العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية7%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196159 / تحميل: 7979
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا

ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد، فهذا هو المجلد الرابع من ( العقائد الإسلامية ) وقد اشتمل على قسمين:

الأول، في إثبات شفاعة أهل بيت النبي صلى الله عليه وعليهم..

وقد مهدنا له بفصل عن شفاعة أحد كبار شيعتهم ( أويس القرني ) رضوان الله عليه، الذي اتفقت مصادر الجميع على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشر به أنه يكون بعده، وأنه من كبار أولياء الله، وأنه يشفع يوم القيامة لعدد كبير من الناس!!

ثم عرضنا الأحاديث الشريفة التي تدل على أن شفاعة النبي العظمى يوم القيامة تكون بيد أهل بيته الطاهرينصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وختمنا باب الشفاعة ببعض أحكامها وما ينبغي للمسلم أن يكون اعتقاده وموقفه منها.

٣

أما القسم الثاني، فقد بحثنا فيه مسألة التوسل والاستشفاع والاستغاثة بالنبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحثاً مستوفياً لآياتها وأحاديثها، ورأي علماء المذاهب الأربعة فيها، وشبهات ابن تيمية وأتباعه عليها، خاصةً في عصرنا الحاضر.

وقد أجبنا على هذه الشبهات، وأوردنا خلاصة إجابات علماء المذاهب الأربعة عليها، ومقتطفات من أهم الكتب التي ألفوها في الرد عليهم.

نسأل الله أن يوفقنا لاكمال هذه الدورة العقائدية المقارنة.

وسيكون المجلد الخامس منها في مسائل العصمة، إن شاء الله تعالى، وهو ولي التوفيق.

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

علي الكوراني العاملي      

٤

الفصل الرابع عشر

شفاعة أحد شيعة أهل البيتعليهم‌السلام

أويس القرني أحد كبار الشفعاء

ثبت في مصادر الطرفين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نص على عدد من الصحابة بأسمائهم، أن لهم مقاماً كبيراً عند الله تعالى، وأن الجنة تشتاق اليهم!

والملاحظ أنهم كلهم من شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ..

أما من التابعين فمن المتفق عليه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عن أويس القرني وبشر بأنه يأتي بعده، وأنه من كبار أولياء الله تعالى، وأنه مستجاب الدعوة، وأنه يشفع عند الله تعالى لمئات الألوف، أو ملايين الناس!

ولما رأى المسلمون أويساً بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استبشروا به وتبركوا به، وكانوا يحرصون على الفوز بدعاء منه، ولو بكلمة ( غفر الله لك )!

وقد حاول الخلفاء أن يتقربوا اليه، ولكنه هرب منهم، وفضل أن يعيش مغموراً مع الفقراء من شيعة عليعليه‌السلام ، حتى إذا وصلت الخلافة لعليعليه‌السلام نهض معه، وشارك

٥

في حروبه، واستشهد تحت رايته في صفين.. وقبره هناك الى جانب قبر عمار بن ياسر، في مدينة الرقة السورية، وقد وفقنا الله لزيارته.

والمتأمل في النصوص الواردة في مصادر السنيين في أويس، يلاحظ فيها تناقضاً كثيراً، نشأ من أنهم أرادوا أن يغطوا على فراره من عمر، وامتناعه من الدعاء له والإقامة عنده، فوضعوا أحاديث عن لقائه به، يناقض بعضها بعضاً!

كما أن سهادة أويس في صفين مع عليعليه‌السلام ، كانت حجة لعلي والمسلمين على أن معاوية وحزبه هم أهل الباطل، والفئة الباغية التي أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنها تقتل عمار بن ياسررحمه‌الله .

لذلك حاول الأمويون وأتباعهم أن ينفوا أصل بشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأويس، ومكانته المميزة عند الله تعالى!

ثم عندما عجزوا عن ذلك حاولوا أن ينفوا أنه قتل في صفين، وادعوا أنه توفي في طريقه الى الشام، وجعلوا له في الشام قبراً ومزارا!!

أويس خير التابعين

روى مسلم في صحيحه: ٧/١٨٨:

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فبريء... وستأتي بقية الحديث.

ورواه أحمد في مسنده: ١/٣٨

وروى ابن سعد الطبقات: ٦/١٦١:

قال أخبرنا مسلم بن ابراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثني رجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خليلي من هذه الأمة أويس القرني.

قال أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري، عن

٦

أبي نضرة، عن أسير بن جابر بن عمر، أنه قال لأويس: استغفر لي.

قال: كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس.

ورواه الحاكم في المستدرك: ٣/٤٠٢ ورواه الخطيب في الجمع والتفريق: ١/٤٨٠ ورواه ابن معين في تاريخه ( رواية الدوري ): ١/٣٢٤ ونحوه في الجامع الصغير: ٣ حديث رقم ٤٠٠١

وروى أبو نعيم في حلية الأولياء: ٢/٨٦:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا علي بن حكيم، أخبرنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قال: قلنا نعم، وما تريده منه؟

قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان. وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي رضى الله تعالى عنهم.

وقال أبو نعيم في الحلية: ٢/٨٢، بعد حديث عن أويس: فهذا ما أتانا عن أويس خير التابعين... انتهى.

وقال في كنز العمال: ١٢/٧٣:

إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فبريء، فمروه فليستغفر لكم ( م. عن عمر )...

خير التابعين أويس ( ك. عن علي ).

خير التابعين أويس القرني ( ك عن علي، ق، كر عن رجل ). انتهى.

وقد وردت صفة ( خير التابعين ) في أحاديث أخرى، كما سيأتي.

٧

خير التابعين صارت: من خير التابعين!!

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ١٠/٢٢:

عن ابن أبي ليلي قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد، وإسناده جيد. انتهى.

ورواه في تاريخ ابن معين رواية الدوري: ١/٣٢٤

وفي طبقات ابن سعد: ٦/١٦١:

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين فقال: أفيكم أويس القرني؟ قالوا نعم، قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من خير التابعين أويساً القرني، ثم ضرب دابته فدخل فيهم.

ورواه اللالكائي في كرامات الأولياء/١٠٩، بطريقين.

وفي كنز العمال: ١٢/٧٣:

إن من خير التابعين أويس القرني ( حم، وابن سعد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة، حم، كر، عن رجل ). انتهى.

راجع للتدقيق: طبقات ابن سعد: ٦/١١٣، وميزان الاعتدال: ١/٢٧٩ و٢٨٢، ولسان الميزان: ١/٤٧٢، وسير أعلام النبلاء: ٤/٢١، وتاريخ الإسلام للذهبي: ٣/٥٥٦، والبداية والنهاية: ٦/٢٢٥

راجع أيضاً: اُسد الغابة: ١/١٥١، وأعلام النبلاء: ٤/٢٠، وكنز العمال: ١٢/٧٤

هل أن كلمة ( من ) إضافة أموية؟!

من الطبيعي أن تكون قصة الرجل الذي سأل عن أويس في صفين، وشهادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله التي رواها في حقه وحق عليعليه‌السلام ، واحدة من الحجج التي استعملها

٨

المسلمون لإثبات أن معاوية وأهل الشام على الباطل.

ويبدو أن الأحاديث في عمار بن ياسر وأنه تقتله الفئة الباغية، والأحاديث في أويس، لم يكن لها جواب عند مؤيدي معاوية، ولكن بعد سيطرته على بلاد المسلمين عمل على تضعيف هذه الأحاديث وإبطال مفعولها.

ويظهر أن البصريين كانوا أكثر استجابة له من الكوفيين، فقد قال ابن أبي الوفاء في الجواهر المضية في طبقات الحنفية/٤١٩:

أهل المدينة يقولون أفضل التابعين سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة أويس القرني، وأهل البصرة الحسن البصري. انتهى.

وقد حاول النووي أن يوفق بين رواية مسلم وبين قول لأحمد بن حنبل! فقال في شرح مسلم - بهامش الساري: ٩/٤٢٩:

قوله ( ص ) خير التابعين رجل يقال له أويس... وقد يقال: قد قال أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب؟!

والجواب: أن مرادهم أن سعيد أفضل في العلوم الشرعية.. لا في الخير. انتهى.

وهذا النوع من العمل كثير عند الفقهاء السنيين، فتراهم يتركون الرواية التي صحت عندهم عن نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله - وهي تقول هنا إن أويساً خير التابعين مطلقاً، ولا تقيد ذلك بناحية دون ناحية - لكي يصححوا قول شخص في مقابل حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ !!

كان أويس أسمر اللون جسيماً مهيباً

في حلية الأولياء: ٢/٨٢، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا أبا هريرة إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم

٩

يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا.

قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟

قال: ذاك أويس القرني.

قالوا: وما أويس القرني؟

قال: أشهل، ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه الى صدره، رام بذقنه الى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله يتلو القرآن، يبكي عليّ نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه.

ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة، ويقال لأويس قف فاشفع، فيشفع لله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر.

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٤:

عن هرم بن حيان العبدي قال: قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا أويس، أسأل عنه فدفعت اليه بشاطيء الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فإذا رجل آدم محلوق الرأس كث اللحية مهيب المنظر، فسلمت عليه ومددت اليه يدي لأصافحه، فأبى أن يصافحني! فخنقتني العبرة لما رأيت من حاله، فقلت: السلام عليك يا أويس، كيف أنت يا أخي؟

قال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان، من دلك عليّ؟

قلت: الله عز وجل.

قال: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.

قلت: يرحمك الله من أين عرفت اسمي واسم أبي، فوالله ما رأيتك قط، ولا رأيتني!

١٠

قال: عرفت روحي روحك، حيث كلمت نفسي، لأن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله عز وجل وإن نأت بعد بهم الدار وتفرقت بهم المنازل! انتهى، ونحن نشك في شهادة هرم لنفسه عن لسان أويس!

ورواهما في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٨

صورة من تزاحم المسلمين على أويس

روى الحاكم: ٢/٣٦٥، وصححه:

أخبرني الحسن بن حليم المروزي، ثنا أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد الله بن المبارك، أنبأ جعفر بن سليمان، عن الجريري، عن أبي نضرة العبدي، عن أسير بن جابر قال: قال لي صاحب لي وأنا بالكوفة: هل لك في رجل تنظر اليه؟ قلت نعم، قال هذه مدرجته وإنه أويس القرني، وأظنه أنه سيمر الآن.

قال: فجلسنا له فمر، فإذا رجل عليه سمل قطيفة، قال والناس يطؤون عقبه، قال وهو يقبل فيغلظ لهم ويكلمهم في ذلك فلا ينتهون عنه، فمضينا مع الناس، حتى دخل مسجد الكوفة ودخلنا معه، فتنحى الى سارية فصلى ركعتين، ثم أقبل الينا بوجهه فقال: يا أيها الناس مالي ولكم، تطؤون عقبي في كل سكة، وأنا إنسان ضعيف، تكون لي الحاجة فلا أقدر عليها معكم، لا تفعلوا رحمكم الله، من كانت له إلي حاجة فليلقني هاهنا.

شعاره الصدق والجد في أمر الله تعالى

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٥:

أخبرنا أبو العباس السياري، ثنا عبدالله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا يزيد بن يزيد البكري قال: قال أويس القرني: كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم. انتهى.

ومعنى كلامهرحمه‌الله : أن خوف الله تعالى يجب أن يكون في نفس المؤمن بدرجة

١١

عالية، كأن في رقبته قتل الناس كلهم، ليكون في تصرفاته مثل القاتل الملاحق دقيقاً حذراً متقياً، وشعوره بالمسؤولية أمام الله تعالى عميقاً.

وروى نحوه البيهقي في شعب الايمان: ١/٥٢٤

وهو صاحب مدرسة في شكر نعم الله تعالى

في كتاب المجروحين لابن حبان: ٣/١٥١:

أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك عليّ، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له، فليستغفر له. انتهى.

وقد وردت هذه القصة في أحاديثه، كما سترى.

زاهد يضرب بزهده المثل

في حلية الأولياء: ٢/٨٧:

عن علقمة مرثد قال: انتهى الزهد الى ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خيثم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن. انتهى. وهو يقصد بالأخير الحسن البصري.

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/١٩:

هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.

وقال في هامش سير أعلام النبلاء: ١٨/٥٥٨:

ذكر ابن خلكان في الوفيات: ٢/٢٦٣: أن الذي ضرب به الحريري المثل في المقامات هو دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي

١٢

المتوفى سنة ٥٢٩، من أحفاد المترجم، وقد وهم المؤلف في ذلك، وأورد ذكره الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين وهي المقامة العمانية، وفيها يصف كيف أحاطت الجماعة بأبي زيد تثني عليه، وتقبل يديه، حتى خيل إلي أنه القرني أويس، أو الأسدي دبيس. انظر مقامات الحريري/٣٤٢ ( ط: صادر ).

وفي لسان الميزان: ١/٤٧١:

قال ابن عدي ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد العزيز بن سلام، سمعت اسحاق بن ابراهيم يقول: ما شبهت عدي بن سلمة الجزري إلا بأويس القرني تواضعاً. وذكره في ميزان الاعتدال: ١/٢٧٩

زاهد يحمل هم الفقراء ويتصدق عليهم حتى بطعامه وثيابه

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٦:

أخبرني أبو العباس قاسم بن القاسم السياري بمرو، ثنا عبد الله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا سفيان الثوري قال: كان لأويس القرني رداء إذا جلس مس الأرض، وكان يقول: اللهم إني أعتذر اليك من كل كبد جائعة وجسد عار، وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني.

ورواه البيهقي في شعب الايمان: ١/٥٢٤

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٧:

عبيد الله بن عبد الكريم ثنا سعيد بن أسد بن موسى ضمرة بن ربيعة عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرني إذا أمسى يقول هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح.

وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح.

وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.

١٣

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/٢٩:

عبد الله بن أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبوبكر بن عياش، عن مغيرة، قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه، حتى يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه الى الجمعة.

عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني، وفرات بن حيان.

( ورواه في كنز العمال: ١٢/٧٤: وقال: حم، في الزهد، حل عن محارب بن دثار وعن سالم بن أبي الجعد ).

أبو نعيم: حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا ابن جرير، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن شريك عن جابر، عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟

قال: أصبحت أحمد الله عز وجل.

قال: كيف الزمان عليك؟

قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار.

يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً... الخ.

عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله حق لم يترك له صديقاً...

وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب، ثم قال: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياً فلا تؤاخذني به. ( الحلية ٢/٨٣ )

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٤:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن

١٤

دثار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري، يحجزه إيمانه أن يسأل الناس! منهم أويس القرني وفرات بن حيان.

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: وكان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتي يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه. أي الى الجمعة.

وفي كتاب الزهد للشيباني/٣٤٦:

حدثنا عبدالله، حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: إن أويس القرني ليتصدق بثيابه حتى يجلس عرياناً لا يجدها يروح فيه الى الجمعة.

وفي لسان الميزان: ١/٤٧٤:

سفيان الثوري: حدثني قيس بن يسير بن عمرو، عن أبيه أن أويساً القرني عري غير مرة فكساه أبي، قال وكان أويس يقول: اللهم لا تؤاخذني بكبد جائعة، أو جسد عار.

وفي ص ٢٨٠: وقال ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، قال: كان أويس يجالس رجلاً من فقهاء الكوفة يقال له يسير ففقدته، فإذا هو في خص له قد انقطع من العري... وذكره في ميزان الاعتدال: ١/٢٨٢، وفي سير أعلام النبلاء: ٢٩٤ - ٣٣٠ انتهى.

**

وهذه النصوص تكشف عن الفقر الشديد الذي كانت تعيشه طبقة واسعة من المجتمع الإسلامي، وأن أموال الفتوحات صرفت في الطريق قبل أن تصل اليها، فكان بعضها لا يملك حتى ثوبين مناسبين يتستر بهما، بل كان فيهم من يموت من الجوع!!

١٥

ولذلك كان أويس يدعو الله تعالى أن لا يؤاخذه بعري العارين، وجوع الجائعين، لأنه لا يملك إلا ثوبيه اللذين يلبسهما، ولا يملك إلا ما في بطنه من طعام، وكل ما يحصل عليه من عمله ومن هدايا الناس، كان يعطيه لهؤلاء للفقراء!!

وهي تدل أيضاً على أن زهد أويس كان زهداً واعياً يحمل هم الفقراء، وكان يحمل مسؤولية فقرهم وبؤسهم للخليفة والدولة، والطبقة المترفة التي كونت ثروتها من الفتوحات، وكانت تنقم من أويس أنه يهتم بهم، ويأمر من أجلهم بالمعروف وينهى عن المنكر، وسيأتي رأيه في الخلفاء غير عليعليه‌السلام وما لاقاه منهم!

وقد ربى أويس تلاميذ على سيرته

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٨:

حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن معين، حدثني أبو عبيدة الحداد، ثنا أبو مكين قال: رأيت امرأة في مسجد أويس القرني قالت: كان يجتمع هو وأصحاب له في مسجدهم هذا، يصلون ويقرؤون في مصاحفهم فآتي غداءهم وعشاءهم هاهنا، حتى يصلوا الصلوات، قالت: وكان ذلك دأبهم ما شهدوا حتى غزوا، فاستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنهم أجمعين.

رأيه في الحكّام غير عليعليه‌السلام

قال الشاطبي في الاعتصام: ١/٣٠:

نقل عن سيد العابدين بعد الصحابة أويس القرني أنه قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا!! ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين!!

وفي مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٥:

حدثنا أحمد بن زياد الفقيه الدامغاني، ثنا محمد بن أيوب، أنا أحمد بن يونس،

١٦

ثنا أبو الأحوص، حدثني صاحب لنا قال: جاء رجل من مراد الى أويس القرني فقال السلام عليكم، قال وعليكم.

قال: كيف أنتم يا أويس؟

قال: الحمد لله.

قال: كيف الزمان عليكم؟

قال: لا تسأل! الرجل إذا أمسى لم ير أنه يصبح، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي!

يا أخا مراد، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحاً.

يا أخا مراد، إن عرفان المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة ولا ذهباً.

يا أخا مراد، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقاً! والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذوننا أعداء، ويجدون على ذلك من الفاسقين أعواناً، حتى والله لقد يقذفوننا بالعظائم، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق!! انتهى.

وفي بحار الأنوار: ٦٨/٣٦٧:

أعلام الدين: روي عن أويس القرنيرحمه‌الله قال لرجل سأله كيف حالك؟

فقال: كيف يكون حال من يصبح يقول: لا أمسي، ويمسي يقول: لا أصبح، يبشر بالجنة ولا يعمل عملها، ويحذر النار ولا يترك ما يوجبها.

والله إن الموت وغصصه وكرباته وذكر هول المطلع وأهوال يوم القيامة، لم تدع للمؤمن في الدنيا فرحاً، وإن حقوق الله لم تبق لنا ذهباً ولا فضة، وإن قيام المؤمن بالحق في الناس لم يدع له صديقاً، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيشتمون أعراضنا، ويرموننا بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين!! إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله!

اضطهاد مخابرات الخلافة لأويس

يفهم من نصوص أويس أن سلطة الخلافة لم تتحمل منه ابتعاده عن الحكام وامتناعه أن يستغفر لهم، ثم أمره إياهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعريضه

١٧

وإعلانه بسيرته ودعائه كل يوم أنهم مسؤولون عن جوع الجائعين وعري العارين.. وكأنه بذلك يقول للناس إنهم لا يصلحون للحكم بإسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

لقد عبر هذا الولي الذي هو آية من آيات الله تعالى، ومعجزة من معجزات رسوله بكلماته القليلة عن محنته ومعاناته من مخابرات السلطة في زمن عمر وأبي بكر وعثمان، ولم يكن ذنبه أنه نافس أحداً في سلطان، ولا جمع حوله قبيلته قرن وكون منهم قوة سياسية تطالب بحصة من أموال الفتوحات.. بل كان يعيش عيشة الفقراء مع الفقراء، ويعبد ربه عز وجل، ويأمر بالمعروف وينهى المنكر..

ولكن السلطة مع ذلك لم تتركه، فاتخذته عدواً! وسلطت عليه الفساق واتهمته بالعظائم والجرائم والمعايب، على حد تعبيره!!

ولهذا ينبغي أن نبحث عن السلطة وراء كل ما نشك فيه من روايات أويس، ومن أولها الروايات التي تقول أن القرنيين سئلوا عنه فلم يعرفوه، والتي احتج بها البخاري على تضعيف أويس، وعدم قبول روايته!!

فكيف يتعقل إنسان أن شخصية بمستوى أويس، كان يبحث عنه الخليفة عمر، وكل أمله أن ينطق له بكلمة ( غفر الله لك ) لأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له إن استطعت أن يستغفر لك فهنيئاً لك!! ثم لا يكون معروفاً عند القرنيين وكل اليمانيين وموضع افتخارهم؟!

إن نفي القرنيين لمعرفتهم بأويس وتشكيكهم بنسبه، إما أن يكون مكذوباً، وإما أن تكون السلطة قد شوهت سمعة أويس وعزلته، حتى اضطر بعض القرنيين من قبيلته الصغيرة أن ينكروا أنه منهم!!

وتدل الروايات على أن سلطة الخلافة لم تستطع الانتقام من أويس مباشرة، بسبب مكانته في قلوب المسلمين.. ولذلك اتبعت أسلوب إيذائه وتحقيره، ووكلت به رجلاً حكومياً من عشيرته، يؤذيه ويشيع التهم حول شخصيته ونواياه، وأنه رجل مراءٍ ومجنون!!

١٨

فابن عمه الذي ورد أنه كان من رجال حاكم الكوفة، وكان مولعاً بأويس يشتمه ويؤذيه.. كان واحداً من عملاء السلطة المكلفين بتحقير أويس وأذيته، لاسقاط شخصيته ومنع تأثيره على المسلمين!!

فقد روى الحاكم في المستدرك: ٣/٤٠٤ عن أسير بن جابر، قال:

فكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكرهم وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره، ففقدته يوماً فقلت لجليس لنا: ما فعل الرجل الذي كان يقعد الينا، لعله اشتكى؟

فقال: الرجل من هو؟

فقلت: من هو؟

قال: ذاك أويس القرني.

فدللت على منزله فأتيته فقلت يرحمك الله أين كنت، ولم تركتنا؟

فقال: لم يكن لي رداء، فهو الذي منعني من إتيانكم!

قال: فألقيت اليه ردائي، فقذفه إلي!

قال فتخاليته ساعة، ثم قال:

لو أني أخذت رداءك هذا فلبسته فرآه علّي قومي قالوا انظروا الى هذا المرائي لم يزل في الرجل حتى خدعه وأخذ رداءه!!

فلم أزل به حتى أخذه، فقلت: انطلق حتى أسمع ما يقولون!

فلبسه فخرجنا، فمر بمجلس قومه فقالوا: أنظروا الى هذا المرائي لم يزل بالرجل حتى خدعه وأخذ رداءه!!

فأقبلت عليهم فقلت: ألا تستحيون؟! لم تؤذونه؟! والله لقد عرضته عليه فأبى أن يقبله.

وروى ابن حبان في المجروحين: ٣/١٥١:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر رجلاً من قرن، وكان من أهل

١٩

الكوفة وكان من التابعين، فخرج وبه وضح، فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه فقال: اللهم دع في جسدي ما أتذكر به نعمتك. فترك الله منها ما يذكر به نعمته عليه، وكان رجلاً يلازم المسجد في ناس من أصحابه، وكان ابن عم له يلزم السلطان تولع به، فإن رآه مع قوم أغنياء قال ما هو إلا يشاكلهم! وإن رآه مع قوم فقراء، قال ما هو إلا يخدعهم!

وأويس لا يقول في ابن عمه إلا خيراً!! غير أنه إذا مر به استتر منه مخافة أن يأثم في سبه! انتهى.

وستأتي بقيته في روايات لقائه بعمر بن الخطاب.

أويس من شيعة عليعليه‌السلام

في مسند أحمد: ٣/٤٨٠:

حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا أبو نعيم قال: ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين:

أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من خير التابعين أويساً القرني. انتهى. وقد رواه أبونعيم في الحلية: ٢/٨٦ وقال في مجمع الزوائد: ١٠/٢٢: رواه أحمد وإسناده جيد ورواه ابن سعد في الطبقات: ٦/١٦٣ واللالكائي في كرامات الأولياء/١٠٩ وابن معين في تاريخه ( رواية الدوري ): ١/٣٢٤ واللواتي في تحفة النظار: ٢/١٩٠

وورواه أبو نعيم في الحلية: ٢/٢٢١، وقال بعده:

ورواه جماعة عن شريك، وقال ابن عمار الموصلي: ذكر عند المعافي بن عمران أن أويساً قتل في الرجالة مع علي بصفين، فقال معافي: ما حدث بهذا إلا الأعرج! فقال له عبد ربه الواسطي: حدثني به شريك، عن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى! قال: فسكت!! انتهى.

٢٠

ورواه كذلك في الإصابة: ١/٢٢١:

وقد تقدمت روايته عند الحاكم عن أبي مكين.

ورواه أبو نعيم أيضاً بذلك في ص ٢٢٢، ثم قال:

ومن طريق الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علياً يوم صفين يقول من يبايعني على الموت، فبايعه تسعة وتسعون رجلاً فقال: أين التمام؟

فجاءه رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس فبايعه على القتل، فقيل: هذا أويس القرني، فما زال يحارب حتى قتل.

ورواه الحاكم في: ٣/٤٠٢، فقال:

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

فضرب دابته حتى دخل معهم، ثم قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خير التابعين أويس القرني. انتهى.

ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: ٣/٥٥٦، بنحو رواية أحمد، قال:

عن ابن أبي ليلى قال: إن أويساً شهد صفين مع علي، ثم روى عن رجل أنه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أويس خير التابعين بإحسان.

ورواه في سير أعلام النبلاء: ٤/٣١، بنحو رواية الحاكم، قال:

شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قلنا نعم وما تريد منه؟

قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان، وعطف دابته فدخل مع أصحاب عليرضي‌الله‌عنه . رواه عبد الله بن

٢١

أحمد، عن علي بن حكيم الأودي، أنبأنا شريك. وزاد بعض الثقات فيه عن يزيد، عن ابن أبي ليلى، قال: فوجد في قتلى صفين.

وكذا رواه في اُسد الغابة: ٥/٣٨٠ وروته مصادرنا بنحوه في اختيار معرفة الرجال: ٣١٤١، وشرح الأخبار: ٢/٣، ومعجم رجال الحديث: ٤/١٥٤، وجامع الرواة: ١/١١٠، وغيرها.

صاحب البصيرة الزاهد، شجاعٌ مجاهد

في ميزان الاعتدال: ١/٢٨١:

وقال فضيل بن عياض: أخبرنا أبوقرة السدوسي، عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بمنى على المنبر: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقال: أفيكم من اسمه أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القفار والرمال.

قال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي.

فعادوا الى قرن، فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عرفني أمير المؤمنين، وشهر اسمي، ثم هام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرا، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة. انتهى.

راجع أيضاً: لسان الميزان: ١/٤٧٤، وتاريخ الإسلام للذهبي: ٣/٥٥٨، وسير أعلام النبلاء: ٤/٣٢

وفي مستدرك الحاكم: ٢/٣٦٥:

قال ثم قال أويس: إن هذا المجلس يغشاه ثلاثة نفر: مؤمن فقيه، ومؤمن لم يتفقه، ومنافق... لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، فقضاء الله الذي قضى شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا.

٢٢

اللهم ارزقني شهادة تسبق كسرتها أذاها، وأمنها فزعها، تؤوب الحياة والرزق. ثم سكت.

قال أسير فقال لي صاحبي: كيف رأيت الرجل؟

قلت ما ازددت فيه إلا رغبة، وما أنا بالذي أفارقه، فلزمناه فلم نلبث إلا يسيرا حتى ضرب على الناس بعث أمير المؤمنين عليرضي‌الله‌عنه ، فخرج صاحب القطيفة أويس فيه، وخرجنا معه فيه، وكنا نسير معه وننزل معه، حتى نزلنا بحضرة العدو.

قال ابن المبارك: فأخبرني حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر قال: فنادى عليرضي‌الله‌عنه : يا خيل الله اركبي وأبشري.

قال فصف الثلثين لهم، فانتضى صاحب القطيفة أويس سيفه حتى كسر جفنه فألقاه، ثم جعل يقول:

يا أيها الناس: تموا تموا، ليتمن وجوه ثم لا تنصرف حتى ترى الجنة.

يا أيها الناس تموا تموا، جعل يقول ذلك ويمشي وهو يقول ذلك ويمشي إذ جاءته رمية فأصابت فؤاده فبرد مكانه، كأنما مات منذ دهر.

قال حماد في حديثه فواريناه في التراب. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة.

نسب أويس القرني ونسبته

قال الطبري في تاريخه: ١٠/١٤٥:

وأويس القرني من مراد، وهو يحابر بن مالك بن مذحج، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، وهو يحابر بن مالك.

وقال الجوهري: ٦/٢١٨١:

والقرن: موضع، وهو ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني.

٢٣

وقال في هامشه: القرن هنا بتسكين الراء، وأما أويس القرني فليس منسوباً الى ميقات أهل نجد، وإنما نسبته الى بني قرن، بطن من مراد من اليمن.

وقال الخليل في كتاب العين: ٥/١٤٢:

وقرن: حي من اليمن، منهم أويس القرني.

وقال السمعاني في الأنساب: ٤/٤٨١:

القرني: بفتح القاف والراء وكسر النون.. هذه النسبة الى قرن، وهو بطن من مراد، يقال له قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، نزل اليمن، والمشهور بهذه النسبة المعروف في الأقطار: أويس بن عامر القرني، وقصته في الزهد معروفة، وقال الدار قطني: قرن، بفتحتين، فهو فيما ذكر ابن حبيب، قال: في مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، قوم أويس بن عامر القرني الزاهد.

والموضع الذي يحرم منه أهل نجد يقال له: قرن المنازل، بسكون الراء. وأويس سكن الكوفة، وكان عبداً زاهداً.

وفي اُسد الغابة: ١/١٥١:

أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن مسعدة بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد المرادي ثم القرني، الزاهد المشهور، هكذا نسبه ابن الكلبي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها.

وفي إكمال الكمال: ٧/١١٣:

أما قرن بفتح القاف والراء ففي مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. منهم أويس بن عمرو القرني الزاهد وغيره.

وفي ص ١٤٢: أويس بن عمرو القرني، ويقال ابن عامر.

وفي تهذيب التهذيب: ١/٣٣٧:

( مسلم ) أويس بن عامر القرني المرادي سيد التابعين.

٢٤

وفي هامشه: قال في التقريب المغني: القرني بفتح القاف والراء بعدها نون، نسبة الى قرن بن رومان، والمرادي بمضمومة وخفة راء ودال مهملة، نسبة الى مراد. اسمه يحابر بن مالك. اهـ.

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/١٩:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبوعمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد. انتهى.

وبذلك يتضح أن نسبته ( القرني ) بفتح الراء الى قبيلة يمانية، وليس الى قرن المنازل بسكون الراء، وقد اشتبه ذلك على الجوهري وغيره، كما نص عليه ابن الأثير وغيره.

راجع أيضاً: اختيار معرفة الرجال/٣١٤، والتحرير الطاووسي/٧٤، وطرائف المقال: ٢/١٩٢، ومجمع البحرين: ١/١٣١، والأعلام: ١/٣٧٥، والبداية والنهاية: ٦/٢٢٥

وبهذا يتضح أن أويساً عربي يماني، ومن الطبيعي أن يكون أسمر اللون، ولكن بعض الروايات تذكر أنه كان آدم شديد الأدمة، وكأنها تريد القول إنه كان أفريقيا أسود! في محاولة لذم أويس في ذلك المجتمع الأموي المتعصب ضد الأفارقة.

عشيرة الأويسات أو اللويسات السورية

في معجم قبائل العرب: ٣/١٠١٩:

اللويسات: من عشائر سهل الغاب بجسر الشغور، أحد أقضية محافظة حلب. ينتسبون الى أويس القرني، وقد قطنوا الغاب في القرن الحادي عشر، وقريتهم الحويجة، ويعدون ٣٢ بيتاً.

روايات لقائه بعمر واستغفاره له

قال مسلم في صحيحه: ٧/١٨٨:

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن

٢٥

خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فبريء، فمروه فليستغفر لكم...

كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟  حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟

قال نعم.

قال: من مراد، ثم من قرن؟

قال نعم.

قال: فكان بك برص فبرئت منه، إلا موضع درهم؟

قال نعم.

قال: لك والدة؟

قال نعم.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم. له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفر لي، فاستغفر له...

عن أسير بن جابر أن أهل الكوفة وفدوا الى عمر وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنيين؟

فجاء ذلك الرجل فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم.

وروى أحمد: ١/٣٨، رواية مسلم المطولة، وفيها:

قال له عمررضي‌الله‌عنه : استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال عمررضي‌الله‌عنه : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير

٢٦

التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته، فاستغفر له ثم دخل في غمار الناس، فلم يدر أين وقع! قال: فقدم الكوفة قال وكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكر هو وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره. انتهى.

ورواه الحاكم في: ٣/٤٠٤، والبيهقي في الدلائل: ٦/٣٧٦ والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٠

وقال الحاكم في: ٣/٤٠٣:

وقد صحت الرواية بذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . أخبرناه أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني... فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم فسأل عمر عن أويس كيف تركته؟ فقال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لابره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.

فلما قدم الرجل أتى أويساً فقال استغفر لي فقال: أنت أحدث الناس بسفر صالح فاستغفر لي.

فقال: لقيت عمر بن الخطاب؟

فقال: نعم.

قال: فاستغفر له، قال ففطن له الناس، فانطلق على وجهه.

قال أسير: فكسوته برداً، فكان إذا رآه عليه إنسان قال من أين لأويس هذا؟!

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وروى نحوه في: ٣/٤٠٤، والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٠

وفي طبقات ابن سعد: ٦/١١٣:

عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم

٢٧

أفيكم أويس بن عامر؟ فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس القرني، قال: سمعت رسول الله يقول يأتي عليك أويس بن عامر من أمداد أهل اليمن من مراد.. بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.. ورواه في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٠ والبيهقي في شعب الايمان: ٥/٣١٩، وابن كثير في البداية والنهاية: ٦/٢٢٥

وفي المجروحين لابن حبان: ٣/١٥١:

وكان عمر بن الخطاب يسأل الوفود إذا قدموا من الكوفة: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا، فقدم وفد من أهل الكوفة فيهم ابن عمه فقال عمر: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟

فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين هو ابن عمي وهو رجل فاسد، لم يبلغ ما أن تعرفه أنت يا أمير المؤمنين!!

فقال له عمر: ويلك هلكت ويلك هلكت، إذا أتيته فاقرئه مني السلام، ومره فليقدم إلي، فقدم الكوفة فلم يضع ثياب سفره عنه حتى أتى المسجد قال: فرأى أويساً فسلم به وقال: استغفر لي يا ابن عمي!

قال: غفر الله لك يا ابن عمي!

قال: وأنت يا أويس يغفر الله لك، أمير المؤمنين يقرئك السلام.

قال: ومن ذكرني لأمير المؤمنين؟

قال: هو ذكرك وأمرني أن أبلغك أن تفد اليه.

فقال: سمعاً وطاعةً لأمير المؤمنين! فوفد اليه حتى دخل على عمر.

فقال: أنت أويس بن عامر؟

قال: نعم.

قال: أنت الذي خرج بك وضح فدعوت الله أن يذهب عنك فأذهبه فقلت: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك؟

٢٨

قال: نعم.

قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه، فيقول: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك عليّ، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له. استغفر لي يا أويس بن عامر، فقال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين.

قال آخر: استغفر لي يا أويس، وقال آخر: استغفر لي يا أويس، فلما أكثروا عليه انساب فذهب! فما رؤي حتى الساعة.

راجع أيضاً: الطبقات الكبرى ١١١/٦، الميزان ٤٩٢/٤، سير أعلام النبلاء: ٤/٢٥، كنز العمال: ١٤/١٠، الموضوعات لابن الجوزي ٤٣/٢. انتهى.

فهذه الروايات تدل على أن أويساً جاء من اليمن الى الكوفة وسكن بها، قبل أن يعرفه عمر، مع أن طريقه تمر على الحجاز.

وتدل على أن ايذاء السلطة له في الكوفة كان قبل مجيئه الى المدينة، الى عمر.

ومن البعيد أن حاكم الكوفة كان يجرؤ على مضايقة شخصية مثل أويس بدون رأي عمر، وإذا صحت رواية استدعائه له، فقد يكون الغرض محاولة كسبه، وأنها فشلت، لأنه انسل من المدينة وهرب راجعاً الى الكوفة بدون رضا عمر!

ولابد أن مشكلته مع حاكم الكوفة ورجاله قد زادت أو بقيت على حالها!

وفي كنز العمال: ١٢/١٠:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان عمر بن الخطاب يسأل وفد أهل الكوفة إذا قدموا عليه: تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا.

وكان أويس رجلاً يلزم المسجد بالكوفة فلا يكاد يفارقه، وله ابن عم يغشى السلطان ويؤذي أويساً، فوفد ابن عمه الى عمر فيمن وفد من أهل الكوفة، فقال عمر: أتعرفون أويس بن عامر القرني؟

٢٩

فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين إن أويساً لم يبلغ أن تعرفه أنت، إنما هو إنسان دون، وهو ابن عمي!

فقال له عمر: ويلك هلكت! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام، ومره أن يفد إلي، فوفد اليه، فلما دخل عليه قال:

أنت أويس بن عامر القرني؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت اللهم أبق لي منه في جسدي ما أذكر به نعمتك؟ قال: وأنى دريت يا أمير المؤمنين)شراً!

قال: أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، يخرج به وضح من برص فيدعو الله أن يذهبه عنه فيفعل، فيقول: اللهم اترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فيقول اللهم أترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فمن أدركه فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فاستغفر لي يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس بن عامر. فقال الناس: استغفر لنا يا أويس، فراغ، فما رئي حتى الساعة ( ع، وابن منده، كر ). وفي هامشه: راغ الى كذا: مال اليه سرا وحاد. انتهى.

وقد روى قوله ( فراغ فما رئي حتى الساعة ) ابن حبان في المجروحين: ٣/١٥١، وفي لسان الميزان: ١/٤٧١

روايات توجب الشك في استغفاره لعمر

الأمر الثابت في الروايات، والمنطقي أيضاً، أن عمر كان يبحث عن أويس لكي يستغفر له، كما تقدم.

بل في بعضها أنه كان يبحث عنه الى آخر سنة من خلافته..

٣٠

ففي طبقات ابن سعد: ٦/١١٣:

قال ابن عون عن محمد قال: أمر عمر أن نرى رجلا من التابعين أن يستغفر له، قال محمد: فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم، يعني أويساً.. انتهى.

وتدل الرواية التالية على أن أويساً لم ير عمر أبداً، وأنه بقي في اليمن الى خلافة عليعليه‌السلام ، ولم يقبل دعوة عمر للمجيء الى المدينة!! وعندما وجدوه في اليمن وبلغوه سلام عمر وسلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رد على السلام الرسول وآله، ولم يرد سلام عمر!!

وفي كنز العمال: ١٤/١٠:

عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى:

يا أهل قرن! فقام مشايخ فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين!

قال: أفي قرن من اسمه أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا من اسمه أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال ولا يألف ولا يؤلف!

فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم الى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي وقولوا له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرني بك، وأمرني أن أقرأ عليك سلامه.

فعادوا الى قرن فطلبوه فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعرفني أمير المؤمنين وشهر بإسمي؟! السلام على رسول الله، اللهم صل عليه وعلى آله، وهام على وجهه فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه، فاستشهد في صفين ( كر ).

وكذا في سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢

فهذه الروايات تدل على أنه بقي في اليمن، ولم ير عمر أصلاً!!

بينما تقول رواية أخرى إنه قدم من اليمن على عمر في المدينة، ولكنه لم يستغفر له، وهرب منه!

٣١

ففي سير أعلام النبلاء: ٤/٢٤:

قال عمر: فقدم علينا ها هنا فقلت: ما أنت؟ قال: أنا أويس.

قلت: من تركت باليمن؟

قال: أما لي.

قلت: هل كان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟

قال: نعم.

قلت: استغفر لي.

قال: يا أمير المؤمنين يستغفر مثلي لمثلك؟!

قلت: أنت أخي لا تفارقني. فانملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. انتهى.

وقال في ص ٢٧: وفي لفظ: أو يستغفر لمثلك؟!

وروى نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه!! انتهى.

وفي دلائل النبوة للبيهقي: ٦/٣٧٦:

لما أقبل أهل اليمن جعل عمر ( رض ) يستقرئ فيقول هل فيكم أحد من قرن؟ فوقع زمام عمر أو زمام أويس... فناوله عمر فقال له: ما اسمك؟

قال: أويس.

فقال له عمر: استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي.

ونحوه في مسند أحمد: ١/٣٨، وسير أعلام النبلاء: ٤/٢٠

وفي مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٤:

عن أسير بن جابر قال لما أقبل أهل اليمن جعل عمررضي‌الله‌عنه يستقري الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرن؟ حتى أتى عليه قرن فقال: من أنتم؟

قالوا: قرن.

فرفع عمر بزمامه أو زمام أويس فناوله عمر فعرفه بالنعت، فقال له عمر:

٣٢

ما اسمك؟

قال أنا أويس.

قال: هل كان لك والدة؟

قال: نعم.

قال: هل بك من البياض؟

قال: نعم، دعوت الله تعالى فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي.

فقال له عمر: إستغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . انتهى.

وروى الذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٧، نصاً طريفاً عن أبي هريرة، ورده، وقد جاء فيه:

فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر، قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته:

يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أويس من مراد؟

فقام شيخ كبير فقال: إنا لا ندري من أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه اليك، وإنه ليرعى إبلنا بأراك عرفات فذكر اجتماع عمر به وهو يرعى فسأله الاستغفار، وعرض عليه مالاً، فأبى. انتهى.

ثم قال الذهبي: وهذا سياق منكر لعله موضوع. انتهى.

وسبب حكمه عليه بالوضع أنه ينص على امتناع أويس من الاستغفار لعمر، وأنه لم يلقه إلا في آخر سنة من عمره!

ولكن لو صح إشكال الذهبي على هذا النص، فإن تعارض الروايات الصحيحة عندهم في القول بأنه استغفر لعمر أو لم يستغفر له، ورفضه أن يأخذ منه شيئاً مادياً أو معنوياً، وهروبه منه.. كل ذلك يؤيد مانص منها على أنه رفض الإستغفار له!

٣٣

ويؤيد ذلك: أن التاريخ لم يذكر أن أويساً بايع أبا بكر ولا عمر ولا عثمان، ولا شارك في حروب الفتح تحت إمرة أمرائهم، بل لم تذكر عنه شيئاً طيلة خلافتهم التي امتدت ربع قرن، حتى ظهر مع عليعليه‌السلام ، وبايعه، وشارك في حروبه.

ويؤيده: أن روايات ذكرت أن عمر طلب منه أن يبقى عنده وقال له ( أنت أخي لا تفارقني ) فلم يقبل أويس وهرب منه، ولا تفسير لهروبه إلا أنه خاف أن يحرجه عمر في كلام، أو يصر عليه أن يوليه عملاً في دولته!

ويؤيده: أن عمر كان مركزياً شديد المركزية في إدارته، وكان أويس معروفاً في الكوفة، فلا يمكن القول بأن اضطهاد حاكم الكوفة لأويس كان بدون أمر من عمر! وبذلك يكون إحضاره الى المدينة إن صح، محاولة من عمر لاستمالته، وقد فشلت!

ويؤيد أيضاً: تعارض الروايات في وقت لقائه بعمر!

فبعضها يقول إنه كان يبحث عنه في موسم الحج، كما في كنز العمال: ١٤/٧، عن محمد بن سيرين قال: أمر عمر بن الخطاب إن لقي رجلاً من التابعين أن يستغفر له قال محمد: قال فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم يعني أويساً ( ابن سعد، كر ).

وبعضها: يقول إنه وفد عليه من اليمن، كما في اُسد الغابة: ١/١٥١:

قال فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم... فقال له عمر أين تريد؟ قال: الكوفة، قال ألا أكتب لك الى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي... ونحوه في كنز العمال: ١٤/٥، وتاريخ الإسلام: ٣/٥٥٦

وبعضها: ينص على أنه كان في آخر سنة من خلافته يبحث عنه! كالتي تقدمت من كنز العمال، وسير أعلام النبلاء: ٤/٢٧، عن أبي هريرة...

ويؤيد ذلك أيضاً: تناقضات أسير بن جابر راوي لقاء أويس بعمر، ففي رواية الحاكم المتقدمة عنه ( ٢/٣٦٥ ) أن أسيراً لم يعرف أويساً إلا في الكوفة في خلافة عليعليه‌السلام ، وأن أويساً لم يلبث بعد معرفته به إلا قليلاً حتى ذهب الى صفين!

٣٤

ورواياته الأخرى تقول إنه عرفه من عهد عمر، أي قبل بضع عشرة سنة من خلافة عليعليه‌السلام .

هذا، مضافاً الى تناقض الأحداث والمضامين التي رواها أسير، والصورة الساذجة التي أعطاها لهذا الولي الواعي، والدور الذي أعطاه لنفسه في حياة أويس، كأنه ولي نعمته!

والمتأمل في روايات أسير يلاحظ أن همه أن يبرز دوره ودور عمر في حياة أويس!

وقد قال عنه الحاكم في المستدرك: ٢/٣٦٥ ( وأسير بن جابر من المخضرمين، ولد في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهو من كبار أصحاب عمررضي‌الله‌عنه ). انتهى.

وقد جرح صعصعة بن معاوية في أسير هذا، وصعصعة هو عم الأحنف بن قيس وقد وثقه النسائي وابن حبان، وشهد صعصعة بأن أسيراً كان من شرطة دار الامارة بالكوفة وكان عمله إيذاء أويس ( يغشى السلطان ويؤذي أويساً )!

وقد اعترف أسير بذلك ولكنه ادعى أنه تاب، وأن أويساً استغفر له!!

وإقراره على نفسه حجة، وادعاؤه التوبة دعوى تحتاج الى دليل.

أما رواية صعصعة بن معاوية عن لقائه بعمر، التي رواها كنز العمال: ١٢/١٠، ورواها أبو يعلي في مسنده: ١/١٨٧ ح ٢١٢، فهي مقطوعة، لأن صعصعة لم يدرك عمر، ولم يذكر ممن سمعها، وقد ذكروا أن صعصعة أدرك أبا ذر ورآه، وأنه كان حياً في زمن الحجاج، ولا يعلم متى قال هذا الكلام، ولعله بعد زمن عليعليه‌السلام .

من هم الذين خاطبهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في البشارة بأويس؟

تتعارض الروايات في تعيين المخاطبين في البشارة بأويس.. فبعضها تقول إن المخاطب بذلك هم المسلمون، بدون تحديد شخص أو أشخاص.

وروايات أسير بن جابر تقول إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خاطب بذلك عمر بن الخطاب، فهو

٣٥

يزعم أن ذلك إخبار غيبي بخلافة عمر، أو نوع من الوصية له، مع أن خلافة أبي بكر وعمر قامتا على أساس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يوص لأحد، وأن عشائر قريش الثلاث والعشرين كلها ترث ملكهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه ابن قريش!

وبعض الرويات، كما في سير الذهبي: ٤/٢٤، تقول إن المخاطب هما عمر وعلي ( يا عمر ويا علي إذا رأيتماه، فاطلبا اليه يستغفر لكما، يغفر الله لكما. فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه ). انتهى.

ومن الطبيعي أن هذه الرواية تريد تلطيف رواية أن المخاطب بذلك عمر وحده، لأن أويساً كان من شيعة علي ولم يكن من شيعة عمر، فجعلت الخطاب لهما معاً!

أما ابن سلام الأباضي فقد ذكر في كتابه بدء الإسلام/٧٩، أن المخاطب بذلك هما أبو بكر وعمر...

ولعل بعضهم روى أن المخاطب بذلك عثمان بن عفان، مع أن اسم عثمان غائب عن أحاديث أويس كلياً، رغم أن خلافته امتدت بضع عشرة سنة!

فهذا الاضطراب في تسمية الذين خاطبهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر أويس، يقوي ما ورد في مصادرنا من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خاطب المسلمين عامة، وخاطب علياًعليه‌السلام خاصة، بأن أويساً سيبايعه ويقتل معه، فجعل الرواة هذه الفضيلة للخلفاء قبله، كما هو دأبهم في مصادرة فضائل عليعليه‌السلام وتلبيسها لغيره!

ولا يتسع البحث للافاضة في هذا الموضوع.

قال المفيد في الارشاد: ١/٣١٥:

في حديث عن عليعليه‌السلام أنه قال: الله أكبر أخبرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. انتهى.

ونحوه في الخرائج والجرائح: ١/٢٠٠، وإعلام الورى/١٧٠، والثاقب في المناقب/٢٦٦، وبحار الأنوار: ٣٧/٢٩٩ و٣٨/١٤٧

٣٦

آراء شاذّة وأخرى مشبوهة الهدف في أويس:

١ - حاولوا إعطاء شخصية أويس لعدوي وأموي

مع كثرة الأحاديث والروايات الصحيحة في مصادر الشيعة والسنة حول أويس، ومع أن اسمه مميز لا يختلط بغيره.. إلا أن بعضهم حاول أن يجعل الشخص الذي بشر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشفاعته شخصاً آخر غير أويس!!

قال ابن الأثير في اُسد الغابة: ٣/٢٩:

صلة بن أشيم العدوي من عدي بن الرباب وهو عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة، أورده سعيد القرشي... صلة هذا قتل بسجستان سنة خمس وثلاثين، وكان عمره ثلاثين ومائة سنة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صلة فقال فيما روى يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. أخرجه أبو موسى.

روى يزيد عن جابر قال: بلغنا أن النبي قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة ( ابن أشيم ) يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. انتهى. ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: ٥/١٢٧

وترجم الذهبي في سير أعلام النبلاء: ٣/٤٩٧، لصلة هذا باحترام كبير فقال:

صلة بن أشيم الزاهد العابد القدوة، أبو الصهباء العدوي البصري زوج العالمة معاذة العدوية، ما علمته روى سوى حديث واحد عن ابن عباس.

حدث عنه أهله معاذة، والحسن، وحميد بن هلال، وثابت البناني، وغيرهم.

ابن المبارك في الزهد: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. هذا حديث معضل. انتهى. ثم ذكر الذهبي أنه استشهد في سجستان سنة اثنين وستين.

٣٧

وقال فى هامشه عن معاذة زوجة صلة: من رجال التهذيب، وحديثها في الكتب الستة. وقال عن الحديث: إسناده ضعيف لاعضاله كما قال المؤلف، والحديث المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي.

والخبر في حلية الأولياء ٢/٢٤١ من طريق ابن المبارك. انتهى.

وكفى الله المؤمنين هذا الحديث حيث ضعفه ناقلوه.. لكن تبقى دلالته على أن وجود أويس كان ثقيلاً على السلطة وخاصة الأموية، لأنه شهادة نبوية حية على أن الحق مع عليعليه‌السلام ولذلك حاولوا التخلص منه تارة بإنكار وجود أويس من الأساس! أو بتضعيفه، أو بإعطاء شخصيته لشخص عدوي قريب من الخليفة عمر.

وبعضهم سلم بوجود أويس لكن ادعى أنه قتل في سجستان أو آذربيجان، ولم يقتل مع علي في صفين!!

وأخيراً.. حاول بعضهم أن يعطي شفاعة أويس لعثمان بن عفان! فقال في تذكرة الموضوعات/٩٤: في المختصر ( يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر ) قيل هو أويس، والمشهور أنه عثمان بن عفان. انتهى.

ومعنى قوله ( والمشهور ) أنه يريد أن يجعله مشهوراً، وإن لم يكن كذلك حتى بين السنيين المحبين لعثمان!!

٢ - والبخاري ضعف أويساً ولم يقبل روايته!

في ميزان الاعتدال: ١/٢٧٨ ولسان الميزان: ١/٤٧١:

أويس بن عامر، ويقال ابن عمرو القرني اليمني العابد نزيل الكوفة، قال البخاري يماني مرادي، في إسناده نظر فيما يرويه! وقال البخاري أيضاً في الضعفاء: في إسناده نظر: يروي عن أويس في إسناد ذلك.

قلت هذه عبارته! يريد أن الحديث الذي روى عن أويس في الاسناد الى أويس نظر، ولولا أن البخاري ذكر أويساً في الضعفاء لما ذكرته أصلاً، فإنه من أولياء الله الصادقين، وما روى الرجل شيئاً فيضعف أو يوثق من أجله!

٣٨

وقال أبو داود: حدثنا شعبة قال: قلت لعمرو بن مرة: أخبرني عن أويس، هل تعرفونه فيكم؟ قال: لا.

قلت: إنما سألت عمراً عنه لأنه مرادي، هل تعرف نسبه فيكم؟ فلم يعرف. ولولا الحديث الذي رواه مسلم في فضل أويس لما عرف، لأنه عبد لله تقي خفي، وما روى شيئاً، فكيف يعرفه عمرو، وليس من لم يعرف حجة على من عرفه! انتهى.

وشبيه به في سير أعلام النبلاء: ٤/١٩، قال:

أويس القرني. هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد.

وفد على عمر وروى قليلاً عنه، وعن علي.

روى عنه يسير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم، حكايات يسيرة، ما روى شيئاً مسنداً ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين، وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين. انتهى.

وقال الجرجاني في الكامل: ١/١٢، بعد أن أورد عدداً من أحاديث أويس: قال الشيخ: وهذا الحديث معروف لأويس يرويه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة، وليس لأويس من الرواية شيء، وانما له حكايات ونتف وأخبار في زهده، وقد شك قوم فيه، إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه، وليس له من الأحاديث إلا القليل، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو صدوق ثقة مقدار ما يروى عنه. انتهى.

والذي يقرأ البخاري في صحيحه وتاريخه وبقية مؤلفاته، يراه حريصاً على الخط المتشدد لمذهب عمر وآرائه، ولذا فإن موقفه السلبي من أويس يمثل ما كان في عصره من التهوين من شخصيته.. وهو دليل كاف على أن صلة أويس بعمر لم تكن كما يحبون.

٣٩

٣ - ومتشددة الحنابلة قللوا من مقام أويس!

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضيل بعض أصحابهم على أويس القرني!

قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة: ٢/٦٣:

فقال البربهاري إذا كان أويس القرني يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فكم يدخل في شفاعة أبي الحسن بن بشار؟!

قال أحمد البرمكي: صدق البربهاري لأن أويساً كان من الأبدال، وأبا الحسن كان من المستخلفين، والمستخلف أجل من البدل وأفضل عند الله، لأن المستخلف في الأرض مقامه مقام النبيينعليهم‌السلام !! لأنه يدعو الخلق الى الله، فبركته عائدة عليه وعلى كافة الخلق، وبركة البدل عائدة على نفسه!! انتهى.

لكنا نسأل البرمكي والبربهاري وأبا يعلى الذي ارتضى كلامهما: إن درجات الناس ومقامهم عند الله وتفاضلهم غيب لا سبيل الى العلم به الا من الذي له نافذة على الغيب! وقد عرفنا مقام أويس من شهادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أين عرفتم مقام صاحبكم!! وأن الله تعالى جعله خليفته في أرضه! وجعله في رتبة الأنبياء صلوات الله عليهم؟!

إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً؟!

أما الذهبي فقد قيد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المطلق في أويس! وقال إنه أفضل التابعين في عصره فقط.. ويقصد أنه بعد عصره يوجد كثيرون أفضل منه!!

قال في سير أعلام النبلاء: ٤/١٩:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس... انتهى.

وأما ابن تيمية، فقد تناول أويساً من جهة أخرى قد تكون هي السبب في حساسية بعضهم منه، فقد أكد على أن أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر أن يطلب من أويس أن يستغفر له، لا يدل على أن أويساً أفضل من عمر!

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523