العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196348 / تحميل: 7990
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وفي الإحتجاج للطبرسي: ١/١٦:

وعنهعليه‌السلام قال: يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كل واحد منهم تاج بهاء، قد انبثت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها، فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة التيه أخرجوه، إلا تعلق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم الى العلو حتى تحاذى بهم فوق الجنان، ثم ينزلهم على منازلهم المعدة في جوار أساتيذهم ومعلميهم، وبحضرة أئمتهم الذين كانوا اليهم يدعون.

ولا يبقى ناصبٌ من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عينه وأصمت أذنه وأخرس لسانه، وتحول عليه أشد من لهب النيران، فيحملهم حتى يدفعهم الى الزبانية فيدعونهم الى سواء الجحيم.

١٤١

١٤٢

الفصل السادس عشر

شفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة

بيد أهل بيتهعليهم‌السلام

تقدم في الفصول السابقة من السنيين عن أويس القرني أنه يشفع لمثل ربيعة ومضر وتميم.

وعرفت أن أويساً ما كان إلا شيعياً مخلصاً لأهل البيتعليهم‌السلام ، وأنه بايع أمير المؤمنينعليه‌السلام على بذل مهجته دونه، واستشهد تحت رايته في صفين.

وإذا كان أويس صاحب هذه الشفاعة الكبيرة، فكيف تكون شفاعة علي الذي فداه بنفسه؟!

ثم كيف لا تكون لأهل البيتعليهم‌السلام شفاعةٌ مميزة، وقد نصت الأحاديث الصحيحة على أن الجنة والشفاعة محرمةٌ على مبغضيهم وظالميهم، كما عرفت!

إن الذين يستكثرون الشفاعة على أهل البيتعليهم‌السلام ، إنما يقفلون أعينهم عمداً عن المقام المميز الذي ثبت لهم بالأحاديث الصحيحة في مصادر الجميع.. أو يحسدون أهل بيت نبيهم على ما فضلهم به ربهم، صلى الله عليه وعليهم.

١٤٣

ثم اعجب لهؤلاء المستكثرين للشفاعة على أهل بيت نبيهم، وهم يعلمون أن جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو رئيس المحشر يوم القيامة، وصاحب الشفاعة الكبرى فيه وصاحب حوض الكوثر.. وذلك ملكٌ عظيم يحتاج الى من يديره، وينفذ فيه أوامر النبي وتوجيهاته..

فمن يكون هؤلاء المنفذون غير أهل بيته الأطهار، ومعهم ملائكة الله تعالى؟!

وفيما يلي نورد أحاديث تدل على مقامهم وشفاعتهم من مصادر الطرفين:

عليعليه‌السلام صاحب لواء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة

روت بعض صحاح إخواننا أحاديث لواء الحمد، وهو لواء رئاسة المحشر، الذي يعطيه الله لرسوله يوم القيامة.

ولكن هذا اللواء بقي في الصحاح بلا أحد يحمله!

والسبب في ذلك أن حامله عليعليه‌السلام ، وأحاديثه تضمنت فضائل له، وتعريضاً بالصحابة، وهي أمورٌ لا يتحملها الخلفاء، فتركها رواة الخلافة!!

ماذا روت الصحاح عن رئاسة المحشر ولواء الحمد؟

أما البخاري فلم يرو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سيد ولد آدم يوم المحشر، ولا أنه يعطى لواء الحمد، ولا أنه يكون أول شافع!

فالبخاري قلد كعب الأحبار الذي زعم أن الشافع الأول هو ابراهيم أو اسحاق، كما بينا ذلك في المجلد الثالث!

ولذا أعطى مقام الشفاعة الأول لأنبياء اليهود، وأبقي المحشر بلا رئيس ولا لواء!

ولعل أمر المحشر عنده يحتاج الى سقيفة قرشية لاختيار رئيس له!!

وأما مسلم فقد روى في صحيحه: ٧/٥٩:

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع.

ونحوه في ابن ماجة: ٢ /١٤٤٠، وأبي داود: ٢/٤٠٧

١٤٤

وأما الترمذي فروى حديث لواء الحمد في: ٤/٢٩٤:

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، ولا فخر.

ورواه بصيغ أخرى في: ٤/٣٧٠، وفي: ٥/٢٤٥ و٢٤٧ و٢٤٨

**

أما أحاديث أن علياً حامل لواء المحشر، وأنه الساقي على حوض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد صارت من نصيب المصادر البعيدة عن رقابة الخلافة!

ولا بأس بذلك، لأن بعض هذه المصادر أقدم من الصحاح الستة، وكل مصنفيها محترمون موثقون عند السنيين، وبعضهم شيوخ أصحاب الصحاح!

وقد أورد الأميني في الغدير : ٢/٣٢١، عدداً من هذه الأحاديث، وذكر فيها لواء الحمد والسقاية على الحوض معاً.. ونحن نورد ما فيه ذكر اللواء، مما ذكره في الغدير، وغيره:

ففي مناقب الصحابة لأحمد بن حنبل/٦٦١:

حدثنا محمد بن هشام بن البختري، ثنا الحسين بن عبيد الله العجلي، ثنا الفضيل بن الاستثناء، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( ص ): أعطيت في علي خمساً هن أحب إلي من الدنيا وما فيها:

أما واحدة: فهو تكأتي الى بين يدي، حتى يفرغ من الحساب.

وأما الثانية: فلواء الحمد بيده، آدمعليه‌السلام ومن ولد تحته.

وأما الثالثة: فواقفٌ على عقر حوضي يسقي من عرف من أمتي.

وأما الرابعة: فساتر عورتي ومسلمي الى ربي.

وأما الخامسة: فلست أخشى عليه أن يرجع زانياً بعد إحصان أو كافراً بعد إيمان.

١٤٥

ورواه أبو نعيم في الحلية: ١٠/٢١١ والطبري المؤرخ في الرياض النضرة ٢/٢٠٣ ورواه في كنز العمال ٦/٤٠٣

وفي مناقب الخوارزمي/٢٠٣:

عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا علي؟ سألت ربي عز وجل فيك خمس خصال فأعطاني:

أما الأولى: فإني سألت ربي: أن تنشق عني الأرض وانفض التراب عن رأسي وأنت معي، فأعطاني.

وأما الثانية: فسألته أن يوقفني عند كفة الميزان وأنت معي، فأعطاني.

وأما الثالثة: فسألته أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الأكبر، عليه المفلحون والفائزون بالجنة، فأعطاني.

وأما الرابعة: فسألت ربي أن تسقي أمتي من حوضي فأعطاني.

وأما الخامسة: فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي الى الجنة فأعطاني. فالحمد لله الذي من به علي. انتهى.

ورواه في فرائد السمطين في الباب الثامن عشر، وفي كنز العمال ٦/٤٠٢

وفي الدر المنثور: ٦/٣٧٩:

أخرج ابن مردويه عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تسمع قول الله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب، تدعون غراً محجلين.

وفي الطبراني الصغير: ٢/٨٨:

عن عبد الله بن عكيم الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل أوحى إلي في علي بن أبي طالب ثلاثة أشياء ليلة أسرى بي: إنه سيد المؤمنين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين. انتهى.

وروى نحوه الحاكم: ٣/١٣٨، عن أسعد بن زرارة، وقال: إسناده صحيح.

١٤٦

ومعنى قائد الغر المحجلين: أن علياًعليه‌السلام صاحب لواء أهل الجنة.

وفي الطبراني الكبير: ٢/٢٤٧:

عن جابر: قالوا يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟

قال: من يحسن أن يحملها إلا من حملها في الدنيا، علي بن أبي طالب.

وفي فردوس الأخبار: ٥/٨٣٤٦:

عن اُبي بن كعب أن النبي ( ص ) قال لعلي: يا علي أنت تغسل جثتي، وتؤدي ذمتي، وتواريني في حفرتي، وتفي بذمتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.

وفي كنز العمال: ١٣/١٤٥:

عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت أمامي يوم القيامة فيدفع إلي لواء الحمد فأدفعه اليك، وأنت تذود الناس عن حوضي ( ابن عساكر، وقال: فيه أبو حذيفة إسحاق بن بشر، ضعيف ) انتهى.

ورواه في إحقاق الحق: ٦/١٧٩، عن أرجح المطالب/٦٦٢، ط. لاهور.

وفي إحقاق الحق: ٢٧/١٩٩:

عن كتاب التبر المذاب لأحمد الحافي الشافعي/٨١:

قال الواقدي وهشام بن محمد: لما رآهم الحسين مصرين على قتله، أخذ المصحف ونشره، ونادى: بيني وبينكم كتاب الله وسنة جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بم تستحلون دمي؟

ألست ابن بنت نبيكم؟

ألم يبلغكم قول جدي في وفي أخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟! ...

فبم تستحلون دمي وجدي الذائد على الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الشارد عن الماء، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة... الخ.

١٤٧

وفي كنز العمال: ١١/٦٢٥ وج ١٣/١٢٩:

عن الخطيب والرافعي عن علي قال قال رسول الله ( ص ):

سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً: سألت الله أن يجمع عليك أمتي فأبى علي، وأعطاني فيك أنك أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، ومعك لواء الحمد أنت تحمله بين يدي تسبق به الأولين والآخرين، وأعطاني فيك أنك ولي المؤمنين بعدي.

وروى في كنز العمال: ١٣/١٥٢، حديثين في الموضوع جاء في أولهما:

أن تسقي أمتي من حوضي، وأن يجعلك قائد أمتي الى الجنة، فأعطاني.

وذكر أن ابن الجوزي والذهبي ضعفا هذا الحديث بعبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه، وقال: ولم أقف لهذا الرجل على ترجمة، وللحديث الأخير شاهدٌ من حديث ابن عباس، إلا أن ابن الجوزي أورده في الموضوعات، وللحديث الأول شاهد. انتهى.

فقد مال الى تصحيح الحديثين بشواهدهما، وهو أمر متفق عليه في علم الحديث، وكم من حديث ضعيف عندهم صححوه بشواهده.

ولكنه لم يذكر شواهدهما! ومن عادة المعتدلين السنيين أنهم لا يحبون أن يفتحوا نقاشاً صريحاً مع المتعصبين.

والأحاديث التي أوردناها من مصادرهم كافية للشهادة لهما، وفيها صحيحٌ سالم بشهادتهم!!

ويفهم من كلام صاحب كنز العما أيضاً أنه لا يأخذ بتضعيفات ابن الجوزي والذهبي لأحاديث فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

١٤٨

أما مصادرنا فقد تواترت فيها أحاديث أن لواء الحمد يكون بيد عليعليه‌السلام :

ففي أمالي الصدوق/٦١:

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا علي أنت أخي ووزيري، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وأنت صاحب حوضي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني.

وفي بشارة المصطفى للطبري الشيعي /١٢٥:

بسنده عن الحسين بن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنت المظلوم بعدي، فويل لمن قاتلك وطوبى لمن قاتل معك...

يا علي أنت أول من تنشق عنه الأرض معي، وأنت أول من يبعث معي، وأنت أول من يجوز الصراط معي...

وأنت أول من يرد حوضي، تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك.

وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود تشفع لمحبنا فيهم.

وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي لواء الحمد، وهو سبعون شقة، الشقة منه أوسع من الشمس والقمر.

وأنت صاحب شجرة طوبى في الجنة، أصلها في دارك وأغصانها في دور شيعتك ومحبيك. انتهى. وروى نحوه في ٢٢٠

١٤٩

عليعليه‌السلام آمر السقاية على حوض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة

حوض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو حوض الكوثر، قضيةٌ كبيرة يوم القيامة.. فهو عين الحياة في أرض المحشر، يصب ماؤها من نهرين من أنهار الجنة، وكل الخلائق يحتاجون الى الشرب منه، لأنه لا يمكن لأحد أن يدخل الجنة إلا بأن يشرب منه!

ففي كنز العمال: ١٤ /٤٢٠ : ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض - حم، د، ك، عن زيد بن أرقم. انتهى.

والشربة منه تروي الانسان رياً أبدياً، فلا يظمأ بعدها أبداً.. ويبدو أنها تؤثر على التركيب الفيزيائي لبدن الانسان، فتجعله صالحاً للحياة في الجنة.

وقد خص الله به سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل أمره بيده ويد أهل بيته الطاهرين، فلا يشرب أحد منه إلا ببطاقة منهم!!

كما أن أحاديث حوض الكوثر قضيةٌ كبيرة أيضاً في مصادر المسلمين!

ونشكر الله أنها بقيت في الصحاح ولم تحذف منها! لأنها كانت مهددة بالنسيان والحذف!! بسبب أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر سنة من عمره الشريف ركز على العقيدة بالحوض، خاصة في خطب حجة الوداع، وربطه بوصيته بالقرآن وأهل بيته الطاهرين، وأكد على أن من لا يطيع وصيته فيهم يمنعه الله تعالى من ورود الحوض والشرب منه، وبالتالي من دخول الجنة.

وأخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أكثر أصحابه سوف يطردون عن الحوض، ولا يسمح لهم بالشرب منه!!!

فأحاديث الحوض تتضمن إذن: بيان مقام أهل البيت الطاهرين، والأمر باتباعهم، وأنهم ومحبيهم الواردون على الحوض، والساقون عليه..

كما تتضمن ذم مبغضيهم ومخالفيهم، وأنهم مطرودون عن الحوض، ممنوعون من الورود عليه والشرب منه، حتى لو كانوا صحابة!!

١٥٠

محاولات الأمويين التكذيب بأحاديث الحوض

من الطبيعي أن ينزعج المنافقون والحاسدون لبني هاشم من هذا التأكيد النبوي، ولا بد أنهم كانوا يسخرون من عقيدة ( حوض محمد وأهل بيته ).

ولا نحتاج الى تتبع سخريتهم في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنا نراها ظاهرة عند ورثتهم من الحكام الكبار في العهد الأموي، مثل عبيد الله بن زياد، الذي كان الحاكم المطلق للعراق وايران وما وراءها!!

ويبدو أنه كان يعمل لحذف عقيدة الحوض من الإسلام.. ولكن المؤمنين وقفوا في وجهه!

فقد ذكر الحاكم في المستدرك: ١/٧٥:

أن أبا سبرة بن سلمة الهذلي سمع ابن زياد يسأل عن الحوض حوض محمد! فقال: ما أراه حقاً! بعد ما سأل أبا برزة الأسلمي، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمرو، قال: ما أصدق هؤلاء!! الخ.

وقال في: ١/٧٨:

عن أنس قال دخلت على عبيد الله بن زياد وهم يتراجعون في ذكر الحوض، قال فقال جاءكم أنس، قال يا أنس ما تقول في الحوض؟

قال قلت: ما حسبت أني أعيش حتى أرى مثلكم يمترون في الحوض!

لقد تركت بعدي عجائز ما تصلي واحدة منهن صلاة إلا سألت ربها أن يوردها حوض محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله !! هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وله عن حميد شاهد صحيح على شرطهما... انتهى.

وروى نحوه أبو يعلى في مسنده: ٦/٩٦

وروى البيهقي في الاعتقاد والهداية/٨٤:

عن أبي حمزة قال: دخل أبو برزة على عبيد الله بن زياد فقال: إن محمدكم هذا لدحداح!!!

١٥١

فقال: ما كنت أراني أن أعيش في قوم يعدون صحبة محمد صلى الله عليه وسلم عاراً!

قالوا: إن الأمير إنما دعاك ليسألك عن الحوض!

فقال: عن أي باله:

قال: أحقٌ هو:

قال: نعم، فمن كذب به فلا سقاه الله منه!! انتهى.

وقد يدافع النواصب عن هذه الروايات بأنها تتحدث عن حالة شخصية في ابن زياد، وليس عن اتجاه عند الخلافة الأموية وأنصارها.

ولكنه يجد أنها اتجاه وليست حالة شخصية!

فهذا عمر بن عبد العزيز، وهو في مطلع القرن الثاني، أراد أن يتثبت من صحة أحاديث الحوض! أو يقنع بها بني أمية وأجواءهم في العاصمة! أو يواصل ما عمله الأمويون.. فأرسل الى المدينة في إحضار صحابي كبير السن، لكي يسمع منه مباشرة حديث الحوض!!

فقد روى البيهقي في شعب الايمان: ٨/٢٤٣:

عن شعبة، أخبرنا أبو بكر بن فورك، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا أبو عتبة، عن محمد بن المهاجر، عن عباس بن سالم اللخمي، أن ابن عبد العزيز بعث الى أبي سلام الحبشي، وحمل على البريد حتى قدم عليه، فقال: إني بعثت اليك أشافهك حديث ثوبان في الحوض!

فقال أبو سلام: سمعت ثوبان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حوضي من عدن أبين الى عمان البلقاء، أكوازه مثل عدد نجوم السماء، ماؤه أحلى من العسل، أشد بياضاً من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، أول من يرد علي فقراء أمتي.

فقال عمر: يا رسول الله من هم؟

١٥٢

قال: هم الشعث الرؤوس، الدنس الثياب الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٣٥٥:

أبو سلام ممطور الحبشي، ثم الدمشقي، الأسود الأعرج... استقدمه عمر بن عبد العزيز في خلافته اليه على البريد، ليشافهه بما سمع من ثوبان في حوض النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: شققت علي. فاعتذر اليه عمر وأكرمه. توفي سنة نيف ومئة .

ندم أئمة المذاهب على تدوين أحاديث الحوض!!

بل يدل النص التالي على أن حساسية الدولة من أحاديث الحوض امتدت الى زمن العباسيين، بسبب أن هذه الأحاديث تتضمن ذم الصحابة!!

فقد أعلن الإمام مالك ندمه على تدوين حديث الحوض في كتابه الموطأ! الذي دونه بأمر المنصور العباسي ليكون الكتاب الرسمي الالزامي للمسلمين!

وكان الإمام الشافعي يظهر تأسفه أيضاً لتدوين مالك لهذه الأحاديث، ولو كانت صحيحة!!

قال الصديق المغربي في فتح الملك العلي/١٥١:

حكي عن مالك أنه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ إلا هذا الحديث!! وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء على الصحابة إلا حديث الحوض، ووددنا أنه لم يذكره!! انتهى.

ويناسب هنا أن نتوسع قليلاً في سبب ندم الإمام مالك والشافعي:

فقد طلب العباسيون عندما كانوا يخططون لثورتهم من الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام أن يتحالفوا معهم للاطاحة ببني أمية، فلم يستجب لهم الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، بينما استجاب لهم الحسنييون وتحالفوا معهم، وعينوا لحركتهم إماماً حسنياً،

١٥٣

وبدؤوا فعاليتهم ضد الأمويين في الحجاز والعراق وخراسان، بشعار: يالثارات الحسين، والدعوة الى الخليفة المرضي من آل محمد، والبراءة من غاصبي حقهم من الشيخين والأمويين بعدهم!!

وما أن حققت ثورتهم انتصارت حاسمة على يد أبي مسلم الخراساني، حتى اختلفوا مع حلفائهم الحسنيين، ونشبت بينهم معارك ضارية في الحجاز والعراق، انتصر فيها العباسييون وتفردوا بالحكم..

وهنا بدأ العباسيون بتغيير استراتيجيتهم الفكرية التي أخذوا البيعة عليها من الناس، فاستثنوا الشيخين أبا بكر وعمر من البراءة واللعن، وحصروه ببني أمية بمن فيهم عثمان!

ويدل ندم مالك على وجود ذم الصحابة في كتابه، على أنه ألفه قبل أن يتبلور التحول في خط الخلافة العباسية، ويعدلوا عن البراءة من الشيخين الى تبني ولايتهما والتأكيد عليها..

ذلك أن العباسيين كانوا سياسيين ولم يكونوا علماء، وكانت المرجعية الدينية للمعارضة في الأئمة من أولاد عليعليه‌السلام .. فأراد العباسيون أن يتبنوا مرجعية دينية، غير أموية وغير علوية، فاختار أبو جعفر المنصور الإمام مالك، وطلب منه أن يؤلف كتاباً سهلاً ممهداً موطأً، لينشره في بلاد المسلمين ويلزمهم به، فألف له الموطأ ووضع فيه حديث الحوض الذي يذم الصحابة ّ لأنه ينسجم مع خطهم الفكري، ونشرت الخلافة الكتاب، وأصدر المنصور قراره الذي ذهب مثلاً ( لا يفتين أحد ومالك في المدينة ).

ولكن ندم مالك، والشافعي، والخلافة العباسية لم ينفع، لأن حديث الحوض دخل في كتاب الخلافة الرسمي، وصار شاهداً لأحاديث الحوض الأخرى التي سمعها الناس ورووها ودونوها!

بل صار ندمهم شاهداً تاريخياً قوياً على صحة صدور هذه الأحاديث النبوية

١٥٤

الخطيرة، وتأكيد خط أهل البيتعليهم‌السلام ومكانتهم في الإسلام!

وإذا لاحظنا أن البخاري ومسلماً قد ألفا صحيحيهما في عصر المتوكل العباسي وبعده، وأن بغض المتوكل لعلي وأهل البيت النبوي كان مشهوراً.. فينبغي أن نشكرهما لأنهما رويا شيئاً من حديث الحوض الذي فيه إزراء على الصحابة حسب تعبير الشافعي، ولا نكلفهما أن يرويا أن علياًعليه‌السلام هو الساقي على حوض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه يذود عنه الكفار والصحابة المطرودين!

والنتيجة للمتأمل في أحاديث حوض الكوثر

أن موقف السلطة الأموية والعباسية لم يمنع من روايتها، ولكنه سبب أن يقلل الرواة منها ويتحاشوا ما كان شديداً على الصحابة!!

وقد رأيت أن البخاري ومسلماً لم يرويا حديث أنس مع ابن زياد، وغيره مما هو صحيح على شرطهما!!

وبذلك يصح أن تقدر أن ما روته مصادرهم من أحاديث طرد الصحابة الخائنين عن الحوض، ليس إلا جزءا قليلاً منها!

على أن عدداً من المصادر بدلت كلمة أصحابي بكلمة: أمتي، أو بكلمة: الناس! وتحاشت صحاحهم رواية الأحاديث التي تربط حوض الكوثر بأهل البيت النبوي ومحبيهم، وتجعلهم المؤمنين المقبولين، والغر المحجلين، الذين يوافون النبي على حوضه، ويردون منه ويدخلون الجنة!!

نماذج من أحاديث الحوض والصحابة لمطرودين

في البخاري: ٧/٢٠٧:

عن عبد الله بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم: حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً.

١٥٥

وفي البخاري: ٨/٨٦:

عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا على حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي! فيقول: لا تدري مشوا على القهقرى. انتهى.

وفي البخاري: ٢/٩٧٥:

عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يرد على الحوض رجالٌ من أصحابي فيحلؤون عنه! فأقول: يا رب أصحابي؟! فيقول: فإنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى.

وفي مسلم: ١/١٥٠:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( ص ): ترد على أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه.

قالوا يا نبي الله أتعرفنا؟

قال: نعم تردون علي غراً محجلين من آثار الوضوء. وليصد عني طائفةٌ منكم فلا يصلون، فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي؟! فيجيبني ملكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ !!

وفي مسلم: ٧/٧٠:

عن أبي هريرة أن النبي ( ص ) قال: لأذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الابل.

ورواه أحمد في: ٢/٢٩٨

ورواه في المسند الجامع - تحقيق د. عواد: ٣/٣٤٣ و٥/١٣٥ و١٨ /٤٧١

والبيهقي في البعث والنشور/١٢٥

ومجمع الزوائد: ١٠/٦٦٥

١٥٦

وروى مسلم: ٢/٣٦٩، وأحمد: ٥/٣٩٠:

عن عمار بن ياسر قال: أخبرني حذيفة عن النبي ( ص ) قال: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، منهم ثمانيةٌ لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط! انتهى.

وقد اهتم ابن حجر بحكم أحواض الابل التي في الحديث فقال في فتح الباري: ٥/٣٣:

وقوله لأذودن.. أي لأطردن، ومناسبته الترجمة من ذكره ( ص ) أن صاحب الحوض يطرد إبل غيره عن حوضه، ولم ينكر ذلك، فيدل على الجواز. انتهى.

وروى ابن أبي شيبة في المصنف: ١٥/١٠٩:

عن حذيفة قال: المنافقون الذين فيكم اليوم شرٌ من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم!

قال الراوي هو شقيق، قلت: يا أبا عبد الله وكيف ذاك؟!

قال: إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء أعلنوه!!

وقال المفيد في الافصاح/٥٠:

وقالعليه‌السلام : أيها الناس، بينا أنا على الحوض إذ مُر بكم زمراً، فتفرق بكم الطرق فأناديكم: ألا هلموا الى الطريق، فيناديني مناد من ورائي: إنهم بدلوا بعدك، فأقول: ألا سحقاً، ألا سحقاً(١) .

وقالعليه‌السلام : ما بال أقوام يقولون: إن رحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لاتنفع يوم القيامة، بلى والله إن رحمي لموصولةٌ في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرطكم على الحوض، فإذا جئتم قال الرجل منكم يارسول الله أنا فلانٌ بن فلان، وقال الآخر: أنا فلانٌ بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقرى(٢) .

وقالعليه‌السلام ، وقد ذكر عنده الدجال:

أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال(٣) .

وقالعليه‌السلام : إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني(٤) .

في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها، وأمرها في الكتب عند أصحاب

١٥٧

الحديث أشهر من أن يحتاج فيه الى برهان.

على أن كتاب الله عز وجل شاهد بما ذكرناه، ولو لم يأت حديث فيه لكفى في بيان ما وصفناه.

قال الله سبحانه وتعالى: وما محمدٌ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟! ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين.

فأخبر تعالى عن ردتهم بعد نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله على القطع والثبات!

وقال في هامشه:

(١) مسند أحمد ٦: ٢٩٧، ومسند أبي يعلى: ١١/٣٨٧ )

(٢) مسند أحمد ٣: ١٨ و٦٢ قطعة منه

(٣) كنز العمال: ١٤/٣٢٢/٢٨٨١٢

(٤) مسند أحمد: ٦/٣٠٧

وفي فردوس الأخبار: ٣/٤٤٤:

عن أنس بن مالك عن النبي ( ص ) قال: ليرفعن أناسٌ من أصحابي وأنا على الحوض، فإذا عاينوني عرفتهم وأنا على الحوض، قد ذبلت شفاههم فاختلجوا دوني.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله: من أحب علياً وأطاعه في دار الدنيا ورد على حوضي غداً، وكان معي في درجتي في الجنة.

ومن أبغض علياً في دار الدنيا وعصاه، لم أره ولم يرني يوم القيامة، واختلج دوني وأخذ به ذات الشمال الى النار. انتهى.

من أسس تدوين أحاديث القيامة عند علماء الخلافة

ونصل من أحاديث الحوض الى قضية أوسع تتعلق بموضوعنا، وهي أحاديث مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة..

١٥٨

فإن المتأمل فيها في مصادر إخواننا السنيين يصل الى قناعة بأن أحاديثها كانت تتضمن أن أهل بيته معه في المحشر والجنة، بدليل بقاء ذكرهم وتسميتهم في عدد منها! وأنها كانت تتضمن بيان المصير الأسود لأكثر الصحابة!

وقد رأيت أنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من الأحاديث التي تنص على أنه لا يرد منهم الحوض ولا ينجو إلا مثل همل النعم!

وهمل النعم هي النعاج المفردة الخارجة عن القطيع! وهو يعني أن أكثرية قطيع الصحابة لا ينجو!!

وبهذا نعرف الصعوبة في المهمة التي عهدت بهاالخلافة القرشية الى علماء الحديث، أو تبرعوا هم بها، بتدوين صحاح ترضى عنها وتتبنى نشرها!!

فلا بد أنهم وقفوا طويلاً أمام مشكلة تدوين أحاديث القيامة والآخرة، لأنها تعطي أهل البيت مقاماً الى جنب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .. ولأنها تذم الصحابة وتخبر عن هلاك أكثرهم!!

ولا شك أن الذين ألفوا بعد مالك بن أنس واجهوا نفس مشكلته، وخافوا أن يقعوا في نفس ( مزلق ) التشيع الذي وقع فيه!!

لذا رأوا أنهم مجبرون على أن اتباع الأسس التالية:

أولاً: أن يختاروا الأحاديث التي ليس فيها ذكر لأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي قليلة جداً جداً!

ثانياً: أن يجردوا الأحاديث من ذكر مقام أهل البيت النبوي مهما أمكن!

ثالثاً: أن يستبدلوا أسماء أهل البيت والكلمات التي استعملها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في التعبير عنهم بكلمات عن الأمة والصحابة.

رابعاً: أن يتحاشوا الأحاديث التي فيها ذم الصحابة، أو يحذفوا منها الذم أو يوجهوه الى آخرين.

خامساً: أن يدونوا الأحاديث الموضوعة في فضل الصحابة، خاصة الخلفاء

١٥٩

الثلاثة، لكي تقابل الأحاديث في فضائل أهل البيت النبوي!!

وتفصيل هذاالموضوع يخرجنا عن بحثنا، فنكتفي بذكر نماذج صغيرة:

فقد روى الخطيب في تاريخ بغداد ٩/٤٥٣:

عن ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذٌ بيد علي يقول: هذا أول من يصافحني يوم القيامة.

وفي الاستيعاب: ٤/١٦٩:

عن أبي ليلى الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين.

ورواه ابن حجر في الاصابة: ٤/١٧٠، وضعفه بدون حجة، وكذا فعل ابن كثير في البداية: ٧/٣٤٨.

وفي سنن ابن ماجة: ١/٤٤:

عن عباد بن عبد الله قال: قال عليرضي‌الله‌عنه : أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب! صليت قبل الناس سبع سنين. هذا حديث صحيح.

ورواه العزيزي في السراج المنير: ٢/٤٠٢، وقال البوصيري في الزوائد: صحيحٌ على شرط الشيخين، وتكلم فيه بعضهم لأجل عباد، لكن تابعته عليه معاذة العدوية.

وفي كنز العمال: ١١/٦١٦:

إن هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين - قاله لعلي. ( الطبراني عن سلمان وأبي ذر معاً، والبيهقي، وابن سعد، عن حذيفة ). انتهى.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

المقصد الخامس عشر

في الجهنيين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

مجمع بن زياد بن عمرو الجهني

كان مجمع بن زياد في منازل جهينة حول المدينة ، فلمّا مرّ الحسينعليه‌السلام بهم تبعه فيمن تبعه من الأعراب ، ولمّا انفضّوا من حوله أقام معه وقتل بين يديه في كربلا كما ذكره صاحب الحدائق(1) وغيره.

عبّاد بن المهاجر بن أبي المهاجر الجهني

كان عبّاد أيضا فيمن تبع الحسينعليه‌السلام من مياه جهينة. قال صاحب الحدائق الورديّة : وقتل معه في الطفرضي‌الله‌عنه (2) .

عقبة بن الصلت الجهني

كان عقبة ممّن تبع الحسينعليه‌السلام من منازل جهينة ، ولازمه ولم ينفض فيمن

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122.

(2) الحدائق الورديّة : 122.

٢٠١

انفضّ. قال صاحب الحدائق : وقتل معه في الطف(1) .

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122.

٢٠٢

المقصد السادس عشر

في التميميين

من أنصار الحسينعليه‌السلام

الحر بن يزيد الرياحي

هو الحرّ بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتّاب [ الردف ](1) بن هرميّ بن رياح ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، التميمي اليربوعي الرياحي.

كان الحرّ شريفا في قومه جاهليّة وإسلاما ، فإنّ جدّه عتّابا كان رديف النعمان ، وولد عتاب قيسا وقعنبا ومات ، فردف قيس للنعمان ونازعه الشيبانيون ، فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة ، والحرّ هو ابن عمّ الأخوص الصحابي الشاعر ، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب. وكان الحرّ في الكوفة رئيسا ندبه ابن زياد لمعارضة الحسينعليه‌السلام ، فخرج في ألف فارس.

روى الشيخ ابن نما : أنّ الحر لمّا أخرجه ابن زياد إلى الحسين وخرج من القصر نودي من خلفه أبشر يا حرّ بالجنّة. قال فالتفت فلم ير أحدا ، فقال في نفسه : والله ما

__________________

(1) في جمهرة أنساب العرب 227 : عتّاب الردف ، وأورده ابن الكلبي في جمهرة النسب : 1 / 307.

٢٠٣

هذه بشارة وأنا أسير إلى حرب الحسين ، وما كان يحدّث نفسه في الجنّة ، فلمّا صار مع الحسين قصّ عليه الخبر ، فقال له الحسين : « لقد أصبت أجرا وخيرا »(1)

وروى أبو مخنف عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين قالا : كنا نساير الحسين فنزل شراف ، وأمر فتيانه باستقاء الماء والإكثار منه ، ثمّ ساروا صباحا ، فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النهار ، فكبّر رجل منهم ؛ فقال الحسين : « الله أكبر لم كبّرت »؟ قال : رأيت النخل. قالا : فقلنا : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قط. قال : « فما تريانه رأى »؟ قلنا : رأى هوادي الخيل. فقال : « وأنا والله أرى ذلك » ؛ ثمّ قال الحسين : « أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد »؟ قلنا : بلى ، هذا ذو حسم عن يسارك تميل إليه ، فإن سبقت القوم فهو كما تريد. فأخذ ذات اليسار ؛ فما كان بأسرع من أن طلعت هوادي الخيل ؛ فتبيّناها فعدلنا عنهم ، فعدلوا معنا كأنّ أسنّتهم اليعاسيب ، وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فسبقناهم إلى ذي حسم ، فضربت أبنية الحسينعليه‌السلام ، وجاء القوم فإذا الحرّ في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حرّ الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلّدون أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه : « اسقوا القوم ورشّفوا الخيل » فلمّا سقوهم ورشّفوا خيولهم ، حضرت الصلاة ، فأمر الحسين الحجّاج بن مسروق الجعفي ، وكان معه ، أن يؤذّن ، فأذّن ، وحضرت الإقامة فخرج الحسين في إزار ورداء ونعلين ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : « أيّها الناس إنّها معذرة إلى الله وإليكم ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم » إلى آخر ما قال ، فسكتوا عنه ، فقال للمؤذّن : « أقم » فأقام ، فقال الحسين للحرّ : « أتريد أن تصلّي بأصحابك »؟ قال : لا بل بصلاتك ، فصلّى بهم الحسين ، ثمّ دخل مضربه واجتمع إليه أصحابه ودخل الحرّ خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه ، ثمّ عادوا

__________________

(1) مثير الأحزان : 59 ـ 60 بتفاوت.

٢٠٤

إلى مصافّهم فأخذ كلّ بعنان دابّته وجلس في ظلّها ، فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين بالتهيؤ للرحيل ، ونادى بالعصر ، فصلّى بالقوم ثمّ انفتل من صلاته وأقبل بوجهه على القوم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : « أيّها الناس إنّكم إن تتقوا » إلى آخر ما قال. فقال الحرّ : إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر ، فقال الحسين : « يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ » ، فأخرج خرجين مملوين صحفا فنشرها بين أيديهم ، فقال الحر : فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتّى نقدمك على عبيد الله ، فقال [ له ] الحسين : « الموت أدنى إليك من ذلك » ، ثمّ قال لأصحابه : « اركبوا » ، فركبوا وانتظروا حتّى ركبت النساء ، فقال : « انصرفوا » ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين للحرّ : « ثكلتك أمّك! ما تريد »؟ قال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل أن أقوله كائنا من كان ، ولكن والله مالي إلى ذكر أمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما يقدر عليه ، فقال الحسين : « فما تريد »؟ قال : أريد أن أنطلق بك إلى عبيد الله ، فقال : « إذن لا أتّبعك » ، قال الحرّ : إذن لا أدعك ، فترادّا القول ثلاث مرّات ، ثمّ قال الحر : إنّي لم أؤمر بقتالك ، وإنّما أمرت ألاّ أفارقك حتّى أقدمك الكوفة ، فإن أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ، ولا تردّك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتّى أكتب إلى ابن زياد ، وتكتب إلى يزيد إن شئت أو إلى ابن زياد إن شئت ، فلعلّ الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك ، قال : فتياسر عن طريق العذيب والقادسية ، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا ، وسار والحر يسايره ، حتّى إذا كان بالبيضة خطب أصحابه بما تقدّم فأجابوه بما ذكر في تراجمهم ، ثمّ ركب فسايره الحرّ وقال له : اذكّرك الله يا أبا عبد الله في نفسك فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى ، فقال له الحسين : « أفبالموت تخوّفني!؟ وهل يعدو بكم

٢٠٥

الخطب أن تقتلوني!؟ ما أدري ما أقول لك! ولكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له أين تذهب؟ فإنّك مقتول ؛ فقال :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وباعد مجرما

فإن عشت لم أندم وإن متّ لم ألم

كفى بك عارا أن تلام وتندما

فلمّا سمع ذلك الحر تنحّى عنه ، حتّى انتهوا إلى عذيب الهجانات(1) فإذا هم بأربعة نفر يجنبون فرسا لنافع بن هلال ويدلّهم الطرماح بن عدي ، فأتوا إلى الحسين وسلّموا عليه ، فأقبل الحرّ وقال : إنّ هؤلاء النفر الذين جاءوا من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادّهم. فقال الحسين : « لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي ، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني ألاّ تعرض لي بشيء حتّى يأتيك جواب عبيد الله » ، فقال : أجل ، لكن لم يأتوا معك ، قال : « هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تمّمت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ ناجزتك » ، قال : فكفّ عنهم الحرّ(2) ، ثمّ ارتحل الحسين من قصر بني مقاتل فأخذ يتياسر والحرّ يردّه فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة ، فوقفوا ينتظرونه جميعا ؛ فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ وترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر(3) البدي من كندة ، فدفع إلى الحرّ كتابا من عبيد الله فإذا فيه : أمّا بعد فجعجع بالحسينعليه‌السلام حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير

__________________

(1) موضع في العراق قرب القادسيّة. راجع معجم البلدان : 2 / 92.

(2) راجع تاريخ الطبري : 3 / 307 ، والإرشاد : 2 / 80.

(3) في تاريخ الطبري : النسير.

٢٠٦

حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.

فلمّا قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين ومعه الرسول ، فقال : هذا كتاب الأمير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتّى أنفذ رأيه وأمره. وأخذهم بالنزول في ذلك المكان ، فقال له : « دعنا ننزل في هذه القرية أو هذه أو هذه » يعني نينوى والغاضريّة وشفية. فقال : لا والله لا أستطيع ذلك ، هذا الرجل بعث إليّ عينا ، فنزلوا هناك(1) .

قال أبو مخنف : لمّا اجتمعت الجيوش بكربلاء لقتال الحسين جعل عمر بن سعد على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث ، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد ، وعلى الميمنة عمرو بن الحجّاج ، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عزرة بن قيس ، وعلى الرجّالة شبث بن ربعي ، وأعطى الراية مولاه دريدا(2) . فشهد هؤلاء كلّهم قتال الحسين إلاّ الحرّ فإنّه عدل إليه وقتل معه.

قال أبو مخنف : ثمّ إنّ الحرّ ـ لما زحف عمر بن سعد بالجيوش ـ قال له : أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ فقال : إي والله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي. قال : أفما لك(3) في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا؟ فقال : أما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ، فأقبل الحرّ حتّى وقف من الناس

__________________

(1) راجع تاريخ الطبري : 3 / 309.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 317 ، وفيه : ذويدا.

(3) في المصدر : أفما لكم.

٢٠٧

موقفا ، ومعه قرّة بن قيس الرياحي ، فقال : يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا. قال : أما تريد أن تسقيه؟ قال : فظننت والله أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك ، فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت : أنا منطلق فساقيه. قال فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فو الله لو أطلعني على الذي يريد لخرجت معه ، قال فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن أوس الرياحي : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له : يا ابن يزيد ، إنّ أمرك لمريب ، وما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك! قال : إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، وو الله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه ولحق بالحسين ، فلمّا دنا منهم قلب ترسه ، فقالوا مستأمن ، حتّى إذا عرفوه سلّم على الحسين وقال : جعلني الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا أبالي أن أصانع(1) القوم في بعض أمرهم ، ولا يظنون(2) أني خرجت من طاعتهم. وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، وو الله إنّي لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّي قد جئتك تائبا ممّا كان منّي إلى ربي ، ومواسيا لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، أفترى لي توبة؟ قال : « نعم ، يتوب الله عليك ، ويغفر لك ، فانزل » قال : أنا لك فارسا خير منّي راجلا ، أقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري. قال : « فاصنع

__________________

(1) في المصدر : أطيع.

(2) في المصدر : ولا يرون.

٢٠٨

ما بدا لك » ، فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال : أيّها القوم ألا تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه؟ قالوا : فكلّم الأمير عمر ، فكلّمه بما قال له قبل ، وقال لأصحابه ، فقال عمر : قد حرصت ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت ، فالتفت الحرّ إلى القوم وقال : يا أهل الكوفة ، لأمّكم الهبل والعبر دعوتم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب ، لتمنعوه(1) التوجّه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته ، فأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع ضرّا ، حلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّدا في ذريّته! لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه. فحملت عليه رجال ترميه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين(2) .

وروى أبو مخنف أن يزيد بن أبي سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم قال : أما والله لو رأيت الحرّ حين خرج لأتبعته السنان ، قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحرّ بن يزيد يحمل على القوم مقدما ويتمثّل قول عنترة :

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

ولبانه حتّى تسربل بالدّم

وإنّ فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه ، وإنّ دمائه لتسيل ، فقال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان : هذا الحرّ الذي كنت تتمنّى. قال : نعم. وخرج إليه فقال له : هل لك يا حرّ في المبارزة؟ قال : نعم ، قد شئت ، فبرز له ، قال الحصين : وكنت

__________________

(1) في المصدر : فمنعتموه.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 320 بتفاوت.

٢٠٩

أنظر إليه ، فو الله لكأنّ نفسه كانت في يد الحر ، خرج إليه. فما لبث أن قتله(1) .

وروى أبو مخنف عن أيّوب بن مشرح الخيواني كان يقول : جال الحرّ على فرسه فرميته بسهم فحشأته فرسه فلما لبث إذ أرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسيف في يده وهو يقول :

إن تعقروا بي فأنا ابن الحرّ

أشجع من ذي لبد هزبر

قال : فما رأيت أحد قطّ يفري فريه(2) .

قال أبو مخنف : ولمّا قتل حبيب أخذ الحرّ يقاتل راجلا وهو يقول :

آليت لا أقتل حتّى أقتلا

ولن أصاب اليوم إلاّ مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا مفصلا

لا ناكلا عنهم ولا مهللا

ويضرب فيهم ويقول :

إنّي أنا الحرّ ومأوى الضيف

أضرب في أعراضكم بالسيف

عن خير من حلّ بأرض الخيف(3)

ثمّ أخذ يقاتل هو وزهير قتالا شديدا ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شد الآخر حتّى يخلّصه ، ففعلا ذلك ساعة. ثمّ شدّت جماعة على الحرّ فقتلوه(4) .

فلمّا صرع وقف عليه الحسينعليه‌السلام وقال له : « أنت كما سمّتك أمّك الحرّ حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة ».

وفيه يقول عبيد الله بن عمرو الكندي البدي :

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 324.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 324.

(3) تاريخ الطبري : 3 / 327 ، وفيه :

أضرب في أعراضهم بالسيف

عن خير من كلّ منّى والخيف

(4) تاريخ الطبري : 3 / 327.

٢١٠

سعيد بن عبد الله لا تنسينه

ولا الحرّ إذ آسى زهيرا على قسر

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( رسموا ) : ساروا الرسيم وهو نوع من السير معروف.

( البيضة ) : قال أبو محمّد الأعرابي الأسود : البيضة بكسر الباء ما بين واقصة إلى العذيب(1) .

( العرواء ) : بالعين المهملة المضمومة والراء المهملة المفتوحة قوة الحمى ورعدتها ، وفي رواية الأفكل : وهو بفتح الهمزة كأحمد الرعدة.

( قلب ترسه ) : هو علامة لعدم الحرب ، وذلك لأن المقبل إلى القوم وهو متترس شاهر سيفه ، محارب لهم فإذا قلب الترس وأغمد السيف ؛ فهو غير محارب أمّا مستأمن أو رسول.

( الهبل ) : كجبل. ( والعبر ) : كصبر وتضم العين هما بمعنى الثكل ، ويمضى على بعض الألسنة العير بالياء المثنّاة تحت وهو غلط.

( كظمه ) : كظم الوادي بفتح الكاف وسكون الظاء المعجمة مضيقه ، فإذا أخذه الإنسان فقد منع الداخل فيه والخارج ، فهو كناية عن المنع ، كما يقال أخذ بزمامه.

( ثغرة النحر ) : نقرته بين الترقوتين وهي بضم الثاء المثلثة.

( اللبان ) : كسحاب الصدر من الفرس.

( حشأته ) : أصبت أحشائه.

( يفرى فريه ) : يفعل فعله في الضرب والمجالدة.

__________________

(1) راجع معجم البلدان : 1 / 532.

٢١١

الحجّاج بن بدر التميمي السعدي

كان الحجّاج بصريّا من بني سعد بن تميم جاء بكتاب مسعود بن عمرو إلى الحسين فبقي معه وقتل بين يديه.

قال السيّد الداودي : إنّ الحسينعليه‌السلام كتب إلى المنذر بن الجارود العبدي وإلى يزيد بن مسعود النهشلي وإلى الأحنف بن قيس وغيرهم من رؤساء الأخماس والأشراف ، فأمّا الأحنف فكتب إلى الحسين يصبّره ويرجّيه ، وأمّا المنذر فأخذ الرسول إلى ابن زياد فقتله ، وأمّا مسعود(1) فجمع قومه بني تميم وبني حنظلة وبني سعد وبني عامر ، وخطبهم فقال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ قالوا : بخ بخ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدّمت فيه فرطا. قال : فإنّي قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه. فقالوا له : إنّا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي ، فقل حتّى نسمع. فقال : إنّ معاوية قد مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وإنّه قد انكسر باب الجور والإثم وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظنّ أنّه قد أحكمه وهيهات الذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين ويتأمّر عليهم بغير رضا منهم مع قصر حلم وقلّة علم لا يعرف من الحقّ موطئ قدمه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، هو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم وجبت لله به الحجّة ، وبلغت به الموعظة

__________________

(1) هكذا في الأصل ، والصحيح : ابن مسعود.

٢١٢

فلا تعشوا عن نور الحقّ ولا تسكعوا فيّ وهد الباطل فقد كان صخر بن قيس يعني الأحنف انخزل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته ، والله لا يقصر أحد عن نصرته إلاّ أورثه الله الذل في ولده والقلّة في عشيرته ، وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها ، وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب. فقالت بنو حنظلة : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا أصبت وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض غمرة إلاّ خضناها ولا تلقى والله شدّة إلاّ لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت. وقالت بنو أسد : أبا خالد إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال ، فحمدنا ما أمرنا به وبقى عزّنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا! وقالت : بنو عامر : نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت ولا نوطن إن ضعنت ، فادعنا نجبك وأمرنا نطعك ، والأمر إليك إذا شئت. فالتفت إلى بني سعد وقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا ، ولا زال فيكم سيفكم ، ثمّ كتب إلى الحسين ـ قال بعض أهل المقاتل مع الحجّاج بن بدر السعدي ـ أمّا بعد : فقد وصل إليّ كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وإنّ الله لم يخل الأرض من عامل عليها بخير ، ودليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجّة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها ، وأنتم فرعها فأقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشدّ تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذلّلت لك بني سعد ، وغسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقها فلمع. ثمّ أرسل الكتاب مع الحجّاج ، وكان متهيّأ للمسير إلى الحسين بعد ما سار إليه جماعة من العبديين ، فجاءوا إليهعليه‌السلام بالطف ، فلمّا قرأ الكتاب قال : « مالك! آمنك الله من الخوف ، وأعزّك وأرواك

٢١٣

يوم العطش الأكبر ». وبقي الحجّاج معه حتّى قتل بين يديه.

قال صاحب الحدائق : قتل مبارزة بعد الظهر(1) . وقال غيره : قتل في الحملة الأولى قبل الظهر.

أقول : إنّ الذي ذكره أهل السير أنّ الحسينعليه‌السلام كتب إلى مسعود بن عمرو الأزدي ، وهذا الخبر يقتضي أنّه كتب إلى يزيد بن مسعود التميمي النهشلي ، ولم أعرفه فلعلّه كان من أشراف تميم بعد الأحنف ، وقد تقدّم القول في هذا.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الأثيل ) : العظيم. ( تسكّع ) : تحيّر.

( الدرن ) : الوسخ يكون في الثوب وغيره.

( استهلّ ) : المطر : اشتدّ انصبابه ، يقال هل السحاب وانهل واستهل.

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122.

٢١٤

المقصد السابع عشر

في الأفراد

من أنصار الحسينعليه‌السلام

جبلة بن علي الشيباني

كان جبلة شجاعا من شجعان أهل الكوفة ، قام مع مسلم أوّلا ، ثمّ جاء إلى الحسينعليه‌السلام ثانيا ، ذكره جملة أهل السير.

قال صاحب الحدائق : إنّه قتل في الطف مع الحسين(1) . وقال السروي : قتل في الحملة الأولى(2) .

قعنب بن عمر النمري

كان قعنب رجلا بصريّا من الشيعة الذين بالبصرة ، جاء مع الحجّاج السعدي إلى الحسينعليه‌السلام وانضمّ إليه ، وقاتل في الطف بين يديه حتّى قتل. ذكره صاحب

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122.

(2) المناقب : 4 / 113.

٢١٥

الحدائق(1) . وله في القائميّات ذكر وسلام.

سعيد بن عبد الله الحنفي (2)

كان سعيد من وجوه الشيعة بالكوفة وذوي الشجاعة والعبادة فيهم.

قال أهل السير : لمّا ورد نعي معاوية إلى الكوفة اجتمعت الشيعة فكتبوا إلى الحسينعليه‌السلام أوّلا مع عبد الله بن وال وعبد الله بن سبع ، وثانيا مع قيس بن مسهّر وعبد الرحمن بن عبد الله ، وثالثا مع سعيد بن عبد الله الحنفي وهاني بن هاني. وكان كتاب سعيد من شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحرث ويزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجّاج ومحمّد بن عمير. وصورة الكتاب :

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد ، فقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار ، وطمت الجمام ، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجنّد(3) .

فأعاد الحسينعليه‌السلام سعيدا وهانيا من مكّة وكتب إلى الذين ذكرنا كتابا صورته :

بسم الله الرحمن الرحيم

« أمّا بعد ، فإنّ سعيدا وهانيا قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي ، مسلم بن عقيل وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122.

(2) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 101 ، الرقم 990.

(3) أورده المفيد في الإرشاد : 2 / 38.

٢١٦

فإن بعث إليّ أنّه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجا منكم على مثل ما قدمت به عليّ رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، أقدم وشيكا إن شاء الله. فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحقّ والحابس نفسه على ذات الله ، والسلام »(1) . ثمّ أرسلهما قبل مسلم وسرّح مسلما بعدهما مع قيس ، وعبد الرحمن كما ذكرنا من قبل.

قال أبو جعفر : لمّا حضر مسلم بالكوفة ونزل دار المختار خطب الناس عابس ثمّ حبيب كما قدّمنا(2) . ثمّ قام سعيد بعدهما فحلف أنّه موطّن نفسه على نصرة الحسين فاد له بنفسه ، ثمّ بعثه مسلم بكتاب إلى الحسين فبقي مع الحسين حتّى قتل معه.

وقال أبو مخنف : خطب الحسينعليه‌السلام أصحابه في الليلة العاشرة من المحرّم فقال في خطبته : « وهذا الليل قد غشيكم » إلخ. فقام أهله أوّلا فقالوا ما تقدّم ، ثمّ قام سعيد ابن عبد الله فقال : والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا نبيّه محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله فيك ، والله لو علمت أنّي أقتل ثمّ أحيى ثمّ أحرق حيّا ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك ، وإنّما هي قتلة واحدة. ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا(3) . وقام بعده زهير كما تقدّم.

وروى أبو مخنف : أنّه لمّا صلى الحسين الظهر صلاة الخوف ، ثمّ اقتتلوا بعد الظهر فاشتدّ القتال ، ولمّا قرب الأعداء من الحسين وهو قائم بمكانه ، استقدم سعيد الحنفي أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا وشمالا ، وهو قائم بين يدي الحسين

__________________

(1) راجع الإرشاد : 2 / 39.

(2) راجع تاريخ الطبري : 3 / 279.

(3) تاريخ الطبري : 3 / 315.

٢١٧

يقيه السهام طورا بوجهه ، وطورا بصدره ، وطورا بيديه ، وطورا بجنبيه ، فلم يكد يصل إلى الحسينعليه‌السلام شيء من ذلك حتّى سقط الحنفي إلى الأرض(1) ، وهو يقول : اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود ، اللهمّ أبلغ نبيّك عنّي السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإنّي أردت ثوابك في نصرة نبيّك ، ثمّ التفت إلى الحسين فقال : أوفيت يا ابن رسول الله؟ قال : « نعم ، أنت أمامي في الجنّة » ، ثمّ فاضت نفسه النفيسة.

وفيه يقول البدي المتقدّم ذكره :

سعيد بن عبد الله لا تنسينه

ولا الحرّ إذ آسى زهيرا على قسر

فلو وقفت صم الجبال مكانهم

لمارت على سهل ودكت على وعر

فمن قائم يستعرض النبل وجهه

ومن مقدم يلقى الأسنّة بالصدر

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 328 ، أورده إلى قوله : ( حتّى سقط ) ، راجع اللهوف : 165.

٢١٨

الخاتمة

في فوائد تتعلّق بأنصار الحسين عليه‌السلام

الفائدة الأولى

قال الشيخ المفيد في الإرشاد : لمّا رحل ابن سعد بالرؤوس والسبايا ، وترك الجثث الطاهرة ، خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضريّة إلى الحسينعليه‌السلام وأصحابهعليهم‌السلام فصلّوا عليهم ودفنوهم ، دفنوا الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه عليّا عند رجليه. وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله ممّا يلي رجلي الحسينعليه‌السلام وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا ، ودفنوا العبّاس بن عليعليهما‌السلام في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الآن(1) .

وقال غيره : دفنوا العبّاس في موضعه لأنّهم لم يستطيعوا حمله لتوزيع أعضائه ، كما أنّ الحسينعليه‌السلام لم يحمله على عادته في حمل قتلاه إلى حول المخيّم لذلك ، ودفنت بنو أسد حبيبا عند رأس الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن اعتناء بشأنه ، ودفنت بنو تميم الحرّ بن يزيد الرياحي على نحو ميل من الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن اعتناء به أيضا.

__________________

(1) الإرشاد : 2 / 114 بتفاوت.

٢١٩

أقول : وسمعت مذاكرة أنّ بعض ملوك الشيعة استغرب ذلك ، فكشف عن قبري حبيب والحرّ فوجد حبيبا على صفته التي ترجم بها في الكتب ، ووجد الحرّ على صفته أيضا ، ورأى رأس الحر غير مقطوع وعليه عصابة فحلّها ليأخذها تبركا بها فانبعث دم من جبينه فشدّها على حالها ، وعمل على قبريهما صندوقين. فإن صحّت هذه الرواية فيحتمل أنّ بني تميم منعوا من قطع رأس الحر لرئاسته وشوكتهم.

الفائدة الثانية

قطعت في الطف رءوس أحبّة الحسينعليه‌السلام وأنصاره جميعا بعد قتلهم وحملت مع السبايا إلاّ رأسين ، رأس عبد الله بن الحسينعليه‌السلام الرضيع فإنّ الرواية جاءت أنّ أباه الحسينعليه‌السلام حفر له بعد قتله بجفن سيفه ودفنه ، ورأس الحرّ الرياحي ، فإنّ بني تميم منعت من قطع رأسه وأبعدت جثّته عن القتلى. كما سمعته من أنّ بعض الملوك كشف عنه ، فرآه معصوب الرأس.

وفي غير الطف قطع رأس مسلم بن عقيل ورأس هاني بن عروة في الكوفة حيث قتلا وأرسلا إلى الشام قبل ذلك كما عرفت.

الفائدة الثالثة

جاءت أنصار الحسينعليه‌السلام غير الطالبيين مع الحسينعليه‌السلام وإلى الحسين بلا عيال ، لأنّ من خرج منهم معه من المدينة لم يأمن لخروجه خائفا ، ومن جاء إليه في الطريق وفي الطفّ انسلّ انسلالا من الأعداء إلاّ ثلاثة نفر جاءوا إلى الحسينعليه‌السلام بعيالهم وهم : جنادة بن الحرث السلماني فإنّه جاء مع عياله وانضمّ إلى الحسينعليه‌السلام ، وضمّ عياله إلى عيال الحسين ، فلمّا قتل أمرت زوجته ولدها عمر أن ينصر الحسين فأتاه يستأذنه في القتال فلم يأذن له ، وقال : هذا غلام قتل أبوه في المعركة ولعلّ أمّه

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523