الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)0%

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 173

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف: الصفحات: 173
المشاهدات: 65457
تحميل: 7377

توضيحات:

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 173 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65457 / تحميل: 7377
الحجم الحجم الحجم
الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

2 - فدك عبر العصور

كيف عادت فدك لأهل البيت ( عليهم السلام )؟

يُعد مسير فدك التاريخي من عجائب التاريخ الإسلامي، فقد كان لكل من الخلفاء عبر العصور موقفاً خاصاً منها، فمنهم مَن قبضها، ومنهم مَن ردّها إلى أصحابها، وطال الأمد بها على هذا الحال إلى أن سبخت الأرض وضاع منها نعيمها، وللتعرّف على فصول النزاع الذي مرت به هذه القرية العامرة، يكفينا الوقوف على النقاط التالية:

1- انتقلت ( فدك ) كما نعلم إلى الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) بعد سقوط خيبر؛ لأنّه قبل الصلح مع اليهود وطبقاً للآية الشريفة( وَمَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِه... ) ، فقد صارت كلها ملكاً شخصياً مختصاً برسول الله ( صلّى الله عليه وآله ).

2- طبقاً للوثائق التاريخية المعتبرة فإنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) منح وبأمر إلهي فدكاً إلى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في حياته، وذلك عند ما نزلت الآية الشريفة( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) ، بهذه الصورة أصبحت في حيازة ابنة الرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله ).

3- اغتُصبت هذه المعمورة في زمن الخليفة الأَوّل، وضُمَّت إلى أموال الدولة، وقد سعى هؤلاء إلى الحفاظ على هذا الوضع.

4- ظل الوضع على هذا الحال إلى أن آلت الخلافة إلى الخليفة

٨١

الأموي ( عمر بن عبد العزيز )، الذي كان أقرب لأهل البيت ( عليه السلام ) من غيره، حيث نقرأ في شرح نهج البلاغة: لمّا وُلّي عمر بن عبد العزيز ردَّ فدك على وُلد فاطمة، وكتب إلى واليه على المدينة أبي بكر عمرو بن حزم يأمره بذلك، فكتب إليه: إنّ فاطمة قد وُلدت في آل عثمان، وآل فلان، وآل فلان، فعلى مَن أردُّ منهم؟ فكتب إليه:

( أمّا بعد: فإنّي لو كتبت إليك آمرك أن تذبح شاةً لكتبت إلي: أَجماء أَم قرناء؟ أو كتبت إليك أن تذبح بقرةً لسألتني: ما لونها؟ فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها في وُلد فاطمة من عليٍّ ( عليه السلام ) والسلام )(1) .

بهذا الشكل صارت ( فدك ) بيد أبناء فاطمة ( عليها السلام )، بعد أن دارت دورةً كبيرة تنقّلت فيها بين هذا وذاك.

5- لم يمضِ وقت طويل حتى غصبها الخليفة الأموي ( يزيد بن عبد الملك ) ثانيةً.

6- بعد أن ولّى الأمويون واستخلفهم العباسيون، أعاد الخليفة العباسي المعروف ( أبو العباس السفاح ) فدكاً إلى ( عبد الله بن الحسن بن علي ) ( عليه السلام )، باعتباره ممثّل بني فاطمة ( عليها السلام ).

7- بعدها مباشرةً قام ( أبو جعفر العباسي ) بانتزاعها من ( بني الحسن )؛ ( لأنّهم ثاروا على بني العباس )

8- أعاد الخليفة ( المهدي العباسي ) ابن ( أبو جعفر ) فدكاً إلى أبناء فاطمة ( عليها السلام ).

9- قام الخليفة العباسي ( موسى الهادي ) بغصبها ثانيةً، وظل الوضع على هذا الحال في زمن هارون الرشيد.

____________________

1. البلاذري، فتوح البلدان ص38.

٨٢

10- ولكي يُظهر علاقته الشديدة بأهل بيت الرسول ( صلّى الله عليه وآله )، وأبناء عليٍّ وفاطمة ( عليها السلام )، قام المأمون برد فدك إلى وُلد فاطمة ( عليها السلام ).

لقد ورد في التاريخ أنّ المأمون كتب إلى واليه على المدينة ( قثم بن جعفر ) قائلاً:

( إنّه كان رسول الله أعطى ابنته فاطمة فدكاً، وتصدّق عليها بها، وإنَّ ذلك كان أمراً ظاهراً معروفاً عند آله ( عليهم السلام )، ثمّ لم تزل فاطمة تدّعي منه بما هي أَولى مَن صدق عليه، وإنّه قد رأى ردها إلى ورثتها وتسليمها إلى ( محمّد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي )... و ( محمّد بن عبد الله بن الحسين )... ليقوما بها لأهلهما ).

يقول ابن أبى الحديد:

( جلس المأمون للمظالم، فأَوّل رقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى، وقال للذي على رأسه: نادِ أين وكيل فاطمة؟ فقام شيخ عليه دراعة وعمامة وخُفّ تعزي، فتقدم فجعل يناظره في فدك، والمأمون يحتجُّ عليه، والمأمور يحتج على المأمون، ثمَّ أمر أن يسجّل لهم بها، فكتب السجل وقرئ عليه، فأنفذه، فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أوّلها:

أصْبَحَ وَجْهُ الزّمانِ قدْ ضَحِكَا

بِرَدِّ مَأمُونَ هاشِماً فَدَكاً(1)

وقد ذكر مؤلّف كتاب ( فدك )، أنّ المأمون اعتمد على رواية أبي سعيد الخدري بإعطاء النبي ( صلّى الله عليه وآله ) فدكاً لفاطمة، فقام برد فدك على أبنائها(2) .

11- أمّا ( المتوكل العباسي )؛ وبسبب الحقد الذي كان يضمره لأهل بيت النبوة ( عليه السلام )، قام بغصب فدك من أبناء فاطمة ( عليها السلام ) مجدّداً.

____________________

1. شرح نهج البلاغة، ابن أبى الحديد، ج16، ص217.

2. فدك، السيد محمّد حسن القزويني الحائري، ص60.

٨٣

12- أصدر ابن المتوكل وهو ( المنتصر ) أمراً برد فدك إلى الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ثانيةً.

ممّا لا شك فيه أنّ تنقّل الأرض من يد لأخرى، والتلاعب بأمرها في كل يوم من قِبل السياسيين الحاقدين، سيسبّب هلاكها وخرابها بسرعة، وهو عين ما حدث لفدك، فسرعان ما خربت عمارتها، وتيبّست أشجارها، وجفت ثمارها!

على كل حال؛ فإنّ هذه الانتقالات التي حصلت إنّما تدل على حقيقة محسوسة ملموسة، أَلا وهي أنَّ الخلفاء كانوا شديدي الحساسية تجاه فدك، فتصرّف وموقف كلّ منهم إنّما هو نابع ممّا تقتضيه مصلحته السياسية.

وكل ذلك تأكيد على ما ذكرناه من أنّ لغصب فدك بعداً سياسياً أهم من بعده الاقتصادي، فمصلحتهم كانت تقتضي منهم، أن يعملوا على إبعاد أهل بيت الرسالة ( عليه السلام ) عن المجتمع الإسلامي، والتقليل من شأنهم ومكانتهم، وإظهار العداء لهم تارةً، والتقرّب والتودّد إليهم تارةً أخرى عن طريق ردِّ فدك إليهم، والذي تكرر لعدة مرات عبر التاريخ.

إنّ أهمية فدك في أذهان عامة المسلمين محدودة، فما يذكره التاريخ هو أنّها لم تزل في أيديهم حتى كان في أيام المتوكل، وكان فيها إحدى عشرة نخلةً غرسها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بيده، فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها، فإذا قدم الحجّاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم، فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل(1) .

____________________

1. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، ج16، ص217.

٨٤

3 - فدك وأئمة الهدى ( عليهم السلام )

من المسائل المُلفتة للنظر هي عدم تدخل أي من الأئمة ( بعد الغصب الأَوّل ) في أمر فدك، ابتداءً من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومروراً بالأئمة من وُلده، بل إنّ بعض الخلفاء من أمثال ( عمر بن عبد العزيز ) و ( المأمون ) اقترحوا ردّها على واحد من أئمة أهل البيت ( عليه السلام )، وكان ذلك مدعاةً للحيرة والتساؤل عن سبب موقفهم هذا من فدك.

لِمَ لم يُرجع علي الحق إلى أهله عندما كانت الدولة الإسلامية تحت سيطرته؟ أو لماذا ( على سبيل المثال ) لم يعطِ المأمون فدكاً إلى عليِّ بن موسى الرضا ( عليه السلام )، خصوصاً وأنّه كان يظهر للإمام حبه العميق؟ ولماذا أعطاها لبعض من حَفَدة زيد بن علي بن الحسين ( عليه السلام ) باعتباره ممثلاً عن ( بني هاشم )؟.

ونقول في الإجابة على هذا السؤال التاريخي المهم:

أمّا بالنسبة لأمير المؤمنين ( عليه السلام )، فإنّه أفصح عن رأيه في أمرها في قوله المختصر الغزير المعنى، والذي قال فيه:

( بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ، وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ

٨٥

وَغَيْرِ فَدَكٍ، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ، تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا... )(1) .

بيّن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بصورة عملية، أنّ مطالبته بفدك لم تكن لكونها منبعاً ومصدراً اقتصادياً يسترزق منه، وأنّ هو وزوجته طالبا بها يوماً؛ فلأنّها سبيل إلى تثبيت مسألة الولاية، ومنع خطوط الانحراف من السيطرة على منصب خلافة الرسول ( صلّى الله عليه وآله )، الآن وبعد أن مضى ما مضى، وبعد أن بقى لفدك جانبها المادي فقط، فما فائدة استردادها؟

وللعالم والمحقّق الكبير السيد المرتضى كلام قيّم بهذا الشأن حيث يقول:

( لمّا آلت الخلافة إلى علي بن أبي طالب، كُلِّم في رد فدك فقال: إنّي لأستحي أن أرُدَّ شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر )(2) .

إنّ هذا القول الحكيم يشير في الحقيقة إلى شهامة، وعدم اعتناء الأمير ( عليه السلام ) بفدك كونها ثروةً مادية، ومصدر رزق من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يعرّف غاصبي الحق الأوائل.

أمّا لماذا لم يسلّم الخلفاء الذين أظهروا ودّهم لآل بيت النبوة ( صلّى الله عليه وآله ) فدك إلى الأئمة، ودفعوها إلى أحد أحفاد زيد بن علي مثلاً، أو أشخاصاً غير معروفين باعتبارهم ممثّلين لبني فاطمة ( عليها السلام )؟

فإنّه يمكن أن يكون لهذا الأمر سببان:

1- لم يكن أئمة الهدى (عليه السلام ) ليتقبّلوا فدكاً، فحينها كان لذلك العمل بعداً مادياً يطغى على بعده المعنوي، وربّما كان يُحمل على أنّه تعلق بثروة دنيوية لا معنوية.

____________________

1. نهج البلاغة، الرسالة 45.

2. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، ج16، ص 252.

٨٦

بتعبير آخر فإنّ تسلّم الأئمة ( عليه السلام ) لها في تلك الظروف يقلّل من شأنهم، إضافةً إلى أنّ ذلك سيمنعهم من القيام على خلفاء الجور، فكلما أرادوا مجاهدة الحكام انتزعت منهم فدك، ( وهذا نفس ما رواه التاريخ، من أنّ الخليفة العباسي ( أبو جعفر ) انتزع فدك من ( بني الحسن )؛ عندما ثار بعضهم عليه ).

2- من ناحية أخرى كان الخلفاء يفضّلون عدم تطور إمكانات الأئمة ( عليه السلام ) المادية، فكما هو معروف في قصة ( هارون الرشيد )، عند مجيئه للمدينة واحترامه الشديد للإمام ( موسى بن جعفر ) ( عليه السلام )، بشكل أذهل ذلك ابنه المأمون.

ولكن عندما حان وقت الهدايا، أرسل الرشيد هديةً متواضعةً للإمام ( عليه السلام )، فتعجب المأمون من ذلك، وعندما سأل أباه عن السبب، قال الرشيد:

( أسكت لا أمّ لك! فإنّي لو أعطيته هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمِئة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وإغنائهم )(1) .

____________________

1. الاحتجاج الطبرسي، ص 167 ( وكان الرّشيد قد أعطى لغير الأمام خمسة آلاف دينار، وأعطى للإمام مِئتي دينار فقط ).

٨٧

4 - محكمة تاريخية

كما مرّ ذكر - سابقاً - نقل الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ملكية فدك إلى فاطمة الزهراء ( عليها السلام )، بعد أن نزلت الآية الشريفة( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) ، ولم ينفرد مفسرو الشيعة في نقل هذه الرواية عن الصحابي المعروف ( أبي سعيد الخدري )، بل واتفق معهم علماء الجمهور أيضاً، وقد أوردنا أسناد هذه الرواية آنفاً.

وضعت الحكومة التي استولت على الخلافة بعد الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) يدها على فدك، وأخرجت أبناء فاطمة ( عليها السلام ) منها، نقل هذا الأمر كل من العالم السني المعروف ( ابن حجر ) في كتاب ( الصواعق المحرقة )، و ( السمهودي ) في ( وفاء الوفاء )، و ( ابن أبي الحديد ) في ( شرح نهج البلاغة ).

قامت سيدة الإسلام ( عليها السلام ) بالمطالبة بحقها عن طريقين:

الأَوّل: هو كون فدك هدية الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) لها، والثاني: هو أنّها ميراثها من أبيها ( صلّى الله عليه وآله ) ( بعد أن رُدّت دعوى الهدية ).

استشهدت سيدة النساء في المرحلة الأُولى بأمير المؤمنين ( علي بن أبي طالب ) ( عليه السلام )، و ( أمّ أيمن ( رض ) ) عند الخليفة الأَوّل، لكن الخليفة لم يقبل شهادتهما، ولم يقر حقها؛ بحجّة أنّ الدعوى لا تثبت إلا بشهادة رجلين، أو رجلاً وامرأتين.

ثمّ رفض مسألة ( الإرث ) مدعياً أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) قال:

٨٨

( إنّا معاشر الأنبياء لا نُورّث ما تركناه صدقةً ).

لكن ومن خلال تحقيق شامل، يتضح أنّ النظام الحاكم الغاصب قد ارتكب في عمله هذا عشرة أخطاء فاحشة، سنقوم بعرض مختصر لها، ونوكل الخوض في التفاصيل إلى محل آخر:

1- كانت فاطمة ( عليها السلام ) تملك فدك، أي أنّها كانت ( ذا اليد )، وفي رأي القوانين الإسلامية وجميع القوانين المعروفة في الوسط العقلائي العالمي، فإنّ ( ذا اليد ) لا يحتاج إلى استشهاد أو تصديق على ما يملكه، إلاّ إذا أُظهرت شواهد على بطلان ملكيته.

فمثلاً إذا ادّعى شخص ملكية دار يسكن فيها، فلا يمكن إخراجها من يده ما لم يظهر دليل يُنافي ادّعائه، كما لا حاجة في أن يشهد أحداً على ديمومة ملكيته، بل إنّ هذا التصرّف ( إن أراد إنجازه بنفسه أو يوكله لممثليه )، لأَفضل دليل على صحة مالكيته.

2- إنّ شهادة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) لوحدها كانت كافيةً في هذه المسألة؛ لأنّها معصومة بحكم الآية الشريفة:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) ، وحديث الكساء المشهور الذي نقلته كتب العامة المعتبرة وكتب الصحاح، فأَبعد الله عزّ وجل القبح والذنب عن، النبي ( صلّى الله عليه وآله )، وعليّ وفاطمة، والحسن والحسين ( عليهم السلام )، وطهّرهم من كلِّ معصية، فكيف يمكن أن يشكَّ أو يرتاب الآخرون بادّعاء مثل هذا الشخص؟

3- إنّ شهادة الإمام علي ( عليه السلام ) لوحدها كانت كافيةً أيضاً، فهو يتحلّى بمنزلة العصمة أيضاً، وآية التطهير والروايات التي دلّت على هذا المعنى وفيرة.

____________________

1. سورة الأحزاب، آية 32.

٨٩

منها الحديث المشهور ( الحق مع علي، وعلي مع الحق، يدور معه حيثما دار )(1) ، الذي يكفينا دليلاً على عصمته ( عليه السلام ).

إذن، كيف يدور الحق حول محور وجود علي ( عليه السلام )، لكن شهادته غير مقبولة؟!

4- تُعد شهادة ( أمّ أيمن ) هي الأخرى كافيةً في إثبات الحق، فكما ينقله ابن أبي الحديد:

عندما جاءت فاطمة ( عليها السلام ) بأمّ أيمن للشهادة، قالت ( أمّ أيمن ) لأبي بكر: لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتجّ عليك بما قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، أنشدك بالله، ألست تعلم أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قال: ( أمّ أيمن امرأة من أهل الجنة )، فقال أبو بكر: بلى.

إذن، فكيف تُردُّ شهادتها بعد أن علموا مقامها، وهي من أهل الجنة؟(2) .

5- إضافةً إلى كلِّ ما سبق، يكتفي الحاكم بتوفّر القرائن المختلفة ( أَحسيةً كانت أم الشبيه بها )؛ ليقوم بالفصل في الدعوى، فهل يا ترى أنّ مسألة ( ذي اليد ) من ناحية، وشهادة الشهود - الذين تكفي شهادة كلٍّ منهما في إثبات وإحقاق الحق - من ناحية أخرى، لا يوفّران العلم واليقين لدى الحاكم؟

6- لم يكن حديث ميراث الأنبياء في الواقع كما صاغه وفسّره الغاصبون، وإنّما كان بشكل ومعنى آخرَينِ، فمصادر الحديث تنقل الحديث بالشكل الآتي، ( إنّ الأنبياء لم يُورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمَن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر )(3) .

____________________

1. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، ج 16، ص219.

2. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد.

3. الكافي، ج1، ص34.

٩٠

وهنا نستدل أنّ الحديث يقصد الإرث المعنوي الذي يورّثه الأنبياء، ولا علاقة له بالإرث المادي، وهذا هو مصداق الحديث المروي عن الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) في أنّ: ( العلماء وَرَثة الأنبياء ).

خاصةً عبارة ( ما تركناه صدقة ) فهي حتماً لم تكن موجودةً في الحديث مطلقاً، فهل يمكن أن يتحدث الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) بما يخالف صريح القرآن؟ إنّ القرآن الكريم يشهد في مواضع متعددة على توريث الأنبياء أبناءهم، وتشير آياته الشريفة بوضوح، إلى أنّ ميراثهم لم يقتصر على الميراث المعنوي فحسب، بل وشمل الجانب المادي أيضاً.

وقد استدلت سيدتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بهذه الآيات المباركة في خطبتها المعروفة، التي أَلقتها في المسجد النبوي الشريف بين جمع من المهاجرين والأنصار، فلم ينكر عليها أحد منهم ما تقول، كل ذلك كان دليلاً على زيف الحديث الذي ادّعاه الخليفة.

7- إن صحَّ هذا الحديث، فكيف لم تعرف ولم تسمع به أي من نساء النبي ( صلّى الله عليه وآله )، حيث أرسلن إلى الخليفة مَن يطالب بسهمهنَّ من ميراث الرسول ( صلّى الله عليه وآله )(1) .

8- إن صح هذا الحديث، فلماذا أصدر الخليفة مباشرةً حكماً أمر فيه برد فدك إلى فاطمة الزهراء ( عليها السلام )؟ ذلك الحكم الذي سلبه الخليفة الثاني منها ومزّقه(2) .

9- إذا كان لهذا الحديث واقعية، وكان لازماً تقسيم فدك على

____________________

1. معجم البلدان الحموي، ج4، مادة فدك، ص239، شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، ج6، ص223.

2. السيرة الحلبية في سيرة الأمين والمأمون، ج3، ص391.

٩١

المستحقين باعتبارها صدقةً، فلِمَ استدعى الخليفة الثاني في زمان خلافته عليّاً ( عليه السلام ) والعباس - بعد فوات الأوان - وأبدى استعداده في تسليمهما فدك؟ كما جاء في كتب تاريخ الإسلام المشهورة(1) .

10- ورد في كتب ( الشيعة ) و ( السنة ) المعتبرة، أنّ سيدة الإسلام فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) غضبت على الخليفتين الأَوّل والثاني، بعد أن منعاها حقها - فدك -، وقالت لهما: ( لن أكلّمكما بعد اليوم )(2) ، وكان الأمر كما قالت إلى أن وافاها الأجل.

في حين تنقل المصادر الإسلامية المشهورة عن الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) حديثه المشهور، الذي قال فيه: ( مَن أحب ابتني فاطمة فقد أحبني، ومَن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومَن أسخط فاطمة فقد أسخطني )(3) .

فهل من الممكن بعدها أن تُمنع فاطمة ( عليها السلام ) حقاً تطالب به، ويُتمسك بحديث يفتقد إلى الصحة والصدق، والرجوع إليه في مقابل نص كتاب الله، الذي ينصُّ على توريث الأنبياء أبناءهم.

على كلِّ حال، لا يوجد أي مسوّغ في مسألة غصب فدك، وليس لذلك الفعل دليل معقول.

مالكية الزهراء ( عليها السلام ) من ناحية.

الشهود العدول المعتبرون من ناحية أخرى.

شهادة القرآن المجيد من ناحية ثالثة.

ومن ناحية رابعة نرى الروايات الإسلامية المختلفة كلها أدلة، تصدّق وتشهد بأحقية سيدة الإسلام في فدك.

____________________

1. صحيح البخاري باب فضل الخمس، وكتاب ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر، ص9.

2. الإمامة والسياسة، ابن قتيبة، ص14.

3. صحيح البخاري، باب فضل الخمس، وكتاب ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر، ص9.

٩٢

إضافةً إلى كلِّ ذلك، فإنَّ آيات المواريث عموماً تنصّ على أنّ لجميع الناس الحق في تركة آباءهم وأمهاتهم والأقربين؛ لذا لا يمكن التغاضي عن هذا الحكم الإسلامي، مادام الدليل لم يقم على نفي تلك العمومات، وهذا شاهد آخر.

٩٣

5 - حدود فدك!

إنّ فدك - كما ذكرنا آنفاً - هي في الظاهر قرية مخضرّة مثمرة قريبة من خيبر، لم تخفَ حدودها على أحد، لكن الغريب ما ورد في جواب الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) لهارون الرشيد عندما سأله الأخير قائلاً:

( حُدَّ فدكاً حتى أَردّها إليك )

حيث أبى الإمام ( عليه السلام ) لكن الرشيد ألحَّ عليه.

فقال ( عليه السلام ): لا آخذها إلاّ بحدودها.

قال هارون: وما حدودها؟

قال ( عليه السلام ): إنْ حدّدتها لم تردّها.

قال هارون: بحق جدك إلاّ فعلت؟

قال ( عليه السلام ): أمّا الحد الأَوّل فعدَن، فتغيّر وجه الرشيد وقال: إيهاً، قال: والحدّ الثاني سمرقند، فأربد وجهه، قال: والحدّ الثالث أفريقية، فاسودَّ وجهه، وقال: هيه، قال: والرابع سيف البحر ممّا يلي الجزر وأرمينية.

قال الرشيد: فلم يبقَ لنا شيء، فتحول إلى مجلسي.

قال الإمام ( عليه السلام ): قد أعلمتك أنّني إن حدّدتها لم تردّها، فعند ذلك عزم على قتله(1) .

____________________

1. بحار الأنوار، ج8 ص106.

٩٤

فهذا الحديث دلالة واضحة على ارتباط قضية ( فدك ) ( بالخلافة )، ويبيّن أنّ المهم في الأمر كان غصب خلافة رسول الله( صلّى الله عليه وآله )، وإذا أراد هارون أن يعيد فدك فإنّ عليه أن يتخلّى عن الخلافة، وهذا ما جعله يلتفت إلى أنّ الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) إذا شعر بالقوة سيزيله عن الخلافة؛ ولذلك عزم الرشيد على قتل الإمام ( عليه السلام ).

٩٥

استنتاج

إنّ قصة ( فدك ) المؤلمة، التي تحكي أحداث قرية صغيرة عانت الكثير عبر تاريخ الإسلام، تشير بوضوح إلى المؤامرة الكبيرة، التي هدفت إلى إبعاد أهل بيت النبوّة ( عليهم السلام ) عن منصب الخلافة الإسلامية، وتجاهل مقام إمامتهم وولايتهم، مؤامرة شملت مختلف الأبعاد.

لقد سعى السياسيون منذ البدء خصوصاً في عصر ( بني أميّة ) و ( بني العباس )، أن يسدلوا الستار على أهل بيت النبوة ( عليهم السلام )، ويسلبوهم كل ميزة تؤدي إلى تفوّقهم وانتصارهم، بل لم يتوانوا ( عند لزوم الأمر ) في الاستفادة من عنوان واسم أهل البيت ( عليهم السلام ) في تحقيق مآربهم، في حين رفضوا ردَّ الحق إلى أصحابه!

نعلم جيداً أنّ حجم الدولة الإسلامية قد اتسع في عصر ( بني أميّة ) و ( بني العباس )، كما زادت ثرواتها، وكثرت ذخائر بيت المال، بشكل قلَّ مثيله في تاريخ العالم إن لم ينعدم، ورغم أنّ فدك لم تكن لتشكّل رقماً في مقابل كلّ ذلك، إلاّ أنّ الدوافع الشيطانية لم تسمح لهم برد الحق إلى أصحابه، بل والكف عن مواصلة التلاعب بهذه القضية.

وفي الحقيقة، تُعتبر قصة فدك وثيقة تاريخية إسلامية، تثبت مقام آل بيت النبّي ( صلّى الله عليه وآله ) الرفيع من ناحية، وتشير إلى ظلامتهم من ناحية أخرى،

٩٦

وتكشف الغطاء عن المؤامرات التي حاكها الأعداء لهم من ناحية ثالثة.

اللهمَّ اجعل محيانا محيا محمدٍ وآل محمد، ومماتنا ممات محمد وآل محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلم )، واحشرنا في زمرتهم، والعن أعدائهم أجمعين.

٩٧

٩٨

الملحمة الكبيرة

٩٩

١٠٠