العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196686 / تحميل: 7995
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في معرفة المفسدة كونها مفسدة في عرف العقلاء لا مفسدة في واقع الأمر ، فلو زوّجه باعتقاد عدم وجود المفسدة وتبيّن بعد ذلك وجود المفسدة في نظر العقلاء لم يصح العقد ، ولو تبيّن أنّه خال من المفسدة بالنظر إلى واقع الأمر صحّ العقد إن كان خالياً من المفسدة في نظر العقلاء.

3 ـ إذ تولّى الأب أو الجدّ العقد عن الصغير أو الصغيرة ، مع مراعاة عدم المفسدة فيصح العقد ، ولكن يحتمل مع صحّة العقد ثبوت الخيار للمعقود له ـ بمعنى أنّه يتمكّن من فسخ العقد بعد بلوغه ورشده ـ فلو فسخ بعد بلوغه ورشده فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق.

4 ـ لو زوّج الأب أو الجدّ الصغير وكان الصغير لا مال له كان المهر على الوليّ ، وإن كان للطفل مالاً : فإمّا أن يضمنه الولي ، أو لا ، فلو ضمنه كان المهر عليه ، وإن لم يضمنه أُخرج من مال الطفل إذا لم يكن أزيد من المهر المتعارف ، أو كان أزيد لكن وجد الولي المصلحة في تزويجه بهذا المقدار من المهر ، وأمّا إن لم يرى الولي المصلحة في تزويجه بأكثر من المهر المتعارف توقّف ثبوت المهر المسمّى في مال الطفل على إجازته بعد البلوغ ، فإن لم يُجز لم يثبت في ذمّته إلاّ مهر المثل ، أي المتعارف لمن كان له شأن كشأنه.

5 ـ إذا زوّج الوليّ من كان وليّاً عنه لمن له عيب ، فلو كان العيب يؤدّي إلى إيصال مفسدة إليه فتكون صحّته متوقّفة على إجازته بعد البلوغ ، وإن كان خالياً من المفسدة وقع العقد صحيحاً ، نعم إذا كان من العيوب المجوّزة للفسخ ثبت الخيار للمولّى عليه بعد كماله ، كما يثبت للولي قبله إذا كان جاهلاً بالحال.

6 ـ لو جعل الأب أو الجدّ قيّماً على الصغير أو الصغيرة وجعلا له ولاية مطلقة

١٠١

عليهما فلا تكفي هذه الولاية ولا تشمل تزويجهما ولا تترك مراعاة الاحتياط ، وذلك بالتوافق مع الحاكم الشرعي ، هذا إذا دعت الضرورة إلى تزويجهما.

7 ـ لا ولاية للحاكم الشرعي في تزويج الصغير أو الصغيرة وإذا دعت الضرورة إلى تزويجهما بحيث يؤدّي ترك التزويج إلى المفسدة صارت له الولاية من باب الحسبة ـ أي في خصوص الأُمور التي لا يرضى الشارع بتركها لترتّب المفسدة عليه والتي لا يعيّن أحداً يقوم بها شخصيّاً ـ فيراعي الحاكم حدود الحسبة ، كما إذا اقتضت تزويجه ولو بالعقد المؤقّت لفترة قصيرة لم يتجاوزها إلى مدّة أطول فضلاً عن العقد الدائم ، وهكذا يلاحظ جميع الخصوصيات في هذه الولاية. هذا لو فقد الأب أو الجدّ ، وأمّا مع وجودهما فالأحوط وجوباً أن يتوافق الحاكم الشرعي معهما.

8 ـ يشترط في تزويج الباكر الرشيدة الاستئذان من وليها ، ولا فرق في ذلك بين الزواج الدائم أو المؤقت ، حتّى لو شرط عدم الدخول في ضمن العقد.

9 ـ لا ولاية لأحد على نكاح البالغ الرشيد دائماً أو منقطعاً ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّباً ، وأمّا البكر منها فإن كانت مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها لم يكن لأحد أن يزوّجها من دون رضاها ، والأحوط وجوباً لها أن لا تتزوج إلاّ بإذن أبيها أو جدّها لأبيها ، وإن كانت غير مستقلّة فلا يجوز لها الزواج ولا يصح العقد من دون إذنهما ، والأحوط وجوباً أن لايزوّجاها من دون رضاها.

10 ـ يسقط اعتبار إذن الأب أو الجدّ في نكاح الباكرة الرشيدة إذا منعاها من الزواج بكفئها شرعاً وعرفاً(1) بأن يمنعاها من الزواج على رغم تقدّم الأكفاء

__________________

(1) الكفؤ الشرعي : هو من يُرضى بعقله ودينه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه

١٠٢

لخطبتها ، وكذلك إذا رفضاً التدخّل في أمر زواجها مطلقاً(1) ، أو لم يكن لهما صلاحية الولاية عليها بسبب الجنون أو السفاهة ونحو ذلك ممّا يؤدّي إلى سلب صلاحيتهما ، وكذلك يسقط اعتبار الإذن إذا غابا عنها بحيث لا يمكن الاتصال بأحدهما واستئذانه فيه فإنّه يجوز لها الزواج حينئذٍ مع حاجتها المُلِّحة إليه فعلاً من دون إذن أحدهما.

11 ـ البكر هنا : هي من لم يدخل بها زوجها ، فمن تزوّجت ومات عنها زوجها أو طلّقها قبل أن يدخل بها فهي بكر ، وكذلك من ذهبت بكارتها بغير الوطء من وثبة(2) أو نحوها ، بل وإن ذهبت بكارتها بالزنا ، أو بالوطء شبهة أيضاً فهي بمنزلة البكر ، وأمّا من دخل بها زوجها فهي ثيّبة وإن لم يفتضّ بكارتها.

12 ـ يعتبر في الأب والجدّ للأب العقل والإسلام فيما إذا كانت البنت مسلمة ، فلا ولاية للأب الكافر على بنته المسلمة وإن ثبتت على بنته الكافرة.

13 ـ يكفي رضى البنت اللاحق للعقد(3) ، وكذا إذن الولي بعد العقد لتصحيحه إذا كانت البنت مكرهة على العقد حينه ، أو وقع العقد من دون إذن الولي.

__________________

فزوّجوه » وسائل الشيعة 20 : 76. وأمّا الكفؤ العرفي فله مصاديق كثيرة منها : تناسب عمل الخاطب او حرفته مع عمل أب الزوجة أو وليها مثلاً ، أو كونها من ذوات الشرف والعلم وغير ذلك. وفي كثير من الموارد تتحقّق الكفاءة الشرعية دون العرفية.

(1) قد يرفض الأب أو الجد التدخّل في أمر البنت لاختيارها كفؤاً لم يرضيا به ، أو رفضها رجلاً قد ألزمها بالزواج منه فحينما رفضت تركا التدخل في شأن زواجها.

(2) الوثبة : هي القفزة.

(3) أي الرضا الذي يكون بعد العقد.

١٠٣

موجبات فسخ عقد النكاح

1 ـ يحقّ للزوج أن يختار فسخ العقد أو يبقى عليه إذا علم بعد العقد بوجود أحد العيوب الستّة الآتية في الزوجة ، فيكون له الفسخ من دون طلاق ، والعيوب هي :

1) الجنون ولو كان أدواريّاً ، بحيث يصيبها في حين دون آخر ، وليس الإغماء والصرع من الجنون.

2) الجذام : وهو : مرض معدي وخطِر ، سببه عصيّات جرثوميّة خاصة فيها تتيبّس الأعضاء ، ويتناثر اللحم من جراء شدّة الالتهاب ، والدول المعاصرة اليوم تقوم بالاجهزة الصحّية بحجز المصابين بالجذام في مستعمرات خاصة بعيداً عن الآخرين.

3) البرص : وهو بياض يقع في الجسد ، وهو غير البهق الذي يظهر في الجلد نتيجة لقلة صبغة الجلد.

4) العمى : وهو ذهاب البصر عن العينين.

5) العفل : وهو لحم أو عظم ينبت في الرحم ، سواء منع من الحمل أو الوطء في القبل أم لم يمنع.

6) العرج وإن لم يبلغ حدّ الإقعاد والزمانة.

2 ـ لو علم الزوج بأنّ زوجته مفضاة حين العقد فإن رضي بذلك فلا إشكال ، وأمّا إذا فسخ العقد فالأحوط وجوباً له ولزوجته عدم ترتّب أثر الزوجيّة الاّ بعد تجديد العقد وعدم ترتيب آثار الفرقّة إلاّ بعد الطّلاق.

3 ـ العيوب المتقدّمة إذا حدثت بعد العقد فيثبت للزوج حقّ الخيار إمّا بفسخه وإمّا بإمضائه.

١٠٤

الحالات التي يحقّ فيها للزوجة فسخ العقد أو

البقاء عليه

1) إذا كان الزوج مقطوع الذكر بحيث لم يبق منه ما يمكنه الوطء به ، ويسمّى الجبّ.

2) إذا كان الزوج عنّيناً ، والعنّة : هو المرض الذي يمنع من انتشار العضو التناسلي بحيث لا يقدر معه على الإيلاج ، ولها حقّ الخيار سواء كان العنن سابقاً على العقد أو تجدّد بعد العقد وقبل الوطء ، بل وكذا المتجدّد بعد الوطء ولو مرّة.

3) الجنون على إشكال.

4) الإخصاء حين العقد : وهو إخراج الانثيين ، ويسمّى ( سل الانثيين ).

5) الوجاء : وهو رضّ البيضتين بشدّة خارقة تفقد فيها القدرة على العمل.

6) البرص.

7) الجذام.

1 ـ لو اختارت المرأة الفسخ فالأحوط وجوباً أن لا يكون الافتراق الاّ بعد الطلاق ، ولو اختارت البقاء على العقد فالأحوط وجوباً تجديد العقد ، هذا في جميع هذه العيوب المذكورة أخيراً أيّ الجنون ، الإخصاء ، الوجاء ، البرص ، والجذام.

2 ـ يجوز للرجل وكذا المرأة الفسخ لوجود العيب من دون إذن الحاكم الشرعي ، لكن إذا ثبت أن الرجل مصاباً بالعنّة ولم تصبر المرأة على ذلك فلا يحقّ لها الفسخ إلاّ بعد رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فيمهل الحاكم الشرعي الرجل سنة ، فلو وطأها أو وطأ غيرها في هذه المدّة فلا فسخ ، وأما إذا لم يتمكّن من الوطأ حتى بعد السنة فيحقّ لها الفسخ فوراً من دون مراجعة الحاكم الشرعي ، ولو علم بشهادة

١٠٥

الطبيب الأخصّائي عدم قدرته على الوطء أبداً فيجوز لها الفسخ مع عدم الانتظار سنة.

3 ـ إذا فسخ الرجل العقد بأحد العيوب الموجودة عند المرأة ، فإن كان الفسخ بعد الدخول استحقّت المرأة تمام المهر وعليها العدّة كما في الطلاق ، وإن كان الفسخ قبل الدخول لم تستحقّ المرأة شيئاً وليس عليها عدّة.

وإذا فسخت المرأة العقد لعيب الرجل استحقّت تمام المهر إن كان بعد الدخول ، وإن كان قبله لم تستحقّ شيئاً إلاّ في العنن فإنّها تستحقّ عليه فيه نصف المهر المسمّى في العقد.

أمّا إذا كان هناك تدليس : ( وهو أن توصف المرأة للرجل عند إرادة التزويج بالسلامة من العيب مع العلم به بحيث صار سبباً لغروره وخداعه ; وكذا مع السكوت عن بيان العيب مع العلم به ، وإقدام الزوج بارتكاز السلامة منه ، فلو ظهر العيب الذي كان مستوراً وكانت المرأة نفسها هي المدلّسة لم تستحق المهر إذا اختار الرجل الفسخ ، وأمّا إذا اختار الرجل البقاء فعلية تمام المهر لها ، وأمّا إن كان المدلّس غير الزوجة فيجب عليه أن يعطي المهر ، فالمهر المسمّى في العقد يستقرّ على الزوج بالدخول ويحقّ له أن يأخذه من المدلّس.

4 ـ يحقّ للزوج أو الزوجة أن يفسخا لثبوت خيار العيب أو خيار التدليس ، فالموارد التي يثبت بها خيار التدليس لا يثبت بها خيار العيب.

الموارد التي يثبت بها خيار التدليس

1) التستّر على عيب أحد الزوجين إذا كان العيب نقصاً في أصل الخلقة ، كالعور ونحوه.

١٠٦

2) زيادة شيء على أصل الخلقة كاللحية عند المرأة مثلاً.

3) الإيهام بوجود صفات كماليّة لا واقع لها ، كالشرف والنسب والجمال والبكارة ونحو ذلك.

4) لو تزوّج المرأة بعنوان أنّها بكر فبانت أنّها ثيّب وفسخ العقد ـ حيث يكون له الفسخ ـ فإن كان الفسخ قبل الدخول بها لا مهر لها ، وإن كان بعده استقر المهر عليه ورجع وأخذه من المدلّس ، وإن كانت هي المدلّس لم تستحقّ شيئاً ، ولو اختار البقاء على الفسخ أو لم يكن له الفسخ كما في صورة اعتقاد البكارة من دون اشتراط أو توصيف أو بناء ، كان له أن ينقص من مهرها بنسبة ما به التفاوت بين مهر مثلها في حال كونها بكراً أو ثيّباً.

١٠٧

اسبابالتحريم

أوّلا ـ النسب : ويحرم لأجله سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال :

1 ـ الأُمِّ ، ويندرج تحتها الجدّات وإن علون ، سواء كنّ لأب أو لأُم واحدة ، فتحرم المرأة على ابنها ، وعلى ابن ابنها ، وعلى ابن بنتها ، وابن بنت بنتها ، وابن بنت ابنها ، وابن ابن بنتها ، وهكذا تحرم على كلّ ذكر ينتمي إليها بالولادة ، سواء كان بلا واسطة أم مع الواسطة ، أو وسائط متعدّدة. وسواء كانت الوسائط بينهما ذكوراً أم إناثاً ، أم بعضها ذكوراً وبعضها إناثاً.

2 ـ البنت ، وتشمل الحفيدة ولو بواسطة واحدة أو عدّة وسائط ، فتحرم على أبيها بما في ذلك الجدّ لأب كان أو لأُم ، فتحرم على الرجل بنته ، وبنت ابنه ، وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته ، وبنت بنت بنته ، وبنت ابن بنته ، وبنت بنت ابنه ، وهكذا. وبالجملة ، كلّ اُنثى تنتمي إليه بالولادة بلا واسطة ، أم بواسطة ، أو وسائط ، ذكوراً كانوا أو اناثاً ، أو بالاختلاف أي كان بعضهم ذكوراً وبعضهم إناثاً.

3 ـ الأُخت للأب كانت أو للأُمّ أو لهما.

4 ـ بنت الأخ ، سواء كان لأب أم لأُم أم لهما ، وهي كلّ امرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت ، سواءً كان الانتماء إليها بالآباء أمْ بالأُمهات أمْ بالاختلاف ، فتحرم عليه بنت أخيه ، وبنت ابنه(1) ، وبنت ابن ابنه ، وبنت بنته ، وبنت

__________________

(1) الضمائر من هنا إلى آخر المسألة تعود على الأخ.

١٠٨

بنت بنته ، وبنت ابن بنته.

5 ـ بنت الأُخت ، وهي كلّ اُنثى تنتمي إلى اُخته بالولادة على النحو الذي ذكر في بنت الأخ.

6 ـ العمّة ، وهي أخت الأب لأب أو لأُم أو لهما ، والمراد بها ما يشمل العاليات أي عمّة الأب وهي أُخت الجد لأب أو لأُم أو لهما معاً ، وعمّة الأُم وهي أخت أبيها لأب أو لأُم أو لهما ، وعمّة الجد للأب والجد للأُمّ ولهما والجدة كذلك ، ومراتب العمّات هي مراتب الآباء فهي كلّ أُنثى تكون أُختاً لأب الشخص أو لذكر ينتمي إليه بالولادة من طرف أبيه أو أُمه أو كليهما.

7 ـ الخالة ، والمراد بها أيضاً ما يشمل العاليات ، فهي كالعمّة إلاّ أنّها اُخت لإحدى اُمّهات الرجل ولو من طرف أبيه ، والعمّة أُخت لأحد أبائه ولو من طرف اُمّه ، فأخت جدّته للأب خالته حيث إنّها خالة لأبيه ، وأُخت جدّه للأُم عمّته حيث أنّها عمّة اُمه.

ملحق للتحريم بالنسب

1 ـ كما يحرم على الرجل الزواج من بعض النساء للنسب الشرعي عن طريق النكاح المشروع ، كذلك يحرم عليه أن يتزوّجهن لارتباطه بهنّ بالنسب غير الشرعي كالزنا ، فلو زنى بالخالة أو العمّة مثلاً قبل أن يعقد على بنتها فتحرم عليه بنتها على الأحوط وجوباً ، وأمّا لو زنى بها بعد العقد لم تحرم عليه بنت الخالة أو العمّة ، والأحوط ـ استحباباً ـ أن لا يتزوّج بها.

2 ـ لو زنى رجل بامرأة ذات بعل ، أو في عدّتها الرجعيّة حرمت عليه مؤبّداً على الأحوط وجوباً ، أمّا لو زنى بامرأة في عدّتها غير الرجعيّة فلا يؤدي الزنا إلى

١٠٩

تحريمها عليه مؤبّداً ، فيمكنه أن يتزوّجها بعد انتهاء عدّتها.

3 ـ لو زنى بامرأة ليس لها زوج ، وليست بذات عدّة ، فلا يجوز له أن يتزوّجها إلاّ بعد توبتها على الأحوط وجوباً ، وأمّا غيره فيجوز له أن يتزوّج منها حتى قبل التوبة ، إلاّ أن تكون مشهورة بالزنا ، فالأحوط وجوباً أن لا يتزوّجها قبل توبتها.

وكذلك الأحوط وجوباً عدم الزواج بالرجل المشهور بالزنا إلاّ بعد توبته ، ولو أراد أن يتزوّج الزانية بعد توبتها صبر قبل الدخول بها مقدار زمن حيضة حتى يطمئن من خلوّ رحمها من ماء الفجور ، سواء كان الذي يريد الزواج منها نفس الزاني أو غيره.

ثانياً : الرضاع ، ولكن ينبغي أن نتعرّف على كيفيّة إثباته بالقرائن الشرعيّة ، ثمّ نتعرّض للأحكام المرتبطة به.

١١٠

كيف يثبت الرضاع

يثبت الرضاع المحرّم بأمرين :

1 ـ إخبار شخص أو أكثر يوجب إخبارهم إمّا العلم بوقوع الرضاع المحرّم ، أو الاطمئنان به.

2 ـ شهادة عدلين على وقوع الرضاع المحرّم ، ولا يثبت ـ على الأحوط وجوباً ـ بشهادة رجل واحد أو بشهادة نساء أربع.

3 ـ لا يكتفى بالشهادة المطلقة ، بل لا بدّ أن تكون مفصّلة بأن يشهد على كون عدد الرضعات خمس عشرة رضعة متواليات ، وأنّ الإرضاع كان بالامتصاص من الثدي لا بغيره ، ولو لم يفصّل الشاهد سئل منه التفصيل.

4 ـ لو شكّ في وقوع الرضاع من أصله أو في تحقّق أحد شرائطه بنى على العدم وإن كان الاحتياط في ترتّب آثار الحرمة حسناً ، وهكذا في حالة الظنّ والاحتمال. ودرجة الشكّ هي خمسون بالمائة ، ودرجة الظنّ ثمانون بالمائة ، والاحتمال ثلاثون بالمائة مثلاً.

شرائط التحريم في الرضاع

إذا أرضعت امرأة ولد غيرها أوجب ذلك حرمة النكاح لعدد من الرجال والنساء ، ولكن يشترط في ذلك التحريم شروط :

١١١

1 ـ أن يكون اللبن الذي في ثدي المرضعة حاصلا لها من ولادة ولد شرعي ، فلو درّ اللبن في ثدي المرأة من دون ولادة أو من ولادة ابن الزنا فلا ينشر ذلك الإرضاع الحرمة.

2 ـ تتحقّق الحرمة بالإرضاع بعد ولادة المرضعة ، سواء وضعت حملها تامّاً أو سقطاً وقد صدق عليه أنّه ولد عرفاً ، وأمّا الرضاع الذي كان سابقاً على الولادة فلا أثر له في التحريم وإن كان قد حصل قبل الولادة.

3 ـ لو ولدت المرأة ولم ترضع فترة ثمّ أرضعت طفلاً ، فإن كانت الفترة قصيرة بحيث صار اللبن مستنداً إلى ولادتها كان موجباً للحرمة وإن علم بجفاف الثدي قبل وجود هذا اللبن المتجدّد ، وأمّا إن كانت الفترة طويلة بحيث لا يصدق على اللبن الثاني استناده للولادة فلا يؤدّي إلى التحريم ، سواء جفّ الثدي قبله أم لا.

4 ـ لا يعتبر في نشر الحرمة بالإرضاع بقاء المرأة في عصمة الرجل ، فلو طلّقها الزوج أو مات وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولداً كان هذا الإرضاع مؤدّياً للحرمة ، حتّى وإن تزوجت ثانياً ودخل بها ولم تحمل ، أو حملت منه وكان اللبن غير منقطع ، بشرط أن يتمّ الرضاع قبل أن تضع حملها.

5 ـ يشترط في نشر الحرمة حياة المرضعة ، فلا تكون ميتة حال الإرضاع ، ولو أرضعت الطفل بعض الرضعات المعتبرة في التحريم لم تنشر الحرمة ، ولا يضرّ كونها نائمة أو مجنونة أو مكرهة أو مريضة أو قليلة اللبن في ترتّب آثار الحرمة على هذا الإرضاع.

6 ـ لا بدّ أن يكون عمر الطفل ما دون الحولين وهي أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً ، فلو رضع وله من العمر أكثر من ذلك ، أو أكمل الرضاع بعد استكمال السنتين فلا يؤدّي ذلك إلى الحرمة.

١١٢

وأمّا المرضعة نفسها فلا يشترط أن تكون ولادتها ما دون الحولين ، فلو مرّ على ولادتها لحملها ـ الذي حصل لها اللبن به ـ أكثر من حولين فلا يؤثّر في عدم نشر الحرمة ، والمقصود من الحولين أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً من حين الولادة ، فلو وقعت الولادة في أثناء الشهر يُكمل من الشهر الخامس والعشرين بمقدار ما مضى من الشهر الأوّل ، فلو ولد في العاشر من الشهر مثلاً يكمل حولاه في العاشر من الشهر الخامس والعشرين.

7 ـ لا بدّ أن يكون اللبن خالصاً في فم الطفل غير ممزوج بشيء آخر مائع كاللبن والدم ، أو جامد كفتيت السكر ، فلو كان مخلوطاً لا يؤدّي الإرضاع إلى الحرمة إلاّ إذا كان الخليط مستهلكاً عرفاً.

8 ـ كون اللبن الذي يرتضعه الطفل منتسباً بتمامه إلى رجل واحد ، فإذا طلّق الزوج زوجته وكانت حاملاً أو طلّقها بعد ولادتها منه فتزوّجت برجل آخر وحملت منه وقبل أن تضع حملها أرضعت بلبن ولادتها السابقة من زوجها الأوّل ثمان رضعات مثلاً ، وأكملت بعد وضعها لحملها بلبن ولادتها الثانية من زوجها الأخير بسبع رضعات من دون تخلّل رضاع امرأة اُخرى في البين بأن يتغذّى الولد في هذه المدّة المتخلّلة بالمأكول والمشروب لم ينشر الحرمة.

9 ـ يشترط في الحرمة بالإرضاع أن تكون المرضعة واحدة في جميع الحولين ، فلو أرضعته امرأة ستّ رضعات مثلاً وأرضعته الأُخرى تسع لم تنشر الحرمة.

10 ـ يجب أن تكون الرضاعة مستمرة بحيث ينبت عليها لحم الطفل ويقوى عظمه ، ولو حصل الشكّ في تحقّق الرضاعة الشرعيّة فيكفي استمرارها يوم وليلة ، أو

١١٣

بلوغ الرضاعة خمس عشرة رضعة عدداً ، أمّا لو قطع بعدم إنبات لحم الطفل واشتداد عظمه على هذه الرضاعة أو قطع بعدم بلوغ عدد الرضعات خمس عشرة فالأحوط وجوباً عدم ترتّب آثار انتشار الحرمة.

11 ـ المدار في إنبات لحم الطفل واشتداد عظمه بالرضاعة ما يكون كذلك عرفاً ، لا ما يثبت بالمقاييس العلميّة الدقيقة.

12 ـ لو ارتضع الطفل من مرضعتين وكانت رضعة من هذه ورضعة من الأُخرى إلى أن قوي جسمه ، فإن كانت قوّة جسمه مستندة إلى كلّ واحدة منهما أدّى ذلك إلى الحرمة عليهما معاً ، وأمّا إذا كان استناد قوّة جسمه إليهما معاً ـ أي بمجموع لبنهما ـ فلا يؤدّي ذلك إلى حرمة أيّ واحدة منهما.

13 ـ لو أرضعت امرأة طفلاً رضاعةً كاملة ، ثمّ طلّقها زوجها وتزوّجت برجل آخر وعاد اللبن في ثديها مرة أُخرى فأرضعت به طفلاً آخر أو طفلةً لم تحرم هذه الصبيّة على هذا الصبيّ ، ولا أولادهما على أولاد الآخر ; لاختلاف اللبن وعدم وحدته.

مسائل متفرَّقة تتعلّق بالرضاع

1 ـ الأفضل للمرأة أن تمتنع من إرضاع الأطفال خوفاً من نسيان الرضاعة ، وتحقّق الزواج المحرّم مع عدم التفاتها إلى العلاقة الرضاعيّة ، ولا يجوز لها إرضاع ولد الغير إذا كانت الرضاعة مزاحمة لحقّ زوجها إلاّ أن يأذن لها بذلك.

2 ـ إذا أرضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها حرمت البنت على زوجها إلى الأبد وبطل نكاحها ، سواء أرضعته بلبن أبي البنت أم بلبن غيره ، وسواء كان هذا الطفل من بنتها أو ضرّتها ; لأنّ زوج البنت أب للمرتضع وزوجته بنت للمرضعة ، فيحرم على

١١٤

أبي المرتضع أن ينكح من أولاد المرضعة الذين حرموا عليه للنسب.

3 ـ لو أرضعت زوجة الرجل طفلاً لزوج بنته ، سواء كانت البنت أُمّه أو كانت الضرّه ، فالأحوط وجوباً عدم البقاء على الزوجيّة وحرمة النكاح مؤبداً(1) .

4 ـ لو حرمت الزوجة على زوجها ـ كما في المسألتين السابقتين ـ بسبب الرضاع فلا يجوز للزوج تجديد العقد عليها حتّى لو تمّ الرضاع بعد طلاقها ، ولو تمّ الرضاع بعد وفاة الزوجة حرمت عليه أخوات الزوجة فلا يجوز له أن يعقد عليهن.

5 ـ لو أرضعت المرأة طفلاً لابنها فلا تحرم عليه زوجته ، لكن تترتّب الآثار الأُخرى على هذه الرضاعة ، كحرمة المرتضع أو المرتضعة على أولاد عمّه وعمّته لأن يكون عمّاً أو عمةً أو خالا لأولاد المرضعة.

6 ـ لو عقد الولي ابنه الصغير على ابنة أخيه الصغيرة ثمّ أرضعت جدّتهما ـ أي أُمّ الولي أو أُمّ زوجته ـ أحد الصغيرين انفسخ هذا العقد; لأنّ الرضيع إن كان ذكراً وأرضعته جدّته من طرف الأب صار عَمّاً لزوجته ، وإن أرضعته التي من طرف الأُمّ صار خالا لزوجته ، وإن كان المرتضع أُنثى فتكون إمّا عمّةً لزوجها وإمّا خالةً له فيبطل النكاح على أي حال.

7 ـ إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح ، إمّا أن يبطل نكاح المرضعة نفسها كما إذا أرضعت زوجها الصغير ، وإمّا أن يبطل نكاح المرتضعة كما إذا أرضعت الزوجة الكبيرة المدخول بها ضرّتها الصغيرة ، وإمّا أن يبطل نكاح غيرهما كما إذا أرضعت المرأة طفلاً لزوج بنتها ، ولا يبعد بقاء استحقاق الزوجة للمهر في جميع الفروض المتقدمة إلاّ الفرض الأوّل ، كما إذا أرضعت الزوجة زوجها الصغير وكان

__________________

(1) لأن هذا الرجل أب للمرتضع فتصير زوجته كبنته.

١١٥

الإرضاع وانفساخ العقد قبل الدخول فالأحوط وجوباً استحقاق المرأة المهر ، ولا تضمن المرضعة المهر الذي يغرمه الزوج قبل الدخول ، والأحوط استحباباً التصالح بين المرضعة والزوج.

ما يحرم على المرتضع والمرتضعة

والمرضعة نفسها

1 ـ يحرم على المرتضع عدّة من النساء : المرضعة نفسها ; لأنّها أُمّه من الرضاعة ، واُمّ المرضعة وإن علت ، نسبيّة كانت أم رضاعيّة ؛ لأنّها جَّدته من الرضاعة ، وبنات المرضعة ولادةً; لأنهنّ أخواته من الرّضاعة ، وأمّا بناتها رضاعة ممّن أرضعتهنَّ من لبن شخص آخر غير الذي ارتضع المرتضِع بلبنه فلا يحرمن على المرتضِع ; لعدم اتّحاد صاحب اللبن.

ما يحرم على المرتضعة

1 ـ كما يحرم على المرتضع عدّة نساء ، كذلك يحرم على المرتضعة عدّة رجال : صاحب اللبن ; لأنّه أبوها من الرّضاعة ، وآباؤه من النسب والرضاع ; لأنّهم أجدادها من الرضاعة ، وأولاده من النسب والرضاع وإن نزلوا ; لأنّها أُختهم أو عمّتهم أو خالتهم من الرّضاعة ، وإخوة صاحب اللبن من النسب والرضاع ، لأنّهم أعمامهم من الرضاعة ، وأعمام صاحب اللبن وأخواله ، وأعمام وأخوال آبائه وأُمّهاته(1) من النسب والرضاع ، وإخوة المرضعة من النسب والرضاع وآباؤها كذلك ، وأبناؤها

__________________

(1) أي وأخوال أمهاته.

١١٦

ولادة ، وكذا الأولاد النسبيّين والرضاعيّين من أولاد المرضعة ، وأعمام المرضعة وأخوالها ، وأعمام وأخوال آبائها وأُمهاتها من النسب والرضاع.

2 ـ إذا حرم أحد الطفلين على الآخر بسبب ارتضاعهما من لبن منتسب إلى رجل واحدٍ لم يؤدّ ذلك إلى حرمة إخوة أحدهما على إخوان الآخر ، ولا إلى حرمه الإخوة على المرضعة.

3 ـ لا يجوز الزواج ببنت أخ الزوجة وبنت أُختها من الرضاعة إلاّ برضاها ، كما لا يجوز الزواج بهما من النسب إلاّ برضاها فإن الرّضاع بمنزلة النسب ، وكذلك الأُخت الرضاعيّة بمنزلة الأُخت النسبيّة ، فلا يجوز الجمع بين الأُختين الرضاعيتين كما لا يجوز الجمع بين الأُختين النسبيتين ، ويحرم على مَن ارتكب فاحشة اللواط بنت الملوط وأُمّه وأُخته الرضاعيّات كما هو الحال في النسبيات.

الصور التي لم تحرم بها المرأة على زوجها

بسبب الإرضاع

1 ـ لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه طفلاً من أقربائها ، سواء كان الطفل أخاها أو أحد أولاد أخيها ، أو أُختها أو أحد أولاد اُختها ، أو عمّها أو خالها أو أولادهما ، أو عمّتها أو خالتها أو أولادهما ، أو ابن ابنها.

وكذلك لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه من كان من أقربائه كأخيه أو أُخته أو عمّه أو عمّته أو خاله أو خالته أو ولد بنته من زوجته الأُخرى أو ولد أُخته.

2 ـ لا تحرم المرأة على زوجها لو أرضعت ولد ولدها ، وان صارت بذلك جدّة لولد زوجها ، ومثله أن ترضع إحدى زوجتي الشخص ولد ولد الأخرى ، فإنّ الأخرى

١١٧

تصير جدّة لولد زوجها.

3 ـ لو أرضعت المرأة ابن عمّة زوجها أو ابن خالته لا تحرم على زوجها ، ولكنّ الأحوط استحباباً أن لا تتزوّج منه لو طلّقها زوجها أو مات عنها ، وكذلك لا تحرم الزوجة على زوجها إذا ارتضع ابن عمّها من لبن ضرّتها.

4 ـ لا تترتّب على الرضاع أحكام الإرث كما تترتّب على النسب بين الأقرباء.

آداب الرضاع

لقد جعل الله تعالى في لبن الأُمّ ما يقوى به الطفل جسديّاً وروحيّاً ، ولذا نرى الروايات تحث الأُم على إرضاع طفلها ، وأن لا تُوكَل الرّضاعة إلى غير الأُم قدر الإمكان ، فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه قال :« ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أُمّه » (1) .

ولأهميّة عمليّة الإرضاع فصّل أهل البيتعليهم‌السلام الكلام فيه ، وكيف يتمّ الإرضاع الصحيح ، فقد جاء في الرواية الشريفة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يقول :« إذا وقع الولدُ في بطن أُمّه ـ إلى أن قال ـ : وجعل اللهُ تعالى رزقهُ في ثديي أُمّه ، في أحدهما شرابه وفي الآخر طعامُه » (2) ، لذا ينبغي أن ترضع الأُم أو المرضع من الثديين لا تقتصر على أحدهما.

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال لأُمّ إسحاق وهي ترضع أحد أولادها :« يا أمّ إسحاق ، لا تُرضعيه من ثديٍ واحد ، وارضعيه من كليهما ، يكون أحدُهما طعاماً

__________________

(1) وسائل الشيعة 21 : 452 ، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 21 : 453 ، الحديث 2.

١١٨

والآخرُ شراباً » (1) .

وأمّا المدّة المحدّدة للرضاعة في كلام المعصومينعليهم‌السلام فهي واحد وعشرون شهراً ، وإكمال الرضاعة حولين كاملين لقوله تعالى :( وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) (2) ولا ينبغي الإرضاع أكثر من الحولين.

صفات المرضعة

لو اقتضت الضرورة إيكال الرضاعة إلى غير الأُم ، فلا بدّ أن ينظر الأبّ أو من يقوم مقامه في صفات المرضعة التي ترضع ولده ، لما في هذا الأمر من الأهميّة لنشوء الطفل جسماً وروحاً ، ولذا ورد في كلمات المعصومينعليهم‌السلام التأكيد على صفات المرضعة ، فلا يصلح أن يكون لبنها من الزنا ، ولا أن تكون يهوديّة أو نصرانيّة أو مجوسيّة أو ناصبيّة.

وجاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال :« لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ اللبن يشبّ عليه » (3) .

وورد عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :« لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء ، فإنَّ اللبن يعدي » (4) .

والحَمَقُ هو الرعونة ، والعَمَشُ هو مرض يصيب العين يؤدّي إلى سيلان

__________________

(1) وسائل الشيعة 21 : 453 ، الحديث 1.

(2) البقرة 2 : 233.

(3) وسائل الشيعة 21 : 467 ، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 21 : 467 ، الحديث 4.

١١٩

الدموع منها حتّى يمنع من النّظر بها.

وكما يكره الرضاع بلبن القبيحة فيستحب الرضاع بلبن المرأة الحسناء لما جاء في الأخبار ، فقد جاء عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه قال :« استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فإنّ اللبن يعدي » (1) .

المصاهرة

ثالثاً ـ المصاهرة :

والمصاهرة هي العلاقة الحاصلة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر ، الموجِبة لحرمة النكاح ، إمّا بشكل تعييني كحرمة أُم الزوجة على صهرها ، وإمّا بشكل جمعي كحرمة الأُخت على زوج الأُخت ؛ لعدم جواز الجمع بين الأُختين.

1 ـ بمجرّد أن يتمّ العقد ولو منقطعاً بين الزوجين حرمت على أب الزوج زوجة ابنه ، وكذلك على الجد ، سواء كان الجد للأُم أو للأب ، وكذلك زوجة السبط ، أي ابن البنت ، وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها ، وسواء كانت حرمة هؤلاء الأفراد لهذه الزوجة قد ثَبَتَتْ سابقاً بالنسب أو بالرضاع أو لم تثبت ، وتكون هذه الحرمة دائميّة للجميع.

2 ـ تحرم على الزوج أُم زوجته وجدّات الزوجة جميعاً ـ سواء كنّ جدّاتها لأبيها أم لإمّها ـ بالنسب أو الرضاع حرمة دائميّة ، وسواء دخل الزوج بزوجته أم لا ، أو عقد عليها مؤقتاً أو دائماً ، صغيرةً كانت أو كبيرة.

3 ـ تحرم على الزوج بنت زوجته التي دخل بها لقوله تعالى :( وَرَبَائِبُكُمْ

__________________

(1) وسائل الشيعة 21 : 468 ، الحديث 1.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

في بحار الأنوار: ٩٨/١٦٨:

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا أتيت القبر بدأت فأثنيت على الله عز وجل، وصليت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واجتهدت في ذلك إن شاء الله، ثم تقول: سلامُ الله وسلام ملائكته فيما تروح وتغدو...

**

المسألة السادسة: من هم المتوسل بهم عند المسلمين

يكاد يكون التوسل والاستشفاع في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، محصوراً روايةً وعملاً بمحمد وآله المعصومين، صلى الله عليه وعليهم.

ولم أجد في سيرة أئمتناعليهم‌السلام ، ولا في سلوك المتشرعين من أصحابهم وشيعتهم ذكراً للتوسل بأحد غير المعصومينعليهم‌السلام ! وإن وجد فهو توسلٌ بهم تبعاً للمعصومين أو في موارد خاصة.

نعم ورد في عدد من الأدعية عن أهل البيتعليهم‌السلام تعليم التوسل بالملائكة المقربين والأنبياء السابقين، وكتب الله المنزلة، وعباده الصالحين، والأعمال الصالحة..

ففي مصباح المتهجد/٣٥٨:

اللهم إني أتقرب اليك بجودك وكرمك، وأتشفع اليك بمحمد عبدك ورسولك، وأتوسل اليك بملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، أن تقيلني عثرتي، وتستر علي ذنوبي، وتغفرها لي، وتقبلني بقضاء حاجتي، ولا تعذبني بقبيح كان مني.

يا أهل التقوى وأهل المغفرة، يا بر ياكريم، أنت أبر بي من أبي وأمي، ومن نفسي، ومن الناس أجمعين، بي اليك فاقة وفقر، وأنت غني عني...

وفي مصباح المتهجد/٣٠٢:

روى ابراهيم بن عمر الصنعاني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: للأمر المخوف العظيم

٢٨١

تصلي ركعتين، وهي التي كانت الزهراءعليها‌السلام تصليها، تقرأ في الأولى الحمد، وقل هو الله أحد خمسين مرة، وفي الثانية مثل ذلك، فإذا سلمت صليت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ترفع يديك وتقول:

اللهم إني أتوجه بهم اليك وأتوسل اليك بحقهم العظيم الذي لا يعلم كنهه سواك وبحق من حقه عندك عظيم، وبأسمائك الحسنى وكلماتك التامات، التي أمرتني أن أدعوك بها.

وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت ابراهيمعليه‌السلام أن يدعو به الطير فأجابته.

وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم فكانت.

وبأحب أسمائك اليك، وأشرفها عندك، وأعظمها لديك، وأسرعها إجابة، وأنجحها طلبة، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه...

وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجمعين من التوراة والانجيل والقرآن العظيم، من أولها الى آخرها، فإن فيها اسمك الأعظم. وبما فيها من أسمائك العظمى أتقرب اليك.

التوسل بغير المعصومين عند السنيين

سيرة أئمة المذاهب السنية وسلوك أتباعهم حافلةٌ بالتوسل بمن يعتقدون صلاحه من شيوخ العلم والتصوف.

وحتى الحنابلة الذين يدعي ابن تيمية الانتساب اليهم ويشن باسمهم حملة ضد التوسل والاستشفاع ويكفر بهم المسلمين.. يعتقدون بالتوسل!!

فقد ثبت عن إمامهم أحمد وكبار متقدميهم ومتأخريهم، أنهم كانوا يزورون القبور ويتوسلون الى الله تعالى بأصحابها!!

وقد بنوا على قبر أحمد بن حنبل مسجداً وقبة! وجعلوه مزاراً يصلون عنده ويتمسحون به ويتوسلون به!!

٢٨٢

ففي وفيات الأعيان لابن خلكان: ١/٦٤:

أحمد بن حنبل... توفي ضحوة الجمعه لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول.. ودفن بمقبرة باب حرب، وباب حرب منسوب الى حرب بن عبد الله أحد أصحاب أبي جعفر المنصور، والى حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربية، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار.

وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي/٤٥٤:

حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي الى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزور، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين، فقلت: إنما تم هذا علي قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث!

فسمعته من القبر وهو يقول: لا، بل هذا من هيبة الحق عز وجل، لأنه عز وجل قد زارني!! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصر ت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب.فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم! لأن معي شعرات من شعره!!

ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان! قال ذلك مرتين!!

وفي طبقات الحنابلة لأبي يعلى: ٢/١٨٦:

سمعت رزق الله يقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبو علي فرأيته يقبل رجل القبر! فقلت له: في هذا أثر؟

قال لي: أحمد في نفسي شيء عظيم، وما أظن أن الله تعالى يؤاخذني بهذا!!

وفي تاريخ بغداد للخطيب: ٤/٤٢٣:

عن أبي الفرج الهندباني يقول: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة، فرأيت

٢٨٣

في المنام قائلاً يقول لي: لم تركت زيارة إمام السنة!!

ورواه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد/٤٨١

وفي رحلة ابن بطوطة: ١/٢٢٠:

قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها... وبقرب الرصافة قبر الإمام أبي حنيفة، وعليه قبة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ماعدا هذه الزاوية.

وبالقرب منها قبر الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ولا قبة عليه.. ويذكر أنها بنيت على قبره مراراً فتهدمت بقدرة الله تعالى.

وقبره عند أهل بغداد معظم، وأكثرهم على مذهبه، وبالقرب منه قبر أبي بكر الشبلي من أئمة المتصوفة.

وفي تاريخ الإسلام للذهبي: ٣٨/٢٣:

في عام ٥٥٤ غرقت مقبرة الإمام أحمد وخرجت الموتى على وجه الماء وكانت آية عجيبة.

وفي عمدة القاري للعيني: ٥ جزء ٩/٢٤١:

سعيد العلائي قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل.. أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي ( ص ) وتقبيل منبره، فقال: لا بأس بذلك.

قال فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية، فصار يتعجب من ذلك ويقول: عجبت! أحمد عندي جليل، يقول هذا الكلام!

وأي عجب.. وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به!!

وفي تاريخ الإسلام للذهبي: ١٤/٣٣٥:

وقال ابن خزيمة: هل كان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعي؟

٢٨٤

وفي الاعتصام للشاطبي: ١/٢٢٦:

والجواب عن هذا ( قول أحمد بن حنبل ) أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ والصواب.. وقد كان ( ابن حنبل ) يميل الى نفي القياس، ولذلك قال: مازلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا، حتى جاء الشافعي فخرج بيننا..

وفي الغدير للأميني: ٥/١٩٤:

قال ابن حجر في ( الخيرات الحسان ) في مناقب الإمام أبي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين: إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسل بالامام أبي حنيفة ويجيء الى ضريحه يزوره فيسلم عليه، ثم يتوسل الى الله تعالى به في قضاء حاجاته، وقال: قد ثبت أن الإمام أحمد توسل بالامام الشافعي حتى تعجب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد، فقال له أبوه: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن. ولما بلغ الإمام الشافعي: أن أهل المغرب يتوسلون بالامام مالك لم ينكر عليهم.

وفي الغدير: ٥/١٩٨:

قال ابن الجوزي في المنتظم: ١٠/٢٨٣:

وفي أوائل جمادي الآخرة سنة ٥٧٤ تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب علي قبر الإمام أحمد بن حنبل، فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة، وبني له جانبان، ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب: هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين.

وفي وسطه: هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانيرحمه‌الله . وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك.

ووعدت بالجلوس في جامع المنصور، فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادي الأولى، فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات، واجتمع للمجلس

٢٨٥

بكرة ما حزر بمائة ألف، وتاب خلق كثير وقطعت شعور، ثم نزلت فمضيت الى زيارة قبر أحمد، فتبعني من حزر بخمسة آلاف.

وفي الغدير للأميني: ٥/١٩٩:

الحافظ ابن عساكر في تاريخه: ٢/٤٦:

عن أبي بكر بن أنزويه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ومعه أحمد بن حنبل، فقلت: يا رسول الله من هذا؟

فقال: هذا أحمد ولي الله وولي رسول الله على الحقيقة، وأنفق على الحديث ألف دينار.

ثم قال: من يزوره غفر الله له، ومن يبغض أحمد فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله.

وفي النهاية لابن كثير: ١٢/٣٢٣:

وفي صفر سنة ٥٤٢ رأى رجل في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غفر له. قال: فلم يبق خاصٌ ولا عامٌ إلا زاره وعقدت يومئذٍ ثم مجلساً، فاجتمع فيه ألوفٌ من الناس!!

التوسل الواسع في صلاة الاستسقاء

ورد عندنا وعندهم الحث على التوسل في صلاة الاستسقاء بالأخيار والضعفاء والمرضى، ومن ذلك:ما قاله النووي في المجموع: ٥/٦٦:

قال في الأم: ولا آمر باخراج البهائم. وقال أبو اسحق: استحب اخراج البهائم، لعل الله تعالى يرحمها، لما روي أن سليمان صلى الله عليه وسلم خرج ليستسقي فرأى نملة تستسقي، فقال ارجعوا فإن الله تعالى سقاكم بغيركم.

ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لأنهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم اليه، فإن حضروا وتميزوا لم يمنعوا، لأنهم جاؤوا في طلب الرزق.

٢٨٦

وقال في: ٥/٧٠:

يستحب أن يستسقى بالخيار من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأهل الصلاح من غيرهم، وبالشيوخ والضعفاء والصبيان والعجائز وغير ذوات الهيئات من النساء، ودليله ما ذكره المصنف.

وأيضاً ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ .

قال القاضي حسين والروياني والرافعي وآخرون من أصحابنا: ويستحب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعله من الطاعة الجليلة، ويتشفع به ويتوسل.

واستدلوا بحديث ابن عمر في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا الى غار فأطبقت عليهم صخرة، فتوسل كل واحد بصالح عمله، فأزال الله عنهم بسؤال كل واحد ثلثاً من الصخرة وخرجوا يمشون. انتهى.

فهذه فتاوى من فقهاء المذاهب الأربعة، تنص على التوسل بالصالحين والضعفاء والمرضى والأعمال والحيوانات، وتنص على أنه توسل واستشفاع، وهو أوسع من التوسل المتبادر الى أذهاننا بالنبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم.

المسألة السابعة: التوسل العملي بالأعمال الصالحة

في بحار الأنوار: ٧٤/٣٩٨:

عن أمالي المفيد، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

أفضل ما توسل به المتوسلون الايمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة فانها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض

٢٨٧

الله، وصيام شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة للمال ومنسأة للاجل، والصدقة في السر فإنها تذهب الخطيئة وتطفيء غضب الرب، وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان.ومثله في: ٩٣/١٧٧

ونحوه في: ٧٤/٢٨٩، عن تحف العقول، قال: خطبتهعليه‌السلام المعروفة بالديباج:

الحمد لله فاطر الخلق، وخالق الاصباح، ومنشر الموتى، وباعث من في القبور، وأشهد أن لا الَه إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله عباد الله، إن أفضل ماتوسل به المتوسلون الى الله جل ذكره: الايمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله... الحديث، كما تقدم بتفاوت.

ورواه في: ٧١/٤١٠، عن علل الشرائع عن أبي، عن سعد، عن ابراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن حماد عن ابراهيم بن عمر، رفعه الى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: إن أفضل ما توسل به المتوسلون...

ورواه في: ٦٢/٣٨٦، عن أمالي المفيد، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، بتفاوت وزيادة في آخره، قال ( ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب الايمان، ألا وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة، ألا وإن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيراً تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة الى من ائتمنكم، وصلوا من قطعكم، وعودوا بالفضل عليهم. انتهى.

ولكن التوسل بالأعمال الصالحة لا ينفي التوسل بالنبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد ثبت أنه لا يقبل عملٌ لمسلم إلا بولايتهم، وأنه لا يرفع دعاء إلا بالصلاة عليهم، وهو التوسل بهم! وقد روي ذلك عندنا في مصادر الجميع!

٢٨٨

الفصل الثاني

التوسل الى الله في مصادر السنيين

١ - تعليم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التوسل به الى الله تعالى

روى الترمذي: ٥/٢٢٩ برقم ٣٦٤٩:

حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدع الله أن يعافيني.

قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك.

قال: فادعه.

قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك الى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في.

هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي. انتهى.

٢٨٩

ورواه ابن ماجة في: ١/٤٤١، وقال: قال أبو اسحاق هذا حديث صحيح. انتهى.

ورواه أحمد: ٤/١٣٨، بروايتين.

ورواه الحاكم في المستدرك: ١/٣١٣، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.

ورواه في: ١/٥١٩، بسندين آخرين، وقال بعدهما: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.

ورواه في: ١/٥٢٦، وقال: تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والاسناد والقول...

وقال أيضاً: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وإنما قدمت حديث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد.

ورواه الطبراني في كتاب الدعاء/٣٢٠، وما بعدها بعدة طرق، وكذا في المعجم الكبير: ٩/ ٣١، والصغير: ١/١٨٣، وصححه.

ورواه في مجمع الزوائد: ٢/٢٧٩، وقال:

قلت: روى الترمذي وابن ماجة طرفاً من آخره خالياً عن القصة، وقد قال الطبراني عقبه: والحديث صحيح، بعد ذكر طرقه التي روى بها.

ورواه في كنز العمال: ٢/١٨١، و٦/٥٢١ ( ت، هـ، ك، عن عثمان بن حنيف ). ( حم ت: حسن صحيح غريب هك وابن السني عن عثمان بن حنيف ) ورواه ابن خزيمة في صحيحه: ٢/٢٢٥ وروى الطبراني تطبيق عثمان بن حنيف للحديث بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما سيأتي.

وفي السنن الكبرى للنسائي: ٦/١٦٨:

أخبرنا محمد بن معمر قال، حدثنا حبان قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا جعفر عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمي أتى النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أعمى، فادع الله أن يشفيني، قال بل أدعك، قال: أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً.

٢٩٠

قال: توضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك الى الله أن يقضي حاجتي، أو حاجتي الى فلان، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي. انتهى.

ثم رواه النسائي بروايتين أخريتين.

٢ - توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

روى الحاكم في المستدرك: ٣/٣٣٤:

أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، ثنا الحسن بن علي بن نصر، ثنا الزبير بن بكار، حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني، عن داود بن عطاء المدني، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أنه قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه اليك به فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله. قال فخطب عمر الناس فقال:

أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس مايرى الولد لوالده، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس، واتخذوه وسيلة الى الله عز وجل فيما نزل بكم! انتهى. وروته عامة مصادرهم.

٣ - توسل الناس في المحشر واستشفاعهم بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

روى ذلك البخاري في عدة مواضع، في صحيحه: ٥/١٤٧:

عن أنسرضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض، فيأتونه فيقول لست هناكم...

٢٩١

ائتوا ابراهيم... ائتوا موسى... ائتوا عيسى... ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن... الخ.

ونحوه بتفاوت في: ٧ /٢٠٣، و: ٨/١٧٢ و١٨٣، وروته عامة مصادرهم.

٤ - ما ورد عندهم من الدعاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالوسيلة

قال البخاري في صحيحه: ١/١٥٢:

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته.. حلَّت له شفاعتي يوم القيامة.

ورواه البخاري في: ٥/٢٢٨، وابن ماجة: ١/٢٣٩، وأبو داود: ١/ ١٢٩، والنسائي: ٢/٢٧، والترمذي: ١/ ١٣٦، والبيهقي في السنن: ١/٤١٠، والهيثمي في الزوائد: ١/٣٣٣ و: ١٠/١١٢، وفي كنز العمال: ٢/٨٠ و: ٧/٦٩٨ و٧٠٣... وغيرها.

هذه هي صيغة البخاري، التي لم يرو في صحيحه غيرها، وهي تريد الايحاء بأن الدعاء بالوسيلة دعاءٌ مستقل يستحب أن يدعو به المسلمون عند سماع الأذان، ولا علاقة لها بصيغة الصلاة على النبي، ولا علاقة لها بآله!!

وقد تبع البخاري محدثون آخرون كما رأيت، ثم تبعهم الفقهاء فأفتوا بهذا الدعاء فصار سنةً للسنيين في عملهم ومساجدهم!

ولكن وردت لهذا الدعاء صيغةٌ أخرى صحيحةٌ عندهم أيضاً، تقول إن هذا الدعاء جزءٌ من صيغة الصلاة على النبي التي علمها للمسلمين، وأمرهم أن يصلوا على آله معه، وأن يختموها بالدعاء له بالوسيلة!!

وفي بعضها أن الدعاء بالوسيلة مقدمةٌ للصلاة عليه وآله!

فلماذا صار دعاء الوسيلة عندهم دعاءً مستقلاً للرسول وحده، بدون آله!!

السبب عندهم: أن الصلاة على آل النبي معه والدعاء لهم معه، أمرٌ ثقيلٌ على

٢٩٢

الخلافة القرشية، التي فرضت عليهم العزل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لذلك اختار الرواة بدله الدعاء للنبي بالوسيلة، وجعلوه أمراً مستقلاً خاصاً بالنبي دون آله، مماشاةً للخلافة القرشية!!

والطريف أنهم رووه عن جابر بن عبد الله الأنصاريرحمه‌الله ، المعروف بأحاديثه القوية في وجوب ولاية أهل البيتعليهم‌السلام ، حتى أنهم رووا عنه أنه كان في زمن معاوية يتوكأ على عصاه ويدور في سكك المدينة ويبلغ المسلمين ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في من أبغض عليا وأهل البيت النبوي الطاهرين!

ويلاحظ أن الذي رواه عن جابر عند البخاري هو محمد بن المنكدر، المبغض لأهل البيتعليهم‌السلام !!

ولك أن تقارن بين رواية البخاري، وبين رواية مسلم وغيره لهذا الدعاء!!

قال مسلم في صحيحه: ٢/٤:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاةً صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة!

ورواه النسائي: ٢/٢٥، وأبو داود: ١/١٢٨، والترمذي: ٥/٢٤٧، والبيهقي سننه: ١/٤٠٩، والهيثمي في مجمع الزوائد: ١/٣٣٢.

ورواه أحمد: ٢/١٦٧، ونحوه في: ٢/٢٦٥، وقال ( من صلى عليَّ ليس في البخاري )!!

وأفتى به النووي في المجموع: ٣/١١٦:

وقدمه في تلخيص الحبير: ٣ /٢٠٣، على رواية البخاري فقال:

( قوله ) من المحبوبات أن يصلي المؤذن وسامعه على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً

٢٩٣

الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته. أخرجه مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، الحديث.

وأخرج البخاري وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعاً من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة.. الحديث، لكن ليس فيه والدرجة الرفيعة. انتهى.

وقال السيوطي في الدر المنثور: ٥/٢١٩:

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قال: قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟

قال قولوا: اللهم صل على محمد، وأبلغه درجة الوسيلة من الجنة. اللهم اجعل في المصطفين محبته، وفي المقربين مودته، وفي عليين ذكره وداره، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد. انتهى.

فقد نصت هذه الأحاديث الصحيحة عندهم على أن الدعاء لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالوسيلة إنما هو جزءٌ من صيغة الصلاة الشرعية عليه، صلى الله عليه وعليهم، فهل يعقل أن يكون أمر باضافة آله معه في الصلاة عليه، ثم أفرد نفسه عنهم في الدعاء!!

وبذلك يترحج أن يكون أصل النص النبوي لهذا الدعاء ما روته مصادرنا، وفيه ذكر أهل بيته معه، كما سيأتي.

ماهي الوسيلة التي ورد الدعاء بها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ذكرت بعض المصادر السنية أنها درجةٌ ومنزلةٌ في الجنة، تكون لشخص واحد من الخلق، ولذا طلب من المسلمين أن يدعوا له ليكون هو ذلك الشخص.

٢٩٤

ولكن ذلك يشبه كلام التوراة، فكأن درجة الوسيلة موضوع قرعة أو مسابقة بين الأنبياء ولم يعلم صاحبها بعد! فالرسول للهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرجو أمته أن يدعوا له أن تكون له!

قال مسلم في صحيحه: ٢/٤:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فانه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرآ، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة! انتهى.

ورواه أبو داود: ١/ ١٢٨، والترمذي: ٥ /٢٤٧، والبيهقي في السنن: ١/٤٠٩ وأحمد: ٢/١٦٧ و١٦٨، وفي: ٢/٢٦٥ و٣٦٥، عن أبي هريرة، والترمذي: ٥/٤٦ ٢، عن كعب عن أبي هريرة. وفي مجمع الزوائد: ١/٣٣٢، عن أبي سعيد الخدري، وأبى هريرة، وفي كنز العمال: ٢/ ٧٩ و١٣٤ و: ٧/٦٩٨ و٧٠٠ و: ١٤/ ٤٠٠ و: ١/٤٨٩ و٤٩٤ و٤٩٧، وفردوس الأخبار: ٥/١٤٧

بينما روت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام أن أمر الوسيلة مفروغٌ عنه، وهي أعلى مساكن الفردوس، وأنها للنبي وآله، الى جانب مساكن ابراهيم وآله صلى الله عليهم.

ووافقتها بعض مصادر السنيين:

فقد روى ابن مردويه كما في كنز العمال: ١٢/ ١٠٣ و: ١٣/٦٣٩:

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: في الجنة درجة تدعى الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة.

قالوا: يا رسول الله، من يسكن معك فيها؟

قال: علي وفاطمة والحسن والحسين. انتهى.

وهذه هي الصيغة المعقولة لحديث الوسيلة والدعاء بها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .. ولكن ذلك ليس في مصلحة الخلافة القرشية!! ولذا تركوا هذه الصيغة ورووا غيرها!!

٢٩٥

أحاديث تفسر الوسيلة في مصادرنا

قال الصدوق في معاني الأخبار/١١٦:

١١٦ - حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدثنا العباس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة قال: حدثنا أبوحفص العبدي قال: حدثنا أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا سألتم الله لي فسلوه الوسيلة.

فسألنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوسيلة؟

فقال: هي درجتي في الجنة، وهي ألف مرقاة، ما بين المرقاة الى المرقاة حضر الفرس الجواد شهراً، وهي ما بين مرقاة جوهر الى مرقاة زبرجد، الى مرقاة ياقوت، الى مرقاة ذهب، الى مرقاة فضة.

فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين، فهي في درجة النبيين كالقمر بين الكواكب، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال طوبى لمن كانت هذه الدرجة درجته. فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق: هذه درجة محمد.

فأقبل أنا يومئذ متزراً بريطة من نور، عليّ تاج الملك، واكليل الكرامة، وعلي بن أبي طالب أمامي، وبيده لوائي وهو لواء الحمد، مكتوب عليه ( لا الَه إلا الله، المفلحون هم الفائزون بالله ). فإذا مررنا بالنبيين قالوا: هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما. وإذا مررنا بالملائكة قالوا: نبيين مرسلين، حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني، حتى إذا صرت في أعلى درجة منها وعلي أسفل مني بدرجة، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال: طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله تعالى!

فيأتي النداء من قبل الله عز وجل يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين: هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي، طوبى لمن أحبه، وويل لمن أبغضه وكذب عليه. فلا يبقى يومئذ أحدٌ أحبك يا علي إلا استروح الى هذا الكلام، وابياضَّ وجهه

٢٩٦

وفرح قلبه، ولا يبقى أحدٌ ممن عاداك أو نصب لك حرباً أوجحد لك حقاً، إلا اسود وجهه واضطربت قدماه.

فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إليّ، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة، وأما الآخر فمالك خازن النار، فيدنو رضوان فيقول: السلام عليك يا أحمد.

فأقول: السلام عليك أيها الملك، من أنت؟ فما أحسن وجهك الطيب وأطيب ريحك!

فيقول: أنا رضوان خازن الجنة، وهذه مفاتيح الجنة بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به، ادفعها الى أخي علي بن أبي طالب، فيدفع الى علي.

ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول: السلام عليك يا أحمد.

فأقول: عليك السلام أيها الملك، فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك، من أنت؟!

فيقول: أنا مالك خازن النار، وهذه مقاليد النار بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به، ادفعها الى أخي علي بن أبي طالب، فيدفعها اليه ثم يرجع مالك.

فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار، حتى يقف بحجزة جهنم وقد تطاير شررها وعلا زفيرها واشتد حرها، وعلي آخذٌ بزمامها فيقول له جهنم: جزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي، فيقول لها علي: قري يا جهنم: خذي هذا واتركي هذا! خذي عدوي واتركي وليي.

فَلَجهنم يومئذٍ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه، فإن شاء يذهبها يمنة، وإن شاء يذهبها يسرة، ولجهنم يومئذٍ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق. انتهى.

٢٩٧

ورواه في روضة الواعظين/١١٣، وبشارة المصطفى/٢١، وتفسير القمي: ٢/٣٢٤، وفي آخره ( وذلك أن علياً يومئذٍ قسيم الجنة والنار ) وفي بصائر الدرجات/٤١٦:

خطبة الوسيلة من كتاب الكافي

روى الكلينيرحمه‌الله خطبة عظيمة خطبها أمير المؤمنينعليه‌السلام ، تسمى خطبة الوسيلة، تتضمن تفصيلات عن درجة الوسيلة في الجنة لمحمد وآله صلى الله عليه وعليهم.

ونظراً لأهميتها وفوائدها أوردنا منها أكثر من محل الشاهد.

قالرحمه‌الله في الكافي: ٨/١٨:

خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي خطبة الوسيلة:

محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال: دخلت على أبي جعفر فقلت: يا بن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها!

فقال: يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا، ومن أي جهة تفرقوا؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله.

قال: فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر، إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيامه، يا جابر إسمع وع.

قلت: إذا شئت.

قال: اسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك: إن أمير المؤمنين خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن، وتأليفه فقال:

الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده، وحجب العقول أن تتخيل ذاته، لامتناعها من الشبه والتشاكل، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته، ولا يتبعض بتجزئة

٢٩٨

العدد في كماله، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، ويكون فيها لا على وجه الممازجة، وعلمها لا بأداة، لا يكون العلم إلا بها، وليس بينه وبين معلومه علمٌ غيره به كان عالماً بمعلومه.

إن قيل كانَ، فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل لم يزل، فعلى تأويل نفي العدم.

فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه، واتخذ إلَها غيره علواً كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه، وأوجب قبوله على نفسه، وأشهد أن لا الَه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار، والجواز على الصراط، وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة.

أكثروا من الصلاة على نبيكم: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

أيها الناس: إنه لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجع من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقناعة، ولا كنز أغنى من القنوع ومن أقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوء خفض الدعة.

والرغبة مفتاح التعب، والاحتكار مطية النصب، والحسد آفة الدين، والحرص داع الى التقحم في الذنوب، وهو داع للحرمان، والبغي سائق الى الحين، والشره جامع لمساوي العيوب.

رب طمع خائب وأمل كاذب، ورجاء يؤدي الى الحرمان، وتجارة تؤول الى الخسران.

ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب، فقد تعرض لمفضحات النوائب، وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.

٢٩٩

أيها الناس: إنه لا كنز أنفع من العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الأدب، ولا نصب أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوءة أسوأ من الكذ ب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس: إنه من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن نسي زلته استعظم زلل غيره، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن سفه على الناس شتم، ومن خالط الأنذال حقر، ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس: إنه لا مال أعود من العقل، ولا فقر أشد من الجهل، ولا واعظ أبلغ من النصح، ولا عقل كالتدبير، ولا عبادة كالتفكر، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا وحشة أشد من العجب، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حلم كالصبر والصمت.

أيها الناس: في الانسان عشر خصال يظهرها لسانه: شاهدٌ يخبر عن الضمير، حاكمٌ يفصل بين الخطاب، وناطقٌ يرد به الجواب، وشافعٌ يدرك به الحاجة، وواصفٌ يعرف به الأشياء، وأميرٌ يأمر بالحسن، وواعظٌ ينهى عن القبيح، ومعزٌ تسكن به الأحزان، وحاضرٌ تجلى به الضغائن، ومونقٌ تلتذ به الأسماع.

أيها الناس: إنه لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل. واعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم، ومن لا يعلم يجهل، ومن لا يتحلم لا يحلم، ومن لا يرتدع لا يعقل، ومن لا يعقل يهن، ومن يهن لا يوقر، ومن لا يوقر يتوبخ، ومن يكتسب مالاً من غير حقه يصرفه في غير أجره، ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم، ومن لم يعط قاعداً منع قائماً، ومن يطلب العز بغير حق يذل، ومن يغلب بالجور يغلب، ومن عاند الحق لزمه الوهن، ومن تفقه وقر، ومن تكبر حقر، ومن لا يحسن لا يحمد.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523