وأنزل أطفال ونساء وشيوخ، كانوا يدفعون من السيارات فيسقطون أرضاً، يمسح الدم هذا وينفض التراب ذاك.
وحين استدار الرتل للعودة، لم ينسوا أن يودّعوا ضيوفهم بأقسى الألفاظ وأقبحها.
الوقت ظهر والأرض غريبةٌ على هؤلاء البؤساء لا يعرفون سالكها ولا اتّجاههم فيها. صحراءٌ لا معالم فيها تهدي السائرين وترشدهم، إلاّ أن يكونوا من مكان تلك المنطقة. والشوك ينتشر هنا وهناك لا يستطيع السائر أن يتجنّبه، لقد أرهقهم طول الطريق في سيارات كبيرة خشنة، وهاهم يعانون عذاب الصحراء بعد عذاب المخابرات.
ليس معهم ماء ولا طعام. لم يكن عندهم علمٌ بهذا السفر فلم يتزوّدوا بشيء منهما، أو ربما أراد بعضهم فمنعته المخابرات.
وبدأ الأطفال يتضوّرون من الجوع والعطش. إنهم أطفال لا يحتملون الجوع والعطش ولا يصبرون عليهما، لكن ماذا بيد الكبار، وليسوا أقلّ شعوراً بالجوع والعطش. ماذا سيقولون للأطفال الّذين بدأوا يتساقطون من الضعف والإعياء؟! هل ينفع ما يقولون لهم؟! ماذا يفهم الأطفال من لغة الكبار: الخوف على الجبهة الداخلية والرتل الخامس والخميني؟!
قالت زينب وهي تتطلّع إلى أمّها بوجه شاحب وعينين ذابلتين إنّي جائعةٌ يا أمّي. هل من شيء آكله؟! لِمَ لم تحملي معك شيئاً؟! ألست جائعةٌ مثلي؟! هل أخذوا طعامنا معهم، أولئك الذين ركبوا معنا في السيارات وكانوا يحملون المسدّسات. لماذا يحملون المسدّسات؟! أخوفاً منّا؟! إننا لا نحمل شيئاً.
ردّت الأم وهي تحاول أن تعيد الطمأنينة لابنتها، بابتسامة تتكلّفها: ستأكلين قريباً يا حبيبتي. سنصل قريباً، وهي لا تعلم أين هي ولا إلى أين تتّجه.
وغير بعيد عنهما كانت عاتكة الأكبر قليلاً من زينب تسأل أمّها: ماما ما الطابور الخامس؟! لقد سمعت الضابط الّذي كان معنا في السيارة يقول، إنّنا طابور خامس. ماذا يعني الطابور الخامس، ماما؟
قالت الأم: لا أدري بالضبط يا بنتي.
أظنّهم يعنون أننّا جواسيس. لقد سمعتهم يقولون ذلك عنّا، وهم يأخذوننا إلى السيارات فجر اليوم. لقد حكموا علينا قبل أن يحاكمونا.