بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 639

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 639 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253745 / تحميل: 8971
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الشرح

١٠١
١٠٢

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ اَللّـهُمَّ اِنّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء ، وَبِقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيْء ، وَخَضَعَ لَها كُلُّ شَيء ، وَذَلَّ لَها كُلُّ شَيء ، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء ، وَبِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ ، وَبِعَظَمَتِكَ الَّتي ملأت كُلَّ شَيء ، وَبِسُلْطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيء ، وَبِوَجْهِكَ الْباقي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيء ، وَبِأَسْمائِكَ الَّتي ملأت اَرْكانَ كُلِّ شَيء ، وَبِعِلْمِكَ الَّذي اَحاطَ بِكُلِّ شَيء ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي اَضاءَ لَهُ كُلُّ شيء يا نُورُ ، يا قُدُّوسُ ، يا اَوَّلَ الأولين ، وَيا آخِرَ الاْخِرينَ.

أدب الدعاء يقضي أن يبدأ الداعي عندما يتوجه الى ربه ليطلب منه المغفرة ، والعفو عما صدر منه من الذنوب أن يقسم عليه بصفاته الكريمة ، وأسمائه المقدسة جلباً للعطف ومدعاة للحنو عليه.

١٠٣

وفي هذا الفصل يبدأ الداعي بالقسم على ربه ليكون ذلك مفتاحاً لتوجيه الطلب اليه ، وتمهيداً لفتح باب المناجاة معه.

«اللهم»

يتفق علماء العربية في أن الأصل في هذه الكلمة هو (يا الله) ولكنهم اختلفوا في كيفية تركيبها الخارجي ، وأنه كيف صارت (اللهم) بدلاً من (يا الله).

يقول البعض منهم : أن العرب تركت الهمزة من لفظ الجلالة فاتصلت الميم بالهاء ، وصار حرف النداء ، والمنادى كالحرف الواحد ، واكتفي به من ذكر (يا) فاسقطت فكانت الكلمة (اللهم).

ويقول هؤلاء : بأن العرب ربما أدخلوا على هذه الكلمة حرف النداء (يا) فقالوا : (يا اللهم اغفر لنا).

أما البعض الآخر : فيقول : بإن هذه الكلمة أصلها (يا الله) فهي منادى ولكن لكثرة دورانها على الالسن حذف حرف النداء (يا) ، وعوض عنه (بميم) مشددة وضعت في آخر الكلمة فكانت بحسب التركيب الخارجي «اللهم»(١) .

وعلى كلا النقلين الملاحظ أن الأصل في كلمة (اللهم) يا الله.

أما كيف تحول حرف النداء ، والمنادى الى هذه الكلمة فهذا

__________________

(١) لسان العرب : مادة (إله) والزاهر : ١ / ١٤٦.

١٠٤

مالا يغير المقصود من أدب الدعاء من الإِفتتاح بالمناجاة مع الله سبحانه بعبارة (يا الله).

وهكذا يحسن بالداعي أن يبدأ ، فيفتتح دعاءه بإسم الله ، ويستعين به من المبدأ الى الأخير.

«اني أسئلك»

والسؤال طلب ، ولكن الطلب اذا كان من العالي الى الداني فهو أمر ، وإذا كان من المساوي فهو المتماس ، أما إذا كان من الداني الى العالي فهو سؤال.

والسائل هو المستعطي كما أن الفقير يطلق عليه السائل.

ولأجل هذا يتجه الداعي ، وهو الفقير الى ربه ليسأله من رحمته ولم يقل : ربي اريد ، او اطلب ، بل هو سائل بما تشتمل عليه هذه الكلمة من خشوع ، وخضوع.

«برحمتك التي وسعت كل شيء»

والباء للقسم ، والداعي يسأل ربه مقسماً عليه برحمته ، والتي هي في اللغة : رقة القلب ، وإنعطاف يقتضي الفضل ، والإِحسان والمغفرة.

هذا الإِنعطاف الذي يشمل كل شيء في هذا الوجود بما في الكون من موجودات ، وكائنات فهي مغمورة بلطفه ، ومشمولة

١٠٥

لعنايته ولم لا يقسم الداعي على الله برحمته الواسعة؟ ، وقد أخبر هو جل إسمه عن هذا العطف بقوله :

( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (١) .

( فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ) (٢) .

ففي كل لحظة من لحظات الحياة تفيض الرحمة على ابن آدم تتابعه من حين إنعقاد نطفته الى ما بعد ولادته ، وحتى بعد موته وكذلك يوم القيامة ، وعند الحساب فعن الإِمام الصادق عليه السلام اذا كان يوم القيامة نشر الله تبارك وتعالى رحمته ، حتى يطمع إبليس في رحمته»(٣) .

وبماذا يقابل العبد ربه ، وهو يمنحه هذه الهبات ، والعطايا وكلها عطف ولطف؟ ولماذا يستكثر العبد على نفسه ذنوبه مهما كانت اذا عاد الى رحاب الله تائباً يناجي ربه؟ ويقسم عليه برحمته وهو الذي لوح له ببارق الأمل بقوله :

( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ) (٤) .

والسرف : هو التجاوز والقنوط هو اليأس.

وبهذا الوعد يتجلى لطف الخالق في أروع صورة فلماذا اليأس

__________________

(١) سورة الأعراف : آية (١٥٦).

(٢) سورة الأنعام : آية (١٤٧).

(٣) سفينة البحار : مادة (رحم).

(٤) سورة الزمر : آية (٥٣).

١٠٦

حتى ولو أسرف العبد في المخالفة ما دام قد أخبر سبحانه بانه( كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (١) .

وكتب : بمعنى سجل ، والزم نفسه بالرحمة لعباده.

ولمن : فهل خص برحمته فئة معينة؟

أم لماذا : فهل أجبره أحد على ذلك؟

الآية الكريمة هي تجيب على هذه الإِستفهامات بعد ان كانت مطلقة ، وغير مقيدة بشيء ، بل رحمته تعم الجميع من دون سبب أو تأثير خارجي لأن عطفه نابع من فيض ذاته المقدسة ، وبإقتضاء من حنوه ، ولطفه على مخلوقاته.

( كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) .

حتى ولو قابله العبد بالإِسائة ، والتقصير.

فخيره الينا نازل.

وشرنا اليه صاعد.

اذا كنت تجري الذنب مني بمثله فما الفرق ما بيني وبينك يا رب؟

«وبقوتك»

والباء : للقسم أيضاً. والقوة ضد الضعف ، وبه قوة أي به طاقة وقوة الله ليست كقوة العبد ، والتي هي من سنخ القوى العشرة والتي منحها الله لعباده من السامعة ، والباصرة ، والشامة ،

__________________

(١) سورة الأنعام : آية (١٢).

١٠٧

واللامسة ، والعاقلة ، وغيرها سواءً كانت هذه القوى مدركة للجزئيات أو الكليات. بل هي قدرته غير المتناهية ، والذاتية له حيث لا يقف في قبالها شيء لأنه على كل شيء قدير.

«التي قهرت بها كل شيء»

وهكذا يتدرج الداعي ليقسم على ربه بقوته فهو القادر على ما يشاء لا يمتنع عليه شيء ، ولا يقف في طريق ارادته أحد من الخلق( وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (١) .

وتبدو روعة الإِنتقال في الدعاء من التوسل اليه برحمته الواسعة الى التضرع بالقسم عليه بقوته القاهرة.

رحمته التي تمثل الدعة في الانعطاف ، والفضل في الإِحسان واللطف في المغفرة.

وقوته التي تتجسم فيها كل آيات القدرة على ما في هذا الوجود ليعلم أن هذه الرحمة ، وهذا العطف ليس من قصور في ذاته المقدسة لكونه لا يقدر على شيء ، بل هي رحمة تنبعث من قدرة قادر قاهر. فهو في الوقت الذي يملك القدرة المطلقة في عالم الأسباب ، وله الغلبة في كل شيء نراه رحيماً يطمع حتى إبليس في رحمته.

فإذا غفر فعن قدرة.

وإذا عف فعن رفعة.

__________________

(١) سورة غافر : آية (٦٨).

١٠٨

«وخضع لها كل شيء»

الخضوع : هو الانقياد ، والتطامن ، والتواضع(١) .

والضمير في قوله (لها) يعود الى القدرة. والمعنى : يا رب أقسم عليك بقدرتك التي قهرت بها كل شيء في هذا الوجود فكان من نتيجة ذلك ان خضع لقدرتك كل ما في هذا الوجود.

وقد يقال : أن توصيف القدرة بقوله :( قهرت بها ) والقهر هو الغلبة يغني عن عطف (وخضع لها) لأن تلك الأشياء كلها خاضعة لقدرته لأنها مغلوبة لها.

والجواب عن ذلك : أن العطف بالاخبار بالخضوع يحمل بين طياته معنىً دقيقاً ذلك هو : أن الله ، وان كانت قدرته غالبة على كل شيء فإن التغلب على الشيء ليس معناه تطامن ذلك المغلوب ، والإِنقياد للغالب نفسياً ، بل أقصى ما يدل عليه أنه تحت سيطرته ، وسطوته. ولكن الأخبار بخضوع الأشياء لقدرته معناه أن كل شيء في هذا الوجود قد تطامن ، وانقاد ، وتواضع لقدرته.

«وذل لها كل شيء»

ذل : جاءت في اللغة لمعنيين :

١ ـ انها مأخوذة من الذل بالكسر ، وهو ضد الصعوبة أي (إنقاد) ويكون معنى الجملة على هذا التقدير : وبقدرتك التي انقاد لها كل شيء.

__________________

(١) أقرب الموارد : مادة (خضع).

١٠٩

٢ ـ انها مأخوذة من الذل بالضم ، وهو ضد العز ، ومعناه : ان الشيء هان ، ويكون المعنى : واسئلك بقدرتك التي هان لها كل شيء.

أما أن أياً من هذين المعنيين أنسب بسياق الدعاء.

فالجواب : ان يكون المعنى الثاني وهو : الذل بالضم ، وذلك لأن أخذ الذل على هذا المعنى يجعل المعنى من جملة «وخضع لها كل شيء».

ويختلف عن المعنى في جملة «وذل لها كل شيء» لأن الخضوع ـ كما قلنا ـ هو الإِنقياد ، والذل بالضم ضد العز ، واحدهما مغاير للآخر. فتكون كل جملة قد أفادت معنى غير الذي جاءت به الجملة الأخرى ، المعطوف والمعطوف عليه.

أما لو أخذ الذل بالكسر ، فإن المراد من الجملتين يكون واحداً وهو الإِنقياد فلا يكون بين الجملتين من حيث أدائهما للمعنى فرق عدا التوضيح. ومن الواضح عند دوران الأمر بين حمل الكلام على تأسيس معنى ، او حمله على التوضيح لما سبق يقولون أن حمله على التأسيس اولى من حمله على التوضيح ، طبقاً لما يقرره علماء الأصول في بحوثهم الأصولية.

«وبجبروتك التي غلبت بها كل شيء»

الجبروت : من صيغ المبالغة بمعنى العظمة ، والكبر ، والقدرة ، والسلطة. وهي صفة توحي بالقهر ، والغلبة ، والإِستعلاء.

١١٠

ولأجل ذلك كان الاتصاف بهذه الصفة من مختصات الله تعالى.

فإن وصف بها سبحانه كانت مدحاً وإن وصف بها إنسان كانت ذماً إذ لا إستعلاء إلا له ، ولا كبر إلا له ، ولا غالب إلا هو صفات لا يشاركه فيها أحد ولهذا يقسم الداعي بها عليه لمكان الإِختصاص.

«وبعزتك»

العزة : بالكسر ضد الذلة ، وهي مصدر بمعنى الغلبة ، والقهر ومثل ذلك : ما جاء في قوله تعالى :( وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) أي : غلبني في الإِحتجاج(١) .

«التي لا يقوم لها شيء»

وفي اللغة : قام على الأمر : دام ، وثبت. فلا يقوم : أي لا يثبت ، والمعنى : أقسم عليك بغلبتك ، وقهرك المتمثلان بعزتك التي لا يثبت أمامها شيء ، بل كل شيء متضائل أمام عزته ، وسطوته.

«وبعظمتك»

العظمة : محركة الكبر ، والنخوة ، والزهو.

والعظمة لله هي الإِستقلال ، والإِستغناء عن الغير.

أما عظمة العبد فهي : تكبره ، وتجبره ، ولذلك فإذا وصف العبد بالعظمة ، فهو ذم له لأن العظمة لله وحده لا شريك له(٢) .

__________________

(١ ـ ٢) لسان العرب : مادة (عزز ، وعظم).

١١١

وقد جاء في الحديث القدسي : (والعظمة ردائي).

واذا كانت العظمة رداء الله ، وجلاله فكيف يشاركه فيها غيره؟

ولذلك كان وصف العبد بها ذماً كما يقوله اللغويون لأنه إستعلاء ، وتطاول على ما ليس له ، وهو مخلوق ضعيف.

( وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) (١) .

«التي ملأت كل شيء»

والضمير في قوله : (ملأت) يعود الى العظمة. وملأت الإِناء أي وضعت فيه بقدر ما يأخذه فهو مملوء ، ومنه القول : «نظرت اليه فملأت منه عيني»(٢) .

والمعنى الذي يقصده الدعاء بهذه الجملة هو أن يقسم على الله بعظمته التي إذا قيست الى كل شيء كان ذلك الشيء مملوءاً ومأخوذاً بتلك الهيبة الإِلهية ، والجلالة القدسية ، كما يملأ الماء الإِناء حيث يصل الى حافته.

«وبسلطانك»

السلطان : من السلطنة ، وهي القدرة ، والملك. فالسلطان هو القادر ، والمالك ، والمتسلط على غيره.

__________________

(١) سورة الحج : آية (٧٣).

(٢) أقرب الموارد مادة ملاء.

١١٢

«الذي علا كل شيء»

وتسلطه جلت عظمته على ما في الوجود هو قدرته عليه ، وكون الأشياء مسخرة لإِرادته( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ ) (١) .

ولم يقتصر الأمر على الأرض فقط حيث كانت كلها تحت قبضته يدبرها كيف يشاء ، بل( وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) (٢) .

فعلوه اللامتناهي على كل شيء ينشأ من هذه السلطة الجبارة.

«وبوجهك»

الوجه : أول ما يبدو للناظر من البدن ، وفيه العينان ، والأنف والفم ، وكذلك مستقبل كل شيء وجهه.

ولأهل اللغة والمفسرين آراء كثيرة في تفسير وجه الله وقد تضمن القرآن الكريم آيات عديدة أضيف فيها الوجه اليه تعالى ، ولكن الذي يأتي في مقدمة تلك المعاني هو تفسيره بانه : ذاته المقدسة ، ونفسه الشريفة(٣) .

«الباقي بعد فناء كل شيء»

والفناء خلاف البقاء والجملة صفة لذاته المقدسة وهي مستوحاة من قوله تعالى :( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) (٤) .

__________________

(١) سورة الزمر : آية (٦٧).

(٢) سورة الزمر : آية (٦٧).

(٣) لاحظ لسان العرب : مادة (وجه).

(٤) سورة القصص : آية (٨٨).

١١٣

والمعنى : أقسم عليك بذاتك التي تبقى ، ويفنى كل شيء. والآية الكريمة تؤيد أن يكون المراد من وجه الله هو ذاته ونفسه حيث يهلك كل شيء إلا هو ، وقد عبر فيها عن نفسه بوجهه.( اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (١) .

«وبأسمائك»

الأسماء : جمع اسم ، والإِسم مأخوذ من السمة وهي العلامة وأسماؤه سبحانه هي : صفاته ، وصفاته عين ذاته ، وليست زائدة على عين الذات وهي :

عليم ، وقدير ، وغني ، وحي ، ومحي ، ومميت ، وكبير ، وقاهر الى غيرها مما تضمنته الكتب بيان اسمائه ، وهي كلها ثابتة له إذ عدم ثبوتها ، ونفيها عنه معناه : إثبات النقص إليه ، ولا سبيل الى ذلك لإِستلزام النقص محدوديته ، ولا يحد سبحانه بحد.

أما عدد أسمائه تعالى فكثيرة ، ولكن الأسماء الحسنى ، والتي نوه عنها القرآن الكريم في اكثر من آية فهي : مائة وسبعة وعشرين أسماً(٢) .

«التي ملأت أركان كل شيء»

وقد تقدم تفسير مثل هذه الجملة في ما تقدم من قوله «وبعظمتك التي ملأت كل شيء» والمعنى في الموردين واحد.

ويأتي القسم من الداعي على الله بأسمائه في هذه الفقرة طبقاً لما

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٢٥٥).

(٢) لاحظ بتفصيل لهذا البحث تفسير الميزان : للسيد الطباطبائي ٨ / ٣٦٦.

١١٤

أمر الله به عباده في آيات كريمة منها :

( وَلِلَّـهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) (١) .

( وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٢) .

( وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) (٣) .

( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٤) .

وهكذا تتوالى الآيات الكريمة تحث العبد على الدعاء ، والذي هو إنشداد المخلوق الى ربه ، وتوجهه الى مصدر العطاء.

إن الإِنسان ليقف أمام هذا الحشد من الآيات الكريمة ، والحيرة تأخذ عليه مسالك التفكير ، فلماذا كل هذا الأمر بالتوجيه بالدعاء أليس هو لطف منه نحو عبيده المذنبين؟

أليس هو فيض من رحمته نحو هؤلاء المقصرين؟

وهل يخشى الداعي عدم الإِجابة بعد تعهده بها في قوله :

«إدعوني أستجب لكم».

فمن أقوى من الله ضماناً ، وبوركت صفقة كان الضامن فيها هو الله.

إن اليأس من رحمة الله هي الضلال بعينه فقد قال تعالى :

__________________

(١) سورة الأعراف : آية (١٨٠).

(٢) سورة الأعراف : آية (٢٩).

(٣) سورة الأعراف : آية (٥٦).

(٤) سورة المؤمن : آية (٦٠).

١١٥

( وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) (١) .

ولكنه ابن آدم يدب اليأس اليه ، وقد قال تعالى عنه :

( وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ) (٢) .

ولكنه سبحانه وتعالى يطمئن عباده قائلاً :

( لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) (٣) .

«وبعلمك»

العلم : بالكسر إدراك الشيء بحقيقته ، وقيل : هو اليقين وقيل : أنه بمعنى المعرفة.

وقيل : ان بين المعرفة ، والعلم فرقاً فان العلم يقال : لإِدراك الكلي ، أو المركب. والمعرفة تقال لإِدراك الجزئي ، أو البسيط.

ومن هنا يقال : عرفت الله ، دون علمت الله.

وقيل : العلم في الإِنسان ، والمعرفة في البهائم.

وقيل : العلم هو : الإِعتقاد الجازم المطابق للواقع.

وفي الحقيقة : أن العلم بالشيء معنىً أصبح ينتقل اليه بحيث لا يحتاج الى تعريف لوضوحه.

__________________ ـ

(١) سورة الحجر : آية (٥٦).

(٢) سورة الروم : آية (٣٦).

(٣) سورة الزمر : آية (٥٣).

١١٦

«الذي أحاط بكل شيء»

أحاط بالأمر : أحدق به من جوانبه ، وجاء في القرآن قوله :( وَاللَّـهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) (١) .

أي أن قدرته شاملة ، ومشتملة عليهم ، ولا يعجزه أحد. أما أنه عالم بكل شيء ، وعلمه محيط بذلك ، فلأنه علة الأشياء كلياتها وجزئياتها ، ومن الواضح أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول فينتج من ذلك أنه تعالى عالم بجميع الأشياء اذ لا مؤثر في الوجود غيره.

وقد أخبر الكتاب الكريم عن هذه الحقيقة في اكثر من آية فقال تعالى :( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ) (٢) .

وقال :( إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٣) .

وقال :( وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٤) .

ومن هذا المنطلق يأتي القسم على الله بعلمه الذي أحاط ، وأحدق بكل شيء في هذا الكون ، وما تكتنفه من اكوان اخرى.

وقد يتساءل عن السبب في هذا التكرار بالقسم عليه بعلمه مع

__________________

(١) سورة البروج : آية (٢٠).

(٢) سورة التغابن : آية (٤).

(٣) سورة التوبة : آية (١١٥).

(٤) سورة الحجرات : آية (١٦).

١١٧

أن علمه من جملة ما اشتملت عليه الفقرة المتقدمة بقوله «وبأسمائك التي ملأت أركان كل شيء» ومن جملة اسمائه العليم ، العالم. وإذاً فقد أقسم الداعي على الله بعلمه فما هو وجه التصريح بهذه الصفة مع تقدمها اجمالاً ، وفي اسمائه جلّت عظمته؟

ويجاب عن ذلك : بعدم المنافاة بين البيانين إجمالاً في الأول ، وتفصيلاً في الثاني لخصوصية في التنصيص على صفة العلم المحيط بكل شيء ، وربما كانت الخصوصية هي : بيان حال الداعي عند تدرجه في التضرع اليه سبحانه ، وبالقسم عليه بصفاته وانه صادق في هذا الالتجاء حيث أقسم عليه مجدداً بعلمه الذي أحاط بكل شيء ، ومن جملة ما أحاط به علمه هو حالته التي هو عليها من التوبة ، والندم ، وأنه صادق في توسله الذي يخرج عن قلب فإن الله :( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) (١) .

«وبنور وجهك»

النور : بالضم الضوء ، وهو خلاف الظلمة ، وقيل : النور كيفية تدركها الباصرة ، جمع انوار ، ونيران.

والنور قسمان : حسي ، ومعنوي.

أما الحسي : فهو ما كان قائماً بغيره كنور الشمس ، ونور الكهرباء وغيرهما.

واما المعنوي : فهو ما كان قائماً بذاته.

__________________

(١) سورة غافر : آية (١٩).

١١٨

ونور الله ليس من القسم الأول ، بل هو نفحاته القدسية التي يستنير بها كل شيء ، ويهتدي من في السماوات والأرض ، بعد ان كانت عدماً فخلقها ، ومنحها الوجود.

وقد اقتبست هذه الفقرة من الآية الكريمة :

في قوله تعالى :( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (١) .

النور الذي فيه قوامها ، ومنه نظامها فهو الذي يهبها جوهر وجودها ويودعها ناموسها.

ولقد استطاع البشر أخيراً أن يدركوا بعلمهم طرفاً من هذه الحقيقة الكبرى عندما استحال في أيديهم ما كان يسمى بالمادة بعد تحطيم الذرة الى اشعاعات منطلقة لا قوام لها الا النور ولا مادة لها الا النور فذرة المادة مؤلفة من كهارب واليكترونات تنطلق عند تحطيمها في هيئة إشعاع قوامه هو النور.

فأما القلب البشري فكان يدرك الحقيقة الكبرى قبل العلم بقرون كان يدركها كلما شف ، وقرب ، ولقد أدركها كاملة شاملة قلب محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففاض بها وهو عائد من الطائف نافض كفيه من الناس عائذ بوجه ربه يقول :

«اعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، وفاض بها في رحلة الاسراء ، والمعراج فلما سألته عائشة هل رأيت ربك؟ قال : نور إني أراه»(٢) .

__________________

(١) سورة النور : آية (٣٥).

(٢) في ظلال القرآن في تفسيره لآية (٣٥) من سورة النور.

١١٩

«يا نور»

وبهذا ينهي الإِمام عليه السلام هذا العرض المتوالي من القسم عليه بصفاته الكريمة ، ويبدأ بمرحلة جديدة من إظهار الحالة النفسية للداعي ، وهي مرحلة النداء ، والإِستغاثة ، والتوسل بأحلى صفاته وهي : النور ، القدوس ، أول الأولين ، وآخر الآخرين.

النور : الذي هو مصدر الحياة لكل ما هو مسبوق بالعدم.

«يا قدوس»

وهو بالضم ، وقد يفتح : الطاهر المنزه عن العيوب ، والنقائص وعن كل شريك ، فالشريك نقص لشريكه ، ولذلك فهو تعالى منزه عن هذا النقص ايضاً.

«يا أول الأولين ويا آخر الآخرين»

وهي نداءات تتوالى يضرع بها الإِمام «صلوات الله عليه» الى ربه ويصفه بأنه الأول قبل كل شيء ، والآخر بعد الأشياء ، فلا شيء قبله ، ولا شيء بعده.

وليست الأولية والآخرية بالنسبة اليه تعالى زمانيتين لأن حده بالزمان يستلزم محدوديته ، وإستلزام محدوديته معناه :

إحاطة الزمان به. وهذا يعني احتياجه تعالى الى المحدد. وكل ذلك نقص فيه وهو المنزه عن كل نقص.

سئل الإِمام الصادق عليه السلام عن الأول ، والآخر فقال :

«الأول لا عن أول قبله ، ولا عن بدء سبقه ، والآخر لا عن

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

و قال الحطيئة « و القول ينفذ ما لا ينفذ الابر »(١) .

و في ( أنساب البلاذري ) : كان خالد بن يزيد يقاتل قرقيسا مع كلب و هم أخواله لأن ام يزيد ميسون بنت بجدل من كلب ، فألخّ عليهم بالقتال و الرمي حتى كاد يظفر ، فقال رجل من بني كلاب : لاسمعنّه قولا لا يعود بعده إلى ما يصنع ، و لأكسرنه به ، فلمّا غدا خالد للمحاربة أشرف الكلابي عليه و هو يقول :

ماذا ابتغاء خالد و همّه

إذ سلب الملك و نيكت امّه

فأنكر و استحى و لم يعد إلى الحرب حتى انقضى .

و تقاذف عبد الرحمن بن حسّان و يحيى بن الحكم في امارة أخيه مروان ، فضرب مروان أخاه عشرين و عبد الرحمن ثمانين ، فقال عبد الرحمن :

ضربني مروان ضرب حر و ضرب أخاه حد نصف عبد ، فكان هذا القول أشد على يحيى من سبّه و أنفذ من صوله(٢) .

و في ( صفّين نصر ) : ذكروا أنّ عليّاعليه‌السلام أظهر أنه مصبح غدا معاوية و مناجزه ، ففزع أهل الشام لذلك و انكسروا و كان معاوية بن الضحّاك صاحب راية بني سليم مع معاوية و كان مبغضا له ، و كان يكتب بالأخبار إلى عبد اللَّه بن الطفيل العامري و يبعث بها إلى عليعليه‌السلام ، فبعث إلى عبد اللَّه إنّي قائل شعرا إذ عرّبه أهل الشام ، و كان معاوية لا يتهمه ، فقال ليلا ليسمع أصحابه :

ألا ليت هذا الليل أطبق سرمدا

علينا و انا لا نرى بعده غدا

و يا ليتنا ان جاءنا بصباحه

وجدنا إلى مجرى الكواكب مصعدا

حذار عليّ إنّه غير مخلف

مدى الدهر ما لبّى الملبّون موعدا

____________________

( ١ )

( ٢ ) لا وجود له في أنساب البلاذري ، ذكره ابن الأثير في الكامل ٤ : ٣٣٧ ٣٣٨ .

٦٠١

فاما فراري في البلاد فليس لي

مقام و لو جاوزت جابلق مصعدا

كأني به في الناس كاشف رأسه

على ظهر خوّار الرحالة أجردا

يخوض غمار الموت في مرجحنة

ينادون في نقع العجاج محمدا

فوارس بدر و النضير و خيبر

و احد يروّون الفصيح المهندا

و يوم حنين جالدوا عن نبيّهم

فريقا من الأحزاب حتى تبدّدا

هنالك لا تلوي عجوز على ابنها

و إن أكثرت في القول نفسي لك الفدا

فقل لابن حرب ما الّذي أنت صانع

أتثبت أم ندعوك في الحرب قعددا

و ظنّي بألاّ يصبر القوم موقفا

يقفه و ان لم نجر في الدهر للمدا

فلا رأي إلاّ تركنا الشام جهرة

و ان أبرق الفجفاح فيها و أرعدا

فلمّا سمع أهل الشام شعره أتوا به معاوية ، فهم بقتله ثم راقب فيه قومه و طرده عن الشام فلحق بمصر ، و قال معاوية : لقول السلمي أشدّ على أهل الشام من لقاء علي ، ما له قاتله اللَّه لو أصاب خلف جابلق مصعدا نفذه و جابلق مدينة بالمشرق و جابلص بالمغرب ليس بعدهما شي‏ء .

و قال هارون : لمّا سمع من وراء الستر محاجّة هشام بن الحكم مع المذاهب في اثبات أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام ببراهين بيّنة :

لكلام هذا أشدّ عليّ من مائة ألف سيف ، و العجب كيف بقيت خلافتي مع وجود مثل هذا الرجل في الناس ، و همّ بقتله لكن توارى هشام و انصدع قلبه من الخوف فمات(١) .

و قد نقل شرحه ( الإكمال ) في آخر بابه الرابع و الثلاثين .

____________________

( ١ )

٦٠٢

٩٠ الحكمة ( ٣٩٥ ) و قالعليه‌السلام :

كُلُّ مُقْتَصَرٍ عَلَيْهِ كَافٍ و قالعليه‌السلام كما روى ( الكافي ) : من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيها يكفيه ، و من لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شي‏ء يكفيه(١) .

و قال الباقر أو الصادقعليهما‌السلام : من قنع بما رزقه اللَّه فهو أغنى الناس .

و نزل هارون في سفر في ظل ميل و كان معه أبو العتاهية فقال أبياتا و منها :

و ما تصنع بالدّنيا

و ظلّ الميل يكفيكا(٢)

٩١ الحكمة ( ٤٠٢ ) و قالعليه‌السلام :

لبعض مخاطبيه و قد تكلم بكلمة يستصغر عن قول مثلها : لَقَدْ طِرْتَ شَكِيراً وَ هَدَرْتَ سَقْباً أقول : في ( المعجم ) صاحب ابن جنّي الفارسي أربعين سنة ، و كان السبب في صحبته أن الفارسي اجتاز بالموصل فمرّ بالجامع و ابن جني في حلقة يقرى‏ء النحو و هو شاب ، فسأله الفارسي عن مسألة في التصريف فقصّر فيها ، فقال له الفارسي « زبّبت(٣) و أنت حصرم » فسأل عنه فقيل له هذا الفارسي ، فلزمه فلمّا مات الفارسي تصدّر ابن جني في مجلسه ببغداد(٤) .

قول المصنف ( و الشكير هاهنا أوّل ما ينبت من ريش الطائر قبل أن

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ١٤٠ ح ١١ رواه عن خان بن سدير رفعه .

( ٢ ) ديوان أبي العتاهية : ١٩١ ، و في الهامش نسبه المسعودي لهارون الرشيد .

( ٣ ) أي صرت زبيبا .

( ٤ ) الحموي ، معجم الأدباء ٦ : ٩١ في ترجمة عثمان بن جنّي .

٦٠٣

يقوى و يستحصف ) أي : يستحكم ، إنّما قال المصنف « و الشكير هاهنا » أي : في كلامهعليه‌السلام لأنّه يأتي الشكير بمعنى آخر كما في قول الشاعر :

و من عضة ما ينبتن شكيرها

بمعنى ما ينبت حول الشجرة من أصلها ، يقال شكرت الشجرة بالكسر كثر شكيرها ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ الأصل واحد ، و هو أوّل ما نبت ريش الطائر و قولهم « شكرت الشجرة » استعارة و تشبيه بالطائر كقولهم « اشتكر الجنين » نبت عليه الزغب و كقول هلال بن مجاعة لمّا قال له عمر بن عبد العزيز : هل بقي من شيوخ مجاعة أحد « نعم و شكير كثير » أي :

و احداث كثير .

« و السقب الصغير من الإبل و لا يهدر » بالتخفيف و التشديد ، أي : لا يردّد صوته في حنجرته قال الوليد بن عقبة لمعاوية « تهدّر في دمشق فما تريم »(١) .

و في ( المثل ) « كالمهدّر في العنّة » يضرب للرجل يصيح و يجلب و ليس وراء ذلك شي‏ء كالبعير الذي يحبس في الحظيرة و يمنع من الضراب و هو يهدر « إلاّ بعد أن يستفحل » أي : يصير فحلا(٢) .

هذا و ليس في نسخة ( ابن ميثم ) بيان المصنف(٣) .

و من أمثالهم « قد استنوق الجمل » أي : صار الجمل ناقة قيل الأصل فيه ان شاعرا أنشد ملكا في وصف جمل ثم حوّله إلى ناقة ، فقال طرفة و كان حاضرا قد استنوق الجمل(٤) .

____________________

( ١ ) ابن الأثير ٣ : ٢٨٠ .

( ٢ ) الميداني ، معجم الأمثال ٢ : ١١٦ .

( ٣ ) راجع شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٩ رقم ٣٧٨ .

( ٤ ) الميداني ، مجمع الأمثال ٢ : ٥٦ .

٦٠٤

٩٢ الحكمة ( ٤٠٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَوْمَأَ إِلَى مُتَفَاوِتٍ خَذَلَتْهُ اَلْحِيَلُ أقول : قال ( ابن أبي الحديد ) : قيل في تفسير الكلام : من استدلّ بالمتشابه من القرآن في التوحيد و العدل انكشفت حيلته ، فإنّ علماء التوحيد قد أوضحوا تأويل ذلك(١) و قيل : من بنى عقيدته على أمرين مختلفين حقّ و باطل كان مبطلا و قيل : من أومى بطمعه إلى فائت قد مضى لن تنفعه حيلته ، أي لا يتبعن أحدكم امله ما قد فاته و هذا ضعيف لأن المتفاوت في اللغة غير الفائت .

و قال ابن ميثم : المتفاوت كالامور المتضادّة ، أو التي يتعذّر الجمع بينها في العرف و العادة ، فلا يمكنه الجمع بين ما يرومه من تلك الامور(٢) .

قلت : و الظاهر أنّ المراد عدم إمكان الجمع بين الحق و الباطل قال عامر بن الضرب العدواني لقومه : من جمع بين الحق و الباطل لم يجتمعا له ، و كان الباطل أولى به ، و إن الحق لم يزل ينفر من الباطل و لم يزل الباطل ينفر من الحق .

٩٣ الحكمة ( ٤٠٨ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ صَارَعَ اَلْحَقَّ صَرَعَهُ أقول : هو نظير قولعليه‌السلام في ١٥ ١ و في ١٨٨ ٣ « من ابدى صفحته

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٥ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم : ترجم نهج البلاغة ٥ : ٤٤ .

٦٠٥

للحق هلك »(١) .

قال الاسكافي في ( نقض عثمانيته ) : علم الناس كافة ان الدولة و السلطان لأرباب مقالة العثمانية و عرف كلّ أحد علو أقدار شيوخهم و علمائهم و امرائهم و ظهور كلمتهم و قهر سلطانهم و ارتفاع التقية عنهم ، و إعطاء الجائزة لمن روى في فضل أبي بكر و ما كان من تأكيد بني امية في ذلك و ما ولّده المحدّثون طلبا لمّا في أيديهم ، فكانوا لا يألون جهدا في طول ما ملكوا ان يخملوا ذكر عليعليه‌السلام و ولده و يطفئوا انوارهم و يكتموا فضائلهم و مناقبهم و سوابقهم و يحملوا الناس على سبّهم و لعنهم على المنابر ، و لم يزل السيف يقطر من دمائهم مع قلّة عددهم و كثرة عدوّهم ، فكانوا بين قتيل و أسير و شريد ، و هارب و مستخف ذليل و خائف مترقب و يتقدّم إليهم ألاّ يذكروا شيئا من فضائلهم ، و حتى بلغ من تقية المحدّث منهم إذا ذكر حديثا عن عليعليه‌السلام كنّى عن ذكره برجل من قريش ، و رأينا جميع المخالفين قد حاولوا نقض فضائله و وجهوا الحيل و التأويلات نحوها ، من خارجي مارق و ناصبي حنق و نابت مستبهم و ناشي معاند و منافق مكذب و عثماني حسود يطعن فيها ، و معتزلي قد نظر في الكلام و أبصر علم الاختلاف و عرف الشبهة و مواضع الطعن و ضرب التأويل ، قد التمس الحيل في إبطال مناقبه و تأوّل مشهور فضائله ، فمرّة يتأولها بما لا يحتملها و مرّة يقصد أن يضع من قدرها بقياس منتقض ، و لا يزداد مع ذلك إلاّ قوّة و رفعة .

و قد علمت أنّ معاوية و يزيد و بني مروان أيام ملكهم نحو ثمانين سنة لم يدعوا جهدا في حمل الناس على شتمه و اخفاء فضائله ، فقال ابن لعامر بن عبد اللَّه بن الزبير لولده : يا بنيّ لا تذكر عليّا إلاّ بخير ، فإنّ بني امية لعنوه على

____________________

( ١ ) راجع الكتاب .

٦٠٦

منابرهم ثمانين سنة فلم يزده اللَّه بذلك إلاّ رفعة ، ان الدّنيا لم تبن شيئا قط إلاّ رجعت على ما بنت فهدمته ، و ان الدين لم يبن شيئا قط و هدمه .

إلى أن قال بعد ذكر أخذ الحجّاج الناس بترك قراءة ابن مسعود و ابيّ و لزومهم قراءة عثمان و مهجورية قراءتهما و شيوع قراءته لذلك : و لقد كان الحجّاج و من ولاّه كعبد الملك و الوليد و من قبلهما و بعدهما من فراعنة بني امية على إخفاء محاسن عليعليه‌السلام و فضائل ولده و شيعته أحرص منهم على إسقاط قراءة الرجلين ، لأن قراءتهما لم تكن سببا لزوال ملكهم و في اشتهار فضل عليعليه‌السلام و ولده بوارهم ، فحرصوا في اخفاء فضائله و أبي اللَّه أن يزيد أمره و أمر ولده إلاّ استنارة و إشراقا و حبّهم إلاّ شغفا ، فلو لا أنّ فضائله كانت كالقبلة المنصوبة في الشهرة و كالسنن المحفوظة في الكثرة لم يصل إلينا منها في دهرنا حرف واحد مع ما قلنا(١) .

٩٤ الحكمة ( ١١٨ ) و قالعليه‌السلام :

إِضَاعَةُ اَلْفُرْصَةِ غُصَّةٌ أقول : و قالعليه‌السلام في قريب من هذا المعنى « التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم بعده » و « الفرصة تمرّ مرّ السحاب »(٢) .

قال تعالى :( و أَنفقوا من مّا رزقناكم من قَبل أن يأتي أَحَدكُم المَوت فيقول ربِّ لو لا أَخّرتني إِلى أجلٍ قَريب فأصَّدَّقَ و أَكُن من الصالحين و لَن

___________________

( ١ ) نقل المؤلف هذا النص من شرح نهج البلاغة ١٣ : ٢١٨ ٢٢٣ بتصرف ، إذ ليس للأسكافي كتاب متداول بهذا الأسم ، فكل ما هو موجود هو ما جمعه محمد هارون المصري من هذا الكتاب ممّا رواه شرح ابن أبي الحديد في شرحه ثم طبعه في آخر كتاب العثمانية للجاحظ .

( ٢ ) من الكلمات القصار رقم ( ٢١ ) .

٦٠٧

يُؤخّر اللَّه نفساً إذا جاء أَجلُها و اللَّه خبير بما تعمَلُون ) (١) ( و اتَّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من رَبكُم من قَبل أن يأتيَكُم العَذاب بغتَةً و أنتم لا تَشعرون أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطتُ في جنب اللَّه ) .(٢) .

و في الخبر : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، و صحتك قبل سقمك ، و غناك قبل فقرك ، و فراغك قبل شغلك ، و حياتك قبل موتك(٣) .

و في ( أخبار حكماء القفطي ) : كان أحمد بن محمد بن مروان الطبيب السرخسي تلميذ يعقوب بن إسحاق الكندي أحد المتفنّنين في علوم الفلسفة ، و كان الغالب عليه علمه لا عقله ، و كان أولا معلما للمعتضد ثم نادمه و كان يفضي إليه بأسراره ، فأفضى إليه بسر يتعلّق بالقاسم بن عبيد اللَّه و بدر غلام المعتضد ، فأذاعه بحيلة من القاسم عليه مشهورة ، فسلّمه المعتضد إليهما فاستصفيا ماله ثم أودعاه المطامير ، فلمّا خرج المعتضد لفتح آمد أفلت من المطامير جماعة و أقام أحمد في موضعه و كان قعوده سببا لمنيّته ، فأمر المعتضد القاسم بإثبات جماعة ممّا ينبغي أن يقتلوا ليستريح من تعلق القلب بهم ، فأثبتهم و أدخل أحمد في جملتهم فقتل و مضى بعد أن بلغ السماء رفعة(٤) .

٩٥ الحكمة ( ٤١١ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ تَجْعَلَنَّ ذَرَبَ لِسَانِكَ أي حدته عَلَى مَنْ أَنْطَقَكَ وَ بَلاَغَةَ قَوْلِكَ

____________________

( ١ ) المنافقون : ١٠ ١١ .

( ٢ ) الزمر : ٥٥ ٥٦ .

( ٣ ) رواه الحاكم في المستدرك ٤ : ٣٠٦ و ذكره الفيض في المحجة مسندا عن ابن عباس ٨ : ٢٥ .

( ٤ ) أخبار القفطي : ٥٥ .

٦٠٨

عَلَى مَنْ سَدَّدَكَ أي اصلحك قال الشاعر :

فيا عجبا لمن ربيت طفلا

ألقمه بأطراف البنان

اعلمه الرماية كلّ يوم

فلمّا اشتد ساعده رماني

اعلمه الفتوة فلمّا

طر شاربه جفاني

و كم قد علمته نظم القوافي

فلمّا قال شعرا قد هجاني(١)

٩٦ الحكمة ( ٤١٦ ) و قالعليه‌السلام لابنه الحسن :

يَا بُنَيَّ لاَ تُخَلِّفَنَّ وَرَاءَكَ شَيْئاً فَإِنَّكَ تَخَلِّفُهُ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اَللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ وَ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اَللَّهِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ فَكُنْتَ عَوْناً لَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَ لَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ حَقِيقاً عَلَى أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ في ( المروج ) كان المهدي محبّبا الى الخاص و العام ، لأنّه افتتح أمره بالنظر في المظالم(٢) ، و الكفّ عن القتل ، و أمن الخائف ، و إنصاف المظلوم ، و بسط يده في الاعطاء ، فأذهب جميع ما خلّفه المنصور و هو ستمائة ألف ألف درهم و أربعة عشر ألف ألف دينار سوى ما جباه في أيامه(٣) .

و في ( الطبري ) : قال محمد بن سليمان الهاشمي : كان المنصور لا يعزل أحدا من عمّاله إلاّ ألقاه في دار خالد البطين على شاطى‏ء دجلة ملاصقا لدار

____________________

( ١ )

( ٢ ) في نسخة أخرى في رد المظالم .

( ٣ ) المسعودي ، مروج الذهب ٣ : ٣٢٢ .

٦٠٩

صالح المسكين ، فيستخرج منه مالا ، فما أخذ من شي‏ء ، أمر به فعزل و كتب عليه اسم من أخذ منه و عزل في بيت المال و سمّاه بيت مال المظالم ، فكثر في ذلك البيت من المال و المتاع ، ثم قال للمهدي : إنّي قد هيّأت لك شيئا ترضي به الخلق و لا تغرم من مالك شيئا ، فإذا أنامت فادع هؤلاء الذين أخذت منهم هذه الأموال التي سميتها المظالم فاردد عليهم كلّ ما أخذ منهم فانّك تستحمد إليهم و إلى العامة ، ففعل ذلك المهدي لمّا ولي(١) .

قال المصنف ( و يروى هذا الكلام على وجه آخر ، و هو « أمّا بعد ، فإنّ الذي في يدك من الدنيا قد كان له أهل قبلك و هو صائر إلى أهل بعدك ) .

في ( الأنوار النعمانية ) : مرّ عيسىعليه‌السلام ذات يوم مع جماعة من أصحابه بزرع قد أمكن من الفرك ، فقالوا : يا نبي اللَّه إنّا جياع فاوحي إليه أن ائذن لهم في قوتهم ، فأذن لهم فتفرقوا في الزرع يفركون و يأكلون ، فبيناهم كذلك إذ جاء صاحب الزرع و هو يقول : زرعي و أرضي ورثتها من آبائي فبإذن من تأكلون ؟ فدعا عيسىعليه‌السلام ربه فبعث تعالى جميع من ملك تلك الأرض من لدن آدم إلى ساعته كلّ ينادي زرعي و أرضي ورثته من آبائي ففزع الرجل منهم و كان بلغه أمر عيسىعليه‌السلام ، فأتاه و قال : لم أعرفك ، زرعي لك حلال ، فقال :

ويحك هؤلاء كلّهم قد ورثوا هذه الأرض و عمروها و ارتحلوا عنها و أنت مرتحل عنها و لاحق بهم ليس لك أرض و لا مال(٢) .

( و انما أنت جامع لأحد رجلين رجل عمل فيما جمعته بطاعة اللَّه فسعد بما شقيت به ، و رجل عمل فيه بمعصية اللَّه فشقيت بما جمعت له ، و ليس أحد هذين أهلا أن تؤثره على نفسك و لا أن تحمل له على ظهرك ، فارج لمن مضى

____________________

( ١ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٦ : ٣٢٤ .

( ٢ )

٦١٠

رحمة اللَّه و لمن بقي رزق اللَّه ) .

الأصل في هذه الرواية ( الروضة ) ، روي أن مولى لأمير المؤمنينعليه‌السلام سأله مالا فقال : يخرج عطائي فاقاسمك فقال : لا أكتفي ، و خرج إلى معاوية فوصله ، فكتبعليه‌السلام إليه : أما بعد الخ و زاد بين قوله « بعدك » و قوله « و انما » و انما لك ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على اصلاح ولدك(١) .

٩٧ الحكمة ( ٤٢٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ أَعْظَمَ اَلْحَسَرَاتِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حَسْرَةُ رَجُلٍ كَسَبَ مَالاً فِي غَيْرِ طَاعَةِ اَللَّهِ فَوَرِثَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ فَدَخَلَ بِهِ اَلْجَنَّةَ وَ دَخَلَ اَلْأَوَّلُ اَلنَّارَ هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) و الصواب : ( فورّثه رجلا ) كما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و الخطية(٥) .

« فأنفقه في طاعة اللَّه سبحانه فدخل به الجنة و دخل الأول به النار » .

قال ابن أبي الحديد : يقال لعمر بن عبد العزيز السعيد ابن الشقي ، و ذلك أنّ عبد العزيز ملك ضياعا كثيرة بمصر و الشام و العراق و المدينة من غير طاعة اللَّه لسلطان أخيه عبد الملك و بولايته مصر و غيرها ، ثم تركها لابنه عمر فكان ينفقها في طاعة اللَّه إلى أن أفضت الخلافة إليه ، فأخرج سجلات عبد الملك

____________________

( ١ ) روضة الكافي للكليني ٧٢ ، أخرجه عن علي بن إبراهيم عن بعض أصحابه مر ذكره ص ٢٨٧ .

( ٢ ) راجع افسيت النسخة المصرية : ٧٥٦ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٧١ .

( ٤ )

( ٥ )

٦١١

بها لأبيه فمزّقها و أعادها إلى بيت المال(١) .

قلت : تسميته سعيدا بذلك على أصول العامة ، و أمّا على أصول الخاصة فكان أشقى من أبيه حيث إنّه تصدّى للخلافة بغير حقّ ، و هو فوق أخذ الأملاك بغير حق ، و كان مصداق قوله تعالى( و حَمَلها الإنسانُ إنَّهُ كانَ ظلوماً جَهُولا ) (٢) .

ثم ان كلامهعليه‌السلام في انفاق الوارث المال في الطاعة محمول على جهله بغاصبية مورثه ، و إلاّ فالواجب عليه ردّه إلى صاحبه ، و قد رد عمر بن عبد العزيز فدك التي صارت إلى أبيه على أهلها ، مع ان الأصل في غصبها صدّيقهم و فاروقهم ، و قد قال له أقرباؤه إنّك في عملك هذا تطعن على الشيخين فلم يكترث بهم .

٩٨ الحكمة ( ٤٢٦ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَثِقَ بِخَصْلَتَيْنِ اَلْعَافِيَةِ وَ اَلْغِنَى بَيْنَا تَرَاهُ مُعَافًى إِذْ سَقِمَ وَ بَيْنَا تَرَاهُ غَنِيّاً إِذِ اِفْتَقَرَ أقول : جزؤه الأول نظير قولهعليه‌السلام « ما المريض المبتلى بأحوج إلى الدعاء من الصحيح المعافى » .

و في ( دلالات الرضاعليه‌السلام : عاد بعض أعمامه و عمّه الآخر يبكي عليه ، فتبسّمعليه‌السلام و قال يبرأ المريض المحتضر المأيوس منه و يموت السالم الباكي

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ٧٤ .

( ٢ ) الأحزاب : ٧٢ .

٦١٢

على أخيه ، فصار كما قالعليه‌السلام (١) و من شعر الخليل :

و قبلك داوى الطبيب المريض

فعاش المريض و مات الطبيب

فكن مستعدّا لدار البقاء

فإنّ الذي هو آت قريب(٢)

و قال ابن أبي الحديد قال شاعر :

و ربّ غنيّ عظيم الثراء

أمسى مقلاّ عديما فقيرا

و كم بات من مترف في القصور

فعوّض في الصبح عنها القبورا(٣)

٩٩ الحكمة ( ٤٣٠ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ أَخْسَرَ اَلنَّاسِ صَفْقَةً وَ أَخْيَبَهُمْ سَعْياً رَجُلٌ أَخْلَقَ بَدَنَهُ فِي طَلَبِ مَالِهِ وَ لَمْ تُسَاعِدْهُ اَلْمَقَادِيرُ عَلَى إِرَادَتِهِ فَخَرَجَ مِنَ اَلدُّنْيَا بِحَسْرَتِهِ وَ قَدِمَ عَلَى اَلْآخِرَةِ بِتَبِعَتِهِ قال الجوهري : يقال صفقة رابحة و صفقة خاسرة ، و الصفق الضرب الذي يسمع له صوت ، و صفقت له بالبيع و البيعة أي : ضربت يدي على يده(٤) .

« و أخيبهم سعيا » أي : أيأسهم من سعيه و جده .

« رجل أخلق بدنه » أي : جعله باليا .

« في طلب آماله و لم تساعده المقادير على إرادته ، فخرج من الدّنيا بحسرته و قدم على الآخرة بتبعته » .

في ( كامل الجزري ) : مات بركيارق بن ملكشاه السلجوقي في سنة

____________________

( ١ ) ذكره المجلسي بالمعنى في ٤٩ : ٣٢ رواية ٧ .

( ٢ ) الحموي ، معجم الأدباء ١١ : ٧٦ .

( ٣ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢٠ : ٧١ .

( ٤ ) الجوهري ، الصحاح ٤ : ١٥٠٧ مادة (( صفق )) .

٦١٣

 ٤٩٨ ) عن خمس و عشرين سنة و مدّة وقوع اسم السلطنة عليه ( ١٢ ) سنة ، قاسى من الحروب و اختلاف الأمور عليه ما لم يقاسه أحد ، و أشرف في عدّة نوب بعد إسلام النعمة على ذهاب المهجة ، و لمّا أطاعه المخالفون أدركته المنية(١) .

و في ( معجم بلدان الحموي ) : قادس جزيرة غربي الأندلس ، و كان صاحبها من ملوك الروم قبل الإسلام ، و كانت له بنت ذات جمال خطبها ملوك النواحي إلى أبيها فقال : لا ازوجها إلاّ بمن يصنع في جزيرتي طلسما يمنع البربر من الدخول إليها بغضا منها لهم أو يسوق الماء إليها من البر بحيث يدور فيها الرحى ، فخطبها ملكان فاختار أحدهما سوق الماء و الآخر عمل الطلسم على أن من سبق منهما يكون هو صاحب البنت ، فسبق صاحب الماء فلم يظهر الملك أبو البنت ذلك خوفا من أن يبطل الآخر ، فلمّا فرغ صاحب الطلسم و لم يبق إلاّ صقله أجرى صاحب الرحاء الماء و دارت رحاه ، فقيل لصاحب الطلسم انّك قد سبقت ، فألقى نفسه من أعلى الموضع الذي عليه الطلسم فمات و صارت الجارية لصاحب الماء .

قالوا : و الطلسم من حديد مخلوط بصفر على صورة بربري له لحية و في رأسه ذؤابة من شعر جعد قائمة في رأسه لجعودتها متأبط صورة كساء قد جمع فضلتيه على يده اليسرى قائم على رأس بناء عال مشرف طوله نيّف و ستون ذراعا و طول الصورة قدر ستة أذرع قد مدّ يده اليمنى بمفتاح قفل في يده قابضا عليه مشيرا إلى البحر كأنّه يقول : لا عبور .(٢) .

و في ( جمل المفيد ) : قال الحسن البصري : خرج طلحة من رساتيق

____________________

( ١ ) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ١١ : ٣٨٥ بتصرف في النقل .

( ٢ ) الحموي ، معجم البلدان ٤ : ٢٩١ .

٦١٤

أقطعه إيّاها عثمان إذ كان يقبضها ينخ به ألف راكب ثم يروحون فلم يعرف له ذلك حتى سعى في دمه ، فلمّا كان يوم البصرة خرج للقتال و قد لبس درعا استجن به من السهام إذ أتاه سهم فأصابه و كان أمر اللَّه قدراً مقدوراً(١) و رأيته يقول حين أصابه السهم : ما رأيت كاليوم مصرع شيخ أضيع من مصرعي و قد كان قبل ذلك جاهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و وقاه بيده فضيع أمر نفسه و لقد رأيت قبره مأوى الشقاء يضع عنده الغريب ثم يقضي عنده حاجته .

و أتى الزبير حيّا من أحياء العرب فقال أجيروني قال الحسن : و كنت يا زبير قبل ذلك تجير و لا يجار عليك و ما الذي أخافك و و اللَّه ما أخافك إلاّ ابنك فاتبعه ابن جرموز فقتله و و اللَّه ما رأيت مثله أحدا قط قد ضاع ، و هذا قبره بوادي السباع مخراة الثعالب ، فخرجا من الدّنيا لم يدركا ما طلبا و لم يرجعا إلى ما تركا قال الحسن : فعز عليّ هذه الشقوة التي كتبت عليهما(٢) .

( و فيه أيضا ) : لمّا انجلت الحرب بالبصرة و قتل طلحة و الزبير و حملت عائشة إلى قصر بني خلف ركب أمير المؤمنينعليه‌السلام و عمّار يمشي مع ركابه حتى خرج إلى القتلى يطوف عليهم ، فمرّ بعبد اللَّه بن خلف الخزاعي و عليه ثياب حسان مشهرة ، فقال الناس : هذا و اللَّه رأس الناس فقالعليه‌السلام : ليس برأس الناس و لكنه شريف منيع النفس ثم مرّ بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فقالعليه‌السلام : هذا يعسوب القوم و رأسهم ، ثم جعل يستعرض القتلى رجلا رجلا ، فلمّا رأى أشراف قريش صرعى في جملة القتلى قال : جدعت أنفي ، أما و اللَّه إن كان مصرعكم بغيضا إليّ و لقد تقدمت إليكم و حذرتكم عض السيوف و كنتم احداثا لا علم لكم بما ترون و لكن الحين و مصارع سوء

____________________

( ١ )

( ٢ ) جمل المفيد : ٢٠٥ ٢٠٦ .

٦١٥

نعوذ باللَّه من سوء المصرع .

ثم سار حتى وقف على كعب بن سوار القاضي و هو مجدّل بين القتلى و في عنقه المصحف ، فقال : نحّوا المصحف وضعوه في مواضع الطهارة ثم قال : أجلسوا لي كعبا ، فاجلس فقالعليه‌السلام : يا كعب قد وجدت ما وعدني ربي حقّا فهل وجدت ما وعد ربك حقّا ؟ ثم قال : أضجعوا كعبا ، فتجاوزه فرأى طلحة صريعا فقال : أجلسوه ، فاجلس ، فقال : يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربي حقّا فهل وجدت ما وعد ربك حقّا ؟ ثم قال أضجعوه ، فوقف رجل من القرّاء أمامه و قال لهعليه‌السلام : ما كلامك ؟ هذه الهام قد صديت لا تسمع لك و لا ترد جوابا فقالعليه‌السلام : إنّهما ليسمعان كلامي كما سمع أصحاب القليب كلام الرسول ، و لو أذن لهما في الجواب لرأيت عجبا .

و مرّ بمعبد بن المقداد و هو في الصرعى ، فقالعليه‌السلام : رحم اللَّه أبا هذا ، إنّما كان رأيه فينا أحسن من رأي هذا فقال عمّار : الحمد للَّه الذي أوقعه و جعل خدّه الأسفل ، و اللَّه لا نبالي بمن عند عن الحق من والد و ولد فقالعليه‌السلام : رحمك اللَّه يا عمّار و جزاك عن الحق خيرا .

و مرّ بعبد اللَّه بن ربيعة و هو في القتلى ، فقالعليه‌السلام : هذا البائس ما كان أخرجه نصر عثمان ، و اللَّه ما كان رأي عثمان فيه و لا في أبيه بحسن .

و مرّ بمعبد بن زهير بن امية فقالعليه‌السلام : لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام ، و اللَّه ما كان فيها بذي مخبرة ، و لقد أخبرني من أدركه انّه يلوذ خوفا من السيف حتى قتل البائس ضياعا .

و مرّ بمسلم بن قرضة فقال : البر أخرج هذا و لقد سألني أن أكلم عثمان في شي‏ء يدّعيه عليه بمكّة فلم أزل به حتى أعطاه و قال لي : لو لا أنت ما أعطيته ان هذا ما علمت بئس العشيرة ، ثم جاء لحينه ينصر عثمان .

٦١٦

ثمّ مرّ بعبد اللَّه بن عمير بن زهير قال : هذا أيضا ممّن أوضع في قتالنا يطلب بزعمه دم عثمان و مرّ بعبد اللَّه بن حكيم بن حزام فقال : هذا خالف أباه في الخروج عليّ ، و إن أباه حيث لم ينصرنا بايع و جلس في بيته ، ما ألوم أحدا إذا كفّ عنا و عن غيرنا و لكن الملوم الذي يقاتلنا .

و مرّ بعبد اللَّه بن الأخنس فقال : أما هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان في الدار فخرج غضبا لمقتل أبيه و هو غلام لا علم له بعواقب الأمور و مرّ بعبد اللَّه بن الأخنس بن شريق فقال : أما هذا فاني أنظر إليه و قد أخذ القوم السيوف و انّه لهارب يعدو من السيف ، فنهيت عنه فلم يسمع حتى قتل(١) .

و أيضا مصداق ما ذكرهعليه‌السلام خلافة ابن المعتز ، فإنّه ولي الأمر ليلة ثم قتل(٢) .

١٠٠ الحكمة ( ٤٣٥ ) و قالعليه‌السلام :

مَا كَانَ اَللَّهُ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ اَلشُّكْرِ وَ يُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ اَلزِّيَادَةِ قال تعالى( لئن شَكرتُم لأَزيدَنّكُم ) .(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : ما أنعم تعالى على عبد من نعمة فعرفها بقلبه و حمده تعالى بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد(٤) .

« و لا ليفتح على عبد باب الدعاء و يغلق عنه باب الإجابة » قال تعالى

____________________

( ١ )

( ٢ )

( ٣ ) إبراهيم : ٧ .

( ٤ ) أورده الحراني بهذا اللفظ : من أنعم اللَّه عليه نعمة فعرفها بقلبه و علم ان المنعم عليه اللَّه فقد أدّى شكرها و ان لم يحرّك لسانه ( تحف العقول ٢٧٥ ) .

٦١٧

( ادعُوني أَسَجِب لَكُم ) (١) ( و إذا سأَلك عبادي عَني فإنّي قَريب اُجيبُ دعوةَ الداعِ إذا دَعان فَليستَجيبوا لي و ليُؤمِنوا بي لعلَّهم يَرشُدون ) (٢) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : انّ العبد ليدعو فيقول تعالى للملكين قد استجبت له و لكن احبسوه بحاجته فإنّي احبّ أن أسمع صوته ، و إنّ العبد ليدعو فيقول تعالى : عجّلوا له حاجته فإني أبغض صوته(٣) .

و عنهعليه‌السلام : خمس دعوات لا تحجبن عن الرّبّ تعالى : دعوة الإمام المقسط ، و المظلوم ، يقول تعالى : لأنتقمن لك و لو بعد حين ، و الولد الصالح لوالديه ، و الوالد الصالح لولده ، و المؤمن لأخيه بظهر الغيب و يقول : و لك مثله(٤) .

و عنهعليه‌السلام : أربعة لا يستجاب لهم دعوة : الرجل الجالس في بيته يقول :

اللّهم ارزقني فيقال له : ألم آمرك بالطلب ، و من كانت له امرأة سوء فدعا عليها فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك ، و رجل كان له مال فأفسده فيقول : اللّهم ارزقني فيقال له ألم آمرك بالاقتصاد :( و الّذين إِذا أَنفَقُوا لم يُسرِفوا وَ لَم يقتُرُوا و كانَ بينَ ذلك قواماً ) (٥) و رجل كان له مال فأدانه بغير بيّنه فيقال له : ألم آمرك بالشهادة(٦) .

و عنهعليه‌السلام : كان في بني اسرائيل رجل فدعا اللَّه تعالى أن يرزقه غلاما ثلاث سنين ، فلمّا رأى انّه لا يجيبه قال : يا ربّ أبعيد أنا منك فلا تسمعني أم

____________________

( ١ ) غافر : ٦٠ .

( ٢ ) البقرة : ١٨٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٨٩ ح ٣ عن علي بن حديد .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٠٩ رقم ٢ ، بحار الأنوار ٩٣ : ٣٥٨ رقم ١٦ .

( ٥ ) فرقان : ٦٧ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٥١١ رقم ( ٢ ) ، المجلسي ، بحار الأنوار ٧١ : ٣٤٤ رواية ١ .

٦١٨

قريب أنت منّي فلا تجيبني ، فأتى آت في منامه فقال : إنّك دعوته منذ ثلاث سنين بلسان بذيّ و قلب عات غير تقيّ و نيّة غير صادقة فأقلع عن بذائك و ليثق باللَّه تعالى قلبك و ليحسن نيتك ، ففعل الرجل ذلك ثم دعا فولد له(١) .

« و لا يفتح لعبد » هكذا في الطبعة المصرية(٢) ، و الصواب : ( على عبد ) كما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و الخطية ( باب التوبة و يغلق عنه باب المغفرة ) قال تعالى استَغفروا ربَّكُم إِنّه كان غفَّاراً يُرسِل السماء عليكم مدرارا(٥) ( و هو الذي يَقبل التوبة عن عباده و يعفوا عن السيّئات ) (٦) .

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه اللَّه تعالى فستر عليه ، ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه ، و يوحي إلى جوارحه و إلى بقاعه أن اكتمي عليه ذنوبه ، فيلقى اللَّه تعالى حين يلقاه و ليس شي‏ء يشهد عليه بذنب(٧) .

و عن الباقرعليه‌السلام : أوحى تعالى إلى داودعليه‌السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له انّك عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك فأتاه داودعليه‌السلام و بلّغه ذلك فقال له دانيال : قد بلّغت يا نبيّ اللَّه ، فلمّا كان في السحر قام دانيال و ناجى ربّه فقال : يا ربّ إنّ داود أخبرني عنك كذا و كذا و عزّتك و جلالك لئن لم تعصمني لأعصينّك ثم

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٢٥ ح ٧ .

( ٢ )

( ٣ )

( ٤ )

( ٥ )

( ٦ ) الشورى : ٢٥ .

( ٧ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٣٦ ح ١٢ .

٦١٩

لأعصينك ثم لأعصينك(١) .

و أمّا قولهعليه‌السلام في الحكمة ١٣٥ : « من اعطي أربعا لم يحرم أربعا : من اعطي الدّعاء لم يحرم الإجابة ، و من اعطي التّوبة لم يحرم القبول ، و من اعطي الإستغفار لم يحرم المغفرة ، و من اعطي الشّكر لم يحرم الزّيادة » و تصديق ذلك في كتاب اللَّه قال اللَّه عز و جل في الدعاء( ادعُوني أستَجب لَكُم ) (٢) و قال في الاستغفار :( و مَن يَعمل سُوءً أو يَظلم نَفسَه ثُمَّ يَستَغفِر اللَّه يَجدِ اللَّهَ غَفوراً رحيماً ) (٣) و قال في الشكر( لَئِن شَكَرتُم لأزيدنّكُم ) (٤) و قال في التوبة :( إنَّما التوبةُ عَلى اللَّه لِلَّذينَ يَعمَلون السُّوَءَ بِجَهالةٍ ثمَّ يتُوبُونَ مِن قَريبٍ فأُولئكَ يَتُوبُ اللَّه عليهم و كانَ اللَّه عَليماً حَكيماً ) (٥) فلا يحتاج إلى شرح لأنّه في معنى سابقه ، و إنّما زيد في هذا الاستغفار مع أنّهعليه‌السلام استدل لكل منها بما في كتاب اللَّه تعالى .

و أمّا زيادة المصرية ، مطبعة الاستقامة جملة « قال الرضي » قبل قوله « و تصديق ذلك » فأخذتها من نقل ابن أبي الحديد و هو أخذها من حاشية و همية خلطت بالمتن(٦) .

و يدل على كونها وهما أنّه لو كان كلام الرضي لقال : « و تصديق قولهعليه‌السلام » لا « و تصديق ذلك » و ابن ميثم و الخطية(٧) لم ينقلا الجملة مع أنّ ابن

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٤٣٦ ح ١١ .

( ٢ ) غافر : ٦٠ .

( ٣ ) النساء : ١١٠ .

( ٤ ) إبراهيم : ٧ .

( ٥ ) النساء : ١٧ .

( ٦ ) انظر ١٨ : ٣٣١ من شرح بن أبي الحديد ، كذلك راجع افسيت النسخة المصرية ٦٨٩ .

( ٧ ) نقل شرح ابن ميثم في النسخة المنقحة ٥ : ٣١٧ رقم ١٢٥ .

٦٢٠

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639