مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل15%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 399

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134814 / تحميل: 5590
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

دخلوا في الإسلام مكرهين لا مؤمنين به، ولولا سماحة خلق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعظيم رأفته ورحمته لما أبقى لهم ظلاًّ على الأرض، إلاّ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله منحهم العفو كما منح غيرهم من أعدائه.

ولم يكن للأمويين أي شأن يذكر أيام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد قبعوا بالذل والهوان ينظر إليهم المسلمون بنظرة العداء والخصوم، ويذكرون ما قاموا به في محاربة دينهم، والتنكيل بنبيّهم، ومن المؤسف انّه لما فجع المسلمون بفقد نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله وآل الأمر إلى الخلفاء علا نجم الأمويين، وذلك لأسباب سياسية خاصة، فقد عيّن أبو بكر يزيد بن أبي سفيان والياً على دمشق، وخرج بنفسه لتوديعه إلى خارج يثرب تعظيماً له، واشادة بمكانة أسرته، ولم يفعل مثل ذلك مع بقية عمّاله وولاته كما يقول المؤرّخون، ولما هلك يزيد أسندت ولاية دمشق إلى أخيه معاوية، وكان أثيراً عند عمر تتوافد عليه الأخبار بأنّه يشذّ في سلوكه، وينحرف في تصرّفاته عن سنن الشرع وأحكام الإسلام، فقد أخبروه بأنّه يلبس الحرير والديباج، ويأكل في أواني الذهب والفضّة، وكل ذلك محرّم في الإسلام، فيقول معتذراً عنه، ومسدداً له: ذاك كسرى العرب ومتى كان ابن هند الصعلوك النذل كسرى العرب،!! ولو فرضنا أنّه كان كذلك فهل يباح له في شريعة الله أن يقترف الحرام، ولا يحاسب عليه، ان الله تعالى ليست بينه وبين أحد نسب ولا قرابة، فكل من شذّ عن سنّته، وخالف أحكامه فانّه يعاقبه على ذلك، يقول الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله لو عصيت لهويت، ويقول الإمام زين العابدينعليه‌السلام : ان الله تعالى خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيّداً قرشياً.

وعلى أيّ حال فان عمر قد أغدق بألطافه ونعمه على معاوية وزاد في

٨١

رقعة سلطانه، ونفخ فيه روح الطموح، وقد ظلّ يعمل في ولايته على الشام عمل من يريد الملك والسلطان، فكان يقرّب الوجوه والزعماء، ويغدق عليهم بالهبات والأموال، ويشتري الذمم والعواطف، ويركّز ولاءه في قلوب الغوغاء.

ومهّدت عائشة في ثورتها على حكم الإمام الطريق لمعاوية لإعلانه العصيان المسلّح على حكومة الامام التي هي أشرف حكومة ظهرت في الشرق العربي على امتداد التأريخ، وقد تذرّع بها معاوية الذئب الجاهلي لحرب الإمام، واتخذ من دم عثمان وسيلة لإغراء الغوغاء واتّهم الإمام بأنّه المسؤول عن المطالبة بدمه، وفي نفس الوقت أوعز إلى أجهزة الإعلام أن تندب عثمان، وتظهر براءته مما اقترفه في تصرّفاته الاقتصادية والسياسية التي تتجافى مع أحكام الإسلام.

وتسلّح معاوية بكبار الدبلوماسيين، ومهرة السياسة في العالم العربي أمثال المغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، وأمثالهما ممن كانت لهم الدراية الوثيقة في أحوال المجتمع، فكانوا يضعون له المخططات الرهيبة للتغلّب على الأحداث.

إعلان الحرب:

ورفض معاوية رسمياً بيعة الإمام، وأعلن عليه الحرب، وهو يعلم أنّه انّما يحارب أخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّه وباب مدينة علمه، ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى، لقد أعلن عليه الحرب كما أعلن أبوه أبو سفيان الحرب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وتشكّل الجيش الذي زحف به معاوية لمحاربة الإمامعليه‌السلام من

٨٢

العناصر التالية:

أ ـ الغوغاء:

أمّا الغوغاء فهم جهلة الشعوب، وهم كالاَنعام بل هم أضلّ سبيلاً وتستخدمهم السلطة في كل زمان لنيل أهدافها، ولتبني عروشها على جماجمهم، وكانت الأكثرية الساحقة من جيش معاوية من هؤلاء الغوغاء المغرر بهم الذين لا يميّزون بين الحق والباطل، والذين تلوّنهم الدعاية كيفما شاءت، وقد جعلهم معاوية جسراً فعبر عليهم لنيل مقاصده الشريرة.

ب ـ المنافقون:

أمّا المنافقون فهم الذين أظهروا الإسلام في ألسنتهم، وأضمروا الكفر والعداء له في ضمائرهم وقلوبهم، وكانوا يبغون له الغوائل، ويكيدون له في وضح النهار، وفي غلس الليل، وقد ابتلي بهم الإسلام كأشدّ ما يكون البلاء وامتحن بهم المسلمون كأشدّ ما يكون الامتحان لأنّهم مصدر الخطر عليهم وقد ضمّ جيش معاوية رؤوس المنافقين وضروسهم أمثال المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص، ومروان بن الحكم، وأمثالهم من الزمرة الباغية الذين وجدوا الفرصة لهم مواتية لضرب الإسلام وقلع جذوره، وقد تسلّحوا بمعاوية ابن أبي سفيان العدوّ الأوّل للإسلام فناصروه، وساروا في جيشه لمحاربة أخي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيه، والمنافح الأوّل عن الإسلام.

انّ جميع من حارب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المنافقين قد انضمّوا إلى معاوية وصاروا من حزبه وأعوانه في محاربة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ج ـ النفعيون:

ونعني بهم الجماعة التي فقدت امتيازاتها ومنافعها للامشروعة في ظلّ حكم الامام رائد العدالة الاجتماعية في الأرض، وفي طليعة هؤلاء، العمّال

٨٣

والولاة، وسائر الموظّفين في حكومة عثمان، فقد فقدوا منافعهم وخافوا على مصادرة ما عندهم من الأموال التي اختلسوها من الشعب أيام عثمان، كما تمّ عزلهم عن مناصبهم فور تقلّد الإمام للحكم.

هذه بعض العناصر التي تشكّل منها جيش معاوية، وقد زحف بهم إلى محاربة قائد الإسلام، ورائد العدالة الإنسانية.

احتلال الفرات:

واتّجهت جيوش معاوية صوب العراق، فعسكرت في منطقة صفين واختارتها مركزاً للحرب، وأوعزت القيادة العامة إلى قطعات الجيش باحتلال الفرات، ووضع المفارز على حوض الفرات لمنع جيش الإمام من الشرب ليموتوا عطشاً، وقد اعتبر معاوية ذلك أوّل النصر والفتح، ونمَّ ذلك عن خبث طبيعته ولؤم عنصره، فان لكل إنسان بل ولكل حيوان حقاً طبيعياً في الماء عند كافة الأمم والشعوب، ولكن معاوية وبني أميّة قد تخلّوا عن جميع الأعراف، فاستعملوا منع الماء كسلاح في معاركهم، فقد منعوا الماء يوم الطفّ عن ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته حتى أشرفوا على الموت من شدّة الظمأ.

ولمّا علم الإمامعليه‌السلام بزحف معاوية لحربه اتّجه بجيوشه نحو صفّين فلمّا انتهوا إليها وجدوا حوض الفرات قد احتلّ من قبل معسكر معاوية، ومنعوهم من تناول قطرة من الماء، وألحّ العطش بجيش الإمام فانبرت إليه قادة جيشه، وطلبوا منه الإذن في مقارعة القوم، فرغب الإمام قبل أن يبدأهم بالحرب أن يطلبوا منهم السماح في تناول الماء، إذ ليس لهم من سبيل أن يتخذوه وسيلة لكسب المعركة لأن الماء مباح لكل إنسان وحيوان عند جميع الشرائع والأديان، وعرض عليهم أصحاب الإمام ذلك إلاّ أنّهم

٨٤

أبوا وأصرّوا على غيّهم وعدوانهم، فاضطّر الإمام بعد ذلك إلى أن يسمح لقوّاته المسلّحة بفتح نار الحرب عليهم، فحملوا عليهم حملة واحدة، ففرّوا منهزمين شرّ هزيمة، وتركوا مواقعهم فاحتلتها جيوش الإمام، وأصبح نهر الفرات بأيديهم، انطلق فريق من قادة الجيش نحو الإمام فطلبوا منه أن يسمح لهم في منع الماء عن أصحاب معاوية كما منعوهم عنه، فأبى الإمام أن يقابلهم بالمثل، فأباح لهم الماء كما هو مباح للجميع في شريعة الله، ولم يشكر الامويون الأوغاد هذه اليد البيضاء التي أسداها عليهم الإمام، فقد قابلوه بالعكس، فمنعوا الماء عن أبنائه في كربلاء حتى صرعهم الظمأ، وأذاب العطش قلوبهم.

دعوة الإمام إلى السلم:

وكره الإمام أشدّ الكره الحرب وإراقة الدماء، فدعا إلى السلم، والوئام فقد أرسل عدّة وفود إلى ابن هند يدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المسلمون وأن يجنّبهم من الحرب فأبى ولم يستجب لهذه الدعوة الكريمة، وأصرّ على الغيّ والعدوان، وتذرّع كذباً بالمطالبة بدم عثمان الذي ما أراق دمه إلاّ سوء تصرّفاته السياسية والإدراية.

الحرب:

ولمّا فشلت جميع الجهود التي بذلها الإمام من أجل السلم وحقن الدماء اضطّر إلى أن يفتح مع عدّوه باب الحرب، وقد خاض معه حرباً مدمّرة سقط فيها عشرات الآلاف من القتلى فضلاً عن المعوقين من كلا الجانبين واستمرّت الحرب أكثر من سنتين كانت تشتدّ حيناً، وتفتر حيناً آخر، وفي المرحلة الأخيرة من الحرب كاد الإمام أن يكسب المعركة،

٨٥

وتحسم من صالحه، فقد بان الانكسار في جيش معاوية، وتفللت جميع قواعد عسكره، وعزم معاوية على الهزيمة لولا أن تذكّر قول ابن الأطنابة:

أبت لي عفتي وحياء نفسي

اقدامي على البطل المشيح

واعطائي على المكروه مالي

أخذي الحمد بالثمن الربيح

وقولي كلما جشأت وجاشت

كانك تحمدي أو تسريحي

فردّه هذا الشعر إلى الصبر والثبات كما كان يتحدّث بذلك أيّام العافية، وفيما أحسب أن هذا الشعر ليس هوالذي ردّه إلى الثبات وعدم الهزيمة إذ ليست لابن هند أيّة عفّة أو حياء نفس، ولا غير ذلك مما حوته هذه الأبيات وانما ردّه إلى الصبر هو ما دبّره من المكيدة والخديعة التي مزّقت الجيش العراقي، وهو ما سنتحدّث عنه.

الخديعة الكبرى:

وآن النصر المحتم لجيش الإمام، فقد أشرف على الفتح، ولم يبق إلاّ مقدار حلبة شاة من الوقت حتى يؤسر معاوية أو يقتل كما أعلن ذلك قائد القوّات المسلحة في جيش الإمام الزعيم مالك الأشتر، ومن المؤسف جدّاً أنّه في تلك اللحظات الحاسمة مُني الإمام بانقلاب عسكري في جيشه، فقد رفع عسكر معاوية المصاحف على أطراف الرماح، وهم ينادون بالدعوة إلى تحكيم القرآن، وإنهاء الحرب حقناً لدماء المسلمين، واستجابت قطعات من جيش الامام لهذا النداء الذي يحمل التدمير الشامل لحكومة الإمام وأفول دولة القرآن.

يا للعجب لقد نادى جيش معاوية بالرجوع إلى تحكيم القرآن، ومعاوية وأبوه هما في طليعة من حارب القرآن.

أصحيح أنّ ابن هند يؤمن بالقرآن، ويحرص على دماء المسلمين

٨٦

وهو الذي أراق أنهاراً من دمائهم إرضاءً لجاهليته، وانتقاماً من الإسلام.

وكان أول من استجاب لهذا النداء المزيّف العميل الأموي الأشعث ابن قيس، فقد جاء يشتدّ كالكلب نحو الإمام، وقد رفع صوته ليسمَعَهُ الجيش قائلاً:

« ما أرى الناس إلاّ قد رضوا، وسرّهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن، فان شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد ».

وامتنع الإمام من إجابة هذا العميل المنافق الذي طعن الإسلام في صميمه، والتفّ حول الأشعث جماعة من الخونة فأحاطوا بالإمام، وهم ينادون: أجب الأشعث، ولم يجد الإمام بُدّاً من إجابته، فانطلق الخائن صوب معاوية، فقال له:

« لآيّ شيء رفعتم هذه المصاحف؟.. »

فأجابه معاوية مخادعاً:

ولنرجع نحن وأنتم إلى أمر الله عزّ وجلّ في كتابه تبعثون منكم رجلاً ترضون به، ونبعث منّا رجلاً، ثمّ نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ثم نتّبع ما اتفقا عليه ».

ورفع الأشعث عقيرته قائلاً:

« هذا هو الحقّ ».

وخرج الأشعث من معاوية، وهو ينادي بضرورة إيقاف الحرب، والرجوع إلى كتاب الله العظيم، ومن المؤكّد أنّ هذه الحركة الانقلابية التي تزعّمها هذا المنافق العميل لم تكن وليدة رفع المصاحف، وانّما كانت قبل زمن ليس بالقليل، فقد كانت هناك اتّصالات سريّة بين الأشعث وبين معاوية ووزيره والفكر المدبّر لخدعه وأباطيله عمرو بن العاص، ومما يدل

٨٧

على ذلك أنّه لم تكن هناك رقابة ولا مباحث في جيش الامام على من يتّصل بمعسكر معاوية فقد كان الطريق مفتوحاً، وجرت اتصالات مكثّفة بين معاوية والأشعث وغيره من قادة الجيش العراقي، وقدم لهم معاوية الرشوات، ومنّاهم بالمراتب العالية، وبالمزيد من الأموال إن استجابوا لدعوته.

وعلى أيّ حال فقد أُرغم الإمام على قبول التحكيم، فقد أحاطت به قطعات من جيشه وقد شهرت عليه السيوف والرماح وهي تنادي: « لا حكم إلاّ لله » واتّخذوا هذا النداء شعاراً لتمرّدهم، ووقوفهم ضدّ الامام، وسرعان ما أصبحوا حركة ثورية، ومصدر قلق مثير للفتن والاضطراب.

وعلى أيّ حال فقد جهد الإمام بنفسه ورسله على إقناعهم، وإرجاعهم إلى طريق الحقّ والصواب، فلم يتمكّن، ورأى أنّهم جادّون على مناجزته والإطاحة بحكومته، فاستجاب لهم، وأوعز إلى قائد قوّاته العسكرية الزعيم مالك الأشتر بالانسحاب عن ساحة الحرب، وإيقاف العمليات العسكرية، وكان قد أشرف على الفتح فلم يبق بينه وبين الاستيلاء على معاوية سوى مقدار حلبة شاة، ورفض مالك الاستجابة وأصرّ على مزاولة الحرب إلاّ أنّه أخبر بأنّ الإمام في خطر، وان المتمرّدين قد أحاطوا به، فاضطرّ إلى إيقاف الحرب، وبذلك فقد تمّ ما أراده معاوية من الإطاحة بحكومة الإمام، وكتب له في تلك اللحظات النصر على الإمام، وقد انتصرت معه الوثنية القرشية كما يقول بعض الكتّاب والمحدثين.

التحكيم:

وتوالت المحن والأزمات على الإمام يتبع بعضها بعضاً، وانكشفت خفايا هؤلاء العملاء المتمرّدين، فقد أصرّوا على انتخاب أبي موسى

٨٨

الأشعري ليكون ممثلاً عن العراق، والأشعري خبيث دنس كان حقوداً على الإمام، ومن ألدّ أعدائه وخصومه، وفي نفس الوقت لم يملك وعياً ولا فهماً للأحداث، وكان بليداً ومنافقاً، واتّخذه المنافقون والمتمردون في جيش الإمام جسراً فعبروا عليه لنيل مقاصدهم الخبيثة لعزل الإمام عن الحكم عن الحكم، وتثبيت معاوية في مركزه.

ولم يستطع الإمام إيقاف هذا المدّ التآمري في جيشه، فقد أصبح قادة جيشه يتلقّون الأوامر والتوجيهات من قبل معاوية ووزيره ابن العاص، وصار الإمام بمعزل تام عن الحياة السياسية، فقد أصبح يأمر جيشه فلا يطيع، ويدعوه فلا يستجيب له، وصارت دفّة الحكم كلّها بيد معاوية.

لقد حكم الأشعري بعزل الإمام، وحكم ابن العاص بإبقاء معاوية، وبذلك فقد انتهت مهزلة التحكيم إلى عزل الإمام عن منصب الحكم، وتقليده لمعاوية وانطوت بذلك أقدس حكومة إسلامية ظهرت في الشرق كان يرجى منها أن تقوم ببسط العدل السياسي والعدل الاجتماعي بين الناس، فلم تدعها هذه الوحوش الكاسرة من ذئاب الأمويين، وسائر القبائل القرشية من تحقيق أهدافها ومثلها العليا.

لقد شاهد أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام وهو في دور الشباب فصول هذه المأساة الكبرى فكوت قلبه، وهزّت عواطفه، فقد جرت لأهل بيته المصائب، وأخلدت لهم المحن والخطوب.

ثورة الخوارج:

ومن بين المحن الشاقة التي امتحن بها الإمام امتحاناً عسيراً هي ثورة الخوارج فقد كان معظمهم من بهائم البشر، فقد امتطاهم معاوية، وجعلهم جسراً لنيل أطماعه وأهدافه من حيث لا يشعرون، فهم الذين أرغموا الإمام

٨٩

على قبول التحكيم، وإيقاف عمليات الحرب، وهم الذين أصرّوا على انتخاب المنافق أبي موسى الأشعري، ولما عقد التحكيم، وأعلن أبو موسى عزل الإمام عن منصبه، وأعلن ابن العاص إقامة سيّده معاوية في مركزه أسفوا على ما فرّطوا في أمر المجتمع الإسلامي واستبانت لهم المكيدة التي دبّرها ابن العاص في رفع المصاحف وعابوا على الإمام وكفّروه لاستجابته لهم، وفي الحقيقة هم الذين يتحمّلون جميع المسؤوليات الناجمة عن ذلك.

ولمّا نزح جيش الإمام من صفّين إلى الكوفة لم يدخلوا معه إليها وانما انحازوا إلى حروراء فنسبوا إليها، وكان عددهم فيما يقول المؤرّخون اثني عشر ألفاً، وأذن مؤذّنهم أن أمير القتال المنافق شبث بن ربعي الذي كان من قادة الجيش الذي حارب ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما نصبوا إماماً للصلاة عبد الله بن الكواء العسكري، وجعلوا الأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله عزّ وجلّ، وجعلوا من أهمّ الأحكام التي يقاتلون من أجلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا شعارهم « لا حكم إلاّ لله » ولكنّهم سرعان ما تنكّروا لهذا الشعار فجعلوا الحكم للسيف وذلك بما أراقوه من دماء الاَبرياء، وما نشروه من الذعر والخوف بين المسلمين.

وبعث الإمام إليهم بعض رسله يعدلهم عن فكرتهم، ويرشدهم إلى طريق الحقّ والصواب، فلم يجد ذلك معهم شيئاً، فانطلقعليه‌السلام بنفسه إليهم، ومعه أعلام أصحابه، فجعل يناظرهم، ويقيم الأدلة الوثيقة على فساد رأيهم، وضلالة قصدهم، فاستجاب له قوم، وأبي قوم آخرون، وجعل الأمر يمعن في الفساد بين الإمام وبينهم، وأخذوا ينشرون الإرهاب، واعمال التخريب، ويعيثون في الأرض فساداً، وقد رحلوا عن الكوفة،

٩٠

وعسكروا في النهروان، واجتاز عليهم الصحابي الجليل عبد الله بن خباب ابن الأرت، وهو من أعلام أصحاب الإمام فدارت بينه وبينهم أحاديث، فعمدوا إليه فقتلوه، وقتلوا معه السيّدة زوجته، ولم يقف شرّهم عند هذا الحدّ، وانّما أخذوا يذيعون الذعر والخوف بين المسلمين.

وبعث الإمام إليهم الحارث بن مرة العبدي ليسألهم عما أحدثوه من الفساد، فلما انتهى إليهم اجهزوا عليه وقتلوه، ورأى الإمام بعد هذا أنّهم يشكّلون خطراً كبيراً على دولته، وانّهم مصدر فتنة وتخريب بين المسلمين، وان الواجب يقضي بحربهم فزحف إليهم بجيشه، ودارت بينه وبينهم معركة رهيبة، فقتلوا عن آخرهم ولم يفلت منهم إلاّ تسعة(١) وانتهت بذلك حرب النهروان وقد شاهد أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام هذه الحرب ووقف على دوافعها التي كان منها كراهة هؤلاء القوم لعدل الإمام، وتفانيه في إقامة الحقّ بين الناس.

ومن الجدير بالذكر أن أبا الفضل العباسعليه‌السلام لم يشترك في حرب النهروان ولا في حرب صفين، فقد منعه الإمام كما منع بعض أبنائه، واعلام أصحابه من الدخول في الحرب ضنّاً بهم على الموت، ومما يدل على ذلك أن الذين كتبوا عن واقعة صفين والنهروان لم يذكروا أيّ دور لسيّدنا العباس فيهما.

النتائج الفظيعة:

وأعقبت حرب الجمل، وحرب صفّين أسوأ الأحداث وأقساها

__________________

(١) حياة الامام الحسن ١: ٣٥٨ الطبعة الثالثة.

٩١

وأشقّها محنة على الإمامعليه‌السلام ومن بينها:

١ ـ التمرّد الكامل في جيش الإمام فقد أصبحت جميع قطعاته غير مطيعة لأوامر الإمام.

لقد شاعت الهزيمة النفسية في جيش الإمام، وفقدت قطعاته الروح المعنوية، وتخاذلت تخاذلاً مطلقاً أمام الأحداث التي مُني بها.

٢ ـ وعمد معاوية بعد معركة صفين إلى تعزيز جيشه وتماسكه، وقد بثّ فيه روح العزم والإخلاص، وقد وثق بالنصر والفتح والتغلّب على جيش الإمام.

٣ ـ وتعرّضت البلاد الإسلامية الخاضعة لحكم الإمام لحملات إرهابية عنيفة كانت تشنّها العصابات المجرمة التي يبعثها معاوية لإشاعة الخوف والذعر فيها، وقد تعرّضت المناطق القريبة من عاصمة الإمام لهجمات الإرهابيين من كلاب معاوية، والإمام لم يتمكّن من حمايتها وحفظ الأمن والإستقرار فيها فكان يدعو بحرارة جأشه للذبّ عن حياض الوطن، وحمايته من الاعتداء فلم يستجب له أحد منهم.

٤ ـ واحتلّت جيوش معاوية مصر احتلالاً عسكرياً، وبذلك خرجت عن حكم الإمام، وقد أُصيبت حكومة الإمام بنكسه كبيرة، ولم تعد بعد هذه الأحداث إلاّ شكلاً خاوياً في ميدان الحكم.

مصرع الإمام:

وبقي الإمام الممتحن في ارباض الكوفة قد أحاطت به المحن والأزمات يتبع بعضها بعضاً، يرى باطل معاوية قد استحكم، وشرّه قد استفحل وهو لا يتمكّن أن يقوم بأي عمل لتغيير الأوضاع الاجتماعية

٩٢

المتدهورة المنذرة بأفول دولة الحق، وإقامة حكومة الظلم والجور.

لقد استوعبت المحن الشاقة التي أحاطت بالإمام نفسه الشريفة فراح يدعو الله، ويتوسّل إليه بحرارة أن ينقله إلى جواره، ويريحه من هذا العالم المليء بالفتن والأباطيل، واستجاب الله دعاء الإمام فقد عقدت عصابة مجرمة من الخوارج مؤتمراً في مكّة، وأخذوا يذكرون بمزيد من الأسى والحزن قتلاهم الذين حصدت رؤوسهم سيوف الحق في النهروان، وعرضوا ما مني به العالم الإسلامي من الفتن والانشقاق وألقوا تبعة ذلك حسب زعمهم على الإمام أمير المؤمنين، ومعاوية وعمرو بن العاص، فقرّروا القيام باغتيالهم، وعيّنوا لذلك وقتاً خاصاً، وضمن لهم ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم اغتيال الامام أمير المؤمنين، ومن الجدير بالذكر أن مؤتمرهم كان بمرأى ومسمع من السلطة المحلّية بمكّة، وأكبر الظنّ أنّها كانت على اتصال معهم وان القوى المنحرفة عن الإمام قد أمدّت ابن ملجم بالمال ليقوم باغتيال الإمام.

وعلى أيّ حال فقد قفل ابن ملجم راجعاً إلى الكوفة وهو يحمل شرّ أهل الأرض، ويحمل الكوارث المدمّرة للمسلمين، وفور وصوله إلى الكوفة اتصل بعميل الامويين المنافق الأشعث بن قيس، وأخبره بمهمته، فشجّعه على اقتراف الجريمة، وأبدى له تقديم جميع ألوان المساعدات لتنفيذها.

وفي ليلة التاسع عشر من رمضان شهر الله المبارك اتّجه زعيم الموحّدين وسيّد المتقين نحو مسجد الكوفة ليؤدّي صلاة الصبح، فأقبل نحو الله، فشرع في صلاته، ولما رفع رأسه من السجود علاه ابن اليهودية بالسيف فشقّ رأسه الشريف الذي كان كنزاً من كنوز العلم والحكمة

٩٣

والإيمان، والذي ما فكّر إلاّ بتوزيع خيرات الله على البؤساء والمحرومين، وإشاعة الحقّ والعدل بين الناس.

ولمّا أحسّ الإمام بلذع السيف علت على شفتيه ابتسامة الرضا والظفر، وراح يقول:

« فزت وربّ الكعبة ».

لقد فزت يا إمام المصلحين، فقد وهبت حياتك لله وجاهدت في سبيله جهاد المنيبين والمخلصين.

لقد فزت يا إمام المتّقين لأنّك في طيلة حياتك لم توارب ولم تخادع ولم تداهن، ومضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بسيّد المرسلين ابن عمّك صلّى الله عليه وعليك، فكان ذلك حقاً هو الفوز العظيم.

لقد فزت أيّها الإمام الحكيم لأنّك خبرت الدنيا، وعرفتها دار فناء وزوال فطلّقتها ثلاثاً، وأعرضت عن زينتها ومباهجها واتجهت صوب الله فعملت كل ما يرضيه، وما يقربك إليه زلفى.

وحُمل الإمام إلى منزله، وقد فاضت عيون الناس بالدموع وتقطّعت النفوس ألماً وحزناً، وكان الإمام هادىء النفس قرير العين، قد تعلّق قلبه بالله، وهام في مناجاته، وقد سأله مرافقة الأنبياء والأوصياء، وأخذ يلقي نظراته على أولاده، وخصّ ولده أبا الفضل بالعطف والحنان، واستشفّ من وراء الغيب انّه ممن يرفع رايه القرآن، ويقوم بنصرة أخيه ريحانة رسول الله المنافح الأول عن رسالة الإسلام.

وصايا خالدة:

ولما شعر الإمام العظيم بدنّو أجله المحتوم أخذ يوصي أولاده

٩٤

بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وأمرهم أن يجسّدوا الإسلام في سلوكهم واتجاهاتهم، وفيما يلي بعض بنود وصيّته.

أ ـ التحلّي بتقوى الله التي هي الاَساس في بناء الشخصية الإسلامية على أساس متكامل من الوعي والازدهار.

ب ـ الالتزام بالحق قولاً وعملاً وبه تصان الحقوق وتسود العدالة الاجتماعية بين الناس.

ج ـ مناجزة الظالم والوقوف في وجهه، ومناصرة المظلوم ومساعدته، وفي ذلك إقامة للعدل الذي هو من أهمّ الأهداف الأصيلة التي ينشدها الإسلام.

د ـ السعي في إصلاح ذات البين، وإزالة البغضاء والكراهيّة بين المتخاصمين وهو من أفضل الأعمال وأهمّها في الإسلام لأن فيه إقامة لمجتمع متطوّر قائم على المحبّة والمودّة.

ه‍ ـ مراعاة الأيتام، والقيام بصلتهم، ورفع الحاجة عنهم، وهذا من جملة بنود التكافل الإسلامي الذي هو من أبدع ما شرّعه الإسلام في نظامه الاقتصادي.

و ـ الإحسان إلى الجيران، والإغداق عليهم بالبرّ والمعروف لأن فيه إشاعة للمحبّة بين المسلمين، كما أنّه في نفس الوقت من أهمّ الوسائل في تماسك المجتمع الإسلامي ووحدته.

ز ـ العمل بما في القرآن الكريم من أحكام وسنن وآداب فانّه خير ضمان لصيانة سلوك الإنسان المسلم، وتهذيبه، ورفع مستواه.

ح ـ إقامة الصلاة في أوقاتها وأدائها على أحسن وجه فانّها عمود

٩٥

الدين ومعراج المؤمن، وهي ترفع الإنسان إلى مستوى عظيم إذ تشرفه بالاتصال بخالق الكون وواهب الحياة.

ط ـ إحياء المساجد بذكر الله من العبادة والعلم، وتعتبر المساجد من أهمّ المراكز في إشاعة الآداب والفضائل بين المسلمين.

ي ـ الجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال لإقامة معالم الدين وإحياء السنّة، وإماتة البدعة.

ك ـ إشاعة المحبّة والمودّة بين المسلمين، وذلك بالتواصل والتوادد وترك التدابر والتقاطع، وغير ذلك مما يؤدّي إلى فصم عرى الوحدة بينهم.

ل ـ إقامة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لأنّه مما يؤدّي إلى إقامة مجتمع سليم تسوده العدالة، أما ترك ذلك فان له من المضاعفات السيّئة التي توجب ارتطام المجتمع بالفتن والبلاء كتولية الفساق والأشرار لشؤونه، وعدم استجابة الدعاء من أفراده.

هذه بعض الوصايا الخالدة التي أدلى بها الإمام العظيم، وهو على فراش الموت(١) .

إلى جنّة المأوى:

وسرى السمّ في جميع أجزاء بدن الإمامعليه‌السلام من جرّاء الضربة الغادرة التي عمّمه فيها ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم، وأخذ الموت يدنوا إليه سريعاً سريعاً، وقد استقبل إمام المتّقين الموت بثغر باسم، ونفس آمنة مطمئنّة متعطّشة إلى لقاء الله راضية بقضائه وقدره، وكان لا يفترّ لحظة

__________________

(١) يلاحظ نهج البلاغة فقد حفل بهذه الوصايا القيّمة.

٩٦

واحدة عن ذكر الله، وقراءة كتابه، وقد حفّ به أبناؤه وهم يذرفون أحرّ الدموع قد مزّق المصاب قلوبهم، وقد استقبل القبلة حامداً لله حتى ارتفعت روحه العظيمة إلى بارئها تحفّها ملائكة الرحمن، وأرواح الأنبياء والأوصياء وقد ازدهرت به جنان الخلد.

لقد توفّي عملاق الفكر الإنساني، ورائد العدالة الاجتماعية في الأرض، لقد عاش هذا الامام العظيم غريباً في مجتمع لم يعرف مكانته، ولم يع قيمه وأهدافه التي كان منها أن ينفي البؤس والشقاء من الأرض، وينفي الحاجة والحرمان عن بني الإنسان، فيوزع عليهم خيرات الله، فثارت في وجهه العصابة المجرمة من الرأسمالية القرشية، وأوغاد الأمويين الذين اتخذوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، وقد صمد الإمام في وجوههم، ولم ينثن عن عزمه الجبّار حتى استشهد مناضلاً عن قيمه وأهدافه.

تجهيزه:

وانبرى الإمام الحسنعليه‌السلام ، ومعه السادة الكرام من إخوانه ومن بينهم أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام إلى تجهيز الجثمان العظيم، فغسّلوا الجسد الطاهر، ثم أدرجوه في أكفانه، وهم يذرفون أحرّ الدموع وبعد ذلك حملوه إلى مقرّه الأخير، فدفنوه في مرقده المطّهر في النجف الأشرف، وقد أعزّه الله، ورفع من شأنه فجعله كعبةً للوافدين، ولم يحظ مرقد من مراقد أولياء الله كما حظي مرقده الشريف فقد أحيط بهالة من التعظيم والتقديس عند كافة المسلمين.

لقد شاهد سيّدنا أبو الفضل العباسعليه‌السلام خلافة أبيه، وما رافقها من الأحداث الجسام، وما قاساه أبوه من المصاعب والمشاكل في سبيل تطبيق

٩٧

العدالة الاجتماعية على واقع الحياة العامة بين المسلمين وقد تنكّرت له وحاربته القوى الباغية على الإسلام، والحاقدة على الإصلاح الاجتماعي.

لقد وعى العبّاس الأهداف المشرقة التي كان ينشدها أبوه فآمن بها، وجاهد في سبيلها، وقد انطلق مع أخيه سيّد الشهداء إلى ساحات الشرف والجهاد من أجل أن يعيدا للمسلمين سيرة أبيهما الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ومنهجه المشرق في عالم السياسة والحكم.

خلافة الإمام الحسن:

وتسلّم الإمام الحسنعليه‌السلام قيادة الدولة الاسلامية بعد وفاة أبيه، وكانت الأوضاع الاجتماعية والسياسية، كلها في غير صالحه، فالأكثرية الساحقة من الرؤساء والقادة العسكريين كانت اتجاهاتهم وميولهم سرّاً وعلانية مع معاوية، فقد غزاهم بذهبه، واسترقهم بأمواله، كما انتشرت بين كتائب جيشه فكرة الخوارج التي كانت سوسة تنخر في معسكره، وتعلن عدم شرعية خلافته، وخلافة أبيه من قبل، ومن ثمّ كان إقبال الجماهير على مبايعته فاتراً جدّاً، وكذلك لم تندفع القوات المسلّحة بحماس إلى بيعته، وإنّما كانت مرغمة على ذلك، الأمر الذي أوجب تريّب الإمام الحسن منهم، ويرى المراقبون للأوضاع السياسية في جيش الإمام انّه قد ماج في الفتنة وارتطم في الشقاء، وان خطره على الإمام كان أعظم من خطر معاوية وانّه لا يصلح بأي حال من الأحوال لأن يخوض الامام به أي ميدان من ميادين الحرب.

وعلى أي حال فان الإمام قد تسلّم قيادة الدولة، وقد منيت بالانحلال والضعف، وشيوع الفتن والاضطراب فيها، وان من العسير جدّاً السيطرة

٩٨

على الأوضاع الاجتماعية، وإخضاع البلاد إلى عسكره. اللهم إلاّ بسلوك أمرين:

الأوّل: ـ إشاعة الأحكام العرفيّة في البلاد، ومصادرة الحريات العامة، ونشر الخوف والارهاب، وأخذ الناس بالظنّة والتهمة، وهذا ما يسلكه عشّاق الملك والسلطان حينما يمنون بمثل هذه الأزمات في شِعوبهم.

أمّا أئمّه أهل البيت: فانهم لا يرون مشروعية هذه السياسة، وان أدّت إلى الانتصار، ويرون ضرورة توفير الحياة الحرّة الكريمة للشعب، واقصاء الوسائل الملتوية عنه.

الثاني: ـ تقديم الطبقة الرأسمالية وذوي النفوذ على فئات الشعب، ومنحهم الأموال والامتيازات الخاصة، والوظائف المهمة ولو فعل ذلك الإمام الحسن لاستقرّت له الأمور، وما مُني جيشه بالتمرّد والانحلال، إلاّ أنّه ابتعد عن ذلك ابتعاداً مطلقاً لأنّه لا تبيحه شريعة الله.

لقد كان منهج الإمام الحسن في سياسته واضحاً لا لبس فيه ولا غموض وهو التمسّك بالحقّ، وعدم السلوك في المنعطفات، واجتناب الطرق الملتوية، وان أدّت إلى الظفر والنصر.

إعلان معاوية للحرب:

وبادر معاوية إلى إعلان الحرب على سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه على علم بما مُني به جيش الإمام من الانحلال والخيانة فأغلب قادة الفرق، وضبّاط الجيش، وسائر المراتب قد رشاهم معاوية بذهبه وأمواله، ومنّاهم بالوظائف العالية، كما كاتب بعضهم بأن يزوجه بإحدى بناته، فقد استعمل

٩٩

الرشوة معهم على نطاق واسع، وقد استجابوا له، وضمنوا له تسليم الإمام أسيراً متى شاء وأراد، أو اغتياله، وقد حفزته هذه العوامل لاستعجال الحرب وحسم الموقف من صالحه.

وزحف معاوية بجيوشه المتماسكة والمطيعة صوب العراق، ولما علم الامام الحسن بذلك جمع قوّاته المسلّحة، وأعلمهم بالأمر ودعاهم إلى الجهاد وردّ العدوان فوجموا وساد عليهم الذعر والخوف فلم يجبه أحد منهم فقد آثروا العافية، وسئموا من الحرب، ولما رأى تخاذلهم الزعيم الكبير عَديّ بن حاتم تميّز غيظاً وغضباً، واندفع بحماس بالغ نحوهم فجعل يؤنّبهم على هذا التخاذل، وأعلن استجابته المطلقة لدعوة الإمام، ودعم موقفه كلّ من الزعيم الشريف قيس بن سعد بن عبادة، ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة التميمي فأخذوا يلومونهم على هذا الموقف الذي ليس فيه شرف ولا إنصاف، ويبعثونهم إلى ساحات الجهاد.

وخرج الإمام الحسنعليه‌السلام من فوره لمقابلة معاوية، وسار معه أخلاط من الناس حتى انتهى إلى النخيلة فاستقام فيها حتى التحمت به فصائل من جيشه المتخاذل، ثم ارتحل حتى إنتهى إلى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثة أيام، ثم واصل سيره لا يلوي على شيء.

في المدائن:

وانتهى الإمام، ومعه بعض الفرق من جيشه إلى المدائن، فأقام بها، وقد أحاطت به المصاعب والأزمات فقد عانى من جيشه الممزّق والخائن ألواناً شاقّة وعسيرة من المحن والمشاكل، وابتلي بما لم يبتل به أحد من

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وآله )، قال: ( طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وأذل نفسه في غير مسكنة، وأنفق من مال جمعه من غير معصية ).

٢٩ -( باب استحباب التواضع عند تجدد النعمة)

[١٣٠٩٦] ١ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب الزهد: عن محمد بن سنان، عن بسطام الزيات، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ( لما قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة، قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أحدثك يا رسول الله: دخلت على النجاشي يوما من الأيام وهو في غير مجلس الملك، وفي غير رياشه(١) ، وفي غير زيه، قال: فحييته بتحية الملك، وقلت له: يا أيها الملك مالي أراك في غير مجلس الملك وفي غير رياشه وفي غير زيه!؟ فقال: إنا نجد في الإنجيل أن من أنعم الله عليه بنعمة فليشكر الله، ونجد في الإنجيل أن ليس من الشكر لله شئ يعدله مثل التواضع، وأنه ورد علي في ليلتي هذه أن ابن عمك محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أظفره الله بمشركي أهل بدر، فأحببت أن أشكر الله تعالى بما ترى ).

[١٣٠٩٧] ٢ - الشيخ المفيد في أماليه: عن أبي الحسين أحمد بن الحسين بن أسامة البصري، عن عبيد الله بن محمد الواسطي، عن أبي جعفر محمد بن يحيى، عن هارون بن مسلم بن سعدان، عن مسعدة بن صدقة قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه أنه قال: ( أرسل النجاشي ملك الحبشة إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب، وعليه خلقان الثياب، قال: فقال جعفر بن أبي طالب: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما أن رأى ما بنا وتغير وجوهنا، قال:

__________________

الباب ٢٩

١ - الزهد ص ٥٧.

(١) الرياش: الأثاث من لباس أو حشو أو فراش أو دثار. واللباس الحسن الفاخر، ( لسان العرب ج ٦ ص ٣٠٩ ).

٢ - أمالي المفيد ص ٢٣٨.

٣٠١

الحمد لله الذي نصر محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقر عيني فيه، ألا أبشركم؟ فقلت: بلى أيها الملك، فقال: إنه جاء في الساعة من نحو أرضكم عين(١) من عيوني هناك، فأخبرني أن الله قد نصر نبيه محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهلك عدوه، وأسر فلان وفلان، وقتل فلان وفلان، التقوا بواد يقال له: بدر، لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك، وهو رجل من بني ضمرة، فقال له جعفر: أيها الملك الصالح، فما لي أراك جالسا على التراب وعليك هذا الخلقان(٢) ؟ فقال: يا جعفر، إنا نجد فيما أنزل على عيسىعليه‌السلام ، إن من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعا عندما يحدث لهم من النعمة، فلما أحدث الله لي نعمة نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أحدثت لله هذا التواضع، [ قال: ](٣) فلما بلغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك، قال لأصحابه: إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله، وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرحمكم(٤) الله، وإن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله ).

٣٠ -( باب تأكد استحباب التواضع للعالم والمتعلم)

[١٣٠٩٨] ١ - الصدوق في الأمالي: عن محمد بن موسى المتوكل، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن [ محمد بن ](١) الحسين بن أبي الخطاب، عن

__________________

(١) العين: هو الذي يأتي بالاخبار الجاسوس ( لسان العرب ج ١٣ ص ٣٠٣ ).

(٢) خلق الثوب: بلي، وثوب خلق: بال، غير جديد والجمع خلقان ( لسان العرب ج ١٠ ص ٨٨ ).

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) في المصدر: ( يرفعكم ).

الباب ٣٠

١ - أمالي الصدوق ص ٢٩٤.

(١) أثبتناه من المصدر ( راجع معجم رجال الحديث ج ١٠ ص ١٤٣ و ج ١٥ ص ٢٩٦ ).

٣٠٢

الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام يقول: ( اطلبوا العلم، وتزينوا [ معه ](٢) بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين، فيذهب(٣) باطلكم بحقكم ).

[١٣٠٩٩] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : ( وتواضع العلماء وأهل الدين ).

[١٣١٠٠] ٣ - الحسن بن أبي الحسن الديلمي في ارشاد القلوب: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - في حديث المعراج - إلى أن قال: ( قال الله تبارك وتعالى: يا احمد، إن عيب(١) أهل الدنيا كثير، فيهم الجهل والحمق، لا يتواضعون لمن يتعلمون منه ) الخبر.

٣١ -( باب استحباب التواضع في المأكل والمشرب ونحوهما)

[١٣١٠١] ١ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب الزهد: عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: ( افطر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشية الخميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟ فاتاه أوس بن خولي(١) الأنصاري بعس من لبن مخيض بعسل، فلما وضعه على فيه نحاه، ثم قال: شرابان ويكتفى بأحدهما عن صاحبه، لا اشربه ولا أحرمه، ولكني أتواضع لله، فإنه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه(٢) الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه، ومن

__________________

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر: ( فذهب ).

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٥٤.

٣ - إرشاد القلوب ص ٢٠١.

(١) لم ترد في المصدر.

الباب ٣١

١ - الزهد ص ٥٥.

(١) في الطبعة الحجرية والمصدر: ( خولة ) وما أثبتناه هو الصواب ( راجع الإصابة ج ١ ص ٨٤ والاستيعاب ج ١ ص ٧٧ ).

(٢) في نسخة: ( خذله ).

٣٠٣

بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله ).

[١٣١٠٢] ٢ - جامع الأخبار: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ( من ترك لبس ثوب جمال - وهو يقدر عليه - تواضعا، كساه الله تعالى حلة الكرامة ).

٣٢ -( باب وجوب ايثار رضى الله على هوى النفس، وتحريم العكس)

[١٣١٠٣] ١ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: ( قال الله: وعزتي وجلالي، وجمالي وبهائي، وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه، إلا كففت عليه ضيعته، وجعلت غناه في نفسه، وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر ).

[١٣١٠٤] ٢ - سبط الطبرسي في مشكاة الأنوار: نقلا من المحاسن، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي، وجمالي وبهائي، وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه، إلا جعلت غناه في قلبه، وهمه في آخرته، وكففت عليه ضيعته، وضمنت السماوات ) وذكر مثله.

ورواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول(١) : عن هشام بن الحكم، عن الكاظمعليه‌السلام قال: ( يا هشام، قال الله عز وجل ) وذكر مثله.

[١٣١٠٥] ٣ - وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي، وعظمتي وكبريائي، ونوري، وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواه على هواي، إلا شتت

__________________

٢ - جامع الأخبار: لم نجده في مظانه.

الباب ٣٢

١ - كتاب عاصم بن حميد الحناط ص ٣٧.

٢ - مشكاة الأنوار ص ١٦.

(١) تحف العقول ص ٢٩٤.

٣ - مشكاة الأنوار ص ١٧.

٣٠٤

عليه أمره، ولبست عليه دنياه، وشغلت قلبه بها، ولم أؤته منها إلا ما قدرت له، وعزتي وجلالي، وعظمتي وكبريائي، ونوري، وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه، إلا استحفظته ملائكتي، وكفلت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر، واتته الدنيا وهي راغمة ).

[١٣١٠٦] ٤ - فقه الرضاعليه‌السلام : ( أروي عن العالمعليه‌السلام ، أنه قال: يقول الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي، وارتفاعي في علوي، لا يؤثر عبد هواي على هواه، إلا جعلت غناه في قلبه، وهمه في آخرته، وكففت عليه ضيعته وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء حاجته، واتته الدنيا وهي راغمة، وعزتي وجلالي، وارتفاعي في علوي، لا يؤثر عبد هواه على هواي، إلا قطعت رجاه، ولم ارزقه منها(١) إلا ما قدرت له ).

[١٣١٠٧] ٥ - نصر بن مزاحم في كتاب صفين: عن عمر بن سعد الأسدي، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن [ بن ](١) عبيد [ بن ](٢) أبي الكنود وغيره، قال: لما قدم علي بن أبي طالبعليه‌السلام من البصرة إلى الكوفة - إلى أن قال - ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ( أما بعد يا أهل الكوفة، فإن لكم في الاسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا - إلى أن قال - ألا إن أخوف ما خاف عليكم، اتباع الهوى، وطول الامل، فاما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الامل فينسي الآخرة ) الخبر.

__________________

٤ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٨.

(١) في المصدر: منه.

٥ - وقعة صفين ص ٣.

(١، ٢) أثبتناه من المصدر، انظر معجم رجال الحديث ج ٩ ص ٣٣٧ و ٣٣٩، وفيه: عبد الرحمان بن عبد ( عبيد )، ورجال الشيخ ص ٥٣، وجامع الرواة ج ١ ص ٤٥٢، واختلفت الكتب في كنيته فقد جاء تارة ( ابن أبي الكنود ) وتارة ( ابن الكنود ) فلاحظ.

٣٠٥

٣٣ -( باب وجوب تدبر العاقبة قبل العمل)

[١٣١٠٨] ١ - الصدوق في العيون والأمالي: عن علي بن أحمد بن موسى، عن محمد بن هارون الصوفي، عن عبيد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الرضاعليهما‌السلام : حدثني بحديث عن آبائك، فقال: ( حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه، قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم ) الخبر.

[١٣١٠٩] ٢ - سبط الطبرسي في مشكاة الأنوار: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: ( أتى رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: علمني، فقال عليك باليأس مما في أيدي الناس، فإنه الغنى الحاضر، قال: زدني يا رسول الله، قال: إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يك خيرا ورشدا فاتبعه، وإن يك غيا فدعه ).

[١٣١١٠] ٣ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال لولده الحسينعليه‌السلام : ( ومن تورط في الأمور بغير نظر في العواقب، فقد تعرض للنوائب، التدبير قبل العمل يؤمنك الندم ).

[١٣١١١] ٤ - وعن الصادقعليه‌السلام ، أنه قال في وصية لعبد الله بن جندب: ( وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه، قبل أن تقع فيه فتندم ) الخبر.

__________________

الباب ٣٣

١ - أمالي الصدوق ص ٣٦٣، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ٢ ص ٥٤.

٢ - مشكاة الأنوار ص ١٤٥.

٣ - تحف العقول ص ٦٠.

٤ - تحف العقول ص ٢٢٤.

٣٠٦

[١٣١١٢] ٥ - أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: ( إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن كان خيرا فأسرع إليه، وإن كان شرا فانته عنه ).

[١٣١١٣] ٦ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من نظر في العواقب، سلم في النوائب ).

[١٣١١٤] ٧ - البحار: نقلا عن الدرة الباهرة قال: أوصى آدم ابنه شيث بخمسة أشياء، وقال له: اعمل بها، وأوص بها بنيك من بعدك - إلى أن قال - الثالثة: إذا عزمتم على أمر فانظروا إلى عواقبه، فاني لو نظرت في عاقبة أمري، لم يصبني ما أصابني ) الخبر.

[١٣١١٥] ٨ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: ( من نظر في العواقب، سلم ( من النوائب )(١) ).

وقالعليه‌السلام : ( من ركب العجل، أدرك الزلل. من عجل ندم على العجل )(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( الفكر في العواقب، ينجي من المعاطب )(٣) .

وقالعليه‌السلام : ألا ومن تورط في الأمور من غير نظر في العواقب، فقد تعرض لمفدحات(٤) النوائب )(٥) .

__________________

٥ - كنز الفوائد ص ١٩٤.

٦ - عوالي الآلي ج ١ ص ٢٩٦ ح ١٩٧.

٧ - البحار ج ٧٨ ص ٤٥٢ ح ١٩.

٨ - غرر الحكم ج ٢ ص ٦٢٣ ح ٢٦٧.

(١) ليس في المصدر.

(٢) نفس المصدر ج ٢ ص ٦٣١ ح ٣٩٤ و ٣٩٥.

(٣) نفس المصدر ج ١ ص ٥٤ ح ١٤٩٨.

(٤) فدحه الامر: بهضه وثقل عليه ( مجمع البحرين ج ٢ ص ٣٩٧ ).

(٥) نفس المصدر ج ١ ص ١٦٥ ح ٢٦.

٣٠٧

وقالعليه‌السلام : ( أصل السلامة من الزلل، الفكر قبل الفعل، والروية قبل الكلام )(٦) .

وقالعليه‌السلام (٧) : ( إذا لوحت الفكر في أفعالك، حسنت عواقبك في كل امر ).

وقالعليه‌السلام (٨) : ( رو قبل الفعل، كي لا تعاب بما تفعل ).

٣٤ -( باب وجوب انصاف الناس ولو من نفسك)

[١٣١١٦] ١ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيد الاعمال ثلاثة: انصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله، وذكرك الله تعالى في كل حال ).

[١٣١١٧] ٢ - وبهذا الاسناد عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: ( ثلاثة من حقائق الايمان: الانفاق من الاقتار، والانصاف من نفسك، وبذل السلام لجميع العالم ).

[١٣١١٨] ٣ - وبهذا الاسناد عنهعليه‌السلام ، قال: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : السابقون إلى ظل العرش طوبى لهم، قلنا: يا رسول الله، ومن هم؟ قال: الذين يقبلون الحق إذا سمعوه، ويبذلونه إذا سئلوه، ويحكمون للناس كحكمهم لأنفسهم، هم السابقون إلى ظل العرش ).

__________________

(٦) نفس المصدر ج ١ ص ١٨٩ ح ٢٧٢.

(٧) نفس المصدر ج ١ ص ٣١٩ ح ١٣١ باختلاف يسير.

(٨) غرر الحكم ج ١ ص ٤٢٤ ح ٥٩.

الباب ٣٤

١ - الجعفريات ص ٢٣٠.

٢ - الجعفريات ص ٢٣١.

٣ - الجعفريات ص ١٨٣.

٣٠٨

[١٣١١٩] ٤ - الصدوق في الخصال: عن ماجيلويه، عن عمه، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ( من أنصف الناس من نفسه، رضي به حكما لغيره ).

[١٣١٢٠] ٥ - المفيد في أماليه: عن الصدوق، عن أبيه، عن علي بن إبراهيم(١) عن محمد بن عيسى، عن عبيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، أنه قال في حديث: ( وخافوا الله عز وجل في السر، حتى تعطوا من أنفسكم النصف(٢) ) الخبر.

[١٣١٢١] ٦ - وفي الاختصاص: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا خطب قال آخر خطبته: ( طوبى لمن طاب خلقه، وطهرت سجيته، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله، وامسك الفضل من كلامه، وأنصف الناس من نفسه ).

[١٣١٢٢] ٧ - البحار، عن علي بن بابويه في كتاب الإمامة والتبصرة: عن القاسم بن علي العلوي، عن محمد بن أبي عبد الله، عن سهل بن زياد، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه،عليهم‌السلام ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مثله، وفيه: ( وامسك الفضل من قوله ).

__________________

٤ - الخصال ص ٨.

٥ - أمالي المفيد ص ١٥٧.

(١) في الطبعة الحجرية زيادة ( عن أبيه ) والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر ومعاجم الرجال ( راجع معجم رجال الحديث ج ١ ص ٣١٨ و ج ١١ ص ١٩٥. و ج ١٧ ص ١١١ ).

(٢) النصف: المعاملة بالعدل والقسط ( مجمع البحرين ج ٥ ص ١٢٤ ).

٦ - الاختصاص ص ٢٢٨.

٧ - البحار ج ٦٩ ص ٤٠٠ ح ٩٥ بل عن جامع الأحاديث ١٧.

٣٠٩

[١٣١٢٣] ٨ - الطبرسي في مكارم الأخلاق: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أنصف الناس من نفسك، وأنصح الأمة وأرحمهم، فإذ كنت كذلك وغضب الله على أهل بلدة وأنت فيها، وأراد أن ينزل عليهم العذاب، نظر إليك فرحمهم بك، يقول الله تعالى:( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) (١) ).

[١٣١٢٤] ٩ - نهج البلاغة: في عهده إلى الأشتررحمه‌الله : ( أنصف الله، ( وأنصف الناس من نفسك، ومن ( خاصتك، ومن أهلك )(١) ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك أن لا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب ) الخبر.

[١٣١٢٥] ١٠ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: ( ان أعظم المثوبة مثوبة الانصاف ).

وقالعليه‌السلام (١) : ( إن أفضل الايمان، انصاف الرجل(٢) من نفسه ).

وقالعليه‌السلام (٣) : ( إنك إن أنصفت من نفسك أزلفك(٤) الله ).

وقالعليه‌السلام (٥) : ( مع الانصاف تدوم الاخوة ).

__________________

٨ - مكارم الأخلاق ص ٢٥٧.

(١) هود ١١: ١١٧.

٩ - نهج البلاغة ٣: ٩٥.

(١) في المصدر: ( خاصة أهلك ).

١٠ - الغرر ج ١ ص ٢١٥ ح ١٢.

(١) المصدر نفسه ج ١ ص ٢١٩ ح ٦٣.

(٢) في المصدر: ( المرء ).

(٣) المصدر نفسه ج ١ ص ٢٨٧ ح ١٧.

(٤) أزلفه: قربه وأدناه ( مجمع البحرين ( زلف ) ٥: ٦٧ ).

(٥) المصدر نفسه ج ٢ ص ٧٥٨ ح ٢٤.

٣١٠

٣٥ -( باب انه يجب على المؤمن أن يحب للمؤمن ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها)

[١٣١٢٦] ١ - السيد علي بن طاووس في كشف المحجة: عن كتاب الرسائل للكليني، باسناده إلى جعفر بن عنبسة، عن عباد بن زياد الأسدي، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في وصيته للحسنعليه‌السلام قال: ( يا بني فتفهم وصيتي، واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، وأحب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، لا تظلم كما لا تحب ان تظلم، وأحسن كما تحب ان يحسن إليك، واستقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس ما ترضى لهم منك ) الخبر.

ورواه في نهج البلاغة: عنهعليه‌السلام ، مثله(١) .

[١٣١٢٧] ٢ - الصدوق في الأمالي: باسناده في خبر الشيخ الشامي، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا شيخ، ارض للناس ما ترضى لنفسك، وائت إلى الناس ما تحب ان يؤتى إليك ).

ورواه جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: مثله(١) .

[١٣١٢٨] ٣ - أبو الفتح الكراجكي في معدن الجواهر: عن لقمان، أنه قال لابنه في وصيته: ( يا بني أحثك على ست خصال، ليس منها خصلة إلا تقربك إلى الله تعالى - إلى أن قال - والرابعة: تحب للناس ما تحب لنفسك، ( وتكره

__________________

الباب ٣٥

١ - كشف المحجة: ١٦٤.

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ٥١.

٢ - أمالي الصدوق ص ٣٢٢.

(١) الغايات ص ٦٦.

٣ - معدن الجواهر ص ٥٥.

٣١١

لهم ما تكره لنفسك )(١) ) الخبر.

[١٣١٢٩] ٤ - محمد بن إدريس في آخر السرائر: نقلا عن كتاب المحاسن لأحمد ابن محمد البرقي، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ( جاء اعرابي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يريد بعض غزواته، فاخذ بغرز راحلته، فقال: يا رسول الله علمني شيئا ادخل الجنة به، فقال: ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فائته إليهم، خل سبيل الراحلة ).

٣٦ -( باب استحباب اشتغال الانسان بعيب نفسه عن عيب غيره)

[١٣١٣٠] ١ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن ثابت قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أسرع الخير ثوابا البر، وأسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عمى ان يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه، وان يعير الناس بما لا يستطيع تركه، وان يؤذي جليسه بما لا يعنيه ).

ورواه المفيد في أماليه: عن الصدوق، عن محمد بن موسى المتوكل، عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمد البرقي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، مثله(١) .

[١٣١٣١] ٢ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: ( لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل،

__________________

(١) ليس في المصدر.

٤ - السرائر ص ٤٩٢.

الباب ٣٦

١ - كتاب عاصم بن حميد ص ٢٦.

(١) أمالي المفيد ص ٦٧.

٢ - تحف العقول ص ١٠٥ و ١٠٦.

٣١٢

ويرجي(١) التوبة بطول الامل - إلى أن قال - يستكثر من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ويستكثر من طاعته ما يحتقر من غيره، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأدنى من عمله، فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن ) الخبر.

ورواه في النهج(٢) : عنهعليه‌السلام ، مثله.

[١٣١٣٢] ٣ - وعن عبد الله بن جندب، عن الصادقعليه‌السلام ، أنه قال: ( قال عيسى بن مريمعليه‌السلام : طوبى لمن جعل بصره في قلبه، ولم يجعل بصره في عينه، لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب، وانظروا في عيوبكم كهيئة العبد، إنما الناس رجلان: مبتلى ومعافى، فارحموا المبتلى، واحمدوا الله على العافية ).

[١٣١٣٣] ٤ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال في وصيته للحسينعليه‌السلام : ( واعلم - أي بني - أنه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره - إلى أن قال - أي بني، من نظر في عيوب الناس، ورضي ( نفسه بهذا )(١) فذاك الأحمق بعينه ).

[١٣١٣٤] ٥ - ثقة الاسلام في الكافي: عن علي بن إبراهيم، [ عن أبيه ](١) عن علي بن أسباط، عنهمعليهم‌السلام قال: ( كان فيما وعظ الله تبارك وتعالى عيسى بن مريمعليه‌السلام ، ان قال له: - إلى أن قال - يا عيسى، انظر في عملك نظر العبد المذنب الخاطئ، ولا تنظر في عمل غيرك بمنزلة الرب ) الخبر.

__________________

(١) أرجى الامر يرجيه: أخره، يجئ مهموزا وغير مهموز ( لسان العرب ( ( رجا ) ج ١٤ ص ٣١١ ).

(٢) نهج البلاغة ج ٣ ص ١٨٩.

٣ - تحف العقول ص ٢٢٥.

٤ - تحف العقول ص ٥٨ و ٥٩.

(١) في المصدر: ( لنفسه بها ).

٥ - الكافي ج ٨ ص ١٤٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

٣١٣

ورواه الصدوق في الأمالي(٢) : عن محمد بن موسى المتوكل، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، مثله.

[١٣١٣٥] ٦ - المفيد في الإختصاص: عن أبي حمزة الثمالي، عن الباقر والسجادعليهما‌السلام ، انهما قالا في حديث: ( وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس(١) ما يعمي عنه من نفسه(٢) ، أو ينهى الناس عما لا يستطيع ( التحول عنه )(٣) وان يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

[١٣١٣٦] ٧ - علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: ( أيها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتواضع من غير منقصة ) الخبر.

[١٣١٣٧] ٨ - سبط الطبرسي في مشكاة الأنوار: نقلا من المحاسن، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ( أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه ).

[١٣١٣٨] ٩ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: ( اشتغالك بمعايب نفسك يكفيك العار ).

__________________

(٢) أمالي الصدوق ص ٤٢٠ وفيه: بمنزلة نظر الرب.

٦ - الاختصاص ص ٢٢٨.

(١) في المصدر: من عيوب غيره.

(٢) في المصدر: من عيب نفسه.

(٣) وفيه: تركه.

٧ - تفسير القمي ج ٢ ص ٧٠.

٨ - مشكاة الأنوار ص ٢٤٤.

٩ - غرر الحكم ودرر الكلم ج ١ ص ٥٥ ح ١٥٢٠.

٣١٤

وقالعليه‌السلام (١) : ( الكيس من كان غافلا عن غيره، ولنفسه كثير التقاضي(٢) ).

وقالعليه‌السلام (٣) : ( أفضل الناس من شغلته معايبه عن عيوب الناس ).

وقالعليه‌السلام (٤) : ( أكبر العيب أن تعيب غيرك بما هو فيك ).

وقالعليه‌السلام (٥) : ( شر الناس من كان متتبعا لعيوب الناس، عميا [ عن ](٦) معايبه ).

وقالعليه‌السلام (٧) : ( عجبت لمن ينكر عيوب الناس، ونفسه أكثر شئ معابا ولا يبصرها، عجبت لمن يتصدى لصلاح الناس، ونفسه أشد شئ فسادا فلا يصلحها، ويتعاطى اصلاح غيره ).

وقالعليه‌السلام (٨) : ( كفى بالمرء شغلا بمعايبه عن معايب الناس ).

وقالعليه‌السلام (٩) : ( كفى بالمرء غباوة، ان ينظر من عيوب الناس إلى ما خفي عليه من عيوبه ).

وقالعليه‌السلام (١٠) : ( كفى بالمرء جهلا، ان يجهل عيوب نفسه، ويطعن على الناس بما لا يستطيع التحول عنه ).

__________________

(١) نفس المصدر ج ١ ص ٨٦ ح ٢٠٠٩.

(٢) تقاضى الرجل صاحبه: طلب حقه منه ( لسان العرب ج ١٥ ص ١٨٨ ).

(٣) نفس المصدر ج ١ ص ١٨٨ ح ٢٦٤.

(٤) نفس المصدر ج ١ ص ١٩٤ ح ٣٤٥.

(٥) نفس المصدر ج ١ ص ٤٤٧ ح ٦٧.

(٦) أثبتناه من المصدر.

(٧) نفس المصدر ج ٢ ص ٤٩٥ ح ١٩ و ٢٠.

(٨) نفس المصدر ج ٢ ص ٥٥٨ ح ٤٨.

(٩) نفس المصدر ج ٢ ص ٥٥٩ ح ٥٥.

(١٠) نفس المصدر ج ٢ ص ٥٦٠ ح ٦٣.

٣١٥

وقالعليه‌السلام (١١) : ( لينهك عن ذكر(١٢) معايب الناس ما تعرف من معايبك ).

وقالعليه‌السلام (١٣) : ( ليكف من علم منكم عن عيب غيره، ما يعرف عن عيب نفسه ).

وقالعليه‌السلام (١٤) : ( من أبصر عيب نفسه لم يعب أحدا ).

وقالعليه‌السلام (١٥) : ( من بحث عن عيوب الناس فليبدأ بنفسه ).

وقالعليه‌السلام : ( من أنكر عيوب الناس ورضيها لنفسه، فذلك الأحمق ).

وقالعليه‌السلام (١٧) : ( لا تتبعن عيوب الناس، فان لك من عيوبك - ان عقلت - ما يشغلك ان تعيب أحدا ).

٣٧ -( باب وجوب العدل)

[١٣١٣٩] ١ - الصدوق في الخصال: عن جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة، عن جده الحسن، عن عمرو بن عثمان، عن سعيد بن شرحبيل، عن ابن لهيعة، عن أبي مالك قال: قلت لعلي بن الحسينعليه‌السلام : أخبرني بجميع شرائع الدين، قال: ( قول الحق، والحكم بالعدل، والوفاء بالعهد ).

__________________

(١١) نفس المصدر ج ٢ ص ٥٨٣ ح ٤٢.

(١٢) ليس في المصدر.

(١٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٥٨٣ ح ٤٥.

(١٤) نفس المصدر ج ٢ ص ٦٥٢ ح ٧٢٠.

(١٥) نفس المصدر ج ٢ ص ٦٥٩ ح ٨٢٨.

(١٦) نفس المصدر ج ٢ ص ٦٨٩ ح ١٢٠٤.

(١٧) نفس المصدر ج ٢ ص ٨٠٩ ح ١٤٥.

الباب ٣٧

١ - الخصال ص ١١٣.

٣١٦

[١٣١٤٠] ٢ - وعن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن الرضاعليه‌السلام ، قال: ( استعمال العدل والاحسان مؤذن بدوام النعمة ).

[١٣١٤١] ٣ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: عن الصادقعليه‌السلام ، أنه سئل عن صفة العدل من الرجل، فقال: ( إذا غض طرفه عن المحارم، ولسانه، عن المآثم، وكفه عن المظالم ).

[١٣١٤٢] ٤ - سبط الطبرسي في المشكاة: عن مجموع السيد ناصح الدين أبي البركات، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: ( عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة، قيام ليلها، وصيام نهارها ).

[١٣١٤٣] ٥ - المفيد في الإختصاص: عن محمد بن الحسين، عن عبيس بن هشام، عن عبد الكريم، عن الحلبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ( العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن، ما أوسع العدل إذا عدل فيه، وإن قل! ).

[١٣١٤٤] ٦ - وعن ابن محبوب، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ( العدل أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأطيب ريحا من المسك ).

[١٣١٤٥] ٧ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: ( العدل ميزان الله في الأرض، فمن أخذه قاده إلى

__________________

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ٢ ص ٢٣ ح ٥٢، وعنه في البحار ج ٧٥ ص ٢٦ ح ٩.

٣ - تحف العقول ص ٢٧٢.

٤ - مشكاة الأنوار ص ٣١٦.

٥ - الاختصاص ص ٢٦١.

٦ - الاختصاص ص ٢٦٢.

٧ - لب اللباب: مخطوط.

٣١٧

الجنة، ومن تركه ساقه إلى النار ).

[١٣١٤٦] ٨ - الآمدي في الغرر: أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: ( في العدل إصلاح البرية، في العدل الاقتداء بسنة الله، في العدل الاحسان ).

وقالعليه‌السلام : ( غاية العدل أن يعدل المرء في نفسه )(١) .

وقالعليه‌السلام : ( العدل حياة، الجور ممحاة )(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( العدل خير الحكم )(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( العدل حياة الاحكام، الصدق روح الكلام )(٤) .

وقالعليه‌السلام : ( العدل يصلح البرية )(٥) .

وقال: ( العدل فضيلة السلطان )(٦) .

وقال: ( العدل قوام الرعية، الشريعة صلاح البرية )(٧) .

وقال: ( العدل أقوى أساس )(٨) .

وقال: ( العدل أفضل سجية(٩) ).

__________________

٨ - غرر الحكم ودرر الكلم ج ٢ ص ٥١٣ ح ٤٩، ٥٤، ٤٠.

(١) المصدر نفسه ج ٢ ص ٥٠٤ ح ٢٣.

(٢) المصدر نفسه ج ١ ص ١٣ ح ٣٠٧، ٣٠٨.

(٣) المصدر نفسه ج ١ ص ١٤ ح ٣٥٥.

(٤) المصدر نفسه ج ١ ص ١٧ ح ٤٤٠، ٤٤١.

(٥) الغرر ج ١ ص ٢٠ ح ٥٥١.

(٦) الغرر ج ١ ص ٢٢ ح ٦٦٣.

(٧) المصدر نفسه ج ١ ص ٢٦ ح ٧٤٩ و ٧٥٠.

(٨) الغرر ج ١ ص ٣٠ ح ٩١٣.

(٩) الغرر ج ١ ص ٣٣ ح ١٠٢٠.

٣١٨

وقال: ( الرعية لا يصلحها إلا العدل )(١٠) .

وقال: ( العدل يريح العامل به من تقلد المظالم )(١١) .

وقال: ( العدل رأس الايمان وجماع الاحسان ) )(١٢) .

وقال: ( أعدل تحكم )(١٣) .

وقال: ( أعدل تملك )(١٤) .

وقال: ( أعدل تدم لك القدرة )(١٥) .

وقال: ( أعدل فيما وليت )(١٦) .

وقال: ( استعن على العدل بحسن النية في الرعية، وقلة الطمع، وكثرة الورع )(١٧) .

وقال: ( اجعل الدين كهفك، والعدل سيفك، تنج من كل سوء، وتظفر على كل عدو )(١٨) .

وقال: ( أسنى المواهب العدل )(١٩) .

وقال: ( أفضل الناس سجية من عم الناس بعدله )(٢٠) .

__________________

(١٠) الغرر ص ٣٣ ( الطبعة الحجرية ).

(١١) الغرر ج ١ ص ٥٣ ح ١٤٧٥.

(١٢) الغرر ج ١ ح ٦٦ ح ١٧٣٣.

(١٣) الغرر ج ١ ص ١٠٨ ح ٤.

(١٤) الغرر ج ١ ص ١٠٩ ح ٢٩.

(١٥) الغرر ج ١ ص ١١٠ ح ٦٢.

(١٦) الغرر ج ١ ص ١٠٩ ح ٤١.

(١٧) الغرر ج ١ ص ١٢١ ح ١٨٣.

(١٨) الغرر ج ١ ص ١٢٤ ح ٢٠٧.

(١٩) الغرر ج ١ ص ١٧٦ ح ٥٥.

(٢٠) الغرر ج ١ ص ١٨٦ ح ٢٣٣ وفيه: الفضل الملوك سجية ...

٣١٩

وقالعليه‌السلام : ( بالعدل تتضاعف البركات )(٢١) .

وقال: ( جعل الله العدل قواما للأنام، وتنزيها من المظالم والآثام، وتسنية(٢٢) للاسلام )(٢٣) .

وقال: ( شيئان لا يوزن ثوابها: العفو، والعدل )(٢٤) .

وقال: ( عليك بالعدل في الصديق والعدو )(٢٥) .

وقال: ( في العدل الاقتداء بسنة الله وثبات الدول )(٢٦) .

وقال: ( ليكن مركبك العدل، فمن ركبه ملك )(٢٧) .

وقال: ( من عدل عظم قدره )(٢٨) .

وقال: ( من عدل في البلاد، نشر الله عليه الرحمة )(٢٩) .

وقال: ( ما عمرت البلاد بمثل العدل )(٣٠) .

٣٨ -( باب أنه لا يجوز لمن وصف عدلا أن يخالفه إلى غيره)

[١٣١٤٧] ١ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح: عن أبي الصباح، عن خيثمة

__________________

(٢١) الغرر ج ١ ص ٣٣٠ ح ٣٣.

(٢٢) السناء: الرفعة والعلو، والسني: الرفيع ( لسان العرب - سنا - ج ١٤ ص ٤٠٣ ).

(٢٣) المصدر نفسه ج ١ ص ٣٧٤ ح ٧٣.

(٢٤) الغرر ج ١ ص ٤٤٩ ح ١٥.

(٢٥) غرر الحكم ودرر الكلم ج ٢ ص ٤٨١ ح ٥٠.

(٢٦) غرر الحكم ودرر الكلم ج ٢ ص ٥١٣ ح ٥٤.

(٢٧) غرر الحكم ودرر الكلم ج ٢ ص ٥٨٧ ح ٨٢.

(٢٨) غرر الحكم ودرر الكلم ج ٢ ص ٦٢٥ ح ٢٩٤.

(٢٩) غرر الحكم ودرر الكلم ج ٢ ص ٦٧٠ ح ٩٧٥.

(٣٠) غرر الحكم ودرر الكلم ج ٢ ص ٧٤١ ح ٩١.

الباب ٣٨

١ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح ص ٧٩.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

لا تَعمى الأبصار ولكنْ تَعمى القلوب

كان أحد جنود الكوفة قد حضر حرب صِفِّين على بعيره، فقرَّر عند رجوعه أنْ يُعرِّج على الشام؛ ليطَّلع عن كثب على نظام حكومة مُعاوية. وعند دخوله دمشق قابل جنديَّاً مِن جنود مُعاوية كان قد رآه في الحرب، ويعرف أنَّه مِن جنود الإمام علي (عليه السلام).

تقدَّم هذا نحوه وأخذ بخناقه زاعماً أنَّ الناقة التي يركبها له، وأنَّه قد انتزعها منه في حرب صِفِّين. فتجمَّع الناس واشتدَّ الكلام بينهما، حتَّى وصل بهما الأمر إلى الرجوع إلى مُعاوية.

عرض الشامي دعواه واستشهد خمسين شاهداً شهدوا جميعاً: بأنَّ الناقة له. فحكم مُعاوية له وأمر الكوفي بتسليمه الناقة.

عندئذ قال الكوفي لمُعاوية: ولكنَّ هذا جمل وليس ناقة، مع أنَّ الدمشقي كان مُنذ البداية قد زعم أنَّ الجمل ناقة وشهد له بذلك خمسون شاهداً.

في الحقيقة كان الكوفيُّ يُريد بهذا أنْ يُلفت نظر مُعاوية إلى أنَّ كلَّ تلك الضجَّة كانت فارغة، وأنَّ الحُكم الذي أصدره كان باطلاً ومُخالفاً للحَقِّ.

غير أنَّ مُعاوية لم يلتفت إليه، وقال: إنَّ الحُكم قد صدر ويجب تنفيذه.

انتهى مجلس القضاء وتفرَّق طرفا الدعوى والشهود، فأرسل مُعاوية سِرَّاً يستدعي الكوفي وسأله عن ثمن الجمل وأعطاه له وأكرمه.

وقال له: أبلغ عليَّاً أنِّي أُقابله بمئة ألف ما فيهم مَن يُفرِّق بين الناقة والجمل.

لقد كان الدمشقي والشهود الخمسون مِثل سائر أهل الشام يؤيِّدون مُعاوية

٣٦١

ويُطيعونه مِن دون قيد ولا شرط. ما كان فيهم مَن يُفكِّر في الحَقِّ والباطل، ولا في الحلال والحرام، ولا في رضى الله وسخطه. كلُّ ما كان يُهمُّهم هو أنْ يفعلوا ما يرضي مُعاوية وأصحابه، ويُصيب بالضرر عليَّاً (عليه السلام) وأصحابه (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٦٢

باع آخرته بدنيا غيره

كان أبو العلاء (يزيد بن أبي مسلم) أخاً في الرضاعة للحَجَّاج بن يوسف، ويُدير له ديوان المكاتيب لقاء مرتَّب شهريٍّ قدره ثلاثمئة درهم ما كانت تكفيه معيشته. ومع ذلك فقد كان يقتل الناس مِن أجل الحَجَّاج.

مَرِض الرجل يوماً فعاده الحَجَّاج في بيته، فرآه قد وضع أمامه كانوناً مِن طين وسراجاً مِن خشب.

قال له: يا أبا العلاء، لا أرى رزقك يكفيك.

فردَّ عليه قائلاً: لئن لم تكفني ثلاثمئه درهم فلن تكفيني ثلاثمئة ألف درهم.

يزيد بن أبي مسلم لم يكن رجل حَقٍّ وحقيقة، ولم يكن يتحمَّل ضنك العيش على سبيل الزُّهد والتقوى في مرضاة الله، بلْ كان هذا الإنسان ذو الحظ المنكود والمعيشة الشقيَّة عبداً مِن عبيد الحَجَّاج، يُريق دماء الأبرياء في سبيل توطيد أركان حُكمه الظالم الجائر. فهو قد اشترى رضى المخلوق بسخط الخالق، وداس بقدمه الكرامة الإنسانيَّة لتنفيذ أغراض غير مشروعة لشخص جبَّار. إنَّه - كما قال رسول الله: ـقد باع آخرته بدنيا غيره فلحق بركب أشقى الناس وأرذلهم (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٦٣

اشترى مرضاة المخلوق بسخط الخالق

بعد واقعة كربلاء الدمويَّة، وفي الوقت الذي كان فيه أهل بيت الإمام الحسين (عليه السلام) في الشام اجتمع الناس في يوم جمعة لأداء الصلاة، وكان قد حضره الإمام السجاد (عليه السلام).

دخل يزيد المسجد ليؤمَّ المُصلِّين، فأمر الخطيب أنْ يرقى المنبر. حمد الخطيب الله وأثنى عليه ثمَّ راح يسبُّ علي بن أبي طالب والحسين (عليه السلام)، وتجرَّأ في كلامه على مقاميهما الإلهيَّين.

ثمَّ أخذ يمدح مُعاوية ويزيد ويُمجِّدهما، ونسب إليهما الكثير مِن الصفات الحميدة والخصال المجيدة، فصاح به السجاد (عليه السلام): (ويلك أيُّها الخاطب! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٦٤

ثِقْ بحُسن صِنع الله مِن حيث لا تدري

قال محمد بن أبي العتاهية حدَّثني أبي:

لمَّا امتنعت مِن قول الشعر وتركته، أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم، فأُخرجت مِن بين يديه إلى السجن، فلمَّا أُدخلته دُهشت وذهل عقلي ورأيت منظراً هالني، فرميت بطرفي أطلب موضعاً آوي إليه، أو رجلاً آنس بمجالسته، فإذا أنا بكهل هالني فرميت بطرفي أطلب موضعاً آوي إليه أو رجلاً آنس بمُجالسته، فإذا أنا بكهل حَسن السمت نظيف الثوب يُبيَّن عليه سيماء الخير فقصدته، فجلست إليه مِن غير أنْ أُسلِّم عليه أو أسأله عن شيء مِن أمره؛ لما أنا فيه مِن الجزع والحيرة، فمكثت كذلك مليَّاً وأنا مُطرق مُفكِّر في حالي، فأنشد هذا الرجل هذين البيتين. فقال:

تـعوَّدت مَـسَّ الضَّرَّ حتَّى ألفته

أسـلمني حُسن العزاء إلى الصبر

وحـيَّرني يـأسٌ مِن الناس واثقا

بحُسن صُنع الله مِن حيث لا أدري

فاستحسنت هذين البيتين وتبرَّكت بهما وثاب إليَّ عقلي، فأقبلت على الرجل فقلت له: تفضَّل - أعزَّك - الله بإعادة هذين البيتين.

فقال لي: ويحك يا إسماعيل! - ولم يُكنِّني - ما أسوأ أدبك وأقلَّ عقلك ومروءتك، دخلت إليَّ ولم تُسلِّم عليَّ بتسليم المسلم على المسلم، ولا توجَّعت لي توجُّع المُبتلى للمُبتلى، ولا سألتني مسألة الوارد على المُقيم، حتَّى إذا سمعت مِنِّي بيتين مِن الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيراً ولا أدباً، ولا جعل لك معاشاً غيره لم تتذكَّر ما سلف منك فتتلافاه، ولا اعتذرت مِمَّا قَدَّمته وفرَّطت فيه مِن الحَقِّ حتَّى استنشدتني مُبتدئاً كأنَّ بيننا أُنساً قديماً ومعرفة شافية وصُحبة تَبسط المنقبض.

فقلت له: اعذرني مُتفضِّلاً؛ فإنَّ دون ما أنا فيه مُدهش.

قال: وفي أيِّ شيءٍ أنت؟! إنَّما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم، فحبسوك حتَّى تقوله، وأنت لا بُدَّ مِن أنْ تقوله فتُطلق، وأنا يُدعى بي الساعة فأُطالب بإحضار عيسى بن زيد ابن رسول الله، فإنْ دللت عليه فسوف يُقتل

٣٦٥

وبذلك ألقى الله بدمه، وكان رسول الله خصمي فيه وإلاَّ قُتلت فأنا أولى بالحيرة منك وأنت ترى احتسابي وصبري.

فقلت: يكفيك الله، وأطرقت خَجلاً منه.

فقال لي: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع، اسمع البيتين واحفظهما. فأعادهما عليَّ مِراراً حتَّى حفظتهما ثمَّ دُعي به وبيَّ، فلمَّا قُمنا قلت: مَن أنت أعزَّك الله؟

قال: أنا حاضر صاحب عيسى بن زيد.

فأُدخلنا على المهدي فلمَّا وقف بين يديه قال له: أين عيسى بن زيد؟

قال ما يُدريني أين عيسى، طلبته وأخفته فهرب منك في البلاد، وأخذتني فحبستني فمِن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس؟!

فقال له: فأين كان مُتوارياً؟ ومتى آخر عهدك به؟ وعند مَن لقيته؟

فقال: ما لقيته مُنذ توارى ولا أعرف له خبراً.

قال: والله، لتدُلَّني عليه أو لأضربَنَّ عُنقك الساعة.

قال: اصنع ما بدا لك! أنا أدلُّك على ابن رسول الله لتقتله فألقى الله ورسوله يُطالباني بدمه. والله، لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه.

ثمَّ دعاني فقال: أتقول الشعر أو ألحقك به.

فقلت: بلْ أقول الشعر.

فقال: أطلقوه.

تُجيز التعليمات الإسلاميَّة للمسلمين لكي يُحافظوا على حياتهم وعند الضرورة أنْ يرتكبوا بعض المُحرَّمات بقدر الضرورة، ولكنْ ما مِن مسلم يجوز له أنْ يُضحِّي بحياة أخيه في الدين مِن أجل نفسه هو، كأنْ يقتله أو يدفع به للقتل لينجو هو بحياته (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٦٦

المُسلم لا يمكر بالمُسلم

في أيَّام خلافة عبد الله بن الزبير في الحِجاز، ذهب حامل ختم الخليفة عبد الملك بن مروان مِن الشام إلى زيارة بيت الله الحرام، وهناك التقى مع أحد خواصِّ عبد الله بن الزبير ومِن خلال البحث والجدال تنازع الرجلان وافترقا.

وبعد دخول الحَجَّاج بن يوسف مَكَّة وقتل ابن الزبير، ثم القبض على أصحاب ابن الزبير وإلقائهم في السجن بعد إرسالهم إلى الكوفة، كان أحد الأشخاص الذين أُلقي القبض عليهم هو الشخص الذي تنازع مع حامل ختم الخليفة.

وكتب الحَجَّاج مِن العراق برسالة إلى عبد الملك حول مصير السُّجناء، فأمر عبد الملك حاجبه بالرَّدِّ على الرسالة، وذلك بتعيين عددهم وكتابة أسمائهم، فكانت العبارة: أحصهم واكتب أسماءهم. وبعد كتابة الرسالة وتوقيعها مِن قِبَل الخليفة أُعطيت لحامل ختم الخليفة لتدقيقها وختمها.

وكان حامل ختم الخليفة قد عرف أنَّ أحد السُّجناء المذكورين في الرسالة، هو الشخص الذي تنازع معه عند زيارته لبيت الله، فأراد انتهاز الفرصة والانتقام منه؛ ولذلك فكَّر بفكرة شيطانيَّة عجيبة. فقال بصوت عالٍ: لقد نسيت أنْ أضع نقطة على إحدى الكلمات، فهل لي الإذن بوضعها؟ فأُذن له فوضع نقطة على (ح) مِن كلمة أحصهم فأصبحت (أخصهم)، وبعد ذلك أُغلقت الرسالة وهيِّئت للتوشيح مع بقيَّة الرسائل.

وبذلك تغيَّر أمر الخليفة إلى خَصي خواصِّ عبد الله بن الزبير. وعند وصول الرسالة إلى الحَجَّاج تمَّ العمل الهَمجيِّ، وذلك بخصي السُّجناء وحرمانهم مِن الحياة الطبيعيَّة (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٦٧

مَن حَفر حُفرة لغيره وقع فيها

المنصور الدوانيقي (ثاني خُلفاء بني العباس) طرد خالداً البرمكي مِن منصبه في أعمال الديوان، ونصب أبا أيُّوب مكانه، وأرسل خالداً إلى ولاية فارس حيث ظَلَّ والياً عليها سنتين. إلاّ أنَّ أبا أيُّوب - الذي كان عارفاً بفضل خالد وعلمه - كان دائم القَلق مِن أنْ يُعيده الخليفة إلى منصبه السابق، ويُجرَّد هو مِن مقامه الرفيع. فخامرته فكرة الدسّ لخالد كي يحط من قدره عند الخليفة ويحافظ هو على مركزه بأي شكل من الأشكال.

نَجح أبو أيُّوب في دسائسه الخفيَّة وخُططه اللا إنسانيَّة، وأثار سوء ظنِّ المنصور في خالد، فعزله عن ولاية فارس وطالبه بدفع ثلاثة آلاف ألف درهم، فأطلع خالد المنصور على أنَّ كلَّ ما يملكه لا يتجاوز السبعمئة ألف درهم، غير أنَّ هذا رفض قبول ذلك وأمر باستحصال مبلغ الثلاثة ملايين منه.

فتقدَّم لإعانته صاحب المصر بمبلغ خمسين ألف دينار، والتركي بمبلغ ألف ألف درهم. كما أنَّ (الخيزران) أرسلت له عِقداً مِن الجواهر تصل قيمته إلى ألف ألف ومئتي ألف درهم؛ وذلك رعاية لأخوَّة (الفضل) ابن خالد بالرضاعة مع ابنها (هارون) وإذ عرف منصور بالأمر ووثق مِن صحة قول خالد عن مُقدار ما يملك تخلَّى عن مُطالبته بالمبلغ. فصعب ذلك على أبي أيَّوب استدعى صرَّافاً مسيحيَّاً وأعطاه بعض المال، وطلب إليه أنْ يعترف بأنَّ ذلك المال يخصُّ خالداً، ثمَّ أوصل إلى المنصور أنَّ خالداً يحتفظ ببعض المال عند فلان، فاستدعى المنصور الصرَّاف وسأله عن المال، فادَّعى الصرَّاف بأنَّ لخالد عنده بعض المال، فاستدعى المنصور خالداً وسأله عن ذلك المال، فأقسم خالد أنَّه لم يدَّخر مالاً وأنَّه لم يرَ ذلك الصرَّاف مِن قبل.

٣٦٨

أمر المنصور خالداً بالبقاء في مجلسه، وطلب إحضار الصرَّاف وسأله عمّا إذا كان يعرف خالداً إذا رآه فردَّ هذا بالإيجاب قائلاً: إنَّه يعرفه إذا رآه، عندئذ التفت المنصور إلى خالد وقال لقد أظهر الله براءتك، وقال للنصراني هذا هو خالد، فكيف لم تعرفه؟

فقال الصرَّاف: يا أمير المؤمنين، أعطني الأمان لأذكر لك الحقيقة، فآمنه المنصور، فسرد له الحكاية كما حدثت، فتغيَّرت نظرة المنصور نحو أبي أيُّوب، وساء الظنُّ به ولم يعد يثق بأقواله (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٦٩

عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان

وصل هارون الرشيد إلى مَكَّة، فقضى حَجَّه وشهد مناسكه ومشاعره ثمَّ انصرف قافلاً إلى بغداد، وذلك في آخر شهر ذي الحجة من سنة ثمانين ومئة، فلمَّا همَّ بالانصراف وذكر القفول إلى العراق. رفع إليه أهل مَكَّة كتاباً يسألونه فيه أنْ يولِّي عليهم قاضياً عادلاً، فأدخلهم على نفسه فقال: إنْ شئتم فاختاروا منكم رجلاً صالحاً أولِّيه قضاءكم، وإنْ أحببتم بعثت إليكم مِن العراق رجلاً لا آلوكم فيه إلاَّ خيراً، فخرجوا فاختاروا رجلاً فاختلفوا فيه، فاختارت طائفة منهم رجلاً واختارت أُخرى رجلاً آخر.

فلمَّا اختلفوا ارتفعوا إلى الرشيد يذكرون اختلافهم، فقال لهم هارون: أدخلوا عليَّ هذين الرجلين اللذين اختلفتم فيهما، فإذا برجلين أحدهما شيخ مِن قريش والآخر غُلام حديث مِن الموالي.

فلمَّا نظر إليهما الرشيد قال للشيخ: ادْنِ منِّي فدنا منه، فقال له الرشيد: أيُّها القاضي، إنَّ بيني وبين وزيري هذا خصومة ونزاعاً فاقض بيننا بالحَقِّ.

فقال الشيخ: قصَّا عليَّ قصَّتكما فقصَّا عليه.

فقال الشيخ: تُقيم البيِّنة - يا أمير المؤمنين - على ما ذكرته، أو يحلف وزيرك هذا.

فقال له هارون: إنَّ أخي لا يُدافعني ما أقول ولا يُنكر إلاَّ قليلاً مِمَّا أدَّعي، فلم يزالا يُردِّدان القول بيهما ويتنازعان حتَّى قضى القاضي لأمير المؤمنين على الوزير.

فقال له: قُمْ. فقام عنه.

ثمَّ دعا بالغُلام الحَدَث الذي دعته الطائفة الأُخرى فدخل عليه، فقال له: ادْن منِّي فدنا منه.

٣٧٠

فقال له هارون: إنَّ بيني وبين وزيري تنازعاً وخصومة، فاسمع منَّا قولنا، ثمَّ اقض بيننا بالحَقِّ.

فقال لهما: إنَّ مقعدكما مُختلف ومجلسكما مُتنائي، وأخشى إذا اختلف مجلسكما أنْ يختلف قولكما، فإذا تفاضل مجلس الخصوم اختلف بينهما القول، وكان صاحب المجلس الأرفع ألحن بحُجَّته وأدحض لحُجَّة صاحبه، وكان إصغاء الحاكم إلى صاحب المجلس الأرفع أكثر إليه وأميل، ولكن تقومان مِن مَجلسكما هذا الذي قد استعليتما فيه فتجلسا بين يديَّ، ثمَّ أسمع منكما قولكما وأقضي لمَن رأيت الحقَّ له، ثمَّ لا أُبالي على مَن دار منكم.

فقال الرشيد: صدقت وبررت في قولك.

فقام الرشيد وقام عمرو بن مسعدة حتَّى صارا بين يديه جالسين، فلمَّا جلسا بين يديه ذهب الرشيد ليتكلَّم، فقال له القاضي: لو تركت هذا يتكلَّم؛ فإنَّه أسنُّ منك. فقال الرشيد: إنَّ الحقَّ أسنُّ منه.

فقال القاضي: بلى، ولكنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لحويصة ومحيصة كبر كبر، يُريد: ليتكلَّم عَمُّكما؛ لأنَّه أسنُّ منكما وأكبر، فتكلَّم عمرو بن سعدة ثمَّ تكلَّم الرشيد وتنازعا الخصومة وترافعا الحُجَّة بينهما، حتَّى رأى القاضي أنَّ الحقَّ لعمروٍ، وقضى لهبه على الرشيد فلمَّا قضى عليه قال لهما: عودا إلى مجلسكما.

فعادا، فعُجب الرشيد مِن قضائه وعدله، واحتفاظه وقِلَّة ميله، فالتفت إلى عمرو فقال: إنَّ هذا أحقُّ بقضاء القضاة مِن الذي استقضيناه.

فقال عمرو: بلى والله، ولكنَّ القوم أحقُّ بقاضيهم، إلاَّ أنْ يأذنوا فيه.

فدعا الرشيد برجال مَكَّة، فأدخلهم على نفسه وأجزل لهم العطاء، وأحسن على قاضيهم الثناء، ثمَّ قال لهم: هل لكم أنْ تأذنوا أولِّيه قضاء القُضاة فيسير إلى العراق يقضي بينهم؟

فقالوا: نعم يا أمير المؤمنين، أنت أحقُّ به نؤثرك على أنفسنا.

فأرسل إليه الرشيد فقال: إنِّي قد ولَّيتك قضاء القُضاة، فسر إلى العراق لتقضي

٣٧١

بينهم وتولِّي القُضاة في البُلدان والأمصار مِن تحت يدك، وتوليتهم إليك وعزلهم عليك.

فقال القاضي: إنْ يُجبرني أمير المؤمنين على ذلك فسمعاً وطاعة، وإنْ يُخيِّرني في نفسي اخترت العافية وجوار هذا البيت الحرام.

ـ خذ على نفسك، فإنِّي مُصبِح على ظهر إنْ شاء الله.

فخرج الرشيد ومعه الفتى حتَّى قَدِم العراق فولاَّه القضاء، وجعل إليه قضاء القُضاة، فلم يزل بها قاضياً حتَّى توفِّي، وذلك بعد ثلاثة أعوام مِن توليته، فلمَّا توفِّي اغتمَّ الرشيد وشَقَّ عليه، فجعل الناس يعزوُّنه فيه علماً منهم بما بلغ منه الغَمِّ عليه.

فسأل عن قاضٍ يولِّيه قاضي القُضاة والعراق بعد ذلك، فرُفعت إليه تسمية عشرة رجال مِن خِيار الناس وعلمائهم وأشرافهم.

فلمَّا دُفِعت إليه التسمية أمر بهم فأُدخلوا عليه رجلاً رجلاً، يتفرَّس فيهم مَن يولِّيه القَضاء، فنظر إلى رجل منهم توسَّم فيه الخير والعلم فأمر به فقُدِّم إليه، فلمَّا صار بين يديه قال له ما اسمك؟

قال: معشوق.

قال: فما كنيتك؟

قال: (أبو الهوى).

قال: فما نقشُ خاتمك؟

قال: دام الحُبُّ دام، وعلى الله التمام.

فقال له: قُمْ لا قُمْت.

ثمَّ دعا بالآخر وكان قد تفرَّس فيه ما تفرَّس في صاحبه، فقال له: ما نقشُ خاتمك؟

فقال: ما لي لا أرى الهدهد؟ أم كان مِن الغائبين؟

٣٧٢

فقال: له اخرُج.

فدعا الرشيد بيحيى بن خالد بن برمك، وكان مِمَّن رَفَع إليه أسماءهم، فعنَّفه بهم وقال: رفعت إليَّ أسماء المجانين.

قال له: والله، ما في العراقييِّن أعقل مِن الرجلين اللذين سألت ولا أفضل منهم.

فقال: ويحك! إنِّي اختبرت منهما جُنوناً.

قال يحيى: إنَّهما - والله - كانا كارهين لما دعوتهما إليه، وإنَّما أرادا التخلُّص منك.

قال: ويحك! أعدهما عليَّ، فطُلبا فلم يوجدا (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٧٣

الرياء مُفسد للعمل

وقد حدَّثني أوثق مشايخي أنَّ رجلاً كان لا يقدر على الإخلاص في العمل وترك الرياء، فاحتال وقال: إنَّ في طرف البلد مسجداً مهجوراً لا يدخله أحد، فأمضي إليه ليلاً وأعبد الله فيه.

مضى إليه في ليلة مُظلمة، وكانت ذات رعد وبرق ومطر، فشرع في العبادة، فبينما هو في الصلاة إذ دخل عليه داخل، فأحسَّ به، فدخله السرور برؤية ذلك الداخل له، وهو على حالة العبادة في الليلة الظلماء، فأخذ في الجَدِّ والاجتهاد في عبادته إلى أنْ جاء النهار، فنظر إلى ذلك فإذا هو كلب أسود قد دخل المسجد مِمَّا أصابه مِن المَطر.

تندَّم الرجل على ما دخله حال دخوله وقال:

يا نفس، إنِّي فررت مِن أنْ أُشرك بعبادة ربِّي أحداً مِن الناس، فوقعت في أنْ أشركت معه في العبادة كلباً أسود يا أسفاه! ويا ويلاه على ذلك ! (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٧٤

أنا عبد لله أوَّلاً

كان أبو منصور وزير السلطان طغرل رجلاً عالماً وخائفاً مِن الله، وكان بعد كلِّ فريضة يجلس على السجَّادة، ويشتغل بالتسبيح والدعاء حتَّى طلوع الشمس، ثمَّ كان يذهب بعدها إلى السلطان طغرل.

في أحد الأيَّام اتَّفقت حادثة مُهمَّة للسلطان قبل طلوع الشمس، فطلب الوزير فذهبت الخدم إلى منزله، فشاهده جالساً على السجَّادة مشغولاً بالذِّكر، فأبلغوه أمر السلطان العاجل بالحضور بين يديه، فلم ينتبه لهم.

كرَّروا له الأمر مَرَّتين وثلاث فلم ينتبه، فعزموا على الرجوع وقالوا للسلطان: بأنَّه رجل مغرور ومُتمرِّد لم يستجب لأمر السلطان وقوله.

وبهذا الكلام اشتعلت نيران غضب السلطان. وبعد طلوع الشمس وإتمام الوزير قراءة الأدعية ذهب إلى السلطان.

صرخ السلطان في وجهه وقال: لماذا أتيت متأخِّراً؟

أجاب الوزير: أيُّها السلطان، أنا عبد لله وخادم للسلطان طغرل: يجب عليَّ أوَّلاً أداء وظيفة العبودية لله، ثمَّ خدمتك.

خرج هذا الكلام مِن أعماق قلب الوزير بنيَّة خالصة، فأثَّر بشكل عميق بقلب السلطان وضميره ودمعت عيناه. وقام السلطان بمدح الوزير وقال: عبادة الله مُقدَّمة وببركة هذا العمل تنتظم أعمالنا وتُحرَس المَملكة (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٧٥

وضع جرَّة ماءٍ مسكورة وبرقع

كان الأصمعي مِن شُعراء العصر العباسي المشهورين، وكان أيضاً مُقتدراً وذو استعداد في قصصه المُضحكة والمزاح. وكان يُلقي القصائد في مجالس رجال الدولة، وأحياناً يحكي القصص الفكاهيَّة فيُضحك الحاضرين.

في أحد الأيَّام قال جعفر البرمكي رئيس وزراء هارون الرشيد لأحد خُدَّامه: اجلب لي ألف دينار، أُريد أنْ أذهب إلى منزل الأصمعي، فإذا حكى لي قصَّة وأضحكني سأضع كيس الذهب في حاشية قميصه.

دخل جعفر البرمكي ومعه أنس بن شيخ بيت الأصمعي، حيث حكى الأصمعي قَصصاً مُختلفة وكانت، كلُّ قصَّة تحكي جانباً مِن الحياة.

وبعد الخروج مِن البيت قال أنس لجعفر: لقد سعى الأصمعي لإضحاكك ولكنْ لم تضحك فلم يكن هدفك ذلك (إعطاء كيس الذهب للأصمعي)، قال جعفر: أُفٍّ لك! أرسلت له خمسمائة درهم قبل وصولنا إلى بيته لتهيئة الطعام، ولكنَّك شاهدته كيف وضع جرَّة ماء مسكورة وبرقع، وفرش سجَّادة قذرة.

حيث لاحظت وجود النعمة والإحسان والمدح على لسانه، ولكن لم أُلاحِظ ظهور الإحسان شكراً للنعمة، فلماذا نُعطيه المال؟

على الرغم مِن أنَّ الأصمعي كان مُوسراً، إلاَّ أنَّه أظهر نفسه وكأنَّه مِن أفقر الفُقراء. فهل كان هدفه مِن ذلك هو أنْ يَظهر بمظهر الزاهد الراغب عن الدنيا ليُلفت انتباه الآخرين إلى صلاحه وتقواه؟ أم أنَّ أنَّه كان يُريد أنْ يبدو في نظر القادمين فقيراً مسكيناً؛ لكي ينال شيئاً مِن عطاءاتهم السخيَّة، أمْ كان هناك ثَمَّة هدف آخر حمله على أنْ يفعل ما فعل؟

على كلِّ حال كان انطباع البرمكي عن الوضع الداخلي للأصمعي ومعيشته

٣٧٦

انطباع مَن يرى شخصاً مُنافقاً ذا وجهين، فأساء به الظنَّ وبمُشاهدة ذلك المشهد المُصطنع انقبضت نفسه، وتألَّم أشدَّ الألم، بحيث إنَّ قصصه الفَكهة لم تستطع أنْ تنتزع منه ابتسامة، وغادر المنزل في النهاية بمرارة وتأثُّر (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٧٧

الرياء هو الشِّرك كلُّه

قال ابن أوس:

دخلت على رسول الله فرأيت في وجهه ما ساءني، فقلت: ما الذي أرى بك؟!

فقال: (أخاف على أُمَّتي الشِّرك).

فقلت: أيُشركون مِن بعدك.

فقال: (أما إنَّهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولا حجراً، ولكنَّهم يُراؤون بأعمالهم والرِّياء هو الشِّرك كلُّه).

فمَن يرجو لقاء ربِّه فليعمل عملاً صالحاً، ولا يُشرك بعبادة ربِّه أحداً) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٧٨

النفاق أشدُّ مِن الكُفر

في الأيَّام التي كان فيها مسلم بن عقيل (عليه السلام) في الكوفة مبعوثاً مِن قِبَل الإمام الحسين لأخذ البيعة له من الناس، وصل الكوفة عبيد الله بن زياد والياً عليها مِن قِبَل يزيد بن مُعاوية، وهدَّد الناس بالقتل إنْ هُمْ خالفوا أوامره، وأخذ العُرفاء أخذاً شديداً مُعِدَّاً نفسه لقمع حركة التشيُّع والقضاء عليها.

ولمَّا سمع مسلم بمجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها، وما أخذ به العُرفاء والناس قرَّر أنْ يترك دار المُختار - التي كان قد اتَّخذها مَقرَّاً لنشاطه - وينتقل إلى دار هاني بن عروة، فدخلها فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هاني على تستُّر واستخفاء مِن عبيد الله بن زياد وتواصوا بالكتمان.

دعا ابن زياد مولى له يُقال له: (معقل) وقال له: خُذْ ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم (عليه السلام) والتمس أصحابه، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، وقُلْ لهم: استعينوا بها على حرب عدوِّكم، وأعلمهم أنَّك منهم، فإنَّك لو أعطيتهم إيَّاها لاطمأنُّوا إليك ووثقوا بك، ولم يكتموك شيئاً مِن أخبارهم، ثمَّ أغدُ عليهم وراوح، حتَّى تعرف مُستقرَّ مسلم (عليه السلام) وتدخل عليه.

ففعل ذلك وجاء حتَّى جلس على مسلم (عليه السلام) ابن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يُصلّي، فسمع قوماً يقولون هذا يُبايع للحسين (عليه السلام).

فجاء وجلس إلى جنبه حتَّى فرغ مِن صلاته، ثمَّ قال: يا عبد الله، إنِّي امرؤٌ مِن أهل الشام أنعم الله عليَّ بُحبِّ أهل البيت وحُبِّ مَن أحبَّهم وتباكى له، وقال:

معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنَّه قَدِم الكوفة، رجل يُبايع لابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكنت أُريد لقاءه فلم أجد أحداً يدلُّني عليه ولا أعرف مكانه. وإنِّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفراً مِن المؤمنين يقولون

٣٧٩

: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، وإنِّي أتيتك لتقبض منِّي هذا المال وتُدخلني على صاحبك، فإنِّي أخٌ مِن إخوانك وثقة عليك، وإنْ شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال له ابن عوسجة:

أحمد الله على لقائك إيَّاي، فقد سرَّني ذلك لتنال الذي تُحبُّ ولينصر الله بك أهل بيت نبيِّه (عليه وعليهم السلام) ولقد ساءني معرفة الناس إيَّاي بهذا الأمر قبل أنْ يتمَّ مَخافة هذا (يعني ابن زياد).

وأخذ عليه المواثيق المُغلَّظة ليُناصحنَّ وليكتمنَّ، فأعطاه مِن ذلك ما رضي به، ثمَّ قال له: اختلفْ إليَّ أيَّاماً في منزلي، فإنِّي طالب لك الإذن على صاحبك.

وأخذ يختلف مع الناس فطلب له الإذن فأذن له، فأخذ مسلم (عليه السلام) بيعته وأمر أبا ثمامة الصائدي يقبض المال منه، وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يُعين به بعضهم بعضاً، ويشري لهم السلاح وكان بصيراً وفارساً مِن فُرسان العرب ووجوه الشيعة.

وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم، فهو أوَّل داخل وآخر خارج، حتَّى فَهم ما احتاج إليه ابن زياد مِن أمرهم فكان يُخبر به أوَّلاً بأول.

إنَّ نفاق هذا المُنافق قد أدَّى إلى مفاسد كبيرة ما كان بالإمكان جبرها، كمَقتل مسلم (عليه السلام) وهاني بن عروة، والتمهيد لواقعة كربلاء الدامية التي قُتِل فيها الحسين (عليه السلام) وأصحابه العظام، وهُمْ مِن أكرم أبناء الإسلام، وبذلك مَكَّن لتوطيد سُلطان يزيد وأعماله الفاسدة (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج2.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399