ابو الحسين زيد الشهيد

ابو الحسين زيد الشهيد60%

ابو الحسين زيد الشهيد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 100

ابو الحسين زيد الشهيد
  • البداية
  • السابق
  • 100 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42656 / تحميل: 7062
الحجم الحجم الحجم
ابو الحسين زيد الشهيد

ابو الحسين زيد الشهيد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ( وبعد ) فهذه سيرة جدنا ابي الحسين زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالبعليهم‌السلام من ذكر مولده ووفاته وامه وسبب تسميته بزيد وصفته ونقش خاتمه واقوال العلماء فيه وما ورد في حقه من الاخبار وعبادته وقراءته وبراءته من دعوى الامامة وبعض النصوص الواردة عنه بامامة الاثني عشر ومفاخرته مع هشام ابن عبد الملك وتهالكه في الاصلاح بين الامة وهل كان بفتي وما نسب اليه في التلقيب بالرافضة وحديث سد الابواب وحديث المعراج وقوله في البترية ودلالته على قبر امير المؤمنين وسبب خروجه واخبار السجاد والباقر بقتله قبل وقوعه وخروجه ومقتله وذكر جماعة ممن تابعه من اهل العلم والفضل ومن روى عنهم ورووا عنه من الشعر ومراثيه واولاده وغير ذلك مما يرتبط بسيرته والله المسؤول ان يعصمنا من خطأ اللسان وخطل الجنان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

٢

٦٧٩١( ابو الحسين زيد الشهيد ابن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب :) .

ولد سنة ٥٧ كما عن اخطب خوارزم او ٧٨ كما عن رواية ابي داود واستشهد يوم الاثنين يوم وفي رواية المقاتل يوم الجمعة لليلتين خلتا من صفر سنة ١٢٠ وله ٤٢ سنة كما في الارشاد والمحكي عن مصعب الزبيري والزبير بن بكار او ١٢١ كما عن الواقدي ورواية المقاتل وكما في الرياض وفي عمدة الطالب روي انه قتل في النصف من صفر سنة ١٢١ وفيه عن ابن خرداد انه قتل وهو ابن ٤٨ سنة وعن محمد ابن اسحاق بن موسى انه قتل على رأس ١٢٠ سنة وشهر و١٥ يوماً وقال ابن الاثير قتل سنة ١٢١ وقيل سنة ١٢٢ ( اقول ) وكلها لا تنطبق على ان يكون عمره ٤٢ او ٤٨ بل ٤٤ او ٤٥ او ٤٦ او ٤٧ الا القول بانه ولد سنة ٧٨ واستشهد سنة ١٢٠ فيكون عمره ٤٢.

( امه )

ام ولد اسمها حورية أو حوراء اشتراها المختار بن أبي عبيدة الثقفي واهداها الى علي بن الحسينعليهما‌السلام في مقاتل الطالبين : فولدت له زيداً وعمر وعلياً وخديجة ثم روى بسنده عن زياد ابن المنذر ان المختار بن ابي عبيدة اشترى جارية بثلاثين الفاً فقال لها ادبري فادبرت ثم قال لها اقبلي فاقبلت ثم قال ما ارى احداً احق بها

٣

من علي بن الحسينعليه‌السلام فبمث بها اليه وهي ام زيد بن عليعليه‌السلام ويأتي ان هشام بن عبد الملك عيره بانه ابن امة فاجابه ان اسماعيل ابن امة وكان نبياً مرسلا ورج من صلبه سيد ولد آدم واسحق كان ابن حرة كان من ولده القردة والخنازير وانه لا يقصر برجل جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يكون ابن امة.

( سبب تسميته بهذا الاسم)

عن فرحة النمري عن ابي حمزة الثمالي في حديث قال لي علي ابن الحسينعليهما‌السلام يا ابا حمزة الا أحدثك بحديث ابني هذا بينا انا ليلة ساجد وراكع اذ ذهب بي النوم من بعض حالاتي فرأيت كأبي في الجنة وزوجني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وامير المؤمنين وفاطمة والحسنانعليهم‌السلام حورية من الحور العين فواقعتها واغتسلت في سدرة المنتهى فلما خرجت ناداني هاتف ليهنئك زيد ثلاث مرات فانتبهت من نومي وتطهرت وصليت الفجر فسمعت دق الباب ففتحته فاذا انا برجل معه جارية ملفوف كمها على يده مخمرة بخمار فقلت ما حاجتك قال اريد ان القى علي بن الحسين قلت انا علي بن الحسين قال ارسلني المختار بن ابي عبيدة الثقفي وهو يقرؤك السلام وقد ابتاع هذه الجارية بستين ديناراً وارسلها اليك وانفذ معي ستمائة ديناراً لتصرفها في نفقتها فكتبت جوابه ثم قلت للجارية ما اسمك قالت حوراء فعلقت بهذا الغلام فاسميته زيداً.

٤

وروى الصدوق في الامالي في الحديث ١٢ من المجلس ٥٤ بسنده عن ابي حمزة الثمالي قال حججت فاتيت علي بن الحسينعليه‌السلام فقال لي يا ابا حمزة الا احدثك عن رؤيا رأيتها رأيت كأني أدخلت الجنة فاتيت بحوراء لم ار احسن منها فبينما انا متكئ على اريكتي اذ سمعت قائلا يقول يا علي بن الحسين ليهنئك زيد ثم حججت بعده فاتيت علي بن الحسينعليه‌السلام فقرعت الباب ففتح لي فدخلت فاذا هو حامل زيداً على يده او قال حامل غلاماً على يده فقال لي يا ابا حمزة هذه تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً.

وروى ابن ادريس في السرائر عن كتاب ابي القاسم جعفر ابن قولويه انه قال روى بعض اصحابنا قال كنت عند علي بن الحسينعليهما‌السلام فكان اذا صلى الفجر لم يتكلم حتى تطلع الشمس. وفي اليوم الذي ولد فيه زيد وبشر بولادته التفت الى اصحابه وقال اي شيء ترون ان اسمي هذا المولود فقال كل منهم شيئاً فقالعليه‌السلام يا غلام علي بالمصحف فجاؤا بالمصحف فوضعه في حجره وفتحه ونظر الى اول حرف في اول ورقة فكانت هذه الآية :( وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) . فاطبق المصحف ثم فتحه ونظر فيه فكان في اول ورقة هذه الآية :( إِنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) الآية. فقالعليه‌السلام هو والله زيد هو والله زيد. وذلك انهعليه‌السلام كان يعلم بما ورثه عن آبائه عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ان الشهيد من اولاده اسمه زيد والآيتان

٥

دلتا على انه يقاتل ويستشهد وذلك لانهعليه‌السلام لما كان قد علم بما ورثه عن آبائه عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ان واحداً من اولاده مسمى بزيد سيستشهد مجاهداً في سبيل الله فلما خرجت هذه الآيات دالة على ان هذا الولد سيكون كذلك سماه زيداً ويستفاد من هذه الرواية جواز الاستخارة بالقرآن بهذا النحو بل جواز التفاؤل وعن اخطب خوارزم انه قال في كتاب المقتل الذي ألفه روي انه لما ولد زيد ابن عليرضي‌الله‌عنه سنة ٧٥ بشر به علي بن الحسين زين العابدين فأخذ المصحف وفتحه ونظر فيه فخرج اول السطر( إِنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم ) الآية فاطبقه ثم فتحه فخرج( وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ ) فاطبقه ثم فتحه فخرج( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) فاطبقه وقال عزيت عن هذا المولود وانه لمن الشهدا واخرج ابن عساكر عن حذيفة بن اليمان نحوه وفي البحار : نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الى زيد بن حارثة فقال المظلوم من اهل بيتي والمقتول في الله والمصلوب من امتي سمي هذا واشار الى زيد بن حارثة ثم قال ادن مني يا زيد زادك اسمك عندي حبا فأنت سمي الحبيب من اهل بيتي وعن مقتل الخوارزمي عن ابي حفص المكي عن الحسين بن عليعليهما‌السلام في خبره قال في آخره ان ابيعليه‌السلام حدثني انه سيكون منا رجل اسمه زيد يخرج فيقتل فلا يبقى في السماء ملك مقرب ولا نبي مرسل الا تلقى روحه ليرفعه اهل كل سماء الى سماء الخير.

٦

( صفته)

في مقاتل الطالبيين بسنده عن محمد بن الفرات رأيت زيد ابن علي وقد اثر السجود بوجهه اثراً خفيفاً.

( نقش خاتمه )

روى ابو الفرج في المقاتل بسنده عن ابي خالد كان في خاتم زيد بن علي اصبر تؤجر وتوق تنج.

( أقوال العلماء فيه )

هو جدنا الذي ينتهي نسبنا الى ولده الحسين ذي الدمعة ثم اليه ومجمل القول فيه انه كان عالماً عابداً تقياً ابياً جامعاً لصفات الكمال وهو احد اباة الضيم البارزين تهضمه اهل الملك العضوض اعداء الرسول وذريته واعداء بني هاشم في الجاهلية والاسلام

حسودهم لفضلهم واخو الفض‍

‍ل كثير الاعداء والحساد

وقاتلوهم في الاسلام حتى دخلوا فيه مكرهين وعاملوه بما لا تتحمله نفس ابية من انواع الجفاء والاهتضام في الحجاز والشام فابت نفسه القرار على الذل وخرج لما بذل له اهل العراق النصرة موطناً نفسه على احد امرين اما القتل او عيش العز وان لم يكن واثقاً بوفاء اهل العراق لكنه رأى انه ان لم يستطع ان يعيش عزيزاً استطاع

٧

ان يموت عزيزاً وقد اتفق علماء الاسلام على فضله ونبله وسمو مقامه كما اتفقت معظم الروايات على ذلك سوى روايات قليلة لا تصلح للمعارضة وسيأتي نقل الجميع انشاء الله تعالى وعده ابن شهر آشوب في المناقب في شعراء اهل البيت المقتصدين من السادات. وقال ابن ابي الحديد في شرح النهج ج ١ ص ٣١٥ : وممن تقيل مذاهب الاسلاف في اباء الضيم وكراهية الذل واختار القتل على ذلك وان يموت كريماً ابو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالبعليه‌السلام وهو امام الزيدية الذين ينسبون اليه لاجتماع شروط الامامة عندهم فيه وهو ان يكون من ولد علي وفاطمة عالماً شجاعاً كريماً ويخرج بالسيف قال الشيخ في رجاله في اصحاب علي بن الحسينعليهما‌السلام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب وفي اصحاب الباقرعليه‌السلام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ابو الحسين وفي اصحاب الصادقعليه‌السلام زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن ابي طالب ابو الحسين مدني تابعي قتل سنة ١٣١ وله ٤٢ سنة وفي تكملة نقد الرجال زيد بن علي بن الحسينعليهما‌السلام قد اتفق علماء الاسلام على جلالته وثقته وورعه وعلمه وفضله وقد روي في ذلك اخبار كثيرة حتى عقد ابن بابويه في العيون باباً لذلك وعن الشهيد في قواعده في بحث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انه صرح بان خروجه كان باذن الامامعليه‌السلام .

وقال المفيد في الارشاد : كان زيد بن علي بن الحسين عليهم

٨

السلام عين اخوته بعد ابي جعفرعليه‌السلام وافضلهم وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأخذ بثأر الحسينعليه‌السلام ثم روى بسنده عن ابي الجارود زياد ابن المنذر قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن وروى هشام ( هشيم ) بن هشام ( ابن ميشم ) قال سألت خالد بن صفوان ( احد الرواة عن زيد ) عن زيد بن علي وكان يحدثنا عنه فقلت اين لقيته قال بالرصافة ( قرية من قرى الكوفة ) فقلت اي رجل كان فقال كان كما علمت يبكي من خشية الله حتى تختلط دموعه بمخاطه واعتقد كثير من الشيعة فيه الامامة وكان سبب إعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو الى الرضا من آل محمد صلّى الله عليه وسلّم فظنوه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريدها له لمعرفته باستحقاق اخيه للامامة من قبله ووصيته عند وفاته الى ابي عبد اللهعليه‌السلام اي وصية اخيه الباقر الى ولده الصادقعليهما‌السلام .

وقال السيد علي خان الشيرازي في اوائل شرحه على الصحيفة الكاملة : في رياض السالكين هو ابو الحسين زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن ابي طالبعليهم‌السلام امه ام ولد كان جم الفضائل عظيم المناقب وكان يقال له حليف القرآن روى ابو نصر البخاري عن ابي الجارود قال قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد ابن علي قيل لي ذلك حليف القرآن ذاك اسطوانة المسجد من كثرة صلاته.

٩

وفي عمدة الطالب ص ٢٢٧ زيد الشهيد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالبعليهم‌السلام ويكنى ابا الحسين وامه ام ولد ومناقبه اجل من ان تحصى وفضله اكثر من ان يوصف ويقال له حليف القرآن.

وفي الرياض السيد الجليل الشهيد ابو الحسين زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن ابي طالبعليه‌السلام امام الزيدية كان سيداً كبيراً عظيما في اهله وعند شيعة ابيه والروايات في فضله كثيرة وقد ألف جماعة من متأخري علماء الشيعة ومتقدميهم كتباً عديدة مقصورة على ذكر اخبار فضائله كما يظهر من مطاوي كتب الرجال ومن غيرها ومن المتأخرين الميرزا محمد الاسترابادي ( صاحب الرجال ) فله رسالة في احواله اورد فيها كلام المفيد في الارشاد بتمامه ونقل فيها ايضاً ما رواه الطبرسي في اعلام الورى وما رواه ابن طاوس في ربيع الشيعة واورد روايات كثيرة في مدحه وعن ابي المؤيد موفق ابن احمد المكي اخطب خوارزم انه روى في مقتله عن خالد ابن صفوان قال انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة في بني هاشم الى زيد بن عليرضي‌الله‌عنه رأيته عند هشام بن عبد الملك يخاطبه وقد تضايق مجلسه وقال ابو اسحاق الشبيعي رأيت زيد بن علي ابن الحسين فلم ار في اهله مثله ولا افضل وكان افصحهم لساناً واكثرهم زهداً وبياناً قال ابو حنيفة شاهدت زيد بن علي كما شاهدت اهله فما رأيت في زمانه افقه منه ولا اعلم ولا اسرع جواباً ولا ابين

١٠

قولا لقد كان منقطع القرين وقال الاعمش ما كان في اهل زيد بن علي مثل زيد ولا رأيت فيهم افضل منه ولا افصح ولا اعلم ولا اشجع ولو وفى له من تابعه لاقامهم على المنهج الواضح وقال ابو اسحاق ابراهيم بن علي المعروف بالحصري القيرواني المالكي في زهر الآداب وثمر الالباب كان زيد بن عليرضي‌الله‌عنه ديناً شجاعاً من احسن بني هاشم عبارة واجملهم اشارة وكانت ملوك بني امية تكتب الى صاحب العراق ان امنع اهل الكوفة من حضور زيد بن علي فان له لساناً اقطع من ظبة السيف واحد من شبا الاسنة وابلغ من السحر والكهانة ومن كل نفت في عقدة.

وعن السيد علي خان الحويزي انه قال في نكت البيان كان زيد بن علي بن الحسين عليه الرحمة من خيرة اولاد الائمة المعصومين وكان فيه من الفضل والنقى والزهد والورع ما يتفوق به على غيره ولم يكن يفضله الا الائمة المعصومون واما شجاعته وكرمه فهما اظهر من ان يوصفا وهو من رؤوس اباة الضيم فكأنه سلك طريق جده الحسينعليه‌السلام وأختار قتلة الكرام على ميتة اللئام واحتساء المنية على طيب العيشة في كرب الدية.

شربوا الموت في الكريهة حلوا

خوف ان يشربوا من الذل مرا

شمخ بانفه عن يجلس بين يدي عدوه مجلس ذليل وان يحط من قدره الرفيع الجليل وما حداه على خوض غمار المنايا وتقحم اهوال البلايا والرزايا الا استطالة اعداء الله واعداء الرسول عليه

١١

وبغضهم لجدة وابيه فقام على ان يجلي ظلمة الظلم بنوره جسامه او يفوز من كاس الشهادة باحتساء حمامه ( نحاول ملكا او نموت فنعذرا ) ولم يكن في قيامه معتقداً كمعتقد الذين يزعمون انهم تبعوا آثاره واستناروا مناره من فرق الزيدية بل كان عزمه على ما يظهر من حزن الصادقعليه‌السلام عليه ومن ترحمه عليه وعلى اصحابه ومن اعطاء اولاد الذين قتلوا بين يديه من الصدقة كما ورد في الاخبار انه ان ظفر بالامر وازال اهل الضلال يرجع الامر الى الامام المعصوم من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن الشيخ البهائي في آخر رسالته المعمولة في اثبات وجود القائمعليه‌السلام الآن انه قال : انا معشر الامامية لا نقول في زيد الا خيراً وكان جعفر الصادقعليه‌السلام يقول كثيراً رحم الله عمي زيداً وروي الرضاعليه‌السلام انه قال لاصحابه ان زيداً يتخطى يوم القيامة باهل المحشر حتى يدخل الجنة والروايات عن أئمتناعليهم‌السلام في هذا المعنى كثيرة وعن الشيخ حسن بن علي الطبرسي في آخر كتاب اسرار الامامة انه أورد فصلا في احوال زيد بن علي ذكر فيه الاخبار الواردة في فضائله وعن عاصم بن عمر بن الخطاب انه قال بعد شهادة زيد مخاطباً اهل الكوفة لقد اصيب عندكم رجل ما كان في زمانه مثله ولا ارى يكون بعده مثله وقد رأيته وهو غلام حدث وانه ليسمع الشيء من ذكر الله فيغشى عليه حتى يقول القائل ما هو عائد الى الدنيا. وقال الشعبي والله ما ولد النساء افضل من زيد

١٢

ابن علي ولا افقه ولا اشجع ولا ازهد. وعن كتاب زينة المجالس ان زيداً ذهب يوماً الى خالد بن عبد الله القسري امير الكوفة فقام له خالد وعظمه وسأل شخصاً كان حاضراً في المجلس لاي شيء تعظمك اليهود وتقدمك عليها فقال لانني من نسل داود النبي فقال خالد كم بينك وبين داود قال بضعة واربعون واسطة فقال خالد هذا زيد بن علي ابن رسول الله يتصل به بثلاث وسائط فقال اليهودي عظم شخصاً جعله الله تعالى عظيما بواسطته فقال خالد اني ارى احترامه وتوقيره واجباً علي قال اليهودي كذبت لو كنت تعتقد تعظيمه لاجلسته مكانك فقال خالد انا لا آبى ذلك لكن هشام بن عبد الملك لا يرضى به قال اليهودي ان هشاماً لا يقدر ان يمنعك عن رضا الله تعالى قال خالد اهدأ واخرج من المجلس سالماً قال اليهودي اذا لم يرد الله تعالى لم يقدر اهل الدنيا على ايصال ضرر الى احد فلما وصل الكلام الى هنا قام زيد وقال ان اعتقاد اليهود بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اكثر من اعتقاد هؤلاء. وروى ابو الفرج في المقاتل بسنده عن خصيب الوابشي كنت اذا رأيت زيد بن علي رأيت اسارير النور في وجهه. وبسنده عن عاصم بن عبيد الله العمري انه ذكر عنده زيد بن علي فقال رايته بالمدينة وهو شاب يذكر الله عنده فيغشى عليه حتى يقول القائل ما يرجع الى الدنيا. وبسنده عن محمد بن ايوب الرافقي كانت البراجم(١) واهل النسك لا يعدلون بزيد احداً. وفي تهذيب

__________________

(١) في القاموس البراجم قوم من اولاد حنظلة بن مالك. ولا مناسبة له هنا ولعله محرف فليراجع.

١٣

التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات وقال رأى جماعة من اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واعاد ذكره في طبقة اتباع التابعين وقال روى عن ابيه واليه تنسب الزيدية من طوائف الشيعة.

( ما ورد في حقه الاخبار)

في الرياض اختلفت الاخبار وتعارضت الآثار بل كلام العلماء الاخيار في مدحه والروايات في فضله كثيرة. اقول بل العلماء مطبقون على فضله وان وجد من يخالفهم فشاذ.

( ما رواه الكشي في مدحه)

روى عن محمد بن محمود حدثني ابو عبد الله الشاذاني وكتب به الي حدثني الفضل حدثني ابي حدثنا ابو يعقوب المقري وكان من كبار الزيدية قال كنت عند ابي جعفر جالساً اذ اقبل زيد ابن علي فلما نظر اليه ابو جعفر قال هذا سيد اهل بيتي والطالب باوثارهم. وروى الكشي في ترجمة الحميري عن نصر بن الصباح عن اسحاق ابن محمد البصري عن علي بن اسماعيل عن فضيل الرسان دخلت على ابي عبد اللهعليه‌السلام بعد ما قتل زيد بن علي فادخلت بيتاً جوف بيت فقال لي يا فضيل قتل عمي زيد قلت نعم جعلت فداك قالرحمه‌الله اما انه كان مؤمناً وكان عارفاً وكان عالماً صدوقاً اما انه لو ظفر لوفى اما انه لو ملك لعرف كيف يضمها. وفي ترجمة سليمان ابن

١٤

خالد عن محمد بن الحسن وعثمان بن حامد قالا حدثنا محمد بن يزداد عن محمد بن الحسين عن الحسن بن علي بن فضال عن مروان ابن مسلم عن عمار الساباطي كان سليمان بن خالد خرج مع زيد بن علي حين خرج فقال له رجل ونحن وقوف في ناحية وزيد واقف في ناحية ما تقول في زيد هو خير ام جعفر فقال سليمان قلت والله ليوم من جعفر خير من زيد ايام الدنيا فحرك دابته واتى زيداً وقص عليه القصة ومضيت نحوه فانتبهت الى زيد وهو يقول جعفر امامنا في الحلال والحرام. وفي ترجمة سودة بن كليب بسنده عن سودة ابن كليب قال لي زيد بن علي يا سودة كيف علمتم ان صاحبكم على ما تذكرونه فقلت على الخبير سقطت كنا نأتي اخاك محمد بن عليعليهما‌السلام نسأله فيقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال الله عز وجل في كتابه حتى مضى اخوك فاتيناكم آل محمد وانت فيمن اتينا فتخبرونا ببعض ولا تخبرونا بكل الذي نسألكم عنه حتى اتينا ابن اخيك جعفراً فقال لنا كل ما قال ابوه قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال الله تعالى فتبسم وقال اما والله ان قلت بدا فان كتب علي صلوات الله عليه عنده. ومن كانت كتب علي عنده فهو وارثه في العلم وهو الامام وهذا اعتراف ضمني منه بامامة الصادقعليه‌السلام ويأتي في ترجمة ابنه يحيى ما له تعلق بالمقام.

١٥

( ما جاء عن ائمة اهل البيت وغيرهم في مدح زيد )

[ ما رواه الصدوق في العيون في مدحه ]

فروى بسنده عن محمد بن يزيد النحوي عن ابن ( ابي ) عبدون عن ابيه قال لما حمل زيد بن موسى بن جعفر الى المأمون وكان قد خرج بالبصرة واحرق دور بني العباس وهب المأمون جرمه لاخيه علي بن موسى الرضاعليه‌السلام وقال يا ابا الحسن لئن خرج اخوك وفعل ما فعل لقد خرج من قبله زيد بن علي فقتل ولولا مكانك لقتلته فليس ما اتاه بصغير فقال الرضا يا امير المؤمنين لا تقس اخي زيداً الى زيد ابن علي فانه كان من علماء آل محمد غضب لله عز وجل فجاهد اعداءه حتى قتل في سبيله ولقد حدثني ابي موسى بن جعفر انه سمع اباه جعفر بن محمد يقول رحم الله عمي زيداً انه دعا الى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا اليه ولقد استشارني في خروجه فقلت له يا عمي ان رضيت ان تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك فلما ولى قال جعفر بن محمد ويل لمن سمع داعيته فلم يجبه فقال المأمون يا ابا الحسن اليس قد جاء فيمن ادعى الامامة بغير حقها ما جاء فقال الرضا ان زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وانه كان اتقى لله من ذاك انه قال ادعوكم الى الرضا من آل محمد وانما جاء فيمن يدعي ان الله نص عليه ثم يدعو الى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم وكان زيد بن علي والله ممن خوطب بهذه الآية وجاهدوا في الله

١٦

حق جهاده هو اجتباكم ثم قال : قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب لزيد بن علي فضائل كثيرة عن غير الرضاعليه‌السلام احببت ايراد بعضها على اثر هذا الحديث ليعلم من ينظر في كتابنا هذا اعتقاد الامامية فيه. فمن ذلك ما رواه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن ابيه عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن الحسين ابن علوان عن عمرو بن ثابت عن داود بن عبد الجبار عن جابر بن يزيد الجعفي عن ابي جعفر محمد بن علي الباقر عن ابيه عن عليعليهم‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للحسين يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطى هو واصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير الحساب. وما رواه عن علي بن احمد بن محمد ابن عمران الدقاق عن علي بن الحسين العباسي العلوي عن الحسن بن علي الناصر عن احمد بن رشيد عن عمير ( عمر ) بن سعيد عن اخيه معمر ( وفي نسخة عن احمد بن رشد عن عمه ابي معمر بن خثيم عن اخيه معمر ) كنت جالساً عند الصادقعليه‌السلام فجاء زيد بن علي ابن الحسينعليه‌السلام فاخذ بعضادتي الباب فقال له الصادقعليه‌السلام يا عمي اعيذك بالله ان تكون المصلوب بالكناسة فقالت ام زيد ما يحملك على هذا القول غير الحسد لابني فقالعليه‌السلام يا ليته حسد ثلاث مرات حدثني ابي عن جدي انه قال يخرج من ولدي رجل يقال له زيد يقتل بالكوفة ويصلب بالكناسة(١) يخرج من قبره حين ينشر

__________________

(١) الكناسة في القاموس موضع بالكوفة وفي حاشية الكافي لملا صالح ـ

١٧

تفتح له ابواب السماء يبتهج به اهل السماوات والارض الحديث. وما رواه عن احمد بن الحسن القطان عن الحسن بن علي السكري عن محمد ( احمد ) بن زكريا الجوهري عن جعفر بن محمد بن عمارة عن ابيه عن عمرو بن خالد عن عبد الله بن سيابة قال خرجنا ونحن سبعة نفر فاتينا المدينة فدخلنا على ابي عبد اللهعليه‌السلام فقال أعندكم خبر من عمي زيد فقلنا قد خرج وهو خارج قال فان اتاكم خبر فاخبروني فاتى رسول بسام الصيرفي بكتاب فيه اما بعد فان زيد ابن علي قد خرج يوم الاربعاء غرة صفر ومكث الاربعاء والخميس وقتل يوم الجمعة وقتل معه فلان وفلان فدخلنا على الصادقعليه‌السلام فدفعنا اليه الكتاب فقرأه وبكى ثم قال انا لله وانا اليه راجعون عند الله احتسب عمي انه كان نعم العم ان عمي كان رجلا لدنيانا وآخرتنا مضى والله عمي شهيداً كشهداء استشهدوا مع النبي وعلي والحسن والحسينعليهم‌السلام . وما رواه عن محمد بن الحسين ( الحسن ) بن احمد بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن ابي عبد الله البرقي عن ابيه عن محمد بن شمون عن عبد الله ابن سنان عن الفضيل بن يسار انتهيت الى زيد بن علي صبيحة يوم خرج بالكوفة فسمعته يقول من بعينني منكم على انباط اهل الشام

__________________

ـ المازندراني الكناسة ( بضم الكاف ) الكساحة والقمامة وموضعها ايضاً وبها سميت كناسة كوفان وهي موضع قريب من الكوفة قتل بها وصلب زيد ابن علي بن الحسينعليهما‌السلام .

١٨

فوالذي بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق بشيراً ونذيراً لا يعينني على قتالهم منكم احد الا اخذت بيده يوم القيامة فادخلته الجنة باذن الله عزوجل فلما قتل اكتريت راحلة وتوجهت نحو المدينة فدخلت على ابي عبد اللهعليه‌السلام فقلت في نفسي والله لا اخبرته بقتل زيد بن علي فيجزع عليه فلما دخلت قال ما فعل عمي زيد فخنقتني العبرة فقال قتلوه قلت اي والله فقال صلبوه فقلت اي والله صلبوه فاقبل يبكي ودموعه تنحدر على ديباجتي خده كانها الجمان ثم قال يا فضيل شهدت مع عمي زيد قتال اهل الشام ( الى ان قال ) مضى والله عمي زيد واصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن ابي طالب واصحابه. ورواه الصدوق في الامالي في المجلس ٥٩ الحديث الاول مثله سندا ومتنا.

( ما رواه الصدوق في الامالي والكليني في الروضة)

روى الصدوق في الامالي والكليني في روضة الكافي بالاسناد عن الصادقعليه‌السلام انه قال لا تقولوا خرج زيد فان زيداً كان عالماً وكان صدوقا ولم يدعكم الى نفسه انما دعا الى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو ظفر لوفى بما دعاكم اليه انما خرج الى سلطان مجتمع لينقضه.

( ما روي في مقاتل الطالبيين)

روى ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين بسنده عن ابي قرة قال لي زيد والذي يعلم ما تحت وريد زيد بن علي ان زيد ابن

١٩

علي لم يهتك لله محرما منذ عرف يمينه من شماله وبسنده عن عبد الله ابن جرير او ابن حرب رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه على السرج ( قال المؤلف ) في هذا الحديث نظر فان قلنا ان الصادق يحسن خلقه وتواضعه وكمال ادبه يجوز ان يفعل ذلك مع عمه زيد فزيد لم يكن ليدعه يفعل ذلك مع اعترافه بامامته عليه كما يأتي. وبسنده عن سعيد بن خثيم : كان بين زيد ابن علي وعبد الله بن الحسن مناظرة في صدقات عليعليه‌السلام فكانا يتحاكمان الى قاض فاذا قاما من عنده اسرع عبد الله الى دابة زيد فامسك له بالركاب.

( ما رواه الخوارزمي في فضله)

عن مقتل الخوارزمي مسنداً عن عليعليه‌السلام قال الشهيد من ذريتي والقائم بالحق من ولدي المصلوب بكناسة كوفان امام المجاهدين وقائد الغر المحجلين يأتي هو يوم القيامة واصحابه تتلقاهم الملائكة ينادونهم ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون.

( ما رواه الخزاز في فضله)

روى الشيخ الجليل علي بن محمد الخزاز القمي في كفاية الاثر في النصوص على الائمة الاثني عشر عن المتوكل بن هارون انه قال لقيت يحيى بن زيد بعد قتل ابيه وهو متوجه الى خراسان

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

لكن في أثناء البحث العلمي تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما، فينكشف لي أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة. لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا على بعض الأحاديث فليعد إلى فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني الذي يسمى بحق أمير المؤمنين في الحديث، والذي أعتقد أنا وأظن أن كل من كان مشاركاً في هذا العلم يوافقني على أنه لم تلد النساء بعده مثله.

هذا الإمام أحمد ابن حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري، بوجه ما كان ليس في أحاديث مسلم فقط بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد.

ثم نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة يكون للحديث كله.. أي يقال هذا حديث ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث، أصل الحديث صحيح، لكن يكون جزء منه غير صحيح.

من النوع الأول مثلاً حديث ابن عباس قال: تزوج أو نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم.

هذا حديث ليس من الأحاديث التي تفرد بها البخاري دون صاحبه مسلم، بل اشتركا واتفقا على رواية الحديث في صحيحيهما.

والسبب في ذلك أن السند إلى راوي هذا الحديث وهو عبد الله بن عباس لا غبار عليه فهو إسناد صحيح لا مجال لنقد أحد رواته، بينما هناك أحاديث أخرى هناك مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته.

مثلاً من رجال البخاري اسمه: فليح بن سليمان، هذا يصفه ابن حجر في كتابه التقريب أنه صدوق سيء الحفظ. فهذا إذا روى حديثاً في صحيح البخاري وتفرد به ولم يكن له متابع أو لم يكن لحديثه شاهد، يبقى حديثه في مرتبة الضعيف الذي يقبل التقوية بمتابع أو مشاهد. فحديث ابن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه

٤١

وسلم تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حيث فرد من رواته كفليح بن سليمان مثلاً.. لا.. كلهم ثقات. لذلك لم يجد الناقدون لهذا الحديث من العلماء الذين سبقونا بقرون لم يجدوا مجالاً لنقد هذا الحديث إلا في رواية الأول وهو صحابي جليل فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس، ذلك لأنه كان صغير السن من جهة، ومن جهة أخرى أنه خالف في روايته لصاحبة القصة أي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي ميمونة، فقد صح عنها أنهعليه‌السلام تزوجها وهما محلان.

إذاً هذا حديث وهم فيه راويه الأول وهو ابن عباس فكان الحديث ضعيفاً، وهو كما ترون كلمات محدودات (تزوج ميمونة وهو محرم) أربع كلمات.. مثل هذا الحديث وقد يكون أطول منه له أمثلة أخرى في صحيح البخاري.

النوع الثاني، يكون الحديث أصله صحيحاً لكن أحد رواته أخطأ من حيث أنه أدرج في متنه جملة ليست من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.. من ذلك الحديث المعروف في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء. إلى هنا الحديث صحيح وله شواهد كثيرة زاد أحد الرواة في صحيح البخاري: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، وقال ابن قيم الجوزية، وقال شيخه ابن تيمية، وقال الحافظ المنذري وعلماء آخرون: هذه الزيادة مدرجة ليست من كلام الرسولعليه‌السلام ... وإنما هو من كلام أبي هريرة.

إذاً الجواب تم حتى الآن عن الشطر الأول.. أي انتقدت بعض الأحاديث وسبقت من أئمة كثيرين.

أما أنني ألفت أو ألف غيري فأنا ما ألفت، أما غيري فقد ألفوا لكن لا نعرف اليوم كتاباً بهذا الصدد. هذا جواب ما سألت...

الآن ندخل بتصحيح البخاري وندع تضعيف مسلم، وقد تكون المسألة بالعكس حديث ضعفه البخاري وصححه مسلم وهذا يقع كثيراً.. الذي ليس عنده مرجح

٤٢

آخر لا شك أنه يطمئن لقول البخاري، سواء كان تصحيحاً أو تضعيفاً أو كان توثيقاً أو كان تجريحاً فيقدم قوله على قول من دونه كمسلم مثلاً على شهرته بعلمه، فضلاً عما إذا خالف البخاري بعض المتأخرين كالدارقطني أو ابن حبان أو غيرهما. هذا من المرجحات بلا شك.

الآن نأتي إلى مثال عرف في العصر الحاضر قيمته وهو: التخصص في العلم...

تعرفون اليوم مثلاً العلم علم الطب وأنواعه وأقسامه، هناك مثلاً طب عام هناك طب خاص. رجل يشكو من ألم في فمه أو في عينه أو في أذنه لا يذهب إلى الطبيب العام بل إلى المختص. وهذا مثال واضح جداً. رجل يريد أن يعرف الحكم هل هو حلال أو حرام ما يسأل اللغوي ولا يسأل الطبيب ولا عدداً الأمثلة كلها. وإنما يسأل عالماً بالشرع. وأنا أعني التعميم الآن يسأل عالماً بالشرع، لكن العلماء بالشرع ينقسمون إلى أقسام: علماء بما يسمى اليوم بالفقه المقارن فيقول لك قال فلان كذا وقال فلان كذا وقال فلان كذا فيجعلك في حيرة، على كل حال سؤالك إياه أقرب من المنطق بنسبة لا حدود لها من أن تسأل من كان عالماً أو متخصصاً باللغة العربية. لكن إذا كنت تعلم أن هناك رجلاً آخر عالماً بالشرع لكنه يفتي على الراجح من أقوال العلماء بناء على الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة السلف، لا شك أنك تطمئن لهذا أكثر من الأول. وهكذا.

الآن ندخل في ما نحن بصدده. الآن كما قلت اختلف الأقوال وبعضهم يرد على بعض. الشيء الذي ينبغي أن يلاحظه طالب العلم هو هذا التسلسل المنطقي، وأنا لا أريد لنفسي وإن كان هذا يتعلق بي تماماً، لكن هذا مثل للقاعدة العلمية التي ينبغي للعالم - عفواً لطالب العلم - أن ينطلق منها.

عندنا مثلاً الآن مشكلة تتعلق بالعقيدة.. عندنا الشيخ عبد العزيز بن باز، وعندنا هذا الرجل الذي ابتلى الشعب الأردني بجهله وبقلة أدبه مع علماء السلف فضلاً عن الخلف، يقول مثلاً عن الشيخ ابن باز بأنه: لا علم عنده بالتوحيد.

٤٣

أنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين التفوا حوله متى عرف هذا الرجل بالعلم حتى يعتمد عليه والشيخ ابن باز يملأ علمه العالم الإسلامي.

إذاً هنا أحد شيئين إما الجهل أو اتباع الهوى. فهؤلاء الذين يلتفون حول هذا الرجل. هذا الرجل ابن اليوم في العلم، ما أحد عرفه ولا أحد شهد له لا من العلماء المهتدين، ولا من العلماء الضالين، ما أحد شهد له بأنه رجل عالم. فلماذا يلتف حوله هؤلاء الشباب أحد شيئين: إما أنهم لا يعلمون هذا التدقيق الذي نحن نتسلسل فيه من الصحابة إلى اليوم.. صحابيان اختلفا، رجل من الأولين السابقين وآخرون اتبعهم بإحسان بالفتح وغيره ممن تأخروا بالإسلام، هؤلاء أهل علم وهؤلاء أهل علم.. لكن هؤلاء من السابقين الأولين. فهنا نفس القضية تمشي تماماً.. رجلان أحدهما بلغ من السن ما شاء الله وهو عالم وينشر العلم ويعترف بعلمه وفضله.. وآخر لا قيمة له ولا يعترف بعلمه وليس له منزلة علمية إطلاقاً في بلده فضلاً عن بلاد أخرى.

إذاً من هنا يأخذ الإنسان منهج ممن يتلقى العلم، أمن هذا الحدث أو من ذاك الرجل الفاضل الذي ملأ بعلمه الدنيا.

نأتي الآن إلى صلب سؤالك.. والله اختلفت الأقوال الآن بعضهم يرد على بعض.. وأنا أقول إخواننا طلبة العلم مع الأسف الشديد ينطبق عليهم ما ينطبق على هؤلاء المغشوشين مثل السقاف.. تركوا العلماء قديماً وحديثاً والتفوا حوله وهو ابن اليوم لا أقول في العلم.. في طلب العلم، وربما لا يصدق عليه ذلك!!

أهل البيتعليهم‌السلام ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه

- روى المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٨

١٥ - يد: أبي عن محمد العطار عن ابن عيسى عن البزنطي عن الرضاعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسرى بي إلى السماء بلغ بي جبرئيلعليه‌السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

٤٤

- وروى الكليني في الكافي ج ١ ص ٩٥ باب في إبطال الرؤية:

١ - محمد بن أبي عبد الله عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقععليه‌السلام : يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى. قال وسألته: هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه؟ فوقععليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب. انتهى. ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٣

- وروى الكليني في الكافي ج ١ ص ٩٥

٢ - أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد، فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد الرؤية.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والإنس: لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شيء أليس محمد! قال: بلى. قال: كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول: لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء، ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً وهو على صورة البشر! أما تستحيون! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر!

قال أبو قرة: فإنه يقول:ولقد رآه نزلة أخرى .

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، فآيات الله غير الله، وقد قال الله: ولا يحيطون به علماً، فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة!

٤٥

فقال أبو قرة: فتكذِّب بالروايات!

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء. انتهى.

وقال في هامشه: إعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله سبحانه وتعالى عن ذلك على أقوال: فذهب المشبهة والكرامية إلى جواز رؤيته تعالى في الدارين في الجهة والمكان لكونه تعالى عندهم جسماً! وذهب الأشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى في الآخرة منزهاً عن المقابلة والجهة والمكان. وذهب المعتزلة والإمامية إلى امتناعها في الدنيا والآخرة، وقد دلت الآيات الكريمة والبراهين العقلية والأخبار المتواترة عن أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم على امتناعها مطلقاً كما ستعرف، وقد أفرد العلامة المجاهد السيد عبدالحسين شرف الدين العامليقدس‌سره كتاباً أسماه: كلمة حول الرؤية فجاء - شكر الله سعيه - وافياً كما يهواه الحق ويرتضيه الإنصاف ونحن نذكر منه بعض الأدلة العقلية:

منها: أن كل من استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه، ولابد أن يكون مقابلاً لعين الرائي، وكل ذلك ممتنع على الله تعالى مستحيل بإجماع أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.

ومنها: أن الرؤية التي يقول الأشاعرة بإمكانها ووقوعها، إما أن تقع على الله كله فيكون مركباً محدوداً متناهياً محصوراً يشغل فراغ الناحية المرئي فيها فتخلو منه بقية النواحي، وإما أن تقع على بعضه فيكون مبعضاً مركباً متحيزاً، وكل ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.

ومنها: أن كل مرئي بجارحة العين مشار إليه بحدقتها، وأهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم ينزهون الله تعالى عن أن يشار إليه بحدقة، كما ينزهونه عن الإشارة إليه بإصبع أو غيرها.

ومنها: أن الرؤية بالعين الباصرة لا تكون في حيز الممكنات ما لم تتصل أشعة

٤٦

البصر بالمرئي، ومنزهوا الله تعالى من الأشاعرة وغيرهم مجمعون على امتناع اتصال شيء ما بذاته جل وعلا.

ومنها: أن الإستقراء يشهد أن كل متصور لابد أن يكون إما محسوساً أو متخيلاً، من أشياء محسوسة أو قائماً في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها، فالأول كالأجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بالذائقة، والثاني كقول القائل: أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد، ونحوه مما تدركه المخيلة مركباً من عدة أشياء أدركه البصر. والثالث: كالألم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الإنسان من نفسه بفطرته، وحيث أن الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوره ممكناً. انتهى. وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣ حديث أبي قرة المتقدم. ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٦ وقال في ص ٣٧

قوله تعالى:ما كذب الفؤاد ما رأى ، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الفؤاد.

قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل، أو ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه. والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً، ويدل عليه أنه سئلعليه‌السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرأ: ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه. أفتمارونه على ما يرى أفتجادلونه عليه، من المراء وهو المجادلة. انتهى.

قوله تعالى:ولقد رآه نزلة أخرى ، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالى والثاني جبرئيلعليه‌السلام والثالث الآيات العجيبة الإلَهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزول مرئية. فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذ المرئي غير مذكور في اللفظ،

٤٧

وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق. وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله:ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام له ستمائة جناح. وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر، وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لافساد فيه.

الرابع: أن يكون على تقدير ارجاع الضمير إليهعليه‌السلام وكون المرئي هو الله تعالى والمراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الإنكشاف.

وأما استدلالهعليه‌السلام بقوله تعالى: ليس كمثله شيء، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

قولهعليه‌السلام : حيث قال، أي أولاً قبل هذه الآية، وإنما ذكرعليه‌السلام ذلك لبيان أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضاً، بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها.

قولهعليه‌السلام : وما أجمع المسلمون عليه، أي اتفق المسلمون على حقية مدلول ما في الكتاب مجملاً. والحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا تعارضه الأخبار المختلفة المتخالفة التي تفردتم بروايتها.

ثم اعلم أنهعليه‌السلام أشار في هذا الخبر إلى دقيقة غفل عنها الأكثر وهي أن الأشاعرة وافقونا في أن كنهه تعالى يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية، حتى أن المحقق الدواني نسبه إلى الأشاعرة موهماً اتفاقهم عليه وجوزوا ارتسامه وتمثله في قوة جسمانية، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لها دون العقلية بعيد عن العقل مستغرب، فأشارعليه‌السلام إلى أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالى من السمع ينفي الرؤية أيضاً، فإن الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالى، بل في رؤية ذاته وهو نوع من العلم بكنهه تعالى.

٤٨

الإمام الكاظم والإمام الرضا يكشفان تحريف حديث النزول

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٨٣

١٨ - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاققدس‌سره قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

- وقال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٧٦

٧ - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضاعليه‌السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقالعليه‌السلام : لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم كذلك، إنما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تبارك وتعالى يُنْزِلُ ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٩

٥٠

الفصل الثاني

مذاهب السنّيين في الأُلوهيّة والتوحيد

عندما قبل إخواننا السنّة أحاديث الرؤية والتشبيه، تورطوا فيها، وانقسموا في تفسيرها منذ القرن الأول إلى أربعة مذاهب وأكثر، وقد ولدت هذه المذاهب العقائدية قبل أن تتكون مذاهبهم الفقهية بمدة طويلة، بقيت حاكمة على أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم إلى يومنا هذا!

المذهب الأول: مذهب المتأولين الذين يوافقون مذهب أهل البيتعليهم‌السلام تقريباً، ويدافعون عن تنزيه الله تعالى ويجعلون الأساس الآيات المحكمة في التوحيد مثل قوله تعالى(ليس كمثله شيء) و(لا تدركه الأبصار) ويقولون بتأويل كل نص يظهر منه التشبيه أو الرؤية بالعين، لينسجم مع حكم العقل وبقية الآيات والأحاديث.

المذهب الثاني: مذهب التفويض وتحريم التأويل، ومعناه تجميد تفسير آيات الصفات وأحاديثها، وتفويضها إلى الله تعالى، وتحريم الكلام في معانيها مطلقاً. وهو مذهب عدد من قدامى رواة الأحاديث، وقليل من المتأخرين.

المذهب الثالث: مذهب تحريم التأويل ووجوب تفسير آيات الصفات وأحاديثها بمعناها الظاهري الحسين، والقول بأن لله تعالى يداً ووجهاً ورجلاً وجنباً بالمعنى اللغوي المعروف، غاية الأمر أنهم لايقولون إن شكل ذلك مثل جوارح الإنسان،

٥١

وهو مذهب اليهود وكعب الأحبار ومن وافقهم من الصحابة، وهو المجسمة من الحنابلة، الذي تعصب له ابن تيمية والذهبي والوهابيون، وادعوا أنه مذهب السلف وأهل السنة.

المذهب الرابع: مذهب المتنقلين بين المذاهب، والمذبذبين، والمتحيرين، وهم أنواع ثلاثة.

والظاهر أن لقب (المتأولة) الذي يطلقه السنة على الشيعة في بلاد الشام وفلسطين ومصر، جاء من هؤلاء المجسمة الذين كانوا يكفرون الشيعة وغيرهم، لأنهم يقولون بتأويل أحاديث الصفات.. ومع أن التأويل موجود عند إخواننا السنة بل أكثرهم (متأولة) إلا أن نبز هذا اللقب وَسُبَّتَهُ بقيت من نصيب شيعة أهل البيت المظلومين، وبقيت كلمة (مِتْوَالي) بكسر الميم في ذهن كثير من عوام السنة أسوأ من كلمة كافر!

ونكتفي هنا بالإشارة إلى هذه المذاهب، وبما كتبناه في (الوهابية والتوحيد)

نعم لابد من ذكر شيء عن أصحاب المذهب الرابع:

المذهب الرابع: مذهب المتنقّلين بين المذاهب والمذبذبين والمتحيّرين

الإنتقال من مذهب فقهي إلى مذهب آخر أمر طبيعي يكثر حدوثه في المسلمين، وكذا الإنتقال من مذهب عقائدي إلى مذهب آخر. ونلاحظ في مسألتنا أن المنتقلين من مذهب عقائدي إلى مذهب آخر كثيرون. كما نلاحظ ظاهرةً ثانية عند بعضهم هي الجمع بين التأويل والتفويض فترى أحدهم متأولاً تارة مفوضاً أخرى. والظاهر أن ذلك كان أمراً شائعاً ومقبولاً عند القدماء، لأنهم يجوزون الأمرين.

ولكن تبقى ظاهرة التناقض بين التأويل والتفويض والحمل على الظاهر عند أصحاب الظاهر، أمراً لا يقبل الحل، لأنهم حرموا التأويل والتفويض وهاجموا الآخرين بسببه بل تكفروهم، ثم ارتكبوا ما حرموه. وفيما يلي نماذج من التهافت عند أهل هذه المذاهب، فبدؤها بما ذكره ابن تيمية عن تهافت آراء ابن فورك، في

٥٢

حين نسي هو تهافت آرائه، قال ابن تيمية في تفسيره ج ٦ ص ١٠٨

فصل. أقوال الفرق في صفات الله تعالى... هذا مع أن ابن فورك هو ممن يثبت الصفات الخبرية كالوجه واليدين وكذلك المجيء والإتيان موافقة لأبي الحسن فإن هذا قوله وقول متقدمي أصحابه، فقال ابن فورك فيما صنف في أصول الدين: فإن سألت الجهمية عن الدلالة على أن القديم سميع بصير؟ قيل لهم: قد اتفقنا على أنه من تستحيل عليه الآفات والحي إذا لم يكن مأووناً بآفات تمنعه من إدراك المسموعات والمبصرات كان سميعاً بصيراً.

وإن سألت فقلت: أين هو؟ فجوابنا إنه في السماء كما أخبر في التنزيل عن نفسه بذلك، فقال عز من قائل:أأمنتم من في السماء ، وإشارة المسلمين بأيديهم عند الدعاء في رفعها إليه، وإنك لو سألت صغيرهم وكبيرهم فقلت: أين الله؟ لقالوا إنه في السماء، ولم ينكروا بلفظ السؤال ب- (أين) لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية التي عرضت للعتق فقال: أين الله؟ فقالت في السماء مشيرة بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إعتقها فإنها مؤمنة، ولو كان ذلك قولاً منكراً لم يحكم بإيمانها ولأنكره عليها، ومعنى ذلك أنه فوق السماء لأن (في) بمعنى (فوق) قال الله تعالى: فسيحوا في الأرض أي فوقها.

قال ابن فورك: وإن سألت كيف هو؟ قلنا له: كيف سؤال عن صفته وهو ذو الصفات العلى، هو العالم الذي له العلم، والقادر الذي له القدرة، والحي الذي له الحياة، الذي لم يزل منفرداً بهذه الصفات، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء.

(قلت) فهذا الكلام هو موافق لما ذكره الأشعري في كتاب الإبانة ولما ذكره ابن كلاب لما حكاه عنه ابن فورك، لكن ابن كلاب يقول إن العلو والمباينة من الصفات العقلية، وأما هؤلاء فيقولون: كونه في السماء صفة خبريه كالمجيء والإتيان، ويطلقون القول بأنه بذاته فوق العرش وذلك صفة ذاتية عندهم.

والأشعري يبطل تأويل من تأول الإستواء بمعنى الإستيلاء والقهر بأنه لم يزل

٥٣

مستولياً على العرش وعلى كل شيء، والإستواء مختص بالعرش، فلو كان بمعنى الإستيلاء لجاز أن يقال (هو مستولياً (كذا) على كل شيء وعلى الأرض وغيرها) كما يقال إنه مستول عليها، ولما اتفق المسلمون على أن الإستواء مختص بالعرش، فهذا الإستواء الخاص ليس بمعنى الإستيلاء العام، وأين للسلطان جعل الإستواء بمعنى الغلبة والقهر وهو الإستيلاء فيشبه والله أعلم أن يكون اجتهاده مختلفاً في هذه المسائل كما اختلف اجتهاد غيره، فأبو المعالي كان يقول بالتأويل ثم حرمه، وحكى إجماع السلف على تحريمه، وابن عقيل له أقوال مختلفة، وكذلك لأبي حامد والرازي وغيرهم.

ومما بين اختلاف كلام ابن فورك أنه في مصنف آخر قال: فإن قال قائل: أين هو فقال: ليس بذي كيفية فنخبر عنها إلا أن يقول: كيف صنعه؟ فمن صنعه أنه يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو الصانع للأشياء كلها.

فهنا أبطل السؤال عن الكيفية، وهناك جوزه وقال: الكيفية هي الصفة وهو ذو الصفات، وكذلك السؤال عن الماهية. قال في ذلك المصنف: وإن سألت الجهمية فقلت ما هو يقال لهم (ما) يكون استفهاماً عن جنس أو صفة في ذات المستفهم، فإن أردت بذلك سؤالاً عن صفته فهو العلم والقدرة والكلام والعزة والعظمة.

- سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٦١٠

... أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي، سمعت نعيم بن حماد يقول: من شبه الله بخلقه، فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه، فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه.

قلت: هذا الكلام حق، نعوذ بالله من التشبيه ومن إنكار أحاديث الصفات، فما ينكر الثابت منها من فقه، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان: تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب، فما أولها السلف ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها، بل آمنوا بها، وأمروها كما جاءت.

٥٤

المقام الثاني: المبالغة في إثباتها، وتصورها من جنس صفات البشر، وتشكلها في الذهن، فهذا جهل وضلال، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف عز وجل لم نره، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه مع قوله لنا في تنزيله: ليس كمثله شيء، فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية الباري تعالى الله عن ذلك، فكذلك صفاته المقدسة، نقر بها ونعتقد أنها حق، ولا نمثلها أصلاً ولا نتشكلها.

- وقال الذهبي في سيره ج ٢٠ ص ٨٠ - ٨٦

التيمي الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبو القاسم إسماعيل بن محمد... حدث عنه: أبوسعد السمعاني وأبو العلاء الهمذاني وأبوطاهر السلفي وأبو القاسم بن عساكر... قال أبو موسى المديني: أبو القاسم إسماعيل الحافظ إمام أئمة وقته وأستاذ علماء عصره وقدوة أهل السنة في زمانه، حدثنا عنه جماعة في حال حياته قال أبو موسى: ولا أعلم أحداً عاب عليه قولاً ولا فعلاً ولا عانده أحد إلا ونصره الله... وقال السلفي: وسمعت أبا الحسين بن الطيوري غير مرة يقول: ما قدم علينا من خراسان مثل إسماعيل بن محمد.

... وقد سئل أبو القاسم التيميقدس‌سره : هل يجوز أن يقال لله حد أو لا، وهل جرى هذا الخلاف في السلف؟ فأجاب: هذه مسألة أستعفي من الجواب عنها لغموضها وقلة وقوفي على غرض السائل منها، لكني أشير إلى بعض ما بلغني: تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة محصولها أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره، فإن كان غرض القائل: ليس لله حد لا يحيط علم الحقائق به فهو مصيب، وإن كان غرضه بذلك لا يحيط علمه تعالى بنفسه فهو ضال، أو كان غرضه أن الله بذاته في كل مكان فهو أيضاً ضال.

قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفاً من أن يدخل القلب شيء من البدعة اللهم إحفظ علينا إيماننا.

٥٥

- وقال في هامش سير أعلام النبلاء ج ١٩ ص ٤٤٣

وقد بين شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل ٨ - ٦٠ - ٦١ نوع الخطأ الذي وقع فيه (ابن عقيل) فقال:

ولابن عقيل أنواع من الكلام، فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر في كلام الناس، فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الحبرية وينكر على من يسميها صفات ويقول: إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة كما فعله في كتابه ذم التشبيه وإثبات التنزيه، وغيره من كتبه، واتبعه على ذلك أبوالفرج ابن الجوزي في كف التشبيه بكف التنزيه، وفي كتابه منهاج الوصول.

وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد على النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات، وتارة يوجب التأويل كما فعله في كتابه الواضح وغيره. وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهى عنه كما فعله في كتابه الإنتصار لأصحاب الحديث، فيوجد في كلامه من الكلام الحسن البليغ ما هو معظم مشكور، ومن الكلام المخالف للسنة والحق ما هو مذموم ومدحور... ولابن عقيل من الكلام في ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف ما هو معروف كما قال في الفنون، ومن خطه نقلت ثم ذكر فصلاً مطولاً استوعب سبع صفحات من الكتاب فراجعه.

وصار الترمذي متأوّلاً ذات يوم فكفّره المجسّمة

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٧٠ - ١٧١

... فهذا ابن القيم يقول في كتابه الصواعق المرسلة - أنظر مختصر الصواعق ٢-٢٧٥: وأما تأويل الترمذي وغيره له بالعلم فقال شيخنا: (٩٨) وهو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية.... وهذا الخلال يقول في سنته ص ٢٣٢ ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي (٩٩) من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله:عَسَى أَنْ

٥٦

يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا قال يقعده على العرش (١٠٠) فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه.

وقال السقاف في هامش كتابه:

(٩٨) يعني بشيخه: ابن تيمية كما لا ينتطح في ذلك كبشان.

(٩٩) مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه الترمذيقدس‌سره . ومن الغريب العجيب أيضاً أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني - حاول أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال ص ٢٢٤ في الهامش تعليق رقم ٤ هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك ص ٢٣٢ فقال في الهامش التعليق رقم ٨ (كنت أظنه جهم ولكن اتضح من الروايات أن يقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلى معرفته) فيا للعجب!!

(١٠٠) وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجنب الله تعالى على العرش! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً! والدليل عليه قول الخلال هناك ص ٢٤٤:

حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد: قال:عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال: يجلسه معه على العرش، قال عبد الله: سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية.

أقول: ومن العجيب الغريب أن الألباني ينكر هذا ويقول بعدم صحته وأنه لم يثبت كما سيأتي، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضاً، ويحكم على هذا الأثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم ١٩: إسناده ضعيف!

فهل هؤلاء جهمية! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول اعتقادهم!

٥٧

ومن الغريب العجيب أيضاً أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجنب الله نافياً ودافعاً لفضيلة من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ما قلناه قول الخلال هناك ص ٢٣٧:

(وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي (وهو مجهول بنظر المحقق): إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي، ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رد فضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام)!

وقال ص ٢٣٤ ناقلاً (وأنا أشهد على هذا الترمذي أنه جهمي خبيث)!!

ودافع رشيد رضا عن أكثر الحنابلة وجعلهم متأوّلة

- قال في تفسير المنار ج ٣ ص ١٩٨ - ١٩٩

... الصفات التي هي في الحادث انفعالات نفسية كالمحبة والرحمة والرضا والغضب والكراهة، فالسلف يقرونها على ظاهرها مع تنزيه الله تعالى عن انفعالات المخلوقين، فيقولون إن لله تعالى محبة تليق بشأنه ليست انفعالاً نفسياً كمحبة الناس. والخلف يؤولون ما ورد من النصوص في ذلك فيرجعونه إلى القدرة أو إلى الإرادة فيقولون الرحمة هي الإحسان بالفعل أو إرادة الإحسان.

ومنهم من لا يسمي هذا تأويلاً بل يقولون إن الرحمة تدل على الإنفعال الذي هو رقة القلب المخصوصة على الفعل الذي يترتب على ذلك الإنفعال، وقالوا إن هذه الألفاظ إذا أطلقت على الباري تعالى يراد بها غايتها التي هي أفعال دون مباديها التي هي انفعالات.

وإنما يردون هذه الصفات إلى القدرة والإرادة بناء على أن إطلاق لفظ القدرة والإرادة وكذا العلم على صفات الله إطلاق حقيقي لا مجازي.

والحق أن جميع ما أطلق على الله تعالى فهو منقول مما أطلق على البشر، ولما

٥٨

كان العقل والنقل متفقين على تنزيه الله تعالى عن مشابهة البشر، تعين أن نجمع بين النصوص فنقول إن لله تعالى قدرة حقيقية ولكنها ليست كقدرة البشر، وإن له رحمة ليست كرحمة البشر، وهكذا نقول في جميع ما أطلق عليه تعالى جمعاً بين النصوص، ولا ندعي أن إطلاق بعضها حقيقي وإطلاق البعض الآخر مجازي، فكما أن القدرة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يجهل أثره كذلك الرحمة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يخفى أثره، وهذا هو مذهب السلف فهم لا يقولون إن هذه الألفاظ لا يفهم لها معنى بالمرة، ولا يقولون إنها على ظاهرها بمعنى أن رحمة الله كرحمة الإنسان ويده كيده وإن ظن ذلك في الحنابلة بعض الجاهلين.

ومحققوا الصوفية لا يفرقون بين صفات الله تعالى ولا يجعلون بعضها محكماً إطلاق اللفظ عليه حقيقي، وبعضها متشابهاً إطلاقه عليه مجازي، بل كل ما أطلق عليه تعالى فهو مجاز.

ثم تبنّى رشيد رضا رأي الغزالي مع أنّه كاد أن يكفّر الحنابلة

للغزالي رسالة إسمها(إلجام العوام عن علم الكلام) حرم فيها على العوام حتى السؤال عن معنى أحاديث الرؤية والتجسيم، وقد تبناها الشيخ رشيد رضا ونقلها كلها في تفسيرهقال في ج ٣ ص ٢٠٧ - ٢٠٨:

وللإمام الغزالي تفصيل في كيفية الإستعمال وتحقيق في هذا البحث قاله بعد الرجوع إلى مذهب السلف(!) فننقله هنا من كتابه(إلجام العوام عن علم الكلام) وهو:

الباب الأول في شرح اعتقاد السلف في هذه الأخبار:

إعلم أن الحق الصريح الذي لامراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين، وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه فأقول: حقيقة مذهب السلف - وهو الحق عندنا - أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور: التقديس، ثم التصديق، ثم الإعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة.

٥٩

أما التقديس فأعني به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها.

وأما التصديق فهو الإيمان بما قاله صلى الله عليه وسلم، وأن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق، وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده.

وأما الإعتراف بالعجز، فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست على قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته.

وأما السكوت فأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر.

وأما الإمساك فأن لا نتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى والزيادة فيه والنقصان منها والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة.

وأما الكف فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه.

وأما التسليم لأهله فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على الأنبياء أو على الصديقين والأولياء.

فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام، لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شيء منها، فلنشرحها وظيفة وظيفة إن شاء الله تعالى... انتهى.

ومع أن الغزالي أنزل بالعوام هذه الفتاوى الشديدة منعاً لهم من تكذيب روايات السلف وأشاد بالسلف مدعياً أن ما يقوله هو مذهبهم، لكنه قدم تأويلاً لها مخالفاً للحنابلة والسلف وهاجم اتجاههم في تحريم التأويل والميل إلى التشبيه حتى جعل منهم عبدة أصنام!

قال في ص ٢٠٩:

الوظيفة الأولى التقديس ومعناه: أنه إذا سمع اليد والأصبع وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله خمر طينة آدم بيده وإن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين: أحدهما هو الوضع الأصلي وهو عضو مركب

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100