ابو الحسين زيد الشهيد

ابو الحسين زيد الشهيد40%

ابو الحسين زيد الشهيد مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 100

ابو الحسين زيد الشهيد
  • البداية
  • السابق
  • 100 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42668 / تحميل: 7070
الحجم الحجم الحجم
ابو الحسين زيد الشهيد

ابو الحسين زيد الشهيد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٢١

اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صِفْوَةِ اللهِ

قد عَلِمَ أولوا الألباب أنّ السّلام تحية الإسلام(١) ، وإنّ التسليم مطيّة التعظيم والتكريم، وقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (إبدؤا بالسّلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تُجيبوه)(٢)

وعن عليّعليه‌السلام قال: (لا تَغْضَبُوا ولا تُغْضَبُوا، أفشُوا السّلام وأطيبُوا الكلامَ وَصَلّوا باللّيل والناسُ نيام تَدْخُلُوا الجنّةَ بسلامٍ)(٣)

________________________

١ ـ ولذا نری الشريعة المقدّسة قد أكّدت علی إفشاء السّلام ونشره في الأوساط ومدحت المبتدأ به ووعدته بالثواب الجزيل، وجعلت ردّ السّلام واجباً كفائيّاً وهذا ما نطق به القرآن الكريم في سورة النساء آية (٨٦)، والسنّة الشريفة أيضاً ومَن أراد أنْ يقف علی الروايات التي تتطرّق للسلام عليه بمراجعة أصول الكافي ج ٢، ص ٦٣٨ ـ باب التسليم

٢ ـ أُصول الكافي للكليني ج ٢، ص ٦٣٨

٣ ـ وهذا نصّ الرواية المذكورة في الكافي ج ٢ ص ٦٣٨، ح ٧ ط الأسوة، (عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا سَلّم أحَدُكُمْ فليَجهر بسلامه لا يقول: سلّمتُ فَلَم يَردُّوا عليَّ، ولعلّهُ يكونُ قد سلَّمَ ولمْ يسمعُهم، فإذا رَدَّ أحدُكم فليجهر بردِّهِ ولا يقُولُ الـمُـسلِّمُ : سلّمتُ فلم يردّوا عليَّ، ثمّ قال: كان عليٌّ يقول: لا تَغْضَبُوا ولا تُغضَبوا افشوا السلامَ وأطيبوا الكلام وصَلّوا بالليل والناس نيام تَدْخلوا الجنّة بسلام، ثمّ تلاعليه‌السلام قول الله عزّوجلّ :( السَّلَامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ )

٢٢

وعن الباقرعليه‌السلام قال: (إنّ الله يحبُّ إفشاء السلام)(١)

وعن الصادقعليه‌السلام قال: (البادي بالسّلام أولی بالله ورسوله)(٢) ، إلی غير ذلك ممّا لا يحصیٰ(٣) فإن قال قائلٌ : أوليسَ حياةُ الـمُـسلَّمِ عليه وحضوره وقربه شروطاً لصحّة التسليم، فما معناه في هذه الزيارات ؟

قلتُ : بلی، والكلّ متحقّق بالنسبة إلی آل الله(٤) المعصومين، فإنّهم أحياءٌ عند ربّهم(٥) في بساط القرب وعرش القُدس يرزقون بموائد العلم والمعرفة فيُطعمون بألوان أطعمة الروحانيّين، ويسقون من كأس المقرّبين، يروْن مقام شيعتهم، ويسمعون كلامهم، ويردّون سلامهم كما في الزيارة الرضويةعليه‌السلام (٦)

________________________

١ ـ أصول الكافي : ج ٢، ص ٦٣٨، ح ٥

٢ ـ نفس المصدر : ص ٦٣٩، ح ٨

٣ ـ روی الكلينيرحمه‌الله في الكافي ج ٢، ص ٤٧٢، ح ١٢، ط المكتبة الإسلامية عن هارون بن خارجة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: (مِنَ التواضع أنْ تُسلّم علی مَنْ لقيتَ)

وأيضاً روی الطبرسي رحمه‌الله في مجمع البيان ج ٣، ص ١٠٨ ـ ط بيروت عن مالك بن التيهان قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (مَن قال السّلامُ عليكم كُتبَ له عشر حسنات، ومَن قال السّلامُ عليكم ورحمة الله كُتِبَ له عشرون حسنة، ومَن قال السّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته كُتِبَ له ثلاثون حسنة)

٤ ـ هذه العبارة (آلُ الله) وردت في زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام في النصف من رجب، راجع مفاتيح الجنان ص ٥٣٧

٥ ـ هذه إشارة إلی قوله تعالی في سورة آل عمران آية (١٦٩) :( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )

٦ ـ وهي إحدی زيارات الإمام الرضاعليه‌السلام التي لم يذكرها الشيخ عبّاس القمّي في

٢٣

ويدلُّ عليه من العقل براهين ساطعة، ومِن النقل أخبارٌ كثيرة لائحة يطول يطول المختصر بذكرها(١) ، وقد كفاك شاهداً علی هذا ما في الزيارة الجامعة

مفاتيحه وإنّما ذكرها صاحب ضياء الصالحين ص ٢٦٧

وهي : «السّلامُ عَلَيكَ يا مولايَ وابن مولاي وَرَحمةُ اللهِ وبركاته أشهدُ باللهِ أنّكَ تشهدُ مَقامي وتسمع كلامي وَتَردّ سلامي وأنتَ حيٌّ عند ربّكَ مَرزوقٌ ...»

وأيضاً هذا المعنی ورد في زيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام في ميلاد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي : ( . أشهدُ أنّك تسمعُ كلامي، وتشهدُ مقامي .)

١ ـ ومن الأخبار والروايات التي تؤكّد علی أنّهمعليهم‌السلام أحياء، عليكَ بمراجعة كتاب بصائر الدرجات لابن الصفّار القمّي ص ٢٨٢ ـ وص ٤٢٤ باب الأعمال تعرض علی رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام ومن المعلوم والواضح لو لم يكونواعليهم‌السلام أحياءً ما تُعرض عليهم أعمال العباد، وعرض الأعمال من شأن الأحياء لا الأموات، ومن هذه الروايات :

أ ـ (عن الحسن بن علي الوشاء عن أحمد بن عمير عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سأل عن قول الله عزّوجلّ :( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) قال: إنّ أعمال العباد تُعرض علی رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلُّ صباح أبرارها وفجّارها فاحذروا)

ب ـ (عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: الأعمال تعرض كلَّ خميس علی رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليهما

وأيضاً ممّا يدلّ علی أنّ الأئمّةعليه‌السلام أحياءٌ هو ما نطقت به الروايات التي صرّحت بزيارتهمعليهم‌السلام للموتی وأنّ الموتیٰ يزورونهم، وفي هذا الخصوص عقد صاحبُ البصائر باباً مستقلّاً ص ٢٧٤ منها :

«عن أبان بن تغلب عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لقي أبابكر فاحتجّ عليه ثمّ قال له : أما ترضیٰ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيني وبينكَ ؟ قال: فكيف لي به فأخذ بيده

٢٤

(ورضيكم خلفاء(١) في أرضه وحججاً علی بريّته)(٢) إلی قوله (وشهداء علی خلقه وأعلاماً لعباده ومناراً في بلاده)(٣) وكذا ما فيها أيضاً (أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء(٤) والرحمةُ الموصولة والآية المخزونة .)(٥)

وأتیٰ مسجد قبا فإذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه فقضیٰ علی أبي بكر فرجع أبو بكر مذعوراً فلقي عمر فأخبره فقال : مالكَ أما عَلِمتَ سحر بني هاشم»

«عن عباية الأسدي قال: دخلتُ علی أمير المؤمنين عليه‌السلام وعنده رجل رثّ الهيئة وأمير المؤمنين عليه‌السلام مقبل عليه يكلِّمه فلمّا قام الرجل قلتُ : يا أمير المؤمنين عليه‌السلام مَن هذا الذي أشغلكَ عنّا ؟ قال: هذا وصيّ موسیٰ عليه‌السلام » وهناك سيل من الروايات

١ ـ (عن الجعفري قال: سمعتُ أبا الحسن ـ الرضاعليه‌السلام ـ يقول: الأئمّة خلفاء الله عزّوجلّ في أرضه) راجع الكافي ج ١، ح ١، باب أنّ الأئمّة خلفاء الله

٢ ـ (عن عبدالله بن أبي يعفور قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يابن أبي يعفور إنّ الله واحد متوحِّد بالوحدانية، متفرِّد بأمره، فخلق خلقاً فقدّرهم لذلك الأمر فنحن هم يابن أبي يعفور فنحن حجج الله في عباده، وخزّانه علی علمه، والقائمون بذلك) راجع الكافي ج ١، ح ٥ باب الأئمّة ولاة أمر الله وخزنة علمه)

٣ ـ راجع شرح هذه الجملة من الزيارة الجامعة في الأنوار اللامعة للسيّد الجليلرحمه‌الله عبدالله شبّر ص ١١٣ ـ ط، مكتبة الأمين

٤ ـ عن الإمام الصادق والباقرعليهما‌السلام قالا : (والله لنشفعنّ في المذنبين من شيعتنا حتّی يقول أعداؤنا :( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ... ) ، راجع تفسير البرهان ج ٣، ص ١٨٧، ح ١

٥ ـ قال العلّامة المرحوم عبدالله شبّر في شرحه لهذه الجملة في الأنوار اللامعة ص ١٣٨ : (أي هم علامات قدرة الله تعالیٰ وعظمته ولكن معرفة ذلك كما ينبغي

٢٥

وكذا ما في حديث النورانية «يا سلمان إنّ ميّتنا إذا مات لم يمت ومقتولنا إذا قُتِل لم يُقتل، وغائبنا إذا غابَ لم يَغب ولا نلد ولا نولد ولا في البطون ولا يُقاس بنا أحد من الناس .»(١)

وما ورد من التسليم علی أهل القبور(٢) ممّا يرفع الاستبعاد المذكور فإنّ المخاطب به هو أرواحهم الباقية، ونفوسهم الناطقة التي خُلِقت للبقاء دون أجسادهم البالية التي يعرضها التلاشي والفناء، فإذا صحّ التسليم علی مَن هذا حاله، فكيف يُنكر صحّته بالنسبة إلی المعصومين الذين لا تُفنی أرواحهم، ولا تُبلی أجسادهم(٣) المصونة عند عرش الله العظيم فإنّ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا )

مخزونة إلّا عن خواص أوليائهم وفيه إشارة إلی أنّ الآيات هم الأئمّة الهداةعليهم‌السلام وقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما لله آية أكبر منّي)

١ ـ أخرج هذا الحديث الحافظ رجب البرسي في مشارق أنوار اليقين ص ٢٥٧، ط بيروت الأعلمي وهذا الحديث هو مقطع من خطبةٍ للإمام عليّعليه‌السلام

٢ ـ روي بسندٍ صحيح عن عبدالله بن سنان قال: قلتُ للصادقعليه‌السلام : كيف أُسلِّم علی أهل القبور ؟ قالعليه‌السلام : نعم، تقول : «السلام علی أهل الدِّيار من المؤمنينَ والمسلمينَ أنتم لنا فَرطٌ ونحن إنْ شاء الله بكم لاحقُونَ»

وروی المحدِّث القمّي في مفاتيح الجنان ص ٦٨٨ عن محمّد بن مسلم قال: قلت للصادق صلوات الله وسلامه عليه : (نزور الموتی ؟ قال: نعم قلت : فيعلمون بنا إذا أتيناهم ؟ قال: إي والله ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم)

٣ ـ روی الصفّار في كتاب بصائر الدرجات ص ٤٤٣، ح ١ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: (قال النبيّ يوماً لأصحابه : حياتي خيرٌ لكم ومماتي خيرٌ لكم

قال : فقالوا : يارسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا حياتك نعم، قالوا : فكيف مماتك ؟ فقال : إنّ الله

٢٦

وَجْهَهُ ) (١) وقد ورد تفسيره(٢) بهمعليهم‌السلام ، فهم الباقون بعد فناء الأشياء،( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) (٣)

وروی في البصائر بسنده عن الباقرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه : حياتي خيرٌ لكم تُحدّثون ونحدّث لكم، ومماتي خيرٌ لكم تعرض عليَّ أعمالكم

حرّم لحومنا علی الأرض أنْ يُطعم منها

وأيضاً في نفس المصدر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ الله حرّم لحومنا علی الأرض فلا يطعم منها شيئاً)

١ ـ القصص : ٨٨

٢ ـ أي تفسير الوجه المذكور بالآية الشريفة فسّروه بالأئمّةعليهم‌السلام كما في تفسير القمّي ج ٢، ص ١٢٤، ط الأعلمي في تفسير هذه الآية الشريفة حيث قال: عن أبي حمزة، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله :( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) قال: فيفنی كلُّ شيءٍ ويبقی الوجه ؟ الله أعظم من أنْ يوصف، لا، ولكن معناها كلُّ شيءٍ هالك إلّا دينه ونحن الوجه الذي يؤتی الله منه، لم نزل في عباده ما دام الله له فيهم روبة، فإذا لم يكن له فيهم روبة فرفعنا إليه ففعل بنا ما أحبّ، قلتُ : جُعِلتُ فداك وما الروبة ؟ قال: الحاجة

وأيضاً روی أبو جعفر الصفّار في كتابه بصائر الدرجات ص ٦١ ج ٢، ط : مكتبة المرعشي روايةً علی أنّ الأئمّةعليهم‌السلام هم وجه الله تعالی وهي :

(عن محمّد بن حمران عن أسود بن سعيد قال: كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام فأنشأ يقول ابتداءً من غير أن يُسأل : نحن حجّة الله ونحن باب الله، ونحن لسان الله، ونحن وجه الله، ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة أمر الله في عباده)

٣ ـ الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧ وروی القمّي في تفسيره ج ٢، ص ٣٢٣، ط الأعلمي في تفسيره لهذه الآية قال:( وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ) دين ربّك، وقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : نحن الوجه الذي يؤتی الله منه

٢٧

فإنْ رأيتُ حسناً جميلاً حمدتُ الله علی ذلك، وإنْ رأيتُ غيرَ ذلك استغفرتُ الله لكم)(١)

وكيف كان فعلی الزائر أنْ يذعن بحياتهمعليهم‌السلام وحضورهم، وإحاطة علمهم بأحوال شيعتهم، وأطوارهم وحركاتهم وسكناتهم وجميع تنقّلاتهم(٢) فليراع الأدب عند زيارتهم، وليكن بين يديهم خاشعاً خاضعاً ضارعاً مسكيناً مستكيناً كالعبد الذليل الواقف بين يدي مولاه الجليل، كيف وهم موالي الخلق والخلق كلّهم عبيد لهم عبيد الطاعة كما في بعض الأخبار، بل عبيد الرق كما عن بعض الأخبار

بقي الكلام في مواضع ثلاثة :

الأوّل : في تفسير السلام فقد اختلفت فيه أقاويل الأعلام علی وجوه :

منها : إنّه مأخوذ من سلم الآفات سلامةً أي سلمت من المكاره والآفات(٣) وإليه يرجع ماقيل من أنّه دعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدُّنيا وعذاب الآخرة وضعه الشارع موضع التحية والبشریٰ بالسلامة وكذا ماقيل من أنّه من السلامة من الأذی(٤)

________________________

١ ـ بصائر الدرجات : ص ٤٤٤، ح ٤، ط : مكتبة المرعشي

٢ ـ عن محمّد بن مسلم قال: سألته عن الأعمال هل تُعرض علی النبيّ ؟ قال: ما فيه شك، قلت له : أرأيتَ قول الله تعالی :( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) قال: إنّهم شهود الله في أرضه

وأيضاً عن بُريد العجلي قال: كنتُ عند أبي عبداللهعليه‌السلام فسألته عن قوله تعالی :( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) قال: إيّانا عنی

راجع بصائر الدرجات : ص ٢٢٤ وص ٤٢٧، ط مكتبة المرعشي النجفي

٣ ـ راجع لسان العرب ج ٦، ص ٣٤٣، ط : بيروت

٤ ـ نفس المصدر

٢٨

كما في قوله :( فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) (١) أي لايؤذونكَ كما يؤذيكَ غيرهم وأنت خبير بأنّ هذا المعنی لا يُناسب المقام إلّا أنْ يتكلّف بجعله دعاء لشيعته ومحبّيه

ومنها : إنّه مأخوذ من السلام الذي هو اسم من أسماء الله(٢) كما قال:( السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ ) (٣) ، وقال :( لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ ) (٤) أي دار الله علی أحد الوجهين سُمّي به لسلامته وتنزهه عن نقائص الإمكان، أو لأنّ أفعاله صواب وسداد لا يعتريها النقصان، أو لأنّه مسلم ومؤمن لكلّ مَن التجأ إلی ما به من مكاره الحدثان، وحافظ علی كلّ مَن توجّه إلی جنابه بوسيلة الإيمان، فالمعنی : اللهُ عليك أي حافظ لأسرارك المستترة، وعلومك المكنونة المخزونة من أنْ تنالها أيدي الجهلة أو عاصم لك من الرِّجس والسهو والخطأ، ومن كلّ ما يكره من المعائب والنقائص، وقد يقال : إنّ المراد اسم السلام عليكَ أي اسم الله عليك فإن أُريد به ما ذُكِر وإلّا فلا معنی له ولذا حملوا قول الشاعر اسم السلام عليكما علی الزيادة، وربما يتكلّف لتصحيحه بما لا حاجة إليه

ومنها : إنّه من السلم وهو الصلح كما قال:( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ) (٥) ، وقال : ________________________

١ ـ الواقعة : ٩١

ـ أي السلام

٢ ـ لسان العرب : ج ٦، ص ٣٤٣

٣ ـ سورة الحشر : ٢٣

٤ ـ سورة الأنعام : ١٢٧ راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ج ٤، ص ٤٥٣ ط : التاريخ العربي

٥ ـ سورة الأنفال : ٦١، وذيل الآية الشريفة :( فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )

٢٩

(إنّي سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمَن حاربكم)(١) أي مسالم، فهذه الكلمة للائذان بالمسالمة وترك المحاربة، وقد كانوا يؤمنون بها مَن يخاف شرّهم ومكيدتهم

ومنها : إنّه من التسليم فهو إمّا بشری له(٢) بما بشّره الله به من السلطنة الكاملة والغلبة علی الأعداء في زمان الرجعة)(٣) ، أو إيذان بأنّه مُسلِّم ومفوّض له جميع أموره مطيع له في جميع أوامره ونواهيه، ومؤمن بسرّه وعلانيّته، كما في الزيارة الجامعة : «مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم(٤) وشاهدكم وغائبكم وأوّلكم وآخركم، ومفوِّض في ذلك كلّه إليكم(٥) ، ومسلِّم فيه معكم وقَلْبي لكم مُسلِّم ورأيي لكم

________________________

١ ـ لقد وردت هذه العبارة في زيارة عاشوراء المقدّسة المرويّة عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وأيضاً وردت في أحاديث كثيرة منها قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام : (إنّي سلمٌ لمَن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم)

وبهذا الشأن راجع أمالي الشيخ المفيد ص ٢١٣، ط : جامعة المدرّسين، ومشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٣١، وص ٥٣، ط : الأعلمي

٢ ـ أي للإمام الحسينعليه‌السلام

٣ ـ راجع تفسير القمّي ج ١، ص ٣٨٧، ط : بيروت، وتفسير العياشي : ج ٢، ص ٢٥٩ و ٢٦٠، ح ٢٨، وتفسير البرهان للبحراني ج ٢، ص ٣٦٨ ح ١، وكتاب الرجعة للأسترآبادي

٤ ـ أي بما استتر عن أكثر الخلق من غرائب أحوالكم وبما عُلِن منها أو مؤمن باعتقاداتكم السرنية وبأعمالكم وأقوالكم العلانية

٥ ـ أي لا اعتراض عليكم في شيءٍ من أُموركم بل أعلم أنّ كلّما تأتون به فهو بأمره تعالی أو المعنی أُسلِّم جميع أموري إليكم لكي تصلحوا خللها وفاسدها، فإنّ

٣٠

تَبعٌ ونُصرَتي لكم مُعدَّةٌ حتّی يُحييَ الله تعالی دينَهُ بكم، ويردَّكم في أيّامه، ويُظهركم لعدلِهِ، ويُمكِّنكم في أرضه، فمعكُم معكُم(١) لا مع عدوّكم ...»

ويؤيّد الأوّل(٢) : ما روي عن داود بن كثير الرقي، قال: قلتُ : ما معنی السلام علی الله وعلی رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال : إنّ الله لـمّا خلق نبيّه ووصيّه وابنيه وابنته وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق، وأنْ يصبروا ويصابروا وأن يتّقوا الله، ووعدهم أنْ يسلم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن، وأنْ ينزل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع وينجيهم من عدوّهم والأرض التي يبدّلها من دار السلم ويسلّم ما فيها لهم ولا شبهة فيها ولا خصومة فيها لعدوّهم وأن يكون لهم فيها ما يحبّون وأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علی الأئمّة وشيعتهم الميثاق بذلك وإنّما عليه أن يذكره نفس الميثاق وتجديد له علی الله لعلّه أن يعجله ويعجل المسلم لهم بجميع ما فيه(٣)

ويؤيّد الثاني(٤) : ما في جملة من التفاسير من أنّ المراد بقوله : «ويُسلِّموا تسليماً» في قوله :( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا

أعمال الخلائق تعرض عليهم، كما روي عن مولانا الصادقعليه‌السلام قال :

(تُعرض الأعمال علی رسول الله أعمال العباد كلّ صباحٍ أبرارها وفجّارها فاحذروها وهو قول الله تعالی : ( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ) (راجع أصول الكافي ج ١، ح ١، باب عرض الأعمال علی النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة)

١ ـ أي معكم بالقلب واللسان أو في الدُّنيا والرجعة أو في الدُّنيا والآخرة

وللزيادة راجع شرح الزيارة الجامعة للعلّامة شبر ص ١٦٥ ـ ١٦٦، ط : مكتبة الأمين

٢ ـ وهو أنّ السلام مأخوذ من السلم من الآفات والمكاره

٣ ـ الكافي، ج ١ ص ٤٥١

٤ ـ وهو أنّ السلام مأخوذ من السلام وهو من أسماء الله تعالی

٣١

يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (١)

هو السلام عليك أيّها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الطريحي : واستصوبه بعض الأفاضل لقضية العطف، ولأنّه المتبادر إلی الفهم عرفاً

وروی الكاهلي(٢) عن الصادقعليه‌السلام أنّه تلا هذه الآية فقال : لو أنّ قوماً عبدوا الله ووحّدوه، ثمّ قالوا لشيء صنعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو صنع كذا وكذا ووجدوا ذلك في أنفسهم كانوا بذلك مشركين، ثمّ قال:( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ) قال: هو التسليم في الاُمور(٣)

وعنه(٤) عليه‌السلام في قوله الله تعالی :( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) (٥) قال : هم الأئمّة(٦) ، ويجري فيمن استقام من شيعتنا وسلّم لأمرنا، وكتم حديثنا

________________________

١ ـ النساء : ٦٥

٢ ـ هو عبدالله بن يحيی أبو محمّد الكاهلي عربي، روی عن أبي عبدالله الصادق وأبي الحسن الكاظمعليهما‌السلام ، وكان وجهاً عند الإمام الكاظم، ووصّیٰ به علي بن يقطين فقال له : (اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنّة) راجع رجال النجاشي ص ٢٢١ رقم ٥٨٠

٣ ـ بصائر الدرجات : ص ٥٢٠، الجزء العاشر، ح ٣، ط : المرعشي النجفي

٤ ـ أي عن الإمام الصادقعليه‌السلام

٥ ـ سورة فصلت : ٣٠

٦ ـ أخرج القمّي في تفسيره ج ٢، ص ٢٣٧، ط : الأعلمي في تفسير هذه الآية( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) قال: علی ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام

وأخرج الطبرسي في تفسيره مجمع البيان ج ٩، ص ١٧، ط : مؤسسة التاريخ العربي، ونور الثقلين ج ٤، ص ٥٤٧، ح ٤٣، (عن محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الاستقامة فقال : هي والله ما أنتم عليه)

٣٢

عند عدوّنا(١)

وعن الباقرعليه‌السلام قال: (قد أفلح المسلّمون، إنّ المسلّمين هم النجباء)(٢)

وعنهعليه‌السلام : (إنّ الإمام هادٍ مهدي لا يدخله الله في عماء ولا يحمله علی هيئة ليس للناس النظر في أمره ولا التبختر عليه وإنّما أُمروا بالتسليم)(٣)

وأخبار التسليم لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كثيرة(٤)

ومنها(٥) : إنّ هذه الجملة(٦) قد صارت حقيقيّة عرفية في إنشاء الثناء

________________________

١ ـ تجد هذه الرواية في بصائر الدرجات ص ٥٢٤، ح ٢٢ وهذه تكملة الرواية : ( فتستقبلهم الملائكة بالبشریٰ من الله بالجنّة وقد والله مضی أقوامٌ كانوا علی مثل ما أنتم عليه من الذين استقاموا وسلّموا لأمرنا وكتموا حديثنا ولم يذيعوه عند عدوّنا ولم يشكّوا كما شككتم فاستقبلهم الملائكة بالبشری من الله بالجنّة

٢ ـ اُنظر بصائر الدرجات ص ٥٢٠ الجزء العاشر، وتفسير البرهان ج ٤، ص ٥٤٩، ح ١١

٣ ـ بصائر الدرجات ص ٥٢٣، الجزء العاشر، ح ٢١

٤ ـ مَن أراد الوقوف علی أخبار وروايات التسليم لآل محمّدعليهم‌السلام عليه بمراجعة كتاب بصائر الدرجات حيث عقد باباً مستقلّاً تحت عنوان (التسليم لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما جاء عندهم) تجده في الجزء العاشر من الكتاب ص ٥٢٠، ط : المرعشي النجفي وسوف نذكر روايتين خوفاً من الإطالة والاطناب :

روی عن جميل بن درّاج عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: (إنّ من قرّة العين التسليم إلينا أن تقولوا لكلّ ما اختلف عنّا أنْ تردوا إلينا)

وأيضاً عن صفوان عن داود بن فرقد عن زيد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: (تدري بما أُمروا، أُمِروا بمعرفتنا والردّ إلينا والتسليم لنا)

٥ ـ أي من الأقوال التي ذكرها الأعلام في معنی السلام وهو المعنی الخامس

٦ ـ أي جملة (السّلامُ عليكَ)

٣٣

والتمجيد نظير جملتي الصلاة والتحميد، فيجري فيها ما ذكروه في الحمد لله من الأصل، والعدول عنه إلی الجملة الإسمية للدلالة علی الدوام وغير ذلك من الاحتمالات في اللام وتفصيل الكلام لا يليق بالمقام(١)

الموضع الثاني في تفسير كونه عليه السّلام وارثاً للأنبياء والأوصياء

فاعلم إنّ الوارث هو الذي يبقیٰ بعد موت آخر مع استحقاقه لتركته بقيامه مقامه، ونزوله في منزلته فكأنّه هو(٢) ، وسُمِيَ تعالی بالوارث، لأنّه باقٍ بعد فناء الأشياء(٣) ، ولأنّه يرث الأرض ومَن عليها وهو خير الوارثين، والمؤمنون هم الوارثون لأنّهم يرثون منازل الكفّار في الجنّة، أو لأنّهم يمكَنْون في الأرض في زمان الرجعة كما قال تعالیٰ :( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (٤)

وفي الدُّعاء : (واجعلهما ـ أي السمع والبصر ـ الوارثين منّي، أي ابقهما صحيحين إلی زمان الموت بعد ضعف جميع أعضائي)(٥) ، وكونهعليه‌السلام وارثاً

________________________

١ ـ راجع تفسير (الفرقان في تفسير القرآن للشيخ الدكتور محمّد الصادقي) ج ١، ص ٨٩، ط : طهران

٢ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٦٥٤ ط : دار الهجرة

٣ ـ إشارة إلی قوله تعالی في سورة الرحمان (الآية ٢٦ و ٢٧) :( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )

٤ ـ الأنبياء : ١٠٥

٥ ـ بحار الأنوار، ج ٨٣، ص ١٣٠، باب ٤٣ ـ التعقيب المختص بصلاة الفجر، وإليك نصّه : «كان رسول الله صلی الله عيله وآله إذا صلی الغداة قال: اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارثين مني وأرني ثاري في عدوّي»

٣٤

للأنبياء كسائر الأئمّة النقباء ممّا لا ريب فيه، والأخبار والزيارات(١) مشحونة بذلك كما لا يخفیٰ علی المتتبّع فيها

وروي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: إنّ العلماء ورثة الأنبياء وذلك أنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنّما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم فمَن أخذ بشيءٍ منها فقد أخذ حظّاً وافرا(٢)

وقد فسّر العلماء في بعض الأخبار بأئمّتنا الأبرارعليهم‌السلام (٣)

ولا يُنافي ذلك ما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث)(٤) أي لا نبقي الميراث لأحدٍ أو لا يرث أحدٌ منّا، لضعفه أوّلاً بروايته من غير طرقنا، ومخالفته للآيات القرآنية(٥) ، والأخبار الكثيرة، وقد وضعوا هذا الخبر ليحرموا ________________________

١ ـ منها زيارتهعليه‌السلام في النصف من رجب : (... السلامُ عليكَ ياوارث علم الأنبياء السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبيّ الله ...)

ومنها زيارته في يوم عرفة : (السلامُ عليك ياوارث آدم صفوة الله، السلامُ عليك يا وارث نوح نبيّ الله . السلامُ عليك يا وارث محمّدٍ حبيب الله ...)

٢ ـ راجع بصائر الدرجات ص ١١، ح ٣، ط : مكتبة المرعشي النجفي وهذه تتمّة الحديث (فانظروا علمكم هذا عمّنْ تأخذونه فإنّ فينا في كلِّ خلفٍ عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين

٣ ـ راجع المصدر نفسه

٤ ـ أخرجه البخاري ج ٣ ص ٧ في غزوة خيبر ؛ صحيح مسلم ج ٢، ص ٧٢ باب قول النبيّ : لا نورّث، ما تركنا فهو صدقة من كتاب الجهاد والسير ؛ مسند أحمد ج ١ ص ٦

٥ ـ إنّ مسألة توريث الأنبياء منصوص عليها بعموم القرآن مثل قوله تعالی :( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) النساء : ٧

٣٥

وقوله تعالی :( يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) النساء : ١١

قال السيّد عبد الحسين شرف الدِّين في كتابه النصّ والاجتهاد ص ٥٥، المورد السابع : «كلّها ـ أي آيات المواريث ـ عامّة تشمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن دونه من سائر البشر فهي علی حدّ قوله عزّوجلّ :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) وقوله :( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ ) ونحو ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكلُّ مكلّف من البشر، لا فرق بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبينهم، غير أنّ الخطاب فيها متوجّه إليه ليعمل به وليبلّغه إلی مَن سواه فهو من الحيثيّة أولی في الالتزام بالحكم من غيره» وأيضا ممّا يدلّ علی الإرث قوله تعالی في خبر زكريا :( إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )

ولابدّ من حمل الإرث في هذه الآية علی إرث المال دون النبوّة وشبهها حملاً للفظ يرثني من معناه الحقيقي المتبادر منه إلی الأذهان، إذ لا قرينة هنا علی النبوّة ونحوها، بل القرائن في نفس الآية متوفّرة علی إرادة المعنی الحقيقي دون المجاز وأيضاً قوله تعالی في سورة النمل :( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ )

وإنّ هذه الآيتين الأخيرتين صريحتان علی توريث الأنبياءعليهم‌السلام ، واستدلّت فاطمة الزهراء عليها‌السلام بهاتين الآيتين في خطبتها، حيث قال السيّد شرف الدِّين في النص والاجتهاد ص ٦٣ : (ولعمري أنّها عليها‌السلام أعلم بمفاد القرآن ممّن جاءوا متأخِّرين عن تنزيله، فصرفوا الإرث هنا إلی وراثة الحكمة والنبوّة دون الأموال، تقديماً للمجاز علی الحقيقة بلا قرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي المتبادر منه بمجرّد الإطلاق وهذا ممّا لا يجوز)

٣٦

فاطمةعليها‌السلام عن ميراث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ومحاجّة عليّعليه‌السلام معهم في ذلك معروفة(١) ، وتأويله ثانياً : بأنّ المراد عدم توريث متاع الدُّنيا بشأن النبوّة لاقتضائه توريث العلوم والمعارف خاصّة، وهذا لا يُنافي توريثهم إيّاه بشأن البشرية، فإنّ لكلٍّ من الشأنين خواص ليست للآخر، هذا مع أنّ الغرض إثبات الوارثية في الجملة، وهو ممّا لم ينكره أحد، وأمّا معنی كونهمعليهم‌السلام ورثة للأنبياء فيحتمل وجوهاً :

منها : إنّهم ورثوا ما أعطاهمعليهم‌السلام من العلوم والمعارف والأسرار فعلموه كما علموه، فإنّ العلم لا يموت بموت العالم، بل يصير إلی عالمٍ آخر، وقد قال الباقرعليه‌السلام : «إنّ عليّاًعليه‌السلام عالم هذه الاُمّة، والعلم يتوارث ولا يهلك أحدٌ منّا إلّا تركَ من أهله مَن يعلم مثل علمه أو ما شاء الله»(٢)

وروي أيضاً في باب (أنّ الأئمّةعليهم‌السلام ورثوا علم آدمعليه‌السلام وجميع العلماء) بسنده عن الفضل بن يسار قال: (سمعتُ أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: إنّ العلم الذي هبط مع آدم لم يُرفع، وأنّ العلم يتوارث وما يموت منّا عالمٌ حتّى يخلفه من أهله مَن يعلم علمه أو ما شاء الله)(٣)

وبسنده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: (كانت في عليّعليه‌السلام سنّة ألف نبيّ، وقال : إنّ العلم الذي نزل مع آدم لم يُرفع، وما ماتَ عالمٌ فذهب علمه، وأنّ العلم ليتوارث [و] أنّ الأرض لا تبقیٰ بغير عالم)(٤)

________________________

١ ـ راجع الاحتجاج للطبرسي ج ١، ص ٩٠ ـ ٩٣

٢ ـ رواه الصفّار في بصائر الدرجات ج ٣، ص ١١٨، ح ٤ في باب (العلماء إنّهم يرثون العلم بعضهم من بعض ولا يذهب العلم من عندهم)

٣ ـ نفس المصدر : ص ١١٤، ح ١

 ـ الواو في المصدر غير موجودة

٤ ـ بصائر الدرجات : ص ١١٤، ح ٢

٣٧

وبسنده عنهعليه‌السلام أيضاً قال: (يمصّون الصماء ويدعون النّهر العظيم، قيل له : ومَن النهر العظيم ؟ قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والعلم الذي أتاه الله، أنّ الله جمع لمحمّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله سنن النبيّين من آدم هلّم جرّا إلی محمّد، قيل له : وما تلك السنن ؟ قال : علم النبيّين بأسره، وأنّ الله جمع لمحمّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله علم النبيّين بأسره، وأنّ رسول الله صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له الرجل : يابن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أو بعض النبيّين ؟ فقالعليه‌السلام (١) : اسمعوا ما نقول : إنّ الله يفتح مسامع مَنْ يشاء، أنّي حدّثتُ أنّ الله جمع لمحمّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله علم النبيّين، وأنّه جعل ذلك كلّه عند أمير المؤمنين، وهو يسألني هو أعلم أم بعض النبيّين)(٢)

وبسنده أيضاً عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام قال: قلتُ له : جعلت فداك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ورث علم النبيّين كلّهمعليهم‌السلام ؟

قال لي : نعم قلت : من لدن آدم إلی أن انتهی إلی نفسه ؟ قال: نعم قلت : ورثهم النبوّة وما كان في آبائهم من النبوّة والعلم ؟ قال: ما بعث الله نبيّاً إلّا وقد كان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم منه قال: قلتُ : إنّ عيسی بن مريم كان يُحيي الموتیٰ بإذن الله قال: صدقت وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير قال ؛ وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقدر علی هذه المنازل(٣)

________________________

 ـ في مصدر الرواية (الثماد) بدل (الصماء) والثماد هو الماء الذي لا مادّة له

١ ـ في المصدر (فقال أبو جعفرعليه‌السلام ) بدل من (فقالعليه‌السلام )

٢ ـ بصائر الدرجات : ص ١١٧، ح ١٢

٣ ـ الشارحرحمه‌الله ما نقل الرواية بتمامها وإنّما ذكر صدرها وذيلها ونحن نذكر المقطع الذي لم يذكره : (علی هذه المنازل فقال : إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره مالي لا أری الهدهد أم كان من الغائبين وكانت المردة والريح والنمل

٣٨

إلی أن قال: فقد ورثنا نحن هذا القرآن، فعندنا ما يقطع به الجبال ويقطع به البلدان ويحيي به الموتی بإذن الله، ونحن نعرف ما تحت الهواء(١)

إلی أن قال: إنّ الله يقول:( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (٢) ثمّ قال(٣) :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (٤) فنحن الذين اصطفانا الله، فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كلّ شيء(٥)

وروي أيضاً في باب أنّ الأئمّة ورثوا علم أُولي العزم من الرُّسل وجميع الأنبياء، وأنّهم أُمناء الله في أرضه وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب العرب(٦)

والإنس والجنّ والشياطين له طائعين وغضب عليه فقال : لأعذّبنّه عذاباً شديداً أو لأذبحنّه أو ليأتيني بسلطانٍ مبين، وإنّما غضب عليه لأنّه كان يدلّه علی الماء، فهذا وهو طير قد أُعطی ما لم يعطَ سليمان وإنّما أراده ليدلّه علی الماء فهذا لم يعط سليمان وكانت المردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكانت الطير تعرفه، أنّ الله يقول في كتابه :( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ) (الرعد : ٣١)

١ ـ أيضاً الشارح هنا لم يكمل الرواية ونحن سوف نكملها : ( الهواء وإن كان في كتاب الله لآياتٍ ما يُراد بها أمرٌ من الاُمور التي أعطاه الله الماضين النبيّين والمرسلين إلّا وقد جعله الله ذلك كلّه لنا في أُمّ الكتاب، إنّ الله تبارك وتعالی يقول .)

٢ ـ النمل : ٧٥

٣ ـ في مصدر الرواية هكذا (ثمّ قال عزّوجلّ ...)

٤ ـ فاطر : ٣٢

٥ ـ بصائر الدرجات : ص ١١٤، ح ٣

٦ ـ راجع بصائر الدرجات ج ٣، ص ١١٨ الباب الثاني

٣٩

وبسنده عن عبد الرحمان بن أبي نجران(١) قال: كتبَ أبو الحسن الرضاعليه‌السلام رسالةً وأقرأنيها قال: قال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : إنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أمينُ الله في أرضه فلمّا قُبض محمّدٌصلى‌الله‌عليه‌وآله كنّا أهل البيت ورثته ونحن أُمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق(٢) إلی أنْ قال: نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أُولي العزم من الرُّسل(٣)

وبسنده عن الباقرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ أوّل وصيّ كان علی وجه الأرض هبة الله بن آدم وما من نبيّ مضیٰ إلّا وله وصيّ، لأنّ عدد جميع

________________________

١ ـ هو عمرو بن مسلم التميمي مولیً كوفي رویٰ عن الرضاعليه‌السلام ، وكان عبد الرحمان ثقة ثقة معتمداً علیٰ ما يرويه راجع رجال النجاشي ص ٢٣٥ (٦٢٢)

٢ ـ هذه تكملة الرواية : ( وحقيقة النفاق وأنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم أخذ اللهُ علينا وعليهم الميثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء ونحن أبناء الأوصياء ونحن المفرحون في كتاب الله ونحن أولی الناس بالله ونحن أولی الناس بكتاب الله ونحن أولی الناس بدين الله ونحن الذين شرع لنا دينه فقال في كتابه شرع لكم يا آل محمّد من الدِّين ما وصّی به نوحاً، وقد وصّانا بما أوصی به نوحاً والذي أوحينا إليك يا محمّد وما وصّينا به إبراهيم وإسماعيل وموسیٰ وعيسیٰ وإسحاق ويعقوب فقد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم، نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أولي العزم من الرُّسل أنْ أقيموا الدِّين يا آل محمّد ولا تفرّقوا فيه وكونوا علی جماعة كبر علی المشركين مَنْ أشرك بولاية علي ما تدعوهم إليه من ولاية عليّ أنّ الله يا محمّد يهدي إليه مَنْ يُنيب من يُجيبكَ إلی ولاية عليّعليه‌السلام

٣ ـ بصائر الدرجات : ج ٣، ص ١١٨، ح ١

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

محمد الموقري قال كنا على باب الزهري اذ سمع جلبة فقال ما هذا يا وليد فنظرت فاذا رأس زيد يطاف به بيد اللعابين فاخبرته فبكى وقال أهلك اهل هذا البيت العجلة قلت ويملكون قال نعم حدثني علي ابن الحسين عن ابيه ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة ابشري المهدي منك ( وقول ) ما اهلك اهل هذا البيت العجلة ولا نفعهم الا بطء وانما اهلكهم يوم معلوم مشهور كان السبب الاول لغصب حقوقهم وسفك دمائهم وان يحكم فيهم من لهم الحكم فيه ومن اجله دفنت الزهراء سراً وفيه قتل علي بن ابي طالب لا في التاسع عشر من شهر رمضان وفيه سم الحسن وفيه اصيب الحسين كما قال القاضي ابن ابي قريعة لا في يوم عاشورا وفيه قتل زيد وابنه يحيى وعبد الله بن الحسن واهل بيته والحسين صاحب فخ وسائر آل ابي طالب. قال أبو الفرج : وامر يوسف بن عمر بزيد فصلب بالكناسة عارياً وصلب معه من اصحابه معاوية بن اسحق وزياد النهدي ونصر بن خزيمة العبسي ومكث مصلوباً اربع سنين الى ايام الوليد بن يزيد سنة ١٢٦ ( وفي رواية ان الفاختة عششت في جوفه ) فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد الى يوسف ( اما بعد ) فاذا اتاك كتابي هذا فانظر عجل اهل العراق فاحرقه وانسفه في اليم نسفاً والسلام فامر يوسف عند ذلك خراش بن حوشب فانزله من جذعه فاحرقه بالنار ثم جعله في قواصر ثم حمله في سفينة ثم ذراه في الفرات.

وقال المسعودي : ذكر ابو بكر بن عياش وجماعة ان زيداً

٨١

مكث مصلوباً خمسين شهراً عرياناً فلم ير له احد عورة ستراً من الله له وذلك بالكناسة بالكوفة فلما كان في ايام الوليد بن يزيد بن عبد الملك وظهر ابنه يحيى بن زيد بخراسان كتب الوليد الى عامله بالكوفة ان احرق زيداً بخشبته ففعل به ذلك واذري في الرياح على شاطئ الفرات قال ابن عساكر صلب عاريا فنسجت العنكبوت على عورته وقيل تدلت قطعة لحم منه فسترت عورته.

ورأى جرير بن حازم كما في مقاتل الطالبيين وتهذيب التهذيب النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام وهو متساند الى جذع زيد بن علي وهو مصلوب وهو يقول للناس اهكذا تفعلون بولدي. وقال ابن عساكر ان الموكل بخشبته رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في النوم وقد وقف على الخشبة وقال هكذا تصنعون بولدي من بعدي يا بني يا زيد قتلوك قتلهم الله صلبوك صلبهم الله فخرج هذا في الناس فكتب يوسف بن عمر الى هشام ان عجل الى العراق فقد فتنوا فكتب اليه هشام ان احرقه بالنار. وجازى الله يوسف بن عمر على سوء فعلته في دار الدنيا والعذاب الآخرة اشد وابقى فانه لما ولي يزيد بن الوليد استعمل على العراق منصور بن جهور فلما كان بعين التمر كتب الى من بالحيرة من قواد اهل الشام يأمرهم باخذ يوسف وعماله فعلم بذلك يوسف فتحير في امره ثم اختفى عند محمد بن سعيد بن العاص فلم ير رجل كان مثل عتوه خاف خوفه ثم هرب الى الشام فنزل البلقاء فلما بلغ خبره يزيد ابن الوليد وجه اليه خمسين فارساً فوجدوه بين نسوة قد ألقين عليه

٨٢

قطيفة خز وجلسن على حواشيها حاسرات فجروا برجله وأخذوه الى يزيد فوثب عليه بعض الحرس فأخذ بلحيته نتف بعضها وكانت تبلغ الى سرته فحبسه يزيد وبقي محبوساً ولاية يزيد وشهرين وعشرة ايام من ولاية ابراهيم ثم قتل في الحبس هذا مختصر ما في كامل ابن الاثير.

والتمثيل بالقتيل بعد الموت يدل على خسة النفوس وخبثها والرجل الشريف النبيل يكتفي عند الظفر بخصمه بقتله ان لم يكن للعفو موضع وتأنف نفسه ويأبى له كرم طباعه التمثيل بعدوه ولو كان من اعدى الاعداء بل لا يسلبه ثيابه ولا درعه كما فعل امير المؤمنين عليعليه‌السلام حين قتل عمرو بن عبدود واستدلت اخته بذلك على ان قاتل اخيها رجل كريم وقال له بعض الاصحاب هلا سلبته درعه فانها داوودية فقال كلا ان عمراً رجل جليل وافتخر بذلك فقال :

وعففت عن اثوابه ولو انني

كنت المجدل بزني اثوابي

ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المثلة ولو بالكلب العقور وكانت سيرة بني أمية رجالهم ونسائهم وسيرة عمالهم المقتدين بهم والمتبعين لاوامرهم التمثيل بالقتلى من اخصامهم فمثلت هند ابنة عتبة ام معاوية وزوجة ابي سفيان بقتلى احد واتخذت من آذان الرجال وآنافهم خدما وقلائد وبقرت عن كبد حمزة واخذت منها قطعة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها وسمية آكلة الاكباد وعير بنوها بذلك

٨٣

الى آخر الدهر وسموا بني آكلة الاكباد وامر امير المؤمنين عليعليه‌السلام ولده ان يفنوه ليلا ويخفوا قبره خوفا من بني امية ان ينبشوه ويمثلوا به لما علمه بما سمعه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من دولتهم ومثل دعي بني امية وابن دعيهم بمسلم بن عقيل وهاني بن عروة ومثل ابن سعد بامر الدعي ابن الدعي بالحسين سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته يوم كربلاء وباهله واصحابه ومثلوا بزيد بن علي افظع المثلة كما سمعت فدلوا بذلك على خبث سرائرهم وسوء ضمائرهم ولؤم طباعهم وخسة نفوسهم ودناءتها وبعدهم عن الشهامة ومكارم الاخلاق وسمو الصفات

ملكنا فكان العفو منا سجية

فلما ملكتم سال بالدم ابطح

وحللتم قتل الاسارى ولم نزل

نعف عن العاني الاسير ونصفح

وحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل اناء بالذي فيه ينضح

ولئن احرق هشام عظام زيد بنار الدنيا فقد سلط الله عليه وعلى اهل بيته من بني العباس من نبشهم واحرقهم بنار الدنيا واحرق الله هشاما واهل بيته لظلمهم وإلحادهم بنار الآخرة التي لا أمد لها.

قال المسعودي : حكى الهيثم بن عدي الطائي عن عمر بن هانىء قال خرجت مع عبد الله بن علي لنبش قبور بني امية في ايام ابي العباس السفاح فانتهينا الى قبر هشام فاستخرجناه صحيحاً ما فقدنا منه الاحثمة(١) انفه فضربه عبد الله بن علي ثمانين سوطاً ثم احرقه واستخرجنا سليمان من ارض دابق فلم نجد منه شيئاً الا صلبه

__________________

(١) الحثمة بسكون الثاء المثلثة ارنبة الانف.

٨٤

واضلاعه ورأسه فاحرقناه وفعلنا ذلك بغيرهما من بني امية وكانت قبورهم بقنسرين ثم انتهينا الى دمشق فاستخرجنا الوليد بن عبد الملك فما وجدنا في قبره قليلا ولا كثيراً واحتفرنا عن عبد الملك فما وجدنا الا شؤن رأسه ثم احتفرنا عن يزيد بن معاوية فما وجدنا فيه الا عظما واحداً ووجدنا مع لحده خطاً اسود كانما خط بالرماد في الطول في لحده ثم اتبعنا قبورهم في جميع البلدان فاحرقنا ما وجدنا فيها منهم. قال المسعودي : وانما ذكرنا هذا الخبر في هذا الموضع لقتل هشام زيد بن علي وما نال هشاما من المثلة وما فعل بسلفه من الاحراق كفعله بزيد بن علي لكنه لم يذكر مؤسس ملكهم العضوض باسمه وان دخل في عموم قوله ولا شك انه فعل به ما فعل بهم وعدم التصريح به لامر ما. قال ابن ابي الحديد في شرح النهج ج ٢ ص ٢٠٥ قرأت هذا الخبر على النقيب ابي جعفر يحيى بن ابي زيد العلوي ابن عبد الله في سنة ٦٠٥ وقلت له اما احراق هشام باحراق زيد فمفهوم فما معنى جلده ثمانين سوطاً فقالرحمه‌الله أظن عبد الله بن علي ذهب في ذلك الى حد القذف لانه يقال انه قال لزيد يا ابن الزانية لما سب اخاه محمد الباقرعليه‌السلام فسبه زيد وقال له سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الباقر وتسميه انت البقرة لشد ما اختلفتما ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار وهذا استنباط لطيف.

قال ابن الاثير ثم ان يوسف بن عمر خطب الناس بعد قتل زيد وذمهم وتهددهم.

٨٥

( جماعة ممن تابع زيد بن علي من اهل الفضل والعلم)

في مقاتل الطالبيين : تسمية من عرف ممن خرج مع زيد ابن عليعليه‌السلام من اهل العلم ونقلة الآثار والفقهاء ثم عد من جملتهم :

( الامام ابا حنيفة امام المذهب )

فروى بسنده عمن سمع محمد بن جعفر بن محمد في دار الامارة يقول رحم الله ابا حنيفة لقد تحققت مودته لنا في نصرته زيد ابن علي وفعل بابن المبارك في كتمانه فضائلنا ودعا عليه. وبسنده على الفضيل بن الزبير ص ٥٩ قال ابو حنيفة من يأتي زيداً في هذا الشأن من فقهاء الناس قلت سلمة بن كهيل وعد معه جماعة من الفقهاء فقال لي قل لزيد لك عندي معونة وقوة على جهاد عدوك فاستعن بها انت واصحابك في الكراع والسلاح ثم بعث ذلك معي الى زيد فاخذه زيد ومر في ترجمة ابراهيم بن عبد الله بن الحسن ما فعله الامام ابو حنيفة من الدعاء اليه ومعونته بالمثل وما قاله للمرأة التي قتل ابنها مع ابراهيم وغير ذلك اذن فابو حنيفة زيدي ولهذا كانت فرقة من الزيدية على مذهب الامام ابي حنيفة ويأتي عند الكلام على الزيدية زيادة في ذلك.

ومنهم منصور بن المعتمر ومحمد بن ابي ليلى جاء منصور يدعو الى الخروج مع زيد بن علي وبيعته وأبطأ عن زيد لما بعثه يدعو اليه فقتل زيد ومنصور غائب فصام سنة يرجو ان يكفر ذلك عن تأخره.

٨٦

ومنهم يزيد بن ابي زياد مولى بني هاشم صاحب عبد الرحمن ابن ابي ليلى قال عبدة بن كثير السراج الجرمي قدم يزيد الرقة يدعو الناس الى بيعة زيد بن علي وكان من دعاته واجابه ناس من اهل الرقة وكنت فيمن اجابه.

وروى ابو الفرج بسنده الى عبدة بن كثير الجرمي كتب زيد ابن علي الى هلال بن حباب وهو يومئذ قاضي المدائن فاجابه وبايع له.

وبسنده عن سالم بن ابي الجعد ارسلني زيد بن علي الى زبيد اليامي ادعوه الى الجهاد معه.

وبسنده عن ابي عوانة فارقني سفيان على انه زيدي.

وبسنده كان رسول زيد الى خراسان عبدة بن كثير الجرمي والحسن بن سعد الفقيه.

وبسنده عن شريك قال اني لجالس عند الاعمش انا وعمرو ابن سعيد اخو سفيان بن سعيد الثوري اذ جاءنا عثمان بن عمير ابو اليقظان الفقيه(١) فجلس الى الاعمش فقال اخلنا فان لنا اليك حاجة فقال وما خطبكم هذا شريك وهذا عمرو بن سعيد ( اي انهما ليس دونهما سر ) اذكر حاجتك فقال ارسلني اليك زيد بن علي ادعوك الى نصرته والجهاد معه وهو من عرفت قال اجل ما اعرفني بفضله اقرئاه مني

__________________

(١) لعل الصواب وابو اليقظان الفقيه لان آخر الحديث يدل على انهما اثنان.

٨٧

السلام وقولا له يقول لك الاعمش لست اثق لك جعلت فداك بالناس ولو انا وجدنا لك ثلثمائة رجل اثق بهم لغيرنا لك جوانبها وقال ابن عساكر قيل للاعمش ايام زيد لو خرجت فقال ويلكم والله ما اعرف احدا اجعل عرضي دونه فكيف اجعل ديني دونه. قال وكان سلمة بن كهيل من اشد الناس قولا لزيد ينهاه عن الخروج وكان ابو كثير يضرب بغله ويقول الحمد لله الذي سار بي تحت رايات الهدى يعني رايات زيد وقال مغيرة كنت اكثر الضحك فما قطعه الا قتل زيد.

وفي هذه الاخبار دلالة على ان اكثر الخاصة كانت ناقمة على بني امية اما العامة فهم اتباع الدنيا في كل عصر وان زيدا رضوان الله عليه لم يأل جهدا في بث الدعاية.

( الذين روى عنهم والذين رووا عنه)

في تهذيب التهذيب روى عن ابيه واخيه ابي جعفر الباقر وابان بن عثمان وعروة بن الزبير وعبيد الله بن ابي وافع وعنه ابناه حسين وعيسى وابن اخيه جعفر بن محمد والزهري والاعمش وشعبة ( ابن الحجاج ) وسعيد بن خثيم واسماعيل السدي وزبيد اليامي وزكريا ابن ابي زائدة وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن ابي ربيعة وابو خالد عمرو ابن خالد الواسطي وابن ابي الزناد وعدة وفي الشذرات اخذ عنه ابو حنيفة كثير ( اقول ) وذكر رواية جعفر بن محمد

٨٨

الصادق عنه أيضا ابن عساكر في تاريخ دمشق فان ارادا روايته عنه في احكام الدين فالصادقعليه‌السلام لم يكن بأخذها عن غير آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى وان ارادا غيرها فيكن.

( ما اثر عنه من المواعظ والحكم والآداب ونحوها)

عن ابي المؤيد موفق بن احمد المكي الملقب باخطب خوارزم انه ذكر في مقتله انه قيل لزيد بن علي الصمت خير ام الكلام فقال قبح الله المساكتة ما افسدها للبيان واجلبها للعي والحصر والله للمماراة اسرع في هدم الفتى من النار في ببس العرفج ومن السيل الى الحدور فقد فضل الكلام على السكوت وذم المماراة فالكلام افضل بشرط ان لا يكون مماراة ونقل ان زيد بن علي كان اذا تلا هذه الآية( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ) يقول ان كلام الله هذا تهديد وتخويف ثم يقول اللهم لا تجعلنا ممن تولى عنك فاستبدلت به بدلا. وروي عن زيد بن علي انه قال صرفت مدة ثلاث عشرة سنة من عمري في قراءة القرآن فما وجدت آية من كتاب الله يفهم منها الرخصة في طلب الرزق.

( اقول ) كانهرضي‌الله‌عنه نظر الى الآيات المتضمنة ان الله تعالى تكفل بالرزق وهي اكثر الآيات كقوله وما من دابة الا على الله رزقها. الله الذي خلقكم ثم رزقكم. ان الله يرزق من يشاء بغير

٨٩

حساب فرأى انه ليس فيها امر بطلب الرزق وغفل عن الآيات التي امر فيها بذلك وان كانت اقل كقوله تعالى وامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله وغير ذلك.

وقال بعض المعاصرين : ليس معنى هذا الكلام ان الانسان غير مأمور بطلب الرزق حتى ينافي الاخبار الآمرة بطلب الرزق وعدم استجابة دعاء من يقول رب ارزقني ولا يسعى في طلب الرزق بل المقصود انه ليس من المناسب للسلطنة الالاهية ان يقول الله تعالى انا خلقتكم فاذهبوا فتكلفوا تحصيل الرزق بانفسكم لذلك نسب الرزق اليه تعالى في الآيات المتقدمة ولكن زيدارضي‌الله‌عنه انما قال انه لم يجد في القرآن لا في الروايات واما دعوى انه ليس من المناسب للسلطنة الالاهية ان يقول الله ذلك فدعوى غير صحيحة فقوله تعالى اذهبوا فتكلفوا تحصيل الرزق بانفسكم ان لم يكن مؤيداً للسلطنة الالاهية فليس منافيا على انه قد امرهم بذلك في الآيتين السالفتين اما الآيات التي اسندت لرزق اليه تعالى فالمراد بها والله اعلم ان كل شيء بتسببه وارادته وتوفيقه فلا منافاة بينها وبين الامر بطلب الرزق.

في كفاية الاثر ص ٨٦ عن محمد بن بكير انه قال دخلت على زيد بن علي وعنده صالح بن بشر فسلمت عليه وهو يريد الخروج الى العراق فقلت له يا ابن رسول الله حدثني بشيء سمعته عن ابيك

٩٠

فقال حدثني ابي عن جده عن رسول الله صلوات الله عليهم اجمعين انه قال من انعم الله عليه بنعمة فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ومن احزنه امر فليقل لا حول ولا قوة الا بالله قال محمد بن بكير قلت يا ابن رسول الله زدني قال حدثني ابي عن جدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انه قال اربعة انا لهم اشفيع يوم القيامة المكرم لذريتي والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم في امورهم عند اضطرارهم اليه والمحب لهم بقلبه ولسانه قال ابن بكير يا ابن رسول الله حدثني عن هذه الفضائل التي انعم الله بها عليكم فقال حدثني ابي عن جده عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انه قال من احبنا اهل البيت في الله حشر معنا وادخلناه معنا الجنة يا ابن بكير من تمسك بنا فهو معنا في الدرجات العلى يا ابن بكير ان الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلّى الله عليه وسلّم واختارنا له ذرية فلولانا لم يخلق الله الدنيا والاخرة يا ابن بكير بنا عرف الله وبنا عبد الله ونحن السبيل الى الله وعن الامالي عن زيد بن علي عن امير المؤمنينعليه‌السلام انه قال سادة الناس في الدنيا الاسخياء. وعنه عن زيد بن علي عن امير المؤمنين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انه قال ان الله تعالى بعث مائة واربعة وعشرين الف نبي وانا اكرمهم عند الله ولا فخر وجعل الله عز وجل مائة واربعة وعشرين الف وصي وعلي اكرمهم وافضلهم عند الله تعالى. وعن الامالي عن زيد بن علي انه سئل عن معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال نصبه علما ليعلم به حزب الله عند الفرقة. وفي تاريخ ابن عساكر قال له مطلب بن

٩١

زياد يا زيد انت الذي تزعم ان الله اراد ان يعصى فقال له زيد افعصي عنوة فاقبل يخط من بين يديه ومعنى ذلك ان الارادة بمعنى عدم المنع لا بمعنى المحبة قال وقال في قوله تعالى( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) ان من رضائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يدخل اهل بيته الجنة وقال المروءة انصاف من دونك والسمع الى من فوقك والرضى بما اتي اليك من خير او شر وقال لابنه يحيى ان الله لم يرضك لي فاوصاك بي ورضيني لك فلم يوصني بك يا بني خير الآباء من لم تدعه المودة الى الافراط وخير الأبناء من لم يدعه التقصير الى العقوق.

وفي كتاب لباب الآداب تأليف الامير اسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني صاحب قلعة شيزر ما لفظه : قال المدائني قال زيد بن علي لاصحابه : اوصيكم بتقوى الله فان الموصي بها لم يدخر نصيحة ولم يقصر في الابلاغ فاتقوا الله في الامر الذي لا يفوتكم منه شيء وان جهلتموه واجملوا في الطلب ولا تستعينوا بنعم الله على معاصيه وتفكروا وابصروا هل لكم قبل خالقكم من عمل صالح قدمتموه فشكره لكم فبذلك جعلكم الله تعالى من اهل الكتاب والسنة وفضلكم على اديان آبائكم الم يستخرجكم نطفا من اصلاب قوم كانوا كافرين حتى بثكم في حجور اهل التوحيد وبث من سواكم في حجور اهل الشرك فبأي سوابق اعمالكم طهركم الا بمنه وفضله الذي يؤتيه من يشاء والله ذوالفضل العظيم.

٩٢

( ما روي عنه من الشعر)

قال المرتضى في كتاب الفصول المختارة من المجالس والعيون والمحاسن للمفيد : الفصل الخامس حدثني الشيخ قال وجدت عن الحسين بن زيد قال حدثني مولاي قال كنت مع زيد بن عليعليه‌السلام بواسط فذكر قوم الشيخين وعليا فقدموها عليه فلما قاموا قال لي زيد قد سمعت كلام هؤلاء وقد قلت ابياتا فادفعها اليهم وهي

من شرف(١) الا قوام يوما برأيه

فان عليا شرفته(٢) المناقب

وقول رسول الله والحق قوله(٣)

وان رغمت منهم انوف كواذب(٤)

بانك مني يا علي معالنا

كهارون من موسى أخ لي وصاحب

دعاه ببدر فاستجاب لأمره

وما زال(٥) في ذات الاله يضارب

فما زال يعلوهم به وكأنه

شهاب تلقاه القوابس ثاقب

ورواه الخزاعي في كتاب الاربعين عن الاربعين بسنده عن سلام مولى زيد بن علي كما ذكرناه في ترجمة محمد بن احمد بن الحسين النيسابوري ومن قوله ( ثوى باقر العلم في ملحد ) الخ وقوله ( نحن سادات قريش ) الخ وقوله ( مهلا بني عمنا ) وقوله ( شرده الخوف )

__________________

(١) من فضل خ.

(٢) فضلته خ.

(٣) والقول قوله.

(٤) وان رغمت منه الانوف الكواذب خ.

(٥) فبادر خ.

٩٣

ومما نسب اليه قوله :

لو يعلم الناس ما في العرف من شرف

لشرفوا العرف في الدنيا على الشرف

وبادروا بالذي تحوي اكفهم

من الخطير ولو اشفوا على التلف

وفي نسمة السحر من شعر الامام زيد قوله :

يقولون زيد لا يزكي بماله

وكيف يزكي المال من هو باذله

اذا حال حول لم يكن في اكفنا

من المال الا رسمه وفواضله

( مراثيه)

في عمدة الطالب رثي زيد بمراث كثيرة.

وفي مقاتل الطالبيين قال فضل بن العباس بن عبد الرحمن ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب يرثي زيد بن عليعليه‌السلام :

الا يا عين لا ترقي وجودي

بدمعك ليس ذا حين الجمود

غداة ابن النبي ابو حسين

صليب بالكناسة فوق عود

يظل على عمودهم ويمسي

بنفسي اعظم فوق العمود

تعدى الكافر الجبار فيه

فاحرقه من القبر اللحيد

فظلوا ينبشون ابا حسين

خضيبا بينهم بدم جسيد

٩٤

فطال به تلعبهم عتوا

وما قدروا على الروح الصعيد

وجاور في الجنان بني ابيه

واجدداهم خير الجدود

فكم من والد لابي حسين

من الشهداء او عم شهيد

ومن ابناء اعمام سيلقى

هم اولى به عند الورود

دعاه معشر نكثوا اباه

حسينا بعد توكيد العهود

فسار اليهم حتى اتاهم

فما ارعوا على تلك العقود

وكيف تضن بالعبرات عيني

وتطمع بعد زيد في الهجود

وكيف لها الرقاد ولم تراءى

جياد الخيل تعدوا بالاسود

تجمع للقبائل من معد

ومن قحطان في حلق الحديد

كتائب كلما أردت قتيلا

تنادت ان الى الأعداء عودي

بأيديهم صفايح مرهفات

صوارم اخلصت من عهد هود

بها نسقي النفوس اذا التقينا

ونقتل كل جبار عنيد

ونقضي حاجة من آل حرب

ومروان العنيد بني الكنود

ونحكم في بني الحكم العوالي

ونجعلهم بها مثل الحصيد

وننزل بالمعيطيين حربا

عمارة منهم وبنو الوليد

وان تمكن صروف الدهر منكم

وما يأتي من الامر الجديد

نجازكم بما اوليتمونا

قصاصا او نزيد على المزيد

ونترككم بارض الشام صرعى

وشتى من قتيل او طريد

٩٥

تنوء بكم خوامعها وطلس(١)

وضاري الطير من بقع وسود

ولست بآيس من ان تعودوا

خنازيرا واشباه القرود

وأبو الفرج ينقل مثل هذا الشعر في ذم اجداده لانه زيدي المذهب وان كان مرواني النسب قال ابو الفرج وقال ابو ثميلة الأبار يرثي زيداعليه‌السلام :

يا با الحسين أعاد فقدك لوعة

من يلق ما لاقيت منها يكمد

نعرا السهاد ولو سواك رمت به ال‍

‍أقدار حيث رمت به لم يشهد

ونقول لا تبعد وبعدك داؤنا

وكذاك من يلق المنية يبعد

كنت المؤمل للعظائم والنهى

ترجى لأمر الأمة المنأود

فقتلت حين نضلت كل مناضل

وصعدت في العلياء كل ممد

فطلبت غاية سابقين فنلتها

بالله في سير كريم المورد

وابى الاهك ان تموت ولم تسر

فيهم بسيرة صادق مستنجد

والقتل في ذات الآله سجية

منكم واخرى بالفعال الامجد

والناس قد امنوا وآل محمد

من بين مقتول وبين مطرد

نصب اذا القى الظلام ستوره

رقد الحمام وليلهم لم يرقد

يا ليت شعري والخطوب كثيرة

اسباب موردها وما لم يورد

__________________

(١) الخوامع جمع خامعة وهي الضبع والطلس جمع اطلس وهو الذئب.

٩٦

ما حجة المستبشرين بقتله

بالامس او ما عذر اهل المسجد

فلعل راحم ام موسى والذي

نجاه من لجج الخصم المزبد

سيسر ريطة بعد حزن فؤادها

يحيى ويحيى في الكتائب يرتدي

وريطة هي بنت ابي هاشم عبد الله بن محمد بن حنفية ام يحيى وزوجة زيد.

وقال ابن الاثير قيل كان خراش بن حوشب بن يزيد بن مزيد الشيباني على شرطة يوسف وهو الذي نبش زيداً وصلبه فقال السيد الحميري :

بت ليلي مسهدا

ساهر العين مقصدا

ولقد قلت قولة

واطلت التبلدا

لعن الله حوشبا

وخراشا ومزيدا

الف الف والف ال‍

‍ف من اللعن سرمدا

إنهم حاربوا الال‍

‍ه وآذوا محمدا

شاركوا في دم الحسي‍

‍ن وزيد تعندا

ثم علوه فوق جذ

ع صريعا مجردا

يا خراش بن حوشب

انت اشقى الورى غدا

وفي نسمة السحر رأيت في بعض التواريخ ان بعض الخوارج

٩٧

قال يرثي الامام زيداعليه‌السلام :

أأبا حسين والامور الى مدى

ابناء درزة اسلموك وظاروا

أأبا حسين ان شر عصابة

حضرتك كان لوردها اصدار

وقال قبل ذلك في ترجمة درويش بن محمد الطالوي ان ابناء درزة هم الخياطون وان زيدا لما خرج كان معه خياطون من الكوفة.

( اولاده)

في عمدة الطالب كان له اربعة بنين ولم يكن له انثى وهم يحيى والحسين ذو الدمعة وعيسى مؤتم الاشبال ومحمد والحسين ذو الدمعة هو جدنا.

٩٨

الفهرست

 تاريخ مولد زيد وشهادته ـ امه. ٣

سبب تسميته بهذا الاسم. ٤

صفته: نق خاتمه ـ اقوال العماء فيه ٧

ما ورد في حقه الاخبار ١٤

ما رواه الكشي في مدحه ١٤

ما رواه الصدوق في العيون في مدحه ١٦

ما رواه الصدوق في الامالي والكليني في الروضة ١٩

ما روي في مقاتل الطالبيين. ١٩

ما رواه الخوارزمي في فضله ٢٠

ما رواه الخزاز في فضله ٢٠

ما رواه المرتضى في مدحه ٢١

ما رواه الحميري والصدوق في حقه ٢٢

ما رواه ابو ولاد الكاهلي. ٢٤

ما رواه الحسن بن راشد. ٢٤

ما روي مما يوهم القدح فيه ٢٥

عبادته ٣٣

قراءته ٣٤

براءته من دعوى الامامة ٣٥

بعض النصوص الواردة عن زيد بامامة الأئمة الاثني عشر ٣٦

مفاخرته مع هشام بن عبد الملك.. ٤٠

تهالكه في حب الاصلاح بين الامة ٤١

هل كان زيد يفتي الناس.. ٤١

فساد بعض النسب اليه ٤١

دلالته على قبر امير المؤمنينعليه‌السلام .... ٤٦

٩٩

خروجه والسبب فيه ومقتله ٤٦

سبب خروجه ٤٧

ما جرى لزيد اراده اهل الكوفة على الخروج وبايعوه ٦٣

صورة البيعة ٦٤

اخبار السجاد والباقر والصادقعليهم‌السلام بقتله قبل وقوعه ٦٧

خروجه ومقتله ٦٩

جماعة ممن تابع زيد بن علي من اهل الفضل والعلم  ٨٦

الذين روى عنهم والذين رووا عنه ٨٨

ما اثر عنه من المواعظ والحكم والآداب ونحوها ٨٩

ما روي عنه من الشعر ٩٣

مراثيه ٩٤

اولاده ٩٨

١٠٠