مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٢

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل17%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 447

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 447 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 143169 / تحميل: 11969
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

[١٣٦٨٢] ٧ - وعن عبد الله بن محمد الجعفي قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والاستغفار ( حصنين )(١) حصينين لكم من العذاب، فمضى أكبر الحصنين وبقي الاستغفار، فأكثروا منه فإنه ممحاة للذنوب، وان شئتم فاقرؤوا:( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) (٢) ».

[١٣٦٨٣] ٨ - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « من أعطي أربعا لم يحرم أربعا: من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة، وتصديق ذلك في كتاب الله سبحانه، قال الله عز وجل في الدعاء:( ادعوني استجب لكم ) (١) وقال في الاستغفار:( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) (٢) وقال في الشكر:( لئن شكرتم لأزيدنكم ) (٣) وقال في التوبة:( إنما التوبة على الله ) (٤) » الآية.

[١٣٦٨٤] ٩ - وفيه: وسئل عن الخير، فقالعليه‌السلام : « ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير ان يكثر علمك، ويعظم حلمك، وان تباهي الناس بعبادة ربك، فان أحسنت حمدت الله، وان أسأت استغفرت الله ».

__________________

٧ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٥٤ ح ٤٤.

(١) لم ترد في المصدر.

(٢) الأنفال ٨: ٣٣.

٨ - نهج البلاغة ج ٣ ص ١٨٤ ح ١٣٥.

(١) غافر ٤٠: ٦٠.

(٢) النساء ٤: ١١٠.

(٣) إبراهيم ١٤: ٧.

(٤) النساء ٤: ١٧.

٩ - المصدر السابق ج ٣ ص ١٧١ ح ٩٤.

١٢١

[١٣٦٨٥] ١٠ - الشيخ أبو الفتوح في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ما اصر من استغفر، ولو عاد في اليوم بسبعين مرة ».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « طوبى لمن وجد في صحيفته، تحت كل ذنب، استغفر الله ».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « إن الله تعالى يغفر للمذنبين، إلا من لا يريد أن يغفر له، قالوا: يا رسول الله، من الذي يريد أن لا يغفر له!؟ قال: من لا يستغفر ».

[١٣٦٨٦] ١١ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « الاستغفار دواء الذنوب ».

وقالعليه‌السلام (١) : « الاستغفار أعظم اجرا(٢) وأسرع مثوبة ».

وقالعليه‌السلام (٣) : « المؤمن بين نعمة وخطيئة، لا يصلحهما إلا الشكر والاستغفار ».

وقالعليه‌السلام (٤) : « استغفر ترزق ».

وقالعليه‌السلام (٥) : « حسن الاستغفار يمحص الذنوب ».

وقال (عليه‌السلام ((٦) : « سلاح المذنب(٧) الاستغفار ».

__________________

١٠ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٦٥٤.

١١ - غرر الحكم ودرر الكلم ج ١ ص ٣١ ح ٩٥٥.

(١) نفس المصدر ج ١ ص ٥٦ ح ١٥٣٣.

(٢) في المصدر: « جزاء ».

(٣) نفس المصدر ج ١ ص ٧١ ح ١٨٠١.

(٤) نفس المصدر ج ١ ص ١٠٨ ح ٩.

(٥) نفس المصدر ج ١ ص ٣٨٠ ح ٥٩.

(٦) نفس المصدر ج ١ ص ٤٣٣ ح ١٣.

(٧) في المصدر: « المؤمن ».

١٢٢

وقالعليه‌السلام (٨) : « عود نفسك الاستهتار(٩) بالذكر(١٠) والاستغفار، فإنه يمحو عنك الحوبة، ويعظم لك المثوبة ».

وقالعليه‌السلام (١١) : « عجبت لمن يقنط ومعه المنجاة(١٢) ، وهو الاستغفار ».

وقالعليه‌السلام (١٣) : « لو أن الناس حين عصوا تابوا واستغفروا، لم يعذبوا ولم يهلكوا ».

وقالعليه‌السلام (١٤) : « من استغفر الله أصاب المغفرة ».

[١٣٦٨٧] ١٢ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ألا أنبئكم بدائكم من دوائكم، داؤكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار ».

[١٣٦٨٨] ١٣ - وجاء رجل يبكي بصوت ويقول: يا رسول الله أدركني، قال: « مالك؟ » قال: ذنوبي، قال: « قل لا إله إلا الله، وطولها حتى يمتلئ جوفك، ثم قال: قل: اللهم اغفر لي، ثلاثا، ثم قال: وجبت ورب الكعبة ».

[١٣٦٨٩] ١٤ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « ما من بلدة تاب فيها رجل، إلا رحم الله أهل تلك البلدة ورفع العذاب عنهم، وعن أهل المقابر أربعين يوما، ويغفر لأهل القبور ذنب أربعين عاما، لفضل هذا العبد عند الله ».

__________________

(٨) غرر الحكم ج ٢ ص ٤٩٢ ح ٢.

(٩) استهتر بالشئ: ولع به ( مجمع البحرين ج ٣ ص ٥١٤ ).

(١٠) في المصدر: « بالفكر ».

(١١) نفس المصدر ج ٢ ص ٤٩٤ ح ١١.

(١٢) في المصدر: « النجاة ».

(١٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٦٠٤ ح ١٦.

(١٤) نفس المصدر ج ٢ ص ٦٥٢ ح ٧١٨.

١٢ - ١٤ - لب اللباب: مخطوط.

١٢٣

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تؤخر التوبة فان الموت يأتي بغتة ». وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم الوسيلة الاستغفار ».

[١٣٦٩٠] ١٥ - وأوحى الله إلى داودعليه‌السلام : « لو أن عبدا من عبادي عمل حشو الدنيا ذنوبا، ثم ندم حلبة شاة واستغفرني مرة واحدة، فعلمت من قلبه أن لا يعود إليها، ألقيها عنه أسرع من هبوط القطر من السماء إلى الأرض ».

[١٣٦٩١] ١٦ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « استغفروا بعد الذنب أسرع من طرفة عين، فإن لم تفعلوا فبالانفاق، فإن لم تفعلوا فبكظم الغيظ، فإن لم تفعلوا فبالعفو عن الناس، فإن لم تفعلوا فبالاحسان إليهم، فإن لم تفعلوا فبترك الاصرار، فإن لم تفعلوا فبالرجاء، لا تقنطوا من رحمة الله ».

[١٣٦٩٢] ١٧ - الشيخ الطبرسي في مجمع البيان: عن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « ما من عبد يذنب إلا اجله الله سبع ساعات، فان تاب لم يكتب عليه ذنب ».

[١٣٦٩٣] ١٨ - وعنهعليه‌السلام : « طوبى للعبد يستغفر الله من ذنب لم يطلع عليه غيره، فإنما مثل الاستغفار عقيب الذنب، مثل الماء يصب على النار فيطفئها ».

[١٣٦٩٤] ١٩ - أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد: عن الصادقعليه‌السلام ، قال: « تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله هلكة، والاصرار على الذنب امن لمكر الله، ولا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون ».

__________________

١٥، ١٦ - لب اللباب: مخطوط.

١٧ - مجمع البيان: لم نجده في مظانه.

١٨ - مجمع البيان: لم نجده في مظانه.

١٩ - كنز الفوائد ص ١٩٥.

١٢٤

٨٦ -( باب وجوب التوبة من جميع الذنوب على ترك العود أبدا)

[١٣٦٩٥] ١ - صحيفة الرضاعليه‌السلام : عن آبائهعليهم‌السلام قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل المؤمن عند الله عز وجل كمثل ملك مقرب، وإن المؤمن عند الله أعظم من ذلك(١) ، وليس شئ أحب إلى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة ».

[١٣٦٩٦] ٢ - العياشي في تفسيره: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « رحم الله عبدا تاب إلى الله قبل الموت، فان التوبة مطهرة من دنس الخطيئة، ومنقذة من شفا الهلكة، فرض الله بها على نفسه لعباده الصالحين، فقال:( كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم )(١) ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) (٢) ».

[١٣٦٩٧] ٣ - وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، يقول في قوله:( إنه كان للأوابين غفورا ) (١) : « هم التوابون المتعبدون ».

[١٣٦٩٨] ٤ - وعن أبي عمرو الزبيري، عنهعليه‌السلام ، قال: « إن التوبة

__________________

الباب ٨٦

١ صحيفة الرضاعليه‌السلام ص ٢٨ و ٢٧.

(١) في المصدر: « ملك ».

٢ تفسير العياشي ج ١ ص ٣٦١ ح ٢٧.

(١) الانعام ٦: ٥٤.

(٢) النساء ٤: ١١٠.

٣ تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٦ ح ٢٨٦.

(١) الاسراء ١٧: ٢٥.

٤ تفسير العياشي ج ١ ص ١٥٣ ح ٥١٢.

١٢٥

مطهرة من دنس الخطيئة، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين - إلى قوله -لا تظلمون ) (١) فهذا ما دعا الله إليه عباده من التوبة، ووعد عليها من ثوابه، فمن خالف ما امره الله به من التوبة، سخط الله عليه، وكانت النار أولى به وأحق ».

[١٣٦٩٩] ٥ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « إذا تاب العبد تاب الله عليه، وأنسى الحفظة ما علموا منه، وقيل للأرض وجوارحه: اكتموا عليه مساوئه ولا تظهروا عليه ابدا ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من بلدة فيها رجل تائب، إلا رحم الله أهل تلك البلدة، ورفع العذاب عنهم، وعن أهل المقابر أربعين يوما، ويغفر لأهل القبور ذنب أربعين عاما، لفضل هذا العبد عند الله ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الله افرح بتوبة العبد من الظمآن الوارد، والمضل(١) الواجد(٢) ، والعقيم الوالد ».

وقالعليه‌السلام : « إنما التوبة من الذنب أن لا تعود إليه ابدا ».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « التائب من الذنب كمن لا ذنب له ».

[١٣٧٠٠] ٦ - الحسين بن سعيد في كتاب الزهد: عن فضالة، عن القاسم بن يزيد، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : « ان من أحب عباد الله إلى الله المفتن(١) المحسن التواب ».

__________________

(١) البقرة ٢: ٢٧٨ ٢٧٩.

٥ - لب اللباب: مخطوط.

(١) ضل الشئ: ضاع، والمضل: الذي ضاع منه شئ من حيوان وغيره ( مجمع البحرين ج ٥ ص ٤١٠ ).

(٢) وجد ضالته: إذا رآها ولقيها. ( مجمع البحرين ج ٣ ص ١٥٥ ).

٦ - الزهد ص ٧٠ ح ١٨٦.

(١) ليس في المصدر.

١٢٦

ورواه جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عنهعليه‌السلام ، مثله(٢) .

[١٣٧٠١] ٧ - ثقة الاسلام في الكافي: عن محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنه قال: « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة له: ولا شفيع أنجح من التوبة ».

[١٣٧٠٢] ٨ - جامع الأخبار: قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المؤمن إذا تاب وندم، فتح الله عليه من(١) الدنيا والآخرة الف باب من الرحمة، ويصبح ويمسي على رضى الله، وكتب الله له بكل ركعة يصليها من التطوع عبادة سنة، وأعطاه الله بكل آية يقرأها نورا على الصراط، وكتب الله له بكل يوم وليلة ثواب نبي، وله بكل حرف من استغفاره وتسبيحه ثواب حجة وعمرة، وبكل آية في القرآن مدينة، ونور الله قبره، وبيض وجهه، وله بكل شعرة على بدنه نور، وكأنما تصدق بوزنه ذهبا، وكأنما أعتق بعدد كل نجم رقبة، ولا تصيبه شدة القيامة، ويؤنس في قبره، ووجد قبره روضة من رياض الجنة، وزار قبره كل يوم الف ملك يؤنسه في قبره، وعليه سبعون حلة، وعلى رأسه تاج من الرحمة، ويكون تحت ظل العرش مع النبيين والشهداء، ويأكل ويشرب حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، ثم يوجهه إلى الجنة ».

[١٣٧٠٣] ٩ - نهج البلاغة: في وصيته للحسنعليهما‌السلام : « وان قارفت

__________________

(٢) الغايات ص ٧٩ وفيه: المقتني الثواب.

٧ - الكافي ج ٨ ص ١٩.

٨ - جامع الأخبار ص ١٠١.

(١) في المصدر: في.

٩ - نهج البلاغة: لم نجده، وأخرجه في البحار ج ٧٧ ص ٢٠٨ عن كتاب الوصايا لابن

١٢٧

سيئة فعجل محوها بالتوبة ».

[١٣٧٠٤] ١٠ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام ، عن قول الله عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) (١) قال: « يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود إليه » قال: فشق ذلك علي، فلما رأى مشقته علي، قال: « إن الله يحب من عباده المفتن التواب ».

[١٣٧٠٥] ١١ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم على جبل من جبال تهامة والمسلمون حوله، إذ اقبل شيخ وبيده عصا، فنظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: مشية الجن ونغمتهم وعجبهم، ( فاتى وسلم )(١) فرد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: [ له ](٢) من أنت؟ فقال: أنا هام بن الهيم بن لا قيس بن إبليس، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سبحان الله سبحان الله، ما بينك وبين إبليس إلا أبوان، قال: لا، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : كم أتى عليك؟ قال: أكلت الدنيا كلها(٣) إلا القليل، قال على ذلك(٤) قال: كنت ( بين أقوام، و )(٥) افهم الكلام، وآمر بافساد الطعام وقطيعة الأرحام، فقال رسول الله ( صلى الله

__________________

طاووس.

١٠ - كتاب عاصم بن حميد ص ٣٧.

(١) التحريم ٦٦: ٨.

١١ - الجعفريات ص ١٧٥.

(١) في المصدر: « أتى فسلم ».

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر: « عمرها ».

(٤) كذا كان الأصل ولا يخلو من سقم.

(٥) في نسخه والمصدر: « ابن أعوام ».

١٢٨

عليه وآله ): ( هي لعمرو )(٦) الله عمل ( الشاب المتلون )(٧) أو الشيخ المتوسم، ثم قال: زدني من التعداد، إني تائب(٨) ممن أشرك(٩) في دم العبد الصالح الشهيد السعيد هابيل بن آدم، وكنت مع نوحعليه‌السلام في مسجده، فيمن(١٠) آمن به، وعاتبته على دعوته عليهم، فلم أزل أعاتبه حتى بكى وأبكاني، وقال: إني من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، فقلت: يا نوح إني ممن أشرك في دم العبد الصالح الشهيد السعيد هابيل بن آدم، هل تدري(١١) عند ربك من التوبة؟ قال: نعم يا هام، هم بخير وافعله قبل الحسرة والندامة، إني وجدت فيما انزل الله تبارك وتعالى علي، أنه(١٢) ليس من عبد عمل ذنبا كائنا ما كان وبالغا ما بلغ، ثم تاب إلا تاب الله تعالى عليه » الخبر.

[١٣٧٠٦] ١٢ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « التوبة تجب ما قبلها ».

[١٣٧٠٧] ١٣ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « التوبة تستنزل الرحمة ».

وقالعليه‌السلام : « التوبة تطهر القلوب وتغسل الذنوب »(١) .

وقالعليه‌السلام : « الذنوب الداء، والدواء الاستغفار، والشفاء أن لا تعود »(٢) .

__________________

(٦) في المصدر: « بئس العمرو ».

(٧) في المصدر: « الشيخ المثلوم ».

(٨) في المصدر: « مليت ».

(٩) في المصدر: « شرك ».

(١٠) في نسخة: « ممن ».

(١١) في نسخة: « ترى ». (١٢) ليست في المصدر.

١٢ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٣٧ ح ١٥٠.

١٣ - الغرر ج ١ ص ٣٦ ح ١١١١.

(١) نفس المصدر ص ٣٤ « الطبعة الحجرية ».

(٢) نفس المصدر ج ١ ص ٧٩ ح ١٩١٣.

١٢٩

وقالعليه‌السلام : « ثمرة التوبة استدراك فوارط النفس »(٣) .

وقالعليه‌السلام : « حسن التوبة يمحو الحوبة »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « مسوف نفسه بالتوبة، من هجوم الاجل على أعظم الخطر »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « يسير التوبة والاستغفار، يمحص المعاصي والاصرار ».

٨٧ -( باب وجوب اخلاص التوبة، وشروطها)

[١٣٧٠٨] ١ - السيد علي بن طاووس في فلاح السائل: روي عن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنه كان يوما جالسا في حشد من الناس من المهاجرين والأنصار، فقال رجل منهم: استغفر الله، فالتفتعليه‌السلام إليه كالمغضب، وقال: « له يا ويلك، أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار اسم واقع على ستة ( أقسام )(١) : الأول: الندم على ما مضى، الثاني: العزم على ترك العود إليه، الثالث: أن تعمد إلى كل فريضة ضيعتها فتؤديها، الرابع: ان تخرج إلى الناس مما بينك وبينهم، حتى تلقى الله أملس وليس عليك تبعة، الخامس، أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذهبه(٢) بالأحزان، حتى ينبت لحم غيره، السادس: ان تذيق الجسم مرارة الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فحينئذ تقول: استغفر الله ».

[١٣٧٠٩] ٢ - جامع الأخبار: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « التائب إذا لم

__________________

(٣) غرر الحكم ج ١ ص ٣٦٢ ح ٦٩.

(٤) نفس المصدر ج ١ ص ٣٧٩ ح ٥٨.

(٥) نفس المصدر ج ٢ ص ٧٦٨ ح ١٦١.

(٦) نفس المصدر ص ٤٠٧، « الطبعة الحجرية ».

الباب ٨٧

١ - فلاح السائل ص ١٩٨.

(١) في المصدر: « معان ».

(٢) في المصدر: « فتذيبه ».

٢ - جامع الأخبار ص ١٠٢ و ١٠٣.

١٣٠

يستبن عليه اثر التوبة فليس بتائب، يرضي الخصماء، ويعيد الصلوات، ويتواضع بين الخلق، ويقي نفسه عن الشهوات، ويهزل رقبته بصيام النهار، ويصفر لونه بقيام الليل، ويخمص بطنه بقلة الأكل، ويقوس ظهره من مخافة النار، ويذيب عظامه شوقا إلى الجنة، ويرق قلبه من هول ملك الموت، ويجفف جلده على بدنه بتفكر الآخرة، فهذا اثر التوبة، وإذا رأيتم العبد على هذه الصفة فهو تائب ناصح لنفسه ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتدرون من التائب؟ فقالوا: اللهم لا، قال: إذا تاب العبد ولم يرض الخصماء فليس بتائب، ومن تاب ولم يغير مجلسه وطعامه فليس بتائب، ومن تاب ولم يغير رفقاءه فليس بتائب، ومن تاب ولم يزد في العبادة فليس بتائب، ومن تاب ولم يغير لباسه فليس بتائب، ومن تاب ولم يغير فراشه ووسادته فليس بتائب، ومن تاب ولم يفتح قلبه ولم يوسع كفه فليس بتائب، ومن تاب ولم يقصر أمله ولم يحفظ لسانه فليس بتائب، ومن تاب ولم يقدم فضل قوته من بين يديه فليس بتائب، وإذا استقام على هذه الخصال فذاك التائب ».

[١٣٧١٠] ٣ - وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: جاءت امرأة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت: يا نبي الله، امرأة قتلت ولدها، هل لها من توبة؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لها: « والذي نفس محمد بيده، لو أنها قتلت سبعين نبيا، ثم تابت وندمت، ويعرف الله من قلبها انها لا ترجع إلى المعصية ابدا، لقبل الله توبتها وعفا عنها، فان باب التوبة مفتوح ما بين المشرق والمغرب، وان التائب من الذنب كمن لا ذنب له ».

[١٣٧١١] ٤ - مصباح الشريعة: قال الصادقعليه‌السلام : « التوبة حبل الله ومدد عنايته، ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال، وكل فرقة من العباد لهم توبة فتوبة الأنبياء من اضطراب السر، وتوبة الأولياء من

__________________

٣ جامع الأخبار ص ١٠٣.

٤ مصباح الشريعة ص ٤٣٣.

١٣١

تلوين(١) الخطرات، وتوبة الأصفياء من التنفس، وتوبة الخاص من الاشتغال بغير ذكر الله، وتوبة العام من الذنوب، ولكل واحد منهم معرفة وعلم في أصل توبته ومنتهى أمره، وذلك يطول شرحه هاهنا، فاما توبة العام: فان يغسل باطنه من الذنوب بماء الحسرة(٢) ، والاعتراف بجنايته دائما، واعتقاد الندم على ما مضى، والخوف على ما بقي من عمره، ولا يستصغر ذنوبه، فيحمله ذلك على الكسل، ويديم البكاء والأسف على ما فاته من طاعة الله، ويحبس نفسه من الشهوات، ويستغيث إلى الله تعالى ليحفظه على وفاء توبته، ويعصمه على العود إلى ما سلف، ويروض نفسه في ميدان الجهد والعبادة، ويقضي عن الفوائت من الفرائض، ويرد المظالم، ويعتزل قرناء السوء ويسهر ليله، ويظمأ نهاره ويتفكر دائما في عاقبته، ويستعين بالله، سائلا منه الاستقامة(٣) في سرائه وضرائه، ويثبت عند المحن والبلاء، كيلا يسقط عن درجة التوابين، فان ذلك طهارة من ذنوبه، وزيادة في عمله، ورفعة في درجاته ».

[١٣٧١٢] ٥ - الصدوق في الأمالي: عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق رحمة الله عليه، عن أحمد بن محمد الهمداني، عن أحمد بن صالح بن سعيد التميمي، عن موسى بن داود، عن الوليد بن هاشم، عن هاشم بن حسان، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، عن عبد الرحمان بن غنم الدوسي قال: دخل معاذ بن جبل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باكيا، فسلم فردعليه‌السلام ثم قال: « ما يبكيك يا معاذ؟ » فقال: يا رسول الله، إن بالباب شابا طري الجسد نقي اللون حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها، يريد الدخول عليك، فقال النبي ( صلى الله عليه

__________________

(١) في المصدر: تكوين.

(٢) وفيه: الحياة.

(٣) وفيه: الاستعانة.

٥ - أمالي الصدوق ص ٤٥.

١٣٢

وآله ): « ادخل علي الشاب يا معاذ » فأدخله عليه، فسلم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فردعليه‌السلام ، ثم قال: « ما يبكيك يا شاب؟ » قال: وكيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا، إن أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبدا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هل أشركت بالله شيئا؟ » قال: أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا، قال: « أقتلت النفس التي حرم الله؟ » قال: لا، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يغفر الله لك ذنوبك، وإن كانت مثل الجبال الرواسي » قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السبع، وبحارها ورمالها وأشجارها، وما فيها من الخلق » ( فقال: إنها أعظم من الأرضين السبع، وبحارها ورمالها وأشجارها، وما فيها من الخلق )(١) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها، ومثل العرش والكرسي » قال: فإنها أعظم من ذلك.

قال: فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كهيئة الغضبان، ثم قال: « ويحك يا شاب، ذنوبك أعظم أم ربك!؟ » فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان(٢) ربي، ما شئ أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم!؟ » قال الشاب: لا والله يا رسول الله، ثم سكت الشاب، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ويحك يا شاب، أتخبرني بذنب واحد من ذنوبك؟ ».

قال: بلى أخبرك، إني كنت أنبش القبور(٣) سبع سنين، أخرج الأموات وأنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلما حملت

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٢) في المصدر زيادة: الله.

(٣) كان في الطبعة الحجرية: القبر، وما أثبتناه من المصدر.

١٣٣

إلى قبرها ودفنت، وانصرف عنها أهلها، وجن عليهم الليل، أتيت قبرها فنبشتها، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها، وتركتها مجردة(٤) على شفير قبرها ومضيت منصرفا، فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي، ويقول أما ترى بطنها وبياضها! أما ترى وركيها! فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها، ولم أملك نفسي حتى جامعتها، وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك، كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك(٥) من النار، فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا، فما ترى لي رسول الله؟.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن احترق بنارك، فما أقربك من النار! » ثم لم يزلصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول ويشير إليه، حتى أمعن من بين يديه.

فذهب فأتى المدينة فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها، ولبس مسحا(٦) وغل يديه جميعا إلى عنقه، ونادى: يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، وزل مني ما تعلم سيدي، يا رب أني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك، أن لا تخيب رجائي يا سيدي ولا تبطل دعائي، ولا تقنطني من رحمتك، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما وليلة، رفع يديه إلى السماء.

وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت

__________________

(٤) في المصدر: متجردة.

(٥) كان في الحجرية: لك لشبابك، وما أثبتناه من المصدر.

(٦) مسحا: المسح: كساء خشن من شعر يلبسه الرهبان والزهاد. لسان العرب ج ٢ ص ٥٩٦.

١٣٤

خطيئتي، فأوح إلى نبيك، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي، واردت عقوبتي، فعجل بنار تحرقني، أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( والذين إذا فعلوا فاحشة ) (٧) يعني الزنى( أو ظلموا أنفسهم ) (٨) يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان( ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) (٩) يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة،( ومن يغفر الذنوب إلا الله ) (١٠) .

يقول عز وجل: أتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته، فأين يذهب، وإلى من يقصد، ومن يسأل أن يغفر له ذنبا غيري؟ ثم قال عز وجل:( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) (١١) يقول: لم يقيموا على الزنى ونبش القبور وأخذ الأكفان( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ) (١٢) .

فلما نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خرج وهو يتلوها وهو(١٣) يتبسم، فقال لأصحابه: « من يدلني على ذلك الشاب التائب؟ » فقال معاذ: يا رسول الله، بلغنا أنه في موضع كذا وكذا، فمضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأصحابه، حتى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب.

فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين، مغلولة يداه إلى عنقه، قد اسود وجهه، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول: يا سيدي قد أحسنت خلقي، وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي؟ أفي النار تحرقني؟ أو في جوارك تسكنني؟ اللهم إنك قد أكثرت الاحسان إلي

__________________

(٧) آل عمران ٣: ١٣٥.

(٨) آل عمران ٣: ١٣٥.

(٩) آل عمران ٣: ١٣٥.

(١٠) آل عمران ٣: ١٣٥.

(١١) آل عمران ٣: ١٣٥.

(١٢) آل عمران ٣: ١٣٦.

(١٣) ليس في المصدر.

١٣٥

فأنعمت(١٤) علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري؟ إلى الجنة تزفني؟ أم إلى النار تسوقني؟ اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والأرض، ومن كرسيك الواسع، وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير، وهم يبكون لبكائه.

فدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأطلق يديه من عنقه، ونفض التراب عن رأسه، وقال: « يا بهلول أبشر، فإنك عتيق الله من النار » ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه: « هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها(١٥) بهلول » ثم تلا عليه ما أنزل الله عز وجل فيه وبشره بالجنة.

ورواه الشيخ أبو الفتوح في تفسيره: عن معمر، عن رجل، أنه دخل عمر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر ما يقرب منه، وفيه: أنه نزل جبرئيل بعد ما دعا الشاب أن يحرقه الله بنار الدنيا، ناشرا أجنحته أحدها في المشرق والآخر في المغرب، وقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول: أأنت خلقت الخلق أم أنا؟ فقال: اللهم لا بل أنت خلقتني وإياهم، قال: ويقول: أنت ترزقهم أم أنا؟ قال: لا، أنت ترزقني وإياهم، قال: ويقول: أنت تقبل توبتهم أم أنا؟ قال: لا بل أنت تقبل منهم، قال: فلم آيست عبدي؟ أدعه واقبل توبته، وقل له: إني قبلت توبته ورحمت عليه، ونزل بهذه الآية:( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إلى قوله إنه هو الغفور الرحيم ) (١٦) .

[١٣٧١٣] ٦ - القطب الراوندي في لب اللباب قال: قال جعفر الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للتائب أن يكون في الناس كظبية مجروحة في

__________________

(١٤) في المصدر: وأنعمت.

(١٥) كان في الحجرية: تداركه، وما أثبتناه من المصدر.

(١٦) تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٤ ص ٤٩٧، والآية في سورة الزمر ٣٩: ٥٣.

٦ - لب اللباب: مخطوط.

١٣٦

الظبا، واعلم أن من أذنب فقد رهن نفسه ولا حيلة [ له ](١) حتى يفك رهنه، ومن تاب قبل أن يغرغر فالله يتوب عليه، فأما إذا مات القلب فلا توبة له ».

قلت: لا يبعد أن يكون قوله: « واعلم » إلى آخره من كلام القطب.

[١٣٧١٤] ٧ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال لشمعون بن لاوي في حديث: « وأما علامة التائب فأربعة: النصيحة لله في عمله، وترك الباطل، ولزوم الحق، والحرص على الخير ».

[١٣٧١٥] ٨ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « التوبة ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، واضمار أن لا يعود ».

٨٨ -( باب جواز تجديد التوبة، وصحتها مع الاتيان بشرائطها، وإن تكرر نقضها)

[١٣٧١٦] ١ - الحسين بن سعيد في كتاب الزهد: عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: « إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود النبي: أن ائت عبدي دانيال(١) فقل له: إنك عصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، فإن عصيتني الرابعة لم أغفر لك، قال: فأتاه داود فقال: يا دانيال إني رسول الله إليك،

__________________

(١) أثبتناه لاتمام السياق.

٧ - تحف العقول ص ١٥.

٨ - غرر الحكم ج ١ ص ٩٣ ح ٢٠٩٤.

الباب ٨٨

١ - الزهد ص ٧٤ ح ٢٠٠.

(١) جاء في هامش الحجرية ما نصه: « والظاهر أنه غير دانيال النبي المعروف فإنه متأخر عن داوودعليه‌السلام بقرون كثيرة » ( منه قده ).

١٣٧

وهو يقول: إنك عصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، فإن عصيتني الرابعة لم اغفر لك، فقال له دانيال: قد بلغت يا نبي الله، قال: فلما كان السحر قام دانيال فناجى ربه فقال: يا رب، إن داود نبيك أخبرني عنك، إنني [ قد ](٢) عصيتك فغفرت لي، وعصيتك فغفرت لي، وعصيتك فغفرت لي، وأخبرني عنك: إني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي، فوعزتك لأعصينك لأعصينك إن لم تعصمني(٣) ».

[١٣٧١٧] ٢ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة ».

[١٣٧١٨] ٣ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنه قال: « إن من أحب عباد الله إلى الله ( المفتن المحسن التواب )(١) ».

[١٣٧١٩] ٤ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنه قال في حديث: « إن الله يحب من عباده المفتن التواب ».

المفتن الذي امتحنه الله بالوقوع في الذنب ثم يتوب.

٨٩ -( باب استحباب تذكر الذنب، والاستغفار منه كلما ذكره)

[١٣٧٢٠] ١ - الشيخ الطوسي في أماليه: بالسند السابق، عن أبي ذر قال: قال

__________________

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر: فوعزتك وجلالك لئن لم تعصمني لأعصينك ثم لأعصينك ثم لأعصينك.

٢ - لب اللباب: مخطوط.

٣ - الغايات ص ٧٩.

(١) ما بين القوسين في المصدر: « المقتني الثواب ».

٤ - كتاب عاصم بن حميد الحناط ص ٣٧.

الباب ٨٩

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٤٠.

١٣٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا أبا ذر، إن الله إذا أراد بعبد خيرا جعل الذنوب بين عينيه ممثله إلى أن قال(١) يا أبا ذر، إن العبد ليذنب فيدخل(٢) بذنبه ذلك الجنة، فقلت: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: يكون ذلك الذنب نصب ( عينيه تائبا )(٣) منه فارا(٤) حتى يدخل الجنة ».

[١٣٧٢١] ٢ - الحسين بن سعيد في كتاب الزهد: عن بعض أصحابنا، عن علي بن شجرة، عن عيسى بن راشد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال في حديث: « وإنه يعني المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة فيستغفر الله فيغفر له، وإن الكافر لينسى ذنبه لئلا يستغفر الله ».

[١٣٧٢٢] ٣ - الشيخ الطبرسي في مجمع البيان: عن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « إن العبد ليذنب ثم يذكر بعد خمس وعشرين سنة، فيستغفر الله منه فيغفر له، ثم قرأ:( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) (١) ».

[١٣٧٢٣] ٤ - كتاب العلاء بن رزين: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « إن الرجل ليذكر ذنبه بعد سبع وعشرين سنة، وما يذكره إلا ليستغفر الله منه، فيغفر له ».

[١٣٧٢٤] ٥ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الباقرعليه‌السلام ، أنه قال في كلام له: « واسترجع سالف الذنوب، بشدة الندم، وكثرة الاستغفار » الخبر.

__________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٤٣.

(٢) في المصدر زيادة: إلى الله.

(٣) في المصدر: عينه تأديبا.

(٤) في المصدر زيادة: إلى الله.

٢ - كتاب الزهد ص ٧٤.

٣ - مجمع البيان: لم نجده في مظانه.

(١) النساء ٤: ١١٠.

٤ - كتاب العلاء بن رزين ص ١٥٠.

٥ - تحف العقول ص ٢٠٧.

١٣٩

[١٣٧٢٥] ٦ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « إعادة الاعتذار تذكر بالذنب ».

٩٠ -( باب استحباب انتهاز فرص الخير، والمبادرة به عند الامكان)

[١٣٧٢٦] ١ - الشيخ الطوسي في أماليه: بإسناده المتقدم، عن أبي ذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا ذر، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ، يا أبا ذر، اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ».

[١٣٧٢٧] ٢ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، في قوله تعالى:( ولا تنس نصيبك من الدنيا ) (١) قال: « لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك وغناك، أن تطلب به الآخرة ».

[١٣٧٢٨] ٣ - أبو يعلى الجعفري في النزهة: عن الغلابي، أنه قال: سألت الهاديعليه‌السلام عن الحزم، فقال: « هو أن تنهز(١) فرصتك، وتعاجل ما أمكنك ».

[١٣٧٢٩] ٤ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من فتح

__________________

٦ - غرر الحكم ج ١ ص ٥٣ ح ١٤٦٧.

الباب ٩٠

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٣٩.

٢ - الجعفريات ص ١٧٦.

(١) القصص ٢٨: ٧٧.

٣ - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ص ٦٩.

(١) في المصدر: تنتظر.

٤ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٨٩ ح ١٤٦.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فصمد الحجاز في ثورته أو في تنكره لبني اُميّة إلى أيّام عبد الملك بن مروان، وكان أخرج الفريقين من سبق إلى أحرج العملين. وأحرج العملين ذاك الذي دفع إليه - أو اندفع إليه - الحجاج عامل عبد الملك فنصب المنجنيق على جبال مكّة، ورمى الكعبة بالحجارة والنيران فهدمها، وعفى على ما تركه منها جنود يزيد بن معاوية، فقد كان قائده الذي خلّف مُسلم بن عقبة وذهب لحصار مكّة أوّل مَن نصب لها المنجنيق وتصدى لها بالهدم والإحراق.

وما زالت الجرائر تتلاحق حتّى تقوض من وطأتها ملك بني اُميّة، وخرج لهم السّفاح الأكبر وأعوانه في دولة بني العبّاس فعمّوا بنقمتهم الأحياء والموتى، وهدموا الدور، ونبشوا القبور، وذكر المنكوبون بالرّحمة فتكات المختار بن أبي عبيد، وتجاوز الثأر كلّ مدى خطر على بال هاشم واُميّة يوم مصرع الحُسينعليه‌السلام .

لقد كانت ضربة كربلاء، وضربة المدينة، وضربة البيت الحرام، أقوى ضربات اُميّة لتمكين سلطانهم وتثبيت بنيانهم وتغليب ملكهم على المنكرين والمنازعين فلم ينتصر عليهم المنكرون والمنازعون بشيء كما انتصروا عليهم بضربات أيديهم ولم يذهبوا بها ضاربين حقبة حتّى ذهبوا بها مضروبين إلى آخر الزمان.

وتلك جريرة يوم واحد هو يوم كربلاء فإذا بالدولة العريضة تذهب في عمر رجل واحد مديد الأيّام، وإذا بالغالب في يوم كربلاء أخسر من المغلوب إذا وضعت الأعمار المنزوعة في الكفتين

١٨١

١٨٢

نهاية المطاف

مَن الظافِر؟

غبن أن يفوت الإنسان جزاؤه الحقّ على عمله وخُلقه وأثقل منه في الغبن أن ينقلب الأمر فيُجزى المحسن بالإساءة، ويُجزى المسيء بالإحسان.

وقد تواضع النّاس منذ كانوا على معنى للتاريخ والأخلاق، ووجهة للشريعة والدين والجزاء الحقّ هو الوجهة الواحدة التي تلتقي فيها كلّ هذه المقاصد الرفيعة فإذا بطل الجزاء اُلحق ففي بطلانه الإخلال كلّ الإخلال بمعنى التاريخ والأخلاق، ولباب الشرائع والأديان، وفيه حكم على الحياة بالعبث وعلى العقل الإنساني بالتشويه والخسار.

والجزاء الحقّ غرض مقصود لذاته يحرص عليه العقل الإنساني كرامة لنفسه ويقيناً من صحته وحسن أدائه، كالنّظر الصحيح نحسبه

١٨٣

هو غرضاً للبصر يرتاح إلى تحقيقه ويحزن لفواته وإن لم يكن وراء ذلك ثواب أو عقاب؛ لأنّ النّظر الصحيح سلامة محبوبة والإخلال به داء كريه.

ولا يستهدف هذا القسطاس المستقيم لمحنة من محنه التي تزري بكرامة العقل الإنساني، كاستهدافه لها وهو في مصطدم التضحية والمنافع، أو في الصراع بين الشُهداء وأصحاب الطمع والحيلة ففي هذا المصطدم يبدو للنظرة الأولى أنّ الرجل قد أضاع كلّّ شيء وانهزم، وهو في الحقيقة غانم ضافر.

ويبدو لنا أنّه قد ربح كلّ شيء وانتصر وهو في الحقيقة خاسر مهزوم؛ ومن هُنا يدخل التاريخ ألزم مداخله وأبينها عن قيمة البحث فيه؛ لأنّه المدخل الذي يفضي إلى الجزاء الحقّ والنتيجة الحقّة، وينتهي بكلّ عامل أفلح أو أخفق في ظاهر الأمر إلى نهاية مطافه وغاية مسماه في الأمد الطويل.

وقد ظفر التاريخ في الصراع بين الحُسين بن عليّ ويزيد بن معاوية بميزان من أصدق الموازين التي تُتاح لتمحيص الجزاء الحقّ في أعمال الشُهداء وأصحاب الطمع والحيلة، فقلّما تُتاح في أخبار الاُمم شرقاً أو غرباً عبرة

١٨٤

كهذه العبرة بوضوح معالمها أو أشواطها، وفي تقابل النصر والهزيمة فيها بين الطوالع والخواتم، على اختلاف معارض النصر والهزيمة فيزيد في يوم كربلاء هو صاحب النصر المؤزّر الذي لا يشوبه خذلان، وحُسين في ذلك اليوم هو المخذول الذي لم يطمح خاذله من وراء الظفر به إلى مزيد ثمّ تنقلب الآية أيما انقلاب، ويقوم الميزان، فلا يختلف عارفان بين كفّة الرّجحان وكفّة الخسران وهذا الذي قصدنا إلى تبيينه وجلائه بتسطير هذه الفصول.

* * *

وما من عبرة أولى من هذه بالتبيين والجلاء لدارس التاريخ ودارس الحياة وطالب المعنى البعيد في أطوار هذا الوجود.

ولسنا نقول إنّ الصراع بين الحُسين ويزيد مثل جامع لكلّ ألوان الصراع بين الشّهادة والمنفعة أو بين الإيمان والمآرب الأرضية؛ فإنّ لهذا الصراع لألواناً تتعدّد ولا تتكرر على هذا المثال، وإنّ له لَعناصر لم تجتمع

١٨٥

كلّها في طرفي الخصومة بين الرّجلين، وأشواطاً لم تتخذ الطريق الذي اتخذته هذه الخصومة في البداية أو النّهاية.

ولسنا نقول إنّ الصراع بين الحُسين ويزيد مثل جامع لكلّ ألوان الصراع وتفرّدها بارزة ماثلة للتأمل والتعقيب، وهي أنّ مسألة الحُسين ويزيد قد كانت صراعاً بين خلقين خالدين، وقد كانت جولة من جولات هذين الخلقين اللذين تجاولا أحقاباً غابرات، ولا يزالان يتجاولان فيما يلي من الأحقاب، وقد أسفرا عن نتيجة فاصلة ينفرد لها مكان معروف بين سائر الجولات، وليست جولة اُخرى منهن بأحقّ منها بالتعليق والتصديق.

ووجهتنا من هذه العبرة أن يُعطى كلّ خُلق من أخلاق العاملين حقّه بمعيار لا غبن فيه، فإذا سعى أحد بالحيلة فخدع النّاس وبلغ مأربه فليكن ذلك مغنمه وكفى، ولا ينفعه ذلك في استلاب السمعة المحبوبة والعطف الخالص والثناء الرفيع وإذا خسر أحد حياته في سبيل إيمانه فلتكن تلك خسارته وكفى، ولا ينكب فوق ذلك بخسارة في السمعة والعطف والثناء.

فلو جاز هذا لكان العطف الإنساني أزيف ما عرفناه في هذه الدُنيا من الزيوف؛ لأنّ خديعة واحدة تشتريه وتستبقيه، وما من زيف في

١٨٦

العروض الاُخرى إلاّ وهو ينطلي يوماً وينكشف بقية الأيّام.

* * *

وإذا كان احتيال الإنسان لنفسه معطيه كلّ ما تهبه الدُنيا من غنم النفع والمحبّة والثناء، فقد ربح المحتالون وخسر نوع الإنسان، وإذا كانت خسارة المرء في سبيل إيمانه تجمع عليه كلّ خسارة، فالأحمق الفاشل من يطلب الخير للناس ويغفل عن نفسه في طلابه.

فكفى الواصل ما وصل إليه وكثير عليه أن يطمع عند الخلف والسلف فيما ادخرته الإنسانيّة من الثناء والعطف لِمن يكرمونها بفضيلة الشّهادة والتضحية، ويخسرون. وهذا الفيصل العادل أعدل ما يكون فيما بين الحُسين ويزيد

فإذا قيل: إنّ معاوية قد عمل وقد أفلح بالحيلة والدهاء، فيزيد لم يعمل ولم يفلح بحيلة ولا دهاء، ولكنّه ورث المنافع التي يشتري بها الأيدي والسّيوف، فجال بها جولة رابحة في كفاح الضمائر والقلوب، فينبغي ألاّ يربح بهذه الوسيلة؛ فأمّا وقد ربح فينبغي أن يقف الرّبح عند ذاك، وينبغي للعذر الكاذب والثناء المأجور ألاّ يحسبا على النّاس بحساب العذر الصادق والثناء الجميل.

وقد تزلّف إلى يزيد مَن يتزلفون إلى أصحاب المال والسُلطان ثمّ

١٨٧

أخذوا اُجورهم، فينبغي أن يقوم ذلك الثناء بقيمة تلك الاُجور وأن يكون ما قبضوه من أجرٍ غاية ما استحقوه إنْ كانوا مستحقيه؛ أمّا أنّ يُضاف ثناء الخلود إلى صفقة اُولئك المأجورين، فقد أصبح ثناء الخلود إذن صفقة بغير ثمن، أو هو علاوة مضمونة على صفقة كلّ مأجور.

إنّ صاحب الثناء المبذول لا يسأل عن شيء غير العطاء المبذول، ولكن التاريخ خليق أن يسأل عن أعمال وأقوال قبل أن يبذل ما لديه من ثناء. وليس في تاريخ يزيد عمل واحد صحيح أو مدعى، ولا كلمة واحدة صحيحة أو مدعاة تقيمه؛ بحيث أراده المأجورون من العذر الممهد والمدح المعقول، أو تخوّله مكان الترجيح في الموازنة بينه وبين الحُسين

كلّ أخطائه ثابتة عليه، ومنها - بل كلّها - خطؤه في حقّ نفسه ودولته ورعاياه، وليس له فضل واحد ثابت ولا كلمة واحدة مأثورة تنقض ما وصفه به ناقدوه وعائبوه؛ فقد كانت له ندحة عن قتل الحُسين، وكان يخدم نفسه ودولته لو أنّه استبقاه حيث يتقيه ويرعاه

وكانت له ندحة عن ضرب الكعبة، واستباحة المدينة، وتسليط أمثال مُسلم بن عقبة وعبيد الله بن زياد على خلائق الله. وكانت له ندحة عن السمعة التي لصقت به ولم تلصق به افتراء ولا

١٨٨

ادعاء كما يزعم صنائعه ومأجوروه؛ لأنّ واصفيه بتلك السمعة لم يلصقوا مثلها بأبيه ومَن كان حقّه في النعمة التي نعم بها مغتصباً ينتزعه عنوة، لا يكن حقّه في الفضل والكرامة جزافاً لا حسيب عليه.

* * *

وتسديد العطف الإنساني هُنا فرض من أقدس الفروض على الناظرين في سير الغابرين؛ لأنّ العطف الإنساني هو كلّ ما يملك التاريخ من جزاء، وهو الثروة الوحيدة التي يحتفظ بها الخلود

وإنّنا لندع الخطأ في سياسة النفعيين، وننظر إليهم كأنّهم مصيبون في السّياسة بُصراء بمواقع التدبير. فعلى هذه الصفة - لو تمّت لهم - لا يحقّ لخادم زمانه أن ينازع الشُهداء في ذخيرة العطف الخالد، وهُم خدام العقائد التي تتخطى حياة الأجيال كما تتخطى حياة الأفراد؛ فإنّ حرمان الشُهداء حقّهم في عطف الأسلاف خطأ في الشّعور، وخطأ كذلك في التفكير

والنّاس خاسرون إذا بطل عطفهم على الشُهداء، وليس قُصارى أمرهم أنّهم قُساة أو جاحدون؛ لأنّ الشّهادة فضيلة تروح وتأتي وتكثر

١٨٩

حيناً وتندر في غير ذلك من الأحيان. أمّا حبّ المنفعة فإن سميته فضيلة فهو من الفضائل التي لن تفارق الأحياء أجمعين، من ناطقة وعجماء.

* * *

على أن الطبائع الآدمية قد أشربت حبّ الشُهداء والعطف عليهم وتقديس ذكرهم بغير تلقين ولا نصيحة، وإنّما تنحرف عن سواء هذه السنّة لعوارض طارئة أو باقية تمنعها أن تستقيم معها، وأكثر ما تأتي هذه العوارض من تضليل المنفعة والهوى القريب، أو من نكسة في الطبع تغريه بالضغن على كلّ خلق سوي وسجية سمحة محببة إلى النّاس عامّة، أو من الأفراد في حبّ الدعة حتّى يجفل المرء من الشّهادات؛ استهوالاً لتكاليفها واستعظاماً للقدوة بها، فيتّهم الشُهداء بالهوج ويتعقب أعمالهم بالنقد؛ لكيلا يتهم نفسه بالجبن والضعة ويستحقّ المذمة واللوم في رأي ضميره، وإن لم يتهمهم بالهوج ولم يتعقبهم بالنقد، وقف من فضائلهم موقف ازورار وفتور، وجنح إلى معذرة الآخرين والتفاهم بينه وبين مَن لا يستشهدون، ثمّ يعارضون الشُهداء فيما يطمحون إليه.

ومعظم المؤرّخين الذين يُعارضون الشُهداء ودعاتهم لغير منفعة أو نكسة هُم من أصحاب الدعة المفرطة وأنصار السّلامة النّاجية، ويغلب على هذه الخلّة أن تسلبهم ملكة التاريخ الصحيح أنّها تعرّضهم للخطأ في الحكم والتفكير، كما تعرّضهم للخطأ في العطف والشّعور.

١٩٠

ومن المعقبين على تاريخ هذه الفترة عندنا - في العربيّة - مؤرخ يُتخذ منه المثل لكلّ من العذر والعطف حين يصل الأمر إلى الاستشهاد كراهة للظلم ودرءاً للمنكرات، وهو الأستاذ مُحمّد الخضري صاحب تاريخ الاُمم الإسلاميّة رحمه الله

ففي تعقيبه على ثورة المدينة - التي قدّمنا الإشارة إليها - يقول: إنّ الإنسان ليعجب من هذا التهور الغريب والمظهر الذي ظهر به أهل المدينة في قيامهم وحدهم بخلع خليفة في إمكانه أن يجرّد عليهم من الجيوش ما لا يمكنهم أن يقفوا في وجهه، ولا ندري ما الذي كانوا يريدونه بعد خلع يزيد؟

أيكونون مستقلين عن بقية الأمصار الإسلاميّة، لهم خليفة منهم يلي أمرهم، أم حمل بقية الاُمّة على الدخول في أمرهم؟ وكيف يكون هذا وهم منقطعون عن بقية الأمصار ولم يكن معهم في هذا الأمر أحد من الجنود الإسلاميّة؟.. إنّهم فتقوا فتقاً وارتكبوا جرماً فعليهم جزء عظيم من تبعة انتهاك حُرمة المدينة، وكان اللازم على يزيد وأمير الجيش أن لا يسرف في معاملتهم بهذه المعاملة؛ فإنّه كان من الممكن أن يأخذهم بالحصار.

* * *

ويخيّل إليك وأنت تقرأ كلام الأستاذ عن هذه الفترة كلّها أنّ لديه أعذاراً ليزيد وليس لديه عذر لأهل المدينة؛ لأنّه يفهم كيف يغضب المرء

١٩١

لما في حوزته، ولا يفهم كيف تضيق به كراهة الظلم وغيرة العقيدة عن الاحتمال، وشعوره هذا يحول بينه وبين الحكم الصحيح على حوادث التاريخ؛ لأنّه يحول بينه وبين انتظار هذه الحوادث حيث تنتظر لا محالة، واستبعادها حيث هي بعيدة عن التقدير.

فلم يحدث قط في مواجهة الظلم وانتزاع الدول المكروهة أن شعر النّاس كما أرادهم الأستاذ أن يشعروا أو فكّروا في الأمر كما أرادهم أن يفكّروا، ومستحيل حدوث هذا أشدّ الاستحالة، وليس قصاراه أنّه لم يحدث من قبل في حركات التاريخ؛ فهذه الحركات التي تواجه الدول المكروهة لا تنتظر - ولا يمكن أن تنتظر - حتّى تربى قوتها وعدتها على ما في أيدي الدولة التي تكرهها من قوة وعدّة

ولكنّها حركة أو دعوة تبدأ بفرد واحد يجترئ على ما يهابه الآخرون، ثمّ يلحق به ثان وثالث ورابع ما شاء له الإقناع وضيق الذرع بالاُمور، ثمّ ما ينالهم من نقمة فيشيع الغضب وينكشف الظُلم عمّن كان في غفلة عنه، ثمّ يشتدّ الحرج بالظالم فيدفعه الحرج إلى التخبط على غير هُدى، ويخرج من تخبط غليظ أحمق إلى تخبط أغلظ منه وأحمق فلا هُم

١٩٢

يقفون في امتعاضهم وتذمرهم ولا هو يقف في بطشه وجبروته، حتّى يغلو به البطش والجبروت فيكون فيه وهنه والقضاء عليه.

على هذا النحو يعرف المؤرّخ الذي يعالج النّفوس الآدمية ما هو من طبعها وما هو خليق أن ينتظر منها، فلا يُعالجها حقّ العلاج على أنّها مسألة جمع وطرح في دفتر الحساب بين هذا الفريق وذاك الفريق، وعلى هذا النحو تكون حركة الحُسين قد سلكت طريقها الذي لا بدّلها أن تسلكه، وما كان لها قط من مسلك سواه.

* * *

وصل الأمر في عهد يزيد إلى حدّ لا يعالج بغير الاستشهاد وما نحا منحاه، وهذا هو الاستشهاد ومنحاه، وهو - بالبداهة التي لا تحتاج إلى مقابلة طويلة - منحى غير منحى الحساب والجمع والطرح في دفاتر التجار، ومع هذا يدع المؤرّخ طريق الشّهادة تمضي إلى نهاية مطافها ثمّ يتناول دفتر التجّار كما يشاء؛ فإنّه لواجد في نهاية المطاف أنّ دفتر التجّار لن يكتب الربح آخراً إلاّ في صفحة الشُهداء.

فالدُعاة المستشهدون يخسرون حياتهم وحياة ذويهم، ولكنّهم يرسلون دعوتهم من بعدهم ناجحة متفاقمة، فتظفر في نهاية مطافها بكلّ شيء حتّى المظاهر العرضية والمنافع الأرضية

وأصحاب المظاهر العرضية والمنافع الأرضية يكسبون في أوّل

١٩٣

الشّوط ثمّ ينهزمون في وجه الدعوة المستشهدة حتّى يخسروا حياتهم أو حياة ذويهم، وتوزن حظوظهم بكلّ ميزان، فإذا هُم بكلّ ميزان خاسرون، وهكذا أخفق الحُسين ونجح يزيد ولكن يزيد ذهب إلى سبيله وعوقب أنصاره في الحياة والحطام والسمعة بعده بشهور، ثمّ تقوضت دولته ودولة خلفائه في عمر رجل واحد لم يجاوز السّتين

وانهزم الحُسين في كربلاء واُصيب هو وذووه من بعده، ولكنّه ترك الدعوة التي قام بها مُلك العبّاسيين والفاطميين وتعلل بها اُناس من الأيوبيّين والعثمانيين، واستظل بها الملوك والاُمراء بين العرب والفرس والهنود، ومثل للناس في حلّة من النّور تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان غير مستثنى منهم عربي ولا أعجمي ولا قديم ولا حديث.

أبو الشُهداءعليه‌السلام :

فليس في العالم اُسرة أنجبت من الشُهداء من أنجبتهم اُسرة الحُسين عدّة وقدرة وذكرة، وحسبه أنّه وحده في تاريخ هذه الدُنيا الشّهيد ابن الشّهيد أبو الشُهداء في مئات السّنين

١٩٤

وأيسر شيء على الضعفاء الهازلين أن يذكروا هُنا طلب الملك ليغمروا به شهادة الحُسين وذويه فهؤلاء واهمون ضالون مُغرقون في الوهم والضلال؛ لأنّ طلب الملك لا يمنع الشّهادة، وقد يطلب الرجل الملك شهيداً قدّيساً ويطلبه وهو مجرم بريء من القداسة، وإنّما هو طلب وطلب، وإنّما هي غاية وغاية، وإنّما المعول في هذا الأمر على الطلب لا على المطلوب.

فمَن طلب الملك بكلّ ثمن، وتوسّل له بكلّ وسيلة، وسوّى فيه بين الغصب والحقّ وبين الخداع والصدق وبين مصلحة الرّعية ومفسدتها، ففي سبيل الدُنيا يعمل لا في سبيل الشّهادة، ومَن طلب الملك وأباه بالثمن المعيب، وطلب الملك حقّاً ولم يطلبه؛ لأنّه شهوة وكفى، وطلب الملك وهو يعلم أنّه سيموت دونه لا محالة، وطلب الملك وهو يعتزّ بنصر الإيمان ولا يعتزّ بنصر الجند والسلاح، وطلب الملك دفعاً للمظلمة وجلباً للمصلحة كما وضحت له بنور إيمانه وتقواه، فليس ذلك بالعامل الذي يخدم نفسه بعمله، ولكنّه الشّهيد الذي يلبّي داعي المروءة والأريحية، ويطيع وحي الإيمان والعقيدة، ويضرب للناس مثلاً يتجاوز حياة الفرد الواحد وحياة الأجيال الكثيرة

مَن ثمّ يقيم الآية على حقيقة الحقائق في أمثال هذا الصراع بين الخلقين أو بين المزاجين والتاريخين

١٩٥

وهي أنّ الشّهادة خصم ضعيف مغلوب في اليوم والأسبوع والعام، ولكنّها أقوى الخصوم الغالبين في الجيل والأجيال ومدى الأيّام، وهي حقيقة تُؤيّدها كلّ نتيجة نظرت إليها بعين الأرض أو بعين السّماء على أن تنظر إليها في نهاية المطاف.

ونهاية المطاف هي التي يدخلها نوع الإنسان في حسابه ويوشج عليها وشائج عطفه وإعجابه؛ لأنّه لا يعمل لوجبات ثلاث في اليوم، ولا ينظر إلى عمر واحد بين مهد ولحد، ولكنّه يعمل للدوام وينظر إلى الخلود

١٩٦

في عالم الجمال:

عاشق الجمال

إذا لحقت السيرة بعالم المثال الذي يتطلع إليه خيال الشُعراء وتتغنى به قرائح أهل الفن، فقد تنزهت عن ربقة الجسد وأصبحت صورة من الصور المثلى في عالم الجمال ومن آيات الجمال إنّه يتحدى المنفعة ويؤثر البطولة على السّلامة.

فإذا تعلقت القريحة بالجمال، فلا جرم تزن الاُمور بغير ميزان الحساب والصفقات، فتعرض عن النعمة وهي بين يديها وتقبل على الألم وهي ناظرة إليه، وتلزمها سجية العشق الآخذ بالأعنّة، فتنقاد له ولا تنقاد لنصيحة ناصح أو عذل عاذل؛ لأنّ المشغوف بالجمال ينشده ولا يُبالي ما يلقاه في سبيله.

وقد تمثّلت سجية عاشق الجمال في كلّ شعر نظّمه شُعراء الحُسين وذويه؛ تعظيماً لهم وثناء عليهم لم يتجهوا إليهم ممدوحين وإنّما اتجهوا

١٩٧

إليهم صوراً مُثلى يهيمون بها كما يهيم المحب بصورة حبيبه، ويستعذبون من أجلها ما يصيبهم من ملام وإيلام.

وفي معنى كهذا المعنى يقول الكميت شاعر أهل البيتعليهم‌السلام :

طربتُ وما شوقاً إلى البيضِ أطربُ

ولا لـعباً مـنِّي وذو الشّيبِ يلعبُ

ولـم يـلهني دارٌ ولا رسـمُ منزلِ

ولـم يـتطرّبني بـنانٌ مـخضَّبُ

ولا أنـا مـمَّن يـزجرُ الطيرُ همَّهُ

أصـاحَ غـرابٌ أم تعرّضَ ثعلبُ

ولا الـسانحاتُ الـبارحاتُ عشيّةً

أمـرَّ سليمُ القرنِ أم مرَّ أعضبُ (١)

ولـكنْ إلـى أهلِ الفضائلِ والنّهى

وخـيرِ بـني حوّاءَ والخيرُ يُطلبُ

إلـى الـنفرِ الـبيض الذين بحبِّهمْ

إلى الله فـيما نـالني أتـقرّبُ

____________________

(١) السّانح: الطير الذي يمر من اليسار إلى اليمين وعكسه البارج. والأعضب: المكسور.

١٩٨

بَـنِي هَـاشِمٍ رَهط النَّبِيِّ فإنَّنِي

بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَاراً وأغضَبُ

خـفضتُ لهم منّي جناحَي مودَّة

إلـى كنفِ عِطفاهُ أهلٌ ومرحبُ

يـشيرونَ بـالأيدي إليَّ وقولُهُمْ

ألا خابَ هذا والمشيرون أخيبُ

فـطائفةٌ قـد كـفَّرتني بـحُبّكُمْ

وطـائفةٌ قـالوا مسيءٌ ومُذنبُ

فـما سـاءني تكفيرُ هاتيكَ منهمُ

ولا عيبُ هاتيكَ الّتي هي أعيبُ

يـعيبونني مـنْ خبّهمْ وَضلالِهمْ

على حُبّكم بل يسخرونَ وأعجبُ

وقـالوا تـرابيٌّ (١) هواهُ ورأيُهُ

بـذلك أُدعـى فـيهمُ واُلـقّبُ

على ذاكَ إجريّاي فيكم ضريبتي

وَلـو جمعوا طرّاً عليَّ وأجلبوا

____________________

(١) مِن كُنى عليّ بن أبي طالب (أبو تراب)، وترابي نسبة إليه.

١٩٩

وأحملُ أحقادَ الأقاربِ فيكمُ

وينصبُ لي في الأبعدينَ فأنصبُ

وقد مرّ بنا حديث زين العابدين رضي الله عنه، وهو غلام عليل أوشك أن يتخطفه الموت بكلمة من عبيد الله بن زياد؛ لأنّه استكبر أن تكون به جرأة على جوابه.

فهذا الغلام العليل قد عاش حتّى انعقد له مُلك القلوب؛ حيث انعقد مُلك الأجسام لهشام بن عبد الملك سيّد ابن زياد وآله، وذهب هشام بين جنده وحشمه يحجّ البيت ويترضّى النّاس، فلم يخلص إلى الحجر الأسود لتزاحم الحجيج عليه، وأنّه لجالس على كرسيه ينتظر انفضاض النّاس إذا بزين العابدين يقبل إلى الحجر الأسود في وقاره وهيبته، فيتنحى له الجيج ويحفوا به وهو يستلم الحجر مطمئناً غير معجّل، ثمّ يعود من حيث أتى والنّاس مشيعوه بالتجلّة والدُعاء.

وتهوّل رجلاً من حاشية هشام هذه المهابة التي لم يرها لمولاه فيسأل: مَن هذا الذي هابه النّاس هذه الهيبة؟ ويخشى هشام أن يطّلع جنده على مكانة رجل لم يتطاول إلى مثل مكانته بسلطانه وعتاده فيقول: لا أعرفه ويقتضب الجواب.

وهذا الذي تصدى له شاعر آخر قد غامر بحياته ونواله ليقول بالقصيد المحفوظ ما ثقل على لسان هشام أن يقوله في كلمتين عابرتين

وذلك هو الفرزدق حيث قال:

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447