العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195044 / تحميل: 7936
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا

ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد، فهذا هو المجلد الرابع من ( العقائد الإسلامية ) وقد اشتمل على قسمين:

الأول، في إثبات شفاعة أهل بيت النبي صلى الله عليه وعليهم..

وقد مهدنا له بفصل عن شفاعة أحد كبار شيعتهم ( أويس القرني ) رضوان الله عليه، الذي اتفقت مصادر الجميع على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشر به أنه يكون بعده، وأنه من كبار أولياء الله، وأنه يشفع يوم القيامة لعدد كبير من الناس!!

ثم عرضنا الأحاديث الشريفة التي تدل على أن شفاعة النبي العظمى يوم القيامة تكون بيد أهل بيته الطاهرينصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وختمنا باب الشفاعة ببعض أحكامها وما ينبغي للمسلم أن يكون اعتقاده وموقفه منها.

٣

أما القسم الثاني، فقد بحثنا فيه مسألة التوسل والاستشفاع والاستغاثة بالنبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحثاً مستوفياً لآياتها وأحاديثها، ورأي علماء المذاهب الأربعة فيها، وشبهات ابن تيمية وأتباعه عليها، خاصةً في عصرنا الحاضر.

وقد أجبنا على هذه الشبهات، وأوردنا خلاصة إجابات علماء المذاهب الأربعة عليها، ومقتطفات من أهم الكتب التي ألفوها في الرد عليهم.

نسأل الله أن يوفقنا لاكمال هذه الدورة العقائدية المقارنة.

وسيكون المجلد الخامس منها في مسائل العصمة، إن شاء الله تعالى، وهو ولي التوفيق.

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

علي الكوراني العاملي      

٤

الفصل الرابع عشر

شفاعة أحد شيعة أهل البيتعليهم‌السلام

أويس القرني أحد كبار الشفعاء

ثبت في مصادر الطرفين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نص على عدد من الصحابة بأسمائهم، أن لهم مقاماً كبيراً عند الله تعالى، وأن الجنة تشتاق اليهم!

والملاحظ أنهم كلهم من شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ..

أما من التابعين فمن المتفق عليه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عن أويس القرني وبشر بأنه يأتي بعده، وأنه من كبار أولياء الله تعالى، وأنه مستجاب الدعوة، وأنه يشفع عند الله تعالى لمئات الألوف، أو ملايين الناس!

ولما رأى المسلمون أويساً بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استبشروا به وتبركوا به، وكانوا يحرصون على الفوز بدعاء منه، ولو بكلمة ( غفر الله لك )!

وقد حاول الخلفاء أن يتقربوا اليه، ولكنه هرب منهم، وفضل أن يعيش مغموراً مع الفقراء من شيعة عليعليه‌السلام ، حتى إذا وصلت الخلافة لعليعليه‌السلام نهض معه، وشارك

٥

في حروبه، واستشهد تحت رايته في صفين.. وقبره هناك الى جانب قبر عمار بن ياسر، في مدينة الرقة السورية، وقد وفقنا الله لزيارته.

والمتأمل في النصوص الواردة في مصادر السنيين في أويس، يلاحظ فيها تناقضاً كثيراً، نشأ من أنهم أرادوا أن يغطوا على فراره من عمر، وامتناعه من الدعاء له والإقامة عنده، فوضعوا أحاديث عن لقائه به، يناقض بعضها بعضاً!

كما أن سهادة أويس في صفين مع عليعليه‌السلام ، كانت حجة لعلي والمسلمين على أن معاوية وحزبه هم أهل الباطل، والفئة الباغية التي أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنها تقتل عمار بن ياسررحمه‌الله .

لذلك حاول الأمويون وأتباعهم أن ينفوا أصل بشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأويس، ومكانته المميزة عند الله تعالى!

ثم عندما عجزوا عن ذلك حاولوا أن ينفوا أنه قتل في صفين، وادعوا أنه توفي في طريقه الى الشام، وجعلوا له في الشام قبراً ومزارا!!

أويس خير التابعين

روى مسلم في صحيحه: ٧/١٨٨:

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فبريء... وستأتي بقية الحديث.

ورواه أحمد في مسنده: ١/٣٨

وروى ابن سعد الطبقات: ٦/١٦١:

قال أخبرنا مسلم بن ابراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثني رجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خليلي من هذه الأمة أويس القرني.

قال أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري، عن

٦

أبي نضرة، عن أسير بن جابر بن عمر، أنه قال لأويس: استغفر لي.

قال: كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس.

ورواه الحاكم في المستدرك: ٣/٤٠٢ ورواه الخطيب في الجمع والتفريق: ١/٤٨٠ ورواه ابن معين في تاريخه ( رواية الدوري ): ١/٣٢٤ ونحوه في الجامع الصغير: ٣ حديث رقم ٤٠٠١

وروى أبو نعيم في حلية الأولياء: ٢/٨٦:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا علي بن حكيم، أخبرنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قال: قلنا نعم، وما تريده منه؟

قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان. وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي رضى الله تعالى عنهم.

وقال أبو نعيم في الحلية: ٢/٨٢، بعد حديث عن أويس: فهذا ما أتانا عن أويس خير التابعين... انتهى.

وقال في كنز العمال: ١٢/٧٣:

إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فبريء، فمروه فليستغفر لكم ( م. عن عمر )...

خير التابعين أويس ( ك. عن علي ).

خير التابعين أويس القرني ( ك عن علي، ق، كر عن رجل ). انتهى.

وقد وردت صفة ( خير التابعين ) في أحاديث أخرى، كما سيأتي.

٧

خير التابعين صارت: من خير التابعين!!

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ١٠/٢٢:

عن ابن أبي ليلي قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد، وإسناده جيد. انتهى.

ورواه في تاريخ ابن معين رواية الدوري: ١/٣٢٤

وفي طبقات ابن سعد: ٦/١٦١:

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين فقال: أفيكم أويس القرني؟ قالوا نعم، قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من خير التابعين أويساً القرني، ثم ضرب دابته فدخل فيهم.

ورواه اللالكائي في كرامات الأولياء/١٠٩، بطريقين.

وفي كنز العمال: ١٢/٧٣:

إن من خير التابعين أويس القرني ( حم، وابن سعد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة، حم، كر، عن رجل ). انتهى.

راجع للتدقيق: طبقات ابن سعد: ٦/١١٣، وميزان الاعتدال: ١/٢٧٩ و٢٨٢، ولسان الميزان: ١/٤٧٢، وسير أعلام النبلاء: ٤/٢١، وتاريخ الإسلام للذهبي: ٣/٥٥٦، والبداية والنهاية: ٦/٢٢٥

راجع أيضاً: اُسد الغابة: ١/١٥١، وأعلام النبلاء: ٤/٢٠، وكنز العمال: ١٢/٧٤

هل أن كلمة ( من ) إضافة أموية؟!

من الطبيعي أن تكون قصة الرجل الذي سأل عن أويس في صفين، وشهادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله التي رواها في حقه وحق عليعليه‌السلام ، واحدة من الحجج التي استعملها

٨

المسلمون لإثبات أن معاوية وأهل الشام على الباطل.

ويبدو أن الأحاديث في عمار بن ياسر وأنه تقتله الفئة الباغية، والأحاديث في أويس، لم يكن لها جواب عند مؤيدي معاوية، ولكن بعد سيطرته على بلاد المسلمين عمل على تضعيف هذه الأحاديث وإبطال مفعولها.

ويظهر أن البصريين كانوا أكثر استجابة له من الكوفيين، فقد قال ابن أبي الوفاء في الجواهر المضية في طبقات الحنفية/٤١٩:

أهل المدينة يقولون أفضل التابعين سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة أويس القرني، وأهل البصرة الحسن البصري. انتهى.

وقد حاول النووي أن يوفق بين رواية مسلم وبين قول لأحمد بن حنبل! فقال في شرح مسلم - بهامش الساري: ٩/٤٢٩:

قوله ( ص ) خير التابعين رجل يقال له أويس... وقد يقال: قد قال أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب؟!

والجواب: أن مرادهم أن سعيد أفضل في العلوم الشرعية.. لا في الخير. انتهى.

وهذا النوع من العمل كثير عند الفقهاء السنيين، فتراهم يتركون الرواية التي صحت عندهم عن نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله - وهي تقول هنا إن أويساً خير التابعين مطلقاً، ولا تقيد ذلك بناحية دون ناحية - لكي يصححوا قول شخص في مقابل حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ !!

كان أويس أسمر اللون جسيماً مهيباً

في حلية الأولياء: ٢/٨٢، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا أبا هريرة إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم

٩

يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا.

قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟

قال: ذاك أويس القرني.

قالوا: وما أويس القرني؟

قال: أشهل، ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه الى صدره، رام بذقنه الى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله يتلو القرآن، يبكي عليّ نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه.

ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة، ويقال لأويس قف فاشفع، فيشفع لله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر.

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٤:

عن هرم بن حيان العبدي قال: قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا أويس، أسأل عنه فدفعت اليه بشاطيء الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فإذا رجل آدم محلوق الرأس كث اللحية مهيب المنظر، فسلمت عليه ومددت اليه يدي لأصافحه، فأبى أن يصافحني! فخنقتني العبرة لما رأيت من حاله، فقلت: السلام عليك يا أويس، كيف أنت يا أخي؟

قال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان، من دلك عليّ؟

قلت: الله عز وجل.

قال: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.

قلت: يرحمك الله من أين عرفت اسمي واسم أبي، فوالله ما رأيتك قط، ولا رأيتني!

١٠

قال: عرفت روحي روحك، حيث كلمت نفسي، لأن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله عز وجل وإن نأت بعد بهم الدار وتفرقت بهم المنازل! انتهى، ونحن نشك في شهادة هرم لنفسه عن لسان أويس!

ورواهما في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٨

صورة من تزاحم المسلمين على أويس

روى الحاكم: ٢/٣٦٥، وصححه:

أخبرني الحسن بن حليم المروزي، ثنا أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد الله بن المبارك، أنبأ جعفر بن سليمان، عن الجريري، عن أبي نضرة العبدي، عن أسير بن جابر قال: قال لي صاحب لي وأنا بالكوفة: هل لك في رجل تنظر اليه؟ قلت نعم، قال هذه مدرجته وإنه أويس القرني، وأظنه أنه سيمر الآن.

قال: فجلسنا له فمر، فإذا رجل عليه سمل قطيفة، قال والناس يطؤون عقبه، قال وهو يقبل فيغلظ لهم ويكلمهم في ذلك فلا ينتهون عنه، فمضينا مع الناس، حتى دخل مسجد الكوفة ودخلنا معه، فتنحى الى سارية فصلى ركعتين، ثم أقبل الينا بوجهه فقال: يا أيها الناس مالي ولكم، تطؤون عقبي في كل سكة، وأنا إنسان ضعيف، تكون لي الحاجة فلا أقدر عليها معكم، لا تفعلوا رحمكم الله، من كانت له إلي حاجة فليلقني هاهنا.

شعاره الصدق والجد في أمر الله تعالى

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٥:

أخبرنا أبو العباس السياري، ثنا عبدالله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا يزيد بن يزيد البكري قال: قال أويس القرني: كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم. انتهى.

ومعنى كلامهرحمه‌الله : أن خوف الله تعالى يجب أن يكون في نفس المؤمن بدرجة

١١

عالية، كأن في رقبته قتل الناس كلهم، ليكون في تصرفاته مثل القاتل الملاحق دقيقاً حذراً متقياً، وشعوره بالمسؤولية أمام الله تعالى عميقاً.

وروى نحوه البيهقي في شعب الايمان: ١/٥٢٤

وهو صاحب مدرسة في شكر نعم الله تعالى

في كتاب المجروحين لابن حبان: ٣/١٥١:

أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك عليّ، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له، فليستغفر له. انتهى.

وقد وردت هذه القصة في أحاديثه، كما سترى.

زاهد يضرب بزهده المثل

في حلية الأولياء: ٢/٨٧:

عن علقمة مرثد قال: انتهى الزهد الى ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خيثم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن. انتهى. وهو يقصد بالأخير الحسن البصري.

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/١٩:

هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.

وقال في هامش سير أعلام النبلاء: ١٨/٥٥٨:

ذكر ابن خلكان في الوفيات: ٢/٢٦٣: أن الذي ضرب به الحريري المثل في المقامات هو دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي

١٢

المتوفى سنة ٥٢٩، من أحفاد المترجم، وقد وهم المؤلف في ذلك، وأورد ذكره الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين وهي المقامة العمانية، وفيها يصف كيف أحاطت الجماعة بأبي زيد تثني عليه، وتقبل يديه، حتى خيل إلي أنه القرني أويس، أو الأسدي دبيس. انظر مقامات الحريري/٣٤٢ ( ط: صادر ).

وفي لسان الميزان: ١/٤٧١:

قال ابن عدي ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد العزيز بن سلام، سمعت اسحاق بن ابراهيم يقول: ما شبهت عدي بن سلمة الجزري إلا بأويس القرني تواضعاً. وذكره في ميزان الاعتدال: ١/٢٧٩

زاهد يحمل هم الفقراء ويتصدق عليهم حتى بطعامه وثيابه

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٦:

أخبرني أبو العباس قاسم بن القاسم السياري بمرو، ثنا عبد الله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا سفيان الثوري قال: كان لأويس القرني رداء إذا جلس مس الأرض، وكان يقول: اللهم إني أعتذر اليك من كل كبد جائعة وجسد عار، وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني.

ورواه البيهقي في شعب الايمان: ١/٥٢٤

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٧:

عبيد الله بن عبد الكريم ثنا سعيد بن أسد بن موسى ضمرة بن ربيعة عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرني إذا أمسى يقول هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح.

وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح.

وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.

١٣

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/٢٩:

عبد الله بن أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبوبكر بن عياش، عن مغيرة، قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه، حتى يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه الى الجمعة.

عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني، وفرات بن حيان.

( ورواه في كنز العمال: ١٢/٧٤: وقال: حم، في الزهد، حل عن محارب بن دثار وعن سالم بن أبي الجعد ).

أبو نعيم: حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا ابن جرير، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن شريك عن جابر، عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟

قال: أصبحت أحمد الله عز وجل.

قال: كيف الزمان عليك؟

قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار.

يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً... الخ.

عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله حق لم يترك له صديقاً...

وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب، ثم قال: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياً فلا تؤاخذني به. ( الحلية ٢/٨٣ )

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٤:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن

١٤

دثار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري، يحجزه إيمانه أن يسأل الناس! منهم أويس القرني وفرات بن حيان.

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: وكان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتي يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه. أي الى الجمعة.

وفي كتاب الزهد للشيباني/٣٤٦:

حدثنا عبدالله، حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: إن أويس القرني ليتصدق بثيابه حتى يجلس عرياناً لا يجدها يروح فيه الى الجمعة.

وفي لسان الميزان: ١/٤٧٤:

سفيان الثوري: حدثني قيس بن يسير بن عمرو، عن أبيه أن أويساً القرني عري غير مرة فكساه أبي، قال وكان أويس يقول: اللهم لا تؤاخذني بكبد جائعة، أو جسد عار.

وفي ص ٢٨٠: وقال ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، قال: كان أويس يجالس رجلاً من فقهاء الكوفة يقال له يسير ففقدته، فإذا هو في خص له قد انقطع من العري... وذكره في ميزان الاعتدال: ١/٢٨٢، وفي سير أعلام النبلاء: ٢٩٤ - ٣٣٠ انتهى.

**

وهذه النصوص تكشف عن الفقر الشديد الذي كانت تعيشه طبقة واسعة من المجتمع الإسلامي، وأن أموال الفتوحات صرفت في الطريق قبل أن تصل اليها، فكان بعضها لا يملك حتى ثوبين مناسبين يتستر بهما، بل كان فيهم من يموت من الجوع!!

١٥

ولذلك كان أويس يدعو الله تعالى أن لا يؤاخذه بعري العارين، وجوع الجائعين، لأنه لا يملك إلا ثوبيه اللذين يلبسهما، ولا يملك إلا ما في بطنه من طعام، وكل ما يحصل عليه من عمله ومن هدايا الناس، كان يعطيه لهؤلاء للفقراء!!

وهي تدل أيضاً على أن زهد أويس كان زهداً واعياً يحمل هم الفقراء، وكان يحمل مسؤولية فقرهم وبؤسهم للخليفة والدولة، والطبقة المترفة التي كونت ثروتها من الفتوحات، وكانت تنقم من أويس أنه يهتم بهم، ويأمر من أجلهم بالمعروف وينهى عن المنكر، وسيأتي رأيه في الخلفاء غير عليعليه‌السلام وما لاقاه منهم!

وقد ربى أويس تلاميذ على سيرته

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٨:

حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن معين، حدثني أبو عبيدة الحداد، ثنا أبو مكين قال: رأيت امرأة في مسجد أويس القرني قالت: كان يجتمع هو وأصحاب له في مسجدهم هذا، يصلون ويقرؤون في مصاحفهم فآتي غداءهم وعشاءهم هاهنا، حتى يصلوا الصلوات، قالت: وكان ذلك دأبهم ما شهدوا حتى غزوا، فاستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنهم أجمعين.

رأيه في الحكّام غير عليعليه‌السلام

قال الشاطبي في الاعتصام: ١/٣٠:

نقل عن سيد العابدين بعد الصحابة أويس القرني أنه قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا!! ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين!!

وفي مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٥:

حدثنا أحمد بن زياد الفقيه الدامغاني، ثنا محمد بن أيوب، أنا أحمد بن يونس،

١٦

ثنا أبو الأحوص، حدثني صاحب لنا قال: جاء رجل من مراد الى أويس القرني فقال السلام عليكم، قال وعليكم.

قال: كيف أنتم يا أويس؟

قال: الحمد لله.

قال: كيف الزمان عليكم؟

قال: لا تسأل! الرجل إذا أمسى لم ير أنه يصبح، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي!

يا أخا مراد، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحاً.

يا أخا مراد، إن عرفان المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة ولا ذهباً.

يا أخا مراد، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقاً! والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذوننا أعداء، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعواناً، حتى والله لقد يقذفوننا بالعظائم، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق!! انتهى.

وفي بحار الأنوار: ٦٨/٣٦٧:

أعلام الدين: روي عن أويس القرنيرحمه‌الله قال لرجل سأله كيف حالك؟

فقال: كيف يكون حال من يصبح يقول: لا أمسي، ويمسي يقول: لا أصبح، يبشر بالجنة ولا يعمل عملها، ويحذر النار ولا يترك ما يوجبها.

والله إن الموت وغصصه وكرباته وذكر هول المطلع وأهوال يوم القيامة، لم تدع للمؤمن في الدنيا فرحاً، وإن حقوق الله لم تبق لنا ذهباً ولا فضة، وإن قيام المؤمن بالحق في الناس لم يدع له صديقاً، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيشتمون أعراضنا، ويرموننا بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين!! إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله!

اضطهاد مخابرات الخلافة لأويس

يفهم من نصوص أويس أن سلطة الخلافة لم تتحمل منه ابتعاده عن الحكام وامتناعه أن يستغفر لهم، ثم أمره إياهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعريضه

١٧

وإعلانه بسيرته ودعائه كل يوم أنهم مسؤولون عن جوع الجائعين وعري العارين.. وكأنه بذلك يقول للناس إنهم لا يصلحون للحكم بإسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

لقد عبر هذا الولي الذي هو آية من آيات الله تعالى، ومعجزة من معجزات رسوله بكلماته القليلة عن محنته ومعاناته من مخابرات السلطة في زمن عمر وأبي بكر وعثمان، ولم يكن ذنبه أنه نافس أحداً في سلطان، ولا جمع حوله قبيلته قرن وكون منهم قوة سياسية تطالب بحصة من أموال الفتوحات.. بل كان يعيش عيشة الفقراء مع الفقراء، ويعبد ربه عز وجل، ويأمر بالمعروف وينهى المنكر..

ولكن السلطة مع ذلك لم تتركه، فاتخذته عدواً! وسلطت عليه الفساق واتهمته بالعظائم والجرائم والمعايب، على حد تعبيره!!

ولهذا ينبغي أن نبحث عن السلطة وراء كل ما نشك فيه من روايات أويس، ومن أولها الروايات التي تقول أن القرنيين سئلوا عنه فلم يعرفوه، والتي احتج بها البخاري على تضعيف أويس، وعدم قبول روايته!!

فكيف يتعقل إنسان أن شخصية بمستوى أويس، كان يبحث عنه الخليفة عمر، وكل أمله أن ينطق له بكلمة ( غفر الله لك ) لأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له إن استطعت أن يستغفر لك فهنيئاً لك!! ثم لا يكون معروفاً عند القرنيين وكل اليمانيين وموضع افتخارهم؟!

إن نفي القرنيين لمعرفتهم بأويس وتشكيكهم بنسبه، إما أن يكون مكذوباً، وإما أن تكون السلطة قد شوهت سمعة أويس وعزلته، حتى اضطر بعض القرنيين من قبيلته الصغيرة أن ينكروا أنه منهم!!

وتدل الروايات على أن سلطة الخلافة لم تستطع الانتقام من أويس مباشرة، بسبب مكانته في قلوب المسلمين.. ولذلك اتبعت أسلوب إيذائه وتحقيره، ووكلت به رجلاً حكومياً من عشيرته، يؤذيه ويشيع التهم حول شخصيته ونواياه، وأنه رجل مراءٍ ومجنون!!

١٨

فابن عمه الذي ورد أنه كان من رجال حاكم الكوفة، وكان مولعاً بأويس يشتمه ويؤذيه.. كان واحداً من عملاء السلطة المكلفين بتحقير أويس وأذيته، لاسقاط شخصيته ومنع تأثيره على المسلمين!!

فقد روى الحاكم في المستدرك: ٣/٤٠٤ عن أسير بن جابر، قال:

فكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكرهم وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره، ففقدته يوماً فقلت لجليس لنا: ما فعل الرجل الذي كان يقعد الينا، لعله اشتكى؟

فقال: الرجل من هو؟

فقلت: من هو؟

قال: ذاك أويس القرني.

فدللت على منزله فأتيته فقلت يرحمك الله أين كنت، ولم تركتنا؟

فقال: لم يكن لي رداء، فهو الذي منعني من إتيانكم!

قال: فألقيت اليه ردائي، فقذفه إلي!

قال فتخاليته ساعة، ثم قال:

لو أني أخذت رداءك هذا فلبسته فرآه علّي قومي قالوا انظروا الى هذا المرائي لم يزل في الرجل حتى خدعه وأخذ رداءه!!

فلم أزل به حتى أخذه، فقلت: انطلق حتى أسمع ما يقولون!

فلبسه فخرجنا، فمر بمجلس قومه فقالوا: أنظروا الى هذا المرائي لم يزل بالرجل حتى خدعه وأخذ رداءه!!

فأقبلت عليهم فقلت: ألا تستحيون؟! لم تؤذونه؟! والله لقد عرضته عليه فأبى أن يقبله.

وروى ابن حبان في المجروحين: ٣/١٥١:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر رجلاً من قرن، وكان من أهل

١٩

الكوفة وكان من التابعين، فخرج وبه وضح، فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه فقال: اللهم دع في جسدي ما أتذكر به نعمتك. فترك الله منها ما يذكر به نعمته عليه، وكان رجلاً يلازم المسجد في ناس من أصحابه، وكان ابن عم له يلزم السلطان تولع به، فإن رآه مع قوم أغنياء قال ما هو إلا يشاكلهم! وإن رآه مع قوم فقراء، قال ما هو إلا يخدعهم!

وأويس لا يقول في ابن عمه إلا خيراً!! غير أنه إذا مر به استتر منه مخافة أن يأثم في سبه! انتهى.

وستأتي بقيته في روايات لقائه بعمر بن الخطاب.

أويس من شيعة عليعليه‌السلام

في مسند أحمد: ٣/٤٨٠:

حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا أبو نعيم قال: ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين:

أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من خير التابعين أويساً القرني. انتهى. وقد رواه أبونعيم في الحلية: ٢/٨٦ وقال في مجمع الزوائد: ١٠/٢٢: رواه أحمد وإسناده جيد ورواه ابن سعد في الطبقات: ٦/١٦٣ واللالكائي في كرامات الأولياء/١٠٩ وابن معين في تاريخه ( رواية الدوري ): ١/٣٢٤ واللواتي في تحفة النظار: ٢/١٩٠

وورواه أبو نعيم في الحلية: ٢/٢٢١، وقال بعده:

ورواه جماعة عن شريك، وقال ابن عمار الموصلي: ذكر عند المعافي بن عمران أن أويساً قتل في الرجالة مع علي بصفين، فقال معافي: ما حدث بهذا إلا الأعرج! فقال له عبد ربه الواسطي: حدثني به شريك، عن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى! قال: فسكت!! انتهى.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523