ولم يتميّز صدام بذكاء خارق، ولم يكن في حاجة إليه، وهو يلتحق بحزب البعث، لكنّه كان الأعنف في عصابة لا يقوم فكرها إلاّ على العنف، والأكثر دمويّةً في حزب لا ينهض إلاّ على الجماجم والدم، كما يعلن نشيده الّذي يردده البعثيّون.
وسرعان ما صعد صدام إلى المواجهة متخطيّاً كل الّذين كان من الممكن أن ينافسوه أو يتجاوزوه، بعد أن أحكم سيطرته على الأجهزة المتنفذّة في الحزب، سيّما الأمنيّة منها. قتل البعض وخوّف البعض وتآمر على البعض. لم يعد له من منافس داخل الحزب، فلم يأت عام ١٩٧٥ حتى كان صدام نائباً لرئيس الجمهوريّة ورجل الحزب القوي والموجّه لسياساته في الداخل والخارج.
لم يبق أمامه إلاّ أحمد حسن البكر مجرّداً من كل عناصر القوّة. كان صدام يتّخذ القرارات، ومهمّة البكر التوقيع عليها لتصدر باسمه من حيث الشكل، وإذا كان في هذه القرارات ما يثير الناس أو يغضبهم، أسرع جهاز صدام الإعلاميّ الضخم إلى الاستفادة من هذه الفرصة وإلقاء التهمة على البكر وتشويه صورته.
كأنّ يداً خبيثة كانت ترفع به إلى الواجهة...
أصبح البكر مجرّد لوحة تقرأ فيها تأريخ الانقلاب أو ديكوراً بلغة هذه الأيّام. كان مراقباً في كل نشاطه، حتى داخل بيته، فاللاقطات المنتشرة في كل أنحاء البيت والمكتب تنقل لصدام كل ما يتفّوه به البكر مع أهله أو من بقي من أصحابه حين يلتقي بهم.
انتهى الرجل الّذي ولد في تكريت عام ١٩١٤ ووصل رتبة عميد في الجيش العراقي وأصبح رئيس الوزراء في انقلاب ١٩٦٣، والّذي حنث باليمين الّذي أقسم عليه يوماً لعبد السلام عارف بأنّه لن يشارك في أيّ عمل سياسي يقوم به حزب البعث
وبدأ صدام العمل لإزاحة البكر نهائيّاً عن المسرح السياسي. لقد أستنفده تماماً ولم يعد بحاجة إليهم حتى من الناحية الشكليّة، وربّما العكس.
واقتربت أيام تموز: موعد الاحتفالات بذكرى ثورة الرابع عشر منه للشعب العراقي و١٧ منه للبعثيين. واتسع الهمس وانتشر: أنّ صدام سيتولى رئاسة الجمهوية بدلاً من البكر.