العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196534 / تحميل: 7993
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وقال في هامشه : أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ( ٩/١٠٢ ) وقال رواه الطبراني والبزار، وفيه عمر بن سعيد المصري وهو ضعيف. انتهى.

وكلام هذا المهمش ليس دقيقاً، لأن رواية كنز العمال عن ثلاثة: سلمان وأبي ذر وحذيفة. ورواية الطبراني والبزار التي ضعفها الهيثمي بعمر بن سعيد المصري إنما هي عن أبي ذر وحده، وبالتالي فهو لم يضعف رواية سلمان وأبي ذر معاً، ولا رواية حذيفة التي نقلها صاحب كنز العمال عن البيهقي، وعن طبقات ابن سعد!

واليك ما قاله في مجمع الزوائد: ٩/١٠٢:

وعن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين.

رواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وحده وقال فيه: أنت أول من آمن بي، وقال فيه: والمال يعسوب الكفار. وفيه عمرو بن سعيد المصري وهو ضعيف. انتهى.

ومهما يكن، فإن بعض طرق الحديث صحيحةٌ على مبانيهم بدون حاجة الى شواهد، وبعضها صحيحةٌ بشواهدها. ولكنهم لا يبحثون أسانيده وأسانيد شواهده، ويضعفونه ويحكمون عليه بأنه منكر، لأنه يتضمن شهادة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بصفات مهمة لعليعليه‌السلام ، وهي أمر منكر يضر بالخلافة القرشية!!

بل الأحوط عند بعض علماء الخلافة أن يعارضوه بأحاديث تشهد بأن الصفات التي وردت فيه قد ثبتت لخلفاء قريش، وليس لعلي!!

ونترك لقب الصديق والفاروق فعلاً، ونذكر ما رووه حول: أول من تنشق عنه الأرض مع النبي في يوم المحشر، وأول من يصافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لإنهما من صلب موضوعنا.

١٦١

أما الأول:

فقد روى الحاكم في المستدرك: ٢/٤٦٥، وصححه:

عن ابن عمررضي‌الله‌عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أول من تنشق الأرض عنه، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة!!

وتلا عبد الله بن عمر: يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير!

ورواه أيضاً في: ٣/٦٨، وصححه.

ورواه في كنز العمال: ١١/٤٠٣

وروى نحوه في/٤٢٦ و٤٣٣ ( عن الترمذي، وحسنه، وأبي عروبة في الأوائل، والطبراني الكبير، وابن عساكر، وأبي نعيم في فضائل الصحابة، عن ابن عمر.

وبآخر عن ابن عساكر، عن أبي هريرة. انتهى.

وتلاحظ في هذه الأحاديث أنها تعطي الأولية في الحشر ودخول الجنة لأبي بكر وعمر، ثم لأهل البقيع، ثم للقرشيين في مكة!

كما يوجد عندهم حديث آخر يميلون الى قبوله، رواه في كنز العمال: ١٣/٢٣٣ عن علي! قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، فيعطيني الله من الكرامة ما لم يعطني من قبل. ثم ينادي مناد: يا محمد قرب الخلفاء، فأقول: ومن الخلفاء؟!

فيقول جل جلاله: عبد الله أبو بكر الصديق، فأول من تنشق الأرض عنه بعدي أبو بكر، ويقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ويكسى حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش.

ثم ينادي مناد: أين عمر بن الخطاب؟ فيجيء وأوداجه تشخب دماً فأقول: عمر! من فعل هذا بك! ؟

فيقول: مولى المغيرة بن شعبة، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسى حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش.

١٦٢

ثم يؤتى بعثمان بن عفان وأوداجه تشخب دماً، فأقول: عثمان! من فعل بك هذا! ؟

فيقول: فلانٌ وفلان، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسى حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش.

ثم يؤتى بعلي وأوداجه تشخب دماً فأقول: علي! من فعل بك هذا؟!

فيقول: عبد الرحمن بن ملجم، فيوقف بين يدي لله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسى حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش مع أصحابه.

الزوزني، وفيه علي بن صالح، قال الذهبي: لا يعرف، وله خبرٌ باطل، وقال في اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عنه أهل العراق، مستقيم الحديث. انتهى.

وهكذا عالج رواة الخلافة أولية علي التي رواها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ! فوضعوا حديثاً على لسان علي نفسه! يجعل الأولية لخلفاء قريش بالترتيب، ويجعل علياً الرابع!!

وإذا كلمتهم في السند تراهم يعرضون عن بحث أسانيد الأحاديث التي فيها فضائل علي، ويعملون المستحيل لتصحيح الأحاديث التي فيها فضائل غيره، ويمدح ابن حبان واضع الحديث بأنه مستقيم الحديث، أي أحاديثه في مدح الخلفاء والأمراء وعمالهم!

**

وأما حديث أن أول من يصافحه النبي يوم القيامة علي.. فقد وجدوا له معالجة أخرى، فإذا كان علي أول شخص يستقبله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويصافحه يوم القيامة، فإن عمر أول شخص يستقبله الله تعالى يوم القيامة ويصافحه!! ويرحب به، ويدخله الجنة!!

فقد روى ابن ماجة في صحيحه: ١/٣٩:

حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي، أنبأنا داود بن عطاء المديني، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي بن كعب، قال:

١٦٣

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة.

ورواه في كنز العمال: ١/٥٧٨ - هـ، ك - عن أبي. انتهى.

وقد جاءت روايتهم فاقعةً الى حد أن الذهبي الذي يحب التجسيم ويحب عمر، لم يستطع الدفاع عنها!

وكذلك الألباني، حيث ضعفها على مضض في ضعيفته برقم ٢٢٤٨٥.

**

نتيجة كلية

والنتيجة الأكيدة عند المتأمل في هذه الأحاديث من مصادر الفريقين:

أن علياً وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم دورٌ كبير في الشفاعة مع النبي يوم القيامة.. بل إن كل مؤمن مقبول له شفاعة يوم القيامة بحسبه، ولما كان أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سادة المؤمنين، فشفاعتهم أكبر وأعظم.

أما الصحابة فتدل أحاديث القيامة على أن أكثرهم يكونون مشغولين الى آخر نفس في معالجة مشكلتهم وتخليص أنفسهم!!

عليعليه‌السلام هو ذائد المنافقين عن حوض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة!

تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان: علي ميزان الإسلام والكفر، حديث الإمام الحسن السبطعليه‌السلام ، وقد صححه الحاكم وغيره، وفيه:

( فقال له الحسن: أما والله لئن وردت عليه الحوض، وما أراك ترده، لتجدنه مشمر الازار على ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الابل! قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افترى ).

كما تقدمت بعض أحاديثه في حمل لواء المحشر عن أحمد وغيره.

١٦٤

وفي مناقب الصحابة لأحمد/٦٦٧:

وفيما كتب إلينا ( عبد الله بن غنام ) يذكر أن عباد بن يعقوب حدثهم، نا علي بن عابس، عن عبد الله عن أبي حرب بن أبي الأسود الدئلي، قال اشتكى أبو الأسود الفالج فنعت له ثعلب فطلبناها في خرب البصرة، فبينا أنا أطوف إذا أنا برجل يصلي فأشار إلي فأتيته فقال: من أنت؟ فقلت أبو حرب بن أبي الأسود، فقال: أقرئ أباك السلام وقل له عبد الله بن فلان يقرأ عليك السلام ويقول لك: أشهد أني سمعت علياً يقول: لأذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله رايات الكفار والمنافقين، كما تذاد غريبة الإبل عن حياضها. انتهى.

وفي تاريخ المدينة لابن شبة: ١/٣٧:

حدثنا محمد بن بكار قال، حدثنا أبو معشر، عن حرام بن عثمان ( عن أبي ) عتيق، عن جابر بن عبداللهرضي‌الله‌عنهما قال: أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أناساً من المسجد وقال: لا ترقدوا في مسجدي هذا. قال: فخرج الناس، وخرج عليرضي‌الله‌عنه ، فقال: لعليرضي‌الله‌عنه إرجع فقد أحل لك فيه ما أحل لي، كأني بك تذودهم على الحوض، وفي يدك عصا عوسج.

وفي مجمع الزوائد: ٩/١٧٣:

وعن أبي هريرة أن علي بن أبى طالبرضي‌الله‌عنه قال: يا رسول الله، أيما أحب اليك أنا أم فاطمة؟

قال: فاطمة أحب إلي منك، وأنت أعز عليّ منها. وكأنى بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء، وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة، إخواناً على سرر متقابلين، أنت معي وشيعتك في الجنة. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إخواناً على سرر متقابلين، لا ينظر أحد في قفا صاحبه.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سلمى بن عقبة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

١٦٥

ورواه في تفسير الميزان: ١٢/١٧٦ ، عن تفسير البرهان عن الحافظ أبي نعيم عن رجاله عن أبي هريرة..

وفي مجمع الزوائد: ٩/١٣٥:

عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي معك يوم القيامة عصا من عصى الجنة تذود بها المنافقين عن حوضي. رواه الطبراني في الأوسط وفيه سلام بن سليمان المدايني وزيد العمي، وهما ضعيفان وقد وثقا، وبقية رجالهما ثقات.

وعن عبد الله بن إجارة بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو على المنبر يقول: أنا أذود عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين القصيرتين، الكفار والمنافقين كما تذود السقاة غريبة الابل عن حياضهم.

رواه الطبراني في الاوسط، وفيه محمد بن قدامة الجوهري، وهو ضعيف.

وعن علي بن أبي طالب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى يا علي إذا جمع الله النبيين في صعيد واحد، حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش فكان أول من يدعي ابراهيم فيكسى ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمين العرش، ثم يفجر مثعب من الجنة الى حوضي، وحوضي أبعد مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ وأكسى ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعى فتشرب وتتوضأ وتكسى ثوبين أبيضين، فتقوم معي، ولا أدعى الى خير إلا دعيت له.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمران بن ميثم، وهو كذاب.

وفي مجمع الزوائد: ١٠/٣٦٦:

وعن أبي هريرة وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة، فيه أكوابٌ كعدد نجوم السماء، وسعة حوضي مابين الجابية الى صنعاء. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ضعفاء وثقوا.

١٦٦

وفي الغدير: ١/٣٢١:

أخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة، تذود بها المنافقين عن الحوض.

الذخاير/٩١، الرياض: ٢/٢١١، مجمع الزوائد: ٩/١٣٥، الصواعق/١٠٤. انتهى.

وهو في الطبراني الصغير: ٢/٨٩، ورواه الديلمي أيضاً في فردوس الأخبار: ٥/٣١٧ و ٤٠٨، وفي طبعة أخرى من الصواعق/١٧٤

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: ١/٢٦٥:

أخبرنا أبو الحسن السلمي، أنبأنا عبد العزيز التميمي، أنبأنا علي بن موسى بن الحسين، أنبأنا أبو سليمان بن زير، أنبأنا محمد بن يوسف الهروي، أنبأنا محمد بن النعمان بن بشير، أنبأنا أحمد بن الحسين بن جعفر الهاشمي اللهبي، حدثني عبد العزيز بن محمد، عن حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله عن أبيهما جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب فضربنا، وقال: أترقدون في المسجد، إنه لا يرقد فيه أحد.

فأجفلنا وأجفل معنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، ياعلي ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة.

والذي نفسي بيده إنك لتذودن عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصى من عوسج، كأني أنظر مقامك من حوضي.

قال ( و ) أخبرناه عاليا أبو المظفر بن القشيري وأبو القاسم الشحامي قالا: أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو سعيد محمد بن بشر، أنبأنا محمد بن ادريس، أنبأنا سويد بن سعد، أنبأنا حفص بن ميسرة، عن حزام بن عثمان، عن ابن جابر - أراه عن جابر - قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مضطجعون في

١٦٧

المسجد، فضربنا بعصف في يده فقال: أترقدون في المسجد إنه لا يرقد فيه.

فأجفلنا فأجفل علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعال يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة، والذي نفسي بيده إنك لذواد عن حوضي يوم القيامة، تذود كما يذاد البعير الضال عن المأ بعصى لك من عوسج، كأني أنظر الى مقامك من حوضي. انتهى.

ونقله عنه في إحقاق الحق: ١٧/٣٧٤، ورواه الخوارزمي في مناقبه/٦٥

وفي الروض الأنف: ٢/١٤٦:

من طريق جابر بن عبد الله أن رسول الله ( ص ) قال لعلي: والذي نفسي بيده إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه كفار الأمم كما تذاد الابل الضالة عن الماء.

وقال السهيلي: إلا أن هذا الحديث يرويه حرام بن عثمان عن جابر عن النبي. وقد سئل مالك عنه فقال: ليس بثقة، وأغلظ فيه الشافعي. انتهى.

وكذلك ضعفه في تهذيب التهذيب: ٤/٢٨٣

ولا بد أن مالكاً سئل عنه، بعد أن ندم على تدوين حديث الحوض في موطئه!

وسواء صح ما نقلوه عن الشافعي في راوي الحديث حرام بن عثمان أم لا، فإن الذين ضعفوا هذا الحديث قد تعصبوا ضد أهل البيت، ودلسوا أيضاً!

ذلك أن القاعدة عند العلماء: أنهم إذا ضعفوا طريقاً لحديث مروي من طرق أخرى صحيحة، أن ينبهوا الى ذلك، ويذكروا أن له طرقاً أخرى ليس فيها حرام!! خاصة أنه حديثٌ مشهورٌ من رواية أهل البيت واحتجاجاتهم من زمن علي والحسنينعليهم‌السلام ، وكذلك في احتجاج شيعتهم ومحاوراتهم من القرن الأول نثراً وشعراً .

وقد نقلته مصادر السنيين بأسانيد صحيحة عن علي، وعن الحسن السبطعليهما‌السلام ، وقد تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان: عليعليه‌السلام ميزان الإسلام والكفر والايمان والنفاق، فراجع.

١٦٨

وكذا روته مصادرهم فيما روت من خطب الإمام الحسينعليه‌السلام ومحاوراته لجيش يزيد في كربلاء..

ولذلك يعتبر علماء الجرح والتعديل مثل هذا العمل تدليساً، يقصد منه إيهام القارىء بضعف متن هذا الحديث وأسانيده الأخرى!!

**

وأخيراً، فقد روت مصادر السنيين حديثاً غير مفهوم، ورد فيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يذود عن الحوض لأهل اليمن!

ففي المسند الجامع - تحقيق الدكتور عواد: ٣/٣٤٣ - ح ٢٠٦٢ - ٤٨:

عن ثوبان، أن نبي الله ( ص ) قال: إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم. فسئل عن عرضه؟ فقال: من مقامي الى عمان.

وسئل عن شرابه؟ فقال: أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، يغث فيه ميزابان يحدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق. انتهى.

وقد وجدنا حديثاً صححه في مجمع الزوائد، وهو يعطي ضوءاً على هذا الحديث المبهم، ويدل على أنه نصه كان يرتبط بأهل البيتعليهم‌السلام ، فصار لأهل اليمن!!

قال في مجمع الزوائد: ١٠/٣٦٦:

وعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حوضي أذود عنه الناس لأهل بيتى إني لأضربهم بعصاي هذه حتى ترفض.

قلت: فذكر الحديث وهو في الصحيح غير قوله ( لأهل بيتي ).

رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. انتهى.

ومعنى ذلك أن إحدى روايتي البزاز التي فيها ( لأهل بيتي ) صحيحة، ولعل أصل الحديث أذود عنه أنا وأهل بيتي، أو أذود من خالف أهل بيتي..

١٦٩

من أحاديث الحوض في مصادرنا

أما مصادرنا فلا مشكلة لها مع أحاديث حوض الكوثر ولا مع غيرها، لذك تجد أحاديثه صحيحة ومتواترة في مصادرنا، وهي من حججنا على إمامة أهل البيت النبوي الطاهرينعليهم‌السلام ..

قال الصدوق في كتاب الاعتقادات/٤٣:

إعتقادنا في الحوض: أنه حق، وأن عرضه مابين أيلة وصنعاء، وهو للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . الساقي عليه يوم القيامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالبعليهما‌السلام ، يسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليختلجن قوم من أصحابي دوني وأنا على الحوض، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأنادي ياربي أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك! .

وروى في كتاب الخصال/٦٢٤، عن عليعليه‌السلام :

أنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعي عترتي وسبطي على الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل عملنا، فإن لكل أهل بيت نجيب ولنا شفاعة، ولأهل مودتنا شفاعة، فتنافسوا في لقائنا على الحوض، فإنا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحباءنا وأولياءنا، ومن شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها أبداً.

حوضنا مترعٌ فيه مثعبان ينصبان من الجنة أحدهما من تسنيم، والآخر من معين، على حافتيه الزعفران، وحصاه اللؤلؤ والياقوت، وهو الكوثر.

ورواه في تفسير فرات الكوفي/٣٦٦، وتفسير نور الثقلين: ٥/٥١١

وفي تفسير فرات/١٧٢، من رواية يخبر بها النبي ابنته الصديقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بما سيحدث لها ولأولادها من بعده، ويعلمها الصبر على أمر الله تعالى، قال:

يا فاطمة بنت محمد...

١٧٠

أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة.

أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه، ويذود عنه أعداءه.

أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار، يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء.

أما ترضين أن تنظرين الى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون اليك والى ما تأمرين به، وينظرون الى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله!

فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك؟ !!

وقد أوردنا في معجم أحاديث الإمام المهدي: ٣ /١٥٣:

عن تفسير العياشي: ١/١٤، والكافي: ١ /٦٢:

عن علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ابراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدين؟ ويفسرون القرآن بآرائهم؟

قال: فأقبل علي فقال: قد سألت فافهم الجواب.

إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده حتى قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت عليّ الكذابة، فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار! ثم كذب عليه من بعده!

وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:

١٧١

رجلٌ منافقٌ يظهر الايمان، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمداً، فلو علم الناس أنه منافقٌ كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم.

ثم بقوا بعده فتقربوا الى أئمة الضلالة والدعاة الى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا!

وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.

ورجلٌ سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمد كذباً فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجلٌ ثالثٌ سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخرُ رابعٌ لم يكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد في ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ [ وخاص وعام ] ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام له وجهان: كلامٌ عام وكلامٌ خاص، مثل القرآن، وقال الله عز وجل في كتابه: ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا.

فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وليس كل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسأله عن الشيء فيفهم! وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى أن

١٧٢

كانوا ليحبون أن يجييء الأعرابي والطارئ فيسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يسمعوا.

وقد كنت أدخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كل يوم دخلةً وكل ليلة دخلةً فيخليني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه، فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة، ولا أحدٌ من بنيَّ، وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آيةً من كتاب الله ولا علماً أملاه عليّ وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس حرفاً واحداً، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شيء لم أكتبه، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد؟

فقال: لا، لست أتخوف عليك النسيان والجهل. وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي فيك، وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.

فقلت: يا رسول الله ومن شركائي من بعدي؟

قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي.

فقال: الأوصياء مني الى أن يردوا علي الحوض، كلهم هاد مهتد لا يضرهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر أمتي وبهم يمطرون، وبهم يدفع عنهم، وبهم استجاب دعاءهم.

١٧٣

فقلت: يارسول الله سمهم لي فقال: ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثم ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابنٌ له يقال له علي، وسيولد في حياتك فاقرأه مني السلام، ثم تكملة اثني عشر من ولد محمد.

فقلت له: بأبي أنت وأمي فسمهم لي، فسماهم رجلاً رجلاً فيهم والله يا أخا بني هلال مهدي أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يملؤ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والله إني لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم!! انتهى.

ويوجد قسم منه في نهج البلاغة - شرح صبحي الصالح، خطبة ٢١٠، وشرح محمد عبده ص ٢١٤. وروى ابن الجوزي قسماً منه في تذكرة الخواص /١٤٣، مرسلاً عن كميل بن زياد. ورواه النعماني/٧٥، والطبري الشيعي في المسترشد /٢٩، والصدوق في كمال الدين: ١/٢٨٤، والخصال: ١ /٢٥٥، والحراني في تحف العقول/١٩٣، والطبرسي في الاحتجاج: ١/٢٦٤، وابن ميثم البحراني في شرح النهج: ٤ /١٩، والعاملي في إثبات الهداة: ١/٦٦٤، والمجلسي في البحار: ٢ /٢٢٨، و: ٣٦/٢٧٣ و٢٧٦، و: ٩/٩٨

١٧٤

أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم على الحوض

في مقاتل الطالبين/٤٣:

حدثني محمد بن الحسين الأشناني وعلي بن العباس المقانعي قالا: حدثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن الحسن بن حكم، عن عدي بن ثابت، عن سفيان بن أبي ليلى، وحدثني محمد بن أحمد أبو عبيد قال: حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال: حدثنا محمد بن عمرويه قال: حدثنا مكي بن ابراهيم، قال حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن سفيان بن أبي ليلى دخل حديث بعضهم في حديث بعض، وأكثر اللفظ لأبي عبيدة قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره وعنده رهط فقلت:

السلام عليك يا مذل المؤمنين!

فقال عليك السلام يا سفيان، إنزل.

فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست اليه، فقال: كيف قلت ياسفيان؟

فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين.

فقال: ما جر هذا منك إلينا؟

فقلت: أنت والله - بأبي أنت وأمي - أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت الأمر الى اللعين بن اللعين بن آكلة الاكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك، وقد جمع الله لك أمر الناس.

فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت علياً يقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله اليه ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذرٌ ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.

١٧٥

ثم أذن المؤذن فقمنا على حالب يحلب ناقة، فتناول الاناء فشرب قائماً ثم سقاني، فخرجنا نمشي الى المسجد، فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟

قلت: حبكم والذي بعث محمداً بالهدى ودين الحق.

قال: فأبشر يا سفيان فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

يقول: يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين، يعني السبابتين، ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطى، إحداهما تفضل على الأخرى.

أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر، حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا لفظ أبي عبيد وقال ( وفي حديث محمد بن الحسين وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفاً، عن الحسن غير مرفوع الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلا في ذكر معاوية فقط ).

ورواه ابن طاووس في الملاحم والفتن/١٠٩، ملخصاً عن الفتن للسليلي...

ورواه ابن أبي الحديد: ١٦/٤٤، عن أبي الفرج بسنديه بتقديم وتأخير، وفي سنده محمد بن أحمد بن عبيد بدل محمد بن أحمد أبو عبيد. والبصري بدل المصري. وابن عمرو بدل محمد بن عمرويه، والاشنانداني بدل الأشناني.

ورواه في البحار: ٤٤ /٥٩، وفي العوالم: ١٦ /١٧٨، عن ابن أبي الحديد بسنديه.

١٧٦

شعر حوض الكوثر في مصادر الحديث والأدب

تعتبر مجموعة شعر الكوثر التي نقلتها مصادر الحديث والأدب، من الأدلة العلمية المهمة على صحة أحاديث أن الساقي على الحوض والذائد عنه هو عليعليه‌السلام . وأول شعر نقله الرواة من ذلك رجز أمير المؤمنين في حرب صفين:

ففي مناقب آل أبي طالب: ١/٢١٩:

أنهعليه‌السلام عندما دعي الى المبارزة في صفين قال مرتجزاً:

أنا عليٌّ صاحب الصمصامه

وصاحب الحوض لدى القيامه

أخو نبي الله ذي العلامه

قد قال إذ عمّمني العمامه

أنت أخي ومعدن الكرامه

ومن له من بعدي الإمامه

- كما روت كتب التاريخ والحديث والعقائد أبياتاً للامام الحسينعليه‌السلام ، جاءت ضمن خطبته التاريخة في كربلاء، ذكر فيها الحوض..كما في الاحتجاج: ٢ /٢٦ وتفسير نور الثقلين: ٣/٥٦٥ ، وغيرهما، منها:

أنا ابن أباة الضيم من آل هاشم

كـفـاني بـهذا مفخراً حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مشى

ونحن سـراج الله في الخلق نزهر

ونحن أمان الله للناس كـلـهـم

نـطـول بـهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا

بـكـأس رسول الله ما ليس ينكر

وشـيعتنا في الحشر أكرم شيعة

ومـبـغضنا يـوم القيامة يخسر

وفي بشارة المصطفى/١١٢:

أبو عبدالله الحسين بن الحسن الحسيني الجرجاني القاضي، قدم علينا من بغداد، قال: حدثني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدي النقيب قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عباس الجوهري قال، حدثنا أحمد بن زياد الهمداني قال: رأيت صبياً صغيراً يكون سباعياً أو ثمانياً بالمدينة، على ساكنها أفضل السلام، ينشد:

١٧٧

لنحن عـلى الحوض ذواده

نـــذود وتـسـعـد وراده

ومـا فـاز من فاز إلا بنا

وما خـاب مـن حـبنا زاده

ومن سرنا نال منا السرور

ومــن سـاءنا سـاء ميلاده

ومـن كـان ظالمـنا حقنا

فـإن الـقــيامة مـيعـاده

فقلت يا فتى لمن هذه الأبيات؟

فقال: لمنشدها.

فقلت: من الفتى؟

فقال علويٌّ فاطميٌّ، إيهاً عنك. انتهى.

ونسب في رشفة الصادي/١٩٢، هذه الأبيات الى الإمام محمد الباقرعليه‌السلام .

**

وقد ترجم الأميني في من الغدير : ٢، لعدد من شعراء الغدير الذين ذكروا الحوض، نذكر بعضهم:

فمن أقدمهم سفيان بن مصعب العبدي الكوفي:

وهو من شعراء أهل البيت عيهم السلام في القرن الثاني، وقد مدحه الإمام الصادقعليه‌السلام واستنشده شعره في رثاء الإمام الحسينعليه‌السلام قال العبدي من قصيدة طويلة:

هل في سؤالك رسم المنزل الخرب

بـرءٌ لقلبك مـن داء الهوى الوصب

أم حـره يـوم وشـك البين يبرده

ما استحدثته النوى من دمعك السرب

يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت

لـه المدامع مـن مـاء ومن عشب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما

حجبن من قـضـب عنا ومن كثب

لأشـرقـن بدمعي إن نـأت بـهم

دارٌ ولم أقض ما في النفس من إرب

ما هز عطفي من شوق الى وطني

ولا اعتراني من وجد ومن طـرب

١٧٨

مـثـل اشتياقي من بعد ومنتزح

الـى الـغـري وما فيه من الحسب

يـا راكباً جسرةً تطوي مناسمها

مـلاءة الـبـيـد بالتقريب والجنب

تثني الـريـاح إذا مرت بغايتها

حسـرى الطلائح بالغيطان والخرب

بلغ سـلامي قبراً بالغري حوى

أوفـى البرية مـن عجم ومن عرب

يا صاحب الكوثرالرقراق زاخره

ذود النواصب عن سـلسـاله العذب

قـارعت منهم كماة فـي هواك

بما جردت من خاطر أو مقول ذرب

حـتـى لقد وسمت كلما جباهم

خواطري بمضاء الشـعـر والخطب

-وقال أيضاً في مدح علي عليه‌السلام :

أنت عـين الالَه والجنب من

فـرط فيه يصلى لظى مذموما

أنت فلك النجاة فينا وما زلـ

ت صراطاً الى الهدى مستقيما

وعليك الورود تسقي من الحو

ض ومن شئت ينثني محروما

واليك الجواز تدخل من شئـ

ـت جناناً ومن تشـاء جحيما

وقال الأميني في الغدير: ٢/٢٩٦ :

في مقتضب الأثر عن أحمد بن زياد الهمداني قال: حدثني علي بن ابراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي عن الحسن بن علي سجاده، عن أبان بن عمر ختن آل ميثم قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدي قال: جعلني الله فداك ما تقول في قوله تعالى ذكره:

وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم؟

قال: هم الأوصياء من آل محمد الاثني عشر، لا يعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه.

قال: فما الأعراف جعلت فداك؟

قال: كثائب من مسك، عليها رسول الله والأوصياء يعرفون كلاً بسيماهم.

فقال سفيان: أفلا أقول في ذلك شيئاً؟

١٧٩

فقال من قصيدة:

أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مربع

وهـل لليال كـن لي فيك مرجع

ومنها:

وأنتم ولاة الحشـر والنشر والجزا

وأنتم لـيـوم المفزع الهول مفزع

وأنتم عـلى الاعراف وهي كثائب

من الـمـسـك رياها بكم يتضوع

ثـمـانـيـة بالعرش إذ يحملونه

ومن بعدهم في الأرض هادون أربع

وروى أبو الفرج في الاغاني ٧/٢٢ ، عن أبي داود المسترق سليمان بن سفيان: أن السيد والعبدي اجتمعا فأنشد السيد:

أدين بـمـا دان الوصي به

يوم الخريبة من قتل المحلينا

وبالذي دان يوم النهروان به

وشـاركت كفه كفي بصفينا

فقال له العبدي: أخطأت، لو شاركت كفك كفه كنت مثله، ولكن قل: تابعت كفه كفي، لتكون تابعاً لا شريكاً.

فكان السيد بعد ذلك يقول: أنا أشعر الناس إلا العبدي.

**

ومن شعراء الكوثر السيد الحميري، المتوفى ١٧٣:

وهو اسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري، الملقب بالسيد.

قال عنه المرزباني: لم يسمع أن أحداً عمل شعراً جيداً وأكثر غير السيد.

وروى عن عبد الله بن إسحاق الهاشمي قال: جمعت للسيد ألفي قصيدة وظننت أنه ما بقي عليَّ شيء، فكنت لا أ زال أرى من ينشدني ما ليس عندي، فكتبت حتى ضجرت، ثم تركت.

وقال: سئل أبو عبيدة من أشعر المولدين؟ قال: السيد وبشار.

ونقل عن الحسين بن الضحاك أنه قال: ذاكرني مروان بن أبي حفصة أمر السيد بعد موته، وأنا أحفظ الناس بشعر بشار والسيد، فأنشدته قصيدته المذهبة التي أولها:

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الإبصار والرؤية، ويوفّر لها إمكانيّة الحياة، فهل يكون قضاء الخفّاش على النور بأنّه شرّ ملاكاً لتقييم هذه الظاهرة ؟

إنّ الحوادث حلقات مترابطة في سلسلة ممتدّة من أوّل الحياة إلى أقصاها، فما يقع الآن يرتبط بما وقع في أعماق الماضي، وبما سيقع في المستقبل في سلسلة من العلل والمعاليل والأسباب والمسبّبات، ومن هنا لا يكون القضاء على ظاهرة من الظواهر بغض النظر عمّا سبقها وما يلحقها، وتقييمها جملة واحدة، قضاء صحيحاً وموضوعيّاً، ولا النظر إليها دون هذا الشكل نظراً صائباً، وإليك بعضالأمثلة :

إذا وقعت عاصفة على السواحل فإنّها تقطع الأشجار وتهدّم الأكواخ وتقلّب الاثاث، ويوصف بالشرّ عند القياس إلى النفس، ولكنّها في الوقت نفسه توجب حركة السفن الشراعيّة المتوقّفة في عرض البحر بسبب سكون الريح، وبهذا تنقذ حياة المئات من ركابها اليائسين من نجاتهم وتوصلهم إلى شواطئ النجاة.

صحيح أنّ العاصفة تهدّم بعض الجدران وتقلع بعض الأشجار ولكنّها تعتبر وسيلة فعّالة في عملية التلقيح بين الأشجار والأزهار، كما يعتبر وسيلة فعّالة لتحريك السحب الحاملة للمطر، وتبدّد الأدخنة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل، إلى غير ذلك من الآثار الطيّبة لهبوب الرياح التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيّئة أو تكاد تنعدم بالمرّة.

وهناك ندرك سرّ قوله سبحانه في الكتاب العزيز عن علم الإنسان وعجزه حيث قال:( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إلّا قَلِيلاً ) ( الاسراء / ٨٥ ). وقال:( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ( الروم / ٧ ).

كلّ ذلك يصدّنا من التسرّع في القضاء والحكم على الحوادث بالشرّ لضآلة علمنا بما جرى في السابق وما يجري حالياً وما سيجري في المستقبل، وليست هذه الحادثة منفصلة عن الحوادث في الظروف الثلاثة، فلعلّها بالنسبة إليها تحمل

٢٢١

مصالح كبيرة يحقر عنده ما يصاب الإنسان من الشرّ والبلاء.

إنّ هنا كلمة قيّمة للفيلسوف الإلهي صدر الدين الشيرازي يقول :

« واعلم أنّه قد تحيّرت العقول في كون بعض الحيوانات آكلة لبعض، وفيما جعل الله تعالى ذلك في طباعها وهيّأ لها الآلات والأدوات التي يتمكّن بها على ذلك كالأنياب والمخالب والأظافير الحداد التي بها يقدر على القبض والضبط والخرط والنهش والأكل والشهوة واللذّة والجوع وما شاكل ذلك مع ما يلحق المأكولات منها من الآلام والأوجاع والفزع عند الذبح والقتل، فلمّا تفكّروا في ذلك ولم تسنح لهم العلّة ولا الغاية والحكمة، فاختلفت عند ذلك بهم الآراء وتفنّنت بهم المذاهب، حتى قال بعضهم: إنّ تسلّط الحيوانات بعضها على بعض وأكل بعض لبعض ليس في فعل حكيم بل فعل شرير قليل الرحمة ظلّام للعبيد، فلهذا قالوا: إنّ للعالم فاعلين خيّراً وشريراً.

وإنّما لم يقفوا عليها لأنّ نظرهم كان جزئيّاً، وبحثهم عن علل الأشياء مخصوصاً، ويمتنع أن يعلم أسباب الأشياء الكلّيّة بالأنظار الجزئيّة، لأنّ أفعال البارئ تعالى إنّما الغرض منها هو النفع الكلّي والصلاح على العموم وإن كان يعرض من ذلك ضرر جزئي ومكاره مخصوصة أحياناً، وهكذا خلق الله الشمس والقمر والامطار لأجل النفع والمصلحة العامّة، وإن كان قد يعرض لبعض الناس والحيوان والنبات من ذلك ضرر، ولـمـّا كان الأمر يؤول إلى الصلاح الكلّي كانت تلك الشدائد من جهته صغيرةً جزئيّةً(١) .

وبوجه إجمالي القضاء على بعض الظواهر بأنّه شرٌّ ناشئ من انطلاق الإنسان في قضائه على هذه الظواهر من منطلق نفعيّ أناني، وأمّا إذا نظر إلى تلك الظواهر من زاوية النظام العام فلا يراها إلّا خيرات ضرورية لتعادل النظام ولازمة لاتّساقه واستمرار الحياة وبقائها.

__________________

(١) الاسفار: ج ٧ ص ٩٨ ـ ٩٩.

٢٢٢

وفي ذلك يقول الحكيم السبزواري :

ما ليس موزونا لبعض من نَغَم

ففي نظام الكلّ، كلّ منتظم

٢ ـ الشرّ أمر انتزاعي قياسيّ نسبيّ

ما ذكرنا من الجواب يعمّ كافّة الناس بشرط أن يتنازلوا عمّا يتصوّرون من الاحاطة على أسرار الكون وحقائقه، وهناك جواب آخر يهمّ المحقّقين في العلوم العقلية وحاصل هذا الجواب: إنّ الشر أمر عدمي ليس له واقعيّة في صفحة الكون، بل هو أمر انتزاعي تنتزعه النفس عند مقايسة أمر بأمر، والاشكال إنّما يرد لو كان له واقع خارجي في حدّ ذاته، وأمّا إذا كان كلّ ما في الكون متّسما بسمة الخير وكانت الشرور مخلوقة ذهن الإنسان عند مقايسة ظاهرة بظاهرة ومشاهدة التنافر والتضاد بينهما فلا، إذاً ليس لها واقع خارجي يحتاج إلى الايجاد والخلق، وإنّما هي اُمور وهميّة يخلقها الذهن عند المقايسة ومشاهدة التضاد بين الحادثين، بحيث لولا حديث المقايسة لما كان للشرّ في صفحة الكون واقعيّة وحقيقة، فنقول في توضيح ذلك :

إنّ الصفات على قسمين :

١ ـ ما يكون له واقعيّة كموصوفه مثل قولنا: الإنسان موجوداً أو انّ المتر = ١٠٠ سنتمتر وهذه صفة حقيقيّة لها واقعيّة خارجيّة توجّه إليها الذهن أم لا ؟

٢ ـ ما لا يكون له واقعية مثل موصوفه بل ينتزعه الذهن عند المقايسة كالكبر والصغر، فإنّ الكبر ليس شيئاً ذات واقعيّة خارجيّة، وانّما هي صفة ينتزعها الذهن بالقياس إلى ما هو أصغر منه.

مثلاً الأرض له حجم واقعي ومساحة خاصّة كما أنّ الشمس كذلك، فالحجم والمساحة في كلّ منهما ذات واقعيّة خارجيّة، إلّا أنّ هناك أمراً ثالثاً وهو انّ الأرض أصغر من الشمس والشمس أكبر منه، أو أنّ القمر أصغر من الأرض والأرض أكبر

٢٢٣

من القمر، فليس الكبر والصغر من الاُمور الواقعيّة، بل إنّما هي مفاهيم ذهنيّة تنتزع عند القياس.

ولأجل ذلك تتّصف الأرض تارة بالصغر واُخرى بالكبر، فليس هنا واقعيّة وراء الحجم والمساحة حتى يكون محقّقاً للصغر والكبر.

وفي ضوء هذا تقدر على حلّ الشرور فإنّها اُمور قياسيّة نسبيّة، فسمّ الحيّة والعقرب وغزارة المطر ليست من الشرور بتاتاً إذا لوحظ كلّ واحد بنفسه، بل هي سبب لكمال أصحابها وموجب لبقائها، وإنّما يتّسم بالشر إذا قيس إلى الإنسان ولوحظ المنافرة بينهما.

وعند ذلك فالشرّ ليس ممّا يتعلّق به الخلق والايجاد لأنّ المفروض أنّها اعدام لا موجودات، واتّصافه بالشرّ إنّما هو وليد الذهن وبانتزاعه، فسمّ العقرب والحيّة بما هي هي مخلوق لله سبحانه وتعالى، وأمّا كونه ضارّاً بالنسبه للإنسان فليس شيئاً واقعيّا وراء السمّ حتى يحتاج إلى الخالق، وإنّما ينطلق إليها الذهن عند المقايسة.

إلى هنا خرجنا بجوابين عن الاشكال :

١ ـ إنّ وصف الإنسان لبعض الظواهر بكونها شرّاً لأجل النظر إليها من زاوية ضيّقة، وأمّا إذا لوحظت من زاوية النظام العام فهي موصوفة بالخير.

٢ ـ إنّ بعض الحشرات والضواري والسباع التي يصفها الإنسان بالشرّ لا يكون الموجود منها سوى ذواتها وأجهزتها، وأمّا الاتصاف بالشريّة فليس إلّا أمراً ذهنيّا لا خارجيّاً فلذلك لا يقع في صفحة الخلق.

وإلى ما ذكرنا يشير الحكيم السبزواري :

والشرّ اعدام فكم قد ضلّ من

يقول باليزدان ثم الأهرمن

ما ذكرنا من الجوابين كان تحليلاً فلسفيّاً ولكن هناك تحليلات اُخرى للشرور وهي تحليلها من جانب الآثار التربويّة وحاصلها: إنّ لهذه الحوادث الأليمة و

٢٢٤

المصائب المحزنة آثار تربويّة مهمّة في حياة البشر، ولأجل ذلك وقعت في حيّز الخلق وذلك من باب تقديم الخير الكثير على الشرّ الكثير، وإليك بيان تلك الآثارالتربويّة.

١ ـ المصائب وسيلة لتفجير القابليات (١)

يحطّ الإنسان قدمه على هذه الأرض وهو يحمل في كيانه جملة كبيرة من القابليات والمواهب التي تبقى في مرحلة القوى وفي صورة الطاقات المعطّلة المخزونة، إلّا أن تتوجّه إليها صدمة قويّة تحرك القابليات، وتفجّر المواهب، وتظهر المعادن، وتصقل الجواهر.

وبعبارة واضحة: إذا لم يتعرّض الإنسان للمشاكل في حياته فإنّ قابليّاته ومواهبه المكنونة بين جوانحه ستبقى جامدة هامدة لا تنمو ولا تنفتح، بل تبقى في مرحلة القوّة والذخيرة المهملة، فإذا تعرّض الإنسان للمشاكل والمحن تفتّقت فيه تلك القابليات، ونمت تلك المواهب، وانتقلت الطاقات الكامنة من مرحلة القوّة إلى مرحلة الفعلية، وتفتّح فكره، وتكامل عقله.

ولا يعني هذا أن يعمد الإنسان بنفسه إلى خلق المشاكل، وإثارة الشدائد والمصائب وجرّها إلى نفسه ابتداءً، بل يعني أن يستقبلها الإنسان ـ إذا جاءت ـ برحابة صدر، ويستفيد منها في تفجير قابلياته، وتنمية مواهبه، وإذكاء عقله، وتقوية روحه، لا أن يستسلم أمام عواصفها، أو ينهزم أو ينهار، فلا يحصد إلّا الخسران، ولا يقطف إلّا ثمرة السقوط المرّة.

إنّ البلايا والمصائب والمحن خير وسيلة ـ لو أحسن المرء استغلالها واستخدامها ـ لتفجير الطاقات، بل تقدّم العلوم، ورقيّ الحياة البشريّة.

فهاهم علماء الحضارة يصرّحون بأنّ أكثر الحضارات لم تتفتّق ولم تزدهر إلّا

__________________

(١) لاحظ: الله خالق الكون ص ٢٧٠ ـ ٢٧٧، فقد نقلناه منه.

٢٢٥

في أجواء الحروب والصراعات والمنافسات، حيث كان الناس يلجأون فيها إلى استحداث وسائل الدفاع وفي مواجهة الأعداءِ المهاجمين، أو اصلاح ما خلّفته الحروب من دمار ونقص وتخلّف، أو تهيئة ما يستطيعون به على مقاومة الحصار مثلاً.

فقد كانت ـ في مثل هذه الظروف ـ تتفتّق المواهب وتتحرّك القابليّات لملافاة مافات، وتكميل ما نقص وتهيئة ما يلزم. ومن هنا قالوا: إنّ الحاجة اُمّ الاختراع.

قال العلامة الطباطبائي في هذا الصدد :

« إنّ البحث الدقيق في العوامل المولّدة للسجايا النفسانيّة بحسب الأحوال الطارئة على الإنسان في المجتمعات يهدي إلى ذلك، فإنّ المجتمعات العائلية والأحزاب المنعقدة في سبيل غرض من الأغراض الحيوية دنيويّة أو دينيّة في أوّل تكوّنها ونشأتها تحسّ بالموانع المضادّة والمحن الهادمة لبنيانها من كلّ جانب فتتنبّه قواها الدافعة للجهاد في سبيل هدفها المشروع عندها، ويستيقظ ما نامت من نفسيّاتها للتحذّر من المكاره، والتفدية في طريق مطلوبها بالمال والنفس، ولا تزال تجاهد وتفدي ليلها ونهارها، وتتقوّى وتتقدّم حتى تمهّد لنفسها فيها بعض الاستقلال ويصفو لها الجوّ بعض الصفاء، وتأخذ بالاستفادة من فوائد جهدها »(١) .

ثم إنّنا لا ندّعي بأنّ هذه النتائج والثمار توجد دائماً في جميع الحوادث والكوارث، وإنّما في أغلبها.

فإنّ أغلبيّة هذه المصائب والبلايا تعطي دفعة قويّة لقابليات الأفراد، وتطرد الكسل عن نفوسهم والجمود عن أفكارهم.

أليس الحديد يزداد قوة وصلابة كلّما تعرّض للنار، وأليس السيف يزداد حدة وقاطعية كلّما تعرّض للمبرد.

__________________

(١) الميزان: ج ٩ ص ١٢٤.

٢٢٦

ومن هنا فإنّ الوالدين اللذين يعمدان إلى تربية ولدهما تربية ناعمة مرفّهة بعيدة عن الصعوبات والشدائد، لا يقدّمان إلى المجتمع إلّا إنساناً هزيلاً ضعيف الإرادة فاقد الطموح، أشبه ما يكون بالنبتة الغضّة في مهبّ الريح، بل والتبنة الخفيفة الوزن أمام هبوب العاصفة تأخذها يميناً وشمالاً.

وأمّا الذي ينشأ نشأة خشنة محفوفة بالمشاكل والمصائب، والمصاعب والمتاعب، فإنّه يكون أشبه بالصخرة الصلبة التي تتكسر عليها كلّ السهام، وتتحطّم عندها كلّ العواصف أو كما وصف الامام علي7 إذ قال :

« ألا إنّ الشجرة البرّية أصلب عوداً والروائع الخضرة أرقّ جلوداً، والنباتات البدوية أقوى وقوداً، وأبطأ خموداً »(١) .

وإلى هذه الحقيقة ذاتها يشير قوله سبحانه :

( فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) ( النساء / ١٩ ).

وقوله تعالى :

( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) ( الشرح / ٥ و ٦ ).

وقوله سبحانه :

( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ *وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب ) ( الشرح / ٧ و ٨ ).

أي تعرّض للنصب والتعب بالاقدام على العمل والسعي والجهد كلّما فرغت من العبادة، وكأنّ النصر والمحنة حليفان لا ينفصلان، واخوان لا يفترقان.

وخلاصة القول: إنّ القدرة على المقاومة والظفر بالنجاح يتوقّف على صلابة الإنسان الحاصلة من المرور بالصعوبات والمشاق، ليزداد قوّة إلى قوّة، وتماسكاً إلى تماسك كما يزداد الحديد صلابة إذا تعرّض لمطرقة الحدّاد، ولكي يخلص عقله وروحه من علائق الكسل والجمود كما يخلص الذهب من الشوائب إذا تعرّض لألسنة اللهب.

__________________

(١) نهج البلاغة ـ الرسالة رقم ٤٥.

٢٢٧

٢ ـ المصائب والبلايا جرس انذار :

إنّ التمتع بالمواهب المادية، والاستغراق في اللذائذ والشهوات يوجب غفلة كبرى عن القيم الأخلاقيّة.

فكلّما ازداد الإنسان تعمّقاً في اللذائذ والنعم، ازداد ابتعاداً عن الجوانب المعنوية، وربّما انتهى به الحال إلى أن ينسى نفسه بالمرّة.

وهذه حقيقة يلمسها كلّ فرد في حياته وحياة غيره، كما يقرأها في صفحات التاريخ.

فلابد ـ حينئذ ـ من وخزة للضمير، وهزّة للعقل لابد من جرس للانذار يذكّر الإنسان بنفسه ويفيقه من غفوته، وينبّهه من غفلته، وليس هناك ما هو أنفع ـ في هذا المجال ـ من بعض الحوادث التي تغيّر رتابة الحياة، وتقطع على الإنسان شروده وغفلته، ولهوه ولذّته، فإذا انقطع نظام الحياة الناعمة بشيء من المزعجات، واعترضت لذّته بعض المنغّصات، استيقظ من نومه، وأدرك عجزه، وتخلّى عن غروره، وخفّف من طغيانه.

إنّ الذي يعيش حياة ناعمة رتيبة يشبه إلى كبير من يركب في سيارة يقودها سائق، تسير على طريق مبلّط فيغطّ في نوم عميق، لا يستيقظ منه إلّا إذا كبس السائق على فرامل السيارة فجأة، وتوقّفت دون سابق اخبار، أو مرّ على قطعة غير مبلّطة، فأحدثت رجفة قويّة.

ولهذا تعمد الأجهزة المسؤولة عن الطرق والمواصلات إلى غرس بعض القطع الناتئة على متن الطرق حتى يوجب ذلك تنبيه السائقين بسبب ما تحدثه من هزّات للسيارة كيلا يستسلموا للنوم والنعاس.

ولأجل ذلك يتّضح وجه ربط الطغيان باحساس الغنى والاستغناء في الكتاب العزيز إذ يقول سبحانه :

( إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ *أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ) ( العلق / ٦ و ٧ ).

٢٢٨

كما ولأجل هذا يعلّل القرآن الكريم بعض النوازل والمصائب بأنّها لفائدة الذكرى، فالرجوع إلى الله، والتضرّع إليه.

يقول سبحانه في هذا الصدد :

( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إلّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) ( الاعراف / ٩٤ ).

ويقول أيضاً :

( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) ( الاعراف / ١٣٠ ).

فالآيتان تصرّحان بأنّ المصائب والبلايا سبب لتضرّع الإنسان إلى الله، وتذكّره، فهو إذا نسي الله في غمار الشهوة والماديّة، أيقظته المحنة وذكّرته بالله، إذ بها يدرك أنّه فقير عاجز لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً، وإنّ اللذة الدنيوية لذّة عابرة، وشهوة متصرّمة، وإنّه لا ملجأ له ولا معين إلّا الله.

وهكذا تكون البلايا والمصائب سبباً ليقظة الإنسان، وتذكّره، وتنبّهه وتضرّعه إلى الله، فهي بمثابة صفعة الطبيب على وجه المريض المبنّج الّتي لولاها لانقطعت حياة المريض وتعرّضت لخطر الموت.

وهكذا توجب المحن والمصائب التكامل الاخلاقي كما توجب التفتّح العقلي على ما عرفت في النقطة الأُولى، وقد يتّخذ الإنسان من النوازل والمحن وسيلة لتذكّره ويقظته والتخلي عن غروره، وعندئذ تكون البلايا نعماً إلهية في حقّ الإنسان.

وقد لا يتخذ منها أيّ موقف أبداً فتكون في هذه الحالة ـ بالذات ـ مصيبة عليه، وكارثة في حياته.

٢٢٩

٣ ـ البلايا سبب للعودة إلى الحق :

إنّ للكون هدفاً، كما أنّ لخلق الإنسان هدفاً كذلك، وليس الهدف من خلق الإنسان إلّا أن يتكامل في جميع أبعاده، وما بعث الأنبياء وانزال الكتب والشرائع إلّا لتحقيق هذا الهدف العظيم، والغاية السامية.

ولـمّا كانت المعاصي والذنوب من أكبر الأسباب التي توجب بعد الإنسان عن الهدف الذي خلق الإنسان من أجله، وتعرقل مسيرة تكامله، لأنّ الذي يعيش طيلة حياته في الكذب والنفاق وغيرها من المعاصي لا يمكن أن يتوصّل إلى هدف الخلقة بل يبقى كالحيوان غائب الرشد سادر الفكر، كان لابدّ من صدمة تعيده إلى رشده، وتردّه إلى صوابه، وكذلك تفعل البلايا والمصائب فإنّها بقطعها نظام الحياة وايقافها للإنسان العاصي على نتائج أعماله توجب رجوعه إلى الحقّ وعودته إلى العدالة، أو تدفعه إلى أن يعيد النظر في سلوكه ومنهجه في الحياة على الأقل.

إنّ القرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة ـ بوضوح لا ابهام فيه ـ إذ يقول :

( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ( الروم / ٤١ ).

ويقول سبحانه في آية اُخرى :

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( الأعراف / ٩٦ ).

نقطتان هامّتان :

ويجدر بنا في ختام هذا البحث أن نشير إلى نقطتين هامّتين :

الاُولى: إنّ بقاء الحياة على نمط واحد ووتيرة واحدة يوجب ملل النفس وكلل الروح وتعب العقل، فلا تكون الحياة محبّبة لذيذة إلّا إذا تراوحت بين المرّ والحلو، والجميل والقبيح، والمحبوب والمكروه، إذ لا يمكن معرفة السلامة إلّا عند

٢٣٠

العيب، ولا الصحّة إلّا عند المرض، ولا العافية إلّا عند الاصابة بالحمّى، ولا تدرك لذة الحلاوة إلّا عند تذوّق المرارة.

وبالجملة لولا المرض لما علمت قيمة الصحّة، ولولا الشتاء لما عرفت قيمة الصيف، وهكذا.

ومن هنا نجد البنّائين والمهندسين إذا بنوا داراً تفنّنوا في بناء الجدران والسقوف، فبنوها متموّجة متعرّجة لا مسطّحة خالية من أية تعرجات وتموّجات، لأنّ النفس الميّالة بطبعها إلى التنوّع لا ترتاح إلّا برؤيتها للجدار المتنوّع الأشكال والسطوح.

ولعلّ لهذا السبب كانت الوديان إلى جانب الجبال، والأشواك إلى جانب الورود، والثمار المرة إلى جانب الثمار الحلوة، والماء الاُجاج إلى جانب الماء العذب الفرات، وعبور الأنهر والمياه عبر الجداول المتعرجة الملتوية في بطون السهول والأودية.

إنّ المصائب وإن كانت مرّة غير مستساغة، ولا مأنوسة المذاق، إلّا أنّها تبرز من جانب حلاوة الحياة وقيمة النعم، وأهمّية المواهب.

فجمال الحياة وقيمة الطبيعة ينشآن من هذا التنوّع والانتقال من حال إلى حال، والتبدّل من وضع إلى آخر.

الثانية: إنّ هناك من المحن ما ينسبها الإنسان الجاهل إلى خالق الكون والحال أنّ أكثرها من كسب نفسه ونتيحة منهجه.

فإنّ الأنظمة الطاغوتية هي التي سبّبت تلك المحن وأوجدت تلك الكوارث، ولو كانت هناك أنظمة قائمة على قيم إلهية لما تعرّض البشر لتلك المحن ولما أصابته أكثر تلك النوائب.

فالتقسيم الظالم للثروات ـ مثلاً ـ هو الذي سبّب في تجمّع الثروة عند قلّة قليلة، وانحسارها عن جماعات كثيرة، وتمتّع الطائفة الاُولى بكلّ وسائل الوقاية و

٢٣١

الحماية ضد الأمراض والحوادث، وحرمان غيرهم منها، وهذا هو الذي جعل الطائفة الفقيرة المحرومة من المال والامكانيات أكثر عرضة للكوارث بسبب فقدانهم لوسائل الوقاية من الأمراض، والحماية من النوازل.

ولهذا يكثر الدمار والخراب والخسائر المالية والروحية بسبب الزلازل والسيول في القرى والأرياف، ويقلّ ذلك في المدن التي تتمتع بأعلى مستويات الوقاية والحماية والحصانة.

ولو أنّ الناس سلكوا السبيل الإلهي المرسوم لهم، وراعوا العدالة في تقسيم الثروة والامكانيات لما تضرّر أحد بهذه النوازل والحوادث، ولكان الجميع في أمن من تبعاتها على السواء.

فالأنظمة المجحفة، وخروج الناس عن السبيل الإلهي القويم الذي يكفل توفير وسائل العيش والسلامة للجميع على السواء هو من الأسباب الرئيسية التي توجب تعرّض الناس للمحن والكوارث(١) .

هذا كلّه في الخير المطلق، وأمّا الخير المضاف ( كخير الحاكمين و ) فإليك تفسير ما ورد في الذكر الحكيم في ذلك المجال.

الثامن والثلاثون: « خير الحاكمين »

وقد ورد ذلك اللفظ في الذكر الحكيم في موارد ثلاثة ووقع وصفاً لله سبحانه قال :

( وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ) ( الأعراف / ٨٧ ).

__________________

(١) اقتبسنا ما مرّ من كتاب « الإلهيات » من محاضراتنا الكلامية فراجع الجزء الأوّل ص ٢٧١ ـ ٢٧٧.

٢٣٢

وقال سبحانه:( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ) ( يونس / ١٠٩ ).

وقال سبحانه ناقلاً عن الولد الأكبر ليعقوب بعد ما سجن أخ له من أبيه مخاطباً أخوته:( فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ) ( يوسف / ٨٠ ).

وقد تبيّن معنى هذا الاسم بما ذكرناه في « أحكم الحاكمين » والمفاضلة لأجل وجود حكّام غيره سبحانه وهم بين عادل في حكمه وجائر، بين مأذون من الله وغيره والكلّ غير مصون بالذات عن الخطأ والزلّة إلّا من عصمه الله كالأنبياء والأولياء فيكون سبحانه « أحكم الحاكمين » لكونه معصوماً من الخطأ والجهل بالذات.

التاسع والثلاثون « خير الراحمين »

وقد ورد في الذكر الحكيم مرّتين ووقع وصفاً له سبحانه في كلا الموردين.

قال تعالى:( إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) ( المؤمنون / ١٠٩ ).

وقال عزّ شأنه:( وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) ( المؤمنون / ١١٨ ).

ويظهر معناه ممّا سيجيئ في تفسير اسم « الرحيم ».

الأربعون: « خير الرازقين »

وقد ورد في القرآن الكريم في موارد، ووقع وصفاً له سبحانه في جميعها، قال سبحانه حاكياً عن عيسى بن مريم:( اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ( المائدة / ١١٤ ).

٢٣٣

وقال تعالى:( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ( الحج / ٥٨ )(١) .

وسيوافيك معناه عند البحث عن اسم « الرازق ».

الواحد والأربعون: « خير الغافرين »

وقد ورد في القرآن مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه.

قال:( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إلّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ) ( الأعراف / ١٥٥ )

ويجيئ تفسيره عند البحث عن اسم « غافر الذنب ».

الثاني والأربعون: « خير الفاتحين »

وقد ورد في القرآن المجيد مرّة واحدة ووقع وصفاً له.

قال سبحانه:( قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إلّا أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) ( الأعراف / ٨٩ ).

وسيظهر معناه عند البحث عن اسم « الفتّاح ».

الثالث والأربعون: « خير الفاصلين »

وقد ورد في الذكر الحكيم مرّة واحدة.

قال سبحانه:( قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ

__________________

(١) لاحظ: المؤمنون / ٧٢، سبأ / ٣٩، الجمعة / ١١.

٢٣٤

إِنِ الحُكْمُ إلّا للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) ( الأنعام / ٥٧ ).

قال ابن فارس: « الفصل » يدل على تميّز الشيء عن الشيء وابانته عنه، يقال: فصل الشيء فصلاً، والفيصل: الحاكم، والفصيل: ولد الناقة إذا افتصل عن اُمّه، والمفصل: اللسان، لأنّ به تفصل الاُمور وتميّز.

وقال الراغب: ابانة أحد الشيئين عن الآخر حتى يكون بينهما فرجة وسمّي يوم القيامة يوم الفصل، لأنّه يبيّن الحق من الباطل، ويفصل بين الناس بالحكم، وفصل الخطاب ما فيه قطع الحكم.

وعلى ذلك فمعنى قوله سبحانه « خير الفاصلين » أي خير الحاكمين، لأنّه لا يظلم في قضاياه ولا يجور عن الحقّ، وإنّه يقضي بالحق ولا يعدل عنه، والناس يحكمون بالايمان والبيّنات والقرائن والشواهد وهي قد تصيب وقد تخطئ، وهو سبحانه يقضي بعلمه الوسيع الذي لا يشوبه جهل، وبعرفانه الذي لا يخالطه خطأ فهو خير الفاصلين.

وحظ العبد من هذا الاسم هو اتّصافه بالقضاء العدل، والحكم الفصل.

قال سبحانه:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ ) ( ص / ٢٦ ).

وروي عن الصادق7 أنّه قال: « القضاة أربعة: ثلاثة في النار وواحد في الجنّة: رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة »(١) .

__________________

(١) وسائل الشيعة: ج ١٨ الباب ٣ من أبواب صفات القاضي، الحديث ٦.

٢٣٥

الرابع والأربعون: « خير الماكرين »

وقد ورد هذا اللفظ في القرآن مرّتين ووقع وصفاً له سبحانه في كلا الموردين.

قال تعالى:( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ ) ( آل عمران / ٥٢ و ٥٤ ).

وقال تعالى:( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ ) ( الأنفال / ٣٠ ).

وقد اتّفق المفسّرون على أنّ المراد من مكره سبحانه هو المجازاة على مكرهم وقد سمّى المجازاة على المكر مكراً في غير هذا المورد أيضاً.

قال سبحانه:( وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ *اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( البقرة / ١٤ و ١٥ ).

ومن المعلوم امتناع الاستهزاء على أنبيائه سبحانه فضلاً عن الله لأنّها من فعل الجهلة، والله الحكيم وأنبياؤه هم الحكماء، قال سبحانه حاكياً عن بني اسرائيل :

( قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ) ( البقرة / ٦٧ ).

والله سبحانه وصف نفسه به عند ابطال مكر الناس على رسله وأنبيائه ففي الآية الاُولى يذكر همّ بني اسرائيل بالمسيح حيث أرادوا قتله، فأبطل سبحانه مكرهم برفع عيسى إليه وقتلوا مكانه يهوذا وهو الذي دلّهم على المسيح.

رووا أهل السير والتاريخ أنّ المسيح جمع الحواريين تلك الليلة وأوصاهم ثمّ قال: ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ويبيعني بدراهم يسيرة، فخرجوا وتفرقوا، وجاءت اليهود إليه فقال ما تجعلون لي أن أدلّكم عليه، فجعلوا له ثلاثين

٢٣٦

درهماً فأخذهم ودلّهم عليه، فألقى الله عليه شبه عيسى، فخرج إلى أصحابه وظنّوا أنّه عيسى(١) .

وفي الآية الثانية تذكّرهم قصة همّهم بأسر النبي أو قتله أو اخراجه من البلد حتى استقرّ رأيهم على اجتماع أربعين رجلاً من أقويائهم للهجوم على البيت بعد تمام الليل لاجراء أحد الاُمور الثلاثة عليه، والله سبحانه جازاهم بالمثل وأخبر رسوله فترك البيت قبل أن يتواثبوا عليه، فلو مكروا يجازوا بمكر مثله والله خير الماكرين أي المجازين للماكرين، وبذلك يعلم كونه سبحانه أسرع مكراً، قال سبحانه :

( قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) ( يونس / ٢١ ).

فإذا كان المكر منه سبحانه هو الجزاء وابطال أثر مكر العدو، فتوصيفه بالسرعة امّا خاص بموارد معيّنة كابطال مؤامرة الأعداء في قتل الأنبياء، أو في ما بلغ الطغيان أعلى درجاته فيأخذ الطغاة في الدنيا لعذابه، وإمّا عام لجميع موارد العقوبة والتعبير بالسرعة امّا لأنّ ظرف المجازاة قريب منه قال سبحانه:( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا *وَنَرَاهُ قَرِيبًا ) ( المعارج / ٦ و ٧ ). وامّا لكون عملهم نفس المجازاة التي يجازي بها العصاة يوم القيامة، فعملهم ومكرهم عذاب لهم وهم لا يشعرون بناء على تجسّم الأعمال وتمثّلها.

الخامس والأربعون « خير المنزلين »

وقد ورد « خير المنزلين » في الذكر الحكيم مرّتين ووقع وصفاً له سبحانه في مورد واحد.

قال سبحانه حاكياً عن يوسف:( أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ المُنزِلِينَ ) ( يوسف / ٥٩ ).

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ٤٤٨.

٢٣٧

وقال سبحانه حاكياً عن نوح عند وقوف سفينته على الجودي:( رَبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ المُنزِلِينَ ) ( المؤمنون / ٢٩ ).

والمنزل في الآية الثانية امّا مصدر ميمي بمعنى الانزال أو اسم مكان بمعنى المنزل، فهو يطلب من الله تعالى أن يتفضّل عليه بانزال مبارك أو منزل مبارك بأن يكون ذات ماء وشجر أو غير ذلك ممّا يمهّد الحياة.

وأمّا معناه فقد قال ابن فارس: « النزل » يدلّ على هبوط شيء ووقوعه، يقال: نزل عن دابّته نزولاً، ونزل المطر من السماء نزولاً، والنازلة: الشديدة من شدائد الدهر تنزل، والنزل ما يهيّئ للنزيل، وطعام ذو نزل أي ذو فضل، ويعبّرون عن الحجّ بالنزول، ونزل: إذا حج، وقال الراغب: « النزول » في الأصل هو انحطاط من علوٍ يقال نزل عن دابّته ونزل في مكان كذا: حطّ رحله فيه، وأنزله غيره قال: « أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين ».

والظاهر أنّ له معنى واحد وهو الانحطاط من علو، فلو اطلق على المضيف حتى فسّر قوله سبحانه:( وَأَنَا خَيْرُ المُنزِلِينَ ) في سورة يوسف به لأجل أنّ المضيف ينزل الضيف عن دابّته، وهو في جميع الموارد بمعنى واحد، فالله منزل القرآن نفسه إلى قلب رسوله، قال:( اللهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ ) ( الشورى / ١٧ ) ومنزل الحديد.

قال سبحانه:( وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ ) ( الحديد / ٢٥ ) ومنزل « الأنعام » و « الماء » و « اللباس » إلى غير ذلك ممّا تعلّق به الانزال في الذكر الحكيم، ففي الكلّ نوع هبوط من علو، ونوح شيخ الانبياء يطلب من الله سبحانه أن ينزله من السفينة إلى منزل مبارك فإنّه « خير المنزلين »، فليس توصيفه سبحانه به بخصوص هذا الملاك بل هو خير المنزلين على الاطلاق سواء أنزل الإنسان إلى الأرض أو القرآن أو غيره.

٢٣٨

السادس والأربعون: « خير الناصرين »

وقد ورد هذا اللفظ في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه قال:( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) ( آل عمران / ١٥٠ ).

وسيجيئ تفسيره عند تفسير اسم النصير.

السابع والأربعون: « خير الوارثين »

وقد ورد « خير الوارثين » في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً لله سبحانه قال :

( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) ( الأنبياء / ٨٩ و ٩٠ ).

قال ابن فارس: « الورث » أن يكون الشيء لقوم ثمّ يصير إلى آخرين بنسب أو سبب واطلاقه على الله سبحانه بملاك الانتقال من الإنسان إليه فقط من دون علقة النسب والسبب.

وإنّما وصفه سبحانه ب‍ « خير الوارثين » لأنّه اسم عامّ يطلق عليه وعلى غيره.

قال سبحانه:( وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ) ( البقرة / ٢٣٣ ). وقال سبحانه:( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ *أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ) ( المؤمنون / ٩ و ١٠ ). وقال:( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) ( القصص / ٥ ).

غير أنّ وراثته سبحانه أتم وأكمل من وراثتهم، ولأجل ذلك لـمّا طلب زكريا وارثاً وقال:( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا ) الملازم لوجود ولد يرثه ذكَّر بتنزيهه سبحانه لأنه هو الذي يرث كلّ شيء وهو المنزّه عن مشاركة غيره له في كلّ شيء حتى في الوراثة فرفعه عن مساواة غيره وقال:( وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) يعني: أين هذا الوارث الذي

٢٣٩

يرث مالي مدة ثمّ يموت من وراثتك الباقية والثابتة قال:( وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ( آل عمران / ١٨٠ ). وقال:( وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ) ( الحجر / ٢٣ ).

الثامن والأربعون: « خير حافظا »

وقد ورد في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له سبحانه:( فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إلّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ( يوسف / ٦٣ و ٦٤ ).

والحافظ اسم عام توصف به الملائكه تارة قال سبحانه:( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَامًا كَاتِبِينَ ) ( الانفطار / ١٠ و ١١ ).

والناس اُخرى. قال سبحانه:( مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( يوسف / ٦٣ ).

قال ابن فارس: والحفظ له معنى واحد يدل على مراعاة الشيء، والتحفّظ: قلّة الغفلة، والحفاظ: المحافظة على الاُمور.

وأمّا الذكر الحكيم فقد استعمله تارة في مورد رعاية حدود الله وقال:( وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ ) ( التوبة / ١١٢ ). واُخرى في تسجيل الشيء وضبطه كما في قوله سبحانه:( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَامًا كَاتِبِينَ ) . وثالثة في صيانته عن الافراط والتفريط قال سبحانه:( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) ( المؤمنون / ٥ ) ورابعة في دفع الكيد والشر والبلاء ووقايته من كلّ سوء وهذا هو المراد من قول اخوة يوسف( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) كما هو المراد في قوله:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر / ٩ ). أي نصونه من التحريف والتبدّل والزيادة والنقص والفقدان، والموارد ترجع إلى أصل واحد.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523