العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196200 / تحميل: 7983
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ورواه كذلك في الإصابة: ١/٢٢١:

وقد تقدمت روايته عند الحاكم عن أبي مكين.

ورواه أبو نعيم أيضاً بذلك في ص ٢٢٢، ثم قال:

ومن طريق الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علياً يوم صفين يقول من يبايعني على الموت، فبايعه تسعة وتسعون رجلاً فقال: أين التمام؟

فجاءه رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس فبايعه على القتل، فقيل: هذا أويس القرني، فما زال يحارب حتى قتل.

ورواه الحاكم في: ٣/٤٠٢، فقال:

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

فضرب دابته حتى دخل معهم، ثم قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خير التابعين أويس القرني. انتهى.

ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: ٣/٥٥٦، بنحو رواية أحمد، قال:

عن ابن أبي ليلى قال: إن أويساً شهد صفين مع علي، ثم روى عن رجل أنه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أويس خير التابعين بإحسان.

ورواه في سير أعلام النبلاء: ٤/٣١، بنحو رواية الحاكم، قال:

شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قلنا نعم وما تريد منه؟

قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان، وعطف دابته فدخل مع أصحاب عليرضي‌الله‌عنه . رواه عبد الله بن

٢١

أحمد، عن علي بن حكيم الأودي، أنبأنا شريك. وزاد بعض الثقات فيه عن يزيد، عن ابن أبي ليلى، قال: فوجد في قتلى صفين.

وكذا رواه في اُسد الغابة: ٥/٣٨٠ وروته مصادرنا بنحوه في اختيار معرفة الرجال: ٣١٤١، وشرح الأخبار: ٢/٣، ومعجم رجال الحديث: ٤/١٥٤، وجامع الرواة: ١/١١٠، وغيرها.

صاحب البصيرة الزاهد، شجاعٌ مجاهد

في ميزان الاعتدال: ١/٢٨١:

وقال فضيل بن عياض: أخبرنا أبوقرة السدوسي، عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بمنى على المنبر: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقال: أفيكم من اسمه أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القفار والرمال.

قال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي.

فعادوا الى قرن، فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عرفني أمير المؤمنين، وشهر اسمي، ثم هام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهرا، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة. انتهى.

راجع أيضاً: لسان الميزان: ١/٤٧٤، وتاريخ الإسلام للذهبي: ٣/٥٥٨، وسير أعلام النبلاء: ٤/٣٢

وفي مستدرك الحاكم: ٢/٣٦٥:

قال ثم قال أويس: إن هذا المجلس يغشاه ثلاثة نفر: مؤمن فقيه، ومؤمن لم يتفقه، ومنافق... لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، فقضاء الله الذي قضى شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا.

٢٢

اللهم ارزقني شهادة تسبق كسرتها أذاها، وأمنها فزعها، تؤوب الحياة والرزق. ثم سكت.

قال أسير فقال لي صاحبي: كيف رأيت الرجل؟

قلت ما ازددت فيه إلا رغبة، وما أنا بالذي أفارقه، فلزمناه فلم نلبث إلا يسيرا حتى ضرب على الناس بعث أمير المؤمنين عليرضي‌الله‌عنه ، فخرج صاحب القطيفة أويس فيه، وخرجنا معه فيه، وكنا نسير معه وننزل معه، حتى نزلنا بحضرة العدو.

قال ابن المبارك: فأخبرني حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر قال: فنادى عليرضي‌الله‌عنه : يا خيل الله اركبي وأبشري.

قال فصف الثلثين لهم، فانتضى صاحب القطيفة أويس سيفه حتى كسر جفنه فألقاه، ثم جعل يقول:

يا أيها الناس: تموا تموا، ليتمن وجوه ثم لا تنصرف حتى ترى الجنة.

يا أيها الناس تموا تموا، جعل يقول ذلك ويمشي وهو يقول ذلك ويمشي إذ جاءته رمية فأصابت فؤاده فبرد مكانه، كأنما مات منذ دهر.

قال حماد في حديثه فواريناه في التراب. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة.

نسب أويس القرني ونسبته

قال الطبري في تاريخه: ١٠/١٤٥:

وأويس القرني من مراد، وهو يحابر بن مالك بن مذحج، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، وهو يحابر بن مالك.

وقال الجوهري: ٦/٢١٨١:

والقرن: موضع، وهو ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني.

٢٣

وقال في هامشه: القرن هنا بتسكين الراء، وأما أويس القرني فليس منسوباً الى ميقات أهل نجد، وإنما نسبته الى بني قرن، بطن من مراد من اليمن.

وقال الخليل في كتاب العين: ٥/١٤٢:

وقرن: حي من اليمن، منهم أويس القرني.

وقال السمعاني في الأنساب: ٤/٤٨١:

القرني: بفتح القاف والراء وكسر النون.. هذه النسبة الى قرن، وهو بطن من مراد، يقال له قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، نزل اليمن، والمشهور بهذه النسبة المعروف في الأقطار: أويس بن عامر القرني، وقصته في الزهد معروفة، وقال الدار قطني: قرن، بفتحتين، فهو فيما ذكر ابن حبيب، قال: في مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، قوم أويس بن عامر القرني الزاهد.

والموضع الذي يحرم منه أهل نجد يقال له: قرن المنازل، بسكون الراء. وأويس سكن الكوفة، وكان عبداً زاهداً.

وفي اُسد الغابة: ١/١٥١:

أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن مسعدة بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد المرادي ثم القرني، الزاهد المشهور، هكذا نسبه ابن الكلبي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها.

وفي إكمال الكمال: ٧/١١٣:

أما قرن بفتح القاف والراء ففي مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. منهم أويس بن عمرو القرني الزاهد وغيره.

وفي ص ١٤٢: أويس بن عمرو القرني، ويقال ابن عامر.

وفي تهذيب التهذيب: ١/٣٣٧:

( مسلم ) أويس بن عامر القرني المرادي سيد التابعين.

٢٤

وفي هامشه: قال في التقريب المغني: القرني بفتح القاف والراء بعدها نون، نسبة الى قرن بن رومان، والمرادي بمضمومة وخفة راء ودال مهملة، نسبة الى مراد. اسمه يحابر بن مالك. اهـ.

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/١٩:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبوعمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد. انتهى.

وبذلك يتضح أن نسبته ( القرني ) بفتح الراء الى قبيلة يمانية، وليس الى قرن المنازل بسكون الراء، وقد اشتبه ذلك على الجوهري وغيره، كما نص عليه ابن الأثير وغيره.

راجع أيضاً: اختيار معرفة الرجال/٣١٤، والتحرير الطاووسي/٧٤، وطرائف المقال: ٢/١٩٢، ومجمع البحرين: ١/١٣١، والأعلام: ١/٣٧٥، والبداية والنهاية: ٦/٢٢٥

وبهذا يتضح أن أويساً عربي يماني، ومن الطبيعي أن يكون أسمر اللون، ولكن بعض الروايات تذكر أنه كان آدم شديد الأدمة، وكأنها تريد القول إنه كان أفريقيا أسود! في محاولة لذم أويس في ذلك المجتمع الأموي المتعصب ضد الأفارقة.

عشيرة الأويسات أو اللويسات السورية

في معجم قبائل العرب: ٣/١٠١٩:

اللويسات: من عشائر سهل الغاب بجسر الشغور، أحد أقضية محافظة حلب. ينتسبون الى أويس القرني، وقد قطنوا الغاب في القرن الحادي عشر، وقريتهم الحويجة، ويعدون ٣٢ بيتاً.

روايات لقائه بعمر واستغفاره له

قال مسلم في صحيحه: ٧/١٨٨:

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن

٢٥

خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض فبريء، فمروه فليستغفر لكم...

كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟  حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟

قال نعم.

قال: من مراد، ثم من قرن؟

قال نعم.

قال: فكان بك برص فبرئت منه، إلا موضع درهم؟

قال نعم.

قال: لك والدة؟

قال نعم.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم. له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفر لي، فاستغفر له...

عن أسير بن جابر أن أهل الكوفة وفدوا الى عمر وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنيين؟

فجاء ذلك الرجل فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم.

وروى أحمد: ١/٣٨، رواية مسلم المطولة، وفيها:

قال له عمررضي‌الله‌عنه : استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال عمررضي‌الله‌عنه : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن خير

٢٦

التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته، فاستغفر له ثم دخل في غمار الناس، فلم يدر أين وقع! قال: فقدم الكوفة قال وكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكر هو وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره. انتهى.

ورواه الحاكم في: ٣/٤٠٤، والبيهقي في الدلائل: ٦/٣٧٦ والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٠

وقال الحاكم في: ٣/٤٠٣:

وقد صحت الرواية بذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . أخبرناه أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني... فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم فسأل عمر عن أويس كيف تركته؟ فقال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لابره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.

فلما قدم الرجل أتى أويساً فقال استغفر لي فقال: أنت أحدث الناس بسفر صالح فاستغفر لي.

فقال: لقيت عمر بن الخطاب؟

فقال: نعم.

قال: فاستغفر له، قال ففطن له الناس، فانطلق على وجهه.

قال أسير: فكسوته برداً، فكان إذا رآه عليه إنسان قال من أين لأويس هذا؟!

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وروى نحوه في: ٣/٤٠٤، والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٠

وفي طبقات ابن سعد: ٦/١١٣:

عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم

٢٧

أفيكم أويس بن عامر؟ فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس القرني، قال: سمعت رسول الله يقول يأتي عليك أويس بن عامر من أمداد أهل اليمن من مراد.. بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.. ورواه في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٠ والبيهقي في شعب الايمان: ٥/٣١٩، وابن كثير في البداية والنهاية: ٦/٢٢٥

وفي المجروحين لابن حبان: ٣/١٥١:

وكان عمر بن الخطاب يسأل الوفود إذا قدموا من الكوفة: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا، فقدم وفد من أهل الكوفة فيهم ابن عمه فقال عمر: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟

فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين هو ابن عمي وهو رجل فاسد، لم يبلغ ما أن تعرفه أنت يا أمير المؤمنين!!

فقال له عمر: ويلك هلكت ويلك هلكت، إذا أتيته فاقرئه مني السلام، ومره فليقدم إلي، فقدم الكوفة فلم يضع ثياب سفره عنه حتى أتى المسجد قال: فرأى أويساً فسلم به وقال: استغفر لي يا ابن عمي!

قال: غفر الله لك يا ابن عمي!

قال: وأنت يا أويس يغفر الله لك، أمير المؤمنين يقرئك السلام.

قال: ومن ذكرني لأمير المؤمنين؟

قال: هو ذكرك وأمرني أن أبلغك أن تفد اليه.

فقال: سمعاً وطاعةً لأمير المؤمنين! فوفد اليه حتى دخل على عمر.

فقال: أنت أويس بن عامر؟

قال: نعم.

قال: أنت الذي خرج بك وضح فدعوت الله أن يذهب عنك فأذهبه فقلت: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك؟

٢٨

قال: نعم.

قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه، فيقول: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك عليّ، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له. استغفر لي يا أويس بن عامر، فقال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين.

قال آخر: استغفر لي يا أويس، وقال آخر: استغفر لي يا أويس، فلما أكثروا عليه انساب فذهب! فما رؤي حتى الساعة.

راجع أيضاً: الطبقات الكبرى ١١١/٦، الميزان ٤٩٢/٤، سير أعلام النبلاء: ٤/٢٥، كنز العمال: ١٤/١٠، الموضوعات لابن الجوزي ٤٣/٢. انتهى.

فهذه الروايات تدل على أن أويساً جاء من اليمن الى الكوفة وسكن بها، قبل أن يعرفه عمر، مع أن طريقه تمر على الحجاز.

وتدل على أن ايذاء السلطة له في الكوفة كان قبل مجيئه الى المدينة، الى عمر.

ومن البعيد أن حاكم الكوفة كان يجرؤ على مضايقة شخصية مثل أويس بدون رأي عمر، وإذا صحت رواية استدعائه له، فقد يكون الغرض محاولة كسبه، وأنها فشلت، لأنه انسل من المدينة وهرب راجعاً الى الكوفة بدون رضا عمر!

ولابد أن مشكلته مع حاكم الكوفة ورجاله قد زادت أو بقيت على حالها!

وفي كنز العمال: ١٢/١٠:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان عمر بن الخطاب يسأل وفد أهل الكوفة إذا قدموا عليه: تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا.

وكان أويس رجلاً يلزم المسجد بالكوفة فلا يكاد يفارقه، وله ابن عم يغشى السلطان ويؤذي أويساً، فوفد ابن عمه الى عمر فيمن وفد من أهل الكوفة، فقال عمر: أتعرفون أويس بن عامر القرني؟

٢٩

فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين إن أويساً لم يبلغ أن تعرفه أنت، إنما هو إنسان دون، وهو ابن عمي!

فقال له عمر: ويلك هلكت! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام، ومره أن يفد إلي، فوفد اليه، فلما دخل عليه قال:

أنت أويس بن عامر القرني؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت اللهم أبق لي منه في جسدي ما أذكر به نعمتك؟ قال: وأنى دريت يا أمير المؤمنين)شراً!

قال: أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، يخرج به وضح من برص فيدعو الله أن يذهبه عنه فيفعل، فيقول: اللهم اترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فيقول اللهم أترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فمن أدركه فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فاستغفر لي يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس بن عامر. فقال الناس: استغفر لنا يا أويس، فراغ، فما رئي حتى الساعة ( ع، وابن منده، كر ). وفي هامشه: راغ الى كذا: مال اليه سرا وحاد. انتهى.

وقد روى قوله ( فراغ فما رئي حتى الساعة ) ابن حبان في المجروحين: ٣/١٥١، وفي لسان الميزان: ١/٤٧١

روايات توجب الشك في استغفاره لعمر

الأمر الثابت في الروايات، والمنطقي أيضاً، أن عمر كان يبحث عن أويس لكي يستغفر له، كما تقدم.

بل في بعضها أنه كان يبحث عنه الى آخر سنة من خلافته..

٣٠

ففي طبقات ابن سعد: ٦/١١٣:

قال ابن عون عن محمد قال: أمر عمر أن نرى رجلا من التابعين أن يستغفر له، قال محمد: فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم، يعني أويساً.. انتهى.

وتدل الرواية التالية على أن أويساً لم ير عمر أبداً، وأنه بقي في اليمن الى خلافة عليعليه‌السلام ، ولم يقبل دعوة عمر للمجيء الى المدينة!! وعندما وجدوه في اليمن وبلغوه سلام عمر وسلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رد على السلام الرسول وآله، ولم يرد سلام عمر!!

وفي كنز العمال: ١٤/١٠:

عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى:

يا أهل قرن! فقام مشايخ فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين!

قال: أفي قرن من اسمه أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا من اسمه أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال ولا يألف ولا يؤلف!

فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم الى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي وقولوا له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرني بك، وأمرني أن أقرأ عليك سلامه.

فعادوا الى قرن فطلبوه فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعرفني أمير المؤمنين وشهر بإسمي؟! السلام على رسول الله، اللهم صل عليه وعلى آله، وهام على وجهه فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه، فاستشهد في صفين ( كر ).

وكذا في سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢

فهذه الروايات تدل على أنه بقي في اليمن، ولم ير عمر أصلاً!!

بينما تقول رواية أخرى إنه قدم من اليمن على عمر في المدينة، ولكنه لم يستغفر له، وهرب منه!

٣١

ففي سير أعلام النبلاء: ٤/٢٤:

قال عمر: فقدم علينا ها هنا فقلت: ما أنت؟ قال: أنا أويس.

قلت: من تركت باليمن؟

قال: أما لي.

قلت: هل كان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟

قال: نعم.

قلت: استغفر لي.

قال: يا أمير المؤمنين يستغفر مثلي لمثلك؟!

قلت: أنت أخي لا تفارقني. فانملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. انتهى.

وقال في ص ٢٧: وفي لفظ: أو يستغفر لمثلك؟!

وروى نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه!! انتهى.

وفي دلائل النبوة للبيهقي: ٦/٣٧٦:

لما أقبل أهل اليمن جعل عمر ( رض ) يستقرئ فيقول هل فيكم أحد من قرن؟ فوقع زمام عمر أو زمام أويس... فناوله عمر فقال له: ما اسمك؟

قال: أويس.

فقال له عمر: استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي.

ونحوه في مسند أحمد: ١/٣٨، وسير أعلام النبلاء: ٤/٢٠

وفي مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٤:

عن أسير بن جابر قال لما أقبل أهل اليمن جعل عمررضي‌الله‌عنه يستقري الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرن؟ حتى أتى عليه قرن فقال: من أنتم؟

قالوا: قرن.

فرفع عمر بزمامه أو زمام أويس فناوله عمر فعرفه بالنعت، فقال له عمر:

٣٢

ما اسمك؟

قال أنا أويس.

قال: هل كان لك والدة؟

قال: نعم.

قال: هل بك من البياض؟

قال: نعم، دعوت الله تعالى فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي.

فقال له عمر: إستغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . انتهى.

وروى الذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٧، نصاً طريفاً عن أبي هريرة، ورده، وقد جاء فيه:

فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر، قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته:

يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أويس من مراد؟

فقام شيخ كبير فقال: إنا لا ندري من أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه اليك، وإنه ليرعى إبلنا بأراك عرفات فذكر اجتماع عمر به وهو يرعى فسأله الاستغفار، وعرض عليه مالاً، فأبى. انتهى.

ثم قال الذهبي: وهذا سياق منكر لعله موضوع. انتهى.

وسبب حكمه عليه بالوضع أنه ينص على امتناع أويس من الاستغفار لعمر، وأنه لم يلقه إلا في آخر سنة من عمره!

ولكن لو صح إشكال الذهبي على هذا النص، فإن تعارض الروايات الصحيحة عندهم في القول بأنه استغفر لعمر أو لم يستغفر له، ورفضه أن يأخذ منه شيئاً مادياً أو معنوياً، وهروبه منه.. كل ذلك يؤيد مانص منها على أنه رفض الإستغفار له!

٣٣

ويؤيد ذلك: أن التاريخ لم يذكر أن أويساً بايع أبا بكر ولا عمر ولا عثمان، ولا شارك في حروب الفتح تحت إمرة أمرائهم، بل لم تذكر عنه شيئاً طيلة خلافتهم التي امتدت ربع قرن، حتى ظهر مع عليعليه‌السلام ، وبايعه، وشارك في حروبه.

ويؤيده: أن روايات ذكرت أن عمر طلب منه أن يبقى عنده وقال له ( أنت أخي لا تفارقني ) فلم يقبل أويس وهرب منه، ولا تفسير لهروبه إلا أنه خاف أن يحرجه عمر في كلام، أو يصر عليه أن يوليه عملاً في دولته!

ويؤيده: أن عمر كان مركزياً شديد المركزية في إدارته، وكان أويس معروفاً في الكوفة، فلا يمكن القول بأن اضطهاد حاكم الكوفة لأويس كان بدون أمر من عمر! وبذلك يكون إحضاره الى المدينة إن صح، محاولة من عمر لاستمالته، وقد فشلت!

ويؤيد أيضاً: تعارض الروايات في وقت لقائه بعمر!

فبعضها يقول إنه كان يبحث عنه في موسم الحج، كما في كنز العمال: ١٤/٧، عن محمد بن سيرين قال: أمر عمر بن الخطاب إن لقي رجلاً من التابعين أن يستغفر له قال محمد: قال فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم يعني أويساً ( ابن سعد، كر ).

وبعضها: يقول إنه وفد عليه من اليمن، كما في اُسد الغابة: ١/١٥١:

قال فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم... فقال له عمر أين تريد؟ قال: الكوفة، قال ألا أكتب لك الى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي... ونحوه في كنز العمال: ١٤/٥، وتاريخ الإسلام: ٣/٥٥٦

وبعضها: ينص على أنه كان في آخر سنة من خلافته يبحث عنه! كالتي تقدمت من كنز العمال، وسير أعلام النبلاء: ٤/٢٧، عن أبي هريرة...

ويؤيد ذلك أيضاً: تناقضات أسير بن جابر راوي لقاء أويس بعمر، ففي رواية الحاكم المتقدمة عنه ( ٢/٣٦٥ ) أن أسيراً لم يعرف أويساً إلا في الكوفة في خلافة عليعليه‌السلام ، وأن أويساً لم يلبث بعد معرفته به إلا قليلاً حتى ذهب الى صفين!

٣٤

ورواياته الأخرى تقول إنه عرفه من عهد عمر، أي قبل بضع عشرة سنة من خلافة عليعليه‌السلام .

هذا، مضافاً الى تناقض الأحداث والمضامين التي رواها أسير، والصورة الساذجة التي أعطاها لهذا الولي الواعي، والدور الذي أعطاه لنفسه في حياة أويس، كأنه ولي نعمته!

والمتأمل في روايات أسير يلاحظ أن همه أن يبرز دوره ودور عمر في حياة أويس!

وقد قال عنه الحاكم في المستدرك: ٢/٣٦٥ ( وأسير بن جابر من المخضرمين، ولد في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهو من كبار أصحاب عمررضي‌الله‌عنه ). انتهى.

وقد جرح صعصعة بن معاوية في أسير هذا، وصعصعة هو عم الأحنف بن قيس وقد وثقه النسائي وابن حبان، وشهد صعصعة بأن أسيراً كان من شرطة دار الامارة بالكوفة وكان عمله إيذاء أويس ( يغشى السلطان ويؤذي أويساً )!

وقد اعترف أسير بذلك ولكنه ادعى أنه تاب، وأن أويساً استغفر له!!

وإقراره على نفسه حجة، وادعاؤه التوبة دعوى تحتاج الى دليل.

أما رواية صعصعة بن معاوية عن لقائه بعمر، التي رواها كنز العمال: ١٢/١٠، ورواها أبو يعلي في مسنده: ١/١٨٧ ح ٢١٢، فهي مقطوعة، لأن صعصعة لم يدرك عمر، ولم يذكر ممن سمعها، وقد ذكروا أن صعصعة أدرك أبا ذر ورآه، وأنه كان حياً في زمن الحجاج، ولا يعلم متى قال هذا الكلام، ولعله بعد زمن عليعليه‌السلام .

من هم الذين خاطبهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في البشارة بأويس؟

تتعارض الروايات في تعيين المخاطبين في البشارة بأويس.. فبعضها تقول إن المخاطب بذلك هم المسلمون، بدون تحديد شخص أو أشخاص.

وروايات أسير بن جابر تقول إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خاطب بذلك عمر بن الخطاب، فهو

٣٥

يزعم أن ذلك إخبار غيبي بخلافة عمر، أو نوع من الوصية له، مع أن خلافة أبي بكر وعمر قامتا على أساس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يوص لأحد، وأن عشائر قريش الثلاث والعشرين كلها ترث ملكهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه ابن قريش!

وبعض الرويات، كما في سير الذهبي: ٤/٢٤، تقول إن المخاطب هما عمر وعلي ( يا عمر ويا علي إذا رأيتماه، فاطلبا اليه يستغفر لكما، يغفر الله لكما. فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه ). انتهى.

ومن الطبيعي أن هذه الرواية تريد تلطيف رواية أن المخاطب بذلك عمر وحده، لأن أويساً كان من شيعة علي ولم يكن من شيعة عمر، فجعلت الخطاب لهما معاً!

أما ابن سلام الأباضي فقد ذكر في كتابه بدء الإسلام/٧٩، أن المخاطب بذلك هما أبو بكر وعمر...

ولعل بعضهم روى أن المخاطب بذلك عثمان بن عفان، مع أن اسم عثمان غائب عن أحاديث أويس كلياً، رغم أن خلافته امتدت بضع عشرة سنة!

فهذا الاضطراب في تسمية الذين خاطبهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر أويس، يقوي ما ورد في مصادرنا من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خاطب المسلمين عامة، وخاطب علياًعليه‌السلام خاصة، بأن أويساً سيبايعه ويقتل معه، فجعل الرواة هذه الفضيلة للخلفاء قبله، كما هو دأبهم في مصادرة فضائل عليعليه‌السلام وتلبيسها لغيره!

ولا يتسع البحث للافاضة في هذا الموضوع.

قال المفيد في الارشاد: ١/٣١٥:

في حديث عن عليعليه‌السلام أنه قال: الله أكبر أخبرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. انتهى.

ونحوه في الخرائج والجرائح: ١/٢٠٠، وإعلام الورى/١٧٠، والثاقب في المناقب/٢٦٦، وبحار الأنوار: ٣٧/٢٩٩ و٣٨/١٤٧

٣٦

آراء شاذّة وأخرى مشبوهة الهدف في أويس:

١ - حاولوا إعطاء شخصية أويس لعدوي وأموي

مع كثرة الأحاديث والروايات الصحيحة في مصادر الشيعة والسنة حول أويس، ومع أن اسمه مميز لا يختلط بغيره.. إلا أن بعضهم حاول أن يجعل الشخص الذي بشر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشفاعته شخصاً آخر غير أويس!!

قال ابن الأثير في اُسد الغابة: ٣/٢٩:

صلة بن أشيم العدوي من عدي بن الرباب وهو عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة، أورده سعيد القرشي... صلة هذا قتل بسجستان سنة خمس وثلاثين، وكان عمره ثلاثين ومائة سنة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صلة فقال فيما روى يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. أخرجه أبو موسى.

روى يزيد عن جابر قال: بلغنا أن النبي قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة ( ابن أشيم ) يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. انتهى. ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: ٥/١٢٧

وترجم الذهبي في سير أعلام النبلاء: ٣/٤٩٧، لصلة هذا باحترام كبير فقال:

صلة بن أشيم الزاهد العابد القدوة، أبو الصهباء العدوي البصري زوج العالمة معاذة العدوية، ما علمته روى سوى حديث واحد عن ابن عباس.

حدث عنه أهله معاذة، والحسن، وحميد بن هلال، وثابت البناني، وغيرهم.

ابن المبارك في الزهد: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. هذا حديث معضل. انتهى. ثم ذكر الذهبي أنه استشهد في سجستان سنة اثنين وستين.

٣٧

وقال فى هامشه عن معاذة زوجة صلة: من رجال التهذيب، وحديثها في الكتب الستة. وقال عن الحديث: إسناده ضعيف لاعضاله كما قال المؤلف، والحديث المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان على التوالي.

والخبر في حلية الأولياء ٢/٢٤١ من طريق ابن المبارك. انتهى.

وكفى الله المؤمنين هذا الحديث حيث ضعفه ناقلوه.. لكن تبقى دلالته على أن وجود أويس كان ثقيلاً على السلطة وخاصة الأموية، لأنه شهادة نبوية حية على أن الحق مع عليعليه‌السلام ولذلك حاولوا التخلص منه تارة بإنكار وجود أويس من الأساس! أو بتضعيفه، أو بإعطاء شخصيته لشخص عدوي قريب من الخليفة عمر.

وبعضهم سلم بوجود أويس لكن ادعى أنه قتل في سجستان أو آذربيجان، ولم يقتل مع علي في صفين!!

وأخيراً.. حاول بعضهم أن يعطي شفاعة أويس لعثمان بن عفان! فقال في تذكرة الموضوعات/٩٤: في المختصر ( يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر ) قيل هو أويس، والمشهور أنه عثمان بن عفان. انتهى.

ومعنى قوله ( والمشهور ) أنه يريد أن يجعله مشهوراً، وإن لم يكن كذلك حتى بين السنيين المحبين لعثمان!!

٢ - والبخاري ضعف أويساً ولم يقبل روايته!

في ميزان الاعتدال: ١/٢٧٨ ولسان الميزان: ١/٤٧١:

أويس بن عامر، ويقال ابن عمرو القرني اليمني العابد نزيل الكوفة، قال البخاري يماني مرادي، في إسناده نظر فيما يرويه! وقال البخاري أيضاً في الضعفاء: في إسناده نظر: يروي عن أويس في إسناد ذلك.

قلت هذه عبارته! يريد أن الحديث الذي روى عن أويس في الاسناد الى أويس نظر، ولولا أن البخاري ذكر أويساً في الضعفاء لما ذكرته أصلاً، فإنه من أولياء الله الصادقين، وما روى الرجل شيئاً فيضعف أو يوثق من أجله!

٣٨

وقال أبو داود: حدثنا شعبة قال: قلت لعمرو بن مرة: أخبرني عن أويس، هل تعرفونه فيكم؟ قال: لا.

قلت: إنما سألت عمراً عنه لأنه مرادي، هل تعرف نسبه فيكم؟ فلم يعرف. ولولا الحديث الذي رواه مسلم في فضل أويس لما عرف، لأنه عبد لله تقي خفي، وما روى شيئاً، فكيف يعرفه عمرو، وليس من لم يعرف حجة على من عرفه! انتهى.

وشبيه به في سير أعلام النبلاء: ٤/١٩، قال:

أويس القرني. هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد.

وفد على عمر وروى قليلاً عنه، وعن علي.

روى عنه يسير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم، حكايات يسيرة، ما روى شيئاً مسنداً ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين، وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين. انتهى.

وقال الجرجاني في الكامل: ١/١٢، بعد أن أورد عدداً من أحاديث أويس: قال الشيخ: وهذا الحديث معروف لأويس يرويه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة، وليس لأويس من الرواية شيء، وانما له حكايات ونتف وأخبار في زهده، وقد شك قوم فيه، إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه، وليس له من الأحاديث إلا القليل، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو صدوق ثقة مقدار ما يروى عنه. انتهى.

والذي يقرأ البخاري في صحيحه وتاريخه وبقية مؤلفاته، يراه حريصاً على الخط المتشدد لمذهب عمر وآرائه، ولذا فإن موقفه السلبي من أويس يمثل ما كان في عصره من التهوين من شخصيته.. وهو دليل كاف على أن صلة أويس بعمر لم تكن كما يحبون.

٣٩

٣ - ومتشددة الحنابلة قللوا من مقام أويس!

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضيل بعض أصحابهم على أويس القرني!

قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة: ٢/٦٣:

فقال البربهاري إذا كان أويس القرني يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فكم يدخل في شفاعة أبي الحسن بن بشار؟!

قال أحمد البرمكي: صدق البربهاري لأن أويساً كان من الأبدال، وأبا الحسن كان من المستخلفين، والمستخلف أجل من البدل وأفضل عند الله، لأن المستخلف في الأرض مقامه مقام النبيينعليهم‌السلام !! لأنه يدعو الخلق الى الله، فبركته عائدة عليه وعلى كافة الخلق، وبركة البدل عائدة على نفسه!! انتهى.

لكنا نسأل البرمكي والبربهاري وأبا يعلى الذي ارتضى كلامهما: إن درجات الناس ومقامهم عند الله وتفاضلهم غيب لا سبيل الى العلم به الا من الذي له نافذة على الغيب! وقد عرفنا مقام أويس من شهادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أين عرفتم مقام صاحبكم!! وأن الله تعالى جعله خليفته في أرضه! وجعله في رتبة الأنبياء صلوات الله عليهم؟!

إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً؟!

أما الذهبي فقد قيد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المطلق في أويس! وقال إنه أفضل التابعين في عصره فقط.. ويقصد أنه بعد عصره يوجد كثيرون أفضل منه!!

قال في سير أعلام النبلاء: ٤/١٩:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس... انتهى.

وأما ابن تيمية، فقد تناول أويساً من جهة أخرى قد تكون هي السبب في حساسية بعضهم منه، فقد أكد على أن أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر أن يطلب من أويس أن يستغفر له، لا يدل على أن أويساً أفضل من عمر!

٤٠

والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة) (1) .

وحسن التعامل يكون بالسيرة الحسنة معها، والرفق بها وإسماعها الكلمات الجميلة، وتكريمها ووضعها بالموضع اللائق بها، واعتبارها شريكة الحياة، وإشباع حاجاتها المادية والروحية، والتعامل معها كإنسانة أكرمها الإسلام، وإشاعة جو المنزل بالسرور والبشاشة والمودّة والرحمة، وإدخال الفرحة على قلبها، والحفاظ على أسرارها، إلى غير ذلك من التعاليم التي أكّد عليها الإسلام، ومنها مساعدتها في بعض شؤون البيت التي لا تستطيع انجازها، والصبر على بعض أخطائها ومساوئها التي لا تؤثّر على نهجها الإسلامي، والتفاهم في حلّ المشكلات اليومية بأُسلوب لا يثير غضبها، وتجنّب كلّ ما يؤدّي إلى الإضرار بصحّتها النفسية كالغيرة في غير مواضعها، والتعبيس في وجهها أو ضربها أو هجرها أو التقصير في حقوقها (2) .

فإذا حسنت المعاملة معها، حسنت حالتها النفسية والروحية وانعكست على الجنين.

____________________

(1) تحف العقول، للحرّاني: 188 ـ المطبعة الحيدرية النجف 1380 هـ ط5.

(2) إرشاد القلوب: 175، مكارم الأخلاق 245، الكافي 5: 511، المحجّة البيضاء 3: 19.

٤١

٤٢

الفصل الثالث

المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد الولادة

وهي المرحلة التالية لمرحلة الحمل مباشرة، وتعتبر أول محيط اجتماعي يحيط بالطفل؛ لأنّها الأساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي؛ ولذلك ركّز المنهج الإسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذهِ المرحلة، متمثّلة بالقيام بالأعمال التالية:

أولاً: مراسيم الولادة:

تبدأ مراسيم الولادة منذ اليوم الأول إلى اليوم السابع من الولادة، للحفاظ على صحّة الطفل الجسدية والنفسية معاً، فأول عمل يقوم به الوالدان هو إسماع الطفل اسم الله تعالى، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مَن وُلد له مولود فليؤذّن في أُذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقم في اليسرى فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم) (1) .

____________________

(1) الكافي 6: 24 | 6 باب ما يفعل بالمولود.

٤٣

ولأهمية الأذان والإقامة في أُذن الطفل؛ أوصى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ضمن وصايا عديدة: (يا علي إذا وُلد لك غلام أو جارية، فأذّن في أُذنه اليمنى وأقم في اليسرى، فإنّه لا يضرّه الشيطان أبداً) (1) .

والعصمة من الشيطان هي تحصين للطفل من الانحراف بتقوية الإرادة. وهذه الوصايا وإن لم يبحثها علماء النفس وعلماء التربية المعاصرون، ولكنّها من الحقائق التي أثبتتها التجارب المتكرّرة لمَن طبّقها في منهجه التربوي، مع مراعاة الوصايا الأُخرى في جميع مراحل الطفولة.

ويستحب تسمية الوليد بأحسن الأسماء، ولا أحسن من اسم محمد وهو اسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (لا يولد لنا ولد إلاّ سميّناه محمداً، فإذا مضى لنا سبعة أيام فإن شئنا غيّرنا وإن شئنا تركنا) (2) .

وأكدّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على هذهِ التسمية بقوله: (من وُلد له أربعة أولاد لم يسمِّ أحدهم باسمي فقد جفاني) (3) .

وكان الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) يحثّون المسلمين على تسمية أبنائهم وبناتهم بالأسماء التالية: (عبد الرحمان ـ وباقي أسماء العبودية لله ولصفاته: محمد، أحمد، علي، الحسن، الحسين، جعفر، طالب،

____________________

(1) تحف العقول: 17.

(2) الكافي 6: 18 | 4 باب الأسماء والكنى.

(3) الكافي 6: 19 | 6 باب الأسماء والكنى.

٤٤

فاطمة) (1) .

ولم يشجّعوا على الأسماء التالية: (الحكم، حكيم، خالد، مالك، حارث) (2) .

والأسماء الحسنة تحصّن الطفل من السخرية والاستهزاء من قِبل الآخرين، فلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء المستهجنة.

ومن مراسيم الولادة العقيقة، وهي ذبح شاة في المناسبة، وحلق رأس الطفل كما جاء في قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (عقّ عنه، واحلق رأسه يوم السابع، وتصدّق بوزن شعره فضّة) (3) .

والعقيقة التي هي مصداق للصدقة تمنع من البلاء، وتقي الطفل من المخاطر، ولعلّ فيها آثار نفسية حسنة للطفل حينما يترعرع ويفهم أنّ والديه قد اعتنوا به في ولادته، وهي ذكرى حسنة عند مَن وصلته تلك العقيقة أو بعضها.

ومن مراسيم الولادة الختان، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (اختنوا أولادكم لسبعة أيام فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللحم...) (4) .

____________________

(1) الكافي 6: 19 باب الأسماء والكنى.

(2) الكافي 6: 21 باب الأسماء والكنى.

(3) الكافي 6: 27 | 1 باب أنّه يعق يوم السابع للمولود.

(4) الكافي 6: 34 | 1 باب التطهير.

٤٥

ثانياً: التركيز على حليب الأُم

الحليب هو المصدر الأساسي والوحيد لتغذية الطفل في الأشهر الأُولى من حياته، وأفضل الحليب حليب الأُم؛ لأنّ عملية الرضاعة لها تأثيرها على الجانب العاطفي للطفل، والأُم أفضل من تمنحه الحنان والدفء العاطفي، بدافع غريزة الأُمومة التي أودعها الله تعالى في المرأة، حيثُ (تصب ركائز مشاعر الطفل وأحاسيسه من أُولى أيام الرضاع) (1) .

وتتوثّق أواصر المحبّة بين الطفل وأُمّه عن طريق الرضاعة، فيكون الطفل أقل توتّراً وأهنأ بالاً وأسعد حالاً (2) .

وجاءت روايات أهل البيت (عليهم السلام) ووصاياهم مؤكّدة على التركيز على حليب الأُم، قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): (ما من لبنٍ يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أُمّه) (3) .

فحليب الأُم أفضل غذاءً للطفل من الناحية العلمية، إضافة إلى أنَّ عملية الرضاعة يشعر الطفل من خلالها بالأمان والطمأنينة والرعاية، وفي الحالات الاستثنائية التي تعيق عملية الرضاعة بسبب قلّة حليب الأُم أو مرضها أو فقدانها بطلاق أو موت، أكدّ أهل البيت (عليهم السلام) على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معيّنة، قال أمير

____________________

(1) الطفل بين الوراثة والتربية، لمحمد تقي الفلسفي 2: 82 عن كتاب عقدة الحقارة 9.

(2) قاموس الطفل الطبّي: 11 ـ 16.

(3) الكافي 6: 40 | 1 باب الرضاع.

٤٦

المؤمنين (عليه السلام): (انظروا مَن ترضع أولادكم فإنّ الولد يشبُّ عليه) (1) .

فالحليب ونوعيّة المرضعة يؤثّر على الطفل من ناحية نموّه الجسدي والنفسي. وقد أثبتت التجارب صحّة تعاليم أهل البيت في هذا المجال.

وهنالك مواصفات عند المرضعة حبّذها أهل البيت (عليهم السلام) في الاختيار.

قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (استرضع لولدك بلبن الحسان، وإيّاك والقباح فإنّ اللبن قد يعدي) (2) .

وقال: (عليكم بالوضاء من الظّؤرة فان اللبن يعدي) (3) .

وجاء النهي عن استرضاع الطفل عند بعض المرضعات، فنهى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن الاسترضاع عند المجوسية، فعن عبد الله بن هلال قال: سألته عن مظائرة المجوسي، فقال: (لا، ولكن أهل الكتاب) (4) .

وجعل الاسترضاع من الكتابيات مشروطاً بمنعهنّ من شرب الخمر: فقال (عليه السلام): (إذا أرضعن لكم فامنعوهنّ من شرب الخمر) (5) .

وعن علي بن جعفر، عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل المسلم، هل يصلح له أن يسترضع اليهودية والنصرانية وهنّ يشربن الخمر؟ قال: (امنعوهنّ من شرب الخمر، ما أرضعن لكم) (6) .

____________________

(1) الكافي 6: 44 | 1 مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(2) الكافي 6: 44 | 12 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(3) الكافي 6: 44 | 13 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره. الوضاءة: الحسن والنظافة.

(4) الكافي 6: 42 | 2 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(5) الكافي 6: 42 | 3 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(6) وسائل الشيعة 21: 465 | 7 باب 76 من كتاب النكاح.

٤٧

ونهى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) من الاسترضاع من المرأة الزانية، والتي تكوّن لبنها بسبب الزنا، فقال: (لا تسترضعها ولا ابنتها) (1) .

وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحبّ إليّ من لبن ولد الزنا) (2) .

والحكمة في النهي هو تأثير اللبن على طباع الطفل، فالمرأة الزانية تعيش حالة القلق والاضطراب النفسي والشعور بالإثم والخطيئة من أول يوم انعقاد الجنين، وتبقى على هذه الحالة في جميع فترات الحمل وفي أثناء الولادة، وهذا القلق والاضطراب يؤثّر في التوازن الانفعالي للطفل.

وأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالوقاية من لبن البغيّة والمجنونة فقال: (توقّوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة فإنّ اللبن يعدي) (3) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ الولد يشبّ عليه) (4) .

وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (إنّ عليّاً كان يقول: لا تسترضعوا الحمقاء، فإنّ اللبن يغلب الطباع) (5) .

ويؤكّد علماء الطب على أن تكون الأُم مستريحة وهي تقوم بعملية الرضاعة، ثم تمس برفق وجنة الطفل، ويجب ألاّ تحاول الأُم إرغامه على

____________________

(1) الكافي 6: 42 | 1 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(2) الكافي 6: 42 | 5 باب مَن يكره لبنه ومَن لا يكره.

(3) مكارم الأخلاق: 223.

(4) مكارم الأخلاق: 237.

(5) مكارم الأخلاق: 237.

٤٨

توجيه رأسه نحو ثديها؛ لأنّ ذلك يربكه ويحيّره (1) .

ووضع أهل البيت (عليهم السلام) برنامجاً في أُسلوب الرضاعة ومدّتها، وهو الرضاع من جهتين، وإطالة مدّتها إلى واحد وعشرين شهراً، قال الإمام جعفر الصادق لأُمّ إسحاق بنت سليمان: (يا أمّ إسحاق لا ترضعيه من ثديٍ واحدٍ وأرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً) (2) .

وقال (عليه السلام): (الرضاع واحد وعشرون شهراً فما نقص فهو جور على الصبي) (3) .

فطول مدة الرضاعة له تأثير ايجابي على الوضع النفسي والعاطفي للطفل، وهي أهم المراحل في البناء العاطفي للطفل حيثُ تحتضن الأُم طفلها وتضمّه إلى صدرها، فيشعر بالحنان المتواصل والدفء العاطفي، وفي هذا الصدد تقول عالمة النفس لويز كابلان: (إنّ الطفل الذي ينعم بحنان أُمّه المتدفّق خلال العام الأول والثاني من عمره يشعر بالأمان، وعادة لا يشعر بالقلق أو الخوف فيتصرّف بتلقائية عندما يبلغ سن الثالثة أو الرابعة، والطفل الذي يشعر بالطمأنينة يتمتّع بالثقة بالنفس ويتعامل مع الآخرين بسهولة، ويندمج مع الأطفال في مثل عمره) (4) .

ومناغاة الطفل في هذه المرحلة ضرورية للطفل، تؤثّر على نموّه اللغوي ونموّه العاطفي في المستقبل، فكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تناغي الحسن (عليه السلام) وتقول:

(أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحق الرّسن

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 33.

(2) الكافي 6: 40 | 2 باب الرضاع.

(3) الكافي 6: 40 | 3 باب الرضاع.

(4) قاموس الطفل الطبّي: 257.

٤٩

واعبد إلهاً ذا منن

ولا توالِ ذا الإحن)

وكانت تناغي الحسين (عليه السلام):

(أنتَ شبيهٌ بأبي

لستَ شبيهاً بعلي) (1)

وأكدّ أهل البيت (عليهم السلام) كما تقدّم على إقامة علاقات المودّة والحب بين الوالدين، وتجنّب المشاكل التي تؤثّر على الصحّة النفسية لكليهما وللأُم على وجه الخصوص، لانعكاس انفعالاتها المتشنّجة واضطرابها النفسي على الطفل في مرحلة الرضاعة. وفي هذه المرحلة أوصى أهل البيت (عليهم السلام) بالاهتمام بغذاء الأُم، المصدر الأساسي لتكوين الحليب من حيثُ الكمّيّة والنوعية، وكان التركيز على التمر في إطعام الأُم لتأثيره على الرضيع، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ليكن أول ما تأكل النفساء الرّطب..) قيل: يا رسول الله، فإن لم يكن أوان الرطب؟ قال: (سبع تمرات من تمر المدينة، فإن لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم) (2) .

وأوصى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بأكل أحد أنواع التمر وهو البرني فقال: (اطعموا البرني نساءكم في نفاسهنّ تحلم أولادكم) (3) .

وفي رواية عنه (عليه السلام): (اطعموا نساءكم التمر البرني في نفاسهنّ تجمّلوا أولادكم) (4) .

ووضع أهل البيت (عليهم السلام) لائحة بالمواد الغذائية المهمّة في النمو

____________________

(1) بحار الأنوار 43: 286.

(2) الكافي 6: 22 | 4 باب ما يستحب أن تطعم الحبلى.

(3) الكافي 6: 22 | 5 ما يستحب أن تطعم الحبلى.

(4) مكارم الأخلاق: 169.

٥٠

والصحّة (1) .

فخبز الشعير وقاية من الأمراض، وسويق الحنطة ينبت اللحم ويشد العظم ويسهّل الهضم، وسويق العدس يسكّن هيجان الدم ويقلّل من حرارة الجسم، واللحوم وخصوصاً لحم الدرّاج يقلّل من الغضب، والهريسة تنشّط الجسم وتمنحه الحيوية، والزيتون يطرد الرياح، والعنب يقلّل الغضب، والسفرجل يقوّي القلب، والخس يصفّي الدم، كما أكّدوا على العسل والبيض واللبن وسائر أنواع الفواكه. وتنتقل فوائد هذه المواد الغذائية من الأُم إلى الطفل عن طريق الحليب المتكوّن منها.

وخلاصة القول يجب الاهتمام بالاسترضاع من حليب الأُم، فإذا تعذّر فيجب اختيار المرضعة المؤمنة السالمة من الإمراض الجسدية والنفسية، وإذا تعذّر فتسترضع غير المؤمنة، بشرط منعها من شرب الخمر وكل ما يضرّ بصحّة الطفل، والاهتمام بالصحّة النفسية للاأُم والاهتمام بصحّتها الجسدية، وإشباع حاجتها إلى الطعام الضروري في إنتاج الحليب النقي والغني بالمواد الغذائية الضرورية؛ لينعكس ذلك ايجابياً على صحّة الطفل النفسية والجسدية.

____________________

(1) الكافي 6: 305 وما بعدها.

٥١

٥٢

الفصل الرابع

المرحلة الثالثة: مرحلة الطفولة المبكِّرة

تبدأ مرحلة الطفولة المبكّرة من عام الفطام إلى نهاية العام السادس أو السابع من عمر الطفل، وهي من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل اللغوي والعقلي والاجتماعي، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحّة النفسية والخلقية، وتتطلّب هذه المرحلة من الأبوين إبداء عناية خاصة في تربية الأطفال، وإعدادهم؛ ليكونوا عناصر فعّالة في المحيط الاجتماعي، وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي:

أولاً: تعليم الطفل معرفة الله تعالى

الطفل مجبول بفطرته على الإيمان بالله تعالى، حيثُ تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون، وعن نشوئه ونشوء أبويه، ونشوء مَن يحيط به، وأنّ تفكيره المحدود مهيّأ لقبول فكرة الخالق والصانع، فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبّلها تفكيره المحدود، والإيمان بالله تعالى كما يؤكّده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس (من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل.. ممّا سوف

٥٣

يعطيه الأمل في الحياة والاعتماد على الخالق، ويوجد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم) (1) .

والتربية والتعليم في هذه المرحلة يفضّل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل، متناسباً مع العمر العقلي للطفل، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي، وقد حدّد الإمام محمد الباقر (عليه السلام) تسلسل المنهج قائلاً:

(إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له: قُلْ لا إله إلاّ الله سبع مرّات، ثم يُترك حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً فيقال له: قُلْ محمد رسول الله سبع مرّات، ويُترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له: قُلْ سبع مرّات صلّى الله على محمد وآله، ثم يُترك حتى يتم له خمس سنين، ثم يقال له: أيّهما يمينك وأيُّهما شمالك؟ فإذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى القبلة ويقال له: اسجد، ثم يُترك حتى يتم له سبع سنين، فإذا تمّ له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفّيك، فإذا غسلهما قيل له صلِّ، ثم يُترك، حتى يتم له تسع سنين، فإذا تمّت له تسع سنين عُلّم الوضوء وضُرب عليه وأُمر بالصلاة وضُرب عليها، فإذا تعلّم الوضوء والصلاة غفر الله عز وجلّ له ولوالديه إن شاء الله) (2) .

وقد أثبت علم النفس الحديث صحّة هذا المنهج (2 ـ 3 سنوات، يكتسب كلام الطفل طابعاً مترابطاً ممّا يتيح له إمكانية التعبير عن فهمه لكثير من الأشياء والعلاقات... وفي نهاية السنة الثالثة يصبح الطفل قادراً على استخدام الكلام وفق قواعد نحوية ملحوظة، وهذا يمكنه من صنع

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 294.

(2) مَن لا يحضره الفقيه، للصدوق 1: 182 | 3 باب الحد الذي يُؤخذ فيه الصبيان بالصلاة ـ دار التعارف للمطبوعات 1401 هـ.

٥٤

جمل أوّلية وصحيحة) (1) .

وتعميق الإيمان بالله ضروري في تربية الطفل.

والطفل في هذه المرحلة يكون مقلِّداً لوالديه في كل شيء، بما فيها الإيمان بالله تعالى، يقول الدكتور سپوك: (إنّ الأساس الذي يؤمن به الابن بالله وحبّه للخالق العظيم، هو نفس الأساس الذي يحب به الوالدان الله).

ويقول: (بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الأبوين في كلِّ شيء، فإذا حدّثاه عن الله فإنّه يؤمن بالصورة التي تحدّدها كلماتهما عن الله حرفيّاً) (2) والطفل في هذه المرحلة يميل دائماً إلى علاقات المحبّة والمودّة والرقّة واللين، فيحب أو يفضّل (تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة إلى أقصى حدٍّ ممكن، مع التقليل إلى أدنى حدٍّ من صفات العقاب والانتقام) (3) .

فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محبّبة له، فيزداد تعلّقه بالله تعالى، ويرى أنّه مانح الحب والرحمة له.

وإذا أردنا ان نكوّن له صورة عن يوم القيامة فالأفضل أن نركّز على نعيم الجنّة بما يتناسب مع رغباته، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك، ونركّز على أنّه سيحصل عليها إنْ أصبح خلوقاً ملتزماً بالآداب الإسلامية، ويُحرم منها إنْ لم يلتزم، ويؤجّل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدّمة من عمره.

____________________

(1) علم النفس التربوي، للدكتور علي منصور 2: 132 ـ 1407 هـ.

(2) مشاكل الآباء في تربية الأبناء: 248.

(3) مشاكل الآباء في تربية الأبناء: 251.

٥٥

ثانياً: التركيز على حبّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام)

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن) (1) .

في هذه المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والأحاسيس عند الطفل، من حب وبغض وانجذاب ونفور، واندفاع وانكماش، فيجب على الوالدين استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه، وتوجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية، والمبادرة إلى تركيز حبّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحبّ أهل البيت (عليهم السلام) في خلجات نفسه. والطريقة الأفضل في تركيز الحبّ هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع، وخصوصاً ما يتعلّق برحمتهم وعطفهم وكرمهم، ومعاناتهم، وما تعرّضوا له من حرمان واعتداء، يجعل الطفل متعاطفاً معهم مُحبّاً لهم، مبغضاً لمَن آذاهم من مشركين ومنحرفين.

والتركيز على قراءة القرآن في الصغر يجعل الطفل منشدّاً إلى كتاب الله، متطلّعاً على ما جاء فيه، وخصوصاً الآيات والسور التي يفهم الطفل معانيها. وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه، وقدرته على الحفظ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه.

____________________

(1) كنز العمّال 16: 456 | 45409.

٥٦

ثالثاً: تربية الطفل على طاعة الوالدين

يلعب الوالدان الدور الأكبر في تربية الأطفال، فالمسؤولية تقع على عاتقهما أوّلاً وقبل كلّ شيء، فهما اللذان يحدّدان شخصية الطفل المستقبلية، وتلعب المدرسة والمحيط الاجتماعي دوراً ثانويّاً في التربية.

والطفل إذا لم يتمرّن على طاعة الوالدين فإنّه لا يتقبّل ما يصدر منهما من نصائح وإرشادات وأوامر إصلاحية وتربوية، فيخلق لنفسه ولهما وللمجتمع مشاكل عديدة، فيكون متمرّداً على جميع القيم، وعلى جميع القوانين والعادات والتقاليد الموضوعة من قِبل الدولة ومن قِبل المجتمع.

قال الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام): (جرأة الولد على والده في صغره، تدعو إلى العقوق في كبره) (1) .

وقال الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): (... شرّ الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق) (2) .

وتربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلّب جهداً متواصلاً منهما على تمرينه على ذلك؛ لأنّ الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى الاستقلالية الذاتية، فيحتاج إلى جهد إضافي من قِبل الوالدين، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحبّ والحنان، يقول

____________________

(1) تحف العقول: 368.

(2) تاريخ اليعقوبي 2: 320.

٥٧

الدكتور يسري عبد المحسن: (أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة.. الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كلِّ أفراد الأُسرة) (1) .

ومن الوسائل التي تجعله مطيعاً هي إشباع حاجاته الأساسية وهي: (الأمن، والمحبّة، والتقدير، والحرية، والحاجة إلى سلطة ضاغطة) (2) .

ويرى الدكتور فاخر عاقل هذه الحاجات بالشكل التالي: (الحاجة إلى توكيد الذات، أو المكانة، أن يعترف به وبمكانته، وأن ينتبه إليه.. والحاجة إلى الأمان والحاجة إلى المحبّة والحاجة إلى الاستقلال) (3) .

فإذا شعر الطفل بالحب والحنان والتقدير من قِبل والديه، فإنّه يحاول المحافظة على ذلك بإرضاء والديه، وأهم مصاديق الإرضاء هو طاعتهما.

فالوالدان هما الأساس في تربية الطفل على الطاعة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما) (4) وأُسلوب الإعانة كما حددّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتألف له، وتعليمه وتأديبه) (5) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله مَن أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيّئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله) (6) .

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 328.

(2) علم النفس، لعبد العزيز القوصي: 264.

(3) علم النفس التربوي، لفاخر عاقل: 100 ـ 101.

(4) مستدرك الوسائل 2: 618.

(5) مستدرك الوسائل 2: 626.

(6) عدّة الداعي: 61.

٥٨

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله مَن أعان ولده على برّه... يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به...) (1) .

وحبّ الأطفال للوالدين ردّ فعل لحبّ الوالدين لهما (2) .

فإذا كان الحبُّ هو السائد في العلاقة بين الطفل ووالديه، فإنّ الطاعة لهما ستكون متحقّقة الوقوع، وعلى الوالدين أنْ يُصدرا الأوامر برفق ولين بصورة نصح وإرشاد فإنّ الطفل سيستجيب لهما، أمّا استخدام التأنيب والتعنيف فإنّه سيؤدّي إلى نتائج عكسية؛ ولذا أكدّ علماء النفس والتربية على التقليل من التعنيف كما جاء في قول أنور الجندي: (يقتصد في التعنيف عند وقوع الذنب؛ لأنّ كثرة العقاب تهوّن عليه سماع الملامة وتخفّف وقع الكلام في نفسه) (3) .

وإطاعة الأوامر لا يجد فيها الطفل الذي حصل على المحبّة والتقدير أيّة غضاضة على حبّه للاستقلال، وبالمحبّة التي يشعرها تتعمّق في نفسه القابلية على تقليد سلوك مَن يحبّهم وهما الوالدان، فينعكس سلوكهما عليه، ويستجيب لهما، فإنّه إذا عُومل كإنسان ناضج وله مكانة فإنّه يستريح إلى ذلك، ويتصرّف بنضج وبصورة لا تسيء إلى والديه، فيتمرّن على الطاعة لوالديه، ومن ثمّ الطاعة لجميع القيم التي يتلقّاها من والديه، أو من المدرسة، أو من المجتمع.

____________________

(1) الكافي 6: 50 | 6 بِرّ الأولاد.

(2) علم الاجتماع، لنقولا الحداد: 252 ـ دار الرائد 1982 م ط2.

(3) التربية وبناء الأجيال: 167

٥٩

رابعاً: الإحسان إلى الطفل وتكريمه

الطفل في هذه المرحلة بحاجة إلى المحبّة والتقدير من قِبل الوالدين، وبحاجة إلى الاعتراف به وبمكانته في الأُسرة وفي المجتمع، وأن تسلّط الأضواء عليه، وكلّما أحسَّ بأنّه محبوبٌ، وأنّ والديه أو المجتمع يشعر بمكانته وذاته فإنّه سينمو (متكيّفاً تكيّفاً حسناً، وكينونته راشداً صالحاً يتوقّف على ما إذا كان الطفل محبوباً مقبولاً شاعراً بالاطمئنان في البيت) (1) .

والحبُّ والتقدير الذي يحسّ به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب حياته، فيكتمل نموّه اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي، والطفل يقلّد مَن يحبّه، ويتقبّل التعليمات والأوامر والنصائح ممّن يحبّه، فيتعلّم قواعد السلوك الصالحة من أبويه، وتنعكس على سلوكه إذا كان يشعر بالمحبّة والتقدير من قِبلهما.

وقد وردت عدّة روايات تؤكّد على ضرورة محبّة الطفل وتكريمه:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم) (2) وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله عبداً أعان ولده على بِرّه بالإحسان إليه والتآلف له وتعليمه وتأديبه) (3) .

____________________

(1) علم النفس التربوي، للدكتور فاخر عاقل: 111 ـ دار العلم للملايين 1985 ط1.

(2) مستدرك الوسائل 2: 625.

(3) مستدرك الوسائل 2: 626.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523