وسائل الشيعة الجزء ٥

وسائل الشيعة11%

وسائل الشيعة مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 533

المقدمة الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠
  • البداية
  • السابق
  • 533 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 360357 / تحميل: 7219
الحجم الحجم الحجم
وسائل الشيعة

وسائل الشيعة الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

أبواب أحكام الملابس

ولو في غير الصلاة

١ - باب استحباب التجمّل وكراهة التباؤس (*)

[ ٥٧ ٣٨ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي شعيب المحاملي، عن أبي هاشم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ الجمال والتجمّل، ويبغض البؤس والتباؤس.

[ ٥٧ ٣٩ ] ٢ - وعنه، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير(١) قال: أمير المؤمنين ‎( عليه‌السلام ) ‎ : إنّ الله جميل يحبُّ الجمال، ويحبّ أن يرى أثر نعمه على عبده.

[ ٥٧ ٤٠ ] ٣ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عمّن رواه، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: إذا أنعم الله على عبد بنعمة أحبّ أن يراها عليه، لأنّه جميل يحبّ الجمال.

____________________

أبواب أحكام الملابس ولو في غير الصلاة

الباب ١

فيه ٩ أحاديث

* التباؤس: التفاقر.( القاموس المحيط ٢: ٢٠٦ ).

١ - الكافي ٦: ٤٤٠ / ١٤.

٢ - الكافي ٦: ٤٣٨ / ١.

(١) في المصدر زيادة: عن أبي عبد الله (عليه‌السلام )

٣ - الكافي ٦: ٤٣٨ / ٤.

٥

[ ٥٧ ٤١ ] ٤ - وعنهم، عن سهل، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان، عن يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) - في حديث - قال: البس وتجمّل، فإنّ الله جميل يحبّ الجمال، وليكن من حلال.

[ ٥٧ ٤٢ ] ٥ - وعنهم، عن سهل، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: أبصر رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) رجلاً شعثاً ‎ً شعر رأسه، وسخة ثيابه، سيّئة حاله، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : من الدين المتعة(١) .

[ ٥٧ ٤٣ ] ٦ - وبهذا الإِسناد قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : بئس العبد القاذورة.

[ ٥٧ ٤٤ ] ٧ - محمّد بن علي بن الحسين في( الخصال ): عن محمّد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي، عن ابن رئاب(٢) ، عن الحلبي قال: قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : ثلاثة أشياء لا يحاسب الله عليها المؤمن: طعام يأكله، وثوب يلبسه، وزوجة صالحة تعاونه، ويحصن بها فرجه.

____________________

٤ - الكافي ٦: ٤٤٢ / ٧، وأورد صدره في الحديث ٧ من الباب ١٠ من أبواب لباس المصلي، ويأتي في الحديث ٥ من الباب ٧ من هذه الأبواب.

٥ - الكافي ٦: ٤٣٩ / ٥.

(١) في المصدر زيادة: واظهار النعمة.

٦ - الكافي ٦: ٤٣٩ / ٦.

٧ - الخصال: ٨٠ / ٢، وأورده عن التهذيب في الحديث ١ من الباب ٩ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) في نسخة: زياد( هامش المخطوط) وكذلك المصدر.

٦

[ ٥٧ ٤٥ ] ٨ - عبد الله بن جعفر في( قرب الإِسناد ): عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا( عليه‌السلام ) ، قال: قال أبي: ما تقول في اللباس الحسن ؟ فقلت: بلغني أنّ الحسن( عليه‌السلام ) كان يلبس، وأن جعفر بن محمّد( عليه‌السلام ) كان يأخذ الثوب الجديد فيأمر به فيغمس في الماء، فقال لي: البس وتجمّل، فإن علي بن الحسين( عليه‌السلام ) كان يلبس الجبّة الخزّ بخمسمائة درهم، والمطرف الخزّ بخمسين ديناراً، فيشتو فيه، فإذا خرج الشتاء باعه فتصدّق بثمنه، وتلا هذه الآية:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (١) .

[ ٥٧ ٤٦ ] ٩ - الحسن بن محمّد الطوسي في( الأمالي) عن أبيه، عن الفحّام، عن المنصوري، عن علي بن محمّد الهادي( عليه‌السلام ) ، عن آبائه، عن الصادق( عليهم‌السلام ) قال: إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل، ويكره البؤس والتباؤس، فإنّ الله إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها، قيل: كيف ذلك ؟ قال: ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه، ويجصّص داره، ويكنس أفنيته، حتى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك في أحاديث لبس الخزّ(٢) وغيره(٣) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٤) .

____________________

٨ - قرب الاسناد: ١٥٧، وأورد قطعة منه في الحديث ١٠ من الباب ١٠ من أبواب لباس المصلّي.

(١) الأعراف ٧: ٣٢.

٩ - أمالي الطوسي ١: ٢٨١.

(٢) تقدم في الباب ١٠من أبواب لباس المصلّي.

(٣) تقدم في الحديث ١ من الباب ٣٣ من أبواب الاحتضار.

(٤) يأتي في الحديثين ٢ و ٥ من الباب ٧، وفي الباب ٩ وفي الحديثين ٤ و ١٧ من الباب ١٩، وفي الباب ٢٧ من هذه الأبواب.

٧

٢ - باب استحباب إظهار النعمة، وكون الانسان في أحسن زي ّ قومه، وكراهة كتم النعمة

[ ٥٧ ٤٧ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن أسلم، عن هارون بن مسلم، عن بريد بن معاوية قال: قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) لعبيد بن زياد: إظهار النعمة أحبّ إلى الله من صيانتها، فإيّاك أن تُريَّن(١) إلّا في أحسن زيّ قومك، قال: فما رؤي عبيد إلّا في أحسن زيّ قومه حتى مات.

[ ٥٧ ٤٨ ] ٢ - وعنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى، عن حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله( عليه‌السلام ) يقول - في حديث -: خير لباس كل زمان لباس أهله.

[ ٥٧ ٤٩ ] ٣ - وعن علي بن محمّد، رفعه، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال ‎ : إذا أنعم الله على عبده بنعمة فظهرت عليه سمّي حبيب الله، محدّث بنعمة الله، وإذا أنعم الله على عبد بنعمة فلم تظهر عليه سمّي بغيض الله، مكذّب بنعمة الله.

[ ٥٧ ٥٠ ] ٤ - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، رفعه قال: قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) ‎ : إنّني لأكره للرجل أن يكون عليه من الله نعمة فلا يظهرها.

____________________

الباب ٢

فيه ٤ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٤٠ / ١٥.

(١) كذا ظاهر الاصل إلّا ان على الزاي نقطة، وفي المصدر:( تتزين ).

٢ - الكافي ٦: ٤٤٤ / ١٥، و ١: ٣٤٠ / ٤، أورده بتمامه في الحديث ٧ من الباب ٧ من هذه الأبواب.

٣ - الكافي ٦: ٤٣٨ / ٢.

٤ - الكافي ٦: ٤٣٩ / ٩.

٨

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٢) .

٣ - باب استحباب اظهار الغنىٰ، وإن لم يكن حاصلاً، إذا ظنّ فقره

[ ٥٧ ٥١ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب وابن فضّال جميعاً، عن يونس بن يعقوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: إن ناساً بالمدينة قالوا: ليس للحسن مال، فبعث الحسن( عليه‌السلام ) إلى رجل بالمدينة، فاستقرض منه ألف درهم، وأرسل بها إلى المصدّق، فقال: هذه صدقة مالنا، فقالوا: ما بعث الحسن هذه من تلقاء نفسه إلّا وعنده مال.

[ ٥٧ ٥٢ ] ٢ - وبالإِسناد عن أبي بصير قال: لـمّا(٣) بلغ أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) أن طلحة والزبير يقولان: ليس لعلي مال، قال: فشقّ ذلك عليه، فأمر وكلاءه أن يجمعوا غلّته، حتى إذا حال عليه الحول أتوه وقد جمعوا من ثمن الغلّة مائة ألف درهم، فنثرت(٤) بين يديه، فأرسل إلى طلحة والزبير، فأتياه، فقال لهما: هذا المال، والله لي، ليس لأحد فيه شيء، وكان عندهما مصدّقاً، قال: فخرجا من عنده وهما يقولان: إنّ له مالاً(٥) .

[ ٥٧ ٥٣ ] ٣ - وعنهم، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن حديد، عن مرازم بن

____________________

(١) تقدم في الباب ١ من هذه الأبواب.

(٢) يأتي في الحديث ٤ من الباب ٧ والباب ٧٢ من هذه الأبواب.

الباب ٣

فيه ٤ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٤٠ / ١٢.

٢ - الكافي ٦: ٤٤٠ / ١١.

(٣) كتب في هامش الاصل( لمّا) عن نسخة.

(٤) في المصدر: فنشرت.

(٥) في نسخة: لمالاً( هامش المخطوط ).

٣ - الكافي ٦: ٤٣٩ / ٨.

٩

حكيم، عن عبد الأعلى مولى ‎ آل سام قال: قلت لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) : إنّ الناس يرون(١) أنّ لك مالاً كثيراً، فقال: ما يسوءني ذلك، إنّ أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) مرّ ذات يوم على ناس شتّى من قريش وعليه قميص مخرّق، فقالوا: أصبح عليّ لا مال له، فسمعها أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) ، فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره، ولايبعث إلى إنسان شيئاً، وأن يوفّره، ثمّ قال له: بعه الاوَّل فالأوّل، واجعلها دراهم، ثم اجعلها حيث تجعل التمر، فاكبسه(٢) معه حيث لا يرى، وقال للذي يقوم عليه: إذا دعوت بالتمر فاصعد وانظر المال، فاضربه برجلك، كأنّك: لا تعمد الدراهم، حتى تنثرها، ثم بعث إلى رجل رجل(٣) منهم يدعوه، ثمّ دعا بالتمر، فلمّا صعد ينزل بالتمر ضرب برجله، فانتثرت الدراهم، فقالوا: ما هذا يا أبا الحسن ؟ فقال: هذا مال من لا مال له، ثمّ أمر بذلك المال فقال: أنظروا أهل كلّ بيت كنت أبعث إليهم، فانظروا ماله، وابعثوا إليه.

[ ٥٧ ٥٤ ] ٤ - وبالإِسناد عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: إنّ علي بن الحسين( عليهما‌السلام ) اشتدّت حاله حتّى تحدّث بذلك أهل المدينة، فبلغه ذلك، فتعيّن(١) ألف درهم وبعث بها إلى صاحب المدينة، وقال: هذه صدقة مالي.

أقول: ويأتي ما يدلّ على ذلك(٢) .

____________________

(١) في نسخة: يروون( هامش المخطوط ).

(٢) ورد في هامش المخطوط ما نصه: كبس البئر والنهر طمّهما بالتراب ورأسه في ثوبه أخفاه وأدخله فيه.( القاموس المحيط ٢: ٢٤٥ ).

(٣) ليس في المصدر.

٤ - الكافي ٦: ٤٤٠ / ١٣.

(٤) تعين: أي اقترض. والعينة بالكسر السلف.( الصحاح. هامش المخطوط ).

(٥) يأتي في الباب ٧ و ٨ وفي الحديث ٦ الباب ٣٢ من هذه الأبواب، وتقدم في الباب ٣ من هذه الأبواب ما يدل على بعض المقصود.

١٠

٤ - باب استحباب تزيّن المسلم للمسلم، وللغريب، والأهل والأصحاب

[ ٥٧ ٥٥ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : ليتزيّن أحدكم لأخيه المسلم كما يتزيّن للغريب الذي يحبّ أن يراه في أحسن الهيئة.

ورواه الصدوق في( الخصال) (١) بإسناده الآتي(٢) عن علي( عليه‌السلام ) - في حديث الأربعمائة - مثله.

[ ٥٧ ٥٦ ] ٢ - الحسن بن الفضل الطبرسي في( مكارم الأخلاق) عن النبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، أنّه كان ينظر في المرآة، ويرجّل جمّته، ويمتشّط، وربّما نظر في الماء وسوّى جمّته فيه، ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً على تجمّله لأهله، وقال: إنّ الله يحبّ من عبده إذا خرج إلى أخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٣) .

____________________

الباب ٤

فيه حديثان

١ - الكافي ٦: ٤٣٩ / ١٠.

(١) الخصال: ٦١٢.

(٢) يأتي في الفائدة الأولى من الخاتمة برمز( ر ).

٢ - مكارم الأخلاق: ٣٤.

(٣) تقدم في الباب ١ و ٢ من هذه الأبواب، ويأتي ما يدل عليه في الحديث ٢ من الباب ٥ والباب ١٧ و ٢٧ وفي الحديث ٣ من الباب ٢٩ وفي الحديث ٣ من الباب ٣١ من هذه الأبواب.

١١

‏ ٥ - الباب كراهة مباشرة الرجل السريّ * الأشياء الدنيّة من الملابس وغيرها

[ ٥٧ ٥٧ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن معاوية بن وهب قال: رآني أبو عبد الله( عليه‌السلام ) وأنا أحمل بقلاً، فقال: يكره للرجل السريّ أن يحمل الشيء الدني فيجترأ عليه.

ورواه الصدوق في( الخصال ): عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن وهب، مثله(١) .

[ ٥٧ ٥٨ ] ٢ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة قال: استقبلني أبو الحسن( عليه‌السلام ) وقد علّقت سمكة في يدي، فقال: اقذفها، إنّي لأكره للرجل السريّ أن يحمل الشيء الدنيّ بنفسه، ثم قال: إنّكم قوم أعداؤكم كثير، عاداكم الخلق يا معشر الشيعة، إنّكم قد عاداكم الخلق، فتزيّنوا لهم بما قدرتم عليه.

ورواه الصدوق في كتاب( صفات الشيعة ): عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد، عن عبد الله بن خالد الكناني قال: استقبلني أبو الحسن موسى بن جعفر( عليه‌السلام ) ، ثمّ ذكر مثله(٢) .

[ ٥٧ ٥٩ ] ٣ - وعنهم، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضّال ومحسن بن أحمد جميعاً، عن يونس بن يعقوب قال: نظر أبو عبد الله( عليه‌السلام ) إلى رجل من

____________________

الباب ٥

فيه ٥ أحاديث

* السريّ: الرجل الشريف النبيل.( أنظر لسان العرب ١٤: ٣٧٧ ).

١ - الكافي ٦: ٤٣٩ / ٧.

(١) الخصال: ١٠ / ٣٥.

٢ - الكافي ٦: ٤٨٠ / ١٢.

(٢) صفات الشيعة: ١٦ / ٣١.

٣ - الكافي ٢: ١٠٠ / ١٠.

١٢

أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئاً وهو يحمله، فلمّا رآه الرجل استحيى منه، فقال أبو عبدالله( عليه‌السلام ) : اشتريته لعيالك وحملته إليهم، أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثم أحمله إليهم.

أقول: يأتي وجهه(١) .

[ ٥٧ ٦٠ ] ٤ - وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عقبة بن محمّد، عن سلمة بن محرز(٢) قال: مرّ أبو عبد الله( عليه‌السلام ) على رجل قد ارتفع صوته على رجل يقتضيه شيئاً يسيراً، فقال: بكم تطالبه ؟ فقال: بكذا وكذا، قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : أما بلغك أنّه كان يقال: لا دين لمن لا مروّة له ؟!

[ ٥٧ ٦١ ] ٥ - محمّد بن علي بن الحسين في( ثواب الأعمال) عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي نجران، يرفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من رقّع جيبه، وخصف نعله، وحمل سلعته، فقد برئ من الكبر.

ورواه الكليني(٣) ، عن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة(٤) ، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) .

أقول: هذا محمول على عدم كون هذه الأشياء في العرف من الأمور الدنية بالنسبة إلى ذلك الشخص، أو مخصوص بغير الرجل السريّ.

____________________

(١) يأتي وجهه في الحديث ٥ من هذا الباب.

٤ - الكافي ٦: ٤٣٨ / ٣.

(٢) في المصدر: سلمة بن محمد بياع القلانس.

٥ - ثواب الأعمال: ٢١٣، والخصال: ١٠٩ / ٧٨، أخرجه عنه وعن روضة الكافي وعن الخصال في الحديث ٤، وأخرج نحوه عن المجالس في الحديث ٥ من الباب ٢٩ من هذه الأبواب.

(٣) الكافي ٨: ٢٣١ / ٣٠٢.

(٤) في المصدر زيادة: عن اسحاق بن عمار.

١٣

٦ - باب استحباب لبس الثوب النقي النظيف

[ ٥٧ ٦٢ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عبد الرحمن بن جندب(١) ، عن سفيان بن السمط قال: سمعت أبا عبد الله( عليه‌السلام ) يقول: الثوب النقي يكبت العدوّ.

[ ٥٧ ٦٣ ] ٢ - وعنه، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : النظيف من الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة.

[ ٥٧ ٦٤ ] ٣ - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : من اتّخذ ثوباً فلينظّفه.

[ ٥٧ ٦٥ ]٤ - محمّد بن علي بن الحسين في( الخصال) بإسناده عن علي( عليه‌السلام ) - في حديث الأربعمائة - قال: غسل الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو ظهور للصلاة.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٢) ، ويأتي ما يدلّ عليه،

____________________

الباب ٦

فيه ٤ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٤١ / ١.

(١) في المصدر: عبد الله بن جندب.

٢ - الكافي ٦: ٤٤٢ / ١٤، أخرجه عن المجمع مع اختلاف في ألفاظه في الحديث ١١ من الباب ٢٢ من هذه الأبواب.

٣ - الكافي ٦: ٤٤١ / ٣.

٤ - الخصال: ٦١٢.

(٢) تقدم ما يدل على ذلك في الباب ١ من هذه الأبواب.

١٤

إن شاء الله(١) .

٧ - باب عدم كراهة لبس الثياب الفخارة الثمينة اذا لم تؤدّ الى الشهرة، بل استحبابه، وكراهة الشهرة بلبس الخلقان والخشن ونحوه

[ ٥٧ ٦٦ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: لبس رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) الساج والطاق والخمائص(٢) .

[ ٥٧ ٦٧ ] ٢ - وعن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشّاء قال: سمعت الرضا( عليه‌السلام ) يقول: كان علي بن الحسين( عليه‌السلام ) يلبس ثوبين في الصيف يشتريان بخمسمائة درهم.

أقول: وتقدّم في أحاديث الخزّ ما يدلّ على ذلك وزيادة(٣) .

[ ٥٧ ٦٨ ] ٣ - وبالإِسناد عن الوشّاء، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله( عليه‌السلام ) يقول: بينا أنا في الطواف وإذا رجل يجذب ثوبي، وإذا عبّاد بن كثير البصري فقال: يا جعفر، تلبس مثل هذه الثياب وأنت في هذا

____________________

(١) يأتي ما يدل عليه في الحديث ١١ من الباب ٢٢، وفي الحديث ٤ من الباب ٣٢ من هذه الأبواب.

الباب ٧

فيه ١٢حديثاً

١ - الكافي ٦: ٤٤١ / ٢.

(٢) الساج: الطيلسان الأخضر، والطاق: الطيلسان الأخضر، والخميصة: كساء أسود له علمان - القاموس المحيط ١: ١٩٥، ٣: ٢٦٠، ٢: ٣٠٢( هامش المخطوط ).

٢ - الكافي ٦: ٤٤١ / ٥.

(٣) تقدم في الباب ١٠ من أبواب لباس المصلي.

٣ - الكافي ٦: ٤٤٣ / ٩.

١٥

الموضع مع المكان الذي أنت فيه من علي( عليه‌السلام ) ؟! فقلت: فرقبي(١) اشتريته بدينار، وكان علي( عليه‌السلام ) في زمان يستقيم له ما لبس فيه، ولو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا لقال الناس: هذا مراء مثل عبّاد.

ورواه الكشّي في كتاب( الرجال ): عن محمّد بن مسعود، عن عبد الله بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن ابن سنان، مثله(٢) .

[ ٥٧ ٦٩ ] ٤ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح قال: كان أبو عبد الله( عليه‌السلام ) متّكئاً عليّ، أو قال: على أبي، فلقيه عبّاد بن كثير وعليه ثياب مَرْوية(٣) حِسان، فقال: يا أبا عبد الله، إنّك من أهل بيت نبوّة، وكان أبوك وكان، فما لهذه الثياب المزينة عليك ؟! فلو لبست دون هذه الثياب، فقال له أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : ويلك يا عباد،( مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (٤) ، إنّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يراها عليه، ليس به بأس، ويلك يا عبّاد، إنّما أنا بضعة من رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فلا تؤذني، وكان عبّاد يلبس ثوبين قطريّين(٥) .

[ ٥٧ ٧٠ ] ٥ - وعنهم، عن سهل، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان، عن يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) - في حديث - قال: إنّ عبد الله بن عبّاس لـمّا بعثه أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) إلى الخوارج فواقفهم لبس

____________________

(١) فرقب كقنفذ (ع) ومنه الثياب الفرقبية أو هي ثياب بيض من كتان( هامش الأصل) عن القاموس.

(٢) رجال الكشي ٢: ٦٨٩ / ٧٣٦.

٤ - الكافي ٦: ٤٤٣ / ١٣.

(٣) ثوب مرْويّ: نسبة إلى مدينة مرو ببلاد فارس.( لسان العرب ١٥: ٢٧٦ ).

(٤) الأعراف ٧: ٣٢.

(٥) في هامش الاصل عن نسخة:( قطوبين ).

٥ - الكافي ٦: ٤٤٢ / ٧، تقدم صدره في الحديث ٧ الباب ١٠ من لباس المصلي، وقطعة منه في الحديث ٤ الباب ١ من هذه الأبواب.

١٦

أفضل ثيابه، وتطيّب بأطيب طيبه، وركب أفضل مراكبه، فخرج فواقفهم، فقالوا: يا بن عبّاس، بينا أنت أفضل الناس إذا اتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم، فتلا عليهم هذه الآية:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (١) ، والبس(٢) وتجمّل فإنّ الله جميل يحبّ الجمال، وليكن من حلال.

[ ٥٧ ٧١ ] ٦ - وعن محمّد بن يحيى، عن عبد الله بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: بعث أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) عبد الله بن عبّاس إلى ابن الكوّا وأصحابه، وعليه قميص رقيق وحُلّة، فلمّا نظروا إليه قالوا: يا بن عباس، أنت خيرنا في أنفسنا، وأنت تلبس هذا اللّباس ؟! فقال: وهذا أوّل ما أُخاصمكم فيه( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) ( ٣ ) وقال الله عزّ وجلّ:( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) ( ٤ ) .

[ ٥٧ ٧٢ ] ٧ - وعنه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى، عن حمّاد بن عثمان قال: كنت حاضراً عند( ٥ ) أبي عبد الله( عليه‌السلام ) إذ قال له رجل: أصلحك الله، ذكرت أنّ علي بن أبي طالب كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم، وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجيّد ؟! قال: فقال له: إنّ علي بن أبي طالب( صلوات الله عليه) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر، ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا إذا قام لبس لباس عليّ، وسار بسيرته.

____________________

(١) الأعراف ٧: ٣٢.

(٢) في المصدر: فالبس.

٦ - الكافي ٦: ٤٤١ / ٦.

( ٣ ) الأعراف ٧: ٣٢.

( ٤ ) الأعراف ٧: ٣١.

٧ - الكافي ٦: ٤٤٤ / ١٥.

( ٥ ) كذا في الاصل، لكنه شطب على( عند) وكتب( لأبي ).

١٧

وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى الخزّاز، مثله(١) .

[ ٥٧ ٧٣ ] ٨ -( وعنهم، عن سهل بن زياد) (٢) ، عن محمّد بن عيسى، عن العباس بن هلال الشامي مولى أبي الحسن( عليه‌السلام ) عنه قال: قلت له: جعلت فداك، ما أعجب إلى الناس من يأكل الجشب، ويلبس الخشن، ويتخشّع ؟! فقال: أما علمت أنّ يوسف نبيّ ابن نبيّ كان يلبس أقبية الديباج مزرورة بالذهب، ويجلس في مجالس آل فرعون - إلى أن قال - إنّ الله لم يحرم طعاماً ولا شراباً من حلال، إنّما حرّم الحرام قلّ أو كثر، وقد قال جل وعز:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (٣) .

[ ٥٧ ٧٤ ] ٩ - وعن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن عيسى، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، في قول الله عزّ وجلّ:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٤) - إلى أن قال - فكان أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) في صلاة الظهر وقد صلّى ركعتين، وهو راكع وعليه حلّة قيمتها ألف دينار، وكان النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) كساه إيّاها، وكان النجاشيّ أهداها له، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا وليّ الله، وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدّق على مسكين، فطرح الحلّة إليه، وأومأ(٥) إليه أن احملها، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه هذه الآية، الحديث.

____________________

(١) الكافي ١: ٣٤٠ / ٤.

٨ - الكافي ٦: ٤٥٣ / ٥.

(٢) في المصدر: حميد بن زياد.

(٣) الأعراف ٧: ٣٢.

٩ - الكافي ١: ٢٢٨ / ٣، وأورد تمامه في الحديث ١ من الباب ٥١ من أبواب الصدقة.

(٤) المائدة ٥: ٥٥.

(٥) في المصدر: وأومأ بيده.

١٨

[ ٥٧ ٧٥ ] ١٠ - وعن عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: دخل سفيان الثوريّ على أبي عبد الله( عليه‌السلام ) فرأى عليه ثياب بياض كأنّها غرقئ البيض(١) ، فقال له: إن هذا اللّباس ليس من لباسك ! فقال له: اسمع منّي وعِ ما أقول لك، فإنّه خير لك عاجلاً وآجلاً، إن أنت متّ على السنّة ولم تمت على بدعة، أُخبرك أنّ رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) كان في زمان مقفر جدب، فأمّا إذا أقبلت الدنيا فأحقّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها، ومؤمنوها لا منافقوها، ومسلموها لا كفّارها، فما أنكرت يا ثوري ؟! فو الله إنّي لمع ما ترى ما أتى عليّ - مذ عقلت - صباح ولا مساء ولله في مالي حقّ أمرني أن أضعه موضعاً إلّا وضعته، الحديث.

[ ٥٧ ٧٦ ] ١١ - محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي في كتاب( الرجال ): عن حمدويه بن نصير، عن محمّد بن عيسى، عن علي بن أسباط قال: قال سفيان بن عيينة لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) : إنّه يروى أنّ علي بن أبي طالب( عليه‌السلام ) كان يلبس الخشن من الثياب، وأنت تلبس القوهي(٢) المَرويّ ؟! قال: ويحك، إنّ علياً( عليه‌السلام ) كان في زمان ضيق، فإذا اتّسع الزمان فأبرار الزمان أولى به.

[ ٥٧ ٧٧ ] ١٢ - وعن محمد بن مسعود، عن الحسين بن اشكيب، عن الحسن بن الحسين المروزي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أحمد بن عمر قال: سمعت بعض أصحاب أبي عبد الله( عليه‌السلام ) يحدّث أنّ سفيان الثوريّ دخل على أبي

____________________

١٠ - الكافي ٥: ٦٥ / ١.

(١) الغرقئ: قشر البيض الخفيف، تحت القشر الصلب، توصف به الثياب الرقيقة البيضاء الناعمة.( أنظرلسان العرب ١: ١١٩ ).

١١ - رجال الكشي ٢: ٦٩٠ / ٧٣٩.

(٢) القوهي: ثياب بيض منسوبة الى قوهستان( لسان العرب ١٣: ٥٣٢ ).

١٢ - رجال الكشي ٢: ٦٩١ / ٧٤٠.

١٩

عبد الله( عليه‌السلام ) وعليه ثياب جياد فقال: يا أبا عبد الله، إنّ آباءك لم يكونوا يلبسون مثل هذه الثياب ! فقال له: إنّ آبائي كانوا يلبسون ذلك في زمان مقفر مقصر، وهذا زمان قد أرخت الدنيا عزاليها(١) ، فأحقّ أهلها بها أبرارهم.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٢) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٣) .

٨ - باب استحباب لبس الثوب الحسن من خارج، والخشن من داخل، وكراهة العكس

[ ٥٧ ٧٨ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن علي، رفعه قال: مر سفيان الثوري في المسجد الحرام فرأى أبا عبد الله وعليه ثياب كثيرة القيمة حسان، فقال: والله، لآتينّه ولأُوبخنّه، فدنا منه فقال: يا بن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، والله ما لبس رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) مثل هذا اللباس، ولا علي، ولا أحد من آبائك ! فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام ) : كان رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في زمان قتر مقتر، وكان يأخذ لقتره واقتاره، وإنّ الدنيا بعد ذلك أرخت عزاليها، فأحقّ أهلها بها أبرارها، ثم تلا:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (٤) فنحن أحقّ من أخذ منها ما أعطاه الله، غير أني يا ثوري، ما ترى عليّ من ثوب إنّما لبسته للنّاس، ثمّ اجتذب يد سفيان فجّرها إليه، ثمّ رفع الثوب الأعلى، وأخرج ثوباً تحت ذلك على جلده غليظاً، فقال: هذا لبسته لنفسي، غليظاً، وما رأيته للناس، ثمّ جذب ثوباً على سفيان أعلاه غليظ خشن

____________________

(١) العزلاء: مصب الماء من الراوية ونحوها والجمع عزالي وعزالَىٰ( القاموس المحيط ٤: ١٥ ).

(٢) تقدم في الباب ١٠ من لباس المصلي، والباب ١ من هذه الأبواب.

(٣) يأتي في الحديث ١ الباب ٨ من هذه الأبواب.

الباب ٨

فيه حديثان

١ - الكافي ٦: ٤٤٢ / ٨.

(٤) الأعراف ٧: ٣٢.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

فقام اسيد بن حضير ـ وهو ابن عم سعد بن معاذ ـ وقال : كذبت والله لنقتلنّه وأنفك راغم. فانك منافق تجادل عن المنافقين ، والله لو نعلم ما يهوى رسول الله من ذلك في رهطي الأدنين ما رام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكانه حتى آتيك برأسه ، ولكني لا أدري ما يهوى رسول الله.

ثم تغالظوا ، وقام آل الخزرج من جانب ، وآل الأوس من جانب آخر ، وكادوا أن يشتبكوا ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر ، فأشار رسول الله إلى الحيّين جميعا أن اسكتوا ، ونزل عن المنبر فهدّأهم وخفضهم حتى انصرفوا ...

هذا القسم من القصة المذكورة في رواية البخاري غير صحيح ، ولا يتلاءم مع التاريخ الثابت الصحيح لأن « سعد بن معاذ » كان قد مات بعد إصدار حكمه في بني قريظة متأثرا بجرح أصابه في معركة « الاحزاب » ، وقد وقعت حادثة « الإفك » بعد واقعة بني قريظة ، وقد صرّح البخاري نفسه بهذا في صحيحه ( ج ٥ ص ١١٣ ) في باب « معركة الاحزاب وبني قريظة » ، فكيف يمكن والحال هذه أن يحضر مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجادل سعد بن عبادة في قصة الإفك التي وقعت بعد واقعة بني قريظة بعدة شهور؟!(١)

لقد ذهب المؤرخون الى أن معركة الخندق ثم واقعة بني قريظة وقعتا في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة ، فتكون النتيجة ان قضية بني قريظة انتهت في التاسع عشر من شهر ذي الحجة ، وقد توفي سعد بن معاذ في أعقاب هذه الحادثة مباشرة لمّا انفجر به جرحه(٢) في حين وقعت غزوة بني المصطلق في شهر شوال

__________________

القبيلتين منافسة قديمة ، وكان « عبد الله بن أبي » خزرجيا ، فاعتبر « سعد بن عبادة » كلام « سعد بن معاذ » تعريضا بالخزرج وحطا من شأنهم.

(١) نفس المصدر السابق ، والجدير بالذكر أن ابن هشام لم يذكر في سيرته « سعد بن معاذ » ، ولكنه روى جدال اسيد مع سعد بن عبادة راجع السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٠٠ ، وهكذا فعل ابن الاثير في الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٣٤ ، ولكن المغازي ذكر القصة كاملة ، واتى باسم سعد بن معاذ راجع : ج ٢ ص ٤٣١.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٥٠.

٣٢١

من السنة السادسة(١) .

أجل إنّ ما هو مهمّ في المقام هو أن نعرف أنّ حزب النفاق حاول أن يزلزل النفوس ، ويبلبلها ببهت امرأة صالحة ذات مكانة في المجتمع الاسلامي يومذاك.

وقد فسر قوله : « الّذي تولى كبره » أي الذي تحمل القسط الاكبر من هذه العملية الخبيثة بعبد الله بن ابي ، فهو الذي قاد هذه العملية الرخيصة والخطرة كما صرحت بذلك عائشة نفسها أيضا.

الرواية الاخرى في سبب النزول :

وتقول هذه الرواية أن الآيات الحاضرة نزلت في « مارية القبطيّة » زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووالدة إبراهيم.

فان هذه الرواية تقول : لما مات إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزن عليه حزنا شديدا ، فقالت عائشة : ما الذي يحزنك عليه؟ ما هو إلاّ ابن جريح ، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا صلوات الله عليه وأمره بقتله ، فذهب علي صلوات الله عليه ومعه السيف ، وكان جريح القبطي في حائط ( أي بستان ) ، فضرب « علي » باب البستان ، فأقبل جريح له ليفتح الباب ، فلما رأى عليّا صلوات الله عليه ، عرف في وجهه الغضب ، فأدبر راجعا ولم يفتح باب البستان ، فوثب عليعليه‌السلام على الحائط ونزل إلى البستان ، وأتبعه ، وولّى جريح مدبرا ، فلما خشي أن يرهقه ( أي يدركه ) صعد في نخلة وصعد « علي » في أثره ، فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة ، فبدت عورته ، فاذا ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء ، فانصرف عليّعليه‌السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٩٧ ، ولعلّه فطن ابن هشام لهذه الناحية فترك ذكر سعد بن معاذ ، بينما غفل عنها البخاري في صحيحه ، راجع شروح البخاري منها : فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر : ج ٨ ص ٤٧١ و ٤٧٢ للوقوف على اضطراب الشرّاح في معالجة هذا التناقض.

٣٢٢

فقال له : يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون كالمسمار المحمى في الوبر أم أتثبّت؟

قال : لا بل تثبت.

قال : والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال وما له ما للنساء.

فقال : الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت.

وهذه الرواية التي نقلها « المحدث البحراني » في « تفسير البرهان » ج ٢ ص ١٢٦ ـ ١٢٧ و « الحويزي » في تفسير « نور الثقلين » ج ٣ ص ٥٨١ ـ ٥٨٢ ضعيفة وغير مستقيمة من حيث المفاد ، وهو ضعف ظاهر لا يحتاج الى البيان ولذلك.

ومن هنا لا يمكن القبول بها في شأن نزول هذه الآيات.

فالمهم هو وقوع أصل هذه الحادثة ، كان من كان المتّهم في هذه الحادثة.

٣٢٣

٤٢

رحلة سياسيّة دينيّة

كانت السنة الهجرية السادسة بكل حوادثها المرة والحلوة تقترب من نهايتها عند ما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام أنه دخل البيت ( الكعبة ) وحلق رأسه ، وأخذ مفتاح البيت ، وعرّف مع المعرفين ، فقصّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الرؤيا على أصحابه وتفاءل به خيرا(١) .

ولم يلبث أن أمر أصحابه بالتهيّؤ للعمرة ، ودعا القبائل المجاورة التي كانت لا تزال على شركها وكفرها الى مرافقة المسلمين في هذه السفرة ، ولهذا شاع في جميع أنحاء الجزيرة العربية أن المسلمين سيتجهون في شهر ذي القعدة صوب مكة يريدون العمرة.

ولقد كانت هذه السفرة الروحانية تنطوي ـ مضافا إلى العطاء الروحاني والمعنوي ـ على مصالح اجتماعية وأهداف سياسية ، فقد عززت مكانة المسلمين في شبه الجزيرة العربية ، وتسببت في انتشار دين التوحيد في أوساط المجتمع العربي آنذاك ، وذلك :

أولا : لأنّ القبائل العربية المشركة كانت تتصوّر أن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخالف كل عقائد العرب ، وتقاليدهم الشعبية ، والدينية حتى فريضة الحج ، والعمرة التي كانت تعد من ذكريات الاسلاف ومواريثهم.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ص ١٢٦.

٣٢٤

من هنا كانوا يخافون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتوجسون خيفة من دينه ، وعقيدته ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استطاع في هذه المناسبة ـ باشتراكه ، واشتراك أصحابه في مراسيم العمرة أن يخفف هذا الخوف لدى القبائل المشركة إلى حدّ كبير ، وأن يوضح بعمله أنّ رسول الإسلام لا يعارض زيارة بيت الله الحرام ، والفريضة المذكورة التي تعد من طقوسهم الدينية ، وتقاليدهم المذهبية ، بل يعتبرها فريضة مقدسة ، فهو مثل والد العرب الاكبر « إسماعيل بن إبراهيم الخليل »عليهما‌السلام يعمل على المحافظة على هذه التقاليد الدينية ، وبهذا استطاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقطب قلوب من كان يتوهم أن رسالة « محمّد » ودعوته ، ودينه يعارض جميع شئونهم وتقاليدهم وأعرافهم الدينية ، والشعبية ، ويخالفها مخالفة مطلقة ، ويقلّل من خوفهم ، واستيحاشهم.

ثانيا : إذا استطاع المسلمون أن يحرزوا في هذا السبيل نجاحا ، ويؤدوا مناسك العمرة في المسجد الحرام بحرية ، أمام أعين الآلاف من المشركين ، فان عملهم هذا بنفسه سيكون تبليغا ناجحا للإسلام ، لأن أخبار المسلمين ستنتشر بواسطة المشركين الذين قدموا مكة من جميع المناطق لاداء مناسك العمرة ، فسيحملون أنباء ما رأوه وشاهدوه من أفعال المسلمين الرشيدة ، وأخلاقهم الفاضلة ، إلى أوطانهم لدى عودتهم من مكة إلى بلادهم ، وبهذا ينتشر نداء الإسلام في تلكم المناطق التي لم يستطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يبعث إليها الدعاة والمبلغين حتى ذلك الحين ، ويترك هذا الأمر أثره المطلوب.

ثالثا : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكّر الناس في المدينة بحرمة الأشهر الحرم وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأمر المسلمين بأن لا يحملوا معهم من الاسلحة شيئا إلاّ السيف الذي يحمله كل مسافر معه.

ولقد جلب هذا الامر عواطف كثير من الغرباء عن الإسلام نحو هذا الدين ، وغيّر من نظرتهم السلبية تجاه دعوة الإسلام ، لأنهم شاهدوا بام أعينهم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرّم القتال في هذه الاشهر ، ويدافع بنفسه عن

٣٢٥

هذه السنّة الدينية القديمة ويدعو إلى رعايتها خلافا لكل الدعايات التي كانت تبثها قريش عن أن الاسلام لا يحترم هذه الأشهر ، ويجيز الاقتتال وسفك الدماء فيها.

لقد فكر القائد الاسلاميّ مع نفسه بانه لو أصاب المسلمون في هذا السبيل أيّ نجاح ، فانهم يكونون قد حققوا أملا قديما من آمالهم التي طالما تشوقوا إلى تحقيقها.

كما أنه سوف يستطيع المهاجرون الذي طال بعدهم عن وطنهم ، وأهليهم ، أن يزوروا ذويهم وأقربائهم. هذا إذا سمحت قريش لهم بدخول مكة.

وأمّا إذا منعتهم قريش عن الدّخول في الحرم فان مكانة قريش ستتعرض ـ حينئذ ـ لخطر السقوط في العالم العربي ، وسيلومهم العرب على ذلك ، لأن جميع ممثلي القبائل العربية المحايدة سترى كيف عاملت قريش جماعة مسالمة أرادت دخول مكة لأداء مراسيم العمرة ، وزيارة الكعبة المعظمة ، ولا تحمل معها أيّ سلاح إلاّ ما يحمله المسافر في سفره عادة ، في حين يرتبط المسجد الحرام بالعرب كافة ، وانما تقوم قريش بمجرّد سدانته ، وادارة شئونه.

وهنا تتجلى حقانية المسلمين بشكل واضح ، ويتضح عدوان قريش وينكشف للجميع بطلان مواقفها ، فلا تستطيع قريش بعد ذلك أن تواصل تأليبها للقبائل العربية ضدّ الإسلام ، وعقد تحالفات عسكرية واتحاد نظاميّ مع قواها المحاربة المسلمين لانها قد منعت الزوّار المسلمين أمام أعين الآلاف من الحجيج والزائرين من حقهم المشروع.

لقد لا حظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ هذه الجوانب وغيرها فامر المسلمين بالتوجّه نحو مكة ، وأحرم الف واربعمائه(١) أو الف وستمائة(٢) أو الف وثمانمائة(٣) في « ذي الحليفة » وقلّد سبعين بدنة ( بعيرا ) وبهذا أعلن عن هدفه من تلك الرحلة.

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٠٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٢ ص ٢٨٨.

(٣) روضة الكافي : ص ٣٢٢.

٣٢٦

ولقد أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينا له ليخبره عن قريش إذا وجدهم في أثناء الطريق.

ولما كان رسول الله بعسفان ( وهي منطقة بين الجحفة ومكة ) أتاه رجل خزاعيّ كان يتقصى الاخبار لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فعاهدوا الله أن لا تدخلها أبدا وهذا « خالد بن الوليد » في خيلهم ( وكانوا مائتين ) قد قدّموها الى كراع الغميم. ( وهي موضع بين مكة والمدينة أمام عسفان بثمانية أميال ).

فلما سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعزم قريش على منعه ومنع اصحابه من العمرة قال :

« يا ويح قريش ، لقد أكلتهم الحرب ما ذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب ، فان هم أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فما تظنّ قريش ، فو الله لا أزال اجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله به ، أو تنفرد هذه السالفة(١) ( أي أقتل أو أموت ).

ثم طلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدلّه على طريق آخر غير الطريق الذي هم بها لكي يتجنب مواجهة طليعة قريش بقيادة « خالد بن الوليد ».

فتعهّد رجل من بني أسلم بذلك فسلك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه طريقا وعرا كثيرة الحجارة بين شعاب حتى انتهوا إلى منطقة سهلة تدعى بالحديبية ، فبركت هناك ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما هذا لها عادة ، ولكن حبسها حابس الفيل بمكة »(٢) .

ثم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس أن ينزلوا في ذلك المكان فنزلوا.

__________________

(١) السالفة : صفحة العنق ، وكنى بهذه الجملة عن الموت لأنّها لا تنفرد عمّا يليها الاّ بالموت.

(٢) بحار الانوار : ج ٢٠ ص ٣٢٩ وغيره. وقد أشار بهذا الكلام إلى واقعة الفيل.

٣٢٧

ولما علمت طليعة قريش بمسير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لحقت به ، حتى اقتربت منه وحاصرت موكبه ورجاله فكان على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا أراد أن يواصل سيره باتجاه مكة ان يخترق صفوف رجال قريش ، فيسفك دماءهم ، ويعبر على أجسادهم ، وحينئذ كان الجميع يرى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يهدف العمرة والزيارة بل يريد الحرب والقتال ، فكان مثل هذا العمل يسيء إلى سمعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويضر بهدفه السلميّ.

ثم إن قتل هؤلاء النفر من طليعة قريش لا يزيل جميع الموانع من طريقه ، لأن قريشا كانت تبعث بإمدادات مستمرة ، ولم يكن لينته إلى هذا الحدّ.

هذا مضافا إلى أن المسلمين ما كانوا يحملون معهم حينذاك ـ إلاّ ما يحمله المسافر العاديّ من السلاح ، ومع هذه الحال لم يكن القتال أمرا صحيحا ، وحكيما بل كان يجب ان تحلّ المشكلة عن طريق التفاوض.

ولهذا عند ما نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المنطقة قال :

« لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألونني فيها صلة الرحم إلاّ أعطيتهم إياها »(١) .

ولقد بلغ كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا مسامع الناس ، وكان من الطبيعي أن يسمع به العدو أيضا ، ولهذا بعثوا برجال من شخصيّاتهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتعرفوا على هدفه الاصلي من هذا السفر.

مندوبو قريش عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

بعثت قريش بعدة مندوبين إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتعرفوا على مقصده وهدفه في هذا السفر.

وكان أول أولئك المبعوثين هو : « بديل بن ورقاء الخزاعي » الذي أتى

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٧٠ ـ ٢٧٢.

٣٢٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجال من خزاعة فكلّموه نيابة عن قريش وسألوه : ما الذي جاء به؟ فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إنّا لم نجيء لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ».

فرجعوا إلى قريش وأخبروهم بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يات لقتال وإنما جاء معتمرا زائرا لبيت الله ، ولكن قريشا لم يصدقوهم وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالا فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ، ولا تحدّث بذلك عنّا العرب.

ثم بعثوا « مكرز بن حفص » فسمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سمعه سابقه ، فعاد وصدّق ما أخبر بديل قريشا به ، ولكن قريشا لم تصدق مكرزا أيضا كما لم تصدّق سابقه.

فبعثت في المرة الثالثة الحليس بن علقمة(١) وكبير رماة العرب ، لحسم الموقف ، فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقبلا قال :

« إن هذا من قوم يتألّهون ( أي يعظمون أمر الله ) فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ».

فلما رأى الحليس ، الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده ، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محلّه ، رجع إلى قريش ، ولم يصل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعظاما لما رأى ، فقال لهم : يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا الّذي عاقدناكم ، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له وقد ساق الهدي معكوفا إلى محلّه؟! ، والذي نفس الحليس بيده لتخلّنّ بين محمّد وما جاء له ، أو لأنفّرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد ، وهكذا امتنع الحليس من مواجهة رسول الله بالقوة واستخدام العنف معه لصده ، وقد لاحظ بأم عينيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين لا يريدون إلاّ العمرة والزيارة لا القتال

__________________

(١) لقد جاء الحليس إلى النبي بعد عروة الثقفي حسب رواية الطبري في تاريخه : ج ٢ ص ٢٧٦.

٣٢٩

والحرب ، بل عاد يهدد قريشا اذا هي أرادت صدّه عن ذلك.

فشق هذا الكلام وهذا التهديد على قريش وخافوا من مخالفته ، فقالوا : مه ، كفّ عنا يا حليس حتّى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

ثمّ بعثوا أخيرا « عروة بن مسعود الثقفي » وكان رجلا لبيبا تطمئن قريش إلى درايته وحكمته وخيره وكان لا يحبّ أن يمثّل قريشا في هذه المفاوضات لما رآه من معاملتهم مع الممثلين السابقين ، ولكن قريشا تعهدت له بان تقبل بما تقول ، وأعلنت له عن ثقتها الكاملة به ، وبما سيخبر به ، وبأنه غير متّهم عندهم.

فخرج من عندهم حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلس بين يديه ثم قال : يا محمّد جمعت أو شاب الناس ( أي أخلاطهم ) ثم جئت بهم إلى أهلك وقبيلتك ، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا ، وأيم الله لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا ، ( أو قال : أن يفرّوا عنك ويدعوك ).

وعند ما بلغ ابن مسعود في كلامه إلى هذا قال له أبو بكر وكان جالسا خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنحن ننكشف عنه ، وندعه؟

لقد كان « عروة » كأيّ دبلوماسيّ ماكر ، يحاول إضعاف معنويات أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلامه ، وروغانه.

وأخيرا انتهت المباحثات دون جدوى. وهنا جعل « عروة » يتناول لحية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ازدراء بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمغيرة بن شعبة ـ وكان واقفا على رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقرع يده إذا تناول لحية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول اكفف يدك عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن لا تصل إليك.

فسأل عروة : يا محمّد من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ( ويبدو أن جميع من كان حول النبي آنذاك أو بعضهم كانوا مقنعين رعاية للظروف الأمنية ).

٣٣٠

فغضب عروة وقال : « أي غدر ، وهل غسلت سوءتك إلاّ بالأمس » وكان المغيرة قد قتل قبل إسلامه ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فودى عروة المقتولين وأصلح الأمر.

فقطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام على عروة وقال له مثل ما قال لبديل ورفيقيه ، وأنه لم يات يريد حربا ، بل جاء يريد العمرة ، ولاجل أن يرى عروة مكانته بين أصحابه وأتباعه ، قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضأ أمامه ، فرأى عروة بام عينيه كيف أنه لا يتوضّأ إلاّ وتسابق أصحابه على التقاط القطرات المتناثرة من وضوئه ، فرجع إلى قريش وقال لهم : يا معشر قريش إنّي قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشيّ في ملكه ، وإنّي والله ما رأيت ملكا في قوم قطّ مثل محمّد في أصحابه ، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء قط فروا رأيكم(١) .

رسول الله يبعث مندوبا الى قريش :

لم تثمر الاتصالات التي جرت بين مبعوثي قريش ، وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان من الطبيعي أن يتصور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ مبعوثي قريش لم يستطيعوا نقل هدفه إلى قريش ، وإسماعهم الحقيقة ، وأن اتهامهم لهم بالجبن والكذب منعهم من قبول ما قد أخبروا به ، ولهذا قرّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبعث هو مندوبا عنه إلى رءوس الشرك ليوضّح لهم هدف رسول الاسلام من هذا السفر ، وأنه ليس إلاّ زيارة بيت الله وأداء مناسك العمرة لا غير.

فاختار رجلا لبيبا حازما من بني خزاعة يدعى « خراش بن اميّة » فبعثه إلى قريش بمكّة وحمله على بعير يقال له « الثعلب ». ليبلّغ أشرافهم عنه ما جاء له من

__________________

(١) المغازي : ج ٢ ص ٥٩٨ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ٢٨٧.

٣٣١

الزيارة والعمرة ، فدخل مكة ، وبلّغ سادة قريش رسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن قريشا ـ خلافا لكل الأعراف الدولية والاجتماعية قديما وحديثا. والقاضية بحصانة السفراء وضرورة احترام كل مما يمت إليهم بصلة من ممتلكاتهم عمدت الى جمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي امتطاه سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مكة فعقروه عدوانا ، وكادوا أن يقتلوا سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، ولكن وساطة جماعة من قادة العرب ادت إلى أن تخلّي قريش سبيله حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إن هذا العمل الدنيء أثبت ـ بوضوح ـ أن قريشا لم تكن تريد السلام بل كانت دائما في صدد اشعال قتيل الحرب.

ولم تلبث قريش أن كلّفت خمسين رجلا من فتيانها بالطواف بعسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغية أخذ شيء من أمواله ، أو أسر بعض أصحابه لو أتيح لهم ذلك ، ارعابا للمسلمين وتخويفا لهم. ولكن هذه الخطة فشلت فشلا ذريعا ، فان هؤلاء لم يصيبوا شيئا بل أسرهم المسلمون جميعا وأتى بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعفا عنهم ، وخلّى سبيلهم مع أنهم كانوا قد رموا في عسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحجارة والنبل.

وبهذا ثبت رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة اخرى أنه يحب السلام ويسعى إليه ، وانه جاء معتمرا لا معتديا ولا محاربا(١) .

النبي يبعث سفيرا آخر الى قريش :

رغم كل هذه الامور ورغم كلّ التصلّب والتعصّب الذي أبدته القيادة القرشية المشركة ضدّ الاسلام والمسلمين وضد محاولات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السلميّة لم ييأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تحقيق السلام

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٧٨.

٣٣٢

فقد كان يريد ـ واقعا ـ أن يعالج المشكلة من طريق المفاوضات ، ومن طريق تغيير التصورات التي كان يحملها اشراف قريش وسادتها المتعنتين المتصلبين عن رسول الله ودعوته.

ومن هنا كان يجب هذه المرّة أن يختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا لم تخض يده في دماء قريش ، ولهذا لم يصلح « علي بن أبي طالب » ولا « الزبير » ولا غير هم من فرسان الاسلام وشجعانه الذين جالدوا صناديد قريش في ميادين القتال وأردوا فريقا منهم صرعى ، لمثل هذه السفارة ، وهذه المهمة.

ولهذا تقرر ـ بعد التأمل. انتداب « عمر بن الخطاب » لهذه المهمة ، أي الذهاب الى مكة ، والتحدث الى سادة قريش ، ورؤسائها ، لأنه لم يكن قد أراق من المشركين حتى ذلك اليوم ولا قطرة دم ، ولكن « عمر » اعتذر عن تحمل هذه المسئولية ، والقيام بهذه المهمة المحفوفة بالمخاطر قائلا : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عديّ ( وهم عشيرته ) من يمنعني ، ولكني ادلّك على رجل أعزّ بها مني ، « عثمان بن عفان ». ( لكونه أمويا بينه وبين أبي سفيان زعيم قريش قرابة )(١) .

فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « عثمان بن عفان » فبعثه إلى « أبي سفيان » وأشراف قريش ، ليخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه انما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته.

فخرج عثمان الى مكة ، فلقيه « أبان بن سعيد بن العاص » حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلّغ رسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانطلق « عثمان » حتى أتى أبا سفيان وأشراف قريش فبلغهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أرسله به ، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ،

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣١٥.

٣٣٣

فامتنع عثمان عن الطواف احتراما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم إن قريشا احتبست عثمان عندها ، ولعلّهم فعلوا ذلك ريثما يتوصلوا إلى حلّ ثم يطلقوه ليبلّغ الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأيهم.

بيعة الرضوان :

إلاّ أن إبطاء مبعوث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن العودة من مكة أوجد قلقا شديدا في نفوس المسلمين ، خاصّة وأنه شاع أن عثمان قد قتل ، فثارت ثائرة المسلمين ، واستعدّوا للانتقام من قريش وعمد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا إلى مخاطبتهم قائلا :

« لا نبرح حتى نناجز القوم ».

وذلك تقوية لارادة المسلمين ، وتحريكا لمشاعرهم الطاهرة.

وفي هذه اللحظات الخطيرة ، وفي ما كان الخطر على الابواب ، وبينما لم يكن المسلمون متهيئين للقتال قرر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجدّد بيعته مع المسلمين.

فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرة ، وأخذ أصحابه يبايعونه على الاستقامة والثبات والوفاء واحدا واحدا ، ويحلفون له أن لا يتخلوا عنه أبدا ، وأن يدافعوا عن حياض الإسلام حتى النفس الأخير ، وقد سمّيت هذه البيعة ببيعة « الرضوان » التي جاء ذكرها في قوله تعالى :

«لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً »(١) .

فاتضح موقف المسلمين بعد هذه البيعة ، فإمّا أن تسمح لهم قريش بدخول مكة لزيارة بيت الله المعظّم ، وإمّا أن تتصلّب في موقفها الرافض فيكون بينهم

__________________

(١) الفتح : ١٨.

٣٣٤

القتال والحرب(١) .

وبينما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الحال اذ طلع عليهم « عثمان بن عفان » ، وكان ذلك بنفسه طليعة سلام كان يريده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأخبر عثمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الذي يمنع قريشا من السماح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدخول مكة هو اليمين التي الزموا بها انفسهم أن لا يدعوه يدخل مكة هذا العام وانهم سيبعثون إليه من يتفاوض معه بهذا الشأن.

سهيل بن عمرو يفاوض رسول الله :

بعثت قريش ـ في المرة الخامسة ـ « سهيل بن عمرو » الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كلّفته بانهاء المشكلة ضمن شروط خاصّة سنقرؤها في ما يأتي.

فأقبل « سهيل بن عمرو » على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.

فلما انتهى « سهيل » إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكلّم في المسألة كما يتكلّم أي دبلوماسيّ بارع ، فقال وهو يحاول إثارة عواطف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحاسيسه :

يا أبا القاسم إن مكة حرمنا وعزّنا ، وقد تسامعت العرب بك إنك قد غزوتنا ومتى ما تدخل علينا مكة عنوة تطمع فينا فنتخطّف ، وإنا لنذكّرك الحرم ، فان مكة بيضتك التي تفلّقت عن رأسك.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فما تريد »؟

__________________

(١) ولقد كان لهذه البيعة في نفسها أثرا سياسيا مهما في نفس العدو ، يقول الواقدي : فلما رأت عيون قريش سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتدّ رعبهم وخوفهم وأسرعوا إلى القضية ( ج ٢ ص ٦٠٤ ). وراجع امتاع الاسماع : ج ١ ص ٢٩١ أيضا.

٣٣٥

قال : اريد أن أكتب بيني وبينك هدنة على أن اخلّيها لك في قابل(١) فتدخلها ، ولا تدخلها بخوف ولا فزع ، ولا سلاح إلاّ سلاح الراكب ، السيف في القراب.

فقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعقد مثل هذا الصلح.

وهكذا أدّت مفاوضات « سهيل » مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عقد صلح شامل وواسع بين قريش وبين المسلمين.

ولقد تشدد « سهيل » في شروط هذا الصلح كثيرا ، حتى كاد أن ينتهي هذا التشدّد إلى قطع المفاوضات أحيانا ، ولكن حيث إن الطرفين كانا يرغبان في الصلح والموادعة ، لهذا كانا يستأنفان التحاور والتفاوض مرة اخرى ، بعد كلّ أزمة تطرأ على المباحثات.

وأخيرا انتهت مفاوضات الجانبين ـ رغم كل ما أبداه مندوب قريش من التصلّب ـ الى عقد وثيقة موادعة وهدنة نظّمت في نسختين ووقع عليها الجانبان.

ويروي كافّة المؤرخين وأرباب السير أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استدعى عليّاعليه‌السلام ، وامره أن يكتب تلك الوثيقة قائلا له : اكتب « بسم الله الرحمن الرحيم » فكتب « عليّ » ذلك فقال سهيل : لا أعرف هذا ، ولكن أكتب : باسمك اللهم!!

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اكتب : باسمك اللهم وامح ما كتبت.

ففعل « علي » ذلك.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أكتب « هذا ما صالح عليه رسول الله سهيل بن عمرو ».

فقال سهيل ، لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة فامح هذا الاسم واكتب : محمّد بن عبد الله ( أو قال : لو شهدت انك رسول الله لم اقاتلك.

__________________

(١) أي افرغ لك مكة في العام القادم لتدخلها.

٣٣٦

ولكن أكتب اسمك واسم ابيك ).

ولم يرض بعض من حضر من المسلمين في هذه النقطة بأن يرضخ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمطالب « سهيل » الى هذه الدرجة ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يلاحظ مصالح عليا غفل عنها ذلك البعض كما سنذكرها فيما بعد رضي بمطلب « سهيل » ، وقال لعليّعليه‌السلام : امحها يا عليّ.

فقال عليّعليه‌السلام بأدب بالغ : يا رسول الله إن يديّ لا تنطلق لمحو اسمك من النبوة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فضع يدي عليها ، فمحى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده كلمة : رسول الله نزولا عند رغبة « سهيل » مفاوض قريش(١) .

ان التسامح الذي أبداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تنظيم وثيقة الصلح هذه لا يعرف له نظير في تاريخ العالم كله ، لأنه اظهر بجلاء أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقع فريسة بيد الاهواء والاغراض الشخصية والعواطف والاحاسيس العابرة ، وكان يعلم أن الحقائق لا تتبدّل ولا تتغيّر بالكتابة والمحو ، من هنا تسامح مع مفاوض قريش « سهيل » الذي تصلّب في مطاليبه غير المشروعة كثيرا ، حفاظا على أصل الصلح. وحرصا على السلام.

التاريخ يعيد نفسه :

ولقد ابتلي عليعليه‌السلام تلميذ النبي الأول بمثل هذه التجربة المرّة بعد

__________________

(١) الارشاد : ص ٦٠ ، اعلام الورى : ١٠٦ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٦٨ وقد اخطأ الطبري في هذا المقام اذ قال : في احدى رواياته لهذه الحادثة : قال لعلىعليه‌السلام : امح « رسول الله » ، قال : لا والله لا أمحاك أبدا فأخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس يحسن يكتب فكتب مكان « رسول الله » : محمّد.

وهكذا نسب الكتابة إلى شخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن نعلم انه أمي لا يحسن الكتابة ، وقد حققنا هذه المسألة في المجلد الثالث من موسوعة مفاهيم القرآن ٣١٩ ـ ٣٧٤.

٣٣٧

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فيوم امتنع عليعليه‌السلام عن محو كلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يا عليّ إنّك أبيت أن تمحو اسمي من النبوّة فو الّذي بعثني بالحق نبيّا لتجيبنّ أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد »(١)

ولقد بقيت هذه القضية في ذاكرة عليّعليه‌السلام ، حتى إذا كان يوم « صفين » وخدع أصحاب الامام عليّعليه‌السلام بالاسلوب الماكر الذي اتبعه جيش الشّام الذي قاتل عليّاعليه‌السلام بقيادة معاوية بن أبي سفيان ومساعدة عمرو بن العاص ، وأجبروا الامامعليه‌السلام على عقد الصلح مع معاوية فشكّل الجانبان لجنة لتنظيم وثيقة ذلك الصلح ، كلّف « عبيد الله بن رافع » كاتب الامام من جانب الامام عليّعليه‌السلام بأن يكتب وثيقة الصلح ، فكتب :

« هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي » قال عمرو بن العاص ممثل معاوية في تلك المفاوضات : لو علمنا أنك أمير المؤمنين لم ننازعك!!

وهكذا طالب عمرو بن العاص بحذف عبارة أمير المؤمنين.

وطال الكلام والتشاجر في هذا الموضوع ، ولم يكن الامام علي يريد ان يعطي حجة للبسطاء من أصحابه ، ولهذا لم يرضخ لهذا المطلب ، ولكنه بعد إلحاح من أحد قادة جيشه سمح بأن يمحى لقب « أمير المؤمنين » من اسمه ثم قال : « الله اكبر سنة بسنة ».

وهو بذلك يشير إلى حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له يوم الحديبية(٢) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٣٨ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٣.

(٢) الكامل في التاريخ : ج ٣ ص ١٦٢ ، راجع المصدر لتقف على القصة بكاملها ولتقف على ما دار بين الامام وابن العاص.

٣٣٨

نصّ صلح الحديبية :

وأخيرا عقدت اتّفاقية صلح وهدنة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقريش تضمنت المواد والشروط التالية :

١ ـ تعهّد المسلمون ، وقريش بترك الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس ، ويكف بعضهم عن بعض.

٢ ـ من أتى محمّدا من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم ، ومن جاء قريشا ممّن مع محمّد لم يردّوه عليه.

٣ ـ من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده ( أي يتحالف معه ) دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.

٤ ـ انّ محمّدا يرجع بأصحابه إلى المدينة عامه هذا ولا يدخل مكة ، وانما يدخل مكة في العام القابل في أصحابه فيقيم فيها ثلاثة أيام ، لا يدخل فيها بسلاح إلاّ سلاح المسافر ، السيوف في القرب(١) .

٥ ـ أن لا يستكره أحد على ترك دينه ويعبد المسلمون الله بمكة علانية وبحرية ، وان يكون الاسلام ظاهرا بمكة وان لا يؤذي أحد ولا يعيّر(٢) .

٦ ـ لا إسلال ( سرقة ) ولا إغلال ( خيانة ) بل يحترم الطرفان أموال الطرف الآخر ، فلا يخونه ولا يسرق منه(٣) .

٧ ـ أن لا تعين قريش على محمّد وأصحابه أحدا بنفس ولا سلاح(٤) .

هذا هو نص وثيقة « صلح الحديبية » ، وقد جمعنا بنوده من المصادر المتنوعة

__________________

(١) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٢١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٢.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ص ١١٧ أو : « من قدم مكة من أصحاب محمّد حاجّا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ، ومن قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو الشام فهو آمن على دمه وماله ».

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٢.

٣٣٩

التي أشرنا الى بعضها في الهامش ، وقد كتبت هذه الوثيقة في نسختين ، ثم وقع عليها جماعة من شخصيات قريش ، والمسلمين وشهدوا عليها واعطيت نسخة الى « سهيل بن عمرو » ممثل قريش ، وتركت نسخة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نشيد الحرية :

لقد كان كل عاقل لبيب يحسن تقدير الامور يسمع نشيد الحريّة من ثنايا هذا الصلح التاريخيّ ، ومع أن كل بنود هذه المعاهدة جديرة بالاهتمام والاكبار ، إلاّ أن النقطة التي تستحق الاهتمام والتقدير أكثر من سواها هي المادّة الثانية في هذا الصلح ، وهي المادّة التي أزعجت بعض الصحابة يوم انعقاد تلك المعاهدة.

فقد انزعج صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا التمييز الصارخ ، وقالوا حول قرار القيادة الحكمية المتمثلة في قائد محنّك كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان ينبغي أن لا يقولوه ، في حين تعتبر هذه المادة من أعظم بنود الوثيقة إذ تعكس نظرة رسول الاسلام ، وتفكيره حول كيفيّة تبليغ الاسلام ، وإشاعته ونشره ، فانه يظهر منها ـ وبجلاء ـ مدى احترام رسول الاسلام لمبدإ الحرية.

ولقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معرض الاجابة على من اعترض من صحابته على البند القاضي بتسليم كل مسلم فرّ من قريش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين إلى قريش ، دون العكس قائلا :

« من جاءهم منّا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الاسلام من قلبه جعل له مخرجا ».

وأراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الذي يهرب من جماعة المسلمين ويلجأ إلى المشركين فلا قيمة لإيمانه وإسلامه ، إذ أن ذلك يدل على أنه لم يؤمن بهذه الدين حق الإيمان فلا داعي لأن يعاد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533