تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

تسلية المجالس وزينة المجالس10%

تسلية المجالس وزينة المجالس مؤلف:
المحقق: فارس حسون كريم
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 340297 / تحميل: 8369
الحجم الحجم الحجم
تسلية المجالس وزينة المجالس

تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

١

٢

٣

٤



٥


كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله الأطياب الأخيار.

وبعد:

ففي عام ١١ للهجرة أفل النور المقدّس من الأرض، ذلك النور الذي بعثه الله بشيراً ونذيراً للعالمين، وقبل أن يوارى جثمانه الثرى بدأ خطّ الانحراف عن الرسالة التي جاء بها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانت وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدّاً فاصلاً بين عهدين يختلفان كلّ الاختلاف، فذاك عهد اتّسم بالايمان والصدق والرحمة، وهذا عهد الانقلاب على الأعقاب، وكأنّ القوم أبوا إلا أن يطبقوا الوعد الإلهي( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) (١) .

وكان من نتائج هذا الانحراف هو انقسام الاُمة إلى قسمين:

أحدهما: محب لأهل البيتعليهم‌السلام موالٍ لهم، وملتزم بنهجهم الذي وضعوه، منكر لخطّ الانحراف ولمبدأ السقيفة في الحكم.

والثاني: خطّ أصحاب المصالح والهمج الرعاع، والّذي شمل إضافة إلى أتباع الشيخين، الحزب الأمويّ والخوارج الذين أردوا أمير المؤمنينعليه‌السلام شهيداً في محرابه، واستولى على الحكم معاوية بعد أن اُرغم الامام الحسنعليه‌السلام على الصلح معه لأسباب معروفة.

ومات معاوية وهو يوصي ابنه يزيد بأن يبادر إلى أخذ البيعة من جماعة، وخصّ بالذكر الإمام الحسينعليه‌السلام .

واستلم يزيد الخلافة بعد أبيه، وهو ليس أهلاً للحكومة فضلاً عن خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ بعض التأمّل في شخصيّة هذا الرجل وفي بعض ذاتياته وممارساته من خلال ما أوردته كتب التاريخ والسير عن فترة حكمه القصيرة، يظهر

__________________

١ - سورة آل عمران آيه: ١٤٤.


٦


لكلّ ذي عقل بأنّه كان فاشلاً وخاسراً في جميع الامور وبالأخصّ في الخطّين الرئيسيين اللذين يجب أن يتّصف بهما الحاكم المسلم ؛ ألا وهي خطّي السياسة، والالتزام الديني.

وكان أبناء الاُمّة آنذاك قد تلبّد إحساسهم وأخلدوا إلى سبات عميق، فهم همج رعاع ينعقون مع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، كما وصفهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولولا دم الحسينعليه‌السلام لما تغيّر هذا الحال.

فالحسين الرمز، هو ذلك الانسان الّذي عرف طريقه، فلم تلوه عنها نصائح المحبّين - كابن عبّاس -، ولا تحذيرات المنافسين - كالحرّ بن يزيد الرياحي -، ولكن الحسين مضى، لأنّه مُضاءٌ ببرقٍ داخليّ، يعرفه هو، لينفّذ ما في الكتب، كما يقول السيد المسيح

رفض عروض الوليد بن عقبة والي يزيد على المدينة، وخرج إلى مكّة لليلتين بقيتا من شهر رجب سنة ٦٠ للهجرة.

وخرجعليه‌السلام إلى العراق في الثامن من ذي الحجة، وقُتل رسوله إلى العراق مسلم بن عقيل بعد ذلك بيومٍ واحد.

وبلغعليه‌السلام مشارف الكوفة، وكان والي يزيد عليها عبيد الله بن زياد، فأرسل ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد لاصطياد الحسين ومن معه والتقى الركبان ودار بين الامام الحسين وبين الحرّ بن يزيد حوار طويل غير انّه لم يثنِ الحسين بن عن غايته، لذلك انجذب إليه قائد الجيش الأمويّ « الحرّ » وجاهد ما استطاع دونه ودون آل بيته من النساء والأطفال حتى ضُرّج بدمه.

وهكذا سائر أصحاب الامام وأنصاره - مسلم بن عوسجة، وبرير، وزهير، وحبيب، و - تابعوه في مسيرة الشهادة، والمواقف الصامدة والبطولية التي وقفوها أمام الموت المحقّق، فصمدوا واستشهدوا، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء في سبيل نصرة إمام زمانهم الحسينعليه‌السلام .

وتشابكت الأحداث وتعقّدت، ثم مرّت بسرعة، وإذا بالحسين مخضّب بدمه،


٧


في كربلاء، لم يحد عن صراطه السويّ، فلم يُهادن الظالمين، ولم يستسلم للباطل، ولم يبايع، وإنّما خرج ثائراً على كلّ ذلك، فإصلاح اُمّة جدّه، وليجدّد إسلام الاُمّة التي انقلبت على أعقابها، فيجعلها خير اُمّة اُخرجت للناس.

فكان عاشوراء اختضاب الأرض بالدم الحسيني مرّة، ولكنّه سيظلّ زينة السماء الداعية إلى الحرية الحمراء، قبل كلّ شروق، وبعد كلّ غروب

ومع استشهاد الامام الحسينعليه‌السلام تيقّظت ضمائر أبناء الاُمّة، وانتشر حبّ آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفوفهم، وتحرّك الأئمّةعليهم‌السلام واحداً تلو الآخر في سبيل نشر المبادئ التي ثار من أجلها الحسينعليه‌السلام ، وتوالت الثورات الشيعية التي تطالب بالثأر من قتلة الحسين فكانت ثورة المختاررحمه‌الله ، وثورة التوّابين، وعشرات الثورات الاُخرى، وأخذ العلماء والخطباء وأهل السير بالحديث عن الثورة والمآسي التي رافقتها.

وأضحى يوم عاشوراء رمزاً لكل المحرومين والثائرين ضدّ الظلم والطغيان في كلّ مكان وزمان، واُلّفت مئات الكتب التي تحدّثت عن وقائع ثورة الحسين « ع ».

ومن هذه الكتب القيّمة هذا الكتاب الذي بين يديك - عزيزي القاريء - وهو « تسلية المُجالس وزينة المَجالس » المسمّى ب‍ « مقتل الحسينعليه‌السلام » للسيد العالم الأديب محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائريرحمه‌الله ، وقد حوى على مقدّمة ومجالس عشرة، تطرّق المؤلّف في مقدّمته لبعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وردّ بعض الأحاديث التي وضعها الأمويّون، وبالأخص في حكم معاوية، والتي حاولت الرفع من منزلة الصحابة، والحطّ من شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وقد تصدّى الفاضل فارس حسّون كريم لتحقيق هذا السفر القيّم، ليخرجه لمحبّي أهل البيت من زوايا المكتبات، بعد أن تحمّل جهوداً مُضنية في الحصول على نسخة الكتاب النفيسة، واستنساخها، ومراجعة عشرات المصادر من أجل تثبيت الخبر الصحيح، فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

مؤسسة المعارف الاسلامية - قم


٨


الاهداء

سيديّ أبا الأحرار.

يا من كان اسمه نغمة حلوة في فم أبي الزهراء - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ،يستعذبها ولا يملّ من ترديدها، ففيك وفي أخيك كان يجد اُنسه وسلوته عمّا فقد من الأبناء، وما يؤذيككان يؤذيه، حتى انّه سمع بكاءك ذات مرّة فقال للزهراء عليها‌السلام :

أما علمت أنّ بكاءه يؤذيني؟

فما عساه أن يقول لو قد رأى اُمّة الضلال قد تكالبت على انتهاك حرمتك؟!

فقد بارزتك بسيوف الدهر، ورمتك بسهامه، غير أنّها جعلت منك قبلة للشفاعة نترنّم فيها طرباً.

فكان عملي هذا عنوان تذكار الولاء، عساه أن يحظى بالقبول، فأبلغ غاية المأمول.

فارس


٩



١٠


ترجمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الحكيم الوهّاب، ربّ الأرباب، والهادي إلى سبيل الهدى والصواب.

والصلاة والسلام على خير خلقه المؤيّد بفصل الخطاب، خاتم أنبيائه محمد أشرف الأحباب.

وعلى آله، النور المبين والصراط المستقيم ومنهاج الصواب، اُولي العلم المحسودين على ما آتاهم الله من فضله واُولي الأمر كما جاء به الكتاب، ترفع بهم درجات شيعتهم وتخفض درجات اعدائهم النصّاب.

وبعد:

فكثر هم الأعاظم الذين لم ينصفهم التاريخ، وهذا السيد الذي نحن بصدد الحديث عن حياهت واحد من اولئك الأكابر.

فالسيدرحمه‌الله رقم ناصع في جبين الدهر، وهو عالم كبير، فاضل خبير، كامل قدير، أديب جدير، شاعر ناثر، ناظم ماهر، يشهد له كتابه هذا بعلوّ كعبه، وشدّة إيمانه، ومع كلّ هذا لم نعثر له على ذكر شاف يفي بحقّ هذا السيد


١١


الجليل.

والّذي وجدناه عبارات موجزة مقتضبة جدّاً لا تسمن ولا تغني من جوع، فلم تتطرّق لجانب بسيط من عمره الشريف، كنسبه، اُسرته، مدينته، محلّ وتاريخ ولادته، وما أعقبها من مراحل حياته، كدراسته وشيوخه وتلامذته، وأخيراً تاريخ وفاته.

وكأنّهرحمه‌الله على يقين بما تخبّئ له غِيَر الزمان من تجاهل وإهمال، ففي موضع من كتابه هذا أورد اسمه ونسبه ولقبه كاملاً(١) ، وفي موضع آخر بيّن محلّ ولادته وسبب تركه ذلك المحلّ واستيطانه الحائر(٢) ، وفي موضع ذكر أنّه رأى كتاب « روضة الشهداء » للكاشفي(٣) فصنّف « تسلية المجالس وزينة المجالس » على منواله(٤) ، وفي موضع ذكر أنّه بعث ابنه طاهر ليأتيه بكتاب « تذكرة الفقهاء » للعلّامة الحلّي(٥) (٦) ، وفي موضع آخر من هذا الكتاب أشاد

__________________

١ - في ج ١ / ٥٣.

٢ - في ج ١ / ٥٤.

٣ - « روضة الشهداء » فارسي، للحسين بن علي الكاشفي البيهقي، المتوفّى في حدود سنة ٩١٠ ه‍، مرتّب على عشرة أبواب وخاتمة فيها ذكر أولاد السبطين وجملة من السادات، واحتمل بعض أنّه أوّل مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس حتى عرف قاريه ب‍ « روضة خوان »، ثمّ توسّع في هذا العنوان إلى هذا الزمان حتى يقال لكلّ قارئ « روضة خوان » « الذريعة: ١١ / ٢٩٤ رقم ١٧٧٥ ».

٤ - في ج ١ / ٦٩.

٥ - « تذكرة الفقهاء » في الفقه الاستدلالي من تصنيف العلّامة جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف الحلّي، المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‍، وقد طبع في مجلّدين ضخمين في إيران « الذريعة: ٤ / ٤٣ رقم ١٦٩ ».

وقد طبع مؤخّراً في قم بتحقيق ونشر مؤسّسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث.

٦ - في أواخر الجزء الثاني.


١٢


بالسلطان الشاه إسماعيل أبو المظفّر الصفوي(١) (٢) ، وفي موضع ذكر غزو التتار وما فعلوا(٣) ،

اسمه ونسبه الشريف:

السيد محمد بن أبي طالب بن أحمد بن محمد المشهور بن طاهر بن يحيى ابن ناصر بن أبي العزّ(٤) الحسيني الموسوي الحائري الكركي.

__________________

١ - الشاه إسماعيل الأوّل بن السلطان حيدر الحسيني الموسوي الصفوي، ينتهي نسبه إلى حمزة بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، ولد في ٢٥ رجب سنة ٨٩٢ ه‍، وتوفّي في تبريز ١٩ رجب سن ٩٣٠ ه‍ أو ٩٣١ ه‍، ودفن بمقبرة جدّه صفي الدين في أردبيل، ابتدأت سلطنته سنة ٩٠٦ ه‍ ومدّة ملكه ٢٤ سنة، وهو أوّل الملوك الصفويّة وموطّد دولتهم: « أعيان الشيعة: ٣ / ٣٢١ ».

٢ - في ج ١ / ٦٣.

٣ - في أواخر الجزء الثاني.

٤ - الظاهر أنّ « ابن أبي العزّ » هذا هو العالم الفاضل المعروف، وهو الذي ذهب مع والد العلامة الحلي والسيد مجد الدين بن طاووس لطلب الأمان لأهل الحلّة، والقصّة كما يلي:

قال العلامة الحلّي - المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‍ - في كشف اليقين: ١٠١ ح ٩٣: لمّا وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلّة إلى البطائح الا القليل، وكان من جملة القليل والديرحمه‌الله والسيد مجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العزّ، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنّهم مطيعون داخلون تحت الإيليّة، وأنفذوا به شخصاً أعجميّاً.

فأنفذ السلطان إليهم فرماناً [ الفرمان: الأمير الملوكي ] مع شخصين ؛ أحدهما يقال له تُكلْم، والآخر يقال له علاء الدين، وقال لهما: إن كانت قلوبهم كما وردت به كتبهم فيحضرون إلينا، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه، فقال والديرحمه‌الله : إن جئت وحدي كفى، فقالا: نعم، فاصعد معهما.

فلمّا حضر بين يديه، وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة، قال له: كيف أقدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون إن صالحني ورحلت نقمته؟


١٣


محلّ ولادته وهجرته إلى الحائر:

حدّد المؤلّفرحمه‌الله مكان مولده قائلاً:

إنّي لمّا هجرت مهاجر أبي واُمّي وعمومتي وبني عمّي ومسقط رأسي ومولدي، ومصدري في الاُمور وموردي، وهي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدّسة، وهي في الحقيقة على تقوى الله مؤسّسة أعني البلدة المشهورة ب‍ « دمشق » معدن الفجور والغرور والفسق(١) .

فحثثت ركابي عن ديارهم، وأبعدت قراري من قرارهم وحططت رحلي ببلاد الوصيّين، وألقيت كلّي على إمام المتّقين، وجعلت مشهد قرّة

__________________

فقال له والدي: إنّما أقدمنا على ذلك، لأنّا روينا عن إمامنا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أنّه قال في بعض خطبه: الزوراء وما أدراك ما الزوراء؟ أرض ذات أثلٍ يشيّد فيها البنيان، ويكثر فيها السكّان، ويكون فيها مهارم وخزّان، يتّخذها ولد العبّاس موطناً، ولزخرفهم مسكناً، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائر، والحيف المحيف، والأئمّة الفجرة، والقرّاء الفسقة، والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم.

لا يأتمرون بينهم بمعروفٍ إذا عرفوه، ولا ينتهون عن منكرٍ إذا أنكروه، تكتفي الرجال منهم بالرجال، والنساء بالنساء، فعند ذلك الغمّ العميم، والكباء الطويل، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك، وما هم الترك، قوم صغار الحدق، وجوههم كالمجان المطرقة، لباسهم الحديد، جردٌ مردٌ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا، ملكهم جهوري الصوت، قويّ الصولة، عالي الهمّة، لا يمرّ بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية الا نكسها، الويل الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر.

فلمّا وصف لنا ذلك، ووجدنا الصفات فيكم، رجوناكم فقصدناك، فطيّب قلوبهم، وكتب لهم فرماناً باسم والديرحمه‌الله يطيّب فيه قلوب أهل الحلّة وأعمالها. انتهى.

ورواه العلّامة أيضاً في نهج الحقّ وكشف الصدق: ٢٤٣ - ٢٤٤، وعبد الله أفندي الأصفهاني في رياض العلماء: ٦ / ٩ ( إشارة )، والشيخ عبّاس القمّي في الكنى والألقاب: ١ / ١٨٩، وسفينة البحار: ٣ / ٥٣٣، والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة: ٢ / ٢٥٨، والمدرّس في ريحان الأدب: ٥ / ٢٣٣ رقم ٤٣٠.

١ - انظر ج ١ / ٥٤.


١٤


عينه أبي عبد الله موطني، وحضرته الشريفة في حياتي ومماتي مسكني ومدفني(١) .

 ما قيل في الاطراء عليه:

كتب على ظهر النسخة ما هذا نصّه: كتاب « تسلية المجالس وزينة المجالس » تأليف السيد الحسيب النسيب، العالم الفاضل الكامل، خلاصة البلغاء، زبدة الخطباء النصحاء الألبّاء، اُنموذج سلفه الطاهرين، وصفوة الفضلاء البارعين، فخر الملّة والشريعة والدين، محمد بن أبي طالب أدام الله أوصاله(٢) .

وقال المجلسيرحمه‌الله : السيد النجيب العالم محمد بن أبي طالب(٣) .

وقال في موضع آخر: وكتاب « تسلية المجالس » مؤلّفه من سادة الأفاضل المتأخّرين(٤) .

وقال السيد إعجاز النيسابوري الكنتوري: السيد النجيب العالم محمد بن أبي طالب(٥) .

وقال الميرزا الخوانساري - ضمن كلامه عن الفقيه محمد بن أبي طالب الاسترابادي -: ثمّ ليعلم أنّ هذا الرجل غير محمد بن أي طالب الحسيني الحائري الذي كان هو أيضاً كما في رجال النيسابوري(٦) من جملة

__________________

١ - انظر ج ١ / ٦٢.

٢ - ستعرف أنّ النسخة كتبت في عصر المؤلّفرحمه‌الله .

٣ و ٤ - بحار الأنوار: ١ / ٢١ و ٤٠.

٥ - كشف الحجب والأستار: ١٢١ رقم ٥٧٩.

٦ - وهو الميرزا محمد الاخباري المقتول. « الذريعة: ١٠ / ١٥٧ رقم ٢٨٣ ».


١٥


المشايخ(١) .

وقال السيد الأمين: في رسالة « نزهة أهل الحرمين »(٢) وصفه بالعالم الجليل والسيد الجليل(٣) .

ولده:

صرّح المؤلّفرحمه‌الله أنّه أرسل ولده « طاهر » ليأتيه بكتاب « تذكرة الفقهاء » للعلّامة الحلّي. ولا نعلم كم له من الأولاد، وكم كان عمر ناصر حينذاك؟(٤)

فترة عمره الشريف:

بما أنّا لم نتعرّف على تاريخ ولادة المؤلّف ولا تاريخ وفاتهرحمه‌الله ،

____________

١ - روضات الجنّات: ٧ / ٣٥.

واحتمل الشيخ آقا بزرگ الطهراني في طبقات آعلام الشيعة « إحياء الداثر من مآثر أهل القرن العاشر: ٢١٤ أن يكون المؤلّف هو نفسه محمد بن أبي طالب الموسوي الحسيني الاسترابادي، تلميذ المحقّق الكركي، وشارح الجعفريّة، وسمّى الشرح « المطالب المظفّرية »، حيث قال:

ولعلّه الاسترابادي المذكور فإنّه في آخر المجلس الخامس في أحوال مسلم بن عقيل أظهر الشكوى من أهل زمانه وغدرهم به كما غدر أهل الكوفة بمسلم. قال: ولمّا نجّاه الله منهم هاجر إلى كربلاء واتّخذها موطناً ومستقرّاً فيظهر أنّه لم يكن حائريّ الأصل. انتهى.

أقول: يبدو أنّ الحقّ مع الميرزا الخوانساري، حيث إنّ المؤلّفرحمه‌الله صحيح لم يكن حائريّ الأصل لكنّه كركيّ، كما هو صرّح في كتابه، وكما بيّناه فيما سبق.

٢ - « نزهة أهل الحرمين في تاريخ تعميرات المشهدين » في النجف وكربلاء، لسيّدنا الحسن بن هادي صدر الدين العاملي الأصفهاني الكاظمي « ١٢٧٢ - ١٣٥٤ » صاحب « تأسيس الشيعة الكرام لفنون الاسلام ». الذريعة: ٢٤ / ١١٤ رقم ٥٩٢ ».

٣ - أعيان الشيعة: ٩ / ٦٢.

٤ - انظر أواخر الجزء الثاني.


١٦


فلذا من الصعب تحديد الفترة التي عاشها، الا أنّ هناك دلالات نعرف من خلالها العصر الذي عاش فيه هذا السيد البارع، وكما يلي:

١ - انّهرحمه‌الله عثر على كتاب « روضة الشهداء » للمولى الحسين الواعظ الكاشفي، المتوفّى سنة « ٩١٠ » ه‍، وتاريخ تأليف الروضة هو سنة « ٨٤٧ » ه‍، وألّف كتابه هذا على منوال الروضة.

٢ - أشادرحمه‌الله في كتابه هذا بالسلطان شاه إسماعيل الصفوي، المولود سنة « ٨٩٢ » ه‍، وتسلّم السلطة سنة « ٩٠٦ » ه‍، وقاتل شيك خان الاوزبك سنة « ٩١٦ » ه‍، وتوفّي سنة « ٩٣٠ » ه‍.

٣ - لقد زار المؤلّف مرقد أمير المؤمنينعليه‌السلام في سنة « ٩٢١ » ه‍(١) .

٤ - كتب بعض قصائده وصرّح بأن عمره كان « ٧٠ » سنة(٢) .

٥ - ألّف السجع النفيس عام ٩٥٥ ه‍.

٦ - صرّح بأنّه حصل على كتاب « تذكرة الفقهاء » للعلّامة الحلّي سنة « ٩٠٠ » ه‍.

ونستنتج من هذا انّهرحمه‌الله ولد في القرن التاسع وعاش إلى أواسط القرن العاشر.

__________________

١ - انظر ج ١ / ٢٣٠.

٢ - انظر ج ٢ / ٧٤ و ١٣٠.


١٧


حول الكتاب

سفر كبير ثمين جلّه في مقتل الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وثواب إظهار الجزع لمصابه ومصاب أهل بيته، والبكاء لرزيّتهم والجلوس لعزيّتهم، وحمل سبايا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبناته وأحفاده إلى الشام.

وقد قال مؤلّفه: إنّي بعد أن منّ الله عليَّ بمجاورة سبط نبيّه أطلق لساني بمدح رسوله المصطفى، ووليّه المرتضى، وأهل بيتهما الأئمة النجباء فصرتُ اُحلّي بذكرهم المنابر، واُزيّن بشكرهم المحاضر فقلّ أن يمضي يوم من الأيام التي حباهم الله فيها بتفضيله، ونوّه بذكرهم في محكم تنزيله، إلا وقد وضعتُ خطبة في فضل ذلك اليوم الشريف كخطبة مولد البشير النذير، وخطبة يوم الغدير وذيّلتها بأحاديث رائقة وخطبة يوم السادس من شهر ذي الحجّة الذي كان فيه تزويج البتول من صنو الرسول، ويوم نزول سوة « هل أتى » وما في فضلهم أتى، والمجلس المشهور ب‍ « تحفة الزوّار ومنحة الأبرار » وهو مجلس ذكرت فيه ثواب زيارة سيّد الشهداء وفضل كربلاء، وكالتعزية الموسومة ب‍ « مجرية العبرة ومحزنة العترة » وهي خطبة يوم التاسع من المحرّم، وكالمجلس المشهور ب‍ « قاطع أسباب النفاق وقامع أرباب الشقاق » وهو مجلس قلته بإذن الله في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجّة وكالرسالة الموسومة ب‍ « السجع النفيس في محاورة الدلام وإبليس » وغير ذلك من رسائل وخطب وأشعار تحث على اقتناء الفضائل

وكان ذلك يشتمل على مائتي ورقة وأكثر، أبهى من عقود اللآلئ وأبهر


١٨


ثم إنّي بعد ذلك عثرت على كتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة، وفرسان البلاغة الأعجميّة(١) قد رتّبه على عشرة مجالس لقيام المآتم لمصاب الغرّ الميامين من بني هاشم شهداء كربلاء وجعلها خاصّة بالعشر الاُول من شهر محرّم الحرام وجعل لكلّ يومٍ من أيّامه مجلساً لقواعد الحزن والتعزية

فاستخرت الله سبحانه أن أنسخ على منواله في التصنيف والترتيب، وأقتدي بأفعاله في التأليف والتهذيب، واُزيّن مجالس أهل الايمان بمناقب سادتههم ومواليهم، واُهيّج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم ومواليهم، واُحلّي أجياد اللسان العربي بدرر نظمي ونثري، واُجدّد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فكري، ورتّبته كترتيبه، وبوّبته كتبويبه، لكن لم أقصد ترجمة كلامه، ولا سلكت مسلكه في نثاره ونظامه، وجعلته عشرة مجالس ولم اُورد فيه من الأحاديث الا ما صحّحه علماؤنا، ورجّحه أعلامنا، ودوّنوه في كتبهم، ونقلوه عن أئمّتهم(٢) .

نسخة الكتاب:

هي النسخة النفيسة المخطوطة في مكتبة مدرسة النمازي في مدين « خوي » - من توابع محافظة تبريز - برقم ٤٥٩ مكتوبة بخطّ نسخ متوسّط، وأخطاؤها ليست قليلة، تقع في « ٥٨٥ » صفحة، احتوت كلّ صفحة « ٢٢ » سطراً قياس الصفحة ١٧ * ٧٠ / ١١ سم، سقط من وسطها سفحة واحدة أكلمناها من مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للخوارزمي - وأشرنا له في

__________________

١ - مراده « روضة الشهداء » للمولى الكاشفي.

٢ - انظر ج ١ / ٦٧ - ٧٠.


١٩


محلّه -، ومن آخرها أيضاً صفحة أو أكثر وهي من نثر المؤلّف، فلذا توقّفنا في آخر الكتاب كما في النسخة. كتبت على النسخة بعض الحواشي بالفارسية وبالعربية.

وقد كتب على ظهر النسخة - وبنفس خطّ كاتب النسخة - ما هذا نصّه: كتاب « تسلية المجالس وزينة المجالس » تأليف السيد الحسيب النسيب الحسيني الموسوي الحائري أدام الله أوصاله.

فيفهم من هذا انّ النسخة مكتوبة في عصر المؤلّف ولعلّ كاتبها تلميذ المؤلّف أو شخص آخر(١) .

تسمية الكتاب:

اُطلق على الكتاب عدّة تسميات، وكما يلي:

١ - تسلية المُجَالس.(٢)

٢ - تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس.(٣)

٣ - زينة المَجَالس.(٤)

٤ - مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام (٥) .

وجميعها غير بعيد عن الصحيح، وثانيها هو الأصح والأكمل، وهو الذي

__________________

١ - قال الشيخ آغا بزرگ الطهراني: نسخة - أي من هذا الكتاب - عند الشيخ محمد رضا فرج الله. « الذريعة: ٢٢ / ٢٧ ».

٢ - بحار الأنوار: ١ / ٤٠، الذريعة: ٤ / ١٧٩ رقم ٨٨٥.

٣ - بحار الأنوار: ١ / ٢١، كشف الحجب والأستار: ١٢١ رقم ٥٧٩، أعيان الشيعة ٩ / ٦٢، طبقات أعلام الشيعة ( القرن العاشر ): ٢١٤.

٤ - الذريعة: ١٢ / ٩٤.

٥ - بحار الأنوار: ١ / ٢١، الذريعة: ٢٢ / ٢٧.


٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

الآيات

( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) )

التّفسير

الوعد بنصر المؤمنين :

بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن تحاجج أهل النّار وعجزهم عن أن ينصر أحدهم الآخر ، وبعد أن تحدثت الآيات التي سبقتها عن مؤمن آل فرعون وحماية الله له من كيد فرعون وآل فرعون ، عادت هذه المجموعة من الآيات البينات تتحدث عن شمول الحماية والنصر الإلهي لأنبياء الله ورسله وللذين آمنوا ، في هذه الدنيا وفي الآخرة.

إنّها تتحدث عن قانون عام تنطق بمضمونه الآية الكريمة :( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا

٢٨١

وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) .

إنّها الحماية المؤكّدة بأنواع التأكيد ، والتي لا ترتبط بقيد أو شرط ، والتي يستتبعها الفوز والنصر ، النصر في المنطق والبيان ، وفي الحرب والميدان ، وفي إرسال العذاب الإلهي على القوم الظالمين ، وفي الإمداد الغيبي الذي يقوي القلوب ويشد الأرواح ويجذبها إلى بارئها جلّ وعلا.

إنّ الآية تواجهنا باسم جديد ليوم القيامة هو :( يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) .

«أشهاد» جمع «شاهد» أو «شهيد» (مثل ما أنّ أصحاب جمع صاحب ، وأشراف جمع شريف) وهي تعني الذي يشهد على شيء ما.

لقد ذكرت مجموعة من الآراء حول المقصود بالأشهاد ، نستطيع اجمالها بما يلي :

١ ـ الأشهاد هم الملائكة الذين يراقبون أعمال الإنسان.

٢ ـ هم الأنبياء الذين يشهدون على الأمم.

٣ ـ هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون الذين يشهدون على أعمال الناس.

أمّا احتمال أن تدخل أعضاء الإنسان ضمن هذا المعنى ، فهو أمر غير وارد ، بالرغم من شمولية مصطلح «الأشهاد» لأنّ تعبير( يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) لا يتناسب وهذا الاحتمال.

إنّ التعبير يشير إلى معنى لطيف ، حيث يريد أن يقول أنّ :( يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) الذي تنبسط فيه الأمور في محضر الله تبارك وتعالى ، وتنكشف السرائر والأسرار لكافة الخلائق ، هو يوم تكون الفضيحة فيه أفظع ما تكون ، ويكون الإنتصار فيه أروع ما يكون إنّه اليوم الذي ينصر الله فيه الأنبياء والمؤمنين ويزيد في كرامتهم.

إنّ يوم الأشهاد يوم افتضاح الكافرين وسوء عاقبة الظالمين ، هو :( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) .

٢٨٢

فمن جهة هو يوم لا تنفع المعذرة فيه ، ولا يحول شيء دون افتضاح الظالمين أمام الأشهاد.

ومن جهة اخرى هو يوم تشمل اللعنة الإلهية فيه الظالمين ، واللعنة هنا البعد عن الرحمة.

ومن جهة ثالثة هو يوم ينزل فيه العذاب الجسماني على الظالمين ، ويوضعون في أسوأ مكان من نار جهنم.

سؤال :

إنّ الآية تفتح المجال واسعا للسؤال التالي ، : إذا كان الله (تبارك وتعالى) قد وعد حتما بانتصار الأنبياء والمؤمنين ، فلما ذا نشاهد ، ـ على طول التأريخ ـ مقتل مجموعة من الأنبياء والمؤمنين على أيدي الكفار؟ ولماذا ينزل بهم الضيق والشدة من قبل أعداء الله ، ثمّ لماذا تلحق بهم الهزيمة العسكرية؟ وهل يكون ذلك نقضا للوعد الإلهي الذي تتحدث عنه الآية الكريمة؟

الجواب على كلّ هذه الأسئلة المتشعبة يتضح من خلال ملاحظة واحدة هي : إن أكثر الناس ضحية المقاييس المحدودة فى تقييم مفهوم النصر ، إذ يعتبرون الإنتصار يتمثل فقط في قدرة الإنسان على دحر عدوه ، أو السيطرة على الحكم لفترة وجيزة!

إنّ مثل هؤلاء لا يرون أي اعتبار لانتصار الهدف وتقدم الغاية ، أو تفوق وانتشار المذهب والفكرة ، هؤلاء لا ينظرون إلى قيمة المجاهد الشهيد الذي يتحول إلى نموذج وقدوة في حياة الناس وعلى مدى الأجيال. ولا ينظرون إلى القيمة الكبرى التي يستبطنها مفهوم العزة والكرامة والرفعة التي ينادي بها أحرار البشر والقرب من الله تعالى ونيل رضاه.

وبديهي إنّ الانحباس في إطار هذا التقييم المحدود يجعل من العسير الجواب

٢٨٣

على ذلك الاشكال ، أما الانطلاق إلى أفق المعاني الواسعة الوضّاءة لمفهوم النصر الإلهي والأخذ بنظر الاعتبار القيم الواقعية للنصر سيؤدي بنا الى معرفة المعنى العميق للآية.

ثمّة كلام لطيف لسيّد قطب في تفسيره «في ظلال القرآن» يناسب هذا المقام ، إذ يورد فيه ذكرى بطل كربلاء الإمام الحسينعليه‌السلام كمثال على المعنى الواسع لمفهوم النصر فيقول : «... والحسين ـ رضوان الله عليه وهو يستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب ، المفجعة من جانب ، أكانت هذه نصرا أم هزيمة؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة. فأمّا في الحقيقة الخالصة وبالمقياس الكبير فقد كانت نصرا. فما من شهيد في الأرض تهتز له الجوانح بالحب والعطف وتهفوا له القلوب وتجيش بالغير والفداء كالحسين رضوان الله عليه ، يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين من المسلمين وكثير من غير المسلمين»(١) .

وينبغي أن نضيف إلى هذا الكلام أن شيعة أهل البيتعليهم‌السلام يشاهدون كل يوم بأعينهم آثار الخير من حياة سيّد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ويلمسون آثار استشهاده واستشهاد صحبه البررة من أهل بيته وأصحابه ؛ إن مجالس العزاء التي تقام للحديث عن مناقب الحسين وصحبه الكرام هي ينبوع الخير لحركة عظيمة ثرّة ما زال عطاؤها لم ولن ينضب!

لقد شاهدنا بأعيننا ومن خلال النموذج الثوري الذي شهدته أرض إيران المسلمة ، كيف استطاع الملايين من أبناء الإسلام أن يتحركوا في أيّام عاشوراء للقضاء على الظلم والطغيان والاستكبار.

لقد شاهدنا بأعيننا كيف استطاع هذا الجيل المضحي الذي تربى في مدرسة أبي الشهداء الحسينعليه‌السلام وتغذى ممّا تدره مجالس عزائه ، أن يحطّم بأيد خالية عرش أقوى السلاطين الجبّارين.

__________________

(١) في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠.

٢٨٤

نعم ، لقد شاهدنا دم الحسين الشهيد وقد سرى في العروق عزة وحركة وانتفاضة ، وغيرت الحسابات السياسية والعسكرية للدول الكبرى.

بعد كلّ ذلك ، ومع كلّ العطاء الثر الهادي الذي استمدته كلّ الأجيال ـ خلال التأريخ ـ من ذكرى الطف وسيّد الشهداء ، ألا يعتبر الحسينعليه‌السلام منتصرا حتى باتت آثار نصره الظافر حاضرة فينا بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عشر قرنا على استشهاده!؟

سؤال آخر

ثمة سؤال آخر يتبلور من المقابلة بين الآية التي بين أيدينا والآية (٣٦) من سورة «المرسلات» إذ نقرأ الآية التي نحن بصددها أنّ اعتذار الظالمين لا يؤثر ولا ينفعهم يوم القيامة ، فيما تنص الآية من سورة المرسلات على أنّه لا يسمح لهم بالاعتذار أصلا ، حيث قوله تعالى :( وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) فكيف يا ترى نوفّق بين الإثنين؟

قبل الإجابة ينبغي الانتباه إلى ملاحظتين :

الأولى : أنّ ليوم القيامة مواقف معينة تختلف شرائطها ، ففي بعضها يتوقف اللسان عن العمل وتنطق الأرجل والأيدي والجوارح ، وتقوم بالشهادة على عمل الإنسان. وفي مواقف اخرى ينطلق اللسان بالنطق والكلام (كما تحكي ذلك الآية ٦٥ من سورة «يس» والآيات السابقة في هذه السورة التي تحدث عن تحاجج أهل النّار).

بناء على هذا ، فلا مانع من عدم السماح لهم بالاعتذار في بعض المواقف ، في حين يسمح لهم في مواقف اخرى ، وإن كان الاعتذار لا يجدي شيئا ولا يغير من المصير.

الملاحظة الثانية : إنّ الإنسان يتحدث في بعض الأحيان بكلام لا فائدة منه ،

٢٨٥

ففي مثل هذه الموارد يكون الشخص كمن لم يتكلّم أصلا. بناء على هذا يمكن أن تكون الآية الدالة على عدم السماح لهم بالاعتذار تقع وفق هذا المعنى ، أي أنّ اعتذارهم برغم خروجه من أفواههم ، إلّا أنّه لا فائدة ترجى منه.

تنتقل الآيات الكريمة بعد ذلك للحديث عن أحد الموارد التي انتصر فيها الرسل نتيجة الحماية الإلهية والدعم الربّاني لهم ، فتتحدث عن النّبي الكليمعليه‌السلام :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ) .

إنّ هداية الله لموسى تنطوي على معاني واسعة إذ تشمل مقام النبوة والوحي ، والكتاب السماوي (التوراة) والمعاجز التي وقعت على يديهعليه‌السلام أثناء تنفيذه لرسالات ربّه وتبليغه إيّاها.

إن استخدام كلمة «ميراث» بالنسبة إلى التوراة يعود إلى أنّ بني إسرائيل توارثوه جيلا بعد جيل ، وكان بإمكانهم الاستفادة منه بدون مشقة ، تماما مثل الميراث الذي يصل إلى الإنسان بدون عناء وتعب ، ولكنّهم فرّطوا بهذا الميراث الإلهي الكبير.

الآية التي بعدها تضيف :( هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ) (١) .

الفرق بين «الهداية» و «الذكرى» أنّ الهداية تكون في مطلع العمل وبدايته ، أما التذكير فهو يشمل تنبيه الإنسان بأمور سمعها مسبقا وآمن بها لكنّه نسيها.

وبعبارة اخرى : إنّ الكتب السماوية تعتبر مشاعل هداية ونور في بداية انطلاقة الإنسان ، وترافقه في أشواط حياته تبث من نورها وهداها عليه.

ولكن الذي يستفيد من مشاعل الهدى هذه هم «أولو الألباب» وأصحاب العقل ، وليس الجهلة والمعاندون المتعصبون.

الآية الاخيرة ـ من المقطع الذي بين أيدينا ـ تنطوي على وصايا وتعليمات

__________________

(١) يمكن أن تكون «هدى وذكرى» مفعولا لأجله أو مصدرا بمعنى الحال ، أي (هاديا ومذكرا لأولى الألباب) لكن البعض احتمل أن تكون بدلا أو خيرا لمبتدأ محذوف ، إلّا أن ذلك غير مناسب كما يبدو.

٢٨٦

مهمّة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي في واقعها تعليمات عامة للجميع ، بالرغم من أنّ المخاطب بها هو شخص الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول تعالى :( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ ) .

عليك أن تصبر على عناد القوم ولجاجة الأعداء.

عليك أن تصبر حيال جهل بعض الأصدقاء والمعارف ، وتتحمل أحيانا أذاهم وتخاذلهم.

وعليك أيضا أن تصبر إزاء العواطف النفسية.

إنّ سر انتصارك في جميع الأمور يقوم على أساس الصبر والاستقامة.

ثم اعلم أنّ وعد الله بنصرك وأمتك لا يمكن التخلف عنه ، وإيمانك ـ وإيمانهم ـ بحقانية الوعد الإلهي يجعلك مطمئنا ومستقيما في عملك ، فتهون الصعاب عليك وعلى المؤمنين.

لقد أمر الله تعالى رسوله مرّات عديدة بالصبر ، والأمر بالصبر جاء مطلقا في بعض الموارد ، كما في الآية التي بصددها ، وجاء مقيدا في موارد اخرى ويختص بأمر معين ، كما في الآيتين (٣٩ ـ ٤٠) من سورة «ق» :( فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ) .

وكذلك يخاطبه تعالى فى الآية (٢٨) من سورة الكهف بقوله تعالى :( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) .

إنّ جميع انتصارات الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين الأوائل إنّما تمّت بفضل الصبر والاستقامة واليوم لا بدّ أن نسير على خطى رسول الله ، ونصبر كما صبر الرّسول وأصحابه إذ لولاه لما حالفنا النصر مقابل أعدائنا الألداء.

الفقرة الأخرى من التعليمات الربانية تقول :( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) .

واضح أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم لم يرتكب ذنبا ولا معصية ، لكنّا قد أشرنا

٢٨٧

في غير هذا المكان إلى أنّ أمثال هذه التعابير في القرآن الكريم ، والتي تشمل في خطابها الرّسول الأكرم وسائر الأنبياء ، إنّما تشمل ما نستطيع تسميته بـ «الذنوب النسبية» لأنّ من الأعمال ما هو عبادة وحسنة بالنسبة للناس العاديين ، بينما هي ذنب للرسل والأنبياء لأنّ : (حسنات الأبرار سيئات المقربين).

فالغفلة ـ مثلا ـ لا تليق بمقامهم ، ولو لحظة واحدة. وكذلك الحال بالنسبة لترك الأولى ، إذ أن منزلتهم الرفيعة ومعرفتهم العالية تتوجب أن يحذروا هذه الأمور ويستغفروا منها متى ما صدرت عنهم.

وما ذهب إليه البعض من أنّ المقصود بالذنوب هي ذنوب المجتمع ، أو ذنوب الآخرين التي ارتكبوها بشأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أنّ الاستغفار تعبدي فهو بعيد.

الفقرة الأخيرة في الآية الكريمة تقول :( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ ) .

«العشي» فترة ما بعد الظهر إلى قبل غروب الشمس ، أما «الإبكار» فهو ما بين الطلوعين.

ويمكن أن تطلق لفظتا (العشي والإبكار) على الوقت المعيّن بالعصر والصباح ، حيث يكون الإنسان مهيأ للحمد وتسبيح خالقه تبارك وتعالى بسبب عدم شروعه بعد بعمله اليومي ، أو أنّه قد انتهى منه.

وقد اعتبر البعض أنّ هذا الحمد والتسبيح إشارة إلى صلاة الصبح والعصر ، أو الصلوات اليومية الخمس ، في حين أنّ ظاهر الآية ينطوي على مفهوم أوسع من ذلك الصلوات هي إحدى مصاديقها.

في كلّ الأحوال تعتبر التعليمات الثلاث الآنفة الذكر شاملة بناء الإنسان وإعداده للرقي في ظل اللطف والرعاية الإلهية ، وهي إلى ذلك زاده في سيره للوصول نحو الأهداف الكبيرة.

فهناك أولا ـ وقبل كلّ شيء ـ التحمّل والصبر على الشدائد

٢٨٨

والصعوبات ، ثمّ تطهير النفس من آثار الذنوب. وأخيرا تكليل كلّ ذلك بذكر الله ، حيث تسبيحه وحمده يعني تنزيهه من كلّ عيب ونقص ، وحمده فوق كلّ حسن وكمال.

إنّ الحمد والتسبيح الذي يكون لله تعالى يؤثر في قلب الإنسان ويطهره من جميع العيوب ، ومن سيئات الغفلة واللهو ، ويجعله يتصف باليقظة والكمال.

٢٨٩

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) )

التّفسير

ما يستوي الأعمى والبصير!

دعت الآيات السابقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الصبر والاستقامة أمام المعارضين وأكاذيبهم ومخططاتهم الشيطانية ، والآيات التي نحن بصددها تذكر سبب مجادلتهم للحق.

يقول تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي

٢٩٠

صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ) .

«المجادلة» ـ كما أشرنا سابقا ـ تعني العناد في الكلام وإطالته بأحاديث غير منطقية ، وإن كانت تشمل أحيانا في معناها الواسع الحق والباطل.

أما قوله تعالى :( بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ ) فهي للتأكيد على ما يستفاد من معنى المجادلة حيث تعني «سلطان» الدليل والبرهان الذي يكون سببا لهيمنة الإنسان على خصمه.

أما «آتاهم» فهي إشارة إلى الأدلة والبراهين التي أوحى الله بها إلى أنبيائهعليهم‌السلام ، ولا ريب أنّ الوحي هو أفضل الطرق وأكثرها اطمئنانا لإثبات الحقائق.

أما المقصود بـ «آيات الله» التي كانوا يجادلون فيها ، فهي معجزات وآيات القرآن والأحاديث المختصة بالمبدأ والمعاد ، حيث كانوا يعتبرونها سحرا ، أو أنّها علامات الجنون ، أو أساطير الأولين!

من ذلك يتبيّن أن ليس لهؤلاء من دليل حي ومنطقي في المجادلة سوى التعالي والغرور والتكبر عن الانصياع إلى الحق ، لذلك كانوا يرون أنّ أفكار الآخرين وعقائدهم باطلة وأن عقائدهم وأفكارهم حقّة!

تشير كلمة (إن) إلى أنّ السبب الوحيد لعنادهم في هذه الموارد هو الغرور والتكبّر ، وإلّا كيف يصرّ الإنسان على كلامه وموقفه دون دليل أو برهان.

«الصدور» تشير هنا إلى القلوب ، والمقصود بالقلب هو الفكر والروح ، حيث ورد هذا المعنى مرّات عدّة في آيات الكتاب المبين.

أمّا كلمة (كبر) في الآية فقد فسّرها بعض المفسّرين بالحسد.

وبذلك اعتبر هؤلاء أن سبب مجادلتهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو حسدهم له ولمنزلته ومقامه المعنوي الظاهري.

لكن «كبر» لا تعني في اللغة المعنى الآنف الذكر ، لكنّه يمكن أن يلازمها ، لأنّ

٢٩١

من يتكبّر يحسد ، إذ لا يرى المتكبّر المواهب إلّا لنفسه ، ويتألم إذا انصرفت لغيره حسدا منه وجهلا.

ثم تضيف الآية :( ما هُمْ بِبالِغِيهِ ) .

إنّ هدفهم أن يروا أنفسهم كبارا ، يفاخرون بذلك ويفتخرون على غيرهم ، لكنّهم لن يحصدوا سوى الذلة والخسران ، ولن يصلوا بطريق التكبر والغرور والعلو والمجادلة بالباطل إلى ما يبتغونه(١) .

في نهاية الآية تعليمات قيمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يستعيذ بالله من شر هؤلاء المتكبرين المغرورين الذين لا منطق لهم ، حيث يقول تعالى :( فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .

فهو ـ تعالى ـ يسمع أحاديثهم الباطلة الواهية ، وينظر إلى مؤامراتهم وأعمالهم القبيحة وخططهم الشريرة.

والاستعاذة بالله لا تنبغي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده وحسب ، وإنّما تجب على كل السائرين في طريق الحق عند ما تتعاظم الحوادث ويستعر الصدام مع المتكبرين عدمي المنطق!

لذلك نرى استعاذة يوسفعليه‌السلام عند ما تواجهه العاصفة الشديدة المتمثلة بشهوة «زليخا» يقول :( مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ) فكيف أخون عزيز مصر الذي أكرمني وأحسن وفادتي.

وفي آيات سابقة من نفس هذه السورة نقرأ أنّ كليم الله موسىعليه‌السلام قال :( إِنِّي

__________________

(١) ثمة بين المفسرين كلام حول مرجع الضمير في قوله : «بالغيه» أشهره قولان.

الأول : أن يعود الضمير إلى «كبر» وتكون «ما هم ببالغيه» جملة وصفية لـ (كبر) ويكون المعنى هكذا : إنهم لا يصلون إلى مقتضى وهدف تكبرهم (في الواقع حذف هنا المضاف والتقدير «ما هم ببالغي مقتضى كبرهم»).

الثاني : أن يعود الضمير إلى «جدال» الذي يستفاد من جملة «يجادلون» والمعنى أنهم لن يصلوا إلى هدف جدالهم المتمثل بإبطال الحق. ولكن في هذه الحالة لا تستطيع أن نقول : إن الجملة صفة (كبر) بل ينبغي أن نعطفها على ما سبقها مع حذف العاطف.

٢٩٢

عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ) (١) .

إنّ قضية المعاد وعودة الروح للإنسان بعد موته ، تعتبر من أكثر القضايا التي يجادل فيها الكفار ، ويعاندون بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك تنتقل الآية التالية إلى التذكير بهذه القضية ، وإعادة طرحها وفق منطق قرآني آخر ، إذ يقول تعالى :( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

إنّ خالق هذه المجرّات العظيمة ومدبّرها يستطيع ـ بصورة أولى ـ أن يحيي الموتى ، وإلّا كيف يتسق القول بخلقه السماوات والأرض وعجزه من إعادة الإنسان إلى الحياة بعد الموت؟

إنّ هذا المنطق يعبّر عن جهل هؤلاء الذين لا يستطيعون إدراك هذه الحقائق الكبرى!

أغلب المفسّرين اعتبر هذه الآية ردّا على مجادلة المشركين بشأن قضية المعاد ، بينما احتمل البعض أنّها رد على كبر المتكبرين والمغرورين الذين كانوا يتصورون أن ذواتهم وأفكارهم عظيمة غير قابلة للردّ أو النقض ، في حين آنها تافهة بالقياس إلى عظمة عالم الوجود(٢) .

هذا المعنى غير مستبعد ، ولكن إذا أخذنا بنظر الإعتبار الآيات التي بعدها يكون المعنى الأوّل أفضل.

لقد تضمنت الآية الكريمة سببا آخر من أسباب المجادلة متمثلا بـ «الجهل» في حين طرحت الآيات السابقة عامل «الكبر». والعاملان يرتبطان مع بعضهما ، لأن أصل وأساس «الكبر» هو «الجهل» وعدم معرفة الإنسان لحدوده وقدره ، ولعدم تقديره لحجم علمه ومعرفته.

الآية التي بعدها ، وفي إطار مقارنة واضحة تكشف عن الفرق بين حال

__________________

(١) المؤمن ـ ٢٧.

(٢) يلاحظ الرأي الأوّل في مجمع البيان ، تفسير الفخر الرازي ، الكشاف ، روح المعاني ، الصافي وروح البيان.

٢٩٣

المتكبرين الجهلة إزاء المؤمنين الواعين ، حيث يقول :( وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ) (١) .

إلّا أنكم بسبب جهلكم وتكبركم :( قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ ) (٢) .

إنّ المبصرين يرون صغر أنفسهم إزاء عظمة العالم المحيط بهم ، وبذلك فهم يعرفون قدر أنفسهم ومعرفتهم وموقعهم ، إلّا أنّ الأعمى لا يدرك موقعه أو حجمه في الزمان والمكان وفي عموم الوجود المحيط به. لذلك فهو يخطئ دائما في تقييم أبعاد وجوده ، ويصاب بالكبر والغرور والوهم الذي يدفعه إلى ما هو قبيح وسيّء.

ونستفيد أيضا من خلال ارتباط الجملتين ببعضهما البعض أنّ الإيمان والعمل الصالح ينوّر بصائر القلب والفكر بنور المعرفة والتواضع والاستقرار ، بعكس الكفر والعمل الطالح الذي يجعل الإنسان أعمى فاقدا لبصيرته ، مشوّها في رؤيته للأشياء والمقاييس.

الآية الأخيرة في المجموعة القرآنية التي بين أيدينا تتعرض إلى وقوع القيامة وقيام الساعة حيث يقول تعالى :( إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ) .

«إن» و «اللام» في (لاتية) وجملة (لا ريب فيها) كلها للتأكيد المكرّر الذي يستهدف تأكيد المضمون والمعنى المراد ، وهو قيام القيامة.

لقد عالجت الرؤية القرآنية قضية القيامة في أكثر من مكان ومورد ، بمختلف الأدلة ووسائل الإقناع ، ذلك نرى بعض الآيات تذكر قيام الساعة والقيامة بدون مقدمات أو دليل ، مكتفية بما ورد من أدلة ومقدمات في أماكن اخرى من الكتاب

__________________

(١) النظرة الأولية في الآية قد لا توجب معنى لـ «لا النافية» في قوله تعالى :( وَلَا الْمُسِيءُ ) ولكن تأكيد النفي من ناحية ، وتجلية المقصود من الجملة من ناحية ثانية ، أوجب تكرار النفي ، مضافا إلى أن طول الجملة قد يؤدي إلى نسيان الإنسان للنفي الأول ، الأمر الذي يوجب التكرار.

(٢) «ما» في قوله تعالى :( قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ ) زائدة ، وهي للتأكيد.

٢٩٤

المبين.

«الساعة» كما يقول «الراغب» في «المفردات» هي بمعنى : أجزاء من أجزاء الزمان.

إنّ الإشارة التي يطويها هذا الاستخدام لكلمة (الساعة) يشير إلى السرعة الّتي يتم فيها محاسبة الناس هناك.

لقد استخدمت الكلمة عشرات المرّات في القرآن الكريم ، لتدل بشكل عام على المعنى الآنف الذكر ، لكنّها نعني في بعض الأحيان نفس القيامة ، فيما تعني في أحيان اخرى الإشارة إلى انتهاء العالم ومقدمات البعث والنشور. وبسبب من الارتباط القائم بين الحدثين والقضيتين ، وأنّ كلاهما يحدث بشكل مفاجئ ، لذا تمّ استخدام كلمة «الساعة». (يمكن للقارىء الكريم أن يعود إلى بحث مفصل حول «الساعة» في تفسير سورة الروم).

أما سبب القول : بـ( وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ) فلا يعود إلى أن قيام القيامة من القضايا المجهولة والمبهمة ، بل ثمّة ميل في الإنسان نحو «الحرية» في الاستفادة غير المشروطة أو المقيدة من ملذات الدنيا وشهواتها ، بالإضافة إلى الأمل الطويل العريض الذي يلازم الإنسان فينساق مع الحياة ، ويغفل عن التفكير بالقيامة ، أو الاستعداد لها.

* * *

ملاحظة

اليهود المغرورون :

لقد ذكر بعض المفسّرين في سبب نزول الآية الأولى ـ من مجموعة الآيات التي بين أيدينا ـ بحثا مفاده أن اليهود كانوا يقولون : سيخرج المسيح الدجال فنعينه على محمّد وأصحابه ونستريح منهم ، ونعيد الملك إلينا (مجمع البيان ـ الجزء

٢٩٥

الثامن ـ صفحة (٨٢٢) طبعة دار المعرفة).

يمكن أن يشمل هذا السبب فيما يتضمّن من ادعاءات اليهود معنيين : الأول : أنّهم أرادوا أن ينتصر المسيح على الدّجال ، من خلال ادعائهم أنّ «المسيح المنتظر» هو منهم وتطبيق الدجّال ، والعياذ بالله ، على النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أو أنّهم كانوا حقا في انتظار الدجّال الذي كانوا يعتبرونه من أنفسهم.

ذلك أنّ المسيح وكما ذكر «الراغب» في «المفردات» وابن منظور في «لسان العرب» تطلق على «عيسى»عليه‌السلام بسبب سيره وسياحته في الأرض ، أو بسبب شفائه للمرضى بأمر الله عند ما كان يمسح بيده عليهم. وكانت تطلق أيضا على «الدجال» لأنّ الدجال له عين واحدة ، بينما كان مكان العين الأخرى ممسوحا.

ويحتمل أن يكون اليهود ينتظرون خروج الدجال ليتعاونوا معه في دحر المسلمين الذين هزموهم مرات عديدة ممّا أثار غضبهم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد يكونوا في انتظار المسيح ، كما يستفاد من قاموس الكتاب المقدس حيث يظهر أنّ المسيحيين واليهود ينتظرون خروج المسيح ، لأنّهم يعتقدون بأنّ المسيح سيحارب الدجال ويقضي عليه. لذلك أرادوا تطبيق هذا المعنى على ظهور الإسلام.

وقد استنتج بعض المفسّرين من سبب نزول هذه الآية على أنّها مدنية دون غيرها من آيات السورة المكية. ولكن عدم ثبوت سبب النّزول ، كما أن عدم وضوح مفاد الآية وإبهامها تستوجب ضعف هذا الاستنتاج.

* * *

٢٩٦

الآيات

( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) )

التّفسير

ادعوني أستجب لكم :

لقد تضمنت الآيات السابقة ألوان الوعيد والتهديد لغير المؤمنين من المتكبرين والمغرورين ، المجموعة التي بين أيدينا من الآيات الكريمة تفيض حبّا إليها ولطفا ، وتنتجس بالرحمة الشاملة للتائبين.

يقول تعالى أولا :( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

لقد فسّر الكثير من المفسّرين «الدعاء» بمعناه المعروف ، وما يؤكّد ذلك هو جملة «استجب لكم» بالإضافة إلى ما تفيده الروايات العديدة الواردة بخصوص

٢٩٧

هذه الآية وثواب الدعاء ، والتي سنشير إلى بعض منها فيما بعد.

ولكن بعض المفسّرين تبع (ابن عباس) في رأيه بأن الدعاء هنا بمعنى التوحيد وعبادة الخالق جلّ وعلا ، أي «اعبدوني واعترفوا بوحدانيتي» إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأظهر.

ونستفيد من الآية أعلاه مجموعة ملاحظات هي :

١ ـ أنّ الله يحب الدعاء ويريده ويأمر به.

٢ ـ لقد وعد الله بإجابة الدعاء ، لكن هذا الوعد مشروط وليس مطلقا. فالدعاء واجب الإجابة هو ما اجتمعت فيه الشروط اللازمة للدعاء والداعي وموضوع الدعاء.

وفي هذا الإطار شرحنا ما يتعلق بهذا الموضوع في تفسير الآية (١٨٦) من سورة البقرة.

٣ ـ الدعاء في نفسه نوع من العبادة ، لأنّ الآية أطلقت في نهايتها صفة العبادة على الدعاء.

تتضمّن الآية في نهايتها تهديدا قويا للذين يستنكفون عن الدعاء ، حث يقول تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) (١) .

* * *

أهمية الدعاء وشروط الاستجابة

ثمّة تأكيد كبير على أهمية الدعاء في الروايات المنقولة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام :

١ ـ في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الدعاء هو العبادة»(٢) .

__________________

(١) داخر من «دخور» وتعني الذلة ، وهذه الذلة هي عقوبة ذلك التكبّر والاستعلاء.

(٢) مجمع البيان ، المجلد الثامن ، صفحة ٥٢٨.

٢٩٨

٢ ـ في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه سئل : ما تقول في رجلين دخلا المسجد جميعا ، كان أحدهما أكثر صلاة ، والآخر دعاء فأيهما أفضل؟ قال «كلّ حسن».

لكن السائل عاد وسأل الإمامعليه‌السلام : قد علمت ، ولكن أيهما أفضل؟ أجاب الإمامعليه‌السلام : «أكثرهما دعاء ، أما تسمع قول الله تعالى :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) . ثمّ أضاف بعد ذلك : «هي العبادة الكبرى»(١) .

٣ ـ في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه أجاب عن أفضل العبادات بقوله : «ما من شيء أفضل عند الله من أن يسأل ويطلب ممّا عنده ، وما أحد أبغض إلى اللهعزوجل ممن يستكبر عن عبادته ، ولا يسأل ما عنده»(٢) .

٤ ـ في حديث آخر عن الإمام جعفر الصادق أنّهعليه‌السلام قال : «إنّ عند اللهعزوجل منزلة لا تنال إلّا بمسألة ، ولو أنّ عبدا سدّ فاه ولم يسأل لم يعط شيئاه فاسأل تعط ، إنّه ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه»(٣) .

٥ ـ لقد ورد في بعض الرّوايات أنّ الدعاء أفضل حتى من تلاوة القرآن ، كما أشار إلى ذلك الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحفيداه من أئمة المسلمين الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام ، حيث قالوا : «الدعاء أفضل من قراءة القرآن»(٤) . وفي نطاق تحليل قصير نستطيع أن ندرك عمق مفاد هذه الأحاديث ، فالدعاء يقول الإنسان من جانب إلى معرفة الله تبارك وتعالى ، وهذه المعرفة هي أفضل رصيد للإنسان في وجوده.

ومن جانب آخر يدفع الدعاء الإنسان إلى الإحساس العميق بالفقر والخضوع

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد الثامن ، صفحة ٥٢٩.

(٢) الكافي ، مجلد ٢ ، باب : فضل الدعاء والحث عليه. صفحة ٣٣٨.

(٣) الكافي ، المجلد الثّاني ، (باب فضل الدعاء والحث عليه) ص : ٣٣٨.

(٤) مكارم الأخلاق ، طبقا للميزان ، المجلد ٢ ، ص ٣٤.

٢٩٩

تجاه خالقه جلّ وعلا ويبعده عن التعالي والغرور اللذين يعدّان الأرضيه المناسبة للمجادلة في آيات الله والانحراف عن جادة الصواب والوقوع في المهالك.

من جانب ثالث يعمق الدعاء لدى الإنسان الشعور بأنّه جلّ وعلا منبع النعم ومصدره ويدفعه إلى العشق والارتباط العاطفي مع الله جلّ جلاله.

ومن جانب رابع يشعر الإنسان بالحاجة الى الله تعالى وانه رهين نعمته ، ولذلك فهو موظف بطاعته وتنفيذ أوامره ، ويرهف إحساسه بالعبودية لله تعالى.

وخامس بما أنّه يعلم أنّه للإجابة شروطها ، ومن شروطها خلوص النية ، وصفاء القلب ، والتوبة من الذنوب ، وقضاء حوائج المحتاجين ، والسعي في مسائل الناس من الأقرباء والأصدقاء وغيرهم ، فلذلك يهتم ببناء الذات وإصلاح النفس وتربيتها.

وسادس يركّز الدعاء في نفس الإنسان الداعي عوامل المنعة والإرادة والثقة ، ويجعله أبعد الناس عن اليأس والقنوط أو التسليم للعجز (وقد تحدثنا عن الدعاء وفلسفته وشرائطه ذيل الآيات ٧٧ من سورة الفرقان).

ثمّة ملاحظة مهمّة هنا ، هي أن الدعاء لا يلغي بذل الوسع والجهد من قبل الإنسان ، وإنّما حسبما تفيد الروايات والأحاديث في هذا الشأن ـ على الإنسان أن يسعى ويبذل ويجهد ، ويترك الباقي على الله تعالى. لذا لو جعل الإنسان الدعاء بديلا عن العمل والجهد فسوف لا يجاب إلى مطلبه حتما.

لذلك نقرأ في حديث عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «أربعة لا تستجاب لهم دعوة : رجل جالس في بيته يقول : اللهم ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالطلب؟. ورجل كانت له امرأة فدعا عليها ، فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك؟ ورجل كان له مال فأفسده ، فيقول : اللهم ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالاقتصاد؟ ألم آمرك بالإصلاح؟ ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة ، فيقال له : ألم آمرك

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592