العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196185 / تحميل: 7982
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

من دمائهم. وأمّا أنا فإنّي رقدت الآن , فرأيت في منامي كلاباً كثيرة تريد تنهش من لحمي وتشرب من دمي , وكان فيهم كلب أبقع وكان أشدّهم عليّ جرأة وأكثرهم عليّ حنقاً , وهو أنت يا شمر )). - وكان الشّمر لعنه الله أبقع الجسد - قال: فغضب الشّمر من كلام الحُسين وازداد حنقاً وبغضاً، وقال: والله لا يقتلك غيري, ولأذبحنّك من قفاك؛ ليكون ذلك أشدّ بك :

ليبك على الإسلام من كان باكياً

فقد هدمت أركانه ومعالمه

وقد ذهب الإسلام إلّا بقية

قليل من الدُنيا الذي هو لازمه

فيا لهفاه على مصاب الإسلام بعصابة جعلهم الله تعالى رحمة للأنام , بهم تتحصّل الخيرات وتكتسب الفضائل والكمالات ، فيا خيبة من ناوأهم ويا خسران من أبغضهم وعاداهم !

روي عن بعض الثُقاة : أنّ عبد الله بن عمر لـمّا بلغه أنّ الحُسين (عليه‌السلام ) متوجه إلى العراق , جاء إليه وأشار عليه بالطّاعة والانقياد لابن زياد وحذّره من مشاقّة أهل العناد ، فقال له الحُسين (عليه‌السلام ) : (( يا عبد الله , إنّ من هوان هذه الدُنيا على الله , أنّ رأس يحيى بن زكريا (عليه‌السلام ) اُهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل , فامتلأ به سروراً ولم يعجّل الله عليهم بالانتقام , وعاشوا في الدُنيا مغتبطين. ألم تعلم يا عبد الله , أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس سبعين نبيّاً ، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنّهم لم يفعلوا شيئاً , ولم يعجّل الله عليهم بانتقام , بل أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ؟ )).

ثمّ قال (( يا عبد الله , اتق الله ولا تدعن نصرتي ولا تركنن إلى الدُنيا ؛ لأنّها دار لا يدوم فيها نعيم ولا يبقى أحد من شرّها سليم , متواترة محنها متكاثرة فتنها , أعظم النّاس فيها بلاء الأنبياء ، ثمّ الأئمة الاُمناء ثمّ المؤمنون ثمّ الأمثل بالأمثل )).

قال (عليه‌السلام ) : (( يا عبد الله , قد خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة , وما أولهني إلى لقاء أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف , وخير مصرع أنا لاقيه , كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النّواويس وكربلاء , فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً وأجوفة سغباً , لا محيص يوم خطّ بالقلم , رضا الله رضانا أهل البيت , نصبر على بلائه ليوافينا أجور الصّابرين , لن تشذّ عن رسول الله لحمته , هي مجموعة لنا في حظيرة القدس , تقربهم عينه وينجز لهم وعده , فمَن كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه ؟

١٦١

فليرحل معي , فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى )).

ثمّ لقيه أبو هريرة الأسدي , فقال له : يابن رسول الله , ما الذي أخرّك من حرم جدّك مُحمّد الـمُصطفى ؟ فقال : (( يا أبا هريرة , إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت , وشتموا عرضي فحملت , وطلبوا دمي فهربت عن حرم جدّي )). وكان يزيد أنفذ عمر بن العاص في جيش عظيم وولاه أمر الحاج , وأوصاه أن يقبض على الحُسين سرّاً ويقتله غيلة , ألا لعنة الله على القوم الظّالمين.

قال : ثمّ جاء إليه عبد الرّحمن بن الحرث , وأشار عليه بترك ما يجزم عليه من المسير إلى الكوفة وبالغ معه , وذكّره ما فعله أهل الكوفة بأبيه وأخيه من قبله , وحذّره منهم غاية الحذر , فشكر له الحُسين (عليه‌السلام ) ، وقال : (( لقد اجتهدت برأيك هذا ولكن مهما يقض الله يكن , وأيم الله , لتقتضي(١) الفئة الباغية , وليسلبنّهم الله بعد قتلي ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً في رقابهم ، ثمّ يسلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ , إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم وأولادهم ودمائهم , وكذلك اُميّة )) :

إن كان منزل دمعي لا أنيس له

فإن رسم الكرى عن مقلتي درسا

ما زلت أجحد ما القى وادفعه

فاستشهد العاذلون الدمع والنفسا

روي عن الصّادق (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( دخل جابر الأنصاري إلى أبي في مدينة الرّسول , فقال له : يا جابر , بحقّ جدّي رسول الله , ألا أخبرتني عن اللوح , أرأيته عند اُمّي فاطمة الزّهراء ؟ فقال جابر (ره) : أشهد بالله العظيم ورسوله النّبي الكريم , لقد أتيت إلى فاطمة الزّهراء في بعض الأيّام ؛ لأهنئها بولدها الحُسين (عليه‌السلام ) بعدما وضعته بستة أيّام , فإذا هي جالسة وبيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء , وفيه كتابة أنوار الشّمس , وله رائحة أطيب من المسك , فقلت لها : ما هذا اللوح يا بنت رسول الله ؟ فقالت : هذا اللوح أهداه الله إلى أبي رسول الله , فيه اسم مُحمّد الـمُصطفى واسم عليّ الـمُرتضى واسم ولدي الحسن والحُسين ، وأسماء الأئمة الباقين من ولدي. فسألتها أن تدفعه إلي ؛ لأنظرّ ما فيه , فدفعته إلي , فسررت به سروراً عظيماً ، فقلت لها : يا ستّ النّساء , هل تأذنين لي أن اكتب نسخته ؟ فقالت : افعل. فأخذته ونسخته عندي , فقال له الباقر (عليه‌السلام ) : هل لك أن تريني

____________________

(١) هكذا ورد في هذا الكتاب , ولكن ورد في مثير الأحزان /٣٣ , ولواعج الأشجان /٨٤ : لتقتلني. (مؤسسة الإمامين الحسنين).

١٦٢

النّسخة بعينها الآن ؟ فمضى جابر إلى منزله فأتى بصحيفة من كاغذ , مكتوب فيها : بسم الله الرّحمن الرّحيم , هذا كتاب من العليم أنزله الرّوح الأمين على خاتم النّبيين أجمعين ، أمّا بعد , يا مُحمّد , عظّم أسمائي واشكر نعمائي , ولا تجحد آلائي ولا ترج سوائي ولا تخشى غيري , فمَن يرجو ويخشى غيري , أعذّبه عذاباً لا أعذّب به أحداً من العالمين. يا مُحمّد , إنّي اصطفيتك على سائر الأنبياء , وفضلّت وصيّك عليّاً على سائر الأوصياء , وجعلت ولدك الحسن عيبة علمي بعد انقضاء مدّة أبيه , وجعلت الحُسين خير أولاد الأوّلين والآخرين ومن نسله الأئمة المعصومين , وعليه تشبّ فتنة صمّاء , فالويل كلّ الويل لِمَن حاربه وغصبه حقّه ! ومنه يعقب زين العابدين , وبعده مُحمّد الباقر لعلمي والدّاعي إلى سبيلي على منهاج الحقّ , ومن بعده جعفر الصّادق القول والعمل , ومن بعده الإمام المطهّر موسى بن جعفر , ومن بعده عليّ بن موسى الرّضا , يقتله كافر عنيد ذو بأس شديد , ومن بعده مُحمّد الجواد يُقتل مسموماً , ومن بعده عليّ الهادي يُقتل بالسّم , ومن بعده الحسن العسكري يُقتل بالسّم , ومن بعده القائم المهدي , وهو الذي يقيم اعوجاج الدّين ويأخذ ثأر الأئمة الطّاهرين صلوات الله عليهم أجمعين , وهو رحمة للعالمين وسوط عذاب على الظّالمين , وسألقي عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب , فتذلّ أوليائي قبل ظهوره وتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس التّرك والدّيلم , فيظهر حجّتي فيهم , فيُقتلون ويُحرقون وتُصبغ الأرض من دمائهم , ويفشوا الويل والرّنّة في نسائهم , أولئك أوليائي حقّاً , بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندسية , وبهم أكشف الزّلازل وأرفع الأسلال(١) والأغلال :( أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ) (٢) )).

فقال بعض أصحاب الصّادق (عليه‌السلام ) : يا مولانا , لو لم نسمع في دهرنا إلّا فضل هذا الحديث , لكفانا فضله. وقال (عليه‌السلام )(٣) : (( ولكن فصنه إلاّ عن أهله )).

فانظروا أيّها الإخوان الأبرار إلى ما فعل بالأئمة الأطهار , الأشقياء الكفرة الفجّار , فيا ويلهم ماذا يجيبون عند بكاء الرّسول لمصاب ذرّيّة البتول , وبكاء إبراهيم خليل الرّحمن وغضب لغضبهما الملك الدّيان ! :( هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمْ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) (٤) .

فعلى الأطائب من أهل الرّسول فليبك الباكون وأيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا

____________________

(١) الموجود في الكافي : ١/ ٥٢٨ : وأدفع الآصار. (مؤسسة الإمامين الحسنين).

(٢) سورة البقرة / ١٥٧.

(٣) ولكن الوارد في المصادر المعتبرة كالكافي ٢/٥٢٨ , وغيره : قال أبو بصير : لو لم تسمع في دهرك ، إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله. (معهد الإمامين الحسنين).

(٤) سورة يونس / ٣٠.

١٦٣

تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ محمود بن طريح النّجفي (رحمه‌الله )

هجوعي وتلذاذي عليّ محرم

إذا هل في دور الشهور المحرم

أجدد حزناً لا يزال مجدداً

ولي مدمع هام همول مسجم

وأبكي على الأطهار من آل هاشم

وما ظفرت أيدي أولي البغي منهم

هم العروة الوثقى هم المعدن التقى

هم الشرف السامي نور الهدى هم

هم العترة الداعي إلى الرشد حبهم

ينبئنا فيه الكتاب المعظم

بهم نطقت مدحاً من الله (هل أتى)

(وطه) (ويس) (وعم) (ومريم)

وجدهم الهادي النّبي وأمهم

بتول ومولانا عليّ أبوهم

يعز على المختار والطهر حيدر

وفاطمة بالطف رزء معظم

وقد سار بالرهط الحُسين بن فاطمة

لكتب من الطاغين بالخدع تقدم

إلى أن أتى أرض الطفوف بأهله

فلم ينبعث مهر ولم يجر منسم

فقال فما هذي البقاع التي بها

وقفن تسمى (كربلاء) قال خيموا

فقال تسمى نينوى نينوى قال أوضحوا

فقالوا تسمى (كربلاء) قال خيموا

نعم هذه والله أخبر جدنا

بأن بها تسبى نسانا وتظلم

وفي هذه الآذان تهوي إلى الثرى

وفي هذه الأطفال بالرغم تيتم

وفي هذه تبدوا البنات حواسراً

وتوجع ضرباً بالسياط وتشتم

وفي هذه النسوان يبرزن هتكاً

بغير شعور والسعور ترنم

وتخرم أقراط وتدمي أساور

وتسلب خمر والخلاخل تقصم

وتستعطف النسوان آل أمية

فلم تر من يحنو عليها ويرحم

وسار ابن سعد واللعين ابن خولة

وشمر وطم الأرض جيش عرمرم

فلما أحاطوا بالحسين تناوبوا

وأكيفهم ليل من الكفر مظلم

وأقبلت الأعداء من كل جانب

على الظلم واشتاقت إليهم جهنم

وصال امامي بالطغاة مجادلاً

كما صال بالأغنام ليث غشمشم

وجالدهم بالبيض ضرباً وبالقنا

طعاناً وروى الأرض بالدم منهم

إلى أن فنوا أصحابه ورجاله

وأضحى فريداً ألفه الترب والدم

١٦٤

فنادى ألا هل ناصراً ومجاهداً

يجاهد عن آل النّبي ويغنم

فلم يلق إلّا سمهرياً يجيبه

وإلّا يمانياً به الموت يعلم

وداروا عليه بالقسي فأرسلت

لجثمانه نبل فرادى وتوأم

فأصدفه سهم الردى متشعباً

ثلاثاً تلقاها الوريد المكرم

فجد له الأرض ملقى على الثرى

طريحاً له الذراري شراب ومطعم

فقام إليه الشمر يسعى وقد جثى

على صدره والشمر رجس مزنم

وأقبل مهر السبط نحو خيامه

يحمحم عرياناً وينعي ويلطم

فلما رأين الطاهرات خرجن في

أذل السبا كل إليه تقدم

وبادرن نحو السبط وهو مرمل

يكلمنه شجواً ولا يتكلم

رأت زينب صدر الحُسين مرضضاً

فصاحت ونار الحزن في القلب تضرم

وصكت من الضرب المبرح وجهها

ولم تر صبراً من جوى الثكل يعصم

تقول أخي قد كنت نوراً لشملنا

فيا سورنا لم أنت فينا مهدم

أخي يا أخي قد كنت كنزاً لفقرنا

فها أنت في أيدي العدى تتقسم

أخي يا أخي قد كنت كهفاً لعزنا

الم ترنا بالذل نسبى ونشتم

أخي زود الأطفال وعداً وأوبة

فليس سوى الباري وإياك يرحم

أخي زود الولهى سكينة نظرة

فمهجتها حرى وعبرتها دم

أخي تهتوي التقبيل منك سكينة

وشمر لها بالسوط ضرباً يؤلم

أخي فاطم الصغرى تحب التفاتة

وحقك هذا قلبها فيك مغرم

أخي بنتك الأخرى رقية ضمها

إليك فأحشاها من الوجد تضرم

تقولا هلمي يا سكينة نرتمي

على والدي دعنا من الموت نسلم

وإلّا فقومي ودعيه فإنه

يروم إرتحالاً بعده ليس يقدم

ولم أنس وجداً أم كلثوم تشتكي

إلى جدها يا جد لو كنت تعلم

أيا جد هل تنظر حسيناً مرملاً

لأضلعه خيل العدة تحطم

وهل تنظر السجاد بالقيد موثقاً

يضربه التكبيل سحباً ويشتم

أيا جدنا هذي بناتك حسراً

أسارى قرط ابن بنتك تقسم

أيا جدنا ساقوا علياً مكبلاً

لينظره الطاغي يزيد المزنم

١٦٥

أيا جدنا رأس الحُسين يقله

سنان سناه بالقناة محكم

فيا لك مقتولا أصيب بقتله

ملائكة الرحمن والجن معهم

ويا لك من رزء عظيم إذا به

تقاس الرزايا كلها فهو أعظم

ويا لك من يوم مهول تزلزلت

له الأرض والأطيار بالجو حوم

ويا لك من حزن كأن مذاقه

على شيعة المختار صاب وعلقم

أتسبى كريمات الحُسين على الضنا

ويكنف نسوان العلوج المخيم

أل لعن الرحمن آل أمية

وأشياخهم مع من تناسل منهم

وأشياعهم والتابعين لقولهم

ومن لهم بالقلب يهوى ويرحم

فيا عترة الهادي خذوها بمدحكم

مدبجة كالدر حين ينظم

على كل بيت للمديح يتيمة

بأسماع من يهواكم تتقسم

تزف إليكمم كل عشر محرم

يتوق إليها الشاعر المترنم

مديحاً لمحمود العزيزي عبدكم

له باعاديكم من اللعن أسهم

موالي مواليكم معادي عدوكم

مودته في حبكم لا تكتم

ويرجي بها يوم القيامة شربة

من الحوض يا أهل الشفاعة منكم

خذوا لي وآبائي وأمي ووالدي

أماناً من أذى النّار وأرحم

ورهطي وإخواني وقارئن مدحتي

ومستمعيها واعطفوا وترحم

وفي الخلد نرجو تدخلونا بجاهكم

فليس لنا إلّا النّبي وأنتم

صلاة وتسليم مساء وبكرة

من الله عد الذر تترى عليكم

١٦٦

المجلس الثّامن

من الجزء الثّاني ، في التّاسع من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

أيّها الإخوان , اكثروا رحمكم الله النّوح والأشجان , واظهروا شعائر الأحزان على سادات الزّمان , واُولي الكرم والفضل والإحسان خصوصاً في شهر عاشوراء ، وإن كان حزنهم خليقاً في كلّ الشّهور.

وكيف لا نبكي على مصاب من لا يحصل لنا من النّار الخلاص إلّا إذا قمنا في محبّتهم بالإخلاص ؟ وما لنا لا نعادي أعداء قوم محبّهم يحبّهم الجبّار ومبغضهم يورده موارد أهل النّار ؟ ففي الخبر عن سيّد البشر , أنّه قال ذات يوم لبعض أصحابه : (( يا عبد الله , احبب في الله وابغض في الله ووال في الله وعاد في الله ، فإنّه لا تنال ولاية الله إلّا بذلك , ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه , حتّى يكون ذلك كذلك )). فقال له : يا رسول الله , وكيف لي أن اعلم أنّي قد واليت في الله وعاديت في الله ، ومَن ولي الله عزّ وجلّ حتّى أواليه ، ومَن عدوه حتّى أعاديه ؟ فأشار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى عليّ (عليه‌السلام ) ، فقال : (( أترى هذا ؟ )). قال : بلى. قال : (( وليّ هذا وليّ الله ، وعدو هذا عدو الله ، فوال وليّ هذا لو أنّه أبوك , وعاد عدوه لو أنّه أبوك )) :

إذا كنت تهوى القوم فاسلك طريقهم

فما وصلوا إلّا بعد العلائق

وما نقل الهندي وهو حديدة

على الكتف إلّا بعد دق المطارق

فيا هذا : أيلام من شقّ الجيوب ، جيوب القلوب لا جيوب الثّياب , أو يعنّف مَن أجرى الدّماء لا الدّموع على هذا المصاب ؟ كلا , حاشا لله حقّهم لا

١٦٧

يقضي وشكرهم لا يؤدي ، لكن من بذل الاجتهاد كان جديراً أن يحصل المراد.

روي عن أبي حمزة الثّمالي , قال : أتيت إلى سيّدي ومولاي عليّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) وهو في داره في مدينة الرّسول , فاستأذنت عليه بالدّخول , فاذن لي , فدخلت عليه فوجدته جالساً , وإذا على فخذه صبي صغير وهو مشغوف به ، وهو يقبّله ويحنو عليه ، فقام الصّبي يمشي فعثر فوقع على عتبة الباب , فانشجّ رأسه , فوثب إليه مهرولاً وقد أحزنه ذلك , فجعل ينشّف دمه بخرقة وهو يقول له : (( يا بني , أعيذك بالله أن تكون المصلوب في الكناس )). فقلت له : يا مولاي فداك أبي واُمّي وأيّ كناس ؟ فقال : (( يُصلب ابني هذا في موضع يُقال له الكناس من أعمال الكوفة )). فقلت : يا مولاي أو يكون ذلك ؟ قال : (( والله سيكون ذلك , والذي بعث مُحمّداً بالحقّ نبيّاً , لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة وهو مقتول مسحوب ، ثمّ يُدفن ويُنبش ويُصلب في الكناسة ، ثمّ يُنزل بعد زمان طويل فيُحرق ويُذرى في الهوى )). فقلت : جعلت فداك ! وما اسم هذا الغلام ؟ قال : (( هذا ابني زيد )). وهو مع ذلك يحدّثني ويبكي ، ثمّ قال لي : (( أتحبّ أن أحدّثك بحديث ابني هذا ؟ )). قلت : بلى.

قال : (( بينما أنا ليلة ساجداً في محرابي , إذ ذهب بي النّوم فرأيت كأنّي إلى الجنّة , وكأنّ رسول الله وعليّاً والحسن والحُسين وقد زوجوني بحورية من حور العين , فواقعتها واغتسلت عند سدرة الـمُنتهى , وإذا أنا بهاتف يقول : أتحبّ أن أبشّرك بولد اسمه زيد ؟ فاستيقظت من نومي وقمت وصلّيت صلاة الفجر , وإذا أنا بطارق الباب ، فخرجت إليه , فإذا معه جارية وهي مخمرة بخمار ، فقلت له : ما حاجتك ؟ فقال : أريد عليّ بن الحُسين. فقلت : أنا هو. فقال : أنا رسول الـمُختار إليك , وهو يقرئك السّلام ويقول : قد وقعت هذه الجارية بأيدينا , فاشتريتها بستمائة دينار وقد وهبتها لك , وهذه أيضاً ستمائة دينار اُخرى فاستعن بها على زمانك. فدفع إليّ المال ومعه كتاب , فقبضت المال والجارية ، فقلت لها : ما اسمك ؟ قالت : اسمي حورية. فقلت : صدق الله ورسوله ، هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقّاً. فدخلت بها تلك الليلة فإذا هي غاية الصّلاح , فعلقت منّي بهذا الغلام ، فلمّا وضعته سمّيته زيداً ، وسترى ما قُلت لك )).

١٦٨

قال أبو حمزة الثّمالي : فو الله لقد رأيت زيداً مقتولاً , ثمّ سُحب ثمّ دُفن ثمّ نُشر ثمّ صُلب ، ولم يزل مصلوباً زماناً طويلاً حتّى عشعشت الفاختاة في جوفه ، ثمّ اُحرق وذري في الهواء رحمة الله عليه.

وروى فضله عن بعض الأخبارين , قال : سألت خالد بن فضله عن فضل زيد بن زين العابدين (عليه‌السلام ) , فقال : أيّ رجل كان ! فقلت : وما علمت عن فضله ؟ قال : كان يبكي من خشية الله تعالى حتّى تختلط دموعه بدمه طول ليله , حتّى اعتقد كثير من النّاس فيه الإمامة , وكان سبب اعتقادهم ذلك منه ؛ لخروجه بالسّيف يدعو بالرّضى من آل مُحمّد (عليهم‌السلام ) , فظنّوه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريدها ؛ لمعرفته باستحقاق من قبله ، وكان سبب خروجه ؛ الطّلب بدم جدّه الحُسين (عليه‌السلام ) , وأنّه دخل يوماً على هشام بن عبد الملك ، وقد كان جمع له هشام بني اُميّة , وأمرهم أن يتضايقوا في المجلس ؛ حتّى لا يتمكن زيد من الوصول إلى قربه ، فوقف زيد مقابله وقال له : يا هشام , ليس أحد من عباد الله فوق أن يوصي بتقوى الله في عباده ، وأنا اُوصيك بتقوى الله فاتقه. فقال هشام : يا زيد , أنت المؤهل نفسك للخلافة ، وأنت الرّاجي لها , وما أنت وذاك لا اُمّ لك ! وإنّما أنت ابن أمة. فقال له زيد : إنّي لا اعلم أحداً أعظم عند الله من نبي بعثه , فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث الله إسماعيل نبيّاً وهو ابن أمة , فالنّبوة أعظم أم الخلافة ؟ وبعد , فما يقصر في رجل جدّه رسول الله وهو ابن عليّ بن أبي طالب أن يكون ابن أمة.

قال : فنهض هشام مغضباً ودعا قهرمانه وقال : والله , لآتين هذا بعسكر يضيق به الفضاء. وخرج زيد وهو يقول : لم يكره قوم قط حرّ السّيوف إلّا ذلّوا. ثمّ إنّه توجه إلى الكوفة فاجتمع عليه أهلها وبايعوه على الحرب معه. فنقضوا ببيعته وسلّموه لعدوه , فقُتل رحمة الله عليه وصُلب في موضع يُقال له الكناس , وبقي مصلوباً بينهم أربع سنوات لا ينكر أحد منهم بيد ولا لسان , وقد عشعشت الفاختاة في جوفه , وقد خانوا به أهل الكوفة ونقضوا بيعته كما خانوا آبائه وأجداده من قبل ، ألا لعنة الله على القوم الظّالمين.

قال : فلمّا بلغ قتله إلى الصّادق (عليه‌السلام ) , حزن عليه حزناً عظيماً وجعل يئنّ من وجده عليه , وفرّق من ماله صدقة عنه وعمّن اُصيب معه من أصحابه لكلّ بيت منهم ألف دينار ، وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر صفر سنة عشرين

١٦٩

ومئة من الهجرة ، وكان عمره يوم قُتل اثنين وأربعين سنة ، قال : فلمّا قُتل زيد , سرّ بقتله المنافقون وحزن له المؤمنون ، وأمّا هشام بن الحكم , فإنّه فرح بقتله وعمل يوم قتله عيداً , وأنشد يقول :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم نر مهدياً على الجذع يصلب

وقستم بعثمان علياً سفاهة

وعثمان خير من عليّ وأطيب

قال : فبلغ قوله إلى الصّادق (عليه‌السلام ) , فاغتمّ منه غمّاً شديداً ، ورفع يديه إلى نحو السّماء وهما يرتعدان من شدّة عرقه , وقال : (( اللّهمّ , إن كان عبدك الحكم كاذباً , فسلّط عليه كلباً من كلابك يأكله )).

قال : فأرسله بنو اُميّة إلى الكوفة , فافترسه الأسد لعنة الله عليه , فوصل خبره إلى الصّادق (عليه‌السلام ) , فخرّ ساجداً لله ؛ لسرعة إجابة دعائه , وقال : (( الحمد لله الذي أنجز وعده وأهلك عدوه( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) )). لقد غرّتهم الدُنيا الدّنيّة حتّى أردتهم وأهلكتهم , فحسبهم جهنّم وساءت مصيراً ، يوم لا يجدون من الله وليّاً ولا نصيراً.

ألا يا بايعاً ديناً بدنيا

غروراً لا يدوم لها نعيم

إلى ديان يوم الدين نمضي

وعند الله تجتمع الخصوم

نُقل : أنّه كانت الدّولة لبني اُميّة ألف شهر ، وكانوا لا يزالون يأمرون الخطباء بسبّ عليّ بن أبي طالب على رؤوس المنابر، فأوّل من تأمّر منهم معاوية عليه اللعنة ومدّة خلافته عشرون سنة ، ثمّ تخلّف من بعده ولده يزيد عليه اللعنة ثلاثة سنين وثمانية أشهر وأربعة عشر يوماً ، ثمّ تخلّف من بعده معاوية بن يزيد شهراً واحداً وأحد عشر يوماً ، وترك الخلافة ؛ خوفاً من عذاب الله , واعترف بظلم آبائه وعرّف النّاس ذلك وهو قائم على المنبر , حتّى أنّ اُمّه لامته على ذلك ، فقالت له : ليتك كنت حيضة ولم تكن بشراً , أتعزل نفسك عن منصب آبائك ؟! فقال لها : يا اُمّاه , وأنا والله وددت أن أكون حيضة , ولا أطأ موطئاً لست له بأهل , ولا ألقى الله عزّ وجلّ بظلم آل مُحمّد.

ثمّ تخلّف من بعده عبد الملك بن مروان عليه اللعنة إحدى وعشرين سنة وشهراً ، ثمّ تخلّف من بعده الوليد بن عبد الملك بن مروان عليه اللعنة إحدى وعشرين سنة وشهراً ، ثمّ تخلّف من بعده الوليد بن عبد الملك تسع سنين

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٧٠

وثمانية أشهر ويوماً واحداً , ثمّ تخلّف من بعده أخوه هشام بن عبد الملك , تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أيّام ، ثمّ تخلّف مروان الحمار خمس سنين وشهراً وثلاثة عشر يوماً , فملك بنو اُميّة ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر ، يكون المجموع ألف شهر , وهم مع ذلك يسبّون عليّاً (عليه‌السلام ). ثمّ تخلّف عمر بن عبد العزيز وأبطل السّب عن عليّ(ع).

فلمّا قُتل الحُسين (عليه‌السلام ) , لم تقم لبني اُميّة قائمة حتّى سلبهم الله ملكهم واضمحلّ ذكرهم ، فلمّا تولّى السّفاح , أحمد بن مُحمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس , عمّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فاستأصل الأكثر منهم ، ألا لعنة الله على القوم الظّالمين. وعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أولا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة لابن حماد (رحمه‌الله )

ويك يا عين سحي دمعاً سكوباً

ويك يا قلب كن حزيناً كئيبا

ساعداني سعدتما فعسى

أشفي غليلاً من لوعة وكروبا

إن يوم الطفوف لم يبق لي من

لذة العيش والرقاد نصيبا

يوم صارت إلى الحُسين بنو حرب

بجيش فنازلوه الحروبا

وحموه من الفرات فما ذاق

سوى الموت دونه مشروبا

في رجال باعوا النفوس على الله

فنالوا ببيعها المرغوبا

لست أنساه حين أيقن بالموت

دعاهم فقام فيهم خطيبا

ثم قال الحقوا بأهليكم إذ

ليس غيري أرى لهم مطلوبا

شكر الله سعيكم إذ نصحتم

ثمّ أحسنتم لي المصحوبا

فأجابوه ما وفيناك إن نحن

تركناك بالطفوف غريبا

أي عذر لنا يوم نلقى

الله والطهر جدك المندوبا

حاش لله بل نواسيك أو يأخذ

كل من المنون نصيبا

فبكى ثمّ قال جوزيتم الخير

فما كان سعيكم ان يخيبا

ثم قال أجمعوا الرجال وشبوا

النّار فيها حتّى تصير لهيبا

وغدا للقتال في يوم عاشوراء

فأبدى طعناً وضرباً مصيبا

١٧١

فكأني بصحبه حوله صرعى

لدى كربلاء شباباً وشيبا

فكأني أراه فرداً وحيداً

ظامياً بينهم يلاقي الكروبا

حاملاً طفله بقبله حتّى

قد هو الطفل بالدماء خضيبا

وكأني أراه إذ خر مطعوناً

على حر وجهه مكبوبا

وكأني بمهره قاصداً الفسطاط

يبدي تحمحماً ونحيبا

وبرزن النساء حتّى إذا أبصرن

حيارى وقد شققن الجيوبا

فكأني بزينب إذ رأته

عارياً دامي الجبين تريبا

أقبلت نحو اختها ثمّ قالت

وديه وداع من لا يؤوبا

أخت يا أخت كيف صبرك عنه

وهو كان المؤمل المحبوبا

ثم خرت عليه تلثم خديه

وقد صار دمعها مسكوبا

وتناديه يا أخي لو رأت عيناك

حالي رأيت أمراً عجيباً

يا أخي لا حييت بعدك هيهات

حياتي من بعدكم لن تطيبا

كنت حصني من الزمان إذا ما

خفت خطباً دفعت عني الخطوبا

ضاقت الأرض بي وكانت علينا

بك يا سيّدي فناءاً رحيبا

يا هلالاً لـمّا استتم كمالاً

غاله خسفه فأهوى غروبا

يا قضيباً اغضى ما كان أودته

رياح الورى وكان رطيبا

ما توهمت يا شقيق فؤادي

كأن هذا مقدراً مكتوبا

عد يتاماك إن أردت منيباً

يا أخي بالرجوع وعداً قريبا

فلعلي أسر فيك ولياً

وأسوء الحسود فيك المريبا

يا أخي حق فيك ما كنت أخشاه

فظني قد بان فيك كذوبا

يا أخي فاطم الصغيرة كلمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا

يا أخي قلبك الشفيق علينا

ما له قد قسى وصار صليبا

ما أذل اليتيم حين ينادي

بأبيه ولا يراه مجيبا

يا أخي لو ترى علياً لدى اليتم

مع الأسر ما يطيق وجوبا

يا أخي لو ترى علياً لقد صار

لدى القيد بينهم مسحوبا

يا أخي ضمه إليك وقربه

وسكن فؤاده المرعوبا

١٧٢

لا تباعده يا أخي بعد إذا

عودته منك ذلك التقريبا

يا أخي لو تراه مستضعفاً بين

الأعادي مقيداً مصحوبا

كلما أوجعوه بالضرب ناداك

وقد صار دمعه مسكوبا

يا أخي هل يعز فيك على

حين أضحى مكبلاً مضروبا

يا أخي زود اليتيم اعتناقا

والتزاماً إذا أردت المغيبا

عندها قد بكت ملائكة الله

واهتز عرش ربي غضوبا

ثم سيرن حاسرات حيارى

ما يفترن رنة ونحيبا

وإذا ما رأين بالرأس قد شيل

على رأس ذابل منصوبا

يتساقطن بالوجوه على الأرض

ويندبن بالعويل ندوبا

وينادين : يا أقل البرايا

كلها رحمة وأقسى قلوبا

باعدوا الرأس وارحمونا ورقوا

لا تزيدوا قلوبنا تعذيبا

ما لنا بيننا وبينكم الله

لدى الحشر حاكماً وحسيبا

يوم عاشور لا رعيت لقد

كنت مشوماً على الهداة عصيبا

يا بني الـمُصطفى السلام عليكم

ما أقل الغصون طيراً طروبا

هدني الحزن بعدكم مثل ما هد

من الحزن يوسف يعقوبا

ولقد زاد ذكر زيد غليلي

حين أضحى على الكناس صليبا

ثم أذري من بعد قبر ونبش

وحريق بين الرياح نهيبا

أمة السوء لم تجازوا رسول الله

فيكم إذ لم يزل متعوبا

كل يوم تهتكون حريماً

من بنيه وتقتلون حبيبا

وتبيحون ما حمى وتشنون

على أهله الأذى والحروبا

كيف تلقونه شفيعاً وترجون

غداً أن يزيل عنكم كروبا

لا وربي ينال ذاك سوى من

كان مولاهم موال منيبا

وإليكم يا سادتي قد توجهت

مطيعاً لأمركم مستجيبا

بكم طاب مولد علم الله

وزادت بصيرتي تهذيبا

ويقيني صفا لكم فصفا سري

وودي قتلت حصنا عجيبا

وخلعت العذار فيكم فلن

أقبل عذلا فيكم ولا تأنيبا

١٧٣

وأنا الشاعر ابن حماد لا ينكر

فضلي من كان طبا لبيبا

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون السّامعون , اعملوا رحمكم الله الفكر وأطيلوا التّأمّل والنّظر , وانظروا إلى هذا الإمام وشدّة صبره على المضض والآلام , وتجرّع كؤوس الحمام في رضى الملك العلام , فإنّه أمر تحير فيه الأفكار وتذهل في معانيه القلوب والأبصار. ألا ترون إلى إبراهيم الخليل (عليه‌السلام ) ابتلى بنفسه لا غير حين اُلقي في النّار , والحُسين (عليه‌السلام ) صُرع حوله بنوه وبنو أبيه الأطهار وآله وصحبه الأخيار , واغتصبوا نفسه الزّكيّة , فقابل الجمع بالرّضى والاصطبار ؟ وهذا أمر لم يصل أحد قبل ولا بعد إليه إلّا أبوه الإمام عليه أفضل الصّلاة والسّلام :

كفاك قسماً لو أكتفيت به

إنك في المجد والعلى علم

بمن يلوذ الراجي سواك ومن

به يعوذ اللاجي ويعتصم

فلا غرو إن بكينا الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) بدمع يخجل صوب الغمام. أليس هو ابن حبيب الملك العلام ؟ أليس هو سبط سيّد الأنام ؟ أليس هو ثمرة فؤاد الزّهراء ؟ أليس من خدّامه جبرائيل ؟ أليس من عتقائه دردائيل ؟ فيا ويل من ظلمهم وغصبهم حقّهم وهضمهم !

نُقل : أنّه لـمّا أنفذ ابن زياد برأس الحُسين (عليه‌السلام ) إلى يزيد لعنه الله , التفت يزيد إلى عبد الملك بن مروان , وقال له : انطلق حتّى تأتي عمر بن سعيد بن العاص بالمدينة , فبشّره بقتل الحُسين. قال عبد الملك : فركبت ناقتي وسريّت نحو المدينة , فلمّا دخلت المدينة , لقيني رجل من قُريش فقال لي : ما الخبر ؟ فقلت : عند الأمير تسمعه. فبكى الرّجل وقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون , قُتل والله الحُسين. قال عبد الملك : فلمّا دخلت على عمر بن سعيد , قال لي : ما وراءك ؟ قُلت : ما يسرّ الأمير , قُتل والله الحُسين بن عليّ. فاسترّ بذلك سروراً عظيماً , [و](١) قال لي : اخرج فناد في شوارع المدينة بقتل الحُسين ؛ لتسرّ بذلك بني اُميّة وتكمد بني هاشم. قال : فخرجت فناديت في شوارع المدينة , فلم أسمع واعية قطة [قط](٢) مثل واعية بني هاشم في دورهم ينوحون على

____________________

(١) و (٢) من إضافات المقوّم.

١٧٤

الحُسين (عليه‌السلام ) حين سمعوا النّداء بقتله , ثمّ رجعت إلى عمر بن سعيد بن العاص , فلمّا رآني تبسّم ضاحكاً ثمّ قال :

عجت نساء بني زياد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

فالآن أشفينا القلوب بقتله

وسقى حسين جرعة لم تشرب

ثمّ قال : هذه والله واعية بواعية عثمان. ثمّ خرج إلى المسجد ورقى المنبر وأعلمَ النّاس بقتل الحُسين (عليه‌السلام ) , ودعا ليزيد بدوام الـمُلك وشدّة السّلطان , وسبّ الحُسين وذمّه , ثمّ نزل عن المنبر. فازداد البكاء والنّوح في دور بني هاشم , وقال : وخرجت اُمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحُسين وهي حاسرة ومعها أخواتها ؛ اُمّ هاني وأسماء ورملة وزينب بنات عقيل , وهن يبكين قتلاهن بطفّ كربلاء , وواحدة منهنّ تقول :

ماذا تقولون إذ قال النّبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

قال : فلمّا كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمر بن سعيد , إذ سمع أهل المدينة في جوف الليل منادياً ينادي ولا يُرى شخصه :

أيها القاتلون ظلماً حسيناً

إبشروا بالعذاب والتنكيل

كل من في السّماء يدعو عليكم

من نبي وملائك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

فتبّاً لهم ما أجرأهم على انتهاك حرمة خاتم النّبيين ! وما أقسى قلوبهم على الذّرّيّة الطّاهرين , كأنّهم لم يسمعوا بفضلهم في القُرآن الـمُبين على لسان الرّسول وجبرائيل الأمين , بلى والله قد سمعوا وعرفوا وعاهدوا عليه وما وفوا( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

وابشروا أيّها الشّيعة وبشّروا , فإنّ لكم عند الله الأجر العظيم والثّواب الجسيم ، وتصديق ذلك ما روي عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) , أنّه كان يقول لغلامه قنبر : (( أبشر وبشّر المؤمنين , أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٧٥

مات وهو ساخط على اُمّته إلّا الشّيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء عروة , وعروة الإسلام الشّيعة , ألا وإنّ لكلّ شيء دعامة , ودعامة الإسلام الشّيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء شرفاً , وشرف الإسلام الشّيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء سيّداً , وسيّد المجالس مجالس الشّيعة. والله , لولا من في الأرض منكم , ما أنعم الله على أهل الخلاف وما لهم في الآخرة من نصيب , وإن تعبّدوا واجتهدوا وصاموا وصلّوا كثيراً , لن يدخلوا الجنّة , وإنّ شيعتنا ينظرون بنور الله ومَن خالفنا ينقلب بسخط الله. والله , إنّ فقراءكم أهل الغنى وإنّ أغنياءكم أهل القنوع , وإنّ كلّكم أهل دعوة الله وأهل إجابته ، أنتم الطّيبون ونساءكم الطّيبات، كلّ مؤمن منكم صدّيق في الجنّة , وكلّ مؤمنة حوراء في الجنّة )).

فيا إخواني , ما عذر أهل الإيمان في إضاعة البكاء ولبس أثواب الأحزان ؛ لمصاب سيّد الشّهداء من ولد عدنان ؟ كيف لا وهو حبيب ربّ العالمين وابن سيّد الوصيين وآية الله في العالمين ؟!

ففي الخبر عن ابن مسعود , أنّه قال : دخلت يوماً على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقلت : يا رسول الله , أرني الحقّ حتّى أنظر إليه. فقال لي : (( يابن مسعود الج المخدع )). فولجت , فرأيت عليّ بن أبي طالب راكعاً ساجداً وهو يقول عقيب كلّ صلاة : (( اللّهمّ , بحرمة مُحمّد عبدك ورسولك اغفر للخاطئين من شعيتي )). قال ابن مسعود : فخرجت أخبر رسول الله بذلك , فرأيته راكعاً وساجداً وهو يقول : (( اللّهمّ , بحرمة عليّ بن أبي طالب عبدك اغفر للعاصين من اُمّتي )). قال ابن مسعود : فأخذني الهلع حتّى غشي عليّ. فرفع النّبي رأسه فقال : (( يابن مسعود , أكفرت بعد إيمانك ؟ )). فقلت : معاذ الله , ولكنّي رأيت عليّاً يسأل الله تعالى بك وتسأل الله به , ولا أدري أيّكما أفضل ! فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يابن مسعود , إنّ الله عزّ وجل خلقني وعلقني [ وعليّ ](١) والحسن والحُسين من نور عظمته قبل الخلق بألف عام حين لا تسبيح ولا تقديس ، ففتق نوري فخلق منه السّماوات ، وفتق نور عليّ فخلق منه العرش والكرسي ، وعلي أجلّ من العرش والكرسي ، وفتق نور الحسن فخلق منه اللوح والقلم ، والحسن أجلّ من اللوح والقلم , وفتق نور الحُسين فخلق منه الجنان والحور والولدان ، والحُسين أفضل منهم ، فأظلمت المشارق والمغارب , فشكت الملائكة إلى الله عزّ وجلّ الظُلمة وقالت : اللّهمّ , بحرمة هذه الأشباح التي خلقتهم إلّا ما فرّجت عنّا من هذه الظُلمة.

____________________

(١) نقلناه عن مدينة المعاجز ٣/٢٢٠. المقوّم.

١٧٦

فخلق الله روحاً وقرنها باُخرى فخلق منها نوراً ، ثمّ أضارت الرّوح(١) , فخلق منها الزّهراء فأضاءت منها المشارق والمغارب ؛ فمن ذلك سمّيت الزّهراء. يابن مسعود , إذا كان يوم القيامة , يقول الله عزّ وجلّ لي ولعلي : ادخلا الجنّة مَن شئتما وادخلا النّار من شئتما , وذلك قوله تعالى :( أَلْقِيَا فِي جَهَنّمَ كُلّ كَفّارٍ عَنِيدٍ ) (٢) . والكافر من جحد نبوّتي والعنيد من عادى عليّاً وأهل بيته وشيعته )).

ولله درّ دعبل الخزاعي , حيث قال :

ولو قلدوا الموصى إليه أمورهم

لزمت بمأمون على العثرات

أخو خاتم الرسل الصفي من القذا

ومفترس الأبطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهودهم

وبدر وأحد شامخ الهضبات

وآي من القرآن يتلى بفضله

وإيثاره بالقوت في اللزبات

نحى لجبرائيل الأمين وأنتم

عكوف على العزى معاً ومنات

روى الشّيخ أبو عليّ الطّبرسي في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى :( إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً إلى قولهوَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (٣) . قال : نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحُسين وجارية لهم تُسمّى فضّة. وذكر القصّة بإسناد عن الصّادق (عليه‌السلام ) وابن عبّاس , قالا : (( مرض الحسن والحُسين وهما صبيّان صغيران , عادهما رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه رجلان , فقال أحدهما لأمير المؤمنين : يا أبا الحسن , لو نذرت في ابنيك نذراً عافاهما الله تعالى , فقال عليّ : أصوم ثلاثة أيّام شكراً لله سبحانه , وكذلك قالت فاطمة وكذا الصّبيّان وكذا جاريتهم فضّة , فألبسهما الله العافية , فأصبحوا صياماً وليس عندهم شيء من الطّعام ، فانطلق أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) إلى جار له يهودي يعالج الصّوف اسمه شمعون , فقال له أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) : هل لك أن تعطيني جزراً من الصّوف تغزلها لك ابنة مُحمّد بثلاثة أصواع من شعير ؟ فقال اليهودي : نعم. وأعطاه , فجاء بالصّوف والشّعير وأخبر فاطمة بذلك , فقبلت وأطاعت ثمّ عمدت فغزلت ثلثه ، ثمّ أخذت صاعاً من الشّعير فطحنته فخبزت منه خمسة أقراص ، وصلّى أمير المؤمنين صلاة المغرب مع رسول الله ، ثمّ أتى المنزل فوضع الخوان بين يديه وجلسوا يتعشون خمستهم , فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين إذا مسكين قد وقف

____________________

(١) في المصدر : ثم أضاف النور بالروح. (معهد الإمامين الحسنين).

(٢) سورة ق / ٢٤.

(٣) سورة الإنسان/٥ - ٢٢.

١٧٧

على الباب وقال : السّلام عليكم يا أهل بيت النّبوة , أنا مسكين من مساكين الـمُسلمين , اطعموني مما تأكلون اطعمكم الله من موائد الجنّة. فوضع أمير المؤمنين اللقمة من يده ثمّ قال : يا فاطمة ادفعيه إليه. فعمدت فاطمة إلى ما كان على الخوان جميعه فدفعته إلى المسكين , وباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً ولم يذوقوا إلّا الماء القراح ، ثمّ عمدت إلى الثّلث الثّاني من الصّوف فغزلته , ثمّ أخذت صاعاً من الشّعير فطحنته وخبزت منه خسمة أقراص لكلّ واحد قرص ، وصلّى أمير المؤمنين مع رسول الله صلاة المغرب ، ثمّ أتى المنزل , فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم , فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين إذا بيتيم ينادي بالباب : السّلام عليكم يا أهل بيت النّبوة , أنا يتيم من يتامى الـمُسلمين , أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنّة. فرمى أمير المؤمنين اللقمة وقال لفاطمة : ادفعيه إليه. ثمّ عمدت فاطمة إلى جميع ما على الخوان من الخبز فأعطته لليتيم , وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صائمين ، فعمدت فاطمة إلى الثّلث الباقي من الصّوف فغزلته وطحنت الباقي من الشّعير وعجنته , وخبزته خمسة أقراص لكلّ واحد قرص , فصلّى أمير المؤمنين مع رسول الله صلاة المغرب وأتى المنزل , فوضع الخوان وجلسوا يتعشون خمستهم , فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين وأراد وضعها في فمه , إذا بأسير من أسارى المشركين ينادي بالباب : السّلام عليكم يا أهل بيت النّبوة , تأسروننا وتشرّدوننا ولا تطعموننا مما تأكلون , أطعمونا أطعمكم الله من موائد الجنّة. فرمى أمير المؤمنين اللقمة من يده وعمدت فاطمة إلى ما كان على الخوان فجمعته ودفعته إلى الأسير , وباتوا ليلتهم جياعاً وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء )).

قال شعيب في حديثه : وأقبل عليّ بالحسن والحُسين نحو رسول الله وهما يرتعشان كالفراخ من شدّة الجوع , فلمّا نظرهما رسول الله قال : (( يا أبا الحسن , ما أشدّ ما يسوءني ما أراكم فيه )). فقال : (( يا رسول الله , انطلق معي إلى فاطمة )). فانطلق , فإذا هي في محرابها وقد لصقت بطنها بظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها في وجهها , فلمّا نظرها رسول الله , ضمّها إليه وقال : (( وا غوثاه ! أنتم منذ ثلاثة أيّام على ما أرى )). فهبط جبرائيل (عليه‌السلام ) وقال : خُذ يا مُحمّد مما هنّاك الله في أهل بيتك. قال : (( وما آخذ يا جبرائيل ؟ )). قال :( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ

١٧٨

مِنَ الدَّهْرِ إلى قولهإِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (١) :

بأهلي ومالي ثمّ قومي وأسرتي

فداء لمن أضحى قتيل ابن ملجم

علي رقا فوق الخلائق في الورى

فهدّت له أركان بيت المحرم

تكاد الصفا والمشعران كلاهما

تهدّر وبان النقص في ماء زمزم

وأصبحت الشمس المنير ضياؤها

لقتل عليّ لونها لون أدهم

وضل له أفق السّماء كأنه

شقيقة ثوب لونها لون عندم

وناحت عليه الأرض إذ فجعت به

حنيناً لثكلى نوحها بترنم

وأضحى التقي والخير والعلم والنهى

وبات العلي في قبره المتهدم

وقال غيره من أهل الفضل :

إلى م الام وحتى متى

أعنف في حُبّ هذا الفتى

فهل زوجت فاطم غيره

وفي غيره (هل أتى) هل أتى

فيا إخواني , العنوا من ظلمهم وغصبهم حقّهم وهضمهم , فعلى مثل هؤلاء الأشراف فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

سجعت فوق الغصون فاقدات للقرين

فاستهلت سحب أجفاني وهزتني شجوني

غردت لاشجوها شجوي ولاحنت حنيني

لا ولا قلت لها يا ورق بالنوح أسعديني

ماشجي الباكي طروباً وشجي الباكي الحزين

حق لي أبكي دماء عوض الدمع الهتوني

لغريب نازح الدار خلى من معين

لتريب الخددامي الوجه مرضوض الجبين

لحبيب أسلم القلب إلى داء دفين

لست أنساه بأرض الطف إذا قال أخبروني

ما اسم هذه الأرض قالوا كربلاء يابن الأمين

فبكى شجواً ونادى يا لقومي حان حيني

أرض كرب وبلاء في رباها يدفنوني

وبها تهتك نسواني وفيها يقتلوني

وبها يمتحن الله رجالاً ينصروني

فارجعوا جزيتم خير جزاء واتركوني

ليس للقوم سوى قتلي قصد فاسمعوني

فأجابوا لا ومن خصك بالفضل المبين

لا رجعنا أو سنسقي القوم كاسات المنون

فانثنى نحو الحريم الفاطميات بلين

____________________

(١) سورة الإنسان /١ - ٢٢.

١٧٩

قائلاً يا أخت يا أخت هلمي ودعيني

أخت يا زينب ضمي شمل أهلي خلفيني

واحرسي السجاد واحميه بأجفان العيون

فهو القائم من بعدي بعلم وبدين

وإن اشتد عليكن مصابي فاندبيني

وإذا نحت فنوحي بشجون وسكون

واتقي الله وكوني خير أسلاف القرون

وإذا قمت إلى نافلة الليل اذكروني

وإذا استعبدت مولاك صلاة فصليني

وغداً نحو العدى يرتاح للحرب الزبون

جاثلاً يشبه في سطوته ليث العرين

فرمته أسهم الأحقاد عن أيدي الضغون

فهوى شلواً طعيناً آه للشلو الطعين

وغدت زينب تبكي بعويل ورنين

وتنادي وا رجالاه فقد خابت طنوني

أين جدّي أين حملات أبي أين حصوني

ليرونا والعدى هتكوا كل مصون

حاسرات يسحبونا في سهول وحزون

وتنادي والمطايا تشتكي شد الوضين

واضلالي لوجوه كبدور في دجون

واعنائي في يتامي في البكا قد أقرحوني

وأشقائي في أسارى في قيود يرمقوني

يا لها صفقة مغبون ولوعات حزين

يحمل الرأس السماوي إلى الرجس اللعين

وبنات الـمُصطفى تهدي إلى كلب مهين

يا بني (طه ويس وحم ونون)

بكم استعصمت من شر خطوب تعتريني

فإذا خفت فأنتم لنجاتي كالسفين

وعليكم ثقل ميزاني وأنتم تنقذوني

فاحشروا العبد الخليعي إلى ذات اليمين

واليكم مدحاً أسنى من الدر الثمين

يا حجاب الله والمحمي عن رجم الظنون

فيك داريت أناساً عزموا أن يقتلوني

وتحصنت بقول الصّادق الحبر الأمين

إتقوا إن التقي من دين آبائي وديني

ولأوصافك وريت كلامي وحنيني

وإلى مدحكم أظهرت ظهوري وبطوني

وكفاني علمك الشاهد للسر المصون

ومعاذ الله أن ألوي عن الحبل المتين

وأساوي بين مفضال ومفضول ضنين

وعليم وعديم وأمين وخئوني

بين من قال : أقيلوني ومن قال : اسألوني

هل يساويه بعلم أو فضل أو بدين

الباب الثّالث

أيّها الرّؤساء الأعلام , كيف يلتذّ العاقل منكم بطعام وقد حكمت في مواليه الكفرة اللئام ، أو بشراب وقد قُتلوا في الظّلماء [الظّماء](١) والماء حولهم قد طما , أو

____________________

(١) من إضافات المقوّم.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

عبد الله بن عتاب بن محمد العبدي، حدثنا أحمد بن علي العمي، حدثنا ابراهيم بن الحكم قال: حدثني سليمان بن سالم قال: حدثني الأعمش قال: بعث إلي أبو جعفر المنصور..

أقول: ورواه أيضاً شيخ الشيعة وصدوق الشريعة محمد بن علي بن الحسين بأسانيد أربعة في المجلس ( ٦٧ ) من أماليه/٣٥٢، قال:

وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي فيما كتب إلينا من إصبهان قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ست وثمانين ومائتين قال: حدثنا الوليد بن الفضل العنزي قال: حدثنا مندل بن علي العنزي عن الأعمش.

أقول: وهذا هو السند الثالث من أسانيد الشيخ الصدوق، ومن أحب أن يطلع على جميع أسانيده، ولفظ الحديث فليراجع الأمالي فإنه منشور كثير الوجود، وإنما أخترنا هذا السند لأجل وقوع الحافظ الطبراني فيه وعلو مقامه في الحفظ غير خفي.

ورواه أبو القاسم الطبري في بشارة المصطفى/١١٤

والمحب الطبري ملخصاً في ذخائر العقبى/١٣٠

والحمويني في فرائد السمطين ٢/٩٠ ح ٤٠٦

والخزاعي أبو بكر في أربعينه ح ٢٥

ولاحظ البحار: ٣٧/٨٨.

٢٢١

شفاعة علي والأئمة من ذريتهعليهم‌السلام

في كنز العمال: ١٣/١٥٦:

عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول خلق الله يكسى يوم القيامة أبي ابراهيم فيكسى ثوبين أبيضين ثم يقام عن يمين العرش، ثم أدعى فأكسى ثوبين أخضرين ثم أقام عن يسار العرش، ثم تدعى أنت يا علي فتكسى ثوبين أخضرين ثم تقام عن يميني، أفما ترضى أن تدعى إذا دعيت وتكسى إذا كسيت وأن تشفع إذا شفعت. الدارقطني في العلل، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: تفرد به ميسرة بنحبيب النهدي والحكم بن ظهير عنه، والحكم كذاب.

قلت: الحكم روى له الترمذي، وقال فيه البخاري: منكر الحديث، وروى عنه القدماء سفيان الثوري ومالك، وك فصحح له، وقد تابع ميسرة عن المنهال عمران بن ميثم، وهو الحديث الذي قبله. انتهى.

ويلاحظ أن المتقي الهندي رد على ابن الجوزي! ووثق الراويين اللذين تعلل بهما ابن الجوزي لتضعيف الحديث، ثم ذكر له متابعا وبذلك يقول لابن الجوزي: إذا أصريت على تضعيفه فهو حسن أو صحيح بمتابعه!

ويقصد بالحديث الذي قبله رقم ٣٦٤٨١، وهو من مسند علي قال:

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى يا علي إذا جمع الله الناس في صعيد واحد حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش، فكان أول من يدعى ابراهيم فيكسى ثوبين أبيضين ثم يقوم عن يمين العرش، ثم يفجر لي مثعب من الجنة الى حوضي، وحوضي أعرض مما بين بصرى وصنعاء فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ وأكسى ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعى فتشرب وتتوضأ وتكسى ثوبين أبيضين، فتقوم معي، ولا أدعى لخير إلا دعيت اليه؟ قلت: بلى.

( ابن شاهين في السنة، طس وأبو نعيم في فضائل الصحابة، أبو الحسن

٢٢٢

الميثمي: هذا حديث لا يصح وآفته عمران بن ميثم، وقال عق: عمران بن ميثم من كبار الرافضة يروي أحاديث سوء كذب ) انتهى.

ويدل جعل المتقي الهندي لهذا الحديث متابعا ومؤيدا للحديث السابق، يدل على أنه لم يتأثر بما قالوه عن عمران بن ميثم، أو أن المؤيد عنده يتسع ليشمل محتمل الصحة بمطلق الاحتمال.

وفي شرح الأخبار : ٢/٢٠١، من حديث عن ابن عباس مع الشامي الناصبي:

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أم سلمة، اسمعي واحفظي واشهدي، هذا أخي في الدنيا، وقريني في الآخرة.

يا أم سلمة، اسمعي واحفظي واشهدي، هذا علي عيبة علمي، والباب الذي أوتى من قبله، والوصي على الأحياء من أهل بيتي، وهو معي في السنام الأعلى، صاحب لوائي، والذائد عن حوضي، وصاحب شفاعتي.

يا أم سلمة، إسمعي واحفظي واشهدي، إن الله عز وجل دافع إلي يوم القيامة لواءين: لواء الحمد ولواء الشفاعة، ولواء الشفاعة بيدي، ولواء الحمد بيد علي، وهو واقفٌ على حوضي، لا يسقى من حوضي من شتمه أو شتم أهل بيته، ولا من قتله ولا من قتل أهل بيته.

فقال له الشامي: حسبك يابن عباس رحمك الله، فرجت عني كربتي وأحييتني وأحييت معي خلقاً، فأحياك الله الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة. أشهد الله وأشهدك ومن حضر أن علياً مولاي ومولى كل مسلم.

ثم انصرف الى الشام فأعلم الذين أرسلوه بما كان من ابن عباس، فرجع معه خلق من أهل الشام عن سب عليعليه‌السلام .

وفي تفسير فرات الكوفي/١١٦:

عن جعفر بن محمد، عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا علي، إن فيك مثل من عيسى بن مريم قال الله تعالى: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا.

٢٢٣

يا علي، إنه لا يموت رجل يفتري على عيسى حتى يؤمن به قبل موته، ويقول فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وإنك على مثله لايموت عدوك حتى يراك عند الموت فتكون عليه غيظاً وحزناً حتى يقر بالحق من أمرك، ويقول فيك الحق ويقر بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وأما وليك فإنه يراك عند الموت، فتكون له شفيعاً ومبشراً وقرة عين.

وفي بشارة المصطفى/١٢٥:

أخبرنا الشيخ الرئيس أبو محمد الحسن بن الحسين بن بابويه في خانقانه بالري، في شهر ربيع الأول سنة عشرة وخمسمائة، وأخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن محمد وأبو عبد الله محمد بن شهريار الخازن، بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال حدثنا الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد الطوسيرحمه‌الله قال حدثنا الشيخ المفيد محمد بن محمد، قال حدثني أبوبكر محمد بن عمر الجعابي، قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال حدثنا أبو حاتم، قال حدثنا محمد بن الفرات، قال حدثنا حنان بن سدير، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه‌السلام قال: ما ثبت الله تعالى حب علي في قلب أحد فزلت له قدم إلا ثبت الله له قدما أخرى.

أخبرنا والدي أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفقيهرحمه‌الله وعمار بن ياسر وولده أبو القاسم سعد بن عمار رحمهم الله جميعاً عن ابراهيم بن نصر الجرجاني، عن السيد الزاهد محمد بن حمزة الحسيني رحمهم الله، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن بابويه رحمهم الله، قال حدثنا أبو الحسن علي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة، قال حدثنا اسماعيل بن رزين بن أخي دعبل الخزاعي، عن أبيه، قال حدثني علي بن موسى الرضا، قال حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، قال حدثني أبي الحسين بن علي قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي، أنت المظلوم بعدي فويلٌ لمن قاتلك، وطوبى لمن قاتل معك.

٢٢٤

يا علي أنت الذي تنطق بكلامي، وتتكلم بلساني بعدي، فويلٌ لمن رد عليك وطوبى لمن قبل كلامك.

يا علي، أنت سيد هذه الأمة بعدي، وأنت إمامها وخليفتي عليها، ومن فارقك فارقني يوم القيامة، ومن كان معك كان معي يوم القيامة.

يا علي، أنت أول من آمن بي وصدقني، وأول من أعانني على أمري وجاهد معي عدوي وأنت أول من صلى معي والناس يومئذ في غفلة الجهالة.

يا علي، أنت أول من تنشق عنه الأرض معي، وأنت أول من يبعث معي، وأنت أول من يجوز الصراط معي، وإن ربي جل جلاله أقسم بعزته لا يجوز عقبة الصراط إلا من كان له براءة بولايتك وولاية الأئمة من ولدك.

وأنت أول من يرد حوضي، تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك.

وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود، تشفع لمحبنا فيهم.

وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي لواء الحمد، وهو سبعون شقة الشقة منه أوسع من الشمس والقمر.

وأنت صاحب شجرة طوبى في الجنة، أصلها في دارك، وأغصانها في دور شيعتك ومحبيك.

من أحاديث شفاعة النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله لزوار قبورهم

في المحاسن ١/١٨٣:

عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى: لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا.

قال: نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم، والقائلون صواباً.

قلت: جعلت فداك، وما تقولون إذا تكلمتم؟

قال: نمجد ربنا ونصلي على نبينا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردنا ربنا.

٢٢٥

وبإسناده قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : قوله: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم. من هم؟

قال: نحن أولئك الشافعون.

وروى الأخير في تفسير العياشي: ١/١٣٦، وفي تفسير نور الثقلين: ١/٢٥٨ ورواه في البحار: ٨/٤١، عن المحاسن.

وفي بحار الأنوار: ٧/٣٣٥:

جاء في روايات أصحابنارضي‌الله‌عنهم مرفوعاً الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: إني أشفع يوم القيامة فأشفع، ويشفع علي فيشفع، ويشفع أهل بيتي فيشفعون، وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه، كل قد استوجبوا النار.

**

وفي بصائر الدرجات/٤٩٦:

حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله: وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم؟ قال: أنزلت في هذه الأمة، والرجال هم الأئمة من آل محمد.

قلت: فالأعراف؟

قال: صراط بين الجنة والنار، فمن شفع له الأئمة منا من المؤمنين المذنبين نجا، ومن لم يشفعوا له هوى.

وفي كفاية الأثر/١٩٤:

حدثني علي بن الحسن، قال حدثني هارون بن موسى، قال حدثني أبوعبد الله الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني، قال حدثنا أبوعمر أحمد بن علي الفيدي، قال حدثنا سعد بن مسروق، قال حدثنا عبد الكريم بن هلال المكي، عن أبي الطفيل، عن أبي ذررضي‌الله‌عنه ، قال سمعت فاطمةعليها‌السلام تقول: سألت أبيعليه‌السلام عن قول الله

٢٢٦

تبارك وتعالى:( وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ) ، قال: هم الأئمة بعدي علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين، هم رجال الأعراف، لا يدخل الجنة إلا من يعرفهم ويعرفونه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وينكرونه، لايعرف الله إلا بسبيل معرفتهم.

وفي تأويل الآيات: ١/٥٥:

وقوله تعالى: واتقوا يوما لاتجزى نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفعة ولا يؤخذ منها عدل ولاهم ينصرون.

قال الإمامعليه‌السلام : قال الله عز وجل: واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً:

أي لا تدفع عنها عذابا قد استحقته عند النزع.

ولا يقبل منها شفاعة: من يشفع لها بتأخير الموت عنها.

ولا يؤخذ منها عدل: أي ولا يقبل منها فداء مكانه، يموت الفداء ويترك هو.

قال الصادقعليه‌السلام : وهذا اليوم يوم الموت فإن الشفاعة والفداء لا تغني منه، فأما يوم القيامة فإنا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن على الأعراف بين الجنة والنار محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والطيبون من آلهم، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات، فمن كان منهم مقصراً في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظائرهم في العصر الذي يليهم، ثم في كل عصر الى يوم القيامة.. فينقضون عليهم كالبزاة والصقور يتناولونهم، كما تتناول الصقور صيودها، ثم يزفون الى الجنة زفاً.

وإنا لنبعث على آخرين من محبينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات، كما يلتقط الطير الحب، وينقلونهم الى الجنان بحضرتنا. انتهى.

وقد يسأل: كيف يكون أصحاب الأعراف هم النبي والأئمةصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنه تعالى قال عنهم ( لم يدخلوها وهم يطمعون )!

والجواب: أن ضمير ( لم يدخلوها ) لا يعود عليهم، بل على أصحاب الحجاب

٢٢٧

الذين يعرفونهم بسيماهم، فراجع الآيات ٤٤، وما بعدها من سورة الأعراف، وما ورد في تفسيرها.

**

وفي تفسير فرات الكوفي/١١٦:

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: نزلت هذه الآية فينا وفي شيعتنا: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم، وذلك حين باها الله بفضلنا وبفضل شيعتنا حتى إنا لنشفع ويشفعون.

قال: فلما رأى ذلك من ليس منهم قالوا فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم.

وفي المحاسن: ١/١٨٤:

عن عمر بن عبد العزيز، عن مفضل أو غيره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم؟

قال: الشافعون الأئمة، والصديق من المؤمنين.

ورواه في تفسير نور الثقلين: ٤/٦١

وفي الكافي: ٨/١٠١:

محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن عمر بن أبان، عن عبد الحميد الوابشي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: إن لنا جاراً ينتهك المحارم كلها حتى إنه ليترك الصلاة فضلاً عن غيرها:

فقال: سبحان الله!! وأعظم ذلك!

ألا أخبركم بمن هو شرٌّ منه؟

قلت: بلى.

قال: الناصب لنا شرٌ منه، أما إنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرق لذكرنا إلا مسحت الملائكة ظهره وغفر له ذنوبه كلها إلا أن يجيء بذنب يخرجه من الايمان، وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب، وإن المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة، فيقول: يارب جاري كان يكف عني الأذى فيشفع فيه، فيقول الله تبارك وتعالى:

٢٢٨

أنا ربك وأنا أحق من كافي عنك، فيدخله الجنة وماله من حسنة!

وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً فعند ذلك يقول أهل النار: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم.

وفي تفسير نور الثقلين: ٤/٦٠:

عن تفسير على بن ابراهيم: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أسامة، عن أبي عبد الله وأبي جعفرعليهما‌السلام أنهما قالا: والله لنشفعن في المذنبين من شيعتنا حتى يقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم. فلو أن لناكرة فنكون من المؤمنين.

قال: من المهتدين، قال: لأن الايمان قد لزمهم بالاقرار.

ورواه في بحار الأنوار : ٨/٣٦، وقال:

بيان: أي ليس المراد بالايمان هنا الإسلام، بل الاهتداء الى الأئمةعليهم‌السلام وولايتهم أو ليس المراد الايمان الظاهري.

**

وفي المحاسن: ١/٦١:

عن ليث بن أبي سليمان، عن ابن أبي ليلى، عن الحسن بن عليعليهما‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقى الله وهو يودنا أهل البيت دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلا بمعرفة حقنا. انتهى.

ورواه في شرح الأخبار ٣/٤٨٧، وقد تقدمت روايته عن الطبراني ومجمع الزوائد، وأن ولايتهمعليهم‌السلام شرط لقبول الأعمال.

وفي تأويل الآيات: ٢/٣٤٩:

وروي عن الصادقعليه‌السلام في قوله( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ) قالعليه‌السلام : إذا حشر الله الناس في صعيد واحد أجل الله أشياعنا أن يناقشهم في الحساب، فنقول:

٢٢٩

إلهنا هؤلاء شيعتنا، فيقول الله تعالى: قد جعلت أمرهم إليكم، وقد شفعتكم فيهم وغفرت لمسيئهم، أدخلوهم الجنة بغير حساب. انتهى.

ولا بد أن يكون المقصود بهؤلاء: النوع المقبول من شيعتهم وأوليائهمعليهم‌السلام .

وفي أمالي المفيد/٤٨:

قال، أخبرني أبو حفص عمر بن محمد قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد قال: حدثنا عيسى بن مهران قال: حدثنا مخول قال: حدثنا الربيع بن المنذر، عن أبيه قال: سمعت الحسن بن عليعليهما‌السلام يقول: إن أبا بكر وعمر عمدا الى هذا الأمر وهو لنا كله فأخذاه دوننا، وجعلا لنا فيه سهماً كسهم الجدة، أما والله لتهمنهما أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا.

وفي بحار الأنوار: ٨/٣٦:

وعن الحسن عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يقول: الرجل من أهل الجنة يوم القيامة: أي رب عبدك فلانٌ سقاني شربة من ماء في الدنيا فشفعني فيه، فيقول: إذهب فأخرجه من النار، فيذهب فيتجسس في النار حتى يخرجه منها.

علل الشرائع: أبي عن محمد العطار، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن أحمد بن مدين، عن محمد بن عمار، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: شيعتنا من نور الله خلقوا واليه يعودون، والله إنكم لملحقون بنا يوم القيامة، وإنا لنشفع فنشفع، ووالله إنكم لتشفعون فتشفعون، وما من رجل منكم إلا وسترفع له نارٌ عن شماله وجنةٌ عن يمينه فيدخل أحباءه الجنة، وأعداءه النار.

وفي بصائر الدرجات/٦٢:

حدثنا عباد بن سليمان عن أبيه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى انتجبنا لنفسه، فجعلنا صفوته من خلقه، وأمناؤه على وحيه، وخزانه في أرضه، وموضع سره، وعيبة علمه، ثم أعطانا الشفاعة، فنحن أذنه السامعة، وعينه الناظرة ولسانه الناطق بإذنه، وأمناؤه على ما أنزل من عذر ونذر وحجة.

٢٣٠

نماذج من أحاديث شفاعة النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله لزوار مشاهدهم المشرفة

من الثابت في سيرة المؤمنين في كل الأديان، من عهد أبينا آدمعليه‌السلام الى ظهور الإسلام، احترام قبور أنبيائهم وأوصيائهم وأوليائهم، وتشييدها وزيارتها.

بل إن ذلك سيرة عقلائية عند كل الأمم والشعوب، فتراهم يحترمون قبور موتاهم، خاصة المهمين العزيزين عندهم.

وكان ذلك من عادات العرب أيضاً، وكانت الاستجارة بالقبر العزيز على القبيلة وسيلة مهمة للعفو عمن استجار به أو تحقيق طلبه.

ولكن في أيام وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والاختلاف الذي وقع بين صحابته وأهل بيته على خلافته، ادعى بعض الصحابة أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى أن لا يبنى على قبره، ولا يصلى عند قبره، ولا يجتمع المسلمون عند قبره.. الخ.

وقد اهتمت دولة الخلافة بترويج هذه الأحاديث، وتشددت في تنفيذها.

ونحن نعتقد أنها أحاديث غير صحيحة، وأن الدافع لوضعها كان خوف أهل الخلافة الجديدة من أن تستجير المعارضة خاصة أهل بيت النبي بقبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويعلنوا مرابطتهم عنده، ومطالبتهم بإرجاع الخلافة اليهم!!

وغرضنا هنا أن نلفت الى أن تأكيد الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام على زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبورهم الشريفة، كان استمراراً لسنة الله تعالى في الأنبياء والأوصياء السابقين، كما كان رداً لمقولة السلطة التي عملت لتكريسها على أنها جزءٌ من الدين!

وفيما يلي نماذج من الأحاديث الشريفة، اقتصرنا منها على ما تضمن شمول شفاعة النبي وأهل بيته الطاهرينصلى‌الله‌عليه‌وآله لمن زار قبورهم الطاهرة.

ففي علل الشرائع: ٢/٤٦٠:

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن عباد بن سليمان، عن محمد

٢٣١

بن سليمان الديلمي، عن ابراهيم بن أبي حجر الأسلمي، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أتى مكة حاجاً ولم يزرني الى المدينة جفاني، ومن جفاني جفوته يوم القيامة، ومن جاءني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة.

قال مصنف هذا الكتاب: العلة في زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن من حج ولم يزره فقد جفاه، وزيارة الأئمة تجري مجرى زيارته، بما قد روي عن الصادق، وذكرهم في هذا الباب.

وفي الكافي: ٤/٥٦٧:

أبو علي الأشعري، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي الوشاء قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول: إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء: زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة.

ورواه في علل الشرائع: ٢/٤٥٩، وتهذيب الأحكام: ٦/ ٧٨ و٩٣، والفقيه: ٢/٥٧٧، والمقنعة/٤٧٤

الشفاعة لمن زار قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام

في تهذيب الأحكام: ٦/١٠٧:

وعنه عن محمد بن علي بن الفضل قال: أخبرني الحسين بن محمد بن الفرزدق قال: حدثنا علي بن موسى بن الأحول قال: حدثنا محمد بن أبي السري إملاءً قال: حدثني عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثنا عمارة بن زيد عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز قال: أتيت أبا عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام فقلت له: يابن رسول الله، ما لمن زار قبره؟ يعني أمير المؤمنين، وعمر تربته؟

قال: يا أبا عامر، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي، عن علي، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها.

٢٣٢

قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟

فقال لي: يا أبا الحسن، إن الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحن اليكم، وتحتمل المذلة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرباً منهم الى الله، مودة منهم لرسوله. أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنة.

يا علي، من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس.

ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشر أولياءك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ولكن حثالةً من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم، كما تعير الزانية بزناها!

أولئك شرار أمتي، لا نالتهم شفاعتي ولا يردون حوضي.

وفي علل الشرائع: ٢/٥٨٥:

حدثنا محمد بن علي ماجيلويهرحمه‌الله قال: حدثنا علي بن ابراهيم عن عثمان بن عيسى عن أبي الجارود رفعه فيما يروى الى علي صلوات الله عليه قال: إن ابراهيم صلى الله عليه مر ببانقيا فكان يزلزل بها، فبات بها فأصبح القوم ولم يزلزل بهم، فقالوا ما هذا وليس حدث؟!

قالوا: نزل هاهنا شيخٌ ومعه غلامٌ له.

قال فأتوه فقالوا له: يا هذا إنه كان يزلزل بنا كل ليلة، ولم يزلزل بنا هذه الليلة فبت عندنا، فبات فلم يزلزل بهم، فقالوا: أقم عندنا ونحن نجري عليك ما أحببت.

قال: لا، ولكن تبيعوني هذاالظهر، ولا يزلزل بكم.

فقالوا: فهو لك.

٢٣٣

قال: لا آخذه إلا بالشراء، فقالوا: فخذه ما شئت فاشتراه بسبع نعاج وأربعة أحمرة فلذلك سمي بانقيا، لأن النعاج بالنبطية نقيا.

قال: فقال له غلامه يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر ليس فيه زرع ولا ضرع؟!

فقال له: أسكت، فإن الله تعالى يحشر من هذا الظهر سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع الرجل منهم لكذا وكذا. انتهى.

وبانقيا كما ذكره اللغويون هي أول العراق من جهة الحجاز، وهي منطقة النجف وأبي صخير الفعلية، وقد تشمل كربلاء.

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الحسينعليه‌السلام

في الكافي: ٤/٥٨٢:

محمد بن يحيى، وغيره، عن محمد بن أحمد، ومحمد بن الحسين جميعا، عن موسى بن عمر، عن غسان البصري، عن معاوية بن وهب، وعلي بن ابراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن ابراهيم بن عقبة، عن معاوية بن وهب قال: استأذنت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقيل لي: أدخل فدخلت فوجدته في مصلاه في بيته فجلست حتى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: يا من خصنا بالكرامة وخصنا بالوصية، ووعدنا الشفاعة، وأعطانا علم ما مضى وما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي الينا، اغفر لي ولاخواني، ولزوار قبر أبي الحسينعليه‌السلام .

وفي تهذيب الأحكام: ٦/١٠٨:

أحمد بن محمد الكوفي قال: أخبرني المنذر بن محمد عن جعفر بن سليمان عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: كنت عند أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، فدخل رجل من أهل طوس فقال: يا بن رسول الله ما لمن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام ؟ فقال له: يا طوسي من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام وهو يعلم أنه إمام من قبل الله عز وجل مفترض الطاعة على العباد، غفر الله

٢٣٤

له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقبل شفاعته في خمسين مذنباً، ولم يسأل الله عز وجل حاجة عند قبره إلا قضاها له.

قال: فدخل موسى بن جعفر وهو صبي فأجلسه على فخذه، وأقبل يقبل ما بين عينيه، ثم التفت الي وقال: يا طوسي إنه الإمام والخليفة والحجة بعدي، سيخرج من صلبه رجلٌ يكون رضاً لله عز وجل في سمائه ولعباده في أرضه، يقتل في أرضكم بالسم ظلماً وعدواناً، ويدفن بها غريباً، ألا فمن زاره في غربته وهو يعلم أنه امام بعد أبيه مفترض الطاعة من الله عز وجل، كان كمن زار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الرضاعليه‌السلام

في من لا يحضره الفقيه: ٢/٥٨٤:

وروى الحسن بن علي بن فضال، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، أنه قال له رجلٌ من أهل خراسان: يا ابن رسول الله رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام كأنه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي، وغيب في ثراكم نجمي؟

فقال له الرضاعليه‌السلام : أنا المدفون في أرضكم، أنا بضعة من نبيكم، وأنا الوديعة والنجم، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله عز وجل من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنا شفعاؤه نجى ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والانس، ولقد حدثني أبي عن جدي عن أبيهعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من رآني في منامه فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة واحد من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزءٌ من سبعين جزء من النبوة.

وفي من لا يحضره الفقيه: ٢/٥٨٣:

وروى البزنطي عن الرضاعليه‌السلام قال: ما زارني أحد من أوليائي عارفاً بحقي، إلا شفعت فيه يوم القيامة. ورواه في سائل الشيعة: ١٠/ ٤٣٤

٢٣٥

وفي تهذيب الأحكام: ٦/١٠٨:

أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال: أخبرنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا أنه قال: إن بخراسان لبقعة يأتي عليها زمانٌ تصير مختلف الملائكة، فلا يزال فوجٌ ينزل من السماء وفوجٌ يصعد الى أن ينفخ في الصور، فقيل له: يا بن رسول الله، وأية بقعة هذه؟

قال: هي أرض طوس، وهي والله روضة من رياض الجنة. من زارني في تلك البقعة كان كمن زار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكتب الله له ثواب ألف حجة مبرورة وألف عمرة مقبولة، وكنت أنا وآبائي شفعاءه يوم القيامة.

ورواه في من لايحضره الفقيه: ٢/٥٨٥، وفي سائل الشيعة: ١٠/٤٤٥

٢٣٦

ختام في بعض قواعد الشفاعة وأحكامها

نصيحة المسلم بأن لا يحتاج الى الشفاعة

وردت أحاديث تنصح المسلم بأن يكون تقياً في سلوكه، ويتوب الى ربه من سيآته في الدنيا، حتى يكون من أهل الجنة، ولا يحتاج الى شفاعة لغفران ذنوبه يوم القيامة.

ففي نهج البلاغة: ٤/٨٧:

٣٧١ - وقالعليه‌السلام : لاشرف أعلى من الإسلام، ولا عز أعز من التقوى، ولا معقل أحصن من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة.

وفي من لا يحضره الفقيه: ٣/٥٧٤:

وقال الصادقعليه‌السلام : شفاعتنا لاهل الكبائر من شيعتنا، وأما التائبون فإن الله عز وجل يقول: ما على المحسنين من سبيل.

النهي عن الاتكال على الشفاعة

في الكافي: ٨/٤٠٥:

وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الاساءة الى نفسه، وليس بين الاحسان والاساءة منزلة، فلأهل الاحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الاساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه، واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئاً، لا ملكٌ مقرب ولانبيٌّ مرسل، ولا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله، فليطلب الى الله أن يرضى عنه.

واعلموا أن أحداً من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته، وطاعة رسوله، وطاعة ولاة أمره من آله، ولم ينكر لهم فضلاً، عظم ولا صغر.

وفي الكافي: ٦/٤٠٠:

علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن العطار، عن أبي بصير،

٢٣٧

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته، ولا يرد علي الحوض، لا والله!

لا ينال شفاعتي من شرب المسكر، ولا يرد علي الحوض، لا والله!

أحمد بن محمد، عن محمد بن اسماعيل، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: إنه لما احتضر أبيعليه‌السلام قال لي: يا بني إنه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة، ولا يرد علينا الحوض من أدمن هذه الأشربة.

فقلت: يا أبَه، وأي الأشربة؟

فقال: كل مسكر. ورواهما في تهذيب الاحكام: ٩/١٠٦

وفي علل الشرائع: ٢/٣٥٦:

أبيرحمه‌الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد وعبد الرحمان بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:

لا تستخفن بالبول ولا تتهاون به، ولا بصلاتك، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال عند موته: ليس مني من استخف بصلاته، لا يرد علي الحوض، لا والله، ليس مني من شرب مسكراً لا يرد علي الحوض، لا والله. ورواه في المحاسن: ١ /٧٩

وفي الكافي: ٥/٤٦٩:

محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل قال قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : رجلٌ مسلم ابتلي ففجر بجارية أخيه فما توبته؟

قال: يأتيه فيخبره ويسأله أن يجعله من ذلك في حل، ولا يعود.

قال: قلت: فإن لم يجعله من ذلك في حل؟

قال: قد لقي الله عز وجل وهو زان خائن.

٢٣٨

قال: قلت: فالنار مصيره؟

قال: شفاعة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وشفاعتنا تحيط بذنوبكم يا معشر الشيعة، فلا تعودون وتتكلون على شفاعتنا، فوالله ما ينال شفاعتنا إذا ركب هذا حتى يصيبه ألم العذاب ويرى هول جهنم. ورواه في الفقيه: ٤/٣٩

وفي الصحيفة السجادية: ١ /٣٢٤:

وسألتك مسألة الحقير الذليل، البائس الفقير، الخائف المستجير، ومع ذلك خيفةً وتضرعاً وتعوذاً وتلوذاً، لا مستطيلاً بتكبر المتكبرين، ولا متعالياً بدالة المطيعين، ولا مستطيلاً بشفاعة الشافعين، وأنا بعد أقل الأقلين وأذل الأذلين، ومثل الذرة...

وفي مستدرك الوسائل: ١١/١٧٤:

جامع الأخبار: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: المؤمن يكون صادقاً في الدنيا، واعي القلب، حافظ الحدود، وعاء العلم، كامل العقل، مأوى الكرم، سليم القلب، ثابت الحلم، عاطف اليقين، باذل المال، مفتوح الباب للاحسان، لطيف اللسان، كثير التبسم، دائم الحزن، كثير التفكر، قليل النوم، قليل الضحك، طيب الطبع، مميت الطمع، قاتل الهوى، زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، يحب الضيف، ويكرم اليتيم، ويلطف الصغير، ويرفق الكبير، ويعطي السائل، ويعود المريض، ويشيع الجنائز، ويعرف حرمة القرآن، ويناجي الرب، ويبكي على الذنوب، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، أكله بالجوع، وشربه بالعطش، وحركته بالأدب، وكلامه بالنصيحة، وموعظته بالرفق، ولا يخاف إلا الله، ولا يرجو إلا إياه، ولا يشغل إلا بالثناء والحمد، ولايتهاون، ولا يتكبر، ولا يفتخر بمال الدنيا، مشغولٌ بعيوب نفسه، فارغٌ عن عيوب غيره، الصلاة قرة عينه، والصيام حرفته وهمته، والصدق عادته، والشكر مركبه، والعقل قائده، والتقوى زاده، والدنيا حانوته، والصبر منزله، والليل والنهار رأس ماله، والجنة مأواه، والقرآن حديثه، ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله شفيعه، والله جل ذكره مؤنسه.

٢٣٩

أمل العاصين بشفاعة النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

في الصحيفة السجادية: ١ /٣٥٠:

اللهم فصل على محمد وآل محمد، ولا تخيب اليوم ذلك من رجائي، ويا من لا يحفيه سائل ولا ينقصه نائل، فاني لم آتك ثقة مني بعمل صالح قدمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، إلا شفاعة محمد وأهل بيته، عليه وعليهم سلامك...

وفي الاعتقادات للصدوق/٤٧:

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يدخل رجل الجنة بعمله، إلا برحمة الله عز وجل.

وفي بحار الأنوار: ٨/٣٦٢:

العيون: فيما كتب الرضاعليه‌السلام للمأمون من محض الإسلام: إن الله لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة، ولا يخرج من النار كافراً وقد أوعده النار والخلود فيها، ومذنبو أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها، والشفاعة جائزةٌ لهم.

وهو في عيون أخبار الرضا ٧: ٢٦٨، وفي الخصال: ٢/١٥٤

وفي تأويل الآيات: ٢/٦٨:

الشيخرحمه‌الله في أماليه، عن أبي محمد الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه قال: دخل سماعة بن مهران على الصادقعليه‌السلام فقال له: يا سماعة من شر الناس عند الناس؟

قال: نحن يابن رسول الله!

قال: فغضب حتى احمرت وجنتاه، ثم استوى جالساً وكان متكئاً، فقال:

يا سماعة من شر الناس عند الناس؟

فقلت: والله ما كذبتك يابن رسول الله، نحن شر الناس عند الناس، لأنهم سمونا كفاراً ورافضة.

فنظر الي ثم قال: كيف بكم إذا سيق بكم الي الجنة، وسيق بهم الى النار فينظرون اليكم فيقولون: ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار؟

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523