السيدة السكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام

السيدة السكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام37%

السيدة السكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 154

  • البداية
  • السابق
  • 154 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35141 / تحميل: 7250
الحجم الحجم الحجم
السيدة السكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام

السيدة السكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام

مؤلف:
الناشر: دار الأضواء
العربية

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

دأبت دار الأضواء منذ تأسيسها عام ١٩٨٠ على نشر التراث الإسلامي فكراً وعقيدةً وتاريخاً، فقدمت سلسلة من الكتب والموسوعات القيّمة في هذا المجال، ويأتي كتاب « السيدة سكينة » ضمن هذه السلسلة التزاماً من الدار بنهجها السامي لخدمة هذا التراث وشخوصه، آملين توفيقه سبحانه وتعالى لما يحب ويرضى.

غرة ذي الحجة ١٤١٩

آذار ١٩٩٩

جعفر الدجيلي

٥

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

( سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً) ( وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) ( ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ) ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)

( القرآن الكريم )

٧

٨

المدخل

ذرية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عترة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله هم عنصر الشرف عنصر الشرف وآصرة كل فضيلة رابية وقد ثبتت لهم الرفعة والجلالة بانتمائهم الى المنبت الزاكي والشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء ولا تنكر جهود أبيهم الاقدس ومساعيه الجبارة في انتشال الامة الى ساحل النجاة والسعادة على حين كانت تترامى بهم أمواج الضلال وتلتطم بهم الفتن وهم لا ينقذون من هوة الهوان إلا ويسفون على أعمق منها، وكانوا يرسفون في أسر مهانة مخزية بين أصنام منحوتة ونواميس مهتوكة ودماء مهدورة وغارت متواصلة وعادت خرافية وبنات موؤدة الى أمثالها مما يقهقر سير الانسانية ويعرقل مسعى البشر عما فيه الخير والصلاح.

فباغتهم ( نبي الاسلام ) بتعاليمه الناصعة وطقوسه الراقية فأسس لهم بها كياناً خالداً وعزاً باقياً ودولة مرعية الجانب خضعت لها الدول ودانت لها الامم وبطل مسعى الالحاد وأعلن في أنحاء المعمورة دين التوحيد والسلام والوئام.

لم يزالوا في مركز الجهل حتى

بـعث الله لـلورى أزكاهـا

فـأتى كـامل الطبيعة شمسـاً

تستمد الشمـوس منه سناهـا

طربت لاسمه الثرى فاستطالت

فـوق علوية السما سفلاهـا

٩

ثـم أثنت عليـه إنس وجـن

وعـلى مثلـه يـحق ثناهـا

وإلـى طبـه الآلهـي باتـت

عـلل الدهر تـشتكي بلواهـا

كـيف لا تشتكي الليالي اليـه

ضرها وهو منتهى شكواهـا(١)

إذا فمن واجب شكره تعظيم ذريته الطاهرة ( فان المرء يحفظ في ولده ) على ان اولئك النفر البيض دعاة إلى مبدء الحق سبحانه المهيمن على البشر بوجودهم، دعاة اليه بألسنتهم، دعاة بأقلامهم، دعاة بنظمهم ونثرهم دعاة بخطبهم، دعاة بفواضلهم وفضائلهم، دعاة بأخلاقهم وأعمالهم، وإذا فات البعض منهم بعض الفواضل والدعوات فلا يفقد الآخر مجموعها فأي أحد من الامة يلتفت إلى أن المشرف لهم هوني الرحمة المنتشل للبشر عن مهاوي السقوط والضعة فلا يذعن بان الواجب في شريعة الحفاظ الخضوع لذريته كرامة لذلك الجذم الاقدس والشجرة الطيبة التي أظلت العالم بفيئها الوارف.

ومن ذا الذي يجد في آحاد منهم ما يتناسب مع منبتهم الكريم من الخلق الطيب فلا يعتقد ان هذا مما عرقه فيه ذلك المنقذ الاكبرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يروقه إلا التحلي بما استحسنه منهم واما الذين حصلوا على أصلهم الطاهر بشيء من دعوة اللسان والسنان فغناؤهم أوفر واستفادة الامة بهم اكثر.

__________________

١ - من قصيدة ملا محمد كاظم الازري البغدادي التميمي المولود في بغداد سنة ١١٤٣ والمتوفي ببغداد غرة جماد الاول سنة ١٢١١ هـ تبلغ الف بيت من غرر الشعر تضمنت كرامات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومغازيه ومواقف الوصي عليعليه‌السلام فيها طبعت مع تخميسها للشيخ جابر الكاظمي في النجف المطبعة الحيدرية.

١٠

فهم على كل حال أدلاء على الخير ومسالك النجاة يحملون فضيلة الشرف والسؤدد فضيلة الدعوة إلى السلام والوئام فضيلة الاصلاح والرشاد وليس لسائر الامة إلا الاحسان إلى ذرية الرسول المودة لهم التي هي أجر الرسالة بنص الكتاب العزيز.

( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) (١) .

والقربى هنا بمعنى الأقارب قطعاً وليس المراد منه قرب النبي من قريش ولا تقــرب الامة إلى الله تعالى بالطاعة لأن الاول يصح استعماله(٢) أولا وهو المتبادر إلى الفهم من الاطلاق ثانياً، وأم المعنيين الآخرين فيحتاج ارادتهما من الاطلاق الى قرينة وهي مفقودة.

على أن الاخبار المتواترة دلت على أن قرابته المعنيين بالآية هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (٣) وذريتهم وقد استشهد عليه الأئمة المعصومون فيقول سيد الوصيينعليه‌السلام فينا آية في حم لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ آية المودة. ويوم خطب الحسنعليه‌السلام بعد وفاة ابيه قال: أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم، ثم قرأ آية المودة(٤) . ولما وقف الامام السجادعليه‌السلام مع حرم النبوة على درج مسجد الشام قال له شامي: الحمد لله الذي استأصلكم، فقالعليه‌السلام : أما قرأت قل( لا أسألكم عليه أجراً إلا

__________________

١ - الشورى: ٢٣: مدينة.

٢ - أساس البلاغة للزمخشري.

٣ - نص على بعض هذه الاخبار الزمخشري في الكشاف « ج ٣ ص ٤٠٢ » في تفسير الآية والرازي في تفسيره ج ٧ ص ٣٩٠، ومجمع الزوائد ج ٧ ص ١٠٣.

٤ - الصواعق المحرقة ص ١٠١ الآية الرابعة عشر.

١١

المودة في القربى ) قال الشامي: نعم وانتم هم ؟ فقال الامامعليه‌السلام : نعم، فبكى واستغفر(١) .

فدل هذا على معروفية المعنى المتبادر من لفظ القربى بين الناس في ذلك الزمن القريب من عهد النزول ولو كان لغير هذا المعنى نصيب من الواقع لما صدر من المعصومين الاستشهاد بالآية على كونها فيهم ولما سكت من سمع الخطاب عن النقاش.

وفي هذا يقول محي الدين العربي:

رأيت ولائـي آل طـه فريضـة

على رغم اهل البعد يورثني القربى

فما طلب المبعوث اجراً على الهدى

بتبليغـه الا المـودة في الـقربى(٢)

وحينئذ فلا موقع للاشكال على الآية بأن طلب النبي الأجر على تبليغ الوحي لا يليق بمقام الانبياء مع أنهم صارحوا بنفي الاجرة على التبليغ ففي الحكاية عن نوحعليه‌السلام ( فما سألتكم عليه من اجر ان أجري إلا على الله ) (٣) وعن هود وصالح ولوط وشعيب(٤) عليه‌السلام ( ما أسألكم عليه من أجر ان أجري الا على رب العالمين ) وفي الحكاية عن نبينا الاعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قل:( ما سألتكم من أجر فهو لكم إن اجري إلا على الله ) (٦) وقوله:( قل لا اسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين ) (٥)

__________________

١ - تفسير روح المعاني للالوسي ج ٢٥ ص ٣١ والصواعق المحرقة ص ١٠١ ومقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٦١ وتفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٢.

٢ - شرح الزرقاني على المواهب اللدينة ج ٧ ص ٩ والصواعق المحرقة ص ١٠١.

٣ - يونس: ٧٢.

٤ - الشعراء: ١٠٩ و ١٢٧ و ١٤٥ و ١٦٤ و ١٨٠.

٥ - سبأ: ٤٧.

٦ - الانعام: ٩٠.

١٢

فان التدبر في هذه الآيات الشريفة يفيدنا عدم المنافات بينها وبين آية المودة لان الاجر المنفي في هذه الآيات هو المال والانبياء أرقى من أن يأخذوا المال على تبليغ الدعوة الآلهية مع ما فيه من المشقة على البأس التي أشار الكتاب العزيز إلى ثقلها على الطباع فقال تعالى:( أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون ) (١) وقال:( أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير وهو خير الرازقين ) (٢) .

والأجر المطلوب في آية المودة لم يكن من سنخ المال حتى يثقل على الطباع البشرية تحمله لان المقصود منه موالاة آل الرسول وهذا من سنخ الدعوة الآلهية فيليق بمقام النبوة الدعوة اليه والتعريف يه ومن المناسب جداً لرسول المشرع الاقدس أعلام الامة بما تستفيد منه السعادة الخالدة والزلفى إلى المهيمن سبحانه.

فاذاً يكون طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امته مودة آله الاقربين لطفاً منه وحناناً عليهم لانارته لهم سبيل الخير وتعريفهم بالطريق اللاحب وهكذا المصلحون يتحرون بمن يريدون إصلاحهم كل وسيلة تأخذ بهم إلى أسمى الغايات.

على أن المحبة لآل الرسول تستوجب مودة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلتزمة لمحبة الله تعالى وطاعته كما جاء في المأثور عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( احبوا الله لما يغدوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي ) (٣) وإني أخاصمكم عنهم غداً ومن أكن خصيمه خصمه الله

__________________

١ - الطور: ٤٠.

٢ - المؤمنون: ٧٢.

٣ - مستدرك الحاكم على صحيح البخاري ومسلم ولم يتعقبه الذهبي « ج ٣ ص ١٥٠ ».

١٣

 ومن خصمه الله ادخله النار(١) .

وبهذه العناية يكون المعنى الثالث للفظ القربى في آية المودة وهو تقرب الامة إلى الله تعالى بالطاعة لازماً لمودة أهل البيت لكونها محبوبة للرسول ومحبوبة لله سبحانه وهذا عين الطاعة اليه جل شأنه.

فالرسول الاعظم لم يسال الامة ما لا عوض تحمله المشاق في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من مخالب الضلال والعمى والارشاد إلى ما فيه حياتهم وجمع شملهم حتى يشكل عليه بعدم المناسبة لمقام النبوة والرسالة وانما طلب منهم ما يعود نفعه اليهم وبه يستوجبون شمول العطف الآلهي ألا وهو مودة أهل بيته وقرباه وهم: ( علي وفاطمة والحسن والحسين وذريتهم ) وتفسير القربى بأهل البيت رواه الالوسي عن زاذان عن عليعليه‌السلام قال واليه يشير الكميت الاسدي.

وجدنا لكم في آل حم آية

تأولها منا تقي ومعرب

ولله در السيد عمر الهيتي احد الاقارب المعاصرين حيث يقول:

بـأيـة آيـة يأتـي يزيـد

غداة صحائف الاعمال تـتلى

وقام رسول رب العرش يتلو

وقد صمت جميع الخلق قل لا(٢)

واي احد يتخيل طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الامة التعويض بالمال عن تلك المتاعب التي لم يلاقها نبي غيره ولم يؤذ في سبيل نشر

__________________

١ - اسعاف الراغبين بهامش نور الابصار ص ١١٤ عن ابن سعد.

٢ - تفسير روح المعاني ج ٢٥ ص ٣١ آية المودة.

١٤

دعوته أحد من الانبياء كما اوذي نبي الاسلام(١) .

وهل يقابل ذلك الخطر الآلهي بهذا العرض الزائل المتخلي عنه ( صفي الله وحبيبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وقد عرضت عليه كنوز الارض بأجمعها فآثر الاخرى الباقية على ما فيه الفناء حتى كان يبيت الايام طاوياً ويشد الحجر على بطنه من الجوع ويسميه المشبع(٢) فالرسول الاقدس في سيره وأعماله لا يدعو إلا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.

فآية المودة لا تنافي سيرة الانبياء ولا سيرة نبينا الاعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يعارضها ما في سورة سبأ / ٤٧( قل ما سألتكم ) الخ ولا ما في الأنعام / ٩٠( قل لا اسألكم ) الآية لان الاجر المنفي في هاتين الآيتين المال الذي يشق على الناس بذله ويتنزه عنه مقام من كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى والمطلوب في آية المودة لم يكن مالا وانما هو محبة آله وهذا من سنخ العبادة والطاعة ومثل المنقذ الاكبر يعرف الامة ما فيه صلاحها ويرشدها إلى ما يقربها من المولى سبحانه زلفى.

ولعل الآية في سورة سبأ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ) تصاعد عليه فان ظاهرها كالتمهيد للجواب عن مثل هذا الاشكال فان معنى الآية ان ما يطلبه الرسول من الاجر انما يعود نفعه الى الامة فالاجر الذي أراده من آية المودة وهو مودة أهل بيته معه

__________________

١ - غرر الخصائص للوطواط ص ٢٥٨ في باب من قدر فعفا، وشرح الزرقاني على المواهب ج ٤ ص ٣٢١ وكنز العمال ج ٢ ص ٢٩ باب الحلم.

٢ - شرح الصحيفة الكاملة للسيد علي خان.

١٥

لهم خاصة وحينئذ فيتفق هذا مع قوله تعالى:( لا أسألكم عليه أجراً ان هو إلا ذكرى للعالمين ) لأن مودة آله وذريته ذكرى للعالمين ورحمة لهم لما فيها من احترام شخص النبوة وتقدير اعماله الجبارة.

وما جاء في هذه الآية من طلب مودة القربى لا يتنافى مع ما في الفرقان/٥٧( قل ما أسألكم عليه من اجر الا من شاء ان يتخذ الى ربه سبيلا ) (١) فان الهداية الى الله تعالى التي هي المطلوب السامي لنبي الاسلام عوضاً عن التبليغ والارشاد يتفق مع مودة القربى المراد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آية الشورى فان مودة آله من مصاديق الهداية الى المهيمن سبحانه بامتثال اوامره واجتناب معاصيه والقيام بما يقرب منه عز شأنه زلفى فلا ندحة له من مودة قربى النبي لان الله تعالى حث على حبهم واقتفاء آثارهم.

ولو أعرضنا عن جميع ذلك لا تكون الآيتان المنفي فيهما الأجر معارضتين لآية المودة لأنهما مكيتان وآية المودة مدنية نازلة بعدهما والمدني لا يعارضه المكي بوجه.

ودعوى ابن تيمية عدم الريب في كون آية المودة مكية لأنها من سورة الشورى التي هي كباقي الحواميم مكية وحينئذ فأين تزويج علي من فاطمة وأين أولادهما(٢) تدلنا على عدم اطلاعه على كلمات المفسرين أو أنه غض النظر عنها فانه لم يصرح أحد بأن الآية مكية وكأنه تخيل من اطلاق قولهم الشورى مكية انها بتمام آياتها وهذا غير لازم فان جملة من الآيات المكية في السور المدنية

____________

١ - سورة الفرقان: آية / ٥٧.

٢ - منهاج السنة « ج ٢ - ص ١١٨ وص ٢٥٠ ».

١٦

وبالعكس لأن تأليف القرآن لم يكن على حسب النزول(١) ويحكي الزرقاني عن تفسير ابن عطية ان الآية مدنية وحديث ابن عباس ينص على ان المراد من القرابة فيها علي وفاطمة وابنائهما(٢) .

ثم لو فرضنا عدم نزول ( آية المودة ) في اهل البيت لأفادنا ما ورد من محبوبية الاحسان اليهم والعطف عليهم وإيتاء المعروف لهم وقضاء حوائجهم والسعي في امورهم: تأكده في ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكونه مشرفهم ومودع الفضل فيهم وهو أصل هذه الدوحة الميمونة ووصاياه في حقهم متواترة لا تبقي ريباً وتشكيكاً لمن يتطلب النص بالخصوص وقد جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من عترته وأهلي أحب إليه من أهله وذاتي أحب اليه من ذاته.

وان لله حرمات ثلاث من حفظهن حفظ الله دينه ودنياه: حرمة الاسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي(٣) .

فمقارنة حرمة أهل بيته بحرمة شخص النبوة الواجب على الأمة مراعاتها وان التقصير فيها يستوجب سخط الرب جل شأنه دليل واضح على امتياز الذرية على سائر المسلمين لحصولهم على هذا العنوان أعني كونهم ذرية الرسول مطلقاً سواء كانوا سائرين على منهاج مشرفهم الأعظم أو متأخرين عنه، نعم الحب لمن هو متبع لقوانين جدهم الاكرم يكون أأكد وحيث يكون التقصير بأداء حق الذرية والحط من كرامتهم مستوجباً للوهن بمقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

١ - ذكر حجة الاسلام المحقق ميرزا عبدالحسين الأميني في كتاب الغدير « ج ١ ص ٢٣٣ » تفصيل السور الملكية وفيها آيات مدنية وبالعكس.

٢ - شرح المواهب اللدينة ج ٧ ص ٣.

٣ - الصواعق المحرقة ص ١٣٧ و ١٣٩.

١٧

استحق البعد من الله تعالى كل من أعرض عن إكرام الذرية.

ومن هنا جاء تحذيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من احتقرهم فهو ملعون أذهب الله عنه السمع والبصر(١) .

وليس المراد منه فقد هاتين الحاستين لما يشاهد بالوجدان خلافه بل المراد منه عدم التوفيق لاستماع أو إبصار ما يقرب إلى الخير ويبعد عن درك العقاب على حد قوله تعالى:( لهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ) وهذا هو المراد من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ملعون ) فان اللعن ليس إلا الطرد والبعد عن الرحمات الآلهية والفيوضات الربوبية فلا تهطل سحائب الرحمة على من احتقر الذرية وأشار إلى هذا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( عليكم بحب أولادي فانه يدخل الجنة لا محالة وبغضهم يدخل النار ) (٢) .

وهذه الكلمات الذهبية من نبي الرحمة تلقي على الامة ضوءاً تبصر منه المكانة السامية لذريته الصالحة واما من كان بظاهره حائداً عن قانون الشرع فيكون الاحسان اليه من باب تكريم صاحب الدعوة الآلهية لكون الاهانة اليه تستلزم التوهين بمقام الرسول.

واليه يشير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أكرموا أولادي الصالحين لله تعالى والطالحين لي(٣) ولما لمح النبي العجب ممن سمع خطابه في إكرام الطالح منهم قال مرشداً له: أليس الولد العاق يلحق بالنسب(٤) .

__________________

١ - فضائل السادات ص ٣٨٩.

٢ - جامع الأخبار.

٣ - جامع السعادات ص ٣١٤ أيوان اول.

٤ - فضائل السادات ص ٣٧٣.

١٨

على ان الرسول الاعظم سأل الله سبحانه أن يثبت القائم بالحق من أهل بيته ويهدي ضالهم ويعلم جاهلهم ويجعلهم رحماء نجباء ويهب مسيئتهم نحسنهم ويهبهم له فأجاب الله تعالى سؤاله(١) وأكرمه بتوفيق ذريته للفوز الاكبر وهو الممات على ولاية الأئمة المعصومين والتوبة عما اقترفوه من الآثام ولو في آخر ساعة من أيامهم كما يفصح عنه قول الامام الصادقعليه‌السلام لا يخرج أحدنا من الدنيا حتى يقر لكل ذي فضل فضله(٢) وفي آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه: ليس لكم ان تدخلو فيما بيننا إلا بسبيل خير انه لم تمت نفس منا إلا وتدركها السعادة قبل أن تخرج نفسه ولو بفواق ناقة(٣)

ومما يفيدنا وضوحاً في هذا الحكم الذي لا يرتاب فيه من يبصر الحقايق بعين صحيحة ما احتفظ به من وصايا المعصومين باكرام ذريتهم ومن ينتسب اليهم نذكر بعضا منها كمثل يتعرف منه مكانة الذرية.

١ - حدث عبيدالله بن عبدالله بن طاهر بن الحسين الخزاعي(٤)

__________________

١ - ذخائر العقبى ص ١٥.

٢ - الخرايج في الباب٦.

٣ - مرآة العقول ج ١ - ص ٢٦٢ عن الصدوق.

٤ - قال ابن خلكان بترجمة عبيدالله: كان عبيدالله شاعراً كاتباً تولى شرطة بغداد عن أخيه محمد وبعد وفاته استقل بها واليه انتهت رياسة آل طاهر وهو آخر من مات منهم رئيساً توفي سنة ٣٠٠ وله ٧٧ سنة ودفن بمقابر قريش ولقب جده طاهر بذي اليمينين لأنه ضرب بيساره شخصاً في واقعته مع علي بن ماهان فقده نصفين فقال بعض الشعراء ( كلتا يديه يمين حين يضربه ) فلقبه المأمون بذلك تولى على خراسان من قبل المأمون وكان معه غلام وهبه المأمون له فأمر الغلام ان يسمه ففعل الغلام وأصبح ميتاً لخمس بقين من جماد الثاني سنة ٢٠٧ بمرو ومات والده الحسين

١٩

انه دخل على أخيه محمد سحراً بعد مدة من قتله ليحي بن عمر العلوي فرآه مطرقاً برأسه مهموماً حزيناً كأنه عرض على السيف وجواريه لا يتجاسرون على مسألته واخته واقفة فسألها قالت رؤيا أهالته فقلت لها أيها الأمير روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال إذا رأى أحدكم ما يكره في منامه فليتحول من جانبه إلى الآخر وليقل ثلاثاً استغفر الله ويلعن ابليساً ويستعيذ بالله ثم ينام.

فرفع إلي راسه وقال: يا أخي كيف اذا كانت الطامة من جهة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال لي ألست ذاكراً رؤيا طاهر وهو صغير للنبي في منامه وهو يقول له: يا طاهر إنك ستبلغ من الدنيا أمراً عظيماً فاتق الله واحفظني في ولدي فانك لا تزال محفوظاً ما حفظتني في ولدي.

فما تعرض طاهر لقتال علوي قط وندب إلى ذلك غير دفعه ثم قال محمد يا أخي إني رأيت البارحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي وهو يقول: يا محمد نكثتم ؟ فانتبهت فزعاً وتحولت واستغفرت الله وتعوذت من ابليس ولعنته ونمت فرأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثانية وهو يقول: يا محمد نكثتم ؟

ففعلت كما فعلت في الاولى ونمت فرأيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثالثة وهو يقول: نكثتم وقتلتم أولادي والله لا تفلحون بعدها أبداً.

فانتبهت وأنا على هذا الحال منذ نصف الليل ما نمت واندفع يبكي وبكيت معه فما مضت على ذلك إلا مدة يسيرة حتى مات

__________________

= بخراسان سنة ١٩٩ وكان جده مصعب بليغاً أديباً كتب لسليمان بن كثير بن الخزاعي صاحب دعوة بني العباس وتولى هراة وبوشنج بلدة تبعد عن هراة سبع فراسخ.

٢٠

١٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد الله بن جندب قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ »(١) قال إمام إلى إمام

حتى أن لو كان من قبلكم دخل حجر ضب لدخلتموه ، قالوا : اليهود والنصارى تعني يا رسول الله؟ قال : فمن أعني لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة ، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة وآخر الصلاة.

ويحتمل أن يكون المراد تطابق أحوال خلفاء الجور في الشدة والفساد ، قال البيضاوي «طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » ، أي حالا بعد حال مطابقة لأختها في الشدة أو مراتب الشدة بعد المراتب.

الحديث الثامن عشر : ضعيف.

«وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ » قال الطبرسي (ره) : أي فصلنا لهم القول وبينا عن ابن عباس ، ومعناه آتينا بآية بعد آية ، وبيان بعد بيان وأخبرناهم بأخبار المهلكين من أممهم «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » ، أي ليتذكروا أو يتفكروا فيعلموا الحق ويتفطنوا ، وقال البيضاوي : أي أتبعنا بعضه بعضا في الإنزال ليتصل التذكير أو في النظم ، ليتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد ، والنصائح بالعبر.

وأقول : على تأويلهعليه‌السلام يحتمل وجهين : الأول : أن يكون المعنى قول إمام في حق إمام آخر ، ونصه عليه ، فقوله : إلى إمام ، يعني مفوضا أمره إلى إمام آخر والثاني : أن يكون المراد بالقول الحكم والأحكام والمعارف ، أي وصلناها لهم بنصب إمام بعد إمام ، فالمعنى موصلا إلى إمام من لدن آدم إلى انقراض الدنيا ، فيكون مناسبا لما مر من قصص الأنبياءعليهم‌السلام ، ويؤيده ما رواه علي بن إبراهيم بسند آخر عنهعليه‌السلام وفيه قال : إمام بعد إمام.

ويحتمل أن يكون المراد بالقول القول بالإمامة أي كلما مضى إمام لا بد لهم من القول بإمامة إمام آخر ، أو المراد قوله تعالى : «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »(٢)

__________________

(١) سورة القصص : ٥٠.

(٢) سورة البقرة : ٣٠.

٢١

١٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن النعمان ، عن سلام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى : «قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا »(١) قال إنما عنى بذلك علياعليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين وجرت بعدهم في الأئمةعليهم‌السلام ثم يرجع القول من الله في الناس فقال «فَإِنْ آمَنُوا » يعني الناس

أي هذا الوعد والتقدير متصل إلى آخر الدهر.

الحديث التاسع عشر : مجهول.

« في قوله تعالى » الآية في سورة البقرة هكذا : «وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ،قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » وذكر المفسرون أن الخطاب في قوله : «قُولُوا » للمؤمنينلقوله : فإن آمنوا بمثل آمنتم به ، وضمير آمنوا لليهود والنصارى «بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ » قال البيضاوي : من باب التعجيز والتبكيت كقوله تعالى : «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ »(٢) إذ لا مثل لما آمن به المسلمون ، ولا دين كدين الإسلام ، وقيل : الباء للآلة دون التعدية ، والمعنى أن تحروا الإيمان بطريق يهدي إلى الحق مثل طريقكم ، فإن وحدة المقصد لا تأتي بطرق متعددة أو مزيدة للتأكيد كقوله : «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها »(٣) والمعنى فإن آمنوا بالله إيمانا مثل أيمانكم أو المثل مقحم كما في قوله : «وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ »(٤) أي عليه «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ » أي إن أعرضوا من الإيمان أو عما تقولون لهم فما هم إلا في شقاق الحق ، وهي المناواة والمخالفة ، فإن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر ، انتهى.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٦.

(٢) سورة البقرة : ٢٣.

(٣) سورة الشورى : ٤٠.

(٤) سورة الأحقاف : ١٠.

٢٢

«بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ » يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمةعليهم‌السلام «فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ ».

٢٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى : «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ

وتأويلهعليه‌السلام يرجع إلى ذلك لكن خص الخطاب بكل المؤمنين الموجودين في ذلك الزمان ، ثم من كان بعدهم من أمثالهم كما في سائر الأوامر المتوجهين إلى الموجودين في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشاملة لمن وجد بعدهم وهو أظهر من توجه الخطاب إلى جميع المؤمنين ، لقوله : «وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا » لأن الإنزال ابتداء حقيقة على من كان في بيت الوحي وأمر بتبليغه ، ولأنه قرن بما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وسائر النبيين ، فكما أن المنزل إليهم في قرينه هم النبيون والمرسلون ، ينبغي أن يكون المنزل إليهم أولا أمثالهم وأضرابهم من الأوصياء والصديقين ، فضمير آمنوا راجع إلى سائر الناس غيرهم من أهل الكتاب وقريش وغيرهم ، فظهر أن ما ذكرهعليه‌السلام أظهر مما ذكره المفسرون.

والظاهر أن المشار إليه بذلك الخطاب بقوله : قولوا وإن سقط من الخبر ، لما رواه العياشي بإسناده عن المفضل بن صالح عن بعض أصحابه في قوله : قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ، الآية ، أما قوله : قولوا فهم آل محمدعليهم‌السلام لقوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ، وعلى ما في هذه الرواية يحتمل أن يكون المراد إنما عنى بضميري آمنا وإلينا والمآل واحد ، ثم على تفسيرهعليه‌السلام يدل على إمامتهم وجلالتهمعليهم‌السلام ، وكون المعيار في الاهتداء متابعتهم في العقائد والأعمال والأقوال ، وأن من خالفهم في شيء من ذلك فهو شقاق ونفاق.

الحديث العشرون : ضعيف على المشهور.

«إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ » أي أحق الناس بالانتساب به وكونه على ملته

٢٣

اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا »(١) قال هم الأئمةعليهم‌السلام ومن اتبعهم.

٢١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن مالك الجهني قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قوله عز وجل : «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ »(٢) قال من بلغ أن يكون إماما من

الحنيفية ومتابعته في التوحيد الخالص ، وقال الطبرسي (ره) أي أحق الناس بنصرة إبراهيم بالحجة أو بالمعونة للذين اتبعوه في وقته وزمانه ، وتولوه بالنصرة على عدوه حتى ظهر أمره وعلت كلمته «وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا » يتولون نصرته بالحجة لما كان عليه من الحق وتنزيه كل عيب عنه ، أي هم الذين ينبغي أن يقولوا إنا على دين إبراهيم ولهم ولايته «وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » لأنه يتولى نصرتهم وإنما أفرد الله النبي بالذكر تعظيما لأمره وإجلالا لقدره ، وفي الآية دلالة على أن الولاية تثبت بالدين لا بالنسب ، ويعضد ذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم ، بما جاءوا به ، ثم تلا هذه الآية فقال : إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته(٣) وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته ، انتهى.

وقال البيضاوي «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ » ، أي أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب «لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » من أمته «وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا » لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الأصالة ، وقرئ وهذا النبي بالنصب عطفا على الهاء في اتبعوه ، وبالجر عطفا على إبراهيم ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : هم الأئمة ومن اتبعهم ، لا ريب في أن المؤمن لا يطلق إلا عليهم وعلى من اتبعهم وسائر الفرق منافقون بل مشركون.

الحديث الحادي والعشرون : كالسابق.

«وَمَنْ بَلَغَ » أكثر المفسرين جعلوه معطوفا على ضمير المخاطب فيقوله : «لِأُنْذِرَكُمْ » ووجهوا الخطاب إلى الحاضرين أو الموجودين ، وفسروا من بلغ بمن

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦٧.

(٢) سورة الأنعام : ١٨.

(٣) اللُحمة ـ بضمّ اللام وسكون الحاء ـ : القرابة.

٢٤

آل محمد فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن مفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً »(١) قال عهدنا إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم أنهم هكذا وإنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والإقرار به

بلغه من الغائبين أو المعدومين ، وعلى تفسيرهعليه‌السلام في موضع رفع عطفا على الضمير المرفوع « في أنذركم » ويجوز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، وقيل : هو مبتدأ بتقدير من بلغ فهو ينذركم ، فيكون من عطف الجملة على الجملة ، والمراد بمن بلغ حينئذ من كمل أو وصل حد الإنذار وصار أهلا له.

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف.

قوله : فترك ، تفسير للنسيان بالترك كما فسر به أكثر المفسرون أيضا ، قال الطبرسي (ره) في تفسير هذا الآية : أمرناه وأوصينا إليه أن لا يقرب الشجرة ولا يأكل منها فترك الأمر عن ابن عباس «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » ثابتا وقيل : معناه فنسي من النسيان الذي هو السهو ، ولم نجد له عزما على الذنب لأنه أخطأ ولم يتعمد ، وقيل : ولم نجد له حفظا لما أمر به ، انتهى.

ولم يكن له عزم ، كأنه محمول على أنه لم يكن له اهتمام تام وسرور بهذا الأمر ومزيد تذكر له وتبجج به كما كان لغيره من أولي العزم وكان اللائق بحاله ذلك فترك الأولى وإلا فعصمتهعليه‌السلام ونبوته وجلالته تمنع من أن ينسب إليه عدم قبول ما أوحى الله إليه ، وعدم الرضا بقضائه تعالى ، وقيل : أي ترك التوسل بهمعليهم‌السلام بعد ارتكاب الخطيئة حتى ألهمه الله ذلك.

__________________

(١) سورة طه : ١١٤.

٢٥

٢٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ، عن محمد بن عيسى القمي ، عن محمد بن سليمان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ » كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمةعليهم‌السلام من ذريتهم «فَنَسِيَ » هكذا والله نزلت على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن خالد بن ماد ، عن محمد بن الفضل ، عن الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أوحى الله إلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(١) قال إنك

الحديث الثالث والعشرون ضعيف.

« هكذا والله نزلت » ظاهر بل صريح في التنزيل ، وتأويله بالتأويل بأن يكون المعنى قال جبرئيلعليه‌السلام عند نزوله أن معناه هذا في غاية البعد.

الحديث الرابع والعشرون مجهول.

والأخبار في تفسير الصراط بالأئمةعليهم‌السلام وولايتهم كثيرة ، والصراط ما يؤدي الناس إلى مقصودهم ، وهم صراط الله المستقيم الذي لا يوصل إلى الله وطاعته وقربه ورضوانه إلا بولايتهم ، والقول بإمامتهم وطاعتهم ، وصراط الآخرة صورة هذا الصراط فمن استقام على هذا الصراط في الدنيا يجوز صراط الآخرة آمنا إلى الجنة كما روى الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن المفضل قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصراط فقال : هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل ، وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم ، فقوله تعالى : «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ » أي بجميعها الذي عمدتها ولاية علي وسائر الأئمةعليهم‌السلام ، فإن بها يتم ويعرف ما سواها قولا وعملا وتبليغا ، فإنك على الدين الحق الذي عمدتها الولاية فلا تقصر في تبليغها ودعوة الناس إليها خوفا من المنافقين.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٢.

٢٦

على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم.

٢٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال نزل جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآية على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما

قال ابن شهرآشوب (ره) في المناقب بعد إيراد هذه الرواية : معنى ذلك أن علي بن أبي طالب الصراط إلى الله كما يقال فلان باب السلطان إذا كان يوصل به إلى السلطان ، ثم الصراط الذي عليه عليعليه‌السلام يدلك وضوحا على ذلك قوله : صراط الذين أنعمت عليهم ، يعني نعمة الإسلام ، لقوله «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ »(١) والعلم :

«وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ »(٢) والذرية الطيبة «إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً »(٣) الآية وإصلاح الزوجات لقوله : «فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ »(٤) فكان عليعليه‌السلام في هذه النعم في أعلى ذراها.

الحديث الخامس والعشرون ضعيف.

«بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ » الآية هكذا : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ » قال البيضاوي : ما نكرة بمعنى شيء مميزة لفاعل بئس المستكن « واشتروا » صفة ومعناه باعوا أو شروا بحسب ظنهم فإنهم ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم من العقاب بما فعلوا «أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ » هو المخصوص بالذم «بَغْياً » طلبا لما ليس لهم وحسدا ، وهو صلة يكفروا دون اشتروا للفصل «أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ » أي لأن ينزل أي حسدوه على أن ينزل الله من فضله يعني الوحي «عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » على من اختاره للرسالة ، انتهى.

والآية في سياق ذكر أحوال اليهود ، فلو كان قوله في علي تنزيلا يكون ذكر

__________________

(١) سورة لقمان : ٢٠.

(٢) سورة النساء : ١١٣.

(٣) سورة آل عمران : ٣٣.

(٤) سورة الأنبياء : ٩٠.

٢٧

«أَنْزَلَ اللهُ » في علي «بَغْياً »(١) .

٢٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر قال نزل جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآية على محمد هكذا «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي

ذلك بين أحوال اليهود لبيان أن المنكرين لولاية عليعليه‌السلام بمنزلة اليهود في إنكار ما أنزل الله ، ولو كان تأويلا يحتمل وجهين :

الأول : أن عمدة ما أنزل الله الولاية كما عرفت.

والثاني : أن ظهر الآية في اليهود وبطنه في أضرابهم من المنكرين لما أنزل الله في علي ، فإن الآية النازلة في جماعة لا تختص بهم بل تجري في أمثالهم ، وأشباههم إلى يوم القيامة.

الحديث السادس والعشرون كالسابق.

وكان الأولى وبهذا الإسناد عن جابر ، ولعله إشارة أنه أخذ من كتاب ابن سنان.

«وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا » قال البيضاوي : إنما قال «مِمَّا نَزَّلْنا » لأن نزوله نجما فنجما بحسب الوقائع كما يري عليه أهل الشعر والخطابة مما يريبهم كما حكى الله عز وجل عنهم «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً » فكان الواجب تحديهم على هذا الوجه إزاحة للشبهة ، وإلزاما للحجة ، وأضاف العبد إلى نفسه تنويها بذكره وتنبيها على أنه مختص به منقاد لحكمه ، والسورة : الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات «مِنْ مِثْلِهِ » صفة سورة أي بسورة كائنة من مثله ، والضمير لما نزلنا ، ومن للتبعيض أو للتبيين ، وزائدة عند الأخفش أي بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة وحسن النظم أو لعبدنا ومن للابتداء أي بسورة كائنة ممن هو على حاله مع كونه بشرا أميا لم يقرأ الكتب ولم يتعلم العلوم أو صلة فأتوا والضمير للعبد ، والرد إلى المنزل أوجه لأنه المطابق لسائر الآيات ، انتهى.

وتتمة الآية : «وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » أي ادعوا لمعارضة من

__________________

(١) سورة البقرة : ٩٠.

٢٨

رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا » في علي «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ »(١) .

٢٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال نزل جبرئيلعليه‌السلام على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الآية هكذا «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا » في علي «نُوراً مُبِيناً »(٢) .

حضركم أو من رجوتم معونته من جنكم وإنسكم وآلهتكم غير الله إن كنتم صادقين أنه من كلام البشر ، والرواية تدل على أن شكهم كان فيما يتلوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن عليعليه‌السلام فرد الله عليهم بأن القرآن معجز لا يمكن أن يكون من عند غيره سبحانه ، فما نزل فيهعليه‌السلام من عنده سبحانه ، وظاهر الخبر أنه تنزيل وأول بالتأويل كما مر.

الحديث السابع والعشرون كالسابق.

وليس في المصحف هكذا ، بل صدر الآية في أوائل سورة النساء هكذا : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً » وآخرها في أواخر تلك السورة هكذا : «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً » وكأنه سقط من الخبر شيء ، وكانعليه‌السلام ذكر اسمهعليه‌السلام في الموضعين فسقط آخر الآية الأولى واتصلت بآخر الآية الثانية لتشابه الآيتين ، وكثيرا ما يقع ذلك ، ويحتمل أن يكون في مصحفهمعليهم‌السلام إحدى الآيتين هكذا وعلى الأول ظاهره التنزيل ويحتمل التأويل أيضا كما عرفت مرارا.

ولا يتوهم أن قوله في الآية الأولى «مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ » ينافي ذلك على الاحتمال الأول ، لأن معاداة أهل الكتاب لأمير المؤمنينعليه‌السلام كانت أشد منها لغيره لأنهعليه‌السلام قتل كثيرا منهم بيده ، فيحتمل أن يكون الخطاب إليهم وقوله : مصدقا لما معكم لأنه كان اسمهعليه‌السلام كاسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثبتا عندهم في كتبهم كما دلت عليه الأخبار الكثيرة ، وكذا قوله : أوتوا الكتاب ، وإن احتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣.

(٢) راجع الشرح.

٢٩

٢٨ ـ علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي طالب ، عن يونس بن بكار ، عن أبيه ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ » في علي «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ »(١) .

٢٩ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن مثنى الحناط ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ

الحديث الثامن والعشرون مجهول.

والآية في سورة النساء وقبلها : «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ، وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ ،وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً » وقد مر في باب التسليم أن الخطاب في قوله تعالى : جاءوك ، ويحكموك ، وقضيت ، لأمير المؤمنينعليه‌السلام فيحتمل أن يكون «ما يُوعَظُونَ » به في علي إشارة إلى هذا ويحتمل التنزيل والتأويل كما مر.

الحديث التاسع والعشرون ضعيف على المشهور.

والسلم الإسلام أو الاستسلام والانقياد ، والولاية داخلة فيهما بل أعظم أجزائهما ، قال الطبرسي (ره) : ادخلوا في السلم أي في الإسلام ، وقيل : الطاعة وهذا أعم ويدخل فيه ما رواه أصحابنا من أن المراد به الدخول في الولاية كافة أي ادخلوا جميعا في الاستسلام والطاعة ،ولا تتبعوا خطوات الشيطان أي آثاره ونزغاته لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع للشيطان.

وروى العياشي في تفسيره بإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، قال

__________________

(١) سورة النساء : ٦.

٣٠

عَدُوٌّ مُبِينٌ »(١) قال في ولايتنا.

٣٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قوله جل وعز : «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا » قال ولايتهم «وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى » قال ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام «إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى »(٢) .

٣١ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن علي ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال «أَفَكُلَّما جاءَكُمْ (محمد)بِما

أتدري ما السلم؟ قال : أنت أعلم ، قال : ولاية علي والأئمة والأوصياء من بعدهعليهم‌السلام قال : وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان.

الحديث الثلاثون ضعيف على المشهور.

« قال : ولايتهم » عبر عن ولايتهم بالحياة الدنيا لأنها سبب لجمعها وحيازتها ، ولهذا اختارها الأشقياء على ولاية إمام الحق لأنهعليه‌السلام كان يقسم بالسوية ، وهم كانوا يؤثرون الكبراء والأشراف فمالوا إليهم وقووا بذلك ، وكذا عبر عن ولايتهعليه‌السلام بالآخرة ، لأنها سبب للحياة الأبدية الأخروية ، ثم رغب في اختيار الآخرة باختيار ولايته بأنها خير وأبقى ، ثم قال «إِنَّ هذا » أي كون الآخرة خيرا وأبقى أو كون ولاية علي سببا لحصول ما هو خير وأبقى ، أو أصل الولاية «لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى » مذكورة فيها ثم بين الصحف الأولى بأنها صحف إبراهيم وموسى ، وفي بعض النسخ بدل ولايتهم ولاية شبويه ، بالباء الموحدة ثم المثناة التحتانية نسبة إلى شبوة وهي العقرب أو إبرتها كأنهعليه‌السلام شبه الجائر بالعقرب.

الحديث الحادي والثلاثون ضعيف.

«جاءكم محمد» الآية في سورة البقرة هكذا : «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٠.

(٢) سورة الأعلى : ١٦ ـ ١٨.

٣١

لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ( بموالاة علي)فاسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً ( من آل محمد )كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ »(١) .

٣٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان ، عن الرضاعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ (بولاية علي)ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ »(٢) يا محمد من ولاية علي هكذا في الكتاب مخطوطة.

رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » والخطاب ظاهرا إلى اليهود فلو كان ما ذكرهعليه‌السلام تنزيلا كان وجه توجه الخطاب إليهم ما تقدم ذكره من شدة عداوتهم لهعليه‌السلام وكونهعليه‌السلام حاميا للدين وحافظا للملة التي كانوا يريدون إزالتها ، ولو كان تأويلا فيحتمل ذلك ويحتمل كون المراد جريان حكم الآية في كل من عارض الحق بهواه ، وأشدهم في ذلك الناصبون المنكرون للإمامة.

قال البيضاوي :بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ، بما لا تحبه ، يقال : هوى بالكسر هوى إذا أحب ، وهوى بالفتح هويا بالضم سقط ، وسقطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به توبيخا لهم على تعقيبهم ذاك بهذا ، وتعجيبا من شأنهم ، ويحتمل أن يكون استينافا والفاء للعطف على مقدر «اسْتَكْبَرْتُمْ » عن الإيمان واتباع الرسل «فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ » كموسى وعيسى ، والفاء للسببية أو التفصيل «وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » كزكريا ويحيى ، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضارا لها في النفوس فإن الأمر فظيع ومراعاة للفواصل ، أو للدلالة على أنكم بعد فيه ، فإنكم حول قتل محمد لو لا أني أعصمه منكم ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة ، انتهى.

وأقول : على تأويلهعليه‌السلام لا يحتاج إلى تكلف.

الحديث الثاني والثلاثون ضعيف على المشهور.

« مخطوطة » أي مكتوبة وهو صريح في التنزيل وحمله على التأويل بأن يكون المراد أنها مخطوطة شرحا وتفسيرا للآية ، أو كون المراد أنها مكتوبة في الكتاب من الكتب التي عندهم لا القرآن بعيد.

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٧.

(٢) سورة الشورى : ١١ ـ ١٢.

٣٢

٣٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن هلال ، عن أبيه ، عن أبي السفاتج ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله جل وعز : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ »(١) فقال إذا كان يوم القيامة دعي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبأمير المؤمنين وبالأئمة من ولدهعليهم‌السلام فينصبون للناس فإذا رأتهم شيعتهم قالوا «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ » يعني هدانا الله في ولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام .

٣٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن أورمة ومحمد بن عبد الله ، عن علي بن حسان ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى : «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » قال النبأ العظيم الولاية وسألته عن قوله : «هُنالِكَ

الحديث الثالث والثلاثون ضعيف.

وقالوا الحمد لله ، في الأعراف هكذا : «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ » إلخ ، واللام في لنهتدي لتوكيد النفي وجواب لو لا محذوف دل عليه ما قبله ، وضمير قالوا راجع إلى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وليس المؤمن إلا الشيعة ، ولا تقبل الأعمال الصالحة إلا منهم« فينصبون للناس » أي لحساب. الخلق وشفاعتهم ، وقسمة الجنة والنار بينهم كما سيأتي في خطبة الوسيلة في الروضة وسائر الأخبار التي أوردناها في الكتاب الكبير مشحونة بذلك ، فإذا رأوا أئمتهم وشفعاءهم بتلك المنزلة الرفيعة قالوا تبجحا وشكرا الحمد لله إلخ« في ولاية أمير المؤمنين » أي لها أو للآيات النازلة فيها ، أو التقدير نزلت فيها تأكيدا أو في سببية أي هدانا إلى هذه المنزلة والكرامة بسبب ولايتهعليه‌السلام .

الحديث الرابع والثلاثون كالسابق ، والظاهر عبد الرحمن بن كثير كما سيأتي بعينه في الثاني والخمسين من الباب.

«عَمَّ يَتَساءَلُونَ » عم أصله عما حذف الألف لاتصال ما بحرف الجر ، قال الطبرسيقدس‌سره : قالوا لما بعث رسول الله وأخبرهم بتوحيد الله وبالبعث بعد الموت

__________________

(١) سورة الأعراف : ٤١.

٣٣

وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم ، أي يسأل بعضهم بعضا على طريق الإنكار والتعجب ، فيقولون : ما ذا جاء به محمد وما الذي أتى به؟ فأنزل الله تعالى : «عَمَّ يَتَساءَلُونَ » أي عن أي شيء يتساءلون؟ قال الزجاج : اللفظ لفظ استفهام والمعنى تفخيم القصة كما تقول : أي شيء زيد؟ إذا عظمت شأنه ، ثم ذكر أن تسائلهم عما ذا؟ فقال «عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » وهو القرآن ، ومعناه الخبر العظيم الشأن لأنه ينبئ عن التوحيد وتصديق الرسول ، والخبر عما يجوز وعما لا يجوز ، وعن البعث والنشور وقيل : يعني نبأ يوم القيامة وقيل :النبإ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع وصفاته والملائكة والرسل والبعث والجنة والنار والرسالة والخلافة ، فإن النبإ معروف يتناول الكل «الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » فمصدق به ومكذب «كَلاَّ » أي ليس الأمر كما قالوا «سَيَعْلَمُونَ » عاقبة تكذيبهم حتى ينكشف الأمور «ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ » هذا وعيد على أثر وعيد ، وقيل كلا أي حقا سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم ، وقيل : كلا سيعلمون ما ينالهم يوم القيامة ثم كلا سيعلمون ما ينالهم في جهنم من العذاب.

وروى السيد ابن طاوسرضي‌الله‌عنه في الطرائف عن محمد بن مؤمن الشيرازي في تفسيره بإسناده عن السدي قال : أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا محمد هذا الأمر بعدك لنا أم لمن؟ قال : يا صخر الأمر من بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل الله تعالى «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » ، منهم المصدق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذب بهما ، ثم قال : كلا ، وهو رد عليهم ، سيعلمون خلافته بعدك أنها حق ثم كلا سيعلمون ، يقول : يعرفون ولايته وخلافته إذ يسألون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا بحر ولا بر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد الموت

٣٤

الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ »(١) قال ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

يقولون : للميت من ربك وما دينك ومن نبيك ومن إمامك؟ والأخبار في ذلك كثيرة من طرق الخاصة والعامة أوردتها في الكتاب الكبير.

«هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ » الآية في سورة الكهف ، وقبلها قصة الأخوين اللذين أحدهما مؤمن والآخر كافر ، وكان للكافر جنتان وكفر بالبعث فأرسل الله عليهما عذابا من السماء حيث قال : «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ » إلى قوله تعالى : «وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً ، هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً » قال البيضاوي : «هُنالِكَ » أي في ذلك المقام ، وفي تلك الحال «الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ » : النصرة له وحده ، ولا يقدر عليها غيره.

أقول : على تأويلهعليه‌السلام لعل المعنى أن الأمثال التي يضربها الله لهذه الأمة ليس الغرض منها محض الحكاية والقصة ، بل لتنبيه هذه الأمة وتذكيرهم لاجتناب سوء أعمالهم واقتفاء حسن آثارهم ، والمصداق الأعظم لهذا المثل وموردها الأكبر قصة غصب الخلافة واختيار الغاصبين وأعوانهم الدنيا على الآخرة إما لإنكارهم البعث حقيقة غصب الخلافة واختيار الغاصبين وأعوانهم الدنيا على الآخرة إما لإنكارهم البعث حقيقة كالخلفاء الثلاثة وبعض أتباعهم ، أو لعدم يقينهم كما هو حقه بالآخرة. وإن كانوا يعتقدونها في الجملة كما في بعض أتباعهم ، والأخ المؤمن مثل لأمير المؤمنين وأتباعهم ، فإنهم وعظوا هؤلاء وزجروهم فلم ينزجروا حتى نزل بهم عذاب الله في الدنيا والآخرة ، ولم ينتفعوا كثيرا بدنياهم ، فالمراد بقوله ولاية أمير المؤمنين أن مورد المثل ولايتهعليه‌السلام لا أن المراد بالولاية ولايتهعليه‌السلام مع أنه يحتمل ذلك أيضا بأن يكون المراد بالولاية ولايتهعليه‌السلام في بطن الآية ، لأنه مورد المثل فالمعنى أن الولاية الخالصة لله الحق الذي لا تغيير في ذاته وصفاته ، هي ولايتهعليه‌السلام ، وولاية المعارضين له لمحض الدنيا ، أو نسب ولاية عليعليه‌السلام إلى نفسه مبالغة وكناية لتلازمهما كقوله تعالى : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ

__________________

(١) سورة الكهف : ٤٣.

٣٥

٣٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً »(١) قال هي الولاية.

٣٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن إبراهيم الهمذاني يرفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى : «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ »(٢) «لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » قال الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام .

فَقَدْ أَطاعَ اللهَ »(٣) وقوله : «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ »(٤) وأمثاله كثيرة.

الحديث الخامس والثلاثون : مجهول.

«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ » قال الطبرسي (ره) : أي أقم قصدك للدين ، والمعنى كن معتقدا للدين ، وقيل : معناه أثبت ودم على الاستقامة وقيل : معناه وأخلص دينك ، وقيل : معناه سدد عملك ، فإن الوجه ما يتوجه إليه ، وعمل الإنسان ودينه ما يتوجه الإنسان إليه لتسديده وإقامته «حَنِيفاً » أي مائلا إليه ثابتا عليه مستقيما فيه لا ترجع عنه إلى غيره ، انتهى.

والحاصل أنه أمر بالتوجه التام إلى الدين القويم ، والاعتراض عن جميع الأديان الباطلة والآراء الفاسدة ، ولا ريب أنه ولاية أمير المؤمنين والأئمةعليهم‌السلام أعظم أجزائه ، بل لا يعرف غيرها إلا به وتأنيث الضمير باعتبار الخبر.

الحديث السادس والثلاثون : مرفوع.

«وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ » قال البيضاوي : أي العدل يوزن بها صحائف الأعمال وقيل : وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل ، وإفراد القسط لأنه مصدر وصف به للمبالغة «لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » لجزاء يوم القيامة أو لأهله أو فيه كقولك : جئت لخمس خلون من الشهر ، انتهى.

__________________

(١) سورة الروم : ٢٩.

(٢) سورة الأنبياء : ٤٨.

(٣) سورة النساء : ٨٠.

(٤) سورة الفتح : ١٠.

٣٦

وفسرعليه‌السلام الميزان بالأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، وقد وردت الأخبار الكثيرة بذلك واختاره الصدوق (ره) في رسالة العقائد ، وأكثر المتكلمين على أن لله في القيامة ميزانا ذا كفين توزن به صحائف الأعمال ، ويعطي الله الصحائف خفة وثقلا بحسب ما كتب فيه ، ولا تنافي بينهما فإن الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام هم الحاضرون عند الميزان ، وإليهم إياب الخلق وعليهم حسابهم.

قال الصدوققدس‌سره في رسالة العقائد : اعتقادنا في الحساب أنه حق منه ما يتولاه الله عز وجل ومنه ما يتولاه حججهعليهم‌السلام فحساب الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يتولاه الله عز وجل ويتولى كل نبي حساب أوصيائه ويتولى الأوصياء حساب الأمم فالله عز وجل الشهيد على الأنبياء والرسل ، وهم الشهداء على الأئمة ، والأئمة الشهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ، وقوله عز وجل : «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ »(١) يعني بالشاهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقوله عز وجل : «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ »(٢) وسئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً »(٣) قال : الموازين الأنبياء والأوصياء ، ومن الخلق من يدخل الجنة بغير حساب.

وقال الشيخ المفيد نور الله ضريحه في شرح هذا الكلام : الحساب هو المقابلة بين الأعمال والجزاء عليها والموافقة للعبد على ما فرط منه والتوبيخ له على سيئاته والحمد على حسناته ومعاملته في ذلك باستحقاقه ، وليس هو كما ذهبت العامة إليه من مقابلة الحسنات بالسيئات والموازنة بينهما على حسب استعداد الثواب والعقاب عليهما إذا كان التحابط بين الأعمال غير صحيح ، ومذهب المعتزلة فيه باطل غير ثابت ، وما تعتمد الحشوية في معناه غير معقول والموازين هي التعديل بين الأعمال والجزاء عليها ،

__________________

(١) سورة هود : ١٧.

(٢) سورة الغاشية : ٢٥.

(٣) سورة الأنبياء : ٤٧.

٣٧

ووضع كل جزاء في موضعه وإيصال كل ذي حق إلى حقه ، فليس الأمر في معنى ذلك ما ذهب إليه أهل الحشو من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا لكل ميزان كفتان توضع الأعمال فيها ، إذ الأعمال أعراض والأعراض لا يصح وزنها ، وإنما توصف بالثقل والخفة على وجه المجاز ، والمراد بذلك أن ما ثقل منها هو ما كثر واستحق عليه عظيم الثواب ، وما خف منها ما قل قدره ولم يستحق عليه جزيل الثواب ، والخبر الوارد أن أمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمة من ذريتهعليهم‌السلام هم الموازين ، فالمراد أنهم المعدلون بين الأعمال فيما يستحق عليها والحاكمون فيها بالواجب والعدل ، ويقال : فلان عندي في ميزان فلان ويراد به نظيره ، ويقال : كلام فلان عندي أوزن من كلام فلان ، والمراد به أن كلامه أعظم وأفضل قدرا ، والذي ذكره الله تعالى في الحساب والخوف منه إنما هو المواقفة على الأعمال ، لأن من وقف على أعماله لم يتخلص من تبعاتها ومن عفا الله عنه في ذلك فاز بالنجاة ، ومن ثقلت موازينه بكثرة استحقاق الثواب فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه بقلة أعمال الطاعات فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ، والقرآن إنما أنزل بلغة العرب وحقيقة كلامها ومجازه ، ولم ينزل على ألفاظ العامة وما سبق إلى قلوبها من الأباطيل ، انتهى.

وقال بعض المحققين : ميزان كل شيء هو المعيار الذي به يعرف قدر ذلك الشيء فميزان يوم القيامة للناس ما يوزن به قدر كل إنسان وقيمته على حساب عقائده وأخلاقه وأعماله ، لتجزي كل نفس بما كسبت ، وليس ذلك إلا الأنبياء والأوصياء ، إذ بهم وباقتفاء آثارهم وترك ذلك والقرب من طريقتهم والبعد عنها يعرف مقدار الناس وقدر حسناتهم وسيئاتهم ، فميزان كل أمة هو نبي تلك الأمة ووصي نبيها ، والشريعة التي أتى بها فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم.

أقول : وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب بحار الأنوار.

٣٨

٣٧ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن محمد بن جمهور ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى : «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ »(١) قال قالوا أو بدل علياعليه‌السلام .

الحديث السابع والثلاثون : ضعيف.

«بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا » الآية في سورة يونس هكذا : «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ » وقال الطبرسيقدس‌سره : «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا » المنزلة في القرآن «بَيِّناتٍ » أي واضحات في الحلال والحرام وسائر الشرائع ، وهي نصب على الحال «قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا » أي لا يؤمنون بالبعث والنشور ولا يخشون عذابنا ولا يطمعون في ثوابنا «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا » الذي تتلوه علينا «أَوْ بَدِّلْهُ » فاجعله على خلاف ما تقرؤه والفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه وتبديله لا يكون إلا برفعه ، وقيل : معنى قوله بدله غير أحكامه من الحلال والحرام ، أرادوا بذلك زوال الخطر عنهم وسقوط الأمر منهم ، وأن يخلي بينهم وبين ما يريدونه «قُلْ » يا محمد «ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي » أي من جهة نفسي لأنه معجز لا أقدر على الإتيان بمثله «إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَ » أي ما أتبع إلا الذي أوحي إلى ، انتهى.

وأقول : تأويلهعليه‌السلام ليس ببعيد من ذلك ، لأن عمدة ما كان يكرهه المشركون والمنافقون ولاية عليعليه‌السلام لما قتل وأسر منهم من الجم الغفير ، كما ورد في تأويل قوله تعالى : «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ »(٢) إنه لما بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم ما بلغ وشاع ذلك في البلاد أتى الحارث بن نعمان الفهري فقال : يا محمد أمرتنا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وبالصلاة والصوم والحج والزكاة فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي

__________________

(١) سورة يونس : ١٦.

(٢) سورة المعارج : ١.

٣٩

٣٨ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن القمي ، عن إدريس بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن تفسير هذه الآية : «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ »(١) قال عنى بها لم نك من أتباع الأئمة

مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته(٢) وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله تعالى : «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ » وروى هذا أبو عبيد والثعلبي والنقاش وسفيان بن عيينة والرازي والنيسابوري والطبرسي والقزويني والطوسي في تفاسيرهم.

فالمرادبقوله عليه‌السلام : أو بدل عليا بدل الآيات التي نزلت فيه وفي إمامته ، وولايتهعليه‌السلام ، مع كون سائر القرآن بحاله ، أو أترك هذا القرآن وأت بقرآن لا يكون فيه ذكرهعليه‌السلام .

ويحتمل أن يكون المراد بالآيات الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام كما مر أنهم آيات الله ، أي إذا يتلى عليهم في القرآن ذكرهمعليهم‌السلام وفضلهم قالوا ائت بقرآن لا يكون فيه ذكرهم ، أو بدل من هذا القرآن الآيات الدالة على إمامة عليعليه‌السلام ، والأول أوفق بظاهر الآية ، وعلى التقديرين قوله : ما يكون لي أن أبدله ، يرجع إلى أنه ليست الإمامة والخلافة بيدي وباختياري حتى يمكنني أن أبدله من قبل نفسي ، بل أتبع في ذلك ما يوحى إلى وإن عصيته في ذلك إني أخاف عذاب يوم عظيم.

الحديث الثامن والثلاثون : ضعيف على المشهور.

«ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ » قال الطبرسي (ره) هذا سؤال توبيخ أي يطلع أهل الجنة على أهل النار فيقولون لهم : ما أوقعكم في النار؟ قالوا :لم نك من المصلين ، أي كنا

__________________

(١) سورة المدّثّر : ٤٣ و٤٤.

(٢) الهامة : الرأس.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154