الشهيد مسلم بن عقيل

الشهيد مسلم بن عقيل30%

الشهيد مسلم بن عقيل مؤلف:
الناشر: مؤسسة البعثة
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 186

  • البداية
  • السابق
  • 186 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65710 / تحميل: 7770
الحجم الحجم الحجم
الشهيد مسلم بن عقيل

الشهيد مسلم بن عقيل

مؤلف:
الناشر: مؤسسة البعثة
العربية

١

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا

محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم

أجمعين إلى قيام يوم الدين

١ - المؤلف:

مؤلف هذا الكتاب هو: « العلوي النسيب، الفاطمي الحسيب، المخلص في ولائه لآل الرسول، المتفاني في حبهم، والمتهالك في مسيرهم، العلامة المعاصر حجة الاسلام والمسلمين، السيد عبد الرزاق المقرّم الموسوي النجفي »(١) الذي يصل نسبه الكريم بثلاثة وعشرين ظهرا إلى الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام .

ولد المؤلف في سنة ١٣١٦ هـ في النجف الأشرف في بيت علم وتقوى وسيادة(٢) .

جده لأمّه هو السيد حسين المتوفى سنة ١٣٣٤ هـ، وخاله هو السيد أحمد المتوفى سنة ١٣٣٤ هـ، وكانا من علماء زمانهما. وأبوه، السيد محمد المتوفى ١٣٥١ هـ، كان كثير الاعتكاف في مسجد الكوفة.

وكانت أمه من نساء زمانها الصالحات، وقد توفيت سنة ١٣٧٠ هـ.

درس المغفور له على جده السيد حسين وعلى علماء عظام مثل: الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء ( ت: ١٣٦٦ هـ )، والسيد محسن الحكيم ( ت: ١٣٩٠ هـ )، وآقا ضياء الدين العراقي ( ت: ١٣٦١ هـ )، والسيد أبو الحسن الاصفهاني ( ت: ١٣٦٥ هـ )، والشيخ محمد حسين النائيني ( ت: ١٣٥٥ هـ )، والشيخ محمد جواد البلاغي ( ت: ١٣٥٢ هـ )، والشيخ محمد حسين الاصفهاني ( ت: ١٣٦١ هـ )، والشيخ عبد الرسول الجواهري ( ت: ١٣٨٩ )، والشيخ حسين الحلي والسيد أبو القاسم الخوئي - دام ظله -. ولقد كان لثلاثة من اساتذته، وهم الشيخ محمد جواد

__________________

١) كما وصفه بذلك سماحة العلامة السيد شهاب الدين المرعشي النجفي - دام ظله - في تقديمه على كتاب « علي الاكبرعليه‌السلام » للمؤلفقدس‌سره طبعة قم ١٤٠١ هـ.

٢) أرّخ المرحوم شيخ آقا بزرگ الطهراني في كتابه « الذريعة » سنة ولادته بـ ١٤١٢ هـ كما جاء في كتاب « معجم مؤلفي الشيعة » تأليف الشيخ على الفاضل النجفي، ص ٤٠٠، غير أن التاريخ الذي ورد المتن منقول من المقدمة التي كتبها نجل المؤلف لكتاب « مقتل الحسينعليه‌السلام » طبع بيروت سنة ١٣٩٩ هـ، وهو أصح.

٢

البلاغي، والشيخ محمد حسين الاصفهاني، والشيخ عبدالرسول الجواهري، تأثير بالغ في نفس مؤلفنا الجليل.

كان المرحوم العلامة السيد عبدالرزاق المقرم يكن حبا عميقا لآل بيت العصمة والطهارةعليهم‌السلام ، ولقد انعكس هذا الحب الشديد في آثاره العلمية التي خلفها الفقيد. وإليكم بعض تلك الآثار:

١ - « زيد الشهيدعليه‌السلام ».

٢ - « مقتل الحسينعليه‌السلام ».(٣)

٣ - « المختار بن أبي عبيد الثقفي ».

٤ - « السيدة سكينةعليها‌السلام ».

٥ - « الصديقة الزهراءعليه‌السلام ».

٦ - « علي الاكبرعليه‌السلام ».

٧ - « الشهيد مسلم بن عقيلعليه‌السلام ».(٤)

٨ - « الامام زين العابدينعليه‌السلام ».

٩ - « الامام الرضاعليه‌السلام ».

١٠ - « الامام الجوادعليه‌السلام ».

١١ - « قمر بني هاشم، العباسعليه‌السلام ».

١٢ - « يوم الاربعين عند الحسينعليه‌السلام ».

١٣ - « سر الايمان في الشهادة الثالثة » ( وهو بحث في الشهادة بولاية أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في الأذان ».

١٤ - « محاضرات في الفقه الجعفري ».

وجميع هذه الكتب قد طبعت. أما كتبه التي لم تطبع بعد فهي:

١ - « المنقذ الأكبر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

٢ - « الحسن بن عليعليه‌السلام ».

٣ - « عاشوراء في الاسلام ».

٤ - « الأعياد في الاسلام ».

٥ - « زينب العقيلةعليها‌السلام ».

٦ - « ميثم التمار ».

٧ـ « أبو ذر الغفاري ».

__________________

٣) ترجم هذين الكتابين إلى الفارسية الشيخ عزيز الله عطاردي وطبعتهما « انتشارات جهان ».

٤) الكتب الاربعة الأخيرة ترجمها إلى الفارسية حسن طارمي ونشرتها « انتشارات ميقات ».

٣

٨ - « عمار بن ياسر ».

٩ - « نقل الأموات في الفقه الاسلامي ».

١٠ - « نقد التاريخ في المسائل الست ».

١١ - « حلق اللحية ».

١٢ - « ربائب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

١٣ - « لكني والألقاب ».

١٤ - « حاشية على كفاية الاصول ».

١٥ - « حاشية على المكاسب للشيخ الانصاري ».

١٦ - « نوادر الآثار ».

١٧ - « يوم الغدير ».

وقد كان المرحوم المقرم،علاوة على تأليفاته المذكورة،يتعاون مع الكثيرين ممن كانوا يتصدون لطبع كتب الشيعة القديمة،ويكتب لها المقدمات والتعليقات القيمة. من ذلك:

١ - « دلائل الامامة » للطبري الامامي.

٢ - « الامالي » للشيخ المفيد.

٣ - « الخصائص » للسيد الرضي.

٤ - « الملاحم » لابن طاووس.

٥ - « فرحة الغري » للسيد عبد الكريم بن طاووس.

٦ - « إثبات الوصية » للمسعودي.

٧ - « الكشكول » للسيد حيدر الآملي.

٨ - « بشارة المصطفى » لعماد الدين الطبري.

٩ - « الجمل » للشيخ المفيد.

١٠ - « طرف من الانباء والمناقب » لابن طاووس.

وكان العلامة السيد عبدالرزاق المقرم يقيم كل سنة عددا من المجالس في مواليد المعصومين ووفياتهم - صلوات الله عليهم أجمعين - وقد ضم كتابه « نوادر الآثار » طائفة من القصائد التي ألقيت في تلك المجالس، كما نشرت طائفة أخرى منها في عدد من كتبه المطبوعة. وله أبيات في التوسل بأهل بيت الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتمسك بأذيالهم، منها هذان البيتان يخاطب بهما أبا الفضل العباسعليه‌السلام :

أبا الفضل يا نور عين الحسين

ويا كافل الظعن يوم المسير

أتعرض عني وأنت الجواد

وكهف لمن بالحمي يستجير

وفي ١٧ محرم الحرام من سنة ١٣٩١ هـ وافى الأجل العلامة السيد عبدالرزاق المقرم فانتقل

٤

إلى دار البقاء عن عمر قضاه في خدمة آل البيتعليهم‌السلام وإحياء ذكرهم الكريم.

وقد أرخ لوفاته الشيخ أحمد الوائلي في قصيدة رثاه بها فقال:

« رحت عبدالرزاق للرزاق » ( ١٣٩١ هـ )(٥)

٢ - هذا الكتاب:

هذا الكتاب واحد من آثار مؤلفنا الفقيد الخالدة عن أول شهيد من قافلة شهداء كربلاء العظام، وسفير سيد الشهداءعليه‌السلام ونائبه، مسلم بن عقيلعليه‌السلام .

مقدمة الكتاب تتناول حياة أبي طالب ( جد مسلم ) وحياة عقيل. ويتناول الكتاب نفسه سيرة حياة نائب الامام الحسينعليه‌السلام فيورد نقاطا لم تذكر من قبل عن حياة مسلمعليه‌السلام ويبحثها بكل دقة وتمحيص ويسير مع مسيرته خطوة خطوة. وفي غضون ذلك يحقق في مواضيع أخرى، مثل « الطيرة في المنظور الاسلامي »، وغير ذلك من الدروس الأخلاقية والإجتماعية، يتطرق إليها ضمن كلامه على حركة مسلم بن عقيل (ع) التاريخية.

لقد طبع هذا الكتاب قبل سنوات عديدة في النجف الأشرف. واليوم أعيد طبعه بحلة قشيبة، بعد تصحيح الأغلاط المطبعية السابقة بقدر الإمكان.

نسأل الله تعالى أن يحشر روح المؤلف الرفيعة مع مواليه المعصومين الأربعة عشر - صلوات الله عليهم أجمعين - وأن يزيد من توفيقنا في نشر المعارف القرآنية العظيمة وسير العترة الطاهرة. إنه سميع مجيب.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله والأئمة المعصومين، ولا سيما مولانا وصاحبنا بقية الله في الأرضين.

قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة

محرم الحرام ١٤٠٧ هـ

__________________

٥) لمعرفة المزيد عن حياة العلامة السيد عبدالرزاق المقرم وآثاره يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:

١ - مقالة للشيخ محمد هادي الأميني نشرت في مجلة « العدل » طبع النجف، العدد ١٧ بتاريخ ١٤ شعبان ١٣٩١.

٢ - مقدمة آية الله المرعشي النجفي لكتاب « علي الأكبر » طبع قم ١٤٠١ هـ

٣ - « معجم مؤلفي الشيعة » ص ٤٠٠.

٤ - « الذريعة » ٧ / ١١٩ و ١٢١ و ١٢٣ و ١٧ / ١٦٧ و ٢٢ / ٣٢ و ٢٤ / ٤٣٠ و ٢٥ / ١٣٥.

٥ - مقدمة السيد محمد حسين المقرم، نجل الفقيد لكتاب « مقتل الحسينعليه‌السلام »، طبع بيروت ١٣٩٩ هـ.

وقد اعتمدنا هذه المقدمة كأهم مصدر استقينامه ما جاء في هذا المختصر.

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام : «اني أحب عقيلا حبين حبا له وحبا لحب أبي طالب له وان ولده لمقتول في محبة ولدك تدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون » ثم بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال «إلى الله تعالى أشكو ما تلقى عترتي من بعدي ».

الأمالي للشيخ الصدوق

٦

٧

المقدمة

بيت أبي طالب:(١)

لقد كان بيت أبي طالب موطد الأساس بالنبوات، مرفوعة معالمه بخلافة الكبرى، وكانت آصرة النبوة ضاربة فيه من آدم إلى شيث إلى نوح إلى إبراهيم إلى إسماعيل الذبيح إلى ما تناسل منه ممن دان بالتوحيد وكانت له الوصاية في المحافظة على نواميس الأنبياء، وإنك لا تجد أحدا من عمود النسب الوضاح الذي يقف عنده الحديث النبوي(٢) إلا آخذا بأعضاد الشرف والسودد، حاملا للحنيفيّة البيضاء دين السلام، والوئام، وشرعة الخليل إبراهيمعليه‌السلام .

وان الوقوف على بعض ما ذكره التأريخ في حق هؤلاء الرجال يشهد لهذه الدعوى المدعومة بالوجدان، فكان « عدنان » يصارح في خطبته بأن فيمن يتناسل منه النبي الكريم خاتم الرسل أجمعين، الداعي الى كلمة الحق ورسالة الصدق ثم أوصى باتباعه.

ولكن ولده « معد » على نهجه أمر الله تعالى « أرميا » أن يحمله على البراق كيلا تصيبه نقمة بختنصر، وعرّفه بأنه سيخرج من صلبه نبيا يكون خاتم الأنبياء فحمله

__________________

١) طبعت هذه المقدمة في كتاب العباسعليه‌السلام ولنفاد النسخ رغب جماعة في إعادتها حرصا على الفائدة.

٢) في مناقب ابن شهر آشوب ج١ ص١٠٦ وكشف الغمة للاربلي ص٦: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا بلغ نسبي الى عدنان فأمسكوا. وكأن السر فيه أن ما فوق عدنان من الأسماء مما يتعاصى نطق العامة بها نظرا الى غرابتها فلا يؤمن معه من التصحيف فيسبب الوهن في ساحة جلالتهم والخفة في مقدارهم وقد ولد الرسول الأعظم ووصيه أمير المؤمنين المقدم - صلى الله عليهما وعلى آلهما أجمعين -.

٨

إلى أرض الشام إلى أن هدأت الفتنة(٣) .

وكان نور النبوة يشع في جبهة « نزار »(٤) ، وورد النهي عن سب ربيعة ومضر والياس لكونهم مؤمنين، والياس أول من أهدى البدن الى البيت الحرام، وأول من ظفر بمقام إبراهيم، وقد أدرك « مدركة بن الياس » كل عز لآبائه وفي جبهته نور النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساطع، وكان « كنانة » بن خزيمة بن مدركة يجاهر بالدعوة الى دين « الخليل » ورفض عبادة الاصنام، وأنّ من صلبه نبيا يدعو إلى البر والإحسان ومكارم الأخلاق.

و « فهر بن مضر » كانت العرب تهابه لجمعه خصال الخير والنور اللائح على أسارير جبهته، ولانتصاره على حسان بن عبد كلال حين جاء من اليمن لأخذ أحجار الكعبة ليبني بها بيتا باليمن يزوره الناس فأسر حسان وانهزمت حمير وبقي حسان في الأسر ثلاث سنين، ثم فدى نفسه بمال كثير وخرج فمات بين مكة والمدينة.(٥)

ولم يزل كعب بن لؤي يذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعلم قريشا بأنه من ولده، ويأمر باتباعه، وفي المأثور من كلامه: زينوا حرمكم وعظموه وتمسكوا به ولا نفارقوه فسيأتي له نبأ عظيم وسيخرج منه نبي كريم، ثم قال:

نهارٌ وليلٌ واختلاف حوادث

سواءٌ علينا حلوها ومريرها

يؤبان بالأحداث حتى تأوَّبا

وبالنعم الضافي علينا ستورها

على غفلة بأتي النبي محمد

فيخبر أخباراً صدوقاً خبيرها

ثم قال:

يا ليتني شاهد فخواء دعوته

حين العشيرة تبغي الحق خذلاناً(٦)

إن هذه السلسلة هي التي أنتجت قصيا فعبد مناف(٧) فهاشما فعبد المطلب ثم

__________________

٣) السيرة الحلبيّة ج١ - ص ٢٠.

٤) الروض الأنف للسهبلي ج١ - ص٨.

٥) السّيرة الحلبية ج١ - ص٩ وص١٩.

٦) صبح الأعشى ج١ - ص٢١١.

٧) كان اسمه عبدا ثم أضيف إليه مناف لأنه أناف على الناس وعلا أمره حتى ضربت إليه الركبان من أطراف الأرض فقيل عبد مناف، وهو الصحيح كما في اثبات الوصية للمسعودي ص٧٥، فما في السيرة النبوية لإبن دحلان من أن أمه أخدمته صنما اسمه مناف لا يعبأ به لأنه لم يكن من الأصنام اسمه مناف وإنما الموجود « مناة » بالتاء المثناة من فوق، ومن هنا كان ابن الكلبي يقول في كتاب الاصنام ص ٣٢: لا أدري أين

٩

عبدالله وأبا طالب ومنهما أشرق الكون بخاتم الأنبياء وسيد الأوصياء - صلوات الله عليهم أجمعين -.

والذي يجب الهتاف به أن كل واحد من عمود النسب غير مدنس بشيء من رجس الجاهلية، ولا موصوم بعبادة وثن، وهو الذي يرتضيه علماء الحق لكونهم صديقين بين أنبياء وأوصياء، وقد نزههم الله سبحانه في خطابه لنبيه الأقدس: «وتقلبك في الساجدين » فانه أثبت لهم بلفظ الجمع المحلى باللام السجود الحق الذي يرتضيه لهم.

وأن ما يؤثر عنهم من الأشياء المستغربة عندنا لابد وأن تكون من الشريعة المشروعة لهم أو يكون له معنى تظهره الدراية والتنقيب.

وليس آزر الذي كان ينحت الأصنام، وكاهنة نمرود أبا ابراهيمعليه‌السلام الذي نزل من ظهره لأن أباه اسمه تارخ، وآزر إما أن يكون عمه كما يرتئيه جماعة المؤرخين، واطلاق الأب على العم شائع على المجاز وبه جاء الكتاب المجيد: «إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق » فأطلق على إسماعيل لفظ الأب ولم يكن أبا يعقوب وإنما هو عمه كما أطلق على إبراهيم لفظ الأب وهو جده.

وإما أن يكون آزر جد إبراهيم لامه كما يرتئيه المنقبون والجد للأم أب في الحقيقة ومما يؤيد أنه غير أبيه قوله تعالى: «وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر » فميّزه باسمه ولو أراد أباه الذي نزل من ظهره لاستغنى باضافة الابوة عن التسمية بآزر.

كل ذلك مضافا الى مصارحة الرسول الكريم بطهارة آبائه عن رجس الجاهلية وسفاح الكفر فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

« لما أراد الله تعالى أن يخلقنا، صورنا عمود نور في صلب آدم فكان ذلك النور في جبينه ثم انتقل الى وصية شيث، وفيما أوصاه ألا يضع هذا النور الإلهي إلاّ في أرحام المطهرات من النساء ولم تزل هذه الوصية معمولا بها يتناقلها كابر عن كابر فولدنا الأخيار من الرجال والخيّرات المطهرات المهذبات من النساء حتى انتهينا إلى صُلب

__________________

كان هذا الصنم ولمن كان ومن نصبه، ومنه نعرف الغلط في قول البرقي والزبير كما في الروض الأنف ج١ - ص٦: أن أمه أخدمته « مناة » بالتاء المثناة فسمي عد مناة ولكن رآه قصي يوافق عبد مناة بن كنانة فحوله عبد مناف فإنه لا شاهد عليه، والصحيح ما عليه المسعودي.

١٠

عبد المطلب فجعله نصفين نصف في عبدالله فصار الى آمنة ونصف في أبي طالب فصار إلى فاطمة بنت أسد ».(٨)

ولم يزل هذا الحال كما وصفناه حتى أقبل دور شيخ الأبطح أبي طالب وورده أمير المؤمنين والإمامين السطين سيدي شباب أهل الجنة والأئمة من ولد سيد الشهداء حتى يقف العدد على ناموس الدهر وولي الأمر في كل عصر عجل الله فرجه.

ههنا يقف اليراع عن تصوير عظمة هذا البيت المنيع، ويرتج على الكاتب ويعي الشاعر، فإن حقيقة القداسة بين طرفي النبوة والإمامة التي جمعها هذا البيت لم تدع مسرحا لقائل أو متسعا لواصف لتقاعس القدرة البشرية عن نعت ما هو فوق مستواها، ولا يمكنها الخبرة بحقائق أنوار عالم الملكوت.

نعم لها الاضافة في مقدار ما يمكنها من التوصل اليه ولو في الجملة من أنه بيت نبوة وإمامة، بيت علم ودين، بيت عز وسؤدد.

بيت علا سمك الضراح رفعة

فكان أعـلا شرفا وأمنعا

أعزّه الله فما تهـبط فـي

كعبته الأملاك إلا خضعا

بيت من القدس وناهيك به

محط أسرار الهدى وموضعا

فكان مأوى المرتجي والملتجي

فما أعز شأنه وأمنعا(٩)

وهذه الصفات الكريمة هي التي أهلت أبا طالبعليه‌السلام لحمل أعباء الوصاية عن الأنبياءعليهم‌السلام بعد أن تلقاها عن أبيه عبد المطلب الذي كان وصيا من الأوصياء، وقارئا للكتب السماوية، كما أخبر أبو طالب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك إذ قال له: كان أبي يقرأ الكتب جميعا، وقال: إن من صلبي نبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به فمن أدركه من ولدي فليؤمن به(١٠) .

وكان أبو طالب كأبيه « شيبة الحمد » عالما بما جاء به الأنبياء وأخبروا به أممهم من حوادث وملاحم لأنه وصي من الأوصياء، وأمين على وصايا الأنبياء حتى سلمها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١١)

__________________

٨) هذا حاصل أحاديث ذكرها المجلسي في البحار ج٦ - ص٦ وج٩ - ص٨.

٩) من قصيدة للعلامة الحجة السيد محمد حسين الكيشوانرحمه‌الله .

١٠) البحار ج٩ - ص٣١.

١١) مرآة العقول ج١ - ص٣٦٢.

١١

وفي ذلك يقول درست بن منصور لأبي الحسن موسىعليه‌السلام :

أكان رسول الله محجوجا بأبي طالب؟ قالعليه‌السلام : « لا ولكن كان مستودع الوصايا فدفعها إلي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قلت: دفعها على أنه محجوج به؟ قالعليه‌السلام : « لو كان محجوجا به ما دفعها اليه » قلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال:عليه‌السلام : « أقر بالنبي وبما جاء به حتى مات ».(١٢)

وقال شيخنا المجلسي - أعلا الله مقامه -:

أجمعت الشيعة على أن أبا طالب لم يعبد صنما قط، وأنه كان من أوصياء ابراهيمعليه‌السلام ، وحكى الطبرسي إجماع أهل العلم على ذلك، ووافقه ابن بطريق في كتاب الاستدراك(١٣)

وقال الصّدوق:

كان عبد المطلب، وأبوطالب من أعرف العلماء، وأعلمهم بشأن النبي، وكانا يكتمان ذلك عن الجهال والكفرة(١٤) .

وممّا يشهد على ذلك، الحديث الصحيح عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« والله ما عبد أبي، ولا جدي عبد المطلب، ولا عبد مناف، ولا هاشم صنما، وإنما كانوا يعبدون الله، ويصلون إلى البيت على دين إبراهيم متمسكين به ».(١٥)

 ويقول أبو الحسن الرضاعليه‌السلام :

« كان نقش خاتم أبي طالب: رضيت بالله ربا وبابن أخي محمّد نبيّاً وبابني علي وصيا له »(١٦) .

 مضافا إلى أن قريشا لما أبصرت العجائب ليلة ولادة أمير المؤمنينعليه‌السلام خصوصا لما أتوا بالآلهة إلى جبل أبي قبيس ليسكن ما حل بهم ارتج الجبل، وتساقطت

__________________

١٢) البحار ج٩ - ص٢٩.

١٣) المصدر.

١٤) إكمال الدين ص١٠٢.

١٥) المصدر ص١٠٤.

١٦) الدرجات الرفيعة للسيد علي خان بترجمة أبي طالب.

١٢

الأصنام، ففزعوا إلى أبي طالب لأنه مفزع اللاجي وعصمة المستجير، وسألوه عن ذلك فرفع يديه مبتهلا الى المولى - جل شأنه - قائلا: إلهي أسألك بالمحمدية المحمودة، والعلوية العالية، والفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة فسكن ما حل بهم. وعرفت قريش فضل هذه الأسماء قبل ظهورها، فكانت العرب تكتب هذه الأسماء وتدعو بها عند المهمات وهي لا تعرف حقيقتها(١٧) .

ومن هنا اعتمد عليه عبد المطلب في كفالة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخصه به دون سائر بنيه وقال:

وصّيتُ من كنّيته بطالـب

عبد مناف(١٨) وهو ذو تجارب

با ابن الحبيب أكرم الأقـارب

بابن الذي قد غـاب غيـر آب

فقال أبو طالب:

لا توصِني بلازمٍ وواجبِ

إني سمعت أعجب العجائب

من كل حبر عالم وكـاتب

بأن بحمد الله قـول الراهب

فقال عبد المطلب: أنظر يا أبا طالب أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه، ولم يذق شفقة أمه، أنظر أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك فإني قد تركت بني كلهم، وخصصتك به، فانصره بلسانك ويدك ومالك، فإنه والله سيسودكم ويملك ما لا يملك أحد من آبائي، هل قبلت وصيتي؟ قال: نعم قد قبلت، والله على ذلك شاهد.

فقال عبد المطلب: مد يدك، فمد يده وضرب عبد المطلب بيده على يد أبي -

__________________

١٧) روضة الواعظين للقتال ص٦٩.

١٨) إختلف في إسم أبي طالب على أقوال أربعة: الأول: اسمه شيبة حكاه السيوطي في شرح شواهد المغني ص ١٣٥ مصر، الثاني: اسمه عمران حكاه ابن حجر في الإصابة ج٤ ص١١٥ بترجمته، الثالث: كنيته حكاه الحكام النيسابوري في المستدرك ج٣ ص١٠٨، عن محمد بن إسحاق، الرابع اسمه عبد مناف نص عليه ابن حبيب في المحبر ص١٦ والطبري في التاريخ ج٦ ص٨٩، وابن الاثير في الكامل ج٣ ص١٥٨، وأبو الفدا في المختصر ج١ ص١٧٠، وحكاه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص٨٤ عن ابن معين، والنويري في نهاية الأرب ج٢ ص٣٤١، والسيوطي في شرح الشواهد المغني ج١ ص١٣٥، وابن قتيبة في المعارف ص٨٨، وعند ابن حجر في الإصابة: أنه المشهور، وفي عمدة الطالب ص٥ نجف هو الصحيح وبذلك نطقت وصية أبيه عبد المطلب فإنه قال:

أوصيك يا عبد منافٍ بعدِي

بواحد بعد أبيه فرد

وقال أيضاً:

وصيت من كنيته بطالـب

عبد مناف وهو ذو تجارب

١٣

طالب ثم قال عبد المطلب: الآن خفف عليّ الموت، ولم يزل يقبله ويقول: أشهد أني لم أر أحدا أطيب ريحا منك ولا أحسن وجها(١٩) .

لم ينص عبدالمطلب عليه بالوصية لمحض أنه شقيق أبيه عبدالله فلقد كان الزبير يشارك أبا طالب في ذلك وإنما هو لكفايته لتلك المرتبة القدسية فقد صاغه المهيمن سبحانه متأهلا لحمل النواميس الإلهية « شديد بأعباء الخلافة كاهله ».

فاجتمعت فيه القابلية الذاتية والمعدات المفاضة عليه من سلفه الطاهر ومن الأوصياء الماضين وتأكدت بمصاحبة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آناء الليل وأطراف النهار فلا يكاد يفارقه آنا ما وبمشهد منه الإرهاصات النبوية والإفاضات الإلهية المكهربة للمواد اللائقة.

فرح أبو طالب بهذه الخطوة من أبيه العطوف، وراح يدخر لنفسه السعادة الخالدة بكفالة نبي الرحمة، فقام بأمره، وحماه في صغره بماله وجاهه من اليهود، والعرب، وقريش، وكان يؤثره على أهله ونفسه وكيف لا يفعل هذا وهو يشاهد من ابن أخيه ولما يبلغ التاسعة من عمره هيكل القدس يملأ الدست هيبة، ورجاحة أكثر ضحكه الابتسام، ويأنس بالوحدة أكثر من الاجتماع، وإذا وضع له الطعام والشراب لم يتناول منه شيئا إلا قال: باسم الله الأحد، وإذا فرغ من الطعام حمد الله وأثنى عليه، وإن رصده في نومه شاهد النور يسطع من رأسه إلى عنان السماء(٢٠) .

وكان يوما معه بذي المجاز فعطش أبوطالب، ولم يجد الماء فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى صخرة هناك، فركله برجله فنبع من تحتها الماء العذب(٢١) ، وزاد على ذلك توفر الطعام في بيته حتى أنه يكفي الجمع الكثير إذا تناول النبي منه شيئا(٢٢) .

وهذا وحده كاف في الإذعان بأن أبا طالب كان على يقين من نبوة ابن أخيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضف الى ذلك قوله في خطبته لما أراد أن يزوجه من خديجة:

« وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل »(٢٣) .

وكان يقول في وصيته لقريش عند الوفاة:

__________________

١٩) مرآة العقول ج١ ص٣٦٨.

٢٠) مناقب ابن شهر آشوب.

٢١) السيرة الحلبية ج١ ص١٣٩.

٢٢) المصدر.

٢٣) المصدر.

١٤

« يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب، واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيبا إلا أحرزتموه، ولا شرفا إلا أدركتموه، فلكم به على الناس الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب وإلى حربكم إلب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البينة فإن فيها مرضاة للرب، وقواما للجأش، وثباتا للوطأة، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها؛ فان صلة الرحم منسأة للأجل وزيادة في العدد، واتركوا البغي والعقوق ففيهما شرف الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة؛ فإن فيهما محبة للخاص ومكرمة للعام.

واني اوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين في قريش والصديق في العرب كأني أنظر الى صعاليك العرب وأهل الوبر الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدّقوا كلمته، وعظموه، فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا، ودورها خرابا، وأعظمهم عليه أحوجهم اليه، وأبعدهم أقربهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصغت له فؤادها وأعطته قيادها.

دونكم يا معشر قريش المحافظة على ابن أخيكم وكونوا له ولاة ولحزبه حماة؛ والله لا يسلك أحد منكم سبيله إلا سعد، ولا يأخذ بهديه إلا رشد، ولو كان للنفس مدة، وللأجل تأخير لكفيت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهي.

وأنشد:

أوصي بنصر النبي الخيـرُ مشهـدُهُ

عليا ابنـي وشيخ القوم عباسا

وحمـزة الأسد الحامي حقيقتـه

وجعفـرا أن يذودا دونه الناسا

كونوا فداء لكم أمي وما ولدت

في نصر أحمد دون الناس أتراسا(٢٤)

ولمّا جاء العباس إلى أبي طالب يخبره بتألب قريش على معاداته قال له:

__________________

٢٤) الدرجات الرفيعة للسيد علي خان بترجمة أبي طالب، واختصر هذه الوصية في تاريخ الخميس ج١ ص٣٣٩، وطراز المجالس للخفاجي ص٢١٧، وثمرات الأوراق للحموي بهامش المستطرف ج٢ ص١٠، وبلوغ الأرب ج١ ص٣٢٧ ط أول، وأسنى المطالب لزيني دحلان ص٥.

١٥

« إن أبي أخبرني أن الرسول على حق ولا يضره ما عليه قريش من المعادات له، وإن أبي طان يقرأ الكتب جميعا وقال: إن من صلبي نبيا لوددت أني أدركته فآمنت به فمن أدركه فليؤمن به(٢٥) ».

واستشهاده بكلمة أبيه القارئ للكتب الإلهية مع أنه كان يقرؤها مثله، يدلنا على تفننه في تنسيق القياس، وإقامة البرهان على صحة النبوة وأن الواجب اعتناق شريعته الحقة.

أما هو نفسه فعلى يقين من أن رسالة ابن أخيه خاتمة الرسالات،وهو افضل من تقدمه قبل أن يشرق نور النبوة على وجه البسيطة، ولم تجهل لديه صفات النبي المبعوث، وعلى هذا الأساس أخبر بعض أهل العلم من الأحبار حينما أسر إليه بأن ابن أخيه الروح الطيبة والنبي المطهر على لسان التوراة والإنجيل فاستكتمه أبو طالب الحديث كي لا يفشو الخبر، ثم قال له: إن أبي أخبرني أنه النبي المبعوث وأمر أن أستر ذلك لئلا يغرى به الأعادي ولو لم يكن معتقدا صدق الدعوة لما قال لأخيه حمة لما أظهر الإسلام(٢٦) :

فصبراً أبا يعلَى علىَ دينِ أحمـد

وكـن مظهرا للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالدين من عند ربه

بصـدق وحق لا تكن حمز كافرا

فقد سريي إذ قلت أنك مؤمـن

فكـن لرسول الله في الله ناصرا

وناد قريشا بالذي قد أتيته

جهارا وقل: ما كان أحمد ساحرا

وقال رادا على قريش(٢٧) :

ألم تعلموا أنا وجدنا مـحـمـدّاً

نبيا كموسى خط في أول الكتب

وقال(٢٨) :

وأمسى ابن عبدالله فيننا مصدّقـا

على سخط من قومنا غير معتب

وقال(٢٩) :

__________________

٢٥) الحجة على الذاهب ص٦٥.

٢٦) المصدر ص٧١.

٢٧) خزانة الأدب للبغدادي ج١ ص٢٦١.

٢٨) الحجة على الذاهب ص٤٥.

٢٩) شرح النهج الحديدي ج٣ ص٣١٣.

١٦

أمين محبٌّ فِي العبـادِ مسوَّمٌ

بخاتمِ ربٍّ قاهـرٍ للخواتمِ

يَرى النّاسَ برهانـاً عليه وهيبةً

ومَا جاهلٌ فِي فعلـهِ مثلُ عالـمِ

نبيٌّ أتاهُ الوحيُ مِن عندِ ربهِ

فمن قالَ لاَ، يقـرع بهَا سنَّ نادمِ

ومما خاطب بها النجاشي:

تعلم خيـار الناس أن محمدا

وزير لموسى والمسيح ابن مريم

أتى بالهدى مثل الذي أتيا به

فكل بأمر الله يهدي ويعصم

وإنكم تتلونـه في كتابكم

بصدق حديث لا حديث المترجم

فلا تجعلـوا لله نـدا وأسلموا

فإن طريـق الحـق ليس بمطلم

وقال(٣٠) :

اذهب بني فما عليك غضاضة

اذهب وقر بذاك منك عيونا

والله لن يصلوا اليك بجمعهـم

حتى أوسدفي التـراب دفينا

ودعوتني وعلمت أنك ناصحي

وصدقت ثم وكنت قبل أمينا

وذكرت دينا لا محالة أنـه

من خير أديان البرية دينـا

وبعد هذه المصارحة هل يخالج أحدا الريب في إيمان أبي طالب؟ وهل يجوز على من يقول إنا وجدنا محمدا كموسى نبيا إلا الإعتراف بنبوته والإقرار برسالته كالأنبياء المتقدمين؟ وهل يكون إقرار بالنبوة أبلغ من قوله « فأمسى ابن عبدالله فينا مصدقا »؟، وهل فرق بين أن يقول المسلم: أشهد أن محمدا رسول الله وبين أن يقول(٣١) :

وإن كان أحمد قد جاءهم

بصـدق ولم يتهم بالكذب

أو يعترف الرجل بأن محمدا كموسى وعيسى جاء بالهدى، والرشاد مثل ما أتيا به، ثم يحكم عليه بالكفر؟، وهل هناك جملة يعبر بها عن الاسلام اصرح من قول المسلم:

وذكرت دينا لا محالة أنه

من خير أديان البرية دينا

__________________

٣٠) أورد الأبيات الزمخشري في الكشاف ج١ ص٤٤٨ طع سنة ١٣٠٨، وابن دحلان في السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية ج١ ص٩٧ طبع سنة ١٣٢٩، وأوردها ابن أبي الحديد في شرح النهج ج٣ ص٣٠٦ باختلاف يسير، وفي خزانة الأدب للبغدادي ج١ ص٢٦١، والإصابة ج٤ ص١١٦، وبلوغ الأرب ج٢ ص٣٢٥ طب سنة ١٣٤٢ ذكر البيت الثالث والرابع، وفي السيرة الحلبية ج١ ص٣١٣ البيت الثاني، وفي تاريخ أبي الفدا ج١ ص١٢٠ ثلاثة ابيات باختلاف يسير.

٣١) شرح النهج لابن أبي الحديد ج٣ ص٣٠٩.

١٧

 كلاّ، ولو لم يعرف أبوطالب من ابن أخيه الصدق فيما أخبر به لما قال له بمحضر قريش ليريهم من فضله، وهو به خبير، وجنانه طامن: يا ابن أخي الله أرسلك؟ قال؟ « نعم »، قال أبو طالب: إن للأنبياء معجزة وخرق عادة فأرنا آية، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عم ادع تلك الشجرة وقل لها: يقول لك محمد بن عبدالله: اقبلي بإذن الله » فدعاها أبو طالب فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم أمرها بالإنصراف فانصرفت.

فقال أبوطالب: أشهد أنك صادق، ثم قال لابنه: « يا علي الزمه. »(٣٢) وفي بعض الأيام رأى عليا يصلي مع النبي فقال له: يا بني ما هذا الذي أنت عليه؟، قال: يا آبة آمنت بالله وبرسوله وصدّقت بما جاء به ودخلت معه واتبعته، فقال أبوطالب:

أما أنه لا يدعوك إلا إلى خير فالزمه(٣٣) .

وهل يجد الباحث بعد هذا ملتحدا عن الجزم بأن شيخ الأبطح كان معتنقا للدين الحنيف، ويكافح طواغيت قريش حتى بالصلاة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان أهمله فريق من المؤرخين رعاية لما هم عليه من حب الوقيعة في أبي طالب ورميه بالقذائف حنقا على ولده أمير المؤمنينعليه‌السلام ، الذي لم يتسن لهم أي غميزة فيه، فتحاملوا على أمه وأبيه إيذاء له وإكثارا لنظائر من يرمون إكباره، وإجلاله ممن سبق منهم الكفر، وحيث لم يسعهم الحط من كرامة النبي والوصي، عمدوا إلى أبويهما الكريمين فعزوا إليهما الطامات، وستروا ما يؤثر عنهما من الفضائل إيثارا لما يروقهم إثباته.

يشهد لذلك ما ذكره بعض الكتاب عند ذكره أسرى بدر فانه قال: وكان من الأسرى عم النبي وعقيل ابن عمه ( أخو علي )(٣٤) .

فلو كان غرضه تعريف المأسور لكان في تعريف عقيل بأنه ابن عم النبي كفاية كما اكتفى في تعريف العباس به، ولم يحتج أن يكتب بين قوسين ( أخو علي ) وأنت تعرف المراد من ذكر هذه الكلمة بين القوسين، والى أي شيء يرمز بها الكاتب، ولكن فاته الغرض، وهيهات الذي أراد ففشل.

ثم جاء فريق آخر من المؤرخين يحسبون حصر المصادر في ذوي الأغراض

____________

٣٢) الحجة على الذاهب ص٢٥.

٣٣) تاريخ الطبري ج٢ ص٢١٤.

٣٤) تاريخ الأمة العربية للمقدادي ص٨٤ مطبعة الحكومة بغداد سنة ١٩٣٩م.

١٨

المستهدفة، وأن ما جاؤا به حقائق راهنة فاقتصروا على مروياتهم مما دب ودرج، وفيها الخرافات وما أوحته إليهم الأهواء والنوايا السيئة ومن هنا أهملت حقائق ورويت أباطيل.

فعزوا إلى أبي طالب قوله: إني لا أحب أن تعلوني أستي(٣٥) ، ثم رووا عنه أنه قال لرسول الله: ما هذا الدين؟ قال رسول الله:

« دين الله ودين ملائكته ورسله ودين أبينا إبراهيم بعثني الله به الى العباد، وأنت أحق من دعوته الى الهدى وأحق من أجابني »

فقال أبو طالب: إني لا أستطيع أن أفارق ديني ودين آبائي، والله لا يخلص اليك من قريش شيء تكرهه ما حييت(٣٦) .

فحسبوا من هذا الكلام أن أبا طالب ممن يعبد الأوثان، كيف وهو على التوحيد أدل، وجوابه هذا من أنفس التورية، وأبلغ المحاورة، فإن مراده من قوله لرسول الله عقيب قوله أنت أحق من دعوته: « إني لا أستطيع أن أفارق ديني ودين آبائي ». الاعتراف بايمانه وأنه باق على حنيفية إبراهيم الخليل التي هي دين الحق ودينه ودين آبائه. ثم زاد أبوطالب في تطمين النبي بالمدافعة عنه مهما كان باقيا في الدنيا.

نعم من لا خبرة له بأساليب الكلام وخواص التورية يحسب أن أبا طالب أراد بقوله: إني لا افارق ديني - الخ، الخضوع للأصنام فصفق طربا واختال مرحا.

وجاء آخر يعتذر عنه بأن شيخ الأبطح كان يراعي بقوله هذا الموافقة لقريش ليتمكن من كلائة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمشية دعوته.

نحن لاننكر أن أبا طالب كان يلاحظ شيئا من ذلك ويروقه مداراة القوم للحصول على غايته الثمينة كي لا يمس كرامة الرسول سوء لكنا لا نصافقهم في كل ما يقولونه من انسلاله عن الدين الحنيف انسلالا باتا، فإنه خلاف الثابت من سيرته حتى عند رواة تلكم المخزيات ومهملي الحقائق الناصعة حذرا عما لا يلائم خطتهم فلقد كان يراغم الطواغيت بما هو أعظم من التظاهر بالإيمان والإئتمام بالصلاة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

٣٥) السيرة الحلبية ج١ ص٣٠٦.

٣٦) الطبري ج١ ص٢١٣ وابن الأثير ج٢ ص٢١.

١٩

وانّ شعره الطافح بذكر النبوة والتصديق بها سرت به الركبان وكذلك أعماله الناجعة حول دعوى الرسالة.

ولولا أبو طالب وابنه

لما مثل الدين شخصا فقاما

فذاك بمكـة آوى وحامـا

وهذا بيثرب جس الحماما

تكفل عبد مناف بأمر

وأودى فكـان علي تماما

فلله ذا فاتح للهدى

ولله ذا للمعـالـي ختامـا

وما ضر مجـد أبي طالب

عـدو لغى وجهول تعامى

وخلاصة البحث أن أبا طالب حلقة الوصل بين سلسلة الوصاية عن الرسل الماضين حتى أوصلها إلى النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما تنتهي به الحلقات الغابرة فإن بولده أمير المؤمنين تبتدى سلسلة الخلافة المحمدية ثم تتواصل في بينه الأطهرين حتى تنتهي الى حجة العصر وناموس الدهر الحجة المهدي المنتظر عجل الله فرجه.

فبيت أبي طالب بيت ضرب على النبوة سرادقه، وبني على الوصاية أطرافه، ونيطت بالدين أطنابه، وأسدل على العلم سجافه ووطدت على التقوى أوتاده.

إذا فما ظنك بمن ضمه هذا البيت وتربى فيه فهل يعدوه أن يكون إما داعية إلى الهدى أو مهذبا للبشر أو معلما للنواميس الإلهية أو هاديا إلى سبل السلام أو قائدا إلى الصالح العام.

نعم لا يجوز أن يكون من حواه هذا البيت إلا كما وصفناه بعد أن كان نصب عينه الأعلام الالهية وملء اذنه الوحي والإلهام، وحشو فؤاده نكت من عالم الغيوب ومعه التمارين المسعدة والتعاليم المصلحة.

وقد لبى هتاف الدعوة الالهية زوج شيخ الأبطح التي شهد لها الرسول الأمين بأنها من الطاهرات الطيبات المؤمنات في جميع أدوار حياتها، والعجب ممن اغترّ بتمويه المبطلين فدوّن تلك الفرية زعما منه أنها من فضائل سيد الأوصياء وهي: أن فاطمة بنت أسد(٣٧) دخلت بيت الحرام حاملة بعلي بن أبي طالب فأرادت أن تسجد لهبل

__________________

٣٧) في نهاية الارب للنويري ج٢ ص٣٤١ هي بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وهي أول هاشمية تزوجت هاشميا، وعند ابن جرير الطبري في التاريخ ج٦ ص٨٩، وابن الأثير في الكامل ج٣ ص١٥٨، وأبو الفداء في المختصر ج١ ص١٧٠، وابن كثير في البداية ج٧ ص٣٣٢ كما في النهاية.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

فالإمام الحسينعليه‌السلام هو باب الله، وهو وسيلة الرحمة الإلهية، وهو الصراط المستقيم الذي ندعو الله يومياً أن يهدينا إليه.

فإن تعرف الإمام الحسينعليه‌السلام بانّه ابن أمير المؤمنين الإمام عليٍّعليه‌السلام ، وابن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأنّه سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهيد كربلاء، وغريب الغرباء، فتلك معرفة جيدة، ولكنها لا تقع في الدرجة الأولى من درجات المعرفة، فمن أراد السموّ إلى الدرجات العلا والثواب الأكبر فعليه أن يعرف الإمام الحسينعليه‌السلام حقّ المعرفة.

وقد ورد بسندٍ معتبر عن بشير الدهّان قال: قلت للصادق (صلوات الله وسلامه عليه): ربما فاتني الحج، فأعرف عند قبر الحسينعليه‌السلام ؟

قال:« أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسين (صلوات الله عليه) عارفاً بحقه في غير يوم عيد كُتب له عشرون حجّة، وعشرون عمرة مبرورات متقبلات، وعشرون غزوة مع نبيٍّ مرسل وإمام عادل. ومَن أتاه في يوم عرفة عارفاً بحقه كُتب له ألف حجة، وألف عمرة مبرورات متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل وإمام عادل » (١) ، إلى غير ذلك من الثواب والدرجة.

التقوى والورع شرط الولاية

إنّ من يريد الوصول إلى الهدف المنشود فعليه أن يبحث ويسير وفق الطريق الصحيح، وحتّى الرغبة في الوصول إلى أهل البيت (عليهم الصلاة والسّلام) بحاجة إلى تحديد الطريق الصحيح من الطريق المنحرف.

وبين هذا وذاك نجد - وللأسف الشديد - من يمنّي نفسه بالفوز بمرضاة الله رغم ارتكابه أنواع الكبائر، تحت طائلة أنّه يحب أهل البيتعليهم‌السلام ،

____________________

(١) مفاتيج الجنان - فضائل زيارة الحسين في يوم عرفة.

١٦١

شأنه في ذلك شأن فرقة المرجئة التي أسسها أو قوّمها بنو اُميّة في إطار مساعيهم الشيطانيّة لإخماد حركة المجتمع نحو الحق والحريّة؛ فقد كانت تلك الفرقة تعتقد بأنّ التفوّه بالشهادتين، والاعتقاد برسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأداء بعض التكاليف كفيل بضمان الجنّة حتّى وإن تخلّل ذلك ارتكاب الكبائر والموبقات من الذنوب.

وتستدل تلك الفرقة على ما ذهبت إليه ببعض الآيات والشبهات. ولكنّ الأئمّة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) في مقابل ذلك عارضوا هذه العقيدة التي سيطرت آنذاك على عقول كثير من المسلمين، عارضوها بكل قوّة، وعملوا دون تمييع الحدود التي رسمها الله سبحانه وتعالى بين المؤمنين وغير المؤمنين؛ فقالوا مراراً وتكراراً، وبشكل أو بآخر بأنّ الإيمان قول وعمل، وأكّدوا بأنّ الإيمان عمل كلّه والقول منه، بمعنى أنّ القول وإعلان الإيمان ليس إلاّ عملاً واحداً من جملة أعمال الإيمان.

وقالوا أيضاً: إنّ مرتكب الكبيرة لدى ارتكابه المعصية يبتعد عن روح الإيمان، وأيّة قيمة للإيمان من الممكن بقاؤها مع إنسان لا يجد في نفسه مانعاً يمنعه عن ارتكاب الكبائر من الكذب، والفجور، والظلم، وقتل الآخرين، بل وما فائدة الإيمان؟ ولماذا إذاً خلق الله عزّ وجلّ النار ورسم العدالة؟!

إنّ بعض الناس الذين يدّعون الإيمان وحبّ وموالاة أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكنهم في الوقت ذاته تتّحد عقيدتهم مع عقيدة المرجئة، فيقولون بعدم التناقض بين الإيمان والظلم، أو الفجور أو التقاعس عن أداء التكاليف الدينية، إنّ هؤلاء ينبغي أن يعرفوا بأنّ الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام قضية أساسية من قضايا الرسالة الإلهية، ومن لا يتّبع تعاليم أهل البيتعليهم‌السلام حريٌّ به أن تُسلب

١٦٢

منه هذه الولاية؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم:( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَآءُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِاَيَاتِ اللَّهِ ) (الروم/١٠).

والتكذيب بآيات الله من الممكن أن يأخذ صبغة عملية عبر ارتكاب المآثم والموبقات والكبائر وهجر التكاليف الشرعية، كما قد يأخذ التكذيب بآيات الله صبغة مباشرة عبر عدم الاعتراف بها والكفر بها جهاراً.

فالذي لا يطيع أوامر الله والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه الأئمةعليهم‌السلام من بعده من شأنه أن يموت كافراً، ومن شأنه أيضاً أن يحرم من ولاية الله والرسول والأئمة، وذلك هو الخسران المبين.

ولقد كرّر الإمام أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام قوله لشيعته:« أبلغ (الراوي)موالينا عنّا السلام، وأخبرهم أنّا لا نغني عنهم من الله شيئاً إلاّ بعمل، وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلاّ بعمل أو ورع » (١) .

فمن يقل بأنّه موالٍ للأئمةعليهم‌السلام ويعيش بين الموالين هو الآخر معرّض إلى الانزلاق نحو المفاسد، ومن ثمّ سيتبيّن له الخطل فيما ادّعاه؛ وذلك لأنّ الأئمةعليهم‌السلام أنفسهم لا يعترفون بتشيّع إنسان ما لم يتبعهم بما أمروه به ونهوه عنه.

وإنّها لخطيئة كبرى وخسارة عظمى أن يتصور الإنسان أن موالاة أهل البيتعليهم‌السلام مجرّد المحبة وإحياء الذكرى؛ لأنّ الولاية بمعناها الكامل والصحيح هي طاعة الله، وطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والاعتراف بحقّ آل البيتعليهم‌السلام ، والسير على نهجهم الذي لم ولن يختلف أبداً عن تعاليم القرآن.

ومن نماذج النقص في الولاية للأئمةعليهم‌السلام أن نرى البعض منهمكاً في التحدّث عن فضائلهم ومناقبهم وتأريخهم، ولكنّه في الوقت ذاته يقصّر في

____________________

(١) بحار الأنوار ٢ / ٢٨.

١٦٣

التعرّف إلى الحكمة الإلهية من وجود الأئمّةعليهم‌السلام ، أو تنصيبهم زعماء للدين من دون الناس، ويقصّر أيضاً في معرفة فقههم ومعارفهم الإلهية؛ فتراه - تبعاً لذلك - يجادل في كل صغيرة وكبيرة مجادلةً تنبع من عدم التسليم لآراء الأئمّةعليهم‌السلام ، مع علمه واعترافه بعصمتهم ومنزلتهم من القرآن والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فمَن قال بإمامة الحسين بن علي وسائر الأئمة المعصومينعليهم‌السلام يتوجّب عليه اتّباع كلماتهم، فلا يجهلها أو يتجاهلها، أو يفسّرها حسب هواه وأغراضه.

ومن جملة ما يروى في هذا الإطار أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام سأل رجلاً من أتباعه - ولعله فضيل بن يسار - قائلاً:« كيف تسليمك لنا يا فضيل؟ » .

فأجاب: يابن رسول الله، لو أخذتَ تفّاحة وقسمتها قسمين، وقلْت هذا القسم حلال وهذا حرام فأنا لا أقول: لماذا؟ بل أقول: سلّمت.

وكان من قبله سلمان المحمدي؛ حيث أُثر عنه أنّه كان يقتفي أثر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيضع قدمه في موضع قدم الإمامعليه‌السلام ، فهو كان يرغب بالتعبير عن اتّباعه وتسليمه لأمير المؤمنينعليه‌السلام حتّى في هذا المجال وبهذه الطريقة …

آفاق الولاية

بعد أن نتجاوز خطيئة المرجئة وقشرية السلفية بالنسبة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وبعد أن نتوجّه إلى العمق، أقول كلمة، وأعتقد بأنّها مهمّة للغاية، وهي: إنّ الإنسان حينما يحب ويتبع الأئمةعليهم‌السلام يجب أن تتنامى في قلبه محبّة أولياء ومحبّي الأئمّةعليهم‌السلام ؛ إذ لا يجوز العيش في رحاب أهل البيتعليهم‌السلام مع رفض أوليائهم ومحبّيهم، ويتبع ذلك عدم صحّة البحث عن المعاذير لذلك الرفض أو الطرد أو الكره.

١٦٤

ويروى في هذا المجال عن محمّد بن علي الصوفي قال: استأذن إبراهيم الجمّالرضي‌الله‌عنه على أبي الحسن عليّ بن يقطين الوزير فحجبه، فحجّ عليُّ بن يقطين في تلك السنة، فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفرعليه‌السلام فحجبه، فرآه ثاني يومه، فقال عليُّ بن يقطين: يا سيدي، ما ذنبي؟!

فقال:« حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال، وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمّال » .

فقلت: سيدي ومولاي، مَن لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت، وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟!

فقال:« إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك، واركب نجيباً هناك مسرجاً » .

قال: فوافى البقيع وركب النجيب، ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمّال بالكوفة، فقرع الباب وقال: أنا عليُّ بن يقطين.

فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدار: وما يعمل عليُّ بن يقطين الوزير ببابي؟!

فقال عليُّ بن يقطين: يا هذا، إنَّ أمري عظيم! وآلى عليه أن يأذن له، فلمّا دخل قال: يا إبراهيم، إنَّ المولىعليه‌السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي.

فقال: يغفر الله لك.

فآلى عليُّ بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خدّه، فامتنع إبراهيم من ذلك، فآلى عليه ثانياً ففعل، فلم يزل إبراهيم يطأ خدّه وعليُّ بن يقطين يقول: اللَّهمَّ اشهد. ثمَّ انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفرعليه‌السلام بالمدينة، فأذن له ودخل عليه فقبله(١) .

إذاً فالقضية حادّة ومهمّة للغاية، لا سيما وأنّ الشيطان قد أكثر من مزالقه ومهاويه ليوقع بها بين الناس؛ لذلك نرى البعض يكيل التهم

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٨ / ٨٥.

١٦٥

والأكاذيب للعلماء والكتّاب والمجاهدين العاملين، وبأعصاب باردة، غافلاً أو متغافلاً عن أنّ ما يجترحه بلسانه من غيبة أو إشاعة للفحشاء أو قول بغير حقٍّ أو افتراء على شيعة أهل البيتعليهم‌السلام من شأنه أن يبعده عن أهل البيتعليهم‌السلام فيلقيه على رأسه في جهنم.

مسؤولياتنا تجاه الولاية

من الممكن أن نعبّر عن مسؤوليتنا تجاه الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام بعدة أبعاد ونقاط، وهي:

١ - أن نعرف أهل البيتعليهم‌السلام حقّ المعرفة؛ فنعرف مقامهم ومنزلتهم، وأنّهم خلفاء الله في الأرض، وأنهم أسماؤه الحسنى … ونستطيع ذلك من خلال الأدعية والزيارات المأثورة، فلنكن على تواصل دائم معهم عبر قراءة الزيارات الشريفة الواردة بحقهم، من قبيل زيارة عاشوراء، ولنعوّد أنفسنا على زيارة أضرحة الأئمةعليهم‌السلام وأولادهم ما أمكن.

٢ - معرفة كلماتهم؛ وعليه فإنّ القراءة الواعية للكتب التي احتوت آثارهم؛ مثل نهج البلاغة، والصحيفة السجّادية، وتحف العقول لها الأثر الأكبر في تعميق المعرفة بسنّة أهل البيت (صلوات الله عليهم).

٣ - معرفة مسيرتهم العملية والاقتداء بها؛ ولذلك كان لزاماً علينا البحث عن الكتب والمقالات والمحاضرات الخاصّة بهذا الشأن.

٤ - الاتّباع والاقتداء بهم.

٥ - الدفاع عنهم، فربّنا العلي القدير يقول:( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) ، ونصرة الله تكون عبر نصرة دينه، وإنّ أوّل من يمثل الدين هو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته، وأهل بيتهعليهم‌السلام وسيرتهم

١٦٦

ومبادئهم، وهذا يعني الذبّ عن شخصياتهم المقدسة ما امكن؛ فلندافع عن أئمتناعليهم‌السلام بالعمل الصالح، وإنشاء المشاريع، وكتابة الكتب وغير ذلك.

٦ - محبّة أولياء آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وحمايتهم والدفاع عنهم، وليكن الشعار الأوّل في هذا المضمار ما نقرأه في زيارة المعصومينعليهم‌السلام ، حيث جاء:« اِنّي سِلْمٌ لِمَن سالمكم، وحربٌ لمَن حاربكم، ووليٌّ لمَن والاكم، وعدوٌّ لمَن عاداكم » (١) .

نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المنتصرين لدينه، وأن لا يستبدل بنا غيرنا، وأن يجعلنا مع الحسينعليه‌السلام فنواليه ونتّبعه، ونعرفه وندافع عنه. وندعوه تبارك وتعالى أن يرفع الضيم عن أتباع أهل البيتعليهم‌السلام أينما كانوا، وأن يجعل كلمتهم هي العليا، وكلمة أعدائهم السفلى، إنّه وليّ التوفيق.

____________________

(١) مفاتيح الجنان - زيارت الإمام الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء / ٤٥٧.

١٦٧

الشعائر الحسينيّة اُسلوباً ومحتوىً

ترى لماذا نحيي في كلِّ عام شعائر الإسلام في ذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ ولماذا تتجدد هذه الذكرى مع مرور السنين، وتتسع في كل عام، وتنتشر عبر آفاق جديدة؟

هذا السؤال ليس سؤالاً فقهياً أو علمياً محضاً، بل هو سؤال واقعي يعيشه كل إنسان مسلم. وللإجابة عليه نقول: إنّ هذه الواقعة يعيشها كل قلب، وكل فطرة، وكل نفس بشرية.

وقد طرح عليّ هذا التساؤل اثنان من المستشرقين الالمان قائلين: لماذا يتغيّر كل شيء عندكم أيها الشيعة إذا اقترب هلال محرم، لا بضغط من حكومة، ولا بمال من غني، ولا بإعلام قوي، بل بشكل عفوي، في حين أنّكم تعتقدون بقول نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله :« مداد العلماء خير من دماء الشهداء »، فلماذا ترفعون راية الحسين بينما يقرّر رسولكم أن مداد العلماء خير من دماء الشهداء؟

سر خلود الثورة الحسينيّة

وعندما أجبتهما على هذا السؤال قلت لهما: أوّلاً: إنّ الحسينعليه‌السلام ليس شخصاً، بل هو قضية، وقيمة، ومدرسة، ومنهج، ومسيرة؛

١٦٨

فهوعليه‌السلام كالنبي إبراهيم الذي كان يمثّل اُمّة، وكان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين؛ ولذلك فإنّ جميع أتباع الديانات السماوية يقدّسون هذا الرجل؛ لانه جسّد قيمة التوحيد، ورفع راية (لا إله إلاّ الله)، فتحوّل إلى قيمة؛ ولذلك قرّر القرآن الكريم أنّه كان اُمّة، واستجاب له الله سبحانه وتعالى عندما قال:( وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) (الشعراء/٨٤).

وكما أنّ إبراهيمعليه‌السلام جسّد قيمة، فإنّ الحسينعليه‌السلام قد جسّد قيمة هو الآخر؛ فقد استشهد في سبيل العدل والحق، ومن أجل الدين والحرية. ومن المعلوم أنّ هذه القيم ثابتة، فلا يمكن أن يأتي زمان لا نحتاج فيه إلى الدين والعدالة والحرية؛ فالحق هو فلسفة الحياة، بل هو الحياة نفسها، وبدونه لا يمكن ان تستمر. وكما أنّ قيمة الدين والعدالة والحرية والحقّ وسائر القيم المقدسة مستمرة، فإنّ قضية الإمام الحسينعليه‌السلام مستمرة هي الاُخرى.

وفي القسم الثاني من الإجابة قلت لذينك المستشرقين: إننا نعيش اليوم تحت راية أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ونحن أتباع أهل البيتعليهم‌السلام لا يمكن أن نعيش بدونه؛ لأنّ العيش بدونه يعني العيش بدون قيم، وبدون دين واستقلال.

أهمّية المواكب الحسينيّة

ونحن كنّا وما زلنا نقيم المواكب الحسينيّة في كلِّ عام؛ ففي أيام الأربعين يتقاطر الشيعة على مدينة كربلاء لتتحوّل إلى موكب حسيني كبير، وهذه المواكب هي الناطقة عن قضية الإمام الحسينعليه‌السلام

١٦٩

وقضايا الشيعة في العالم الإسلامي؛ فعلى سبيل المثال اُعدم قبل خمسة وأربعين عاماً مسلم إيراني بسيف آل سعود ظلماً وعدواناً، وفي تلك السنة حملت جميع المواكب الحسينيّة التي وفدت إلى كربلاء راية هذا الرجل، وبعد فترة كان النظام البائد في إيران يضطهد العلماء، فكانت المواكب الحسينيّة في العراق تنادي بالدفاع عن علماء إيران، وبعد فترة اُخرى حدثت مجزرة ضد الشيعة في لبنان، فما كان من المواكب الشيعية في العراق إلاّ أن نادت بالدفاع عن الشيعة في لبنان.

وأنا اُوجّه كلامي هنا إلى اُولئك الذين يلوموننا على بكائنا في يوم عاشوراء، فأقول لهم: إنّنا نبكي بكاء الأبطال، ولكي نصبح حسينيين. فمثل هذه الشعائر هي التي حافظت على الإسلام، بلى هي التي حافظت علينا - نحن الشيعة - على مرّ التاريخ رغم كثافة المشاكل المحيطة بنا.

وهكذا فإنّ ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام كانت قضية فأصبحت قيمة، وكانت واقعة فتحولت إلى راية. وكل إنسان في هذا العالم يريد أن يدافع عن قيمه وقضيّته وظلامته لا بدّ أن ينضوي تحت هذه الراية المقدّسة.

الشعائر الحسينيّة والأنظمة الطاغوتيّة

وقد أدركت الحكومة الطاغوتيّة عمق هذه الشعائر؛ ولذلك فإنّها عمدت وتعمد إلى محاربة الشعائر الدينية للشيعة، فهي تريد - في الحقيقة - أن تعزل الشيعة عن تأريخهم.

ففي كلِّ عام تهتدي الآلاف المؤلّفة من البشر بفضل الحسينعليه‌السلام ؛ ولذلك فإنّ الحكومات تحرص على محاربة هذه المجالس التي يجب أن نحافظ عليها بأي شكل من الأشكال لكي تستمر المسيرة والنهضة؛ ذلك لأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام

١٧٠

استشهد، وباستشهاده في كربلاء أثبت أنّ الظلامة التي ارتكبت بحقِّ أهل البيتعليهم‌السلام كانت حقيقية.

تعظيم شعائر الله

وهكذا فإنّ الشعائر باقية ومستمرة، فالله سبحانه وتعالى يقول:( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (الحج/ ٣٢).

وهنا اُريد أن أتوقّف عند كلمتين في تفسير هذه الآية الكريمة المقتطفة من سورة الحج؛ الكلمة الاُولى هي (الشعائر) التي هي جمع شعيرة، وهي كل عمل يشعرك بشيء؛ فقد كانوا يأتون بالإبل إلى مكّة المكرّمة بعد أن يشعروها - أي يلطّخوها بشيء من الدم -، أو يقلّدوها بشيء يشعر أنّها قرابين في سبيل الله تعالى؛ لكي يتجمّع عليها الفقراء والمساكين وينالوا نصيبهم منها.

والقرآن الكريم يصف هذا العمل بقوله تعالى:( مِن شَعَآئِرِ اللَّه ) (الحج/٣٦)، أي إنّ هذه القرابين خالصة لله سبحانه ولا شأن لأحد بها؛ وعلى هذا فإنّ الشعائر تنطبق على كل ما يعظّمه الإنسان شريطة أن لا يكون حراماً.

ويحذّر القرآن الكريم في قوله تعالى:( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) من أن تفرغ الشعيرة من محتواها؛ لأنّها يجب أن ترسّخ التقوى - التي هي الكلمة الثانية التي نريد التحدث عنه - في النفس، فيجب أن نخلص النية في أدائها تماماً كالصلاة التي تكون باطلة إذا ما انعدمت منها النية؛ لأنّ النية هي إطار ومحتوى الصلاة بالإضافة إلى ذكر الله تعالى وخشوع القلب.

وهكذا الحال بالنسبة إلى الشعائر الحسينيّة، فلنعمل من أجل ان تتحوّل هذه الشعائر إلى مدرسة تربوية للمجتمع.

١٧١

وهنا أطرح بعض الاقتراحات في مجال تطوير الشعائر الحسينيّة وإغنائها، وهي:

١ - فهم شخصية الحسين عليه‌السلام من خلال كلماته

علينا أن نفهم الحسينعليه‌السلام من خلال كلماته؛ فقد كانعليه‌السلام إماماً ناطقاً، وكان من أعظم ما تكلّم به دعاؤه في يوم عرفة، هذا الدعاء الغنيّ بالمعاني العرفانية، والذي يقول من جملة ما يقول فيه:« الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع. فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع، لا تخفى عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع، جازي كل صانع، ورائش كل قانع، وراحم كل ضارع، منزل المنافع، والكتاب الجامع بالنور الساطع » (١) .

فلنتأمل هذه الفقرة، ولننظر كيف يعرّف الإمام الحسينعليه‌السلام ربه (عزّ وجلّ) بكلمات مضيئة تفيض توحيداً وإخلاصاً.

وأمّا عن كلامه في النبوّة والإمامة فيقولعليه‌السلام :« إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق … ومثلي لا يبايع مثله » (٢) .

ومن جملة كلامهعليه‌السلام في الموت قوله:« خُطّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة » (٣) .

____________________

(١) مفاتيح الجنان - دعاء الإمام الحسين يوم عرفة.

(٢) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام - القرشي ٢ / ٢٥٥.

(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٦.

١٧٢

٢ - تخريج الخطباء

إنّنا نمتلك - والحمد لله - حوزات علمية، وقد حافظت هذه الحوزات على استقلالها وحيويتها على مدى العصور، ولكن هذه الحوزات تخرّج العلماء والمراجع الكبار في الغالب، وعلينا أن نفتح إلى جانب هذه الحوزات أو داخلها تخصّص للخطباء؛ لكي يتلقّى الطالب في الحوزة دروس الخطابة.

٣ - إقامة المؤتمرات

إنّ شهر محرم هو بالنسبة إلينا الرأسمال الوحيد، فإذا لم نقم المجالس في شهر عاشوراء من كلِّ عام فسوف لا نمتلك برنامجاً للأعوام القادمة، فلماذا إذاً لا نقيم مؤتمرات للخطباء؛ كأن يجتمعوا قبيل حلول شهر محرم في كلِّ عام ليتبادلوا الأفكار والآراء بينهم بشأن تطوير المجالس الحسينيّة؟

٤ - دور المشرفين على الحسينيّات والمواكب

إنّ المشرفين على المجالس والحسينيّات والمواكب عليهم بدورهم أن يعقدوا الاجتماعات على مدار السنة؛ لكي يدرسوا ويصدروا القرارات بشأن بناء الحسينيّات، وجمع التبرعات، والإتيان بالخطباء الجدد الذين من شأنهم أن يسهموا في تزويد المسلمين بأفكار جديدة.

٥ - دور المثقّفين

وهنا اُوجّه كلامي إلى المثقفين، وأدعو كل واحد منهم إلى أن يبثّوا بين الناس من خلال كلماتهم وكتبهم ومقالاتهم كلَّ ما هو جديد ومفيد عن الثورة الحسينيّة.

١٧٣

ضرورة تطوير الأساليب

وعلى هذا فإنّ علينا أن نعمل جاهدين من أجل أن نطوّر أساليبنا من ناحية المحتوى، وهذه هي إحدى مسؤولياتنا الكبرى.

فمن المتعيّن علينا أن ندعو إلى المجالس الحسينيّة، وأن نحرص على أن يحضرها عدد كبير من الناس؛ وذلك من خلال تطوير الأساليب، وتزويد الشعائر الحسينيّة بالمحتوى الذي يجب أن يكون تجسيداً لمدرسة الحسينعليه‌السلام التي هي مدرسة القيم والتقوى.

ومن الجدير بالذكر هنا أنّ المجالس الحسينيّة يجب أن تكون اللسان المعبّر والناطق عن مشاكلنا وآلامنا وقضايانا، أي أن نُعطي لهذه الشعائر محتوىً حضارياً مرتبطاً بالزمان؛ ذلك لأن شيعة الحسينعليه‌السلام لا بدّ أن يسيروا في خطه، وأن يترجم الواحد منهم قوله إلى واقع عملي وهو يقف امام ضريحهعليه‌السلام ويردّد:« إنّي سِلمٌ لمن سالمكم، وحربٌ لمَن حاربكم، ووليٌّ لمَن والاكم، وعدوٌ لمَن عاداكم » (١) .

فنحن نسير في خطّهعليه‌السلام ، ونمثل تكتّلاً واحداً تحت رايته التي لا بدّ أن تقودنا إلى الجنة كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف:« أوسع الأبواب في القيامة باب أبي عبد الله الحسين » .

والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين

____________________

(١) مفاتيح الجنان - زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء / ٤٥٧.

١٧٤

الفهرس

المقدّمة ٣

ذلكم الإمام الحسين عليه‌السلام.... ٦

الفصل الأوّل: على خطى الإمام الحسين عليه‌السلام.... ٩

الإمام الحسين عليه‌السلام منار التوحيد. ١١

١ - الإمام الحسين. ١١

٢ - الكلمة المسؤولة ١٩

٣ - القيادة الربانيّة ٢٠

٤ - المنهج الواضح. ٢٢

٥ - الاستقامة حتّى الشهادة أو النصر ٢٤

الإمام الحسين عليه‌السلام مشعل الهدى وسفينة الخلاص.. ٢٨

ألف: يوم الحسين. ٢٨

باء: رسالة عاشوراء ٣١

الإمام الحسين عليه‌السلام ضمير الاُمة ومسؤولية المستقبل. ٣٦

الضمير الناهض.. ٣٦

شهر محرم.. باب الرحمة ٣٨

العودة الى القرآن. ٤٠

الرؤية السليمة ٤٠

حصن الإيمان. ٤١

مسؤوليات اجتماعيّة ٤١

الإمام الحسين عليه‌السلام الشهيد الشاهد. ٤٤

كربلاء رمز المواجهة ٤٨

الإمام الحسين. ٥١

الإمام الحسين عليه‌السلام والتطوّر الحضاري للأمة ٦١

الإمام الحسين عليه‌السلام وسيلة النهوض الحضاري. ٦٦

١٧٥

الفصل الثاني: على نهج الإمام الحسين عليه‌السلام.... ٧١

الإمام الحسين عليه‌السلام آية العقل والعاطفة ٧٣

الإمام الحسين عليه‌السلام ضمانة الهدى والفلاح. ٨٤

الإمام الحسين. ٨٤

العودة إلى حقيقة الدين؛ رسالة الأنبياء ٨٥

حقائق الدين في القرآن. ٨٨

فرصة إصلاح النفس.. ٩٠

الإمام الحسين عليه‌السلام ومنهج البراءة من المشركين. ٩٢

الرفض بداية الإيمان. ٩٤

درس المسؤولية ٩٦

اتّباع القيادة الربانيّة ٩٧

اختيار المنهج السليم. ٩٨

الإمام الحسين عليه‌السلام محور حكمة الخلق، ومظهر تحدّي الطغيان. ١٠٠

الإمام الحسين. ١٠٠

الإرادة حكمة الخلق. ١٠١

كربلاء خلاصة بطولات التاريخ. ١٠٢

الشهادة كرامة عظيمة ١٠٣

ذعر الحكم الاُموي من الإمام الحسين. ١٠٤

الردّ الحاسم. ١٠٥

جرائم الحزب الاُموي. ١٠٦

الفتنة الكبرى. ١٠٧

الإعداد للثورة ١٠٩

سر عظمة الإمام الحسين عليه‌السلام.... ١١١

نظرات في عظمة الإمام الحسين. ١١٢

الخلوص والصفاء ١١٣

مأساة تستدر الدموع. ١١٦

١٧٦

الفصل الثالث: على هدى الإمام الحسين عليه‌السلام.... ١١٧

كربلاء البداية لا النهاية ١١٩

هل كانت فاجعة الطف الأليمة نهاية أم بداية؟ ١١٩

تكامل مسيرة التاريخ. ١٢٠

حملة الرسالة ١٢٤

حركات ذات بعدين. ١٢٦

أعلى درجات الإيمان. ١٢٦

الحزب الجاهلي والتحدي الرسالي. ١٣٠

إحدى صور المعاناة ١٣٠

لكلِّ قبيلةٍ صنم. ١٣١

عمل فريد من نوعه ١٣٢

صراع مبدئي. ١٣٤

ما هي مسؤوليتنا؟ ١٣٥

واقعة كربلاء ثورة مستمرة ١٣٧

لماذا الإمام الحسين عليه‌السلام مصباح الهدى. ١٤١

الإمام الحسين عليه‌السلام يدعوك لنصرته ١٤٩

الإمام الحسين. ١٤٩

هتاف الحسين مازال يدّوي. ١٥٠

معركة الحق والباطل تعيد نفسها ١٥١

بنو اُميّة يعودون إلى الحياة ١٥١

الصراع ما يزال متجدّداً ١٥٢

نحن ومحّرم ١٥٣

شهر محرم منعطف خطير. ١٥٤

ماذا نقدّم؟ ١٥٥

بين القول والفعل. ١٥٦

أين نحن من ولاية الإمام الحسين عليه‌السلام.... ١٥٨

١٧٧

مَن هو الإمام الحسين عليه‌السلام؟ ١٥٩

التقوى والورع شرط الولاية ١٦١

آفاق الولاية ١٦٤

مسؤولياتنا تجاه الولاية ١٦٦

الشعائر الحسينيّة اُسلوباً ومحتوىً. ١٦٨

سر خلود الثورة الحسينيّة ١٦٨

أهمّية المواكب الحسينيّة ١٦٩

الشعائر الحسينيّة والأنظمة الطاغوتيّة ١٧٠

تعظيم شعائر الله. ١٧١

١ - فهم شخصية الحسين. ١٧٢

٢ - تخريج الخطباء ١٧٣

٣ - إقامة المؤتمرات.. ١٧٣

٤ - دور المشرفين على الحسينيّات والمواكب.. ١٧٣

٥ - دور المثقّفين. ١٧٣

ضرورة تطوير الأساليب.. ١٧٤

١٧٨

179

180

181

182

183

184

185

186