العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196377 / تحميل: 7991
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا

ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد، فهذا هو المجلد الرابع من ( العقائد الإسلامية ) وقد اشتمل على قسمين:

الأول، في إثبات شفاعة أهل بيت النبي صلى الله عليه وعليهم..

وقد مهدنا له بفصل عن شفاعة أحد كبار شيعتهم ( أويس القرني ) رضوان الله عليه، الذي اتفقت مصادر الجميع على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشر به أنه يكون بعده، وأنه من كبار أولياء الله، وأنه يشفع يوم القيامة لعدد كبير من الناس!!

ثم عرضنا الأحاديث الشريفة التي تدل على أن شفاعة النبي العظمى يوم القيامة تكون بيد أهل بيته الطاهرينصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وختمنا باب الشفاعة ببعض أحكامها وما ينبغي للمسلم أن يكون اعتقاده وموقفه منها.

٣

أما القسم الثاني، فقد بحثنا فيه مسألة التوسل والاستشفاع والاستغاثة بالنبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحثاً مستوفياً لآياتها وأحاديثها، ورأي علماء المذاهب الأربعة فيها، وشبهات ابن تيمية وأتباعه عليها، خاصةً في عصرنا الحاضر.

وقد أجبنا على هذه الشبهات، وأوردنا خلاصة إجابات علماء المذاهب الأربعة عليها، ومقتطفات من أهم الكتب التي ألفوها في الرد عليهم.

نسأل الله أن يوفقنا لاكمال هذه الدورة العقائدية المقارنة.

وسيكون المجلد الخامس منها في مسائل العصمة، إن شاء الله تعالى، وهو ولي التوفيق.

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

علي الكوراني العاملي      

٤

الفصل الرابع عشر

شفاعة أحد شيعة أهل البيتعليهم‌السلام

أويس القرني أحد كبار الشفعاء

ثبت في مصادر الطرفين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نص على عدد من الصحابة بأسمائهم، أن لهم مقاماً كبيراً عند الله تعالى، وأن الجنة تشتاق اليهم!

والملاحظ أنهم كلهم من شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ..

أما من التابعين فمن المتفق عليه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عن أويس القرني وبشر بأنه يأتي بعده، وأنه من كبار أولياء الله تعالى، وأنه مستجاب الدعوة، وأنه يشفع عند الله تعالى لمئات الألوف، أو ملايين الناس!

ولما رأى المسلمون أويساً بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استبشروا به وتبركوا به، وكانوا يحرصون على الفوز بدعاء منه، ولو بكلمة ( غفر الله لك )!

وقد حاول الخلفاء أن يتقربوا اليه، ولكنه هرب منهم، وفضل أن يعيش مغموراً مع الفقراء من شيعة عليعليه‌السلام ، حتى إذا وصلت الخلافة لعليعليه‌السلام نهض معه، وشارك

٥

في حروبه، واستشهد تحت رايته في صفين.. وقبره هناك الى جانب قبر عمار بن ياسر، في مدينة الرقة السورية، وقد وفقنا الله لزيارته.

والمتأمل في النصوص الواردة في مصادر السنيين في أويس، يلاحظ فيها تناقضاً كثيراً، نشأ من أنهم أرادوا أن يغطوا على فراره من عمر، وامتناعه من الدعاء له والإقامة عنده، فوضعوا أحاديث عن لقائه به، يناقض بعضها بعضاً!

كما أن سهادة أويس في صفين مع عليعليه‌السلام ، كانت حجة لعلي والمسلمين على أن معاوية وحزبه هم أهل الباطل، والفئة الباغية التي أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنها تقتل عمار بن ياسررحمه‌الله .

لذلك حاول الأمويون وأتباعهم أن ينفوا أصل بشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأويس، ومكانته المميزة عند الله تعالى!

ثم عندما عجزوا عن ذلك حاولوا أن ينفوا أنه قتل في صفين، وادعوا أنه توفي في طريقه الى الشام، وجعلوا له في الشام قبراً ومزارا!!

أويس خير التابعين

روى مسلم في صحيحه: ٧/١٨٨:

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فبريء... وستأتي بقية الحديث.

ورواه أحمد في مسنده: ١/٣٨

وروى ابن سعد الطبقات: ٦/١٦١:

قال أخبرنا مسلم بن ابراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثني رجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خليلي من هذه الأمة أويس القرني.

قال أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري، عن

٦

أبي نضرة، عن أسير بن جابر بن عمر، أنه قال لأويس: استغفر لي.

قال: كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس.

ورواه الحاكم في المستدرك: ٣/٤٠٢ ورواه الخطيب في الجمع والتفريق: ١/٤٨٠ ورواه ابن معين في تاريخه ( رواية الدوري ): ١/٣٢٤ ونحوه في الجامع الصغير: ٣ حديث رقم ٤٠٠١

وروى أبو نعيم في حلية الأولياء: ٢/٨٦:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا علي بن حكيم، أخبرنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قال: قلنا نعم، وما تريده منه؟

قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان. وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي رضى الله تعالى عنهم.

وقال أبو نعيم في الحلية: ٢/٨٢، بعد حديث عن أويس: فهذا ما أتانا عن أويس خير التابعين... انتهى.

وقال في كنز العمال: ١٢/٧٣:

إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فبريء، فمروه فليستغفر لكم ( م. عن عمر )...

خير التابعين أويس ( ك. عن علي ).

خير التابعين أويس القرني ( ك عن علي، ق، كر عن رجل ). انتهى.

وقد وردت صفة ( خير التابعين ) في أحاديث أخرى، كما سيأتي.

٧

خير التابعين صارت: من خير التابعين!!

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ١٠/٢٢:

عن ابن أبي ليلي قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد، وإسناده جيد. انتهى.

ورواه في تاريخ ابن معين رواية الدوري: ١/٣٢٤

وفي طبقات ابن سعد: ٦/١٦١:

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين فقال: أفيكم أويس القرني؟ قالوا نعم، قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من خير التابعين أويساً القرني، ثم ضرب دابته فدخل فيهم.

ورواه اللالكائي في كرامات الأولياء/١٠٩، بطريقين.

وفي كنز العمال: ١٢/٧٣:

إن من خير التابعين أويس القرني ( حم، وابن سعد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة، حم، كر، عن رجل ). انتهى.

راجع للتدقيق: طبقات ابن سعد: ٦/١١٣، وميزان الاعتدال: ١/٢٧٩ و٢٨٢، ولسان الميزان: ١/٤٧٢، وسير أعلام النبلاء: ٤/٢١، وتاريخ الإسلام للذهبي: ٣/٥٥٦، والبداية والنهاية: ٦/٢٢٥

راجع أيضاً: اُسد الغابة: ١/١٥١، وأعلام النبلاء: ٤/٢٠، وكنز العمال: ١٢/٧٤

هل أن كلمة ( من ) إضافة أموية؟!

من الطبيعي أن تكون قصة الرجل الذي سأل عن أويس في صفين، وشهادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله التي رواها في حقه وحق عليعليه‌السلام ، واحدة من الحجج التي استعملها

٨

المسلمون لإثبات أن معاوية وأهل الشام على الباطل.

ويبدو أن الأحاديث في عمار بن ياسر وأنه تقتله الفئة الباغية، والأحاديث في أويس، لم يكن لها جواب عند مؤيدي معاوية، ولكن بعد سيطرته على بلاد المسلمين عمل على تضعيف هذه الأحاديث وإبطال مفعولها.

ويظهر أن البصريين كانوا أكثر استجابة له من الكوفيين، فقد قال ابن أبي الوفاء في الجواهر المضية في طبقات الحنفية/٤١٩:

أهل المدينة يقولون أفضل التابعين سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة أويس القرني، وأهل البصرة الحسن البصري. انتهى.

وقد حاول النووي أن يوفق بين رواية مسلم وبين قول لأحمد بن حنبل! فقال في شرح مسلم - بهامش الساري: ٩/٤٢٩:

قوله ( ص ) خير التابعين رجل يقال له أويس... وقد يقال: قد قال أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب؟!

والجواب: أن مرادهم أن سعيد أفضل في العلوم الشرعية.. لا في الخير. انتهى.

وهذا النوع من العمل كثير عند الفقهاء السنيين، فتراهم يتركون الرواية التي صحت عندهم عن نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله - وهي تقول هنا إن أويساً خير التابعين مطلقاً، ولا تقيد ذلك بناحية دون ناحية - لكي يصححوا قول شخص في مقابل حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ !!

كان أويس أسمر اللون جسيماً مهيباً

في حلية الأولياء: ٢/٨٢، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا أبا هريرة إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم

٩

يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا.

قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟

قال: ذاك أويس القرني.

قالوا: وما أويس القرني؟

قال: أشهل، ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه الى صدره، رام بذقنه الى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله يتلو القرآن، يبكي عليّ نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه.

ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة، ويقال لأويس قف فاشفع، فيشفع لله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر.

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٤:

عن هرم بن حيان العبدي قال: قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا أويس، أسأل عنه فدفعت اليه بشاطيء الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فإذا رجل آدم محلوق الرأس كث اللحية مهيب المنظر، فسلمت عليه ومددت اليه يدي لأصافحه، فأبى أن يصافحني! فخنقتني العبرة لما رأيت من حاله، فقلت: السلام عليك يا أويس، كيف أنت يا أخي؟

قال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان، من دلك عليّ؟

قلت: الله عز وجل.

قال: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.

قلت: يرحمك الله من أين عرفت اسمي واسم أبي، فوالله ما رأيتك قط، ولا رأيتني!

١٠

قال: عرفت روحي روحك، حيث كلمت نفسي، لأن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله عز وجل وإن نأت بعد بهم الدار وتفرقت بهم المنازل! انتهى، ونحن نشك في شهادة هرم لنفسه عن لسان أويس!

ورواهما في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٨

صورة من تزاحم المسلمين على أويس

روى الحاكم: ٢/٣٦٥، وصححه:

أخبرني الحسن بن حليم المروزي، ثنا أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد الله بن المبارك، أنبأ جعفر بن سليمان، عن الجريري، عن أبي نضرة العبدي، عن أسير بن جابر قال: قال لي صاحب لي وأنا بالكوفة: هل لك في رجل تنظر اليه؟ قلت نعم، قال هذه مدرجته وإنه أويس القرني، وأظنه أنه سيمر الآن.

قال: فجلسنا له فمر، فإذا رجل عليه سمل قطيفة، قال والناس يطؤون عقبه، قال وهو يقبل فيغلظ لهم ويكلمهم في ذلك فلا ينتهون عنه، فمضينا مع الناس، حتى دخل مسجد الكوفة ودخلنا معه، فتنحى الى سارية فصلى ركعتين، ثم أقبل الينا بوجهه فقال: يا أيها الناس مالي ولكم، تطؤون عقبي في كل سكة، وأنا إنسان ضعيف، تكون لي الحاجة فلا أقدر عليها معكم، لا تفعلوا رحمكم الله، من كانت له إلي حاجة فليلقني هاهنا.

شعاره الصدق والجد في أمر الله تعالى

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٥:

أخبرنا أبو العباس السياري، ثنا عبدالله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا يزيد بن يزيد البكري قال: قال أويس القرني: كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم. انتهى.

ومعنى كلامهرحمه‌الله : أن خوف الله تعالى يجب أن يكون في نفس المؤمن بدرجة

١١

عالية، كأن في رقبته قتل الناس كلهم، ليكون في تصرفاته مثل القاتل الملاحق دقيقاً حذراً متقياً، وشعوره بالمسؤولية أمام الله تعالى عميقاً.

وروى نحوه البيهقي في شعب الايمان: ١/٥٢٤

وهو صاحب مدرسة في شكر نعم الله تعالى

في كتاب المجروحين لابن حبان: ٣/١٥١:

أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك عليّ، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له، فليستغفر له. انتهى.

وقد وردت هذه القصة في أحاديثه، كما سترى.

زاهد يضرب بزهده المثل

في حلية الأولياء: ٢/٨٧:

عن علقمة مرثد قال: انتهى الزهد الى ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خيثم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن. انتهى. وهو يقصد بالأخير الحسن البصري.

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/١٩:

هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.

وقال في هامش سير أعلام النبلاء: ١٨/٥٥٨:

ذكر ابن خلكان في الوفيات: ٢/٢٦٣: أن الذي ضرب به الحريري المثل في المقامات هو دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي

١٢

المتوفى سنة ٥٢٩، من أحفاد المترجم، وقد وهم المؤلف في ذلك، وأورد ذكره الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين وهي المقامة العمانية، وفيها يصف كيف أحاطت الجماعة بأبي زيد تثني عليه، وتقبل يديه، حتى خيل إلي أنه القرني أويس، أو الأسدي دبيس. انظر مقامات الحريري/٣٤٢ ( ط: صادر ).

وفي لسان الميزان: ١/٤٧١:

قال ابن عدي ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد العزيز بن سلام، سمعت اسحاق بن ابراهيم يقول: ما شبهت عدي بن سلمة الجزري إلا بأويس القرني تواضعاً. وذكره في ميزان الاعتدال: ١/٢٧٩

زاهد يحمل هم الفقراء ويتصدق عليهم حتى بطعامه وثيابه

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٦:

أخبرني أبو العباس قاسم بن القاسم السياري بمرو، ثنا عبد الله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا سفيان الثوري قال: كان لأويس القرني رداء إذا جلس مس الأرض، وكان يقول: اللهم إني أعتذر اليك من كل كبد جائعة وجسد عار، وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني.

ورواه البيهقي في شعب الايمان: ١/٥٢٤

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٧:

عبيد الله بن عبد الكريم ثنا سعيد بن أسد بن موسى ضمرة بن ربيعة عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرني إذا أمسى يقول هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح.

وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح.

وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.

١٣

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/٢٩:

عبد الله بن أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبوبكر بن عياش، عن مغيرة، قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه، حتى يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه الى الجمعة.

عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني، وفرات بن حيان.

( ورواه في كنز العمال: ١٢/٧٤: وقال: حم، في الزهد، حل عن محارب بن دثار وعن سالم بن أبي الجعد ).

أبو نعيم: حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا ابن جرير، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن شريك عن جابر، عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟

قال: أصبحت أحمد الله عز وجل.

قال: كيف الزمان عليك؟

قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار.

يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً... الخ.

عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله حق لم يترك له صديقاً...

وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب، ثم قال: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياً فلا تؤاخذني به. ( الحلية ٢/٨٣ )

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٤:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن

١٤

دثار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري، يحجزه إيمانه أن يسأل الناس! منهم أويس القرني وفرات بن حيان.

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: وكان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتي يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه. أي الى الجمعة.

وفي كتاب الزهد للشيباني/٣٤٦:

حدثنا عبدالله، حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: إن أويس القرني ليتصدق بثيابه حتى يجلس عرياناً لا يجدها يروح فيه الى الجمعة.

وفي لسان الميزان: ١/٤٧٤:

سفيان الثوري: حدثني قيس بن يسير بن عمرو، عن أبيه أن أويساً القرني عري غير مرة فكساه أبي، قال وكان أويس يقول: اللهم لا تؤاخذني بكبد جائعة، أو جسد عار.

وفي ص ٢٨٠: وقال ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، قال: كان أويس يجالس رجلاً من فقهاء الكوفة يقال له يسير ففقدته، فإذا هو في خص له قد انقطع من العري... وذكره في ميزان الاعتدال: ١/٢٨٢، وفي سير أعلام النبلاء: ٢٩٤ - ٣٣٠ انتهى.

**

وهذه النصوص تكشف عن الفقر الشديد الذي كانت تعيشه طبقة واسعة من المجتمع الإسلامي، وأن أموال الفتوحات صرفت في الطريق قبل أن تصل اليها، فكان بعضها لا يملك حتى ثوبين مناسبين يتستر بهما، بل كان فيهم من يموت من الجوع!!

١٥

ولذلك كان أويس يدعو الله تعالى أن لا يؤاخذه بعري العارين، وجوع الجائعين، لأنه لا يملك إلا ثوبيه اللذين يلبسهما، ولا يملك إلا ما في بطنه من طعام، وكل ما يحصل عليه من عمله ومن هدايا الناس، كان يعطيه لهؤلاء للفقراء!!

وهي تدل أيضاً على أن زهد أويس كان زهداً واعياً يحمل هم الفقراء، وكان يحمل مسؤولية فقرهم وبؤسهم للخليفة والدولة، والطبقة المترفة التي كونت ثروتها من الفتوحات، وكانت تنقم من أويس أنه يهتم بهم، ويأمر من أجلهم بالمعروف وينهى عن المنكر، وسيأتي رأيه في الخلفاء غير عليعليه‌السلام وما لاقاه منهم!

وقد ربى أويس تلاميذ على سيرته

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٨:

حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن معين، حدثني أبو عبيدة الحداد، ثنا أبو مكين قال: رأيت امرأة في مسجد أويس القرني قالت: كان يجتمع هو وأصحاب له في مسجدهم هذا، يصلون ويقرؤون في مصاحفهم فآتي غداءهم وعشاءهم هاهنا، حتى يصلوا الصلوات، قالت: وكان ذلك دأبهم ما شهدوا حتى غزوا، فاستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنهم أجمعين.

رأيه في الحكّام غير عليعليه‌السلام

قال الشاطبي في الاعتصام: ١/٣٠:

نقل عن سيد العابدين بعد الصحابة أويس القرني أنه قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا!! ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين!!

وفي مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٥:

حدثنا أحمد بن زياد الفقيه الدامغاني، ثنا محمد بن أيوب، أنا أحمد بن يونس،

١٦

ثنا أبو الأحوص، حدثني صاحب لنا قال: جاء رجل من مراد الى أويس القرني فقال السلام عليكم، قال وعليكم.

قال: كيف أنتم يا أويس؟

قال: الحمد لله.

قال: كيف الزمان عليكم؟

قال: لا تسأل! الرجل إذا أمسى لم ير أنه يصبح، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي!

يا أخا مراد، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحاً.

يا أخا مراد، إن عرفان المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة ولا ذهباً.

يا أخا مراد، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقاً! والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذوننا أعداء، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعواناً، حتى والله لقد يقذفوننا بالعظائم، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق!! انتهى.

وفي بحار الأنوار: ٦٨/٣٦٧:

أعلام الدين: روي عن أويس القرنيرحمه‌الله قال لرجل سأله كيف حالك؟

فقال: كيف يكون حال من يصبح يقول: لا أمسي، ويمسي يقول: لا أصبح، يبشر بالجنة ولا يعمل عملها، ويحذر النار ولا يترك ما يوجبها.

والله إن الموت وغصصه وكرباته وذكر هول المطلع وأهوال يوم القيامة، لم تدع للمؤمن في الدنيا فرحاً، وإن حقوق الله لم تبق لنا ذهباً ولا فضة، وإن قيام المؤمن بالحق في الناس لم يدع له صديقاً، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيشتمون أعراضنا، ويرموننا بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين!! إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله!

اضطهاد مخابرات الخلافة لأويس

يفهم من نصوص أويس أن سلطة الخلافة لم تتحمل منه ابتعاده عن الحكام وامتناعه أن يستغفر لهم، ثم أمره إياهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعريضه

١٧

وإعلانه بسيرته ودعائه كل يوم أنهم مسؤولون عن جوع الجائعين وعري العارين.. وكأنه بذلك يقول للناس إنهم لا يصلحون للحكم بإسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

لقد عبر هذا الولي الذي هو آية من آيات الله تعالى، ومعجزة من معجزات رسوله بكلماته القليلة عن محنته ومعاناته من مخابرات السلطة في زمن عمر وأبي بكر وعثمان، ولم يكن ذنبه أنه نافس أحداً في سلطان، ولا جمع حوله قبيلته قرن وكون منهم قوة سياسية تطالب بحصة من أموال الفتوحات.. بل كان يعيش عيشة الفقراء مع الفقراء، ويعبد ربه عز وجل، ويأمر بالمعروف وينهى المنكر..

ولكن السلطة مع ذلك لم تتركه، فاتخذته عدواً! وسلطت عليه الفساق واتهمته بالعظائم والجرائم والمعايب، على حد تعبيره!!

ولهذا ينبغي أن نبحث عن السلطة وراء كل ما نشك فيه من روايات أويس، ومن أولها الروايات التي تقول أن القرنيين سئلوا عنه فلم يعرفوه، والتي احتج بها البخاري على تضعيف أويس، وعدم قبول روايته!!

فكيف يتعقل إنسان أن شخصية بمستوى أويس، كان يبحث عنه الخليفة عمر، وكل أمله أن ينطق له بكلمة ( غفر الله لك ) لأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له إن استطعت أن يستغفر لك فهنيئاً لك!! ثم لا يكون معروفاً عند القرنيين وكل اليمانيين وموضع افتخارهم؟!

إن نفي القرنيين لمعرفتهم بأويس وتشكيكهم بنسبه، إما أن يكون مكذوباً، وإما أن تكون السلطة قد شوهت سمعة أويس وعزلته، حتى اضطر بعض القرنيين من قبيلته الصغيرة أن ينكروا أنه منهم!!

وتدل الروايات على أن سلطة الخلافة لم تستطع الانتقام من أويس مباشرة، بسبب مكانته في قلوب المسلمين.. ولذلك اتبعت أسلوب إيذائه وتحقيره، ووكلت به رجلاً حكومياً من عشيرته، يؤذيه ويشيع التهم حول شخصيته ونواياه، وأنه رجل مراءٍ ومجنون!!

١٨

فابن عمه الذي ورد أنه كان من رجال حاكم الكوفة، وكان مولعاً بأويس يشتمه ويؤذيه.. كان واحداً من عملاء السلطة المكلفين بتحقير أويس وأذيته، لاسقاط شخصيته ومنع تأثيره على المسلمين!!

فقد روى الحاكم في المستدرك: ٣/٤٠٤ عن أسير بن جابر، قال:

فكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكرهم وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره، ففقدته يوماً فقلت لجليس لنا: ما فعل الرجل الذي كان يقعد الينا، لعله اشتكى؟

فقال: الرجل من هو؟

فقلت: من هو؟

قال: ذاك أويس القرني.

فدللت على منزله فأتيته فقلت يرحمك الله أين كنت، ولم تركتنا؟

فقال: لم يكن لي رداء، فهو الذي منعني من إتيانكم!

قال: فألقيت اليه ردائي، فقذفه إلي!

قال فتخاليته ساعة، ثم قال:

لو أني أخذت رداءك هذا فلبسته فرآه علّي قومي قالوا انظروا الى هذا المرائي لم يزل في الرجل حتى خدعه وأخذ رداءه!!

فلم أزل به حتى أخذه، فقلت: انطلق حتى أسمع ما يقولون!

فلبسه فخرجنا، فمر بمجلس قومه فقالوا: أنظروا الى هذا المرائي لم يزل بالرجل حتى خدعه وأخذ رداءه!!

فأقبلت عليهم فقلت: ألا تستحيون؟! لم تؤذونه؟! والله لقد عرضته عليه فأبى أن يقبله.

وروى ابن حبان في المجروحين: ٣/١٥١:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر رجلاً من قرن، وكان من أهل

١٩

الكوفة وكان من التابعين، فخرج وبه وضح، فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه فقال: اللهم دع في جسدي ما أتذكر به نعمتك. فترك الله منها ما يذكر به نعمته عليه، وكان رجلاً يلازم المسجد في ناس من أصحابه، وكان ابن عم له يلزم السلطان تولع به، فإن رآه مع قوم أغنياء قال ما هو إلا يشاكلهم! وإن رآه مع قوم فقراء، قال ما هو إلا يخدعهم!

وأويس لا يقول في ابن عمه إلا خيراً!! غير أنه إذا مر به استتر منه مخافة أن يأثم في سبه! انتهى.

وستأتي بقيته في روايات لقائه بعمر بن الخطاب.

أويس من شيعة عليعليه‌السلام

في مسند أحمد: ٣/٤٨٠:

حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا أبو نعيم قال: ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين:

أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من خير التابعين أويساً القرني. انتهى. وقد رواه أبونعيم في الحلية: ٢/٨٦ وقال في مجمع الزوائد: ١٠/٢٢: رواه أحمد وإسناده جيد ورواه ابن سعد في الطبقات: ٦/١٦٣ واللالكائي في كرامات الأولياء/١٠٩ وابن معين في تاريخه ( رواية الدوري ): ١/٣٢٤ واللواتي في تحفة النظار: ٢/١٩٠

وورواه أبو نعيم في الحلية: ٢/٢٢١، وقال بعده:

ورواه جماعة عن شريك، وقال ابن عمار الموصلي: ذكر عند المعافي بن عمران أن أويساً قتل في الرجالة مع علي بصفين، فقال معافي: ما حدث بهذا إلا الأعرج! فقال له عبد ربه الواسطي: حدثني به شريك، عن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى! قال: فسكت!! انتهى.

٢٠

ابن كعب قراءة آيةٍ ، فقال له أُبي : لقد سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتَ يلهيك ـ يا عُمر ـ الصفق بالبقيع فقال عمر : صدَقت ) (١) .

بل لقد اعترف بذلك عُمر نفسه في بعض الموارد ، كالحديث في ( البخاري ) ، في قضيّة خبر أبي موسى في حكم الاستيذان وشهادة أبي سعيد الخدري له ، قال عُمر : ( خفِي عليَّ هذا مِن أمر النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ألهاني الصفق بالأسواق )(٢) .

وفي ( حياة الحيوان ) : ( كان أبو بكر الصدّيق بزّازاً ، وكذلك عثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وكان عُمر دلاّلاً يسعى بين البائع والمشتري )(٣) .

وأمّا عليّعليه‌السلام ، فإنّه وإنْ نصّ السيوطي على أنّه أكثر مَن رُوي عنه التفسير من الخلفاء ، لكنّ بعض المتعصّبين منهم ينفي ذلك ، ويحمله على الأكثريّة الإضافيّة ، ألا ترى المتكلّمين منهم ـ حينما يُريدون الردّ على استدلال أهل الحقّ على أعلميّة الإمام بالقرآن والتفسير ، بانتشار هذا العلم عنه بين المسلمين ـ يُبادرون إلى القول بأنّ ما رُوي عن عليّ ليس إلاّ أخباراً آحاداً ، حتّى أنّ ابن تيميّة يقول بأنّ رواية ابن عبّاس في التفسير عن عليّ ( قليلةٌ جدّاً ، ولم يخرج أصحاب الصحيح شيئاً مِن حديثه عن عليّ )(٤) ويقول : ( وما يُعرف بأيدي المسلمين تفسيرٌ ثابتٌ عن عليّ )(٥) .

بل لقد قال غير واحدٍ منهم : بأنّ كلّ ما رُوي عنهعليه‌السلام فهو مكذوبٌ عليه :

ـــــــــــــــــــ

(١) كنز العمّال ١٣ : ٢٦١/ ٣٦٧٦٦ .

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٧٢ كتاب البيوع ، باب الخروج في التجارة .

(٣) حياة الحيوان ١ : ٢٧٥ ( الجزور ) .

(٤) منهاج السنّة ٤ : ٢٤٢ .

(٥) منهاج السنّة ٤ : ٢٤٢ .

٢١

قال الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) : ( حصين ، عن الشعبي : ما كُذِب على أحدٍ مِن هذهِ الأُمّة ما كُذِب على عليٍّرضي‌الله‌عنه . وقال أيّوب : كان ابن سيرين يَرى أنّ عامّة ما يُروى عن عليٍّ باطل )(١) .

وفي ( البخاري ) : ( وكان ابن سيرين يرى أنّ عامّة ما يُروى عن عليّ الكذب )(٢) .

وعلى هذا... فلِنعطف عنان البحث والكلام نحو سائر الصحابة الأعلام ، الذين ذكرهم السيوطي في الطبقة الأُولى :

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٤٣٦/ ١٦٢٧ .

(٢) صحيح البخاري ٥ : ٢٤ باب مناقب المهاجرين ـ باب مناقب عليّ بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسنرضي‌الله‌عنه .

٢٢

عبد الله بن مسعود

فأمّا ابن مسعود ، فهذا ما رَووه أو ذكروه في كُتُبِهم ، ممّا هو مِن القوادح على أُصولهم ، فيه وفي مُصحَفِه ، وما أخرجوا عنه في التفسير .

بين عثمان وابن مسعود

إنّ من ضروريّات التاريخ أنّ عُثمان بن عفّان قد أحرق مصحف ابن مسعود ، فقال علماؤهم دفاعاً عنه وتبريراً لِما فعل :

( إنّه لو بَقيَ مصحفه في أيدي الناس ، لأدّى ذلك إلى فتنةٍ كبيرةٍ في الدين ) ، ثمّ علّلوا ذلك بقولهم : ( كثرة ما فيه مِن الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن )(١) .

وقال الراغب الإصفهاني في( المحاضرات ) :

( أثبت ابن مسعود في مصحفه : ولو كان لابن آدم واديان مِن ذهب لابتغى إليهما ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ، ويتوب الله على مَن تاب )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الخميس ٢ : ٢٧٣ وغيرهما .

(٢) محاضرات الأُدباء ٤ : ٤٣٤ .

٢٣

وقال :

 ( أثبت ابن مسعود بسم الله في سورة البراءة )(١) .

ومن المعلوم الواضح لدى كلّ أحدٍ : أنّ مَن أدرج في القرآن أدعية القنوت وغيرها ممّا ليس من القرآن ، وكان قرآنه يشتمل على الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن ، بحيث لو بقي في أيدي الناس لأدّى إلى فتنةٍ كبيرةٍ في الدين ، ولانجرَّ إلى قبائحٍ كثيرةٍ ، وصار المسلمون مختلفين في كتابهم كاختلاف اليهود والنصارى في كتابهم ، ولم يرفع اليد عن كلّ ذلك إلاّ بالسبّ والشتم... كان من المقدوحين والمجروحين...

بل المُستفاد من تتبّع كلمات القوم في المقام أنْ ليس لابن مسعود على أُصولهم من الإيمان والإسلام نصيب ، فضلاً عن الجلالة والسيادة والفضل والسعادة ؛ لأنّه كان مِن المُخالفين لعثمان والمنكرين عليه ، حتّى أنّه كان يدعو عليه على رؤوس الأشهاد :

قال الحلَبي في( السيرة ) :

( وكان الوليد شاعراً ظريفاً شجاعاً كريماً ، يشرب الخمر كلّ ليلة من أوّل الليل إلى الفجر ، فلمّا أذّن المؤذّن لصلاة الفجر ، خرج إلى المسجد وصلّى بأهل الكوفة الصبح أربع ركَعَات ، وصار يقول في ركوعه وسجوده : اشرب واسقني ، ثمّ قاءَ في المحراب ، ثمّ سلّم وقال : هل أزيدكم ؟

فقال له ابن مسعود : لا زادك الله خيراً ولا مَن بعثك إلينا )(٢) .

هذا، وقد نصّ صاحب( التحفة ) على أنْ مَن يطعن في الصهرين ـ يعني : عليّاً وعثمان ـ فهو ليس من أهل الإيمان .

ـــــــــــــــــــ

(١) محاضرات الأُدباء ٤ : ٤٣٤ .

(٢) إنسان العيون = السيرة الحلبيّة ٢ : ٢٨٤ ، وفيه : شرب الخمر ليلةً...

٢٤

وقال ابن حَجَر في( الصواعق ) في مطاعن عثمان :

( ومنها : أنّه حَبَس عطاء ابن مسعود وأُبَي بن كعب ، ونَفَى أبا ذر إلى الربَذَة ، وأشخص عبادة بن الصّلت مِن الشام إلى المدينة لمّا اشتكاه معاوية ، وهَجَر ابن مسعود ، وقال لابن عوف : إنّك منافق ، وضرب عمّار بن ياسر ، وانتهك حُرمة كعب بن عجرة ، فضربه عشرين سوطاً ونفاه إلى بعض الجبال ، وكذلك حرمة الأشتر النخعي .

وجواب ذلك : أمّا حبْسه لعطاءِ ابن مسعود وهجره له ، فلِما بلغه ممّا يُوجب ذلك ، إلقاءً [إبقاءً] لأُبّهة الولاية )(١) .

فكان قد وقَع مِن ابن مسعود ما استحقّ به حبْس العطاء والهجر ، بل يظهر مِن ذلك أنّه ما كان يعتقد بولاية عثمان وخلافته ، فلو كان يعتقد لَمَا ألقى أُبّهتها !

وقال الفخر الرازي في( نهاية العقول ) :

( قوله : سادساً : ضرب ابن مسعود وعمّاراً وسيّر أبا ذر إلى الربَذَة .

قلنا : كما فعل ذلك ، فقد قيل عن هؤلاء أنّهم أقدموا على أفعالٍ استوجبوا ذلك )(٢) .

ومن الضروري : إنّ الأفعال المستوجبة لضرب أعيان الصحابة وهتك عدولهم ، ليست إلاّ الكبائر المُوبقة والمعاصي المهلكة...

٢٥

مشكلة الفاتحة والمعوّذتين وطُرق حلّها

ثمّ إنّ ابن مسعود كان لا يرى الفاتحة والمعوّذتين قرآناً ، وهذا ممّا يحزّ في قلوب القوم ، ويجعلهم يضطربون في حلّه .

قال الراغب في فصل بيان ما ادّعي أنّه من القرآن ممّا ليس في المُصحف ، وما ادّعي أنّه ليس منه وهو فيه :

( وأسقط ابن مسعود من مصحفه أُمّ القرآن والمعوّذتين )(١) .

وفي( المسند ) : ( عن عبد الرحمان بن يزيد قال : كان عبد الله يحكّ المعوّذتين مِن مصاحفه ويقول : إنّهما ليستا مِن كتاب الله تبارك وتعالى )(٢) .

وفي( الدرّ المنثور ) : ( أخرج عبد بن حميد ومحمّد بن نصر المروزي في كتاب الصّلاة ، وابن الأنباري في المصاحف ، عن محمّد بن سيرين : إنّ أُبي ابن كعب كان يكتب فاتحة الكتاب والمعوّذتين ، واللّهمّ إيّاك نعبد ، واللّهمّ إنّا نستعينك ، ولم يكتب ابن مسعود شيئاً منهنَّ ، وكتب عثمان بن عفّان فاتحة الكتاب والمعوّذتين )(٣) .

وفي (الدرّ المنثور) أيضاً : ( أخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : كان عبد الله لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف وقال : لو كتبتها لكتبت في أوّل كلّ شيء )(٤) .

وفي ( تاريخ الخميس ) بعد العبارة المنقولة آنفاً : ( ولحذفه المعوّذتين من

ـــــــــــــــــــ

(١) محاضرات الأُدباء ٤ : ٤٣٤ .

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٦ : ١٥٤/ ٢٠٦٨٣ .

(٣) الدرّ المنثور ١ : ١٠. وفيه : إيّاك نستعين ، بدل : اللهمّ إنّا نستعينك .

(٤) الدرّ المنثور ١ : ١٠ .

٢٦

مصحفه ، مع الشهرة عند الصحابة أنّهما من القرآن ) (١) .

هذا ، وقد قالوا بأنّ إنكار الفاتحة والمعوّذتين كُفر ، فقد جاء في( الإتقان ) :

( قال النووي في شرح المهذّب : أجمَع المسلمون على أنّ المعوّذتين والفاتحة مِن القرآن ، وأنّ مَن جَحَد منها شيئاً كَفَر )(٣) .

وإذا كان ( مَن أنكر شيئاً منها كَفَر ) فقد أنكر ابن مسعود كلّها !!

ومن هنا وقعوا في المشكلة :

قال السيوطي في ( الإتقان ) : ( مِن المشكل على هذا الأصل : ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي قال : نُقِل في بعض الكتب القديمة ، أنّ ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوّذتين من القرآن ، وهو في غاية الصعوبة ؛ لأنّا إنْ قلنا : إنّ النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة بكون ذلك من القرآن ، فإنكاره يُوجب الكفر ، وإنْ قلنا : لم يكن حاصلاً في ذلك الزمان ، فيلزم أنْ [يكون] القرآن ، ليس بمتواتر في الأصل )(٣) .

وتحيّروا كيف يَخرجون مِن هذهِ العويصة :

١ ـ تكذيب الأخبار

قال في ( الإتقان ) نقلاً عن الرازي بعد ما تقدّم : ( والأغلب على الظنّ أنّ نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقلٌ باطل ، وبهِ يحصل الخلاص عن هذه

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الخميس ٢ : ٢٧٣ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٧١ .

(٣) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ .

٢٧

العقدة ) (١) .

وهكذا أجاب القاضي أبو بكر والنووي وابن حزم... وزعموا أنّ به يحصل الخلاص عن هذه العقدة ، ولكنْ لات حين مناص ، فقد تعقّب المحقّقون ذلك وتتبّعوا الأخبار به ، ووجدوها صحيحةً ، ولا مَجال لتكذيب الأخبار الصحيحة أبداً..

ففي ( الإتقان ) : ( قال ابن حَجَر في شرح البخاري : قد صحّ عن ابن مسعود إنكار ذلك ، فأخرج أحمد وابن حبّان عنه أنّه كان لا يكتب المعوّذتين في مصحفه وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند ، والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال : كان ابن مسعود يحكّ المعوّذتين من مصاحفه ويقول : إنّهما ليستا من كتاب الله .

وأخرج البزّار والطبراني مِن وجه آخر عنه أنّه كان يحكّ المعوّذتين من المصحف ويقول : إنّما أمر النبيّ أن يتعوّذ بهما ، وكان [عبدالله] لا يقرأ بهما .

أسانيدها صحيحة .

قال البزّاز : لم يُتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة وقد صحّ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ بهما في الصّلاة .

قال ابن حجَر : فقول مَن قال إنّه كذبٌ عليه ، مردود ، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يُقبل ، بل الروايات صحيحة )(٢) .

فهذا الطريق ـ طريقُ الطعن في هذهِ الروايات ـ لا يفيد .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٧١ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ .

٢٨

٢ ـ الإبهام

ومنهم مَن سلَك طريقَ الإبهام ، فوضَع بدل كلمة حكّ ابن مسعود وإنكاره الفاتحة والمعوّذتين ، كلمة ( كذا وكذا ) وتخيّل أنّه بذلك يُمكن إخفاء الحقيقة والخروج عن العقدة ، وقد جاء ذلك في ( صحيح البخاري ) حيث قال :

( حدّثنا عليّ بن عبد الله ، حدّثنا سُفيان ، حدّثنا عبدة بن أبي لُبابة ، عن زر ابن حبيش ، وحدّثنا عاصم عن زر قال : سألت أُبيّ بن كعب : يا أبا المنذر ، إنّ أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا ، فقال أُبّي : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لي :( قل ) ، فقلت : [قال] فنحن نقول كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

على أنّ في هذا النقل مزيداً مِن الطعن والجرح على ابن مسعود...

وقال ابن حجر في ( فتح الباري ) :

( هكذا وقع هذا اللّفظ مُبهماً ، وكأنّ بعض الرواة أبهمه استعظاماً ، وأظنّ ذلك مِن سفيان ، فإنّ الإسماعيلي أخرجه مِن طريق عبد الجبّار بن العلاء ، عن سُفيان كذلك على الإبهام ، وكنت أظنّ أوّلاً أنّ الذي أبهمه البخاري... )(٢) .

٣ ـ التأويل والحمل

ومنهم مَن سلَك طريق التأويل للأخبار المنقولة عن ابن مسعود :

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٦ : ٢٢٣ كتاب التفسير ـ سورة قل أعوذ بربّ الناس .

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ : ٦٠٣

٢٩

قال ابن حجَر في ( فتح الباري ) :

( وقد تأوّل القاضي أبو بكر الباقلاّني في كتاب الانتصار ، وتبعه عياض وغيره ما حكي عن ابن مسعود فقال : لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن ، وإنّما أنكر إثباتهما في المُصحف ، فإنّه كان يرى أنْ لا يكتب في المصحف شيئاً ، إلاّ إنْ كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذِن في كتابته فيه ، وكأنّه لم يبلغه الإذن في ذلك قال : فهذا تأويلٌ منه وليس جحداً لكونهما قرآناً وهو تأويل حسن ) .

لكنّه تأويلٌ عجيب وتوجيهٌ غريب ، فأيّ مانعٍ مِن درْج ما هو قرآن في القرآن حتّى لا يجوّز ابن مسعود ذلك ، ويهتمّ بمحوه من المصحف ؟ إنّ مثل هذا التأويل غيرُ مُجدٍ للدفاع عن حرمة ابن مسعود والمحافظة على مقامه...

إنّ هذا التأويل لا يُمكن قبوله أصلاً ، ولذا قال ابن حَجَر بعد العبارة المتقدّمة :

( إلاّ أنّ الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها : ويقول : إنّهما ليستا مِن كتاب الله ) إلاّ أنّه حاول التأويل لهذه الرواية فقال :

( نعم ، يُمكن حمل لفظ ( كتاب الله ) على ( المُصحف ) فيتمّ التأويل المذكور وقال غير القاضي : لم يكن اختلاف ابن مسعود مع غيره في قرآنيّتهما ، وإنّما كان في صفة من صفاتهما ، انتهى .

وغاية ما في هذا أنّه أبهم ما بيّنه القاضي )(١) .

لكنّ هذا التأويل باطل أيضاً ، إذ لا يساعده لفظ الرواية عند البزّار والطبراني التي أوردها ابن حجر أيضاً ، فإنّها صريحة في أنّ ابن مسعود كان

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ : ٦٠٤ .

٣٠

يقول بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما عوّذ بالمعوّذتين ، ولم يكن يقرأ بهما ، وهذا يدلّ بكلّ وضوح على أنّ ابن مسعود ما كان يرى المعوّذتين قرآناً ، اللّهمّ إلاّ أنْ يزعموا أنّ عدم القراءة بالمعوّذتين لا يثبت عدم كونهما قرآناً ، وحينئذٍ ، فما هو الكلام المعبّر عن ذلك ؟

ومِن هنا نرى أنّ بعض المتكلّمين منهم لمّا لم يتمكّنوا مِن توجيه رأي ابن مسعود ، ولا مِن إنكار ما لاقاه مِن عثمان ، اضطرّ إلى هتك حرمة ابن مسعود وتوهينه... ولم يتعرّض لشيء مِن هذه التأويلات...

وكيف يُمكن تأويل ما اُخرج في ( المسند ) من أنّه ( لقد كان ابن مسعود يرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعوّذ بهما الحسن والحسين ، ولم يسمعه يقرؤهما في شيء مِن صلواته ، فظنّ أنّهما معوّذتان ، وأصرَّ على ظنّه ، وبالغ في إنكار كونهما من القرآن )(١) ؟

ولذا نرى الحافظ ابن حجَر يتراجع عن كلّ التأويلات ، وقد قال في آخر كلامه السّابق :

( ومَن تأمَّل سياق الطُرق التي أوردتُها للحديث ، استبعَد هذا الجمع ) .

واختار بالآخرة الحمل على عدم تواتر المعوّذتين عند ابن مسعود ، قال :

( قد قال ابن الصبّاغ في الكلام على مانعي الزكاة : وإنّما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة ، ولم يقل إنّهم كفروا بذلك ، وإنّما لم يكفروا ؛ لأنّ الإجماع لم يكن استقر ، قال : ونحن الآن نكفّر مَن جحدها ، وكذلك ما نُقل عن ابن مسعود في المعوّذتين ، يعني : إنّه لم يثبت عنده القطع بذلك ، ثمّ حصل الاتفاق بعد ذلك .

ـــــــــــــــــــ

(١) مسند أحمد بن حنبل ٦: ١٥٤/ ٢٠٦٨٤ .

٣١

وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي فقال : إنْ قلنا : إنّ كونهما مِن القرآن كان متواتراً في عصرِ ابن مسعود ، لزِم تكفير مَن أنكرهما ، وإنْ قلنا : إنّه لم يكن متواتراً ، لزِم أنّ بعض القرآن لم يتواتر قال : وهذه عقدةٌ صعبة .

وأُجيب : باحتمال أنّه كان متواتراً في عصر ابن مسعود ، ولكنْ لم يتواتر عند ابن مسعود ، فانحلّت العقدة بعون الله تعالى )(١) .

إلاّ أنّ هذا الحمل أضعف وأفسد من الكلّ ، وذلك :

أوّلاً : إنّه يُنافي ما رواه القوم ـ كما في ( الاستيعاب ) وغيره ـ مِن أنّ ابن مسعود حضَر العرض الأخير للقرآن الكريم ، وعَلِم ما نُسِخ منه وما بُدّل ، وهذا نصّ ما رواه ابن عبد البر حيث قال :

( روى وكيع وجماعة معه ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان قال : قال لي عبد الله بن عبّاس : أيّ القراءتين تقرأ ؟ قلت : القراءة الأُولى قراءة ابن أُمّ عبد فقال لي : بل هي الآخرة ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرض القرآن على جبرئيل في كلّ عام مرّةً ، فلمّا كان العام الذي قبض فيه ، عرضه عليه مرّتين ، فحضر ذلك عبد الله ، فعلِم ما نُسِخ مِن ذلك وما بُدّل )(٢) .

وهل من الجائز أن يقال بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعرض الموّذتين ، وجبريل أيضاً لم ينبّهه على ذلك ؟!

وثانياً : إذا كان تواتر المعوّذتين ثابتاً عند الصّحابة وغير ثابت عند ابن مسعود فقط ، نقول : إنْ كان سائر الصحابة قد أخبروه بكون المعوّذتين مِن القرآن فلم يقبل منهم ولم يصدّقهم ، أو لم يثبت بخبرهم تواترهما عنده ، لزم

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ : ٦٠٤ .

(٢) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ : ٩٩٢/ ١٦٥٩ .

٣٢

فسق الصّحابة ، بل دلّ ذلك على كونِهم أسوَء حالاً من الكُفّار والفسّاق ؛ لأنّ التواتر يحصل بإخبار الكفّار أيضاً كما بُيِّنَ في محلّه وإنْ كان سائر الصّحابة لم يخبروه بكون المعوّذتين قرآناً ، مع علمهم بأنّه كان يحكّهما مِن المصاحف ـ كما في ( المسند ) : ( عن زر قال : قلت لأُبَي : إنّ أخاك يحكّهما مِن المصحف )، وكما في ( الرياض النضرة ) في مطاعن عثمان : ( وأمّا الخامسة عشر ، وهي إحراق مصحف ابن مسعود ، فليس ذلك ممّا يُعتذر عنه ، بل هو من أكبر المصالح ، فإنّه لو بقيَ في أيدي الناس أدّى ذلك إلى فتنةٍ كبيرةٍ في الدين ؛ لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن ، ولحذفِهِ المعوّذتين من مُصحفه مع الشهرة عند الصحابة أنّهما من القرآن وقال عثمان لمّا عُوتب في ذلك : خشيت الفتنة في القرآن ) (١) ـ فالصّحابة ـ وعلى رأسهم عثمان ـ كلّهم فسّاق!!

وبعد ، فإذا كان ابن مسعود مُنكِراً للمعوّذتين ، فإنّ جميع ما يُشنِّع به المخالفون على أهل الحق ـ لوجود بعض الأخبار الظاهرة في تحريف القرآن ـ القابلة للحمل على المحامل الصحيحة في كُتبِنا ـ يتوجّه على ابن مسعود بالأولويّة القطعيّة ؛ فإنّه ينكر بصراحة سورتين كاملتين ، بل ثلاث سور ، هي المعوّذتان وأُمّ الكتاب ، وهو في نفس الوقت من أعلام الصحابة وأجلاّئهم ، ومن أئمّة القرآن والتفسير وأكابرهم !! بل هو محكومٌ عليه بالكُفر والخروج عن زمرة المسلمين ، وقد جاء في كتاب ( فصول الأحكام ) لعِماد الدين حفيد بُرهان الدين صاحب الهداية(٢) :

ـــــــــــــــــــ

(١) الرياض النضرة في مناقب العشرة ٣ : ٩٩.

(٢) المعروف بكتاب ( فصول العمادي ) كما في ( كشف الظنون ٢ : ١٢٧٠ ) وهو في فروع الحنفيّة وصاحب الهداية هو : برهان الدين المرغيناني المتوفّى سنة ٥٩٣

٣٣

 ( وبعض المشايخ على أنّه ـ أي مَن زعَم أنّ المعوّذتين ليسَتَا من القرآن ـ يكفر وحكى عن خاله ، الإمام جلال الدين أنّه قد ذكر في آخر تفسير أبي اللّيث حديثاً : مَن زعَم أنّ المعوّذتين ليسَتَا من القرآن فأولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ومثل هذا الوعيد إنّما ورد في حقّ الكفّار دون المؤمنين ) .

وتَلَخّص :

سقوط جميع التأويلات ، وبقاء العقدة العويصة على حالها .

فهذا حال ابن مسعود عند القوم على أُصولهم .

ولعلَّ هذا هو السبب في توقّف عبد الله بن عُمر عن قبول خبر ابن مسعود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في ( صحيح مسلم ) :

( عن أبي رافع ، عن عبد الله بن مسعود : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( ما من نبيٍّ بعَثَه الله في اُمةٍ قبلي ، إلاّ كان له من أُمّته حواريّون وأصحاب ، يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره ، ثمّ إنّها تخلف من بعدهم خُلُوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون مال لا يُؤمرون ، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن... وليس وراء ذلك مِن الإيمان حبّة خردل ) .

قال أبو رافع : فحدّثت عبد الله بن عمر ، فأنكره عليَّ ، فقدم ابن مسعود فنزل بقناةٍ ، فاستتبَعَني إليه عبد الله بن عمر يعوده ، فانطلقتُ معه ، فلمّا جلسنا سألتُ ابن مسعود عن هذا الحديث ، فحدّثنيه كما حدّثت ابن عمر ).

٣٤

عبد الله بن العبّاس

وأمّا الحبر الجليل والمفسّر النبيل عبد الله بن العبّاس ، الذين لقّبوه بـ ( ترجمان القرآن ) ، وقالوا بأنّه عَلِم تأويل القرآن بدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما قال ابن القيّم في ( زاد المعاد ) في الاستدلال على أنّ الخُلْع ليس بطلاق بقوله تعالى :( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ... ) الآية : ( وهذا فهْم ترجمان القرآن، الذي دعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ يعلّمه الله تأويل القرآن، وهي دعوة مُستجابة بلا شك )(١) .

قوله بالمتعة وهي عند جمهورهم حرام

فهو ـ بمقتضى هفَواتهم الشنيعة وخُرافاتهم القبيحة ـ من المجوّزين للحرام ؛ لأنّه كان يقول بحلّيّة المتعة وهي عندهم من السفاح الزنا ، فاستحقّ بذلك أشدّ التشنيعات واتّصف بأقبح العيوب .

هذا ، مضافاً إلى روايتهم في الصحيح ـ وهي مكذوبة يقيناً ـ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قد زَجَره عن هذا القول ، وحكَم عليه بأنّه رجلٌ تائه(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ٤ : ٣٧ .

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠٢٧/ ١٤٠٧ كتاب النكاح الباب٣ ، المعجم الأوسط للطبراني ٣ : ١٢٧/ ٢٢٦٥، سنن البيهقي ٧ : ٢٠١ كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة ، الناسخ والمنسوخ للنحّاس : ٩٩ .

٣٥

وعن عبد الله بن الزبير أنّه وصَفَه بالفاجر ، كما روى القاري في ( المرقاة ) :( عن عروة بن الزبير : إنّ عبد الله بن الزبير قام بمكّة فقال : إنّ أُناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة ، ـ يُعرِّض برجل ـ فناداه فقال : إنّك لَجِلْف جاف ، فلعمري لقد كانت المتعة تُفعَل في عهد إمام المتقين ـ يُريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال له ابن الزبير : فجرت بنفسك ، فو الله لئن فعلتها لأرجمنَّك بأحجارك. الحديث. رواه النسائي.

ولا تردّد في أنّ ابن عبّاس هو الرجل المُعرَّض به وكان قد كفّ بصَرُه ، فلذا قال ابن الزبير : كما أعمى أبصارهم ، وهذا إنّما كان في حال خلافة ابن الزبير ، وذلك بعد وفاة عليّ ، وقد ثبت أنّه كان مستمرّ القول على جوازها) (١) .

قوله برؤية النبي ربّه

وأيضاً ، فإنّ ابن عبّاس ـ بحسب روايات القوم المكذوبة عليه قطعاً ـ كان من المفترين على الله والرسول ؛ إذ كان يقول بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رأى الله ـ سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً ـ كما جاء في ( صحيح الترمذي ) :

( عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : رأى محمّدٌصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه قلت : أليس الله يقول :( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ... ) ؟ قال : ويحك ، ذاك إذا تجلّى بنورِه الذي هو نورُه ، وقد رأى محمّدٌ ربّه مرّتين هذا حديث حسن غريب )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المرقاة في شرح المشكاة ٦ : ٣١٨/ ٣١٥٨ كتاب النكاح الباب ٣ .

(٢) صحيح الترمذي ٥ : ٣٩٥/ ٣٢٧٩ كتاب تفسير القرآن ، الباب ٥٤ .

٣٦

بل إنّه كان يُبالغ في هذا الاعتقاد ويصرّ عليه ، حتّى أنّه لمّا سُئل عنه مرّةً جعل يكرّر ذلك ويُؤكّده ، ففي ( عيون الأثر ) : ( في تفسير النقّاش : عن ابن عبّاس أنّه سُئل : هل رأى محمّدٌ ـصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ربّه ؟ فقال : رآه رآه رآه ، حتّى انقطع صوته )(١) .

إنكار عائشة ذلك

وقد أخرجوا أنّ عائشة قد بالغت في الإنكار على ابن عبّاس ، فقد جاء في ( صحيح الترمذي ) : ( حدّثنا ابن أبي عمر ، نا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : لقي ابن عبّاس كعباً بعَرَفَة ، فسألهُ عن شيءٍ ، فكبّر حتّى جاوبته الجبال ، فقال ابن عبّاس : إنّا بنو هاشم ، فقال كعب : إنّ الله قسّم رؤيته وكلامه بين محمّدٍ وموسى ، فكلّم موسى مرّتين ، ورآه محمّد مرّتين .

قال مسروق : فدخلتُ على عائشة فقلت : هل رأى محمّدٌ ربّه ؟ فقالتْ : لقد تكلّمتَ بشيء قفّ له شعري قلت : رويداً ، ثمّ قرأتُ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) قالت : أين يذهب بك ؟ إنّما هو جبرئيل من أخبرك أنّ محمداً رأى ربّه أو كتم شيئاً ممّا أُمِر به ؟ أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ... ) فقد أعظَم الفرية ، ولكنّه رأى جبرئيل ، ولم يره في صورته إلاّ مرّتين : مرّةً عند سدرة المنتهى ، ومرّةً في جياد ، له ستّ مائة جناح ، قد سدّ الأُفق )(٢)

ـــــــــــــــــــ

(١) عيون الأثر في المغازي والسير ١ : ٢٥٠ .

(٢) صحيح الترمذي ٥ : ٣٩٤/ ٣٢٧٨ كتاب تفسير القرآن ٥٤٥ .

٣٧

وقد أخرج البخاري ومسلم إنكار عائشة وتكذيبها رؤية النبيّ ربّه(١) .

وفي ( عيون الأثر ) :

( وقد تكلّم العلماء في رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لربّه ليلة الإسراء ، فرُوي عن مسروق ، عن عائشة أنّها أنكرت أنْ يكون رآه قالت : ومُن زعم أنّ محمداً رأى ربّه فقد أعظم الفرية على الله ، واحتجّت بقوله سبحانه :( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ... ) (٢) .

وإذا كان ابن عبّاس قد أعظم الفرية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد سقَطَت رواياته كلّها عن الاعتبار ، سَواء ما كان منها في الصحاح وفي غيرها من الكتب ، لِما قرّروا في محلّه من أنّ مَن كذب في خبرٍ وجَب إسقاط جميع أخباره :

قال النووي في ( التقريب ) : ( قال السمعاني : من كذب في خبرٍ واحدٍ وجب إسقاط ما تقدّم من حديثه ) .

وكذا قال شارحه السيوطي : ( من كذب في حديثٍ واحدٍ رُدَّ جميع حديثه السابق )(٣) .

تأويل إنكار عائشة

ومن القوم من تجاسر على عائشة ، فزعم أنّ تكذيبها رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان رأياً منها لا روايةً عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٦ : ١٧٥ كتاب التفسير ـ سورة والنجم ، صحيح مسلم ١/ ١٥٩/ ١٧٧ كتاب الإيمان الباب ٧٧ .

(٢) عيون الأثر في المغازي والسير ١ : ٢٥٠.

(٣) تداريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ : ٣٣٠ و٣٣٢.

٣٨

العجائب ذهاب النووي إلى ذلك ، كما في ( المواهب اللدنيّة ) حيثُ قال :

( قال النووي ـ تبعاً لغيره ـ لم تنفِ عائشة وقوع الرؤية بحديثٍ مرفوع ، ولو كان معها لذكرته ، وإنّما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرته من ظاهر الآية ، وقد خالفها غيرها من الصحابة ، والصّحابي إذا قال قولاً وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول حجّة اتفاقاً )(١) .

لكنْ يُبطله أنّ الحديث موجود في صحيح مسلم الذي شرحه النووي، وقد نبّه على ذلك الحافظ ابن حجَر أيضاً، حيث قال في ( فتح الباري ) :

( وجزْمه بأنّ عائشة لم تنفِ الرؤية بحديثٍ مرفوع ، تبع فيه ابن خزيمة ، فإنّه قال في كتاب التوحيد من صحيحه : النفي لا يُوجب علماً ، ولم تحكِ عائشة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرها أنّه لم يرَ ربّه ، وإنّما تأوّلت الآية إنتهى .

وهو عجب ، فقد ثبت ذلك عنها في صحيح مسلم الذي شرحه الشيخ ، فعنده من طريق داود بن أبي هِند ، عن الشعبي ، عن مسروق في الطريق المذكور قال مسروق : وكنت متّكياً فجلست فقلت : ألم يقل الله تعالى :( وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) ؟ فقالت : أنا أوّلُ هذه الأُمّة سألَ رسولَ الله عن ذلك ، فقال :( إنّما هو جبرئيل ) .

وأخرجه ابن مردويه من طريق أُخرى عن داود بهذا الإسناد : فقالت : أنا أوّل من سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذا ، فقلت : يا رسول الله ، هل رأيت ربّك ؟ فقال :( لا ، إنّما رأيت جبريل منهبطاً ) (٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المواهب اللدنيّة بالمنح المحمّديّة ٢ : ٣٨٩.

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ : ٤٩٣.

٣٩

أقول :

وإذا كان هذا في صحيح مسلم ، فكيف يقول القائلون منهم برؤيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه ؟ نعوذ بالله من استيلاء الجهالة والانهماك في الضلالة !

إنكار الصحابة

وأنكر غير عائشة من الصحابة رؤية النبيّ ربّه ، قال في ( تاريخ الخميس ) :

( واختلف أيضاً في رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه ، فأنكرت عائشةرضي‌الله‌عنه ا... وقال جماعة بقول عائشة ، وهو المشهور عن ابن مسعود ، ومثله عن أبي هريرة في قوله( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) ـ قال : رآه بقلبهِ ولم يرَه بعينه )(٢) .

محاولة الجمع

وقد تكلّف بعض أكابر القوم الجمع بين إثبات ابن عبّاس ـ حسبَما

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الخميس ١ : ٣١٣ .

(٢) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ٣ : ٦٣ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523