تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

تسلية المجالس وزينة المجالس6%

تسلية المجالس وزينة المجالس مؤلف:
المحقق: فارس حسون كريم
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 339908 / تحميل: 8353
الحجم الحجم الحجم
تسلية المجالس وزينة المجالس

تسلية المجالس وزينة المجالس الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

١

٢

٣

٤



٥


كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله الأطياب الأخيار.

وبعد:

ففي عام ١١ للهجرة أفل النور المقدّس من الأرض، ذلك النور الذي بعثه الله بشيراً ونذيراً للعالمين، وقبل أن يوارى جثمانه الثرى بدأ خطّ الانحراف عن الرسالة التي جاء بها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانت وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدّاً فاصلاً بين عهدين يختلفان كلّ الاختلاف، فذاك عهد اتّسم بالايمان والصدق والرحمة، وهذا عهد الانقلاب على الأعقاب، وكأنّ القوم أبوا إلا أن يطبقوا الوعد الإلهي( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) (١) .

وكان من نتائج هذا الانحراف هو انقسام الاُمة إلى قسمين:

أحدهما: محب لأهل البيتعليهم‌السلام موالٍ لهم، وملتزم بنهجهم الذي وضعوه، منكر لخطّ الانحراف ولمبدأ السقيفة في الحكم.

والثاني: خطّ أصحاب المصالح والهمج الرعاع، والّذي شمل إضافة إلى أتباع الشيخين، الحزب الأمويّ والخوارج الذين أردوا أمير المؤمنينعليه‌السلام شهيداً في محرابه، واستولى على الحكم معاوية بعد أن اُرغم الامام الحسنعليه‌السلام على الصلح معه لأسباب معروفة.

ومات معاوية وهو يوصي ابنه يزيد بأن يبادر إلى أخذ البيعة من جماعة، وخصّ بالذكر الإمام الحسينعليه‌السلام .

واستلم يزيد الخلافة بعد أبيه، وهو ليس أهلاً للحكومة فضلاً عن خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ بعض التأمّل في شخصيّة هذا الرجل وفي بعض ذاتياته وممارساته من خلال ما أوردته كتب التاريخ والسير عن فترة حكمه القصيرة، يظهر

__________________

١ - سورة آل عمران آيه: ١٤٤.


٦


لكلّ ذي عقل بأنّه كان فاشلاً وخاسراً في جميع الامور وبالأخصّ في الخطّين الرئيسيين اللذين يجب أن يتّصف بهما الحاكم المسلم ؛ ألا وهي خطّي السياسة، والالتزام الديني.

وكان أبناء الاُمّة آنذاك قد تلبّد إحساسهم وأخلدوا إلى سبات عميق، فهم همج رعاع ينعقون مع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، كما وصفهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولولا دم الحسينعليه‌السلام لما تغيّر هذا الحال.

فالحسين الرمز، هو ذلك الانسان الّذي عرف طريقه، فلم تلوه عنها نصائح المحبّين - كابن عبّاس -، ولا تحذيرات المنافسين - كالحرّ بن يزيد الرياحي -، ولكن الحسين مضى، لأنّه مُضاءٌ ببرقٍ داخليّ، يعرفه هو، لينفّذ ما في الكتب، كما يقول السيد المسيح

رفض عروض الوليد بن عقبة والي يزيد على المدينة، وخرج إلى مكّة لليلتين بقيتا من شهر رجب سنة ٦٠ للهجرة.

وخرجعليه‌السلام إلى العراق في الثامن من ذي الحجة، وقُتل رسوله إلى العراق مسلم بن عقيل بعد ذلك بيومٍ واحد.

وبلغعليه‌السلام مشارف الكوفة، وكان والي يزيد عليها عبيد الله بن زياد، فأرسل ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد لاصطياد الحسين ومن معه والتقى الركبان ودار بين الامام الحسين وبين الحرّ بن يزيد حوار طويل غير انّه لم يثنِ الحسين بن عن غايته، لذلك انجذب إليه قائد الجيش الأمويّ « الحرّ » وجاهد ما استطاع دونه ودون آل بيته من النساء والأطفال حتى ضُرّج بدمه.

وهكذا سائر أصحاب الامام وأنصاره - مسلم بن عوسجة، وبرير، وزهير، وحبيب، و - تابعوه في مسيرة الشهادة، والمواقف الصامدة والبطولية التي وقفوها أمام الموت المحقّق، فصمدوا واستشهدوا، وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء في سبيل نصرة إمام زمانهم الحسينعليه‌السلام .

وتشابكت الأحداث وتعقّدت، ثم مرّت بسرعة، وإذا بالحسين مخضّب بدمه،


٧


في كربلاء، لم يحد عن صراطه السويّ، فلم يُهادن الظالمين، ولم يستسلم للباطل، ولم يبايع، وإنّما خرج ثائراً على كلّ ذلك، فإصلاح اُمّة جدّه، وليجدّد إسلام الاُمّة التي انقلبت على أعقابها، فيجعلها خير اُمّة اُخرجت للناس.

فكان عاشوراء اختضاب الأرض بالدم الحسيني مرّة، ولكنّه سيظلّ زينة السماء الداعية إلى الحرية الحمراء، قبل كلّ شروق، وبعد كلّ غروب

ومع استشهاد الامام الحسينعليه‌السلام تيقّظت ضمائر أبناء الاُمّة، وانتشر حبّ آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفوفهم، وتحرّك الأئمّةعليهم‌السلام واحداً تلو الآخر في سبيل نشر المبادئ التي ثار من أجلها الحسينعليه‌السلام ، وتوالت الثورات الشيعية التي تطالب بالثأر من قتلة الحسين فكانت ثورة المختاررحمه‌الله ، وثورة التوّابين، وعشرات الثورات الاُخرى، وأخذ العلماء والخطباء وأهل السير بالحديث عن الثورة والمآسي التي رافقتها.

وأضحى يوم عاشوراء رمزاً لكل المحرومين والثائرين ضدّ الظلم والطغيان في كلّ مكان وزمان، واُلّفت مئات الكتب التي تحدّثت عن وقائع ثورة الحسين « ع ».

ومن هذه الكتب القيّمة هذا الكتاب الذي بين يديك - عزيزي القاريء - وهو « تسلية المُجالس وزينة المَجالس » المسمّى ب‍ « مقتل الحسينعليه‌السلام » للسيد العالم الأديب محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائريرحمه‌الله ، وقد حوى على مقدّمة ومجالس عشرة، تطرّق المؤلّف في مقدّمته لبعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وردّ بعض الأحاديث التي وضعها الأمويّون، وبالأخص في حكم معاوية، والتي حاولت الرفع من منزلة الصحابة، والحطّ من شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وقد تصدّى الفاضل فارس حسّون كريم لتحقيق هذا السفر القيّم، ليخرجه لمحبّي أهل البيت من زوايا المكتبات، بعد أن تحمّل جهوداً مُضنية في الحصول على نسخة الكتاب النفيسة، واستنساخها، ومراجعة عشرات المصادر من أجل تثبيت الخبر الصحيح، فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

مؤسسة المعارف الاسلامية - قم


٨


الاهداء

سيديّ أبا الأحرار.

يا من كان اسمه نغمة حلوة في فم أبي الزهراء - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ،يستعذبها ولا يملّ من ترديدها، ففيك وفي أخيك كان يجد اُنسه وسلوته عمّا فقد من الأبناء، وما يؤذيككان يؤذيه، حتى انّه سمع بكاءك ذات مرّة فقال للزهراء عليها‌السلام :

أما علمت أنّ بكاءه يؤذيني؟

فما عساه أن يقول لو قد رأى اُمّة الضلال قد تكالبت على انتهاك حرمتك؟!

فقد بارزتك بسيوف الدهر، ورمتك بسهامه، غير أنّها جعلت منك قبلة للشفاعة نترنّم فيها طرباً.

فكان عملي هذا عنوان تذكار الولاء، عساه أن يحظى بالقبول، فأبلغ غاية المأمول.

فارس


٩



١٠


ترجمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الحكيم الوهّاب، ربّ الأرباب، والهادي إلى سبيل الهدى والصواب.

والصلاة والسلام على خير خلقه المؤيّد بفصل الخطاب، خاتم أنبيائه محمد أشرف الأحباب.

وعلى آله، النور المبين والصراط المستقيم ومنهاج الصواب، اُولي العلم المحسودين على ما آتاهم الله من فضله واُولي الأمر كما جاء به الكتاب، ترفع بهم درجات شيعتهم وتخفض درجات اعدائهم النصّاب.

وبعد:

فكثر هم الأعاظم الذين لم ينصفهم التاريخ، وهذا السيد الذي نحن بصدد الحديث عن حياهت واحد من اولئك الأكابر.

فالسيدرحمه‌الله رقم ناصع في جبين الدهر، وهو عالم كبير، فاضل خبير، كامل قدير، أديب جدير، شاعر ناثر، ناظم ماهر، يشهد له كتابه هذا بعلوّ كعبه، وشدّة إيمانه، ومع كلّ هذا لم نعثر له على ذكر شاف يفي بحقّ هذا السيد


١١


الجليل.

والّذي وجدناه عبارات موجزة مقتضبة جدّاً لا تسمن ولا تغني من جوع، فلم تتطرّق لجانب بسيط من عمره الشريف، كنسبه، اُسرته، مدينته، محلّ وتاريخ ولادته، وما أعقبها من مراحل حياته، كدراسته وشيوخه وتلامذته، وأخيراً تاريخ وفاته.

وكأنّهرحمه‌الله على يقين بما تخبّئ له غِيَر الزمان من تجاهل وإهمال، ففي موضع من كتابه هذا أورد اسمه ونسبه ولقبه كاملاً(١) ، وفي موضع آخر بيّن محلّ ولادته وسبب تركه ذلك المحلّ واستيطانه الحائر(٢) ، وفي موضع ذكر أنّه رأى كتاب « روضة الشهداء » للكاشفي(٣) فصنّف « تسلية المجالس وزينة المجالس » على منواله(٤) ، وفي موضع ذكر أنّه بعث ابنه طاهر ليأتيه بكتاب « تذكرة الفقهاء » للعلّامة الحلّي(٥) (٦) ، وفي موضع آخر من هذا الكتاب أشاد

__________________

١ - في ج ١ / ٥٣.

٢ - في ج ١ / ٥٤.

٣ - « روضة الشهداء » فارسي، للحسين بن علي الكاشفي البيهقي، المتوفّى في حدود سنة ٩١٠ ه‍، مرتّب على عشرة أبواب وخاتمة فيها ذكر أولاد السبطين وجملة من السادات، واحتمل بعض أنّه أوّل مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس حتى عرف قاريه ب‍ « روضة خوان »، ثمّ توسّع في هذا العنوان إلى هذا الزمان حتى يقال لكلّ قارئ « روضة خوان » « الذريعة: ١١ / ٢٩٤ رقم ١٧٧٥ ».

٤ - في ج ١ / ٦٩.

٥ - « تذكرة الفقهاء » في الفقه الاستدلالي من تصنيف العلّامة جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف الحلّي، المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‍، وقد طبع في مجلّدين ضخمين في إيران « الذريعة: ٤ / ٤٣ رقم ١٦٩ ».

وقد طبع مؤخّراً في قم بتحقيق ونشر مؤسّسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث.

٦ - في أواخر الجزء الثاني.


١٢


بالسلطان الشاه إسماعيل أبو المظفّر الصفوي(١) (٢) ، وفي موضع ذكر غزو التتار وما فعلوا(٣) ،

اسمه ونسبه الشريف:

السيد محمد بن أبي طالب بن أحمد بن محمد المشهور بن طاهر بن يحيى ابن ناصر بن أبي العزّ(٤) الحسيني الموسوي الحائري الكركي.

__________________

١ - الشاه إسماعيل الأوّل بن السلطان حيدر الحسيني الموسوي الصفوي، ينتهي نسبه إلى حمزة بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، ولد في ٢٥ رجب سنة ٨٩٢ ه‍، وتوفّي في تبريز ١٩ رجب سن ٩٣٠ ه‍ أو ٩٣١ ه‍، ودفن بمقبرة جدّه صفي الدين في أردبيل، ابتدأت سلطنته سنة ٩٠٦ ه‍ ومدّة ملكه ٢٤ سنة، وهو أوّل الملوك الصفويّة وموطّد دولتهم: « أعيان الشيعة: ٣ / ٣٢١ ».

٢ - في ج ١ / ٦٣.

٣ - في أواخر الجزء الثاني.

٤ - الظاهر أنّ « ابن أبي العزّ » هذا هو العالم الفاضل المعروف، وهو الذي ذهب مع والد العلامة الحلي والسيد مجد الدين بن طاووس لطلب الأمان لأهل الحلّة، والقصّة كما يلي:

قال العلامة الحلّي - المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‍ - في كشف اليقين: ١٠١ ح ٩٣: لمّا وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلّة إلى البطائح الا القليل، وكان من جملة القليل والديرحمه‌الله والسيد مجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العزّ، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنّهم مطيعون داخلون تحت الإيليّة، وأنفذوا به شخصاً أعجميّاً.

فأنفذ السلطان إليهم فرماناً [ الفرمان: الأمير الملوكي ] مع شخصين ؛ أحدهما يقال له تُكلْم، والآخر يقال له علاء الدين، وقال لهما: إن كانت قلوبهم كما وردت به كتبهم فيحضرون إلينا، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه، فقال والديرحمه‌الله : إن جئت وحدي كفى، فقالا: نعم، فاصعد معهما.

فلمّا حضر بين يديه، وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة، قال له: كيف أقدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون إن صالحني ورحلت نقمته؟


١٣


محلّ ولادته وهجرته إلى الحائر:

حدّد المؤلّفرحمه‌الله مكان مولده قائلاً:

إنّي لمّا هجرت مهاجر أبي واُمّي وعمومتي وبني عمّي ومسقط رأسي ومولدي، ومصدري في الاُمور وموردي، وهي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدّسة، وهي في الحقيقة على تقوى الله مؤسّسة أعني البلدة المشهورة ب‍ « دمشق » معدن الفجور والغرور والفسق(١) .

فحثثت ركابي عن ديارهم، وأبعدت قراري من قرارهم وحططت رحلي ببلاد الوصيّين، وألقيت كلّي على إمام المتّقين، وجعلت مشهد قرّة

__________________

فقال له والدي: إنّما أقدمنا على ذلك، لأنّا روينا عن إمامنا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أنّه قال في بعض خطبه: الزوراء وما أدراك ما الزوراء؟ أرض ذات أثلٍ يشيّد فيها البنيان، ويكثر فيها السكّان، ويكون فيها مهارم وخزّان، يتّخذها ولد العبّاس موطناً، ولزخرفهم مسكناً، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائر، والحيف المحيف، والأئمّة الفجرة، والقرّاء الفسقة، والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم.

لا يأتمرون بينهم بمعروفٍ إذا عرفوه، ولا ينتهون عن منكرٍ إذا أنكروه، تكتفي الرجال منهم بالرجال، والنساء بالنساء، فعند ذلك الغمّ العميم، والكباء الطويل، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك، وما هم الترك، قوم صغار الحدق، وجوههم كالمجان المطرقة، لباسهم الحديد، جردٌ مردٌ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا، ملكهم جهوري الصوت، قويّ الصولة، عالي الهمّة، لا يمرّ بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية الا نكسها، الويل الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر.

فلمّا وصف لنا ذلك، ووجدنا الصفات فيكم، رجوناكم فقصدناك، فطيّب قلوبهم، وكتب لهم فرماناً باسم والديرحمه‌الله يطيّب فيه قلوب أهل الحلّة وأعمالها. انتهى.

ورواه العلّامة أيضاً في نهج الحقّ وكشف الصدق: ٢٤٣ - ٢٤٤، وعبد الله أفندي الأصفهاني في رياض العلماء: ٦ / ٩ ( إشارة )، والشيخ عبّاس القمّي في الكنى والألقاب: ١ / ١٨٩، وسفينة البحار: ٣ / ٥٣٣، والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة: ٢ / ٢٥٨، والمدرّس في ريحان الأدب: ٥ / ٢٣٣ رقم ٤٣٠.

١ - انظر ج ١ / ٥٤.


١٤


عينه أبي عبد الله موطني، وحضرته الشريفة في حياتي ومماتي مسكني ومدفني(١) .

 ما قيل في الاطراء عليه:

كتب على ظهر النسخة ما هذا نصّه: كتاب « تسلية المجالس وزينة المجالس » تأليف السيد الحسيب النسيب، العالم الفاضل الكامل، خلاصة البلغاء، زبدة الخطباء النصحاء الألبّاء، اُنموذج سلفه الطاهرين، وصفوة الفضلاء البارعين، فخر الملّة والشريعة والدين، محمد بن أبي طالب أدام الله أوصاله(٢) .

وقال المجلسيرحمه‌الله : السيد النجيب العالم محمد بن أبي طالب(٣) .

وقال في موضع آخر: وكتاب « تسلية المجالس » مؤلّفه من سادة الأفاضل المتأخّرين(٤) .

وقال السيد إعجاز النيسابوري الكنتوري: السيد النجيب العالم محمد بن أبي طالب(٥) .

وقال الميرزا الخوانساري - ضمن كلامه عن الفقيه محمد بن أبي طالب الاسترابادي -: ثمّ ليعلم أنّ هذا الرجل غير محمد بن أي طالب الحسيني الحائري الذي كان هو أيضاً كما في رجال النيسابوري(٦) من جملة

__________________

١ - انظر ج ١ / ٦٢.

٢ - ستعرف أنّ النسخة كتبت في عصر المؤلّفرحمه‌الله .

٣ و ٤ - بحار الأنوار: ١ / ٢١ و ٤٠.

٥ - كشف الحجب والأستار: ١٢١ رقم ٥٧٩.

٦ - وهو الميرزا محمد الاخباري المقتول. « الذريعة: ١٠ / ١٥٧ رقم ٢٨٣ ».


١٥


المشايخ(١) .

وقال السيد الأمين: في رسالة « نزهة أهل الحرمين »(٢) وصفه بالعالم الجليل والسيد الجليل(٣) .

ولده:

صرّح المؤلّفرحمه‌الله أنّه أرسل ولده « طاهر » ليأتيه بكتاب « تذكرة الفقهاء » للعلّامة الحلّي. ولا نعلم كم له من الأولاد، وكم كان عمر ناصر حينذاك؟(٤)

فترة عمره الشريف:

بما أنّا لم نتعرّف على تاريخ ولادة المؤلّف ولا تاريخ وفاتهرحمه‌الله ،

____________

١ - روضات الجنّات: ٧ / ٣٥.

واحتمل الشيخ آقا بزرگ الطهراني في طبقات آعلام الشيعة « إحياء الداثر من مآثر أهل القرن العاشر: ٢١٤ أن يكون المؤلّف هو نفسه محمد بن أبي طالب الموسوي الحسيني الاسترابادي، تلميذ المحقّق الكركي، وشارح الجعفريّة، وسمّى الشرح « المطالب المظفّرية »، حيث قال:

ولعلّه الاسترابادي المذكور فإنّه في آخر المجلس الخامس في أحوال مسلم بن عقيل أظهر الشكوى من أهل زمانه وغدرهم به كما غدر أهل الكوفة بمسلم. قال: ولمّا نجّاه الله منهم هاجر إلى كربلاء واتّخذها موطناً ومستقرّاً فيظهر أنّه لم يكن حائريّ الأصل. انتهى.

أقول: يبدو أنّ الحقّ مع الميرزا الخوانساري، حيث إنّ المؤلّفرحمه‌الله صحيح لم يكن حائريّ الأصل لكنّه كركيّ، كما هو صرّح في كتابه، وكما بيّناه فيما سبق.

٢ - « نزهة أهل الحرمين في تاريخ تعميرات المشهدين » في النجف وكربلاء، لسيّدنا الحسن بن هادي صدر الدين العاملي الأصفهاني الكاظمي « ١٢٧٢ - ١٣٥٤ » صاحب « تأسيس الشيعة الكرام لفنون الاسلام ». الذريعة: ٢٤ / ١١٤ رقم ٥٩٢ ».

٣ - أعيان الشيعة: ٩ / ٦٢.

٤ - انظر أواخر الجزء الثاني.


١٦


فلذا من الصعب تحديد الفترة التي عاشها، الا أنّ هناك دلالات نعرف من خلالها العصر الذي عاش فيه هذا السيد البارع، وكما يلي:

١ - انّهرحمه‌الله عثر على كتاب « روضة الشهداء » للمولى الحسين الواعظ الكاشفي، المتوفّى سنة « ٩١٠ » ه‍، وتاريخ تأليف الروضة هو سنة « ٨٤٧ » ه‍، وألّف كتابه هذا على منوال الروضة.

٢ - أشادرحمه‌الله في كتابه هذا بالسلطان شاه إسماعيل الصفوي، المولود سنة « ٨٩٢ » ه‍، وتسلّم السلطة سنة « ٩٠٦ » ه‍، وقاتل شيك خان الاوزبك سنة « ٩١٦ » ه‍، وتوفّي سنة « ٩٣٠ » ه‍.

٣ - لقد زار المؤلّف مرقد أمير المؤمنينعليه‌السلام في سنة « ٩٢١ » ه‍(١) .

٤ - كتب بعض قصائده وصرّح بأن عمره كان « ٧٠ » سنة(٢) .

٥ - ألّف السجع النفيس عام ٩٥٥ ه‍.

٦ - صرّح بأنّه حصل على كتاب « تذكرة الفقهاء » للعلّامة الحلّي سنة « ٩٠٠ » ه‍.

ونستنتج من هذا انّهرحمه‌الله ولد في القرن التاسع وعاش إلى أواسط القرن العاشر.

__________________

١ - انظر ج ١ / ٢٣٠.

٢ - انظر ج ٢ / ٧٤ و ١٣٠.


١٧


حول الكتاب

سفر كبير ثمين جلّه في مقتل الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وثواب إظهار الجزع لمصابه ومصاب أهل بيته، والبكاء لرزيّتهم والجلوس لعزيّتهم، وحمل سبايا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبناته وأحفاده إلى الشام.

وقد قال مؤلّفه: إنّي بعد أن منّ الله عليَّ بمجاورة سبط نبيّه أطلق لساني بمدح رسوله المصطفى، ووليّه المرتضى، وأهل بيتهما الأئمة النجباء فصرتُ اُحلّي بذكرهم المنابر، واُزيّن بشكرهم المحاضر فقلّ أن يمضي يوم من الأيام التي حباهم الله فيها بتفضيله، ونوّه بذكرهم في محكم تنزيله، إلا وقد وضعتُ خطبة في فضل ذلك اليوم الشريف كخطبة مولد البشير النذير، وخطبة يوم الغدير وذيّلتها بأحاديث رائقة وخطبة يوم السادس من شهر ذي الحجّة الذي كان فيه تزويج البتول من صنو الرسول، ويوم نزول سوة « هل أتى » وما في فضلهم أتى، والمجلس المشهور ب‍ « تحفة الزوّار ومنحة الأبرار » وهو مجلس ذكرت فيه ثواب زيارة سيّد الشهداء وفضل كربلاء، وكالتعزية الموسومة ب‍ « مجرية العبرة ومحزنة العترة » وهي خطبة يوم التاسع من المحرّم، وكالمجلس المشهور ب‍ « قاطع أسباب النفاق وقامع أرباب الشقاق » وهو مجلس قلته بإذن الله في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجّة وكالرسالة الموسومة ب‍ « السجع النفيس في محاورة الدلام وإبليس » وغير ذلك من رسائل وخطب وأشعار تحث على اقتناء الفضائل

وكان ذلك يشتمل على مائتي ورقة وأكثر، أبهى من عقود اللآلئ وأبهر


١٨


ثم إنّي بعد ذلك عثرت على كتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة، وفرسان البلاغة الأعجميّة(١) قد رتّبه على عشرة مجالس لقيام المآتم لمصاب الغرّ الميامين من بني هاشم شهداء كربلاء وجعلها خاصّة بالعشر الاُول من شهر محرّم الحرام وجعل لكلّ يومٍ من أيّامه مجلساً لقواعد الحزن والتعزية

فاستخرت الله سبحانه أن أنسخ على منواله في التصنيف والترتيب، وأقتدي بأفعاله في التأليف والتهذيب، واُزيّن مجالس أهل الايمان بمناقب سادتههم ومواليهم، واُهيّج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم ومواليهم، واُحلّي أجياد اللسان العربي بدرر نظمي ونثري، واُجدّد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فكري، ورتّبته كترتيبه، وبوّبته كتبويبه، لكن لم أقصد ترجمة كلامه، ولا سلكت مسلكه في نثاره ونظامه، وجعلته عشرة مجالس ولم اُورد فيه من الأحاديث الا ما صحّحه علماؤنا، ورجّحه أعلامنا، ودوّنوه في كتبهم، ونقلوه عن أئمّتهم(٢) .

نسخة الكتاب:

هي النسخة النفيسة المخطوطة في مكتبة مدرسة النمازي في مدين « خوي » - من توابع محافظة تبريز - برقم ٤٥٩ مكتوبة بخطّ نسخ متوسّط، وأخطاؤها ليست قليلة، تقع في « ٥٨٥ » صفحة، احتوت كلّ صفحة « ٢٢ » سطراً قياس الصفحة ١٧ * ٧٠ / ١١ سم، سقط من وسطها سفحة واحدة أكلمناها من مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للخوارزمي - وأشرنا له في

__________________

١ - مراده « روضة الشهداء » للمولى الكاشفي.

٢ - انظر ج ١ / ٦٧ - ٧٠.


١٩


محلّه -، ومن آخرها أيضاً صفحة أو أكثر وهي من نثر المؤلّف، فلذا توقّفنا في آخر الكتاب كما في النسخة. كتبت على النسخة بعض الحواشي بالفارسية وبالعربية.

وقد كتب على ظهر النسخة - وبنفس خطّ كاتب النسخة - ما هذا نصّه: كتاب « تسلية المجالس وزينة المجالس » تأليف السيد الحسيب النسيب الحسيني الموسوي الحائري أدام الله أوصاله.

فيفهم من هذا انّ النسخة مكتوبة في عصر المؤلّف ولعلّ كاتبها تلميذ المؤلّف أو شخص آخر(١) .

تسمية الكتاب:

اُطلق على الكتاب عدّة تسميات، وكما يلي:

١ - تسلية المُجَالس.(٢)

٢ - تسلية المُجَالس وزينة المَجَالس.(٣)

٣ - زينة المَجَالس.(٤)

٤ - مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام (٥) .

وجميعها غير بعيد عن الصحيح، وثانيها هو الأصح والأكمل، وهو الذي

__________________

١ - قال الشيخ آغا بزرگ الطهراني: نسخة - أي من هذا الكتاب - عند الشيخ محمد رضا فرج الله. « الذريعة: ٢٢ / ٢٧ ».

٢ - بحار الأنوار: ١ / ٤٠، الذريعة: ٤ / ١٧٩ رقم ٨٨٥.

٣ - بحار الأنوار: ١ / ٢١، كشف الحجب والأستار: ١٢١ رقم ٥٧٩، أعيان الشيعة ٩ / ٦٢، طبقات أعلام الشيعة ( القرن العاشر ): ٢١٤.

٤ - الذريعة: ١٢ / ٩٤.

٥ - بحار الأنوار: ١ / ٢١، الذريعة: ٢٢ / ٢٧.


٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

الابتعاد عن إيذاء المؤمنين

يقول الحسين بن أبي العلاء: كنَّا في نحو عشرين نفراً عزمنا على الحَجِّ إلى بيت الله الحرام في مصاريف مُشتركة. وكنت أذبح لهم شاة في كل منزل ننزل فيه. وفي يوم، ونحن في السفر، زرت الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال لي: (يا حسين، أُتذلُّ المؤمنين؟!).

قلت: أعوذ بالله مِن ذلك.

فقال (عليه السلام): (بلغني أنَّك تذبح لهم في كلِّ منزل شاةً).

فقلت: يا مولاي، والله ما أردت بذلك غير وجه الله تعالى.

فقال (عليه السلام): (أما كنت ترى أنَّ فيهم مَن يُحبُّ أنْ يفعل مثل أفعالك فلا يبلغ مقدرته ذلك، فيتقاصر إليه نفسه؟!).

قلت: يا ابن رسول الله، أستغفر الله ولا أعود.

لم يكن الحسين بن العلاء يرى مِن عمله سوى قرى رفاق سفره، دون أنْ ينتبه لما في ذلك في تحقير للآخرين، فبيَّن له الإمام الصادق عيبه الأخلاقي، فتنبَّه الرجل إلى ذلك فوراً، ولم يعد لمثله (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢١

اتَّق الله ولا تَعجل

عن جرير بن مرزام قال:

قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): إنِّي أُريد العُمرة، فأوصني.

قال: (اتَّق الله ولا تَعجل).

فقلت: أوصني. فلم يزد على هذا.

إنَّ العجلة والتسرُّع كانا واضحين في أُسلوب تفكيره، فهو في أول منزل مِن منازل سفره يُصادف مجهولاً ويسمع منه ما لا يُحبُّ أن يسمع. وبدلاً مِن أنْ يُناقش الرجل ويُصحِّح له خطأه، يُقرِّر مُنازلته وقتله، ولكنَّه يلتزم وصية الإمام الصادق (عليه السلام) ويُمسك نفسه عن تنفيذ قراره.

كان مُعلِّم الأخلاق الإسلاميَّة يعرف عيب جرير الخلقي، فاستثمر فرصة طلبه النصح فأوصاه بعدم التسرّع الذي كان مِن أهمِّ عُيوبه، وبذلك نجَّاه مِن خطر السقوط.

٣٢٢

الإسراف مذموم

كان منصور بن عمّار مارَّاً قرب بيت قاضي بغداد، وكان باب البيت مفتوح، فوقف منصور أمام الباب وأخذ ينظر إلى داخل البيت واسع وضخم، ولفت نظره الغرف المفروشة والأواني الفاخرة، وتعدُّد الغُلمان والخُدَّام، وتعجَّب مِن هذه الزخارف والزينة.

طلب منصور ماءً للوضوء، فملأ أحد الغُلمان إبريقاً كبيراً وجاء به إليه، وعندما جلس ليتوضَّأ أراق ماء الإبريق كلَّه، وشاهده قاضي بغداد فقال له:

يا منصور، لماذا هذا الإسراف في الماء؟

أجاب منصور: أيَّها القاضي، أنت تُحاسبي في الماء المُباح للوضوء، ولا تُحاسب نفسك على هذا الإسراف العجيب في البناء!

والله يعلم مِن أين جاءتك هذه الأموال، ولم تكتف بمنزل صغير وخادم؟!

لماذا كلُّ هذا الإسراف وتحمُّل المعصية؟!

انتبه قاضي بغداد مِن غفلته بسبب كلام منصور، واعتدل بعد ذلك في صرف الأموال (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢٣

الشيطان لن ينصح مُسلماً

هناك حديث مرويٌّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) يدور حوله حوار يجري بين النبي يَحيى (عليه السلام)، وإبليس العدوِّ اللدود لبني آدم، فيُمعن النبيُّ يحيى (عليه السلام) النظر في أقوال إبليس ويستفيد منها.

قال يحيى: (فهل ظفرت بيَ ساعة قطُّ؟).

قال: لا، ولكنْ فيك خِصلة تُعجبني.

قال يحيى: (فما هي؟).

قال: أنت رجل أكول، فإذا أفطرت أكلت وبشمت، فيمنعك ذلك مِن صلاتك وقيامك بالليل.

قال يحيى: (فإنِّي أُعطي الله بهذا (عهداً) أنِّي لا أشبع مِن الطعام حتَّى ألقاه).

قال له إبليس: وإنِّي أُعطي الله عهداً أنِّي لا أنصح مسلماً حتَّى ألقاه (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢٤

لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ

أرسل الخليفة العباسي عبد الله بن طاهر والياً على خراسان، فدخل هذا بجنوده مدينة نيسابور، واستقرَّ بهم في المواضع المُخصَّصة لهم، إلا أنَّها لم تتَّسع لهم جميعاً، فوزَّع بعض جنوده على الأهالي وأجبرهم على استضافتهم، فأثار فيهم موجة مِن السخط والتذمُّر.

واتَّفق لأحد الجنود أنْ يسُكن مع رجل غيور زوجته جميلة، فاضطرَّ الرجل إلى أنْ يترك عمله ليبقى في البيت رقيباً لئلا تتعرَّض زوجه لاعتداء مِن الجنديِّ الشابِّ.

في أحد الأيَّام طلب الجندي من صاحب البيت أنْ يأخذ فرسه ليورده الماء غير أنَّ الرجل الذي لم يكن - مِن جِهة - يجرؤ على ترك زوجه مع الجنديِّ وحدهما في البيت، ويخاف - مِن جِهة أُخرى - رفض طلب الجندي، قال لزوجه أنْ تأخذ هي الفرس إلى الماء، ويبقى هو للمُحافظة على أثاث البيت، فأخذت الزوجة بزمام الفرس واتَّجهت نحو موضع الماء.

وفي تلك اللحظة اتَّفق أنْ مَرَّ عبد الله بن طاهر مِن ذلك المكان، فرأى امرأة وقوراً جميلة تقود فرساً نحو الماء، فعُجب مِن ذلك، واستدعى المرأة وقال لها: لا أراك مِن اللواتي يوردن الخيل، فما الذي دعاك إلى هذا؟!

قالت المرأة بغضب: هذا نتيجة عمل عبد الله بن طاهر الظالم، ثمَّ شرحت له الأمر.

تأثَّر عبد الله مِن قول المرأة وغَضب على نفسه؛ لأنَّه كان سبباً في أنْ يَشعر أهل نيسابور بالتعاسة والشقاء، فأمر المُنادين أنْ ينادوا في البلدة أنْ على جميع الجنود الخروج مِن المدينة حتَّى الغروب مِن ذلك اليوم، ومَن بات منهم في المدينة يُهدر

٣٢٥

ماله ودمه.

وترك هو المدينة إلى (شادياخ) القريبة مِن نيسابور حيث لحق به جنوده، فبنى في تلك المنطقة الواسعة لنفسه قصراً ولجنوده مقرَّات يسكنونها.

هذه المرأة التي كانت حياتها عُرضة للخطر ذكرت عبد الله بن طاهر بالسوء، فكان مِن أثر هذا الكلام والذَّمِّ الموجع أنْ حلَّ العُقدة ورفع الظلم، لا عن نفسها وزوجها فحسب، بلْ إنَّه قد أنقذ سائر الناس مِن التعسُّف والجور، وَوُضِع حَدٌّ للحالة المُزرية التي مَرَّت بها مدينة نيسابور.

وهذا هو مصداق الآية القرآنيَّة: ( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ... ) (النساء: 148) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢٦

اللَّهمَّ إنِّي أمسيت عنه راضياً فارضَ عنه

ومثلما يسعى الناس بدافع مِمَّا فيهم مِن أنانيَّة ورغبة في الحياة، إلى مُعالجة أمراضهم الجسميَّة، ويبحثون عن الدواء والعلاج، كذلك يسعى الذين يتمسَّكون بالحياة الإنسانيَّة والمعنويَّة بدافع مِن حُبِّ الذات وعِشق السموِّ والكمال، مِن أجل إصلاح أفكارهم وأخلاقهم، ويُباشرون بإرادة قويَّة بمُعالجة أنفسهم، فيقومون بواجباتهم، دون أنْ يُبالوا بالمشقَّات والصعاب. هؤلاء يستطيعون تزكية أنفسهم بما يبذلونه مِن سَعي وجُهد، ويتخلَّقون بمكارم الأخلاق والسجايا الإنسانيَّة، ليبلغوا في النهاية الكمال اللائق بمقام الإنسان.

أمثال هؤلاء كثيرون بين المسلمين، مُنذ عهد الرسول حتَّى العصر الحاضر، مِن الرجال والنساء مِن ذوي الإرادة القويَّة والعزم الراسخ، وعلى الرغم مِن أنْ أكثريَّة هؤلاء مجهلون، إلاَّ أنَّ التاريخ احتفظ لنا ببعض الأسماء، وفيها اسم عبد الله ذي البِجادَين.

كان عبد الله مِن قبيلة (هزينة) وكان اسمه عبد العُزَّى - والعُزَّى هو أحد أصنام عرب الجاهليَّة - مات أبوه وهو صغير، فكفله عَمُّه العابد للأصنام فعَني به وربَّاه حتَّى بلغ سِنَّ الشباب، فوهب له بعض أمواله وأغنامه. يومئذ كان الإسلام قد بدأ يُثير الحماس والتحرُّك في الناس، وكان كلام يدور في كلِّ مكان على هذا الدين الجديد، فكان أنْ أخذ عبد العُزَّى الشابّ يبحث عن حقيقة أمر هذا الدين بكلِّ حَماس وعِشق، مُتابعاً جميع الشؤون الإسلاميَّة، وعلى أثر سماعه كلام نبيِّ الإسلام والتعرُّف على التعاليم الإلهيَّة، أدرك فساد المُعتقدات التي كان هو وقبيلته يتَّبعونه، فعافت نفسه الأصنام وعبادتها والعادات الجاهليَّة، وآمن في قلبه بدين الله ولكنَّه لم يُظهر ذلك علانيَّة رعاية لعَمِّه.

٣٢٧

ظلَّت الحال على هذا المنوال بعض الوقت. وبعد فتح مَكَّة قال يوماً لعمِّه: ظللت أنتظرك طويلاً أنْ تعود إلى نفسك فتُسلِم وأُسلم معك، ولكنِّي أراك لا تُريد أنْ تترك عبادة الأصنام، وما تزال تُصرُّ على دينك الباطل، فاسمح لي أنْ أعتنق أنا الإسلام وألتحق بركب المسلمين. كان عَمُّه قد طرق سمعه مِن قِبل ميول ابن أخيه إلى الإسلام؛ لذلك غضب عند سماع كلامه غضباً شديداً، وقال: إنَّه لن يسمح له أبداً بذلك، وأقسم أنَّه إذا خالفه واعتنق الإسلام فسوف يسترجع منه كلَّ ما كان قد وهبه له.

كان الرجل يظنُّ أنَّ ابن أخيه الشابَّ سوف يرجع عن رأيه في الإسلام إذا هدَّده بانتزاع كلِّ شيء منه، وأنَّه سوف يطرد فكرة اعتناق الإسلام مِن رأسه، ويبقى عاكفاً على عبادة الأصنام. ولكنَّ الشابَّ كان مسلماً حقيقيَّاً، لا يُمكن أنْ تتزلزل عقيدته بالتهديد والوعيد، ولا أنْ يرجع عمَّا عزم عليه، فأعلن إسلامه بكلِّ جُرأة وصراحة، ولم يعبأ بالتهديدات الماليَّة.

عند ذلك لم يجد العمُّ إزاء مقالة الشابِّ إلاّ أنْ يُنفِّذ تهديده، فاسترجع منه كلَّ الأموال التي كان قد أعطاها له، ونزع عنه حتَّى الثوب الذي كان يرتديه، فانطلق الشابُّ عارياً إلى أُمِّه وقال لها: أحمل هوى الإسلام، ولا أطلب منك سوى إكساء العُريان. فأعطته أُمُّه قطعة مِن قماش كتَّان عندها، فشقَّها نِصفين كسا عُريِّه بهما واتَّخذ سبيله في الطريق إلى المدينة للتشرّف برؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

كان الفتى قد فُتِن بالحقيقة التي اكتشفها، فامتلأ قلبه بالثورة والحماس، والطهارة والخلوص، والصدق والصفاء. كان يغذُّ السير، كطائر أُطلق مِن سجنه وأصبح حُرَّاً يُحلِّق حيث يشاء، يُريد أنْ يرى رسول الإسلام بأسرع ما يستطيع؛ ليعُبَّ مِن عذب نمير تعاليمه الإلهيَّة المُحيية؛ ليصنع نفسه كما يليق به، ولينال السعادة الحقيقية والكمال الإنسانيِّ المنشود.

دخل المسجد بين الطلوعين عندما كان المسلمون قد اجتمعوا لأداء فريضة

٣٢٨

صلاة الصبح، فأدَّاها جماعة معهم بإمامة رسول الله. وبعد الصلاة استدعاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسأله عمَّن يكون، فقال له: اسمي عبد العُزَّى.

ثمَّ سرد عليه ما جرى له. فقال الرسول: (اسمك عبد الله).

وإذ رآه يلفُّ نفسه بتينك القطعتين مِن القماش لقَّبه بذي البِجادَين. ومُنذ ذلك اليوم عرفه الناس باسم عبد الله ذي البِجادَين.

وخرج عبد الله ذو البِجادَين مع المسلمين في حرب تبوك مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوفَّاه الله في هذه الغزوة. وعند دفنه قام النبي بنفسه بإنزال جسده إلى القبر. وبعد الانتهاء مِن مراسم الدفن، اتَّجه إلى القبلة، ورفع يديه نحو السماء ودعا له قائلاً: (اللَّهمَّ، إنِّي أمسيت عنه راضياً فارضَ عنه).

٣٢٩

التضرُّع إلى الله وأسباب الانتصار

في إحدى الحروب الإسلاميَّة حاصر جُند الإسلام إحدى قِلاع العدوِّ، بهدف الاستيلاء عليها بالقوَّة العسكريَّة، غير أنَّ القلعة كانت حصينة وطالت أيَّام الحصار. وعلى الرغم مِن أنَّ جُند الإسلام بذلوا خلال تلك المُدَّة جهوداً جبَّارة ومساعي حميدة؛ فإنَّهم لم ينجحوا في اقتحام الحِصن، فأخذت معنويَّات الجيش تهبط شيئاً فشيئاً، ويضعف عزمهم على الاستمرار .

وإذ وجد قائد الجيش أنَّ انتصاره في تلك الظروف مُستبعَد جِدَّاً، توجَّه إلى الله تعالى واستعاذ به مِن ذِلِّ النكوص فصام أيَّاماً، ورفع يديه بالدعاء إلى الله مُخلصاً صادقاً، طالباً الانتصار على العدوِّ، فتقبَّل الله تعالى دعواته، وسُرعان ما استجاب له .

كان القائد في أحد الأيَّام جالساً، فشاهد كلباً أسود يركض بين المُعسكر فشدَّ ذلك انتباهه وراح يُدقِّق فيه. وبعد ساعات وجد الكلب نفسه على حائط القلعة، فأدرك أنَّ للقلعة طريقاً إلى الخارج، وأنَّ الكلب يأتي مِن القلعة إلى المُعسكر بحثاً عن طعام ويعود إليه. فكلَّف بعض الجُند بتقصِّي مسير الكلب لمعرفة الطريق الذي يسلكه، ولكنَّهم لم يوفَّقوا للعثور على الطريق. فأمر بجراب أنْ يلوَّث بالسمن لإغراء الكلب به، ويملأ بالدفن ويُثقب في عِدَّة مواضع لينساب منه الحَبُّ فيما يجرُّ الكلب الجراب إلى حيث يُريد. ففعلوا ما أمر به، وألقوا بالجراب في المُعسكر في طريق الكلب .

وفي اليوم التالي خرج الكلب مِن القلعة مُتَّجهاً إلى المُعسكر حتَّى وصل إلى الجراب المدهون، فعضَّ عليه بأسنانه وكَرَّ راجعاً إلى القلعة، مُخلِّفاً وراءه حبَّات الدفن التي كانت تسقط مِن ثقوب الجراب. وبعد ساعة تتبَّع الجُند آثار الدفن على الأرض حتَّى وصلوا في النهاية إلى نقب كبير كان

٣٣٠

يسمح بالدخول إلى القلعة بيُسر وسهولة. فعيَّن القائد موعداً لجنده فاجتازوا النقب إلى داخل القلعة، وهاجموا العدوَّ الذي لم يجد بُدَّاً مِن الاستسلام، وانتهى الحصار بانتصار الإسلام .

لقد كان هذا الكلب دائم التردُّد على المُعسكر، ولكنَّ أحداً مِن الضباط والجنود لم يلتفت إليه؛ لأنَّ أحداً منهم لم يخطر له أنْ يكون هذا الحيوان سبباً لفتح القلعة ولانتصار المسلمين، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى عندما استجاب دعوة القائد، أوقع في قلبه أنْ يتنبَّه إلى الكلب كسبب مِن أسباب الانتصار، وبذلك أخرج المسلمين مِن مُشكلتهم الكُبرى، وفتح أمامهم باب الظفر، وأنقذهم مِن ذِلِّ الهزيمة والانكسار (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣١

يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ

إنَّ الله تعالى قد يشاء أنْ يصون المؤمنين مِن الأخطار والبلايا، بطُرق خارقة للعادة عن طريق إزالة العِلَّة التي تتهدَّدهم بالخطر، ومِن ذلك صيانة خليل الرحمان مِن الاحتراق بنيران عَبدة الأصنام .

لقد حطَّم النبي إبراهيم (عليه السلام) أصنام المُشركين، فأثار غضبهم، فقرَّروا أنْ يُحرقوه دفاعاً عن أصنامهم، فأوقدوا ناراً عظيمة وألقوا به فيها .

في مثل هذه الحالة لم يكن أمام إبراهيم الخليل مفرٌّ مِن الاحتراق في تلك النيران ليستحيل رماداً، ولكنَّ الله لم يُرِدْ له ذلك، بلْ أراد أنْ يصونه مِن نيرانهم، فقال للنار: ( ... يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (الأنبياء: 69 ).

فانقلبت النار المُحرقة برداً وسلاماً عليه بمشية الله تعالى الخاصَّة، وتبدَّل ذلك السعير المُلتهب إلى جوٍّ مِن السلامة خالٍ مِن كلِّ خطرٍ، وانهارت خُطَّة المُشركين في إحراق نبيِّ الله، وظلَّ سليماً في حفظ الله وصيانته (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٢

لا يَخرج الرجل عن مَسقط رأسه بالدَّين

إنَّ محمد بن أبي عمير كان رجلاً بزَّازاً فذهب ماله وافتقر، وكان له على رجل عشرة آلاف درهم، فباع داراً له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم، وحمل المال إلى بابه، فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟

قال: هذا مالك الذي عليَّ .

قال: ورثته؟

قال: لا .

قال: وهِبَ لك؟

قال: لا .

قال: فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟

قال: لا .

قال: فما هو؟

قال: بعت داري التي أسكنها لأقضي دَيني .

فقال محمد بن أبي عمير: حدَّثني ذريح المُحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يخرج الرجل عن مَسقط رأسه بالدَّين) (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٣

أذلُّ الناس مَن أهان الناس

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أذلُّ الناس مَن أهان الناس ).

روي أنَّ عمر بن عبد العزيز دخل إليه رجل، فذكر عنده عن رجلٍ شيئاً .

فقال عمر: إنْ شئتَ نظرنا في أمرك، فإنْ كنت كاذباً فأنت مِن أهل هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) (الحجرات: 6)، وإنْ كنت صادقاً فأنت مِن أهل هذه الآية: ( هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ) (القلم: 11)، وإنْ شئتَ عَفونا عنك؟

فقال: العفو، لا أعود إلى مثل ذلك أبداً (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٤

البادئ أظلم

كان مُعاوية بن أبي سفيان مِن بني أُميَّّة، وعقيل مِن بني هاشم، وكان آل هاشم سادات قريش، مُكرَّمين ومُحترمين، بينما كان آل أُميَّة يشعرون قِبالهم بالصِّغار والضِّعة، فكان ذلك مُدعاة لحِقدهم على آل هاشم، والسعي لمُعاداتهم والانتقام منهم .

كان مجلس مُعاوية في الشام يوماً مُكتظَّاً بالحاضرين، ومنهم عقيل، فأراد مُعاوية أنْ ينتهز الفرصة لينتقص منه، فالتفت إلى الحاضرين وسألهم، أتدرون مَن أبو لهب؟ الذي قال عنه القرآن: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ... ) (المسد: 1) إنَّه عَمُّ عقيل هذا .

فبادر عقيل قائلاً: أتدرون مَن كانت زوج أبي لهب؟ التي قال عنها القرآن: ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ) (المسد: 4 - 5) إنَّها عَمَّة مُعاوية هذا .

كان مُعاوية يومئذ في أوج سُلطانه وفي يده أزمَّة الأُمور في البلاد الإسلاميَّة الشاسعة، فلم يكن أحد ليجرؤ على إهانته، ولكنَّه بكلامه المُهين الذي قاله في عقيل، مزَّق ستار الاحترام عن نفسه وجرَّأ عقيلاً على أنْ يُكلِّمه بغِلظة، وأنْ يردَّ إهانته بمِثلها ويُحقِّره أمام الحاضرين (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٥

لعنة الله على الظالمين

كان الحَكم مِن ألدِّ أعداء الإسلام، وساهم مع مُشركي مَكَّة في إيذاء الرسول والمسلمين، وبعد هِجرة الرسول إلى المدينة، ظلَّ الحَكم في صفوف أعداء الإسلام ولم يترك إيذاء المسلمين، وعندما فتح جُند الإسلام مَكَّة تظاهر باعتناق الإسلام، وترك مَكَّة إلى المدينة، ولكنَّه لم يكفَّ هناك عن أعماله القبيحة، فاضطرَّ الرسول إلى نفيه إلى الطائف حيث ظلَّ حتَّى حُكم عثمان .

بعد موت يزيد بن مُعاوية، تسلَّم مروان بن الحَكم كرسيَّ الخلافة في الشام، وراح يدير شؤون البلاد، غير أنَّ أهل مَكَّة والمدينة لم يُبايعوه؛ لأنَّهم كانوا قد بايعوا عبد الله بن الزبير بالخلافة على نجد والحِجاز .

وبعد موت مروان خَلَفه ابنه عبد الملك، فصمَّم هذا على القضاء علىخلافة عبد الله بن الزبير عن طريق الحرب؛ ليبسط سُلطانه على تلك البلاد أيضاً، فأرسل الحَجَّاج بن يوسف على رأس جيش إلى مَكَّة، حيث اندلعت حرب ضَروس، انتصر فيها الحَجَّاج، وقتل عبد الله بن الزبير، ودخلت منطقة نجد والحِجاز الواسعة في مُلك عبد الملك القويِّ .

كان لعبد الله بن الزبير ولد اسمه ثابت اشتهر بالخطابة، حتَّى سمَّوه بلسان آل الزبير، وفي أحد الأيَّام دخل ثابت على عبد الملك، خليفة بني مروان المُقتدر مبعوثاً مِن قبل شخصٍ ما. فبادر عبد الملك إلى تحقيره وذكر مثالب آل الزبير، وقال له: إنَّ أباك كان يعرفك يوم سبَّك وشتمك .

فغضب ثابت مِن كلامه، وقال له: يا خليفة، أتدري لِمَ كان أبي يسبُّني؟

قال: كلا .

قال ثابت: لأنِّي كنت أنصحه بألاَّ يدخل الحرب اعتماداً على مُساندة أهل مَكَّة؛ لأنَّ الله لا ينصر بهم أحد؛ ولأنَّ أهل مَكَّة هُمْ الذين آذوا الرسول وأخرجوه منها،

٣٣٦

ثمَّ جاؤوا إلى المدينة واستمرُّوا في فسادهم وقبيح أعمالهم، حتَّى نفاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها عقاباً لهم .

كان هذا تعريفاً مِن ثابت بن عبد الله بالحَكم بن أبي العاص، جَدِّ عبد الملك قصد به رَدَّ إهانته والانتقام منه لما تفوّه به عنه، فغضب عبد الملك، وقال: لعنة الله عليك .

فردَّ ثابت في الحال: لعنة الله على الظالمين، كما لعنهم الله في القرآن الكريم .

وكان هذا تعريفاً آخر بعبد الملك، فاشتدَّ غضبه وأمر بسجن ثابت .

عبد الملك بن مروان، الخليفة القويُّ المُقتدر، بذكره مثالب ثابت بن عبد الله عرَّض نفسه لإهانته وتحقيره، وبلعنه زاد مِن جُرأة ثابت على رَدِّ اللعنة، وإنْ كان مِن دون تصريح، وبسجنه دلَّ على ضعفه وكَشف عن عجزه، وكأنَّه في الحقيقة قد اعترف بهزيمته (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٧

ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه

كان ليزيد بن أبي مسلم مقامٌ رفيعٌ في حكومة الحَجَّاج، إذ كان كاتبه الخاصَّ، ولكنَّه كان يتدخَّل في كلِّ أمر. وفي أيَّام خلافة سليمان بن عبد الملك طُرِد مِن وظيفته وأصبح غير مرغوب فيه .

وفي يوم مِن الأيَّام أُدخل على سليمان بن عبد الملك وهو مُكبَّل بالحديد، فلمَّا رآه ازدراه، فقال :

ما رأيت كاليوم قطُّ. لعنَ الله رجلاً أجرك رَسنه وحَكَّمك في أمره .

فقال له يزيد: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنَّك رأيتني والأمر عنِّي مُدبر، وعليك مُقبل، ولو رأيتني والأمر مُقبل عليَّ لأستعظمت منِّي ما استصغرت، ولأستجللت منِّي ما استحقرت .

قال: صدقت، فاجلِس، لا أُمَّ لك .

فلمَّا استقرَّ به المجلس، قال سليمان: عزمت عليك لتُخبرني عن الحَجَّاج، ما ظنُّك به؟ أتراه يهوي في جهنَّم، أمْ قد استقرَّ فيها؟

قال: يا أمير المؤمنين، لا تقلُ هذا في الحَجَّاج، فقد بذل لكم نصَفه وأحقن دونكم دمه، وأمَّن وليكم، وأخاف عدوَّكم، وإنَّ يوم القيامة لعن يمين أبيك عبد الملك ويسار أخيك الوليد، فاجعله حيث شئت .

فصاح سليمان: أُخرج عنِّي إلى لعنة الله .

ثمَّ التفت إلى جلسائه فقال: قبَّحه الله! ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه، ولقد أحسن المُكافأة، خلُّوا سبيله (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٨

لا تذيعَنَّ شيئاً على أخيك تَهدم به مروَّته

محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الأوَّل (عليه السلام)، قال :

قلت له: الرجل مِن إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه، فأسأله ذلك فيُنكره، وقد أخبرني قوم ثقات .

قال لي: (يا محمد، كَذِّب سمعك وبصرك على أخيك، فإنْ شهد عندك قَسَّامة قالوا لك قولاً فصدِّقه وكذِّبهم، ولا تُذيعن عليه شيئاً تُشينه به وتهدم به مروَّته، فتكون مِن الذين قال الله تعالى فيهم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ... ) ) (النور: 19) (1) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٩

مُروءة قائدٍ

كان إسماعيل بن أحمد الساماني يحكُم بلاد ما وراء النهر، فعزم عمرو بن الليث الصفاري على أنْ يُحاربه، ويُخرجه مِن ما وراء النهر، ويضمَّ أرضه إلى أرض بلدته التي يحكمها، فجهَّز جيشاً كبيراً في نيسابور، ثمَّ انطلق نحو بلخ، فبعث إليه إسماعيل بن أحمد برسالة قائلاً:

إنَّك تحكم أرضاً واسعة بينما لا أحكم أنا إلاَّ على منطقة صغيرة مِن ما وراء النهر، فاقنع بما عندك واترك لي ما عندي. ولكن عمرو بن الليث لم يلتفت إلى قوله، وواصل سيره وعبر نهر جيحون وطوى المنازل حتَّى بلغ بلخ.

هناك اختار مكاناً لجيشه، حيث حفر الخنادق وأعدَّ المراصد وقضى بضعة أيَّام يتهيَّأ للقتال، بينما ظلَّت فرق جيشه تتوافد وتستقرُّ في المكان المُخصَّص لها.

أمَّا قوَّاد إسماعيل بن أحمد وحاشيته، الذين كانوا قد سمعوا بشجاعة عمرو بن الليث، فعندما شاهدوا كثرة جنوده المُدجَّجين بالسلاح ارتعبوا وتشاوروا فيما بينهم قائلين: إنَّنا إنْ دخلنا الحرب مع عمرو وجنوده الأشدَّاء فإمَّا أنْ نُقتل عن آخرنا، وإمَّا أنْ نولِّي الأدبار عندما يَحمى وطيس الحرب ونرضى بذِلِّ الفرار، وكلا هذين الأمرين ليس فيهما عقل ولا صلاح، فمِن الخير - إذنْ - أنْ نغتنم الفرصة فنتقرَّب إليه ونطلب منه الأمان قبل أنْ تقع الهزيمة المُحتَّمة فهو رجل عاقل وقويٌّ، ولا يُنتظر منه أنْ تشوَّه سمعته بقتل هذا وذاك وهو سلاح العجزة والحَمقى.

فقال أحد الحاضرين: هذا كلام معقول ونصحُ شفوق فلا بُدَّ مِن العمل به.

فتقرَّر أنْ يجتمعوا في ليلة مُعيَّنة؛ لينفذُّوا ما عزموا عليه، وفي الليلة المُعيَّنة اجتمعوا وكتب كلٌّ منهم رسالة إلى عمرو يَعرضون عليه إخلاصهم ووفاءهم له طالبين منه الأمان، ووصلت الرسائل إلى يد عمرو، فقرأها واطّلع على مضامينها، ووضعها في خُرجه وختمه بختمه وأرسل إليهم بالأمان الذي طلبوه.

ودارت رَحى الحرب وانتصر إسماعيل بن أحمد بخلاف ما كان قوَّاده يتوقَّعون،

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592