مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٠

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل13%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 442

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225738 / تحميل: 4727
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وبالمشعر، ورمى الجمرة، وذبح، وحلق فلا يجوز له أن يغطي رأسه حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن كان قد فعل فلا شئ عليه.

١٥ -( باب نوادر ما يتعلق بأبواب الحلق والتقصير)

[١١٧١٠] ١ - المقنع: ويكره للمتمتع أن يطلي رأسه بالحناء حتى يزور.

__________________

الباب ١٥

١ - المقنع ص ٩٠

١٤١

١٤٢

أبواب زيارة البيت

١ -( باب استحباب تعجيلها يوم النحر أو ثانيه، وكراهة التأخير عنه خصوصا المتمتع)

[١١٧١١] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام : « أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفاض يوم النحر إلى البيت، فصلى الظهر بمكة ».

[١١٧١٢] ٢ - وعن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « ينبغي تعجيل الزيارة، وأن لا تؤخر، وأن يزور يوم النحر، وإن أخر ذلك إلى غد فلا بأس ».

[١١٧١٣] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « زر البيت يوم النحر أو من الغد، وإن أخرتها إلى آخر اليوم أجزأك ».

[١١٧١٤] ٤ - بعض نسخه: « ويزور المتمتع البيت يوم النحر ومكن غده، ولا يؤخر ذلك، وموسع على القارن والمفرد أن يزور متى شاء ».

__________________

أبواب زيارة البيت

الباب ١

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣٠.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣١.

٣ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٩، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣١٤ ح ١.

٤ - بعض نسخه ص ٧٢، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٥١.

١٤٣

٢ -( باب وجوب طواف الحج عقيب الحلق إن لم يكن قدمهعلى الوقوف، ووجوب طواف النساء في الحج مطلقا، وفي العمرة المفردة خاصة، واستحباب الاغتسال لدخول المسجد للرجل والمرأة، وتقليم الأظفار، والاخذ من الشارب)

[١١٧١٥] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، أنه قال في قول الله عز وجل:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) قال: « التفث: الرمي والحلق، والنذور: من نذر أن يمشي، والطواف: هو طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة بعد الذبح والحلق يوم النحر، وهذا الطواف هو طواف واجب ».

وعن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه كان يستحب أن يغتسل للزيارة.

[١١٧١٦] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وتغتسل لزيارة البيت ».

بعض نسخه(١) : « فإذا حلقت فزر البيت من يومك أو ليلتك، وإن أخرت ( أجزأك )(٢) إلى يوم النفر ما لم تمس الطيب والنساء ».

__________________

الباب ٢

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣٠.

(١) الحج ٢٢: ٢٩.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٩.

(١) عنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦٧.

(٢) أثبتناه من البحار.

١٤٤

٣ -( باب أنه يجزئ الغسل من منى لزيارة البيت، ويجوز أنيغتسل نهارا ثم يزور ليلا، فإن انتقض الغسل ولو بحدث يوجب الوضوء استحب الإعادة)

[١١٧١٧] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وتغتسل زيارة البيت، وإن زرت نهارا فدخل عليك الليل في طريقك أو في طوافك أو في سعيك، فلا بأس به ما لم ينقض الوضوء، وإن نقضت الوضوء أعدت الغسل، وكذلك إن خرجت من منى ليلا وقد اغتسلت، فأصبحت في طريقك أو في طوافك وسعيك فلا شئ عليك فيما لا ينقض الوضوء، فإن نقضت الوضوء أعدت الغسل ».

٤ -( باب استحباب الدعاء بالمأثور على باب المسجد، وكيفية الطوافين والسعي)

[١١٧١٨] ١ - الصدوق في الفقيه والمقنع: فإذا أتيت البيت يوم النحر، قمت على باب المسجد فقلت: اللهم أعني على نسكي، وسلمني منه وسلمه لي، أسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه، أن تغفر لي ذنوبي، وأن ترجعني بحاجتي، اللهم إني عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وابتغي مرضاتك، متعبا لأمرك، راضيا بعد لك، أسألك مسألة المضطر إليك، المطيع لأمرك، المشفق من عذابك، الخائف لعقوبتك، أسألك أن تلقيني عفوك، وتجيرني برحمتك من النار.

ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه، فإن لم تستطع فاستلمه بيدك وقبل

__________________

الباب ٣

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٩.

الباب ٤

١ - المقنع ص ٩٢، الفقيه ج ٢ ص ٣٣٠ باختلاف يسير في كليها.

١٤٥

يدك، فإن لم تستطع فاستقبله وأشر إليه بيدك وقبلها، وكبر وقل مثل ما قلت حين طفت البيت يوم قدمت مكة، وطفت بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيمعليه‌السلام ، تقرأ فيهما بقل هو الله أحد، وقل يا إيها الكافرون، ثم ارجع إلى الحجر الأسود فقبله إن استطعت، واستلمه وكبر، ثم اخرج إلى الصفا واصعد عليه، واصنع كما صنعت يوم قدمت مكة، تطوف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شئ أحرمت منه إلا النساء، ثم ارجع إلى البيت فطف به أسبوعا وهو طواف النساء، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيمعليه‌السلام أو حيث شئت من المسجد، فإنه قد حل لك النساء وفرغت من حجك كله إلا رمي الجمار، وأحللت من كلّ شئ أحرمت منه،[١١٧١٩] ٢ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « إذا زرت يوم النحر فطف طواف الزيارة، وهو طواف الإفاضة تطوف بالبيت أسبوعا، وتصلي ركعتين خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام ، وتسعى بين الصفا والمروة أسبوعا إلى آخر ما تقدم.

[١١٧٢٠] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « زر البيت يوم النحر أو من الغد - إلى أن قال - وطفت بالبيت طواف الزيارة، وهو طواف الحج سبعة أشواط، وصليت عند المقام ركعتين، وسعيت بين الصفا والمروة كما فعلت عند المتعة سبعة أشواط، ثم تطوف بالبيت أسبوعا وهو طواف النساء ».

__________________

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣١.

٣ - فقه الرضا (عليه‌السلام ص ٢٩.

١٤٦

[١١٧٢١] ٤ - بعض نسخه: « فإذا أتيت مكة طف بالبيت سبعة أشواط، فإن ذلك هو الطواف الواجب الذي قال:( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) وصل ركعتين خلف المقام، فإن كنت قارنا أو مفردا فقد حل لك كلّ شئ، وليس عليك سعي بالصفا والمروة، وإن كنت متمتعا فإن طوافك السبع للزيارة مجزئ لحجك وللزيارة، وعليك السعي بين الصفا والمروة في قول بعض العلماء.

وبعض العلماء قالوا: مجزئ للمتمتع سبعة بالصفا والمروة لعمرته في أول مقدمه، والطواف السبعة مجزئ عن الزيارة والحجة، وإنما عندهم على المتمتع طواف الزيارة فقط بلا سعي ».

٥ -( باب نوادر ما يتعلق بأبواب زيارة البيت)

[١١٧٢٢] ١ - كتاب العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم: أن آدم لما بنى الكعبة قال: « اللهم إن لكل عامل أجرا، اللهم إني قد عملت، قال: فقيل له: سل يا آدم، قال: اللهم اغفر لي ذنبي، قال: قد غفرت لك يا آدم، قال: ولذريتي من بعدي، قال: يا آدم من باء منهم بذنبه ها هنا كما بؤت(١) ». قال: ثم خرج حاجا فوقف بعرفة وبالمزدلفة، ومر بالمازمين، فلما تلقته الملائكة بالأبطح وهم يقولون: بر حجك يا آدم، قال: فرد عليهم.

__________________

٤ - عنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦٧.

(١) الحج ٢٢: ٢٩.

الباب ٥

١ - كتال العلاء بن رزين ص ١٥٥.

(١) في المخطوط والمصدر: أبت، وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

١٤٧

١٤٨

( أبواب العود إلى منى ورمي الجمار والمبيت والنفر)

١ -( باب عدم جواز المبيت ليالي التشريق بغير منى، فإن فعل لزمه عن كلّ ليلة دم شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة، أو يخرج من منى بعد نصف الليل، أن من مكة ليلا)

[١١٧٢٣] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام : أنه نهى أن يبيت أحد من الحجيج ليالي من الا بمنى.

[١١٧٢٤] ٢ - وعن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « إذا زرت البيت فارجع إلى منى ولا تبيت أيام التشريق إلا بمنى، ومن تعمد المبيت عن منى ليالي من فعليه لكل ليلة دم، وإن جهل أو نسي فلا شئ عليه، ويستغفر الله ».

[١١٧٢٥] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ولا تبت بمكة ويلزمك دم. بعض نسخه(١) . ولا تبيت بمكة أيام التشريق ».

__________________

أبواب العود إلى منى ورمي الجمار والمبيت والنفر

الباب ١

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣١ ( عم جعفر بن محمدعليهما‌السلام .

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣١.

٣ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٩، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣١٤ ح ١.

(١) عنه فيه البحار ج ٩٩ ص ٣٦٧.

١٤٩

وفي موضع(٢) : « وإذا جاء الليل قبل النفر الأول فبت وليس لك أن تخرج ».

[١١٧٢٦] ٤ - الصدوق في المقنع والفقيه: ثم ارجع إلى منى ولا تبت ليالي التشريق إلا بها، فإن بت ( في غيرها )(١) فعليك دم شاة(٢) ، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح في غيرها.

٢ -( باب جواز إتيان مكة، والطواف تطوعا بها في أيام منى، من غير أن يبيت بها واستحباب اختيار الإقامة بمنى على ذلك)

[١١٧٢٧] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن أهل البيتعليهم‌السلام - إلى أن قال - ويزور البيت كلّ يوم إن شاء ويطوف تطوعا ما بدا له، ويرجع من يومه إلى منى فيبيت بها إلى أن ينفر منها.

__________________

(٢) بعض نسخة ص ٧٥، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦٢ ح ٤٥.

٤ - المقنع ص ٩٢، الفقيه ج ٢ ص ٣٣١ ( باختلاف يسير في الفقيه ).

(١) أثبتناه من المصدر ين.

(٢) في الفقيه زيادة: لكل ليلة، ( منته قده ).

الباب ٢

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣١.

١٥٠

٣ -( باب أن من نسي أو جهل رمي الجمار حتى خرج وجبعليه العود للرمي، وينبغي أن يفصل بين كلّ رميتين بساعة، فإن تعذر وجبت الاستنابة وإن مضت أيام التشريق ففي قابل)

[١١٧٢٨] ١ - بعض نسخ الرضوي: « أي امرأة جهلت رمي الجمار حتى نفرت إلى مكة، رجعت لرمي ( الجمار كما كانت ترمي )(١) ، وكذلك الرجل ».

٤ -( باب وجوب رمي الجمار وحكم من تركه)

[١١٧٢٩] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال في قول الله عز وجل:( ثم ليقضوا تفثهم) (١) الآية، قال: « التفث: الرمي ».

[١١٧٣٠] ٢ - وعن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال في حديث: « ثم رمى(١) أيام التشريق الثلاث جمرات، كلّ يوم عند زوال الشمس ».

وعنهعليه‌السلام قال: « من ترك الجمار أعاده(٢) ».

__________________

الباب ٣

١ - بعض نسخ الرضوي ص ٧٤، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٥٨ ح ٢٧.

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر.

الباب ٤

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣٠.

(١) الحج ٢٢: ٢٩.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٤.

(١) في المصدر: ترمي.

(٢) وفيه: أعاد.

١٥١

[١١٧٣١] ٣ - الصدوق في المقنع: وارم الجمار في كلّ يوم بعد طلوع الشمس إلى الزوال، وكلما قرب من الزوال فهو أفضل.

٥ -( باب وجوب الابتداء برمي الأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، فإن نكس وجب أن يعيد على الوسطى، ثم جمرة العقبة)

[١١٧٣٢] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « يرمي(١) في أيام التشريق الثلاث الجمرات ( كلّ يوم، يبتدي )(٢) بالصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى ».

وعنهعليه‌السلام ، أنه قال: « من قدم جمرة على جمرة أعاد ( الرمي )(٣) ».

[١١٧٣٣] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وترمي يوم الثاني والثالث والرابع في كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة، إلى الجمرة الأولى بسبعة وتقف عليها، وتدع إلى الجمرة الوسطى بسبعة وتقف عندها، وتدع إلى الجمرة العقبة بسبعة ولا تقف عندها، فإن جهلت ورميت مقلوبة فأعد على الجمرة الوسطى وجمرة العقبة ».

[١١٧٣٤] ٣ - بعض نسخ الرضوي: فإذا كان يوم الثاني مكثت حتى تطلع

__________________

٣ - المقنع ص ٩٢.

الباب ٥

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٤.

(١) ليس في المصدر.

(٢) وفيه: يبدأ.

(٣) ليس في المصدر.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٩، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٢٧٤ ح ١٥.

٣ - بعض نسخ الرضوي،، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦٧.

١٥٢

الشمس، ثم تغتسل أو تتوضأ، وحملت معك واحدا وعشرين حصاة قبل أن تصلي الظهر ترميها، وابدأ بالجمرة الأولى وهي التي من أقربهن إلى مسجد منى فارمها، واقصد للرأس فارمها بسبع حصيات تكبر مع كلّ حصاة، فإذا رميت فقف واجعل الجمرة عن يسار الطريق وأنت مستقبل القبلة، فاحمد الله واثن عليه وصل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكبر سبع تكبيرات، وقف عندها مقدار ما يقرأ الانسان مائة آية أو مائة وخمسين آية من القرآن، ثم أئت جمرة الوسطى فارمها بسبع حصيات فافعل كما فعلت فيها، ثم تقدم أمامها وقف على يسارها مستقبل القبلة مثل وقوفك في الأخرى، ثم أئت جمرة العقبة فارمها بسبع حصيات ولا تقف عندها، ثم انصرف وصل الظهر، وتفعل من الغد مثل فعلتك في اليوم الأول ».

[١١٧٣٥] ٤ - الصدوق في المقنع: وابدأ بالجمرة الأولى فارمها بسبع حصيات من يسارها في بطن الوادي، وقل مثل ما قلت يوم النحر حين رميت جمرة العقبة، ثم قف على يسار الطريق واستقبل البيت، واحمد الله واثن عليه، وصل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم تقدم قليلا وادع الله واسأله أن يتقبل منك، ثم(١) افعل ذلك عند الوسطى ترميها بسبع حصيات، ثم اصنع كما صنعت في الأولى(٢) ، ثم امض إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار، فارمهما بسبع حصيات ولا تقف عندها.

__________________

٤ - المقنع ص ٩٢.

(١) في المصدر زيادة: تقدم قليلا ثم.

(٢) وفيه زيادة: وتقف وتدعو الله كما دعوت في الأولى.

١٥٣

٦ -( باب أنه يحصل الترتيب بمتابعة أربع حصيات، فإن خالف بعدها جاز له النباء والاكمال سبعا سبعا، وقبلها يعيد مرتبا)

[١١٧٣٦] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإن جهلت ورميت إلى الأولى بسبع وإلى الثانية بستة وإلى الثالث بثلاث، فارم إلى الثانية بواحدة وأعد الثالثة، ومتى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوله، ومتى ما جزت النصف فابن على ذلك، وإن رميت إلى الجمرة الأولة دون النصف، فعليك أن تعيد الرمي إلهيا وإلى بعدها من أوله ».

[١١٧٣٧] ٢ - بعض نسخه: « وأي رجل رمى الجمرة الأولة بأربع حصيات ثم نسي ورمى الجمرتين بسبع سبع، عاد فرمى الثلاث على الولاء بسبع سبع، وإن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخيرتين فليرجع فليرم الوسطى، فإن كان رمى بثلاث رجع فرمى بأربع ».

٧ -( باب أن من نقص حصاة واشتبهت وجب أن يرمي كلّ جمرة بحصاة، وإن تعينت أتى بها ولو من الغد، وجملة من أحكام الرمي)

[١١٧٣٨] ١ - بعض نسخ الرضوي: « أبي، عن أبيهعليه‌السلام قال: وأيما رجل أخذ واحدة وعشرين حصاة فرمى بها الجمار، ورد واحدة فلم يدر أيتهن نقصت، قال: فليرجع فليرم كلّ جمرة بحصاة، وإن

__________________

الباب ٦

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٩ باختلاف.

٢ - بعض نسخ الرضوي ص ٧٣، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٥٥.

الباب ٧

١ - بعض نسخ الرضوي ص ٧٣، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٥٥ ح ١٤.

١٥٤

نقصت حصاة فلم يدر أين هي، فلا بأس أن يأخذ من تحت قدميه فيرمي بها ».

[١١٧٣٩] ٢ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « من تعجل النفر في يومين، ( ترك ما يبقى عنده من الجمار بمنى )(١) ».

وفيه: « ولا ترم إلا وقت الزوال في كلّ يوم(٢) ».

٨ -( باب استحباب كثرة ذكر الله في عشر ذي الحجة، وفي أيام التشريق، والاكثار من الصلاة في مسجد الخنيف، والتكبير بمنى)

[١١٧٤٠] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال في قول الله عز وجل:( فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ) (١) قال: « كان المشركون يفخرون بمنى أيام التشريق بابائهم، ويذكرون أسلافهم وما كان لهم من الشرف، فأمر الله المسلمين أن يذكروه مكان ذلك ».

وروينا عن أهل البيت ( صلوات الله عليهم )، من الدعاء وذكر الله عز وجل في أيام التشريق، وجوها يطول ذكرها، وليس منها شئ مؤقت.

__________________

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٢٤، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٢٧٦ ح ٣١.

(١) في المصدر: دفن ما يبقى منه من الحجارة بمنى.

(٢) وجدنا في البحار ج ٩٩ ص ٣٦٨ عن بعض نسخ الفقه الرضوي.

الباب ٨

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣١.

(١) البقرة ٢: ٢٠٠.

١٥٥

[١١٧٤١] ٢ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « ما من عمل في أيام الدهر، أزكى عند الله من العمل في أيام العشر ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان الله تعالى ليس بتارك صبيحة أول ليلة من ذي الحجة أحدا ممن يصلي إلى هذه القبلة إلا غفر له ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ثلاثة ينزلون من الجنة حيث يشاؤون، رجل قرأ قل هو الله أحد مائتي مرة في أيام العشر.

[١١٧٤٢] ٣ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن أبي صالح، عن كعب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان الله تبارك وتعالى اختار الساعات فاختار منها ساعات الصلوات: واختار الأيام فاختار منها يوم الجمعة، واختار الشهور فاختار شهر رمضان، واختار الليالي فاختار ليلة القدر، فالصلاة تكفر ما بينها وبين الصلاة وشهر رمضان يكفر ما بينه وبين رمضان، والجمعة تكفر ما بينها وبين الجمعة، وأيام الحج مثل ذلك، وما من أيام الدنيا أحب إلى الله من العمل في أيام العشر من ذي الحجة، ولا ليالي أفضل منهن، فيموت المؤمن وهو بين حسنتين حسنة ينظرها، وحسنة قد قضاها ».

[١١٧٤٣] ٤ - وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من عمل أفضل من عمل في هذه الأيام العشر من ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع منهما بشئ ».

__________________

٢ - لب اللباب: مخطوط.

٣ - درر اللآلي ج ١ ص ١٩.

٤ - درر اللآلي ج ٢ ص ٢٠.

١٥٦

[١١٧٤٤] ٥ - علي بن إبراهيم في تفسيره:( وَاذْكُرُوا اللَّـهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ) (١) قال: « أيام التشريق الثلاثة، والأيام المعلومات العشر من ذي الحجة ».

[١١٧٤٥] ٦ - بعض نسخ الرضوي عن أبيه عن الصادقعليهما‌السلام ، أنه قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أردف أسامة بن زيد في مصعده إلى عرفات، فلما أفاض أردف الفضل بن العباس وكان فتى حسن اللمة(٢) ، فاستقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعرابي وعنده أخت له أجمل ما يكون من النساء، فجعل الاعرابي يسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل الفضل ينظر إلى أخت الاعرابي، وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) يده على وجه الفضل يستره من النظر، فإذا هو ستره من الجانب نظر من الجانب الآخر، حتى إذا فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حاجة الاعرابي، التفت إليه وأخذ بمنكبه وقال: أما علمت أنها الأيام المعدودات، والمعلومات، لا يكف فيهن رجل بصره، ولا يكف لسانه ويده إلا كتب الله له مثل حج قابل.

وفيه:(٣) وقول الله عز وجل:( وَاذْكُرُوا اللَّـهَ فِي أَيَّامٍ

__________________

٥ - تفسير القمي ج ١ ص ٧١.

(١) البقرة ٢: ٢٠٣.

٦ - بعض نسخ الرضوي ص ٧٣.

(١) اللمة بكسر اللام وتشديد الميم: الشعر المتدلي الذي يجاوز شحمة الاذنين فإذا بلغ المنكبين فهو جمة، والجمع لم ولام ( مجمع البحرين ص ٦ ج ١٦٥ ).

(٢) في المصدر زيادة: يبعل.

(٣) نفس المصدر ص ٧٢، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٥١.

١٥٧

مَّعْدُودَاتٍ ) (٤) هي أيام التشريق، وكانوا إذا قدموا منى تفاخروا، فقال الله:( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ ) (٥) الآية.

٩ -( باب وجوب جعل النفر يوم الثاني عشر بعد الزوال لا قبله مع الاختيار، ومن نفر يوم الثالث عشر جاز له النفر قبل الزوال، وجواز النفر في أي اليومين شاء لمن اتقى)

[١١٧٤٦] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « إذا أردت أن تقيم بمنى أقمت ثلاثة أيام - يعني بعد يوم النحر - وإن أردت ( أن )(١) تتعجل النفر في يومين فذلك لك، قال الله عز وجل:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٢) ».

[١١٧٤٧] ٢ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال: « من تعجل النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث من يوم النحر، لم ينفر حتى يصلي الظهر فيرمي الجمار، ثم ينفر إن شاء ما بينه وبين غروب الشمس، فإذا غربت بات، ومن أخر النفر إلى اليوم الثالث، فله أن ينفر من أول النهار ( إلى آخره متى شاء )(١) بعد أن يصلي الفجر، ويرمي الجمار ».

__________________

(٤) البقرة ٢: ٢٠٣.

(٥) البقرة ٢: ١٩٨.

الباب ٩

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣٢.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) البقرة ٢: ٢٠٣.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣٢.

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١٥٨

[١١٧٤٨] ٣ - تفسير الإمامعليه‌السلام : « قوله تعالى:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ) (١) أي من أيام التشريق، فانصرف من حجه إلى بلاده التي خرج منها فلا إثم عليه، ومن تأخر إلى تمام اليوم الثالث فلا إثم عليه، ( أي لا إثم عليه من الذنوب السالفة )(٢) لأنها قد غفرت له كلها بحجته، وهذه المقارنة لندمه عليها وتوقيه منها لمن اتقى أن يوقع(٣) الموبقات بعدها، فإنه إن واقعها كان عليه إثمها، ولم يغفر له تلك الذنوب السالفة بتوبة قد أبطلها بموبقاته بغيرها(٤) ، وإنما يغفرها بتوبة يجددها واتقوا الله يا أيها الحاج المغفور لهم سالف ذنوبهم ( بحجهم المقرون )(٥) بتوبتهم، فلا تعاودوا الموبقات فيعود إليكم أثقالها، ويثقلكم احتمالها فلا يغفر لكم إلا بتوبة بعدها، واعلموا أنكم إليه تحشرون فينظر(٦) في أعمالكم فيجازيكم(٧) عليها ».

[١١٧٤٩] ٤ - بعض نسخ الرضوي: « فإن أحببت التعجيل جاز لك، وإن أحببت التأخير تأخرت ».

[١١٧٥٠] ٥ - العياشي في تفسيره: عن أبي أيوب الخزاز، قال: قلت لأبي

__________________

٣ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٢٥٩.

(١) البقرة ٢: ٢٠٣.

(٢) في المصدر: من ذنوبه السالفة.

(٣) وفيه: يواقع.

(٤) وفيه: بعدها.

(٥) وفيه بحجتهم مقرون.

(٦) في المخطوط: فينظرون، وما أثبتناه من المصدر.

(٧) في المصدر زيادة: ربكم.

٤ - بعض نسخ الرضوي، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦٨.

٥ - تفسير العياشي ج ١ ص ٩٩ ح ٢٨٢.

١٥٩

عبد اللهعليه‌السلام : إنا نريد أن نتعجل، فقال: « لا تنفروا في اليوم الثاني حتى تزول الشمس، فأما اليوم الثالث فإذا انتصف فانفروا لان الله يقول:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١) فلو سكت لم يبق أحد إلا تعجل، ولكنه قال عز وجل:( وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٢) ».

[١١٧٥١] ٦ - وعن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في قول الله:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ، قال: « يرجع مغفورا له لا( إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١) ».

١٠ -( باب أن من أمسى بمنى ليلة الثالث عشر وجب عليه المبيت بها، وإن نفر قبل الغروب سقط)

[١١٧٥٢] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، في حديث تقدم: « ثم ينفر إن شاء ما بينه وبين غروب الشمس، فإذا غربت بات ».

[١١٧٥٣] ٢ - بعض نسخ الرضوي: « وإذا جاء الليل قبل النفر الأول فبت وليس لك أن تخرج ».

__________________

(١) البقرة ٢: ٢٠٣.

(٢) البقرة ٢: ٢٠٣.

٦ - تفسير العياشي ج ١ ص ٩٩ ح ٢٨١.

(١) في المصدر: ذنب له.

الباب ١٠

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٣٢.

٢ - بعض نسخ الرضوي ص ٧٥، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

مخلوقات ضعيفة كالأصنام ، لا هم حققوا لأنفسهم الراحة في هذا العالم ، ولا هم ضمنوا ذلك في الحياة الآخرة ، فتقول الآية :( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) ، أين هم ، لماذا لا يأتون اليوم لإنقاذهم؟ لماذا لا يظهر أي حول ولا يبدون أية قوّة؟

ألم تكونوا تتوقعون منهم أن يعينوكم على حل مشكلاتكم؟ فلما ذا ـ إذن ـ لا نرى لهم أثرا؟

فيستولي على هؤلاء الرعب والخوف ويبهتون ولا يحيرون جوابا ، سوى أن يقسموا بالله إنّهم لم يكونوا مشركين ، ظنا منهم أنّهم هناك أيضا قادرون على إخفاء الحقائق :( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) .

حول معنى «فتنة» ثمّة كلام بين المفسّرين ، منهم من قال : إنّها بمعنى الاعتذار ، وقال آخرون : إنّها بمعنى الجواب : وقالوا أيضا : إنّها الشرك(1) .

هنالك احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، وهو القول بأنّ «الفتنة» من «الافتتان» أي الوله بالشيء ، فيكون المعنى أن افتتانهم بالشرك وعبادة الأصنام ، بشكل يغشى عقولهم وأفكارهم ، قد أدى إلى أن يدركوا يوم القيامة ـ يوم يزاح الستر ـ خطأهم الكبير ، ويستقبحوا أعمالهم وينكروها تماما.

يقول الراغب في «المفردات» : أن أصل «الفتن» إدخال الذهب النّار لتظهر جودته من رداءته ، فقد يكون هذا المعنى ممّا تفسر به الآية المذكورة ، أي أنّهم عند ما تحيط بهم شدّة يوم القيامة يستيقظون ويقفون على خطأهم ، فينكرون أعمالهم طلبا للنجاة.

الآية الثّالثة ، ومن أجل أن يعتبر الناس بمصير هؤلاء الأفراد تقول :( انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) .

__________________

(1) إذا أخذناها على إنّها بمعنى الاعتذار والجواب ، فلا حاجة فيهما للتقدير ، أمّا إذا أخذت بمعنى الشرك ، فينبغي أن نقدر كلمة «نتيجة» أي أنّ نتيجة شركهم كانت أن يقسموا إنّهم لم يكونوا مشركين.

٢٤١

وتنهار المساند التي اختاروا الاستناد عليها وجعلوها شريكة لله ، وخابوا في مسعاهم( وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

* * *

لا بدّ هنا من ملاحظة النقاط التّالية :

1 ـ لا شك أنّ المقصود بعبارة «انظر» هو النظر بعين العقل ، لا بالعين الباصرة إذا لا يمكن أن ترى مشاهد يوم القيامة رأي العين في هذه الدنيا.

2 ـ وقوله سبحانه( كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) إمّا أن يعني أنّهم خدعوا أنفسهم في الدنيا وخرجوا عن طريق الحقّ ، وإمّا أن يراد منه يوم القيامة حيث يقسمون على أنّهم لم يكونوا مشركين ، والحقيقة أنّهم بهذا يكذبون على أنفسهم ، فقد كانوا مشركين فعلا.

3 ـ يبقى سؤال آخر ، وهو أنّ الآية المذكورة تفيد أنّ المشركين ينكرون شركهم يوم القيامة مع أنّ ظروف يوم القيامة لا يمكن أن تسمح لأحد أن يجانب الصدق وهو يرى تلك الحقائق الحسية ، كما لو كان أحد يريد أن يغطي على الشمس في رابعة النهار ، ليقول كذبا : إنّ الدنيا ظلام ، ثمّ إن هناك آيات أخرى تفيد بأنّهم يوم القيامة يعترفون صراحة بشركهم ولا يخفون أمرا :( وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً ) (1) .

يمكن أن نذكر لهذا السؤال جوابين :

أوّلا : ليوم القيامة مراحل ، ففي المراحل الأولى يظن المشركون أنّهم بالكذب يستطيعون التملص من عذاب الله الأليم ، لذلك يرجعون إلى عادتهم القديمة في التوسل بالكذب ، ولكن في المراحل التّالية يدركون أن لا مهرب لهم أبدا ،

__________________

(1) النساء ، 42.

٢٤٢

فيعترفون بأعمالهم.

يبدو أنّ الأستار يوم القيامة ترفع ـ بالتدريج ـ عن عين الإنسان ، وفي البداية ـ عند ما لا يكون المشركون قد درسوا ملفات أعمالهم جيدا بعد ـ يركنون إلى الكذب ، ولكن في المراحل التّالية حيث ترتفع فيها الأستار أكثر ويرون كل شيء حاضرا ، لا يجدون مندوحة عن الاعتراف تماما ، مثل المجرمين الذين ينكرون كل شيء في بداية التحقيق ، حتى معرفتهم بأصدقائهم ولكنّهم عند ما يرون الأدلة المادية والمستندات الحيّة التي تفضح جريمتهم ، يدركون أنّ الأمر من الوضوح بحيث لا يحتمل الإنكار ، فيعترفون ويدلون بإفادة كاملة ، وقد ورد هذا الجواب في حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام (1) .

وثانيا : إنّ الآية المذكورة تتحدث عمّن لا يرى نفسه مشركا مثل المسيحيين الذين قالوا بالآلهة الثلاثة واعتقدوا أنّهم موحدون ، أو مثل الذين يدّعون التوحيد ، لكن أعمالهم ملوثة بالشرك ، لأنّهم كانوا يعرضون عن تعاليم الأنبياء ، ويعتمدون على غير الله وينكرون ولاية أولياء الله هؤلاء يقسمون يوم القيامة على أنّهم كانوا موحدين ، ولكنّهم سرعان ما يدركون أنّهم في الباطن كانوا مشركين ، هذا الجواب أيضا قد ورد في عدد من الرّوايات نقلا عن الإمام عليعليه‌السلام والإمام الصادقعليه‌السلام (2) .

وكلا الجوابين مقبولان.

* * *

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 1 ، ص 708.

(2) تفسير «نور الثقلين» ، ج 1 ، ص 708.

٢٤٣

الآيتان

( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (26) )

التّفسير

حجب لا تقبل الاختراق :

في هذه الآية إشارة إلى الوضع النفسي لبعض المشركين ، فهم لا يبدون أية مرونة تجاه سماع الحقائق ، بل أكثر من ذلك ـ يناصبونها العداء ، ويقذفونها بالتهم ، فيبعدون أنفسهم وغيرهم عنها ، عن هؤلاء تقول الآية :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ) (1) .

في الواقع كانت عقولهم وأفكارهم منغمسة في التعصب الجاهلي الأعمى ، وفي المصالح المادية والأهواء ، بحيث أصبحت وكأنّها واقعة تحت الأستار

__________________

(1) «أكنة» جمع «كنان» وهو كل ستار أو حاجز ، و «الوقر» بمعنى ثقل السمع.

٢٤٤

والحواجز ، فلا هم يسمعون حقيقة من الحقائق ، ولا هم يدركون الأمور إدراكا صحيحا.

سبق أن قلنا مرارا أنّ نسبة هذه الأمور إلى الله ، إنّما هو إشارة إلى قانون «العلة والمعلول» وخاصية «العمل» ، أي أنّ أثر الاستمرار في الانحراف والإصرار على المعاندة والتشاؤم يظهر في اتصاف نفس الإنسان بهذه المؤثرات ، وفي تحولها إلى مثل المرآة المعوجة التي تعكس صور الأشياء معوجة منحرفة ، لقد أثبتت التجربة أنّ المنحرفين والمذنبين يحسون أوّل الأمر بعدم الرضا عن حالهم ، ولكنّهم يعتادون ذلك بالتدريج ، وقد يصل بهم الأمر إلى اعتبار أعمالهم القبيحة لازمة وضرورية ، وبتعبير آخر : هذا واحد من أنواع العقاب الذي يناله المصّرون على العصيان ومعاداة الحقّ.

وهؤلاء وصلوا حدّا تصفه الآية فتقول :( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها ) ، بل الأكثر من ذلك أنّهم عند ما يأتون إليك ، لا يفتحون نوافذ قلوبهم أمام ما تقول ، ولا يأتون ـ على الأقل ـ بهيئة الباحث عن الحقّ الذي يسعى للعثور على الحقيقة والتفكير فيها ، بل يأتون بروح وفكر سلبيين ، ولا هدف لهم سوى الجدل والاعتراض :( حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ ) أنّهم عند سماعهم كلامك الذي يستقي من ينابيع الوحي ويجري على لسانك الناطق بالحقّ ، يبادرون إلى اتهامك بأنّ ما تقوله إنّما هو خرافات اصطنعها أناس غابرون :( يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

الآية التّالية تذكر أنّ هؤلاء لا يكتفون بهذا ، فهم مع ضلالهم يسعون جاهدين للحيلولة دون سلوك الباحثين عن الحقيقة هذا الطريق بما يشيعونه ويروجونه من مختلف الأكاذيب ، ويمنعونهم أن يقتربوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) ، ويبتعدون عنه بأنفسهم :( وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) (1) ، دون أن يدركوا أنّ من يصارع الحقّ

__________________

(1) «ينأون» من «نأى» بمعنى ايتعد.

٢٤٥

يكن صريعه ، وأخيرا ، وبحسب قانون الخلق الثابت ، يظهر وجه الحقّ من وراء السحب ، وينتصر بماله من قوّة ، ويتلاشى الباطل كما يتلاشى الزبد الطافي على سطح الماء ، وعليه فإنّ مساعيهم سوف تتحطم على صخرة الإخفاق والخيبة وما يهلكون غير أنفسهم ، ولكنّهم لا يدركون الحقيقة :( وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ) .

الصاق تهمة عظيمة بأبي طالب مؤمن قريش :

يتّضح ممّا قيل في تفسير هذه الآية أنّها تتابع الكلام على المشركين المعاندين وأعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الألداء ، والضمير «هم» يعود بموجب قواعد الأدب واللغة ـ إلى الذين تتناولهم الآية بالبحث ، أي الكفار المتعصبين الذين لم يدخروا وسعا في إيذاء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضع العثرات في طريق الدعوة إلى الإسلام.

ولكن ـ لشديد الأسف ـ نرى بعض المفسّرين من أهل السنة يخالفون جميع قواعد اللغة العربية ، فيقطعون الآية الثّانية من الآية الاولى ويقولون : إنّها نزلت في أبي طالب والد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

أنّهم يفسرون الآية هكذا : هناك فريق يدافعون عن رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّهم في الوقت نفسه يبتعدون عنه :( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) وهم يستشهدون في توكيد رأيهم ببعض الآيات الأخرى من القرآن ، ممّا سنتناوله في موضعه ، مثل الآية (114) من سورة التوبة والآية (56) من سورة القصص.

لكن جميع علماء الشيعة وجمع من علماء أهل السنة ، ومثل ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة والقسطلاني في «إرشاد الساري» وزيني دحلان في حاشية السيرة الحلبية ، ويعتبرون أبا طالب من مؤمني الإسلام ، وهناك في المصادر الإسلامية الأصيلة دلائل كثيرة على هذا.

ومن يطالع هذه الأدلة يندفع للتساؤل بدهشة : ما السبب الذي حدا ببعضهم

٢٤٦

إلى كره أبي طالب وتوجيه مثل هذا الاتهام الكبير إليه؟!

كيف يكون هدفا لمثل هذا الاتهام من كان يدافع بكل كيانه ووجوده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولطالما وقف هو وابنه في مواقع الخطر يدر آن عن حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل خطر؟!

هنا يرى المحققون المدققون أنّ التيار المناوئ لأبي طالب تيار سياسي ينطلق من عداء «شجرة بني أمية الخبيثة» لمكانة عليعليه‌السلام .

ذلك لأنّ أبا طالب ليس الوحيد الذي تعرض لمثل هذه الهجمات بسبب قرابته من أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، بل إنّنا نلاحظ على امتداد تاريخ الإسلام أنّ كل من كان له بأي شكل من الأشكال نوع من القرابة من أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لم ينج من هذه الحملات اللئيمة ، وفي الحقيقة كان ذنب أبي طالب الوحيد أنّه والد الشخصية الإسلامية الكبرى عليعليه‌السلام .

ونذكر هنا بإيجاز مختلف الأدلة التي تثبت إيمان أبي طالب ، تاركين التفاصيل للكتب المختصة في الموضوع.

1 ـ كان أبو طالب يعلم ، قبل بعثة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ ابن أخيه سوف يصل إلى مقام النبوة ، فقد كتب المؤرخون أنّه في رحلته مع قافلة قريش إلى الشام اصطحب معه ابن أخيه محمّدا البالغ يومئذ الثّانية عشرة من العمر ، وفي غضون الرحلة رأى منه مختلف الكرامات ، ثمّ عند ما مرّت القافلة بالراهب (بحيرا) الذي أمضى سنوات طوالا في صومعته على طريق القوافل التجارية ، استلف محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر الراهب الذي راح يدقق في وجهه وملامحه ، ثمّ التفت إلى الجمع سائلا : من منكم صاحب هذا الصبي؟ فأشار الجمع إلى أبي طالب الذي قال له : هذا ابن أخي ، فقال بحيرا : إنّ لهذا الصبي شأنا ، إنّه النّبي الذي أخبرت به وبرسالته الكتب السماوية ، وقد قرأت فيها تفاصيل ذلك كله(1) .

__________________

(1) ملخص ما ورد في سيرة ابن هشام ، ج 1 ، ص 191 ، وسيرة الحلبي ، ج 1 ، ص 131 ، وكتب أخرى.

٢٤٧

ولقد كان أبو طالب قبل ذلك قد أدرك من الوقائع والقرائن التي رآها من ابن أخيه أنّه سيكون نبي هذه الأمّة.

وبموجب ما يذكره الشهرستاني صاحب «الملل والنحل» وغيره من علماء السنة أنّ سماء مكّة قد جست بركتها عن أهلها سنة من السنين ، فواجه الناس سنة ـ جفاف شديد ، فأمر أبو طالب أنّ يأتوه بابن أخيه محمّد ، فأتوه به وهو رضيع في قماطه ، فوقف تجاه الكعبة ، وفي حالة من التضرع والخشوع أخذ يرمي بالطفل ثلاث مرات إلى أعلى ثمّ يتلقفه وهو يقول : يا ربّ بحق هذا الغلام اسقنا غيثا مغيثا دائما هطلا ، فلم يمض إلّا بعض الوقت حتى ظهرت غمامة من جانب الأفق وغطت سماء مكّة كلّها وهطل مطر غزير كادت معه مكّة أن تغرق.

ثمّ يقول الشهرستاني : هذه الواقعة ، التي تدل على علم أبي طالب بنبوة ابن أخيه ورسالته منذ طفولته تؤكّد إيمانه به ، وهذا أبيات أنشدها أبو طالب بعد ذلك بتلك المناسبة :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان عدل لا يخيس شعيرة

ووزان صدق وزنه غير عائل

إنّ حكاية إقبال قريش على أبي طالبرحمه‌الله عند الجفاف ، واستشفاع أبي طالب إلى الله بالطفل قد ذكرها غير الشهرستاني عدد آخر من كبار المؤرخين ، وقد أورد العلّامة الاميني قدس سرّه صاحب كتاب «الغدير» هذه الحكاية وذكر أنّه نقلها من «شرح البخاري» و «المواهب اللدنية» و «الخصائص الكبرى» و «شرح بهجة المحافل» و «السيرة الحلبية» و «السيرة النبوية» و «طلبة الطالب»(1) .

2 ـ إضافة إلى كتب التّأريخ المعروفة ، فإنّ بين أيدينا شعرا لأبي طالب جمع في «ديوان أبي طالب» ، ومنه الأبيات التّالية :

__________________

(1) «الغدير» ، ج 7 ، ص 346.

٢٤٨

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقر منك عيونا

ودعوتني وعلمت أنك ناصحي

ولقد دعوت وكنت ثمّ أمينا

ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البرية دينا

كما قال أيضا :

ألم تعلموا أنا وجدنا محمّدا

رسولا كموسى خط في أوّل الكتب

وإنّ عليه في العباد محبّة

ولا حيف في من خصّه الله بالحبّ(1)

يذكر ابن أبي الحديد طائفة كبيرة من أشعار أبي طالب (التي يقول عنها ابن شهر آشوب في «متشابهات القرآن» أنّها تبلغ ثلاثة آلاف بيت) ثمّ يقول : إن هذه الأشعار لا تدع مجالا للشك أنّ أبا طالب كان يؤمن برسالة ابن أخيه.

3 ـ ثمّة أحاديث منقولة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تؤكّد شهادته بإيمان عمه الوفي أبي طالب ، من ذلك ما ينقله لنا صاحب كتاب «أبو طالب مؤمن قريش» فيقول : عند ما توفي أبو طالب رثاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على قبره ، قائلا : «وا أبتاه! وا أبا طالباه وا حزناه عليك! كيف أسلو عليك يا من ربيتني صغيرا ، واجبتني كبيرا ، وكنت عندك بمنزلة العين من الحدقة والروح من الجسد»(2) .

وكثيرا ماكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ما نالت منّي قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب»(3) .

4 ـ من المتفق عليه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بقطع كل رابطة صحبة له بالمشركين ، وكان ذلك قبل وفاة أبي طالب بسنوات ، وعليه فإنّ ما أظهره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحبّ والتعلق بأبي طالب يدل على أنّه كان يرى في أبي طالب

__________________

(1) هاتان القطعتان وردتا في «خزانة الأدب» و «وتاريخ ابن كثير» و «شرح ابن أبي الحديد» و «فتح الباري» و «بلوغ الارب» و «تاريخ أبي الفداء» و «السيرة النبوية» وغيرها نقلا عن «الغدير» ، ج 8.

(2) «شيخ الأباطح» نقلا عن «أبو طالب مؤمن قريش».

(3) الطبري ، نقلا عن «أبو طالب مؤمن قريش».

٢٤٩

تابعا لمدرسة التوحيد ، وإلّا فكيف ينهى الآخرين عن مصاحبة المشركين ، ويبقى هو على حبّه العميق لأبي طالب؟

5 ـ في الأحاديث التي وصلتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام أدلة وافرة على إيمان أبي طالب وإخلاصه ، ولا يسع المجال هنا لذكرها ، وهي أحاديث تستند إلى الاستدلال المنطقي والعقلي ، كالحديث المنقول عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام الذي قال ـ بعد أن سئل عن إيمان أبي طالب وأجاب الإيجاب ـ : «إنّ هنا قوما يزعمون أنّه كافر وا عجبا كل العجب! أيطعنون على أبي طالب أو على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نهاه الله أن تقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن (أي في أكثر من آية) ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات ، فإنّها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالبرضي‌الله‌عنه »(1) .

6 ـ وإذا تركنا كل هذا جانبا ، فاننا قد نشك في كل شيء إلّا في حقيقة كون أبي طالب كان على رأس حماة الإسلام ورسول الإسلام ، وكانت حمايته تتعدى الحدود المألوفة بين أبناء العشيرة والعصبيات القبلية ولا يمكن تفسيرها بها.

ومن الأمثلة الحيّة على ذلك حكاية (شعب أبي طالب) يجمع المؤرخون على أنّه عند ما حاصرت قريش النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين محاصرة اقتصادية واجتماعية وسياسية شديدة وقطعت علائقها بهم ، ظل أبو طالب الحامي والمدافع الوحيد عنهم مدّة ثلاث سنوات ترك فيها كل أعماله ، وسار ببني هاشم إلى واد بين جبال مكّة يعرف بشعب أبي طالب فعاشوا فيه ، وقد بلغت تضحياته حدا أنّه ، فضلا عن بنائه الأبراج الخاصّة للوقوف بوجه أي هجوم قد تشنه قريش عليهم ، كان في كل ليلة يوقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نومه ويأخذه إلى مضجع آخر يعده له ويجعل ابنه الحبيب إليه علياعليه‌السلام في مكانه ، فإذا ما قال له ابنه عليعليه‌السلام : يا أبة ، إنّ هذا سيوردني موارد الهلكة ، أجابه أبو طالبعليه‌السلام : ولدي عليك بالصبر ، كل حي إلى ممات ، لقد

__________________

(1) كتاب «الحجة» و «الدرجات الرفيعة» نقلا عن «الغدير» ج 8 ، ص 380.

٢٥٠

جعلت فداء ابن عبد الله الحبيب ، فيرد عليعليه‌السلام : يا أبه ، ما قلت لك ذلك خوفا من الموت في سبيل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل كنت أريدك أن تعلم مدى طاعتي لك واستعدادي للوقوف إلى جانب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

إنّنا نرى أن من يترك التعصب ، ويقرأ ـ بغير تحيز ـ ما كتبه التّأريخ بحروف من ذهب عن أبي طالب ، سيرفع صوته مع صوت ابن أبي الحديد منشدا :

ولو لا أبو طالب وابنه

لما مثل الدين شخصا وقاما

فذاك بمكّة آوى وحامى

وهذا بيثرب جس الحماما(2)

* * *

__________________

(1) الغدير ، ج 7 ، ص 357 ـ 358 بتصرف.

(2) الغدير ، ص 86.

٢٥١

الآيتان

( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (28) )

التّفسير

يقظة عابرة عقيمة :

في هاتين الآيتين إشارة إلى بعض مواقف عناد المشركين ، وفيهما يتجسد مشهد من مشاهد نتائج أعمالهم لكي يدركوا المصير المشؤوم الذي ينتظرهم فيستيقظون ، أو تكون حالهم ـ على الأقل ـ عبرة لغيرهم ، فتقول الآية :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ) (1) لتبيّن لك مصيرهم السيئ المؤلم.

إنّهم في تلك الحال على درجة من الهلع بحيث أنّهم يصرخون : ليتنا نرجع إلى الدنيا لنعوض عن أعمالنا القبيحة ، ونعمل للنجاة من هذا المصير المشؤوم. ونصدق آيات ربّنا ، ونقف إلى جاب المؤمنين :( فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ

__________________

(1) «لو» شرطية ، وقد حذف الجواب لوضوحه.

٢٥٢

بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) .

الآية التّالية تؤكّد أن ذلك ليس أكثر من تمن كاذب ، وإنّما تمنوه لأنّهم رأوا في ذلك العالم كل ما كانوا يخفونه ـ من عقائد ونيات وأعمال سيئة ـ مكشوفا أمامهم ، فاستيقظوا يقظة مؤقتة عابرة :( بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ) .

غير أن هذه اليقظة ليست قائمة ثابتة ، بل إنّها قد حصلت لظروف طارئة ، ولذلك فحتى لو افترضنا المستحيل وعادوا إلى هذه الدنيا مرّة أخرى لفعلوا ما كانوا يفعلونه من قبل وما نهوا عنه :( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) لذلك فهم ليسوا صادقين في تمنياتهم ومزاعمهم( وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .

ملاحظات :

1 ـ يتبيّن من ظاهر( بَدا لَهُمْ ) أنّهم لم يكونوا يخفون كثيرا من الحقائق عن الناس فحسب ، بل كانوا يخفونها حتى عن أنفسهم ، فتبدوا لهم جلية يوم القيامة ، وليس في هذا ما يدعو إلى العجب ، فالإنسان كثيرا ما يخفي عنه نفسه الحقائق ويغطي على ضميره وفطرته لكي ينال شيئا من الراحة الكاذبة.

إنّ قضية مخادعة النفس وإخفاء الحقائق عنها من القضايا التي تعالجها البحوث الخاصّة بنشاط الضمير ، فقد نجد الكثيرين من الذين يتبعون أهواءهم يتنبهون إلى أضرار ذلك عليهم ، ولكنّهم لكي يواصلوا أعمالهم تلك بغير أن تنغصها عليهم ضمائرهم ـ يحاولون إخفاء هذا الوعي فيهم بشكل من الأشكال.

غير أنّ بعض المفسّرين ـ دون الالتفات إلى هذه النكتة ـ فهموا من (لهم) ما

__________________

(1) ينبغي الانتباه إلى نقطة مهمّة في الآية : في القراءة المشهورة التي بين أيدينا «نردّ» مرفوعة و «ولا نكذب» و «نكون» منصوبتان ، مع أنّ الظاهر يدل على أنّهما معطوفتان على «نردّ» وخير تعليل لذلك هو القول بأنّ «نردّ» جزء من التمني ، و «ولا نكذب» جواب التمني ، و «الواو» هنا بمنزلة «الفاء» ومعلوم أن جواب التمني إذا وقع بعد الفاء كان منصوبا ، إن مفسرين كالفخر الرازي والمرحوم الطبرسي وأبي الفتوح الرازي أوردوا تعليلات أخرى ، ولكن الذي قلناه أوضح الوجوه ، وعليه فهذه الآية تكون شبيهة بالآية (58) من سورة الزمر :( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

٢٥٣

ينطبق على الأعمال التي أخفاها المشركون عن الناس (تأمل بدقّة).

2 ـ قد يقال أنّ التمني ليس من الأمور يصح فيها أن تكون صادقة أو كاذبة ، فهي مثل «الإنشاء» الذي لا يحتمل الصدق والكذب ، إلّا أنّ هذا القول بعيد عن الصواب ، وذلك لأنّ «الإنشاء» كثيرا ما يصاحبه «الإخبار» ممّا يحتمل الصدق والكذب ، فقد يقول قائل أتمنى أن يعطيني الله مالا وفيرا فأعينك ، هذا من باب التمني بالطبع ، ولكن مفهومه هو أنّه إذا أعطاني الله مالا وفيرا فاني سوف أساعدك ، وهذا مفهوم خبري يحتمل أن يكون صادقا أو كاذبا ، فإذا كنت تعرف بخل المتمني وضيق نظرته فأنت تعرف أنّه كاذب حتى إن أعطاه الله ما يشاء من المال (هذا الموضوع مشهور كثيرا في الجمل الإنشائية).

3 ـ إنّ سبب ذكر الآية أنّهم لو عادوا إلى الدنيا لعادوا إلى تكرار أعمالهم السابقة هو أن كثيرا من الناس عند ما يشاهدون نتائج أعمالهم بأعينهم ، أي حينما يصلون إلى مرحلة الشهود ، يستنكرون ما فعلوا ويندمون آنيا ويتمنون لو يتاح لهم أن يجبروا ما كسروا ، إلّا أنّ هذه تمنيات عارضة تنشأ من مشاهدة نتائج الأعمال عيانا ، وتعرض لكل إنسان يشهد بأم عينه ما ينتظره من عذاب وعقاب ، ولكن ما أن تغيب تلك المشاهد عن نظره حتى يزول تأثيرها عنه ، ويعود إلى سابق عهده.

شأنهم في ذلك شأن عبدة الأصنام الذين دهمهم طوفان عظيم في البحر ورأوا أنفسهم على عتبة الهلاك ، فنسوا كل شيء سوى الله ، ولكن ما أن هدأت العاصفة ووصلوا إلى ساحل الأمان حتى عاد كل شيء إلى ما كان عليه(1) .

4 ـ ينبغي الالتفات إلى أنّ هذه الحالات تخص جمعا من عبدة الأصنام الذين مرّت الإشارة إليهم في الآيات السابقة لا كلهم ، لذلك كان لا بدّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يواصل نصح الآخرين لإيقاظهم وهدايتهم.

* * *

__________________

(1) يونس ، 22.

٢٥٤

الآيات

( وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) )

التّفسير

في تفسير الآية الأولى احتمالان :

الأوّل : أنّها استئناف لأقوال المشركين المعاندين المتصلبين الذين يتمنون ـ عند ما يشاهدون أهوال يوم القيامة ـ أن يعودوا إلى دار الدنيا ليتلافوا ما فاتهم ، ولكن القرآن يقول إنّهم إذا رجعوا لا يتجهون إلى جبران ما فاتهم ، بل يستمرون على ما كانوا عليه ، وأكثر من ذلك فإنّهم يعودون إلى إنكار يوم القيامة( وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) (1) .

الاحتمال الثّاني : أنّ الآية تشرع بكلام جديد يخصّ نفرا من المشركين ممّن

__________________

(1) بحسب هذا الاحتمال «وقالوا» معطوفة على «عادوا» وهذا ما يقول به صاحب تفسير «المنار».

٢٥٥

كفروا بالمعاد كليا ، فقد كان بين مشركي العرب فريق لا يؤمنون بالمعاد ، وفريق آخر يؤمنون بنوع من المعاد.

الآية التّالية تشير إلى مصيرهم يوم القيامة ، يوم يقفون بين يدي الله :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ ) ، فيكون جوابهم أنّهم يقسمون بأنّه الحقّ :( قالُوا بَلى وَرَبِّنا ) .

عندئذ :( قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) لا شك أنّ «الوقوف بين يدي الله» لا يعني إنّ لله مكانا ، بل يعني الوقوف في ميدان الحساب للجزاء ، كما يقول بعض المفسّرين ، أو أنّه من باب المجاز ، مثل قول الإنسان عند أداء الصّلاة أنّه يقف بين يدي الله وفي حضرته.

الآية التي بعدها فيها ، إشارة إلى خسران الذين ينكرون المعاد ، فتقول :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ ) ، إنّ المقصود بلقاء الله هو ـ كما قلنا من قبل ـ اللقاء المعنوي والإيمان الشهودي (الشهود الباطني) ، أو هو لقاء مشاهد يوم القيامة والحساب والجزاء.

ثمّ تبيّن الآية أنّ هذا الإنكار لن يدوم ، بل سيستمر حتى قيام يوم القيامة ، حين يرون أنفسهم فجأة أمام مشاهده الرهيبة ، ويشهدون بأعينهم نتائج أعمالهم ، عندئذ ترتفع أصواتهم بالندم على ما قصروا في حق هذا اليوم :( حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها ) .

و «الساعة» هي يوم القيامة ، و «بغتة» تعني فجأة وعلى حين غرة ، إذ تقوم القيامة دون أن يعلم بموعدها أحد سوى الله تعالى ، وسبب إطلاق «الساعة» على يوم القيامة إمّا لأنّ حساب الناس يجري سريعا فيها ، أو للإشارة إلى فجائية حدوث ذلك ، حيث ينتقل الناس بسرعة خاطفة من عالم البرزخ إلى عالم القيامة.

و «التحسر» هو التأسف على شيء ، غير أنّ العرب عند تأثرهم الشديد يخاطبون «الحسرة» فيقولون : «يا حسرتنا» ، فكأنّهم يجسدونها أمامهم ويخاطبونها.

٢٥٦

ثمّ يقول القرآن الكريم( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ ) .

«الأوزار» جمع «وزر» وهو الحمل الثقيل ، وتعني الأوزار هنا الذنوب ، ويمكن أن تتخذ هذه الآية دليلا على تجسد الأعمال ، لأنّها تقول إنّهم يحملون ذنوبهم على ظهورهم ، ويمكن أيضا أن يكون الاستعمال مجازيا كناية عن ثقل حمل المسؤولية ، إذ أنّ المسؤوليات تشبه دائما بالحمل الثقيل.

وفي آخر الآية يقول الله تعالى :( أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ ) .

في هذه الآية جرى الكلام على خسران الذين ينكرون المعاد ، والدليل على هذا الخسران واضح ، فالإيمان بالمعاد ، فضلا عن كونه يعد الإنسان لحياة سعيدة خالدة ، ويحثه على تحصيل الكمالات العلمية والعملية ، فان له تأثيرا عميقا على وقاية الإنسان من التلوث بالذنوب والآثام ، وهذا ما سوف نتناوله ـ إن شاء الله ـ عند بحث الإيمان بالمعاد وأثره البناء في الفرد والمجتمع.

* * *

ثمّ لبيان نسبة الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ، يقول الله تعالى :( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) فهؤلاء الذين اكتفوا بهذه الحياة ، ولا يطلبون غيرها ، هم أشبه بالأطفال الذين يودون أن لو يقضوا العمر كلّه في اللعب واللهو غافلين عن كل شيء.

إن تشبيه الحياة الدنيا باللهو واللعب يستند إلى كون اللهو واللعب من الممارسات الفارغة السطحية التي لا ترتبط بأصل الحياة الحقيقية ، سواء فاز اللاعب أم خسر ، إذ كل شيء يعود إلى حالته الطبيعية بعد اللعب.

وكثيرا ما نلاحظ أنّ الأطفال يتحلقون ويشرعون باللعب ، فهذا يكون «أميرا» وذاك يكون «وزيرا» وآخر «لصا» ورابع يكون «قافلة» ، ثمّ لا تمضي ساعة حتى ينتهي اللعب ولا يكون هناك «أمير» ولا «وزير» ولا «لص» ولا

٢٥٧

«قافلة»! أو كما يحدث في المسرحيات أو التمثيليات ، فنشاهد مناظر للحرب أو الحبّ أو العداء تتجسد على المسرح ، ثمّ بعد ساعة يتبدد كل شيء.

والدنيا أشبه بالتمثيلية التي يقوم فيها الناس بتمثيل أدوار الممثلين ، وقد تجتذب هذه التمثيلية الصبيانية حتى عقلاءنا ومفكرينا ، ولكن سرعان ما تسدل الستارة وينتهي التمثيل.

«لعب» على وزن «لزج» من «اللعاب» على وزن «غبار» وهو الماء الذي يتجمع في الفم ويسيل منه ، فإطلاق لفظة «اللعب» على اللهو والتسلية جاء للتشابه بينه وبين اللعاب الذي يسيل دون هدف.

ثمّ تقارن الآية حياة العالم الآخر بهذه الدنيا ، فتقول :( وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .

فتلك حياة خالدة لا تفنى في عالم أوسع وعلى أرفع ، عالم يتعامل مع الحقيقة لا المجاز ومع الواقع ، لا الخيال ، عالم لا يشوب نعمه الألم والعذاب ، عالم كلّه نعمة خالصة لا ألم فيه ولا عذاب.

ولكن إدراك هذه الحقائق وتمييزها عن مغريات الدنيا الخداعة غير ممكن لغير المفكرين الذين يعقلون ، لذلك اتجهت الآية إليهم بالخطاب في النهاية.

في حديث رواه هشام بن الحكم عن الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام قال : «يا هشام إنّ الله وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال :( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (1) .

غني عن القول أنّ هدف هذه الآيات هو محاربة الانشداد بمظاهر عالم المادة ونسيان الغاية النهائية ، أمّا الذين جعلوا الدنيا وسيلة للسعادة فهم يبحثون ـ في الحقيقة ـ عن الآخرة ، لا الدنيا.

* * *

__________________

(1) تفسير «نور الثقلين» ، ج 1 ، ص 711.

٢٥٨

الآيتان

( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) )

التّفسير

المصلحون يواجهون الصعاب دائما :

لا شك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نقاشاته المنطقية ومحاوراته الفكرية مع المشركين المعاندين المتصلبين ، كان يواجه منهم المعاندة واللجاجة والتصلب والتعنت ، بل كانوا يرشقونه بتهمهم ، ولذلك كله كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشعر بالغم والحزن ، والله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن يواسي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصبّره على ذلك ، لكي يواصل مسيرته بقلب أقوى وجأش أربط ، كما جاء في هذه الآية :( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ) ، فاعلم أنّهم لا ينكرونك أنت ، بل هم ينكرون آيات الله ، ولا يكذبونك بل يكذبون الله :( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) .

ومثل هذا القول شائع بيننا ، فقد يرى «رئيس» أنّ «مبعوثه» إلى بعض الناس عاد غاضبا ، فيقول له : «هوّن عليك ، فان ما قالوه لك إنّما كان موجها إليّ ، وإذا

٢٥٩

حصلت مشكلة فأنّا المقصود بها ، لا أنت» وبهذا يسعى إلى مواساة صاحبه والتهوين عليه.

ثمّة مفسّرون يرون للآية تفسيرا آخر ، لكن ظاهر الآية هو هذا الذي قلناه ، ولكن لا بأس من معرفة هذا الاحتمال القائل بأن معنى الآية هو : إنّ الذين يعارضونك هم في الحقيقة مؤمنون بصدقك ولا يشكون في صحة دعوتك ، ولكن الخوف من تعرض مصالحهم للخطر هو الذي يمنعهم من الرضوخ للحق ، أو أنّ الذي يحول بينهم وبين التسليم هو التعصب والعناد.

يتبيّن من كتب السيرة أنّ الجاهليين ـ بما فيهم أشدّ المعارضين للدّعوة ـ كانوا يعتقدون في أعماقهم بصدق الدعوة ، ومن ذلك ما روي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل ، فقيل له في ذلك ، فقال : والله إني لأعلم أنّه صادق ، ولكنا متى كنّا تبعا لعبد مناف! (أي أنّ قبول دعوته سيضطرنا إلى اتباع قبيلته).

وورد في كتب السيرة أنّ أبا جهل جاء في ليلة متخفيا يستمع قراءة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما جاء في الوقت نفسه أبو سفيان والأخنس بن شريق ، ولا يشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوا إلى الصباح ، فلمّا فضحهم الصبح تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال كل منهم للآخر ما جاء به ، ثمّ تعاهدوا أن لا يعودوا ، لما يخافون من علم شبان قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم ، فلمّا كانت الليلة الثّانية جاء كل منهم ظانا أنّ صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود ، فلمّا أصبحوا جمعتهم الطريق مرّة ثانية فتلاوموا ، ثمّ تعاهدوا أن لا يعودوا ، فلمّا كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضا ، فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودا لمثلها ، ثمّ تفرقوا فلمّا أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثمّ خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته ، فقال : اخبرني ـ يا أبا حنظلة ـ عن رأيك فيما سمعت من محمّد؟

قال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها ، وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ، ما عرفت معناها ولا ما يراد بها.

قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442