليهم و لا هم يحزَنون ) (١) ( قُل يا أيُّها الناسُ قد جاءَكم الحقُّ من ربّكُم فَمَن اهتَدى فإنّما يهتدي لِنَفسه و من ضَلَّ فإنّما يَضلُّ عليها و ما أَنا عليكُم بوَكيلٍ ) (٢) .

« و اسمعتم إن استمعتم »( فَبَشِّر عِباد الذين يستَمِعُون القَولَ فيتَّبِعُون أَحسنه أولئك الذين هداهُم اللَّه و أولئكَ هُم اُولوا الأَلبابِ ) (٣) ( و ما أنت بمسمع من في القبور ) (٤) ( و لو ترى إذ المُجرمون ناكسوا رؤُوسهم عندَ ربهم ربَّنا أَبصرنا و سَمعنا فأرجعنا نعمَل صالحاً إِنّا موقنون ) (٥) .

٥٥ الحكمة ( ١٦٤ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ قَضَى حَقَّ مَنْ لاَ يَقْضِي حَقَّهُ فَقَدْ عَبَدَهُ قرأ ابن أبي الحديد « عبده » بالتشديد ، فجعل مدحا(٦) ، و قرأه ابن ميثم بالتخفيف(٧) فجعله ذمّا .

قال الأول : المعنى مدح من يقضي حق من لا يقضي حقّه لأنّه استعبده ، لأنّه ما فعل به ما فعل مكافأة بل انعاما مبتدئا .

و قال الثاني : أي قضاء حق من كان كذلك في صورة عبادة له .

____________________

( ١ ) البقرة : ٣٨ .

( ٢ ) يونس : ١٠٨ .

( ٣ ) الزمر : ١٧ ١٨ .

( ٤ ) فاطر : ٢٢ .

( ٥ ) السجدة : ١٢ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٨٨ رقم ( ١٦٦ ) .

( ٧ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٥ رقم ( ١٥٠ ) .

٥٣٦

قلت : و الأظهر الثاني ، لأن في خط الرضي لا بد أنّه كان بلا تشديد ، لأن نسخة ابن ميثم(١) من النهج كانت بخطه ، و لأن المعنى الذي ذكر ابن أبي الحديد(٢) ليس بصحيح ، فليس كل من تقضي حقّه و هو ما قضى حقك تستعبده كما هو مقتضى عموم « من » ، لاحتمال كون صاحبك رذلا غير أهل ، مع عدم مناسبة « لا يقضي » الظاهر في الاستمرار مع تعبيده ، فإذا صار عبده لا بدّ أن يقضي حقه كاملا ، و إنّما كان مناسبا لو كان بلفظ « لم يقض » و بالجملة ما ذكره ابن أبي الحديد غير جيّد لفظا و معنى .

٥٦ الحكمة ( ١٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْ أَضَاءَ اَلصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ أقول : قد ذكره العسكري(٣) و الميداني(٤) في كتابيهما في الأمثال بدون أن يبيّنا أصله .

و قد ذكره الجرجاني في كنايته مع ذكر أصل له ، فقال : قرأت في كتاب الأمثال عن مؤرّج بن عمرو السدوسي قال : حدّث أبو خالد الكلابي أنّ الأحوص بن جعفر اتي فقيل له : أتانا رجل لا نعرفه ، فلمّا دنا من القوم حيث يرونه نزل عن راحلته فعلّق و طبا من لبن و وضع في بعض أغصان شجرة حنظلة و وضع صرّة من تراب و صرّة شوك ، ثم استوى على راحلته فنظر القوم و الأحوص من أمره ، فقال الأحوص : أرسلوا إلى قيس بن زهير ،

____________________

( ١ ) راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٩ .

( ٢ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٨٨ .

( ٣ ) جمهرة الأمثال للعسكري ٢ : ١٢٥ بهامش مجمع الأمثال : يضرب مثلا للأمر ينكشف و يظهر .

( ٤ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٣١ ، و قال يضرب للأمر يظهر كل الظهور .

٥٣٧

فأرسلوا إليه فأتى فقال له الأحوص : ألم تخبرني أنّه لا يرد عليك أمر إلاّ عرفت مأتاه ما لم ترم بنواصي الخيل فقال : ما الخبر ؟ فأعلمه فقال : « قد تبيّن الصبح لذي عينين » فصار مثلا يضرب لوضوح الشي‏ء قال : أمّا صرّة التراب فإنّه يزعم أنّه قد أتاكم عدد كثير ، و أمّا الحنظلة فإنّ حنظلة أتاكم و قد أدركتكم ، و أمّا الشوك فإنّ لهم شوكة ، و أمّا اللبن فدليل على مقدار قرب القوم و بعدهم ، فإن كان حلوا فقد أتتكم الخيل و ان كان لا حلوا و لا حامضا فعلى قدر ذلك ، و إنّما ترك الكلام لأنّه اخذت عليه العهود ، و قال : أنذرتكم(١) .

فإن كان الأصل في المثل قيس بن زهير كما روى فلا بدّ أنّهعليه‌السلام تمثّل به لا أنّهعليه‌السلام الأصل كما فعل المصنّف .

٥٧ الحكمة ( ١٧١ ) و قالعليه‌السلام :

كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلاَتٍ هكذا في ( الطبعة المصرية ) بلفظ « منعت »(٢) و يصدقها ابن ميثم(٣) و لكن في ابن أبي الحديد(٤) و الخطية(٥) بدله « تمنع » و ما هنا أنسب و أصحّ حيث إنّ نسخة ابن ميثم بخط مصنفه .

في بخلاء الجاحظ : كان الحكم بن أيوب الثقفي عاملا للحجّاج على البصرة و استعمل على العراق جرير بن بيهس المازني و لقب جرير العطرّق

____________________

( ١ ) الكنايات للجرجاني : ٧٩ ٨٠ .

( ٢ ) النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٩٨ رقم ( ١٧١ ) .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٣٦ رقم ١٥٧ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٣٩٧ رقم ( ٢٧٣ ) .

( ٥ ) سقط النصّ من النسخة الخطية ( المرعشي ) .

٥٣٨

فخرج الحكم يتنزه و هو باليمامة ، فدعا العطرّق إلى غذائه ، فأكل معه فتناول درّاجة كانت بين يديه ، فعزله و ولّى مكانه نويرة المازني ابن عمه ، فقال نويرة :

قد كان في العرق صيد لو قنعت به

غنى لك عن درّاجة(١) الحكم

و في عوارض لا تنفكّ تأكلها

لو كان يشفيك لحم الجزر من قرم(٢)

و بلغ الحكم ان نويرة ابن عم جرير العطرق فعزله فقال نويرة :

أبا يوسف لو كنت تعرف طاعتي

و نصحي إذا ما بعتني بالمحلّق(٣)

و لا انهلّ سرّاق العراقة صالح

عليّ و لا كلّفت ذنب العطرّق(٤)

و تناول رجل من قدام أمير كان لنا ضخم بيضة ، فقال خذها فانّها بيضة القروء فلم يزل محجوبا حتى مات(٥) .

و قال ابن أبي الحديد كان الطعام الذي مات منه سليمان أنّه قال لديرانيّ كان صديقه قبل الخلافة : ويحك لا تقطعني ألطافك التي كنت تلطفني بها قال :

فأتيته بزنبيلين كبيرين أحدهما بيض مسلوق و الآخرتين قال : ألقمنيها فكنت أقشر البيضة و أقرنها بالتينة و القمه حتى أتى على الزنبيلين ، فأصابته تخمة عظيمة و مات(٦) .

هذا ، و قد كان ابن عيّاش المنتوف يمازح المنصور فيحتمله على انّه كان جدّا كله فقدم المنصور يوما لجلسائه ببطة كثيرة الدهن ، فأكلوا و جعل

____________________

( ١ ) الدراج : طائر من طير العراق .

( ٢ ) العوارض : الناقة الشابة أو الشاة يصيبها دائر أو كسر فتخر قرم : شهوة اللحم .

( ٣ ) أبو يوسف : كنية الحكم المحلق : لقب الّذي حل مكانه بعد عزله .

( ٤ ) العراقة : العظم عليه لحم .

( ٥ ) البخلاء للجاحظ : ٢١٦ ٢١٧ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٣٩٩ .

٥٣٩

يأمرهم بالازدياد من الأكل لطيبها ، فقال له ابن عياش علمت غرضك انما تريد أن ترميهم منها بالهيضة فلا يأكلوا إلاّ عشرة أيام(١) .

و في المثل : « أكلة أبي خارجة » ، قال أعرابي بباب الكعبة : « اللّهم ميتة كميتة أبي خارجة » فسألوه فقال : أكل حملا و شرب وطبا من اللبن و تروّى من النبيذ و نام في الشمس فمات ، فلقي اللَّه شبعان ريّان دفئان(٢) .

و ورد أعرابيّ على الحجّاج فقدّم له الطعام و كان مع الطعام حلواء ، فقعد الأعرابي يأكل و ينظر إلى الحجّاج نظرة و إلى الحلواء أخرى ، فقال الحجّاج : كلّ من أكل من هذا الحلواء ضربت عنقه ، ففكّر الأعرابي ساعة و قبض على لحيته ساعة ثم قال للحجّاج : أوصيك في الأولاد خيرا ، و أخذ يأكل فضحك الحجّاج و الحاضرون .

٥٨ الحكمة ( ٢٠٤ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يُزَهِّدَنَّكَ فِي اَلْمَعْرُوفِ مَنْ لاَ يَشْكُرُهُ لَكَ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِشَيْ‏ءٍ مِنْهُ وَ قَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ اَلشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ اَلْكَافِرُ وَ اَللَّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ ١٤ ١٧ ٣ : ١٣٤ أقول : و عن الباقرعليه‌السلام إنّ اللَّه عز و جل جعل للمعروف أهلا من خلقه حبّب إليهم فعاله ، و وجّه لطلاّب المعروف الطلب إليهم ، و يسّر لهم قضاءه كما يسّر الغيث للأرض المجدبة ليحييها و يحيي به أهلها ، و إنّ اللَّه تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه بغّض إليهم المعروف و بغّض إليهم أفعاله ، و حظر على طلاّب

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ١٨ : ٣٩٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١٨ : ٣٩٨ .

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639