العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196910 / تحميل: 8001
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فقال حسان: بم؟ قال بقوله دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطّاعم الكاسي. فقال حسان: ما هجاه يا أمير المؤمنين. قال: فماذا صنع به؟ قال: سلح عليه! فقال عمر: علي بجرول فلما جيء به قال له يا عدوّ نفسه تهجو المسلمين فأمر به فسجن(1) .

وقد كان حذيفة راوي هذا الحديث مرجعا للصّحابة في معرفة أحوال الفتن ومعرفة أهل النّفاق وتمييز أهل الحقّ من أهل الباطل لما حفظ في هذا المقام الذي قامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ومن ذلك سؤال عمر بن الخطّاب له عن الفتن فقال إنّ بينك وبينها بابا. فقال: هل يفتح أو يكسر؟ فقال: بل يكسر. فعرف عمر أنّه الباب، وأنّه يقتل كما أخبر حذيفة من سأله عن ذلك هل علم عمر ذلك فقال نعم، كما يعلم أنّ دون غد اللّيلة، فإنّي حدّثته بحديث ليس بالأغاليط، وهذا ثابت في الصحيح.

هذا عمر يسأل حذيفة عن الفتن، وما أكثر سؤالات عمر لمن يفترض أنّه أعلم منهم!.

قال الشنقيطي: (فأبو بكر لم يكن عالما بقضاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ميراث الجدّة حتّى أخبره المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة، وعمر لم يكن عنده علم بقضاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دية الجنين حتّى أخبره المذكوران قبل، ولم يكن عنده علم من أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجزية من مجوس هجر حتّى أخبره عبد الرّحمان بن عوف، ولا من الاستئذان ثلاثا حتّى أخبره أبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري)(2) .

تلك أمور غابت عن عمر، ومع ذلك يقولون إنّه كان من القضاة.

قال الألباني: وأخرج أبو يعلى والحسن بن سفيان بإسناد حسن عن المغيرة بن شعبة أنّ زرارة بن جري قال لعمر بن الخطّاب: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب إلى الضحّاك بن سفيان أن يورّث امرأة اشيم الضّبابي من دية زوجها، فقضى بذلك عمر بن الخطّاب بعد رواية الضحّاك وزرارة والمغيرة ذلك له عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما علم، لا لأنّه لا يقبل خبر الواحد

____________________

(1) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 3 ص 339 رقم 8919.

(2) أضواء البيان، ج 1 ص 125.

٢٦١

بل لإشاعة الخبر وإشهاره بالموسم، وردّ ما كان رآه أنّ الدّية إنّما هي للعصبة لأنّهم يعقلون عنه، لأنّه لا قياس مع النّص(1) .

روى الشّعبي أنّ كعب بن سور كان جالسا عند عمر بن الخطّاب فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قطّ أفضل من زوجي، والله إنّه ليبيت ليله قائما ويظلّ نهاره صائما، فاستغفر لها وأثنى عليها، واستحيت المرأة وقامت راجعة. فقال كعب: يا أمير المؤمنين هلاّ أعديت المرأة على زوجها؟ فلقد أبلغت إليك في الشّكوى! فقال لكعب: اقض بينهما فإنّك فهمت من أمرها ما لم أفهم. قال: فإنّي أرى كأنّها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهنّ، فأقضي بثلاثة أيّام ولياليهنّ يتعبّد فيهنّ ولها يوم وليلة. فقال عمر: والله ما رأيك الأوّل بأعجب من الآخر، اذهب فأنت قاض على البصرة، نعم القاضي أنت. رواه سعيد. صحيح. أورده الحافظ في (الإصابة) في ترجمة كعب هذا وذكر عن ابن عبد البرّ أنّه خبر عجيب مشهور، وأنّه قال: رواه أبو بكر بن أبي شيبة في (مصنّفه) من طريق محمد بن سيرين، ورواه الشعبي أيضا. قال الحافظ: وأورده ابن دريد في (الأخبار المنثورة عن أبي حاتم السجستاني عن أبي عبيدة وله طرق)(2) .

قال ابن عبد البرّ وأخبار الآحاد عند العلماء من علم الخاصّة لا ينكر على أحد جهل بعضها ن والإحاطة بها ممتنعة، وما أعلم أحدا من أئمّة الأمصار مع بحثهم وجمعهم إلاّ وقد فاته شيء من السّنن المرويّة من طريق الآحاد؛ وحسبك بعمر بن الخطّاب فقد فاته من هذا الضّرب أحاديث فيها سنن ذوات عدد من رواية مالك في الموطّإ ومن رواية غيره أيضا، وليس ذلك بضارّ له ولا ناقص من منزلته(3) .

____________________

(1) إرواء الغليل، ج 7 ص 80. تحت رقم 2016.

(2) المبدع ج 7 ص 196 والمغني ج 7 ص 230 والمغني ج 10 ص 100 وشرح منتهى الإرادات ج 3 ص 45 وشرح منتهى الإرادات ج 3 ص 45 وكشاف القناع ج 5 ص 191 ومطالب أولي النهى ج 5 ص 265 ومنار السبيل ج 2 ص 198 وأخبار القضاة ج 1 ص 276.

(3) التمهيد، ابن عبد البر، ج 8 ص 68.

٢٦٢

أقول:

فكيف يدّعون إذا أنّه أعلم الأمّة بعد رسول الله وأبي بكر؟.

قال ابن حزم: وهذا عمر يقول في حديث الاستئذان أخفي علي هذا من أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ألهاني الصّفق في الأسواق. وقد جهل أيضا أمر إملاص المرأة وعرفه غيره، وغضب على عيينة بن حصن حتى ذكره الحرّ بن قيس بن حصن بقوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وخفي عليه أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإجلاء اليهود والنّصارى من جزيرة العرب إلى آخر خلافته، وخفي على أبي بكر قبله أيضا طول مدّة خلافته، فلمّا بلغ ذلك عمر أمر بإجلائهم فلم يترك بها منهم أحدا. وخفي على عمر أيضا أمره عليه السلام بترك الإقدام على الوباء وعرف عبد الرحمن بن عوف، وسأل عمر أبا واقد الليثي عما كان يقرأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلاتي الفطر والأضحى، هذا وقد صلاّهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعواما كثيرة، ولم يدر ما يصنع بالمجوس حتّى ذكّره عبد الرّحمن بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم، ونسي قبوله عليه السلام الجزية من مجوس البحرين وهو أمر مشهور ولعلّهرضي‌الله‌عنه قد أخذ من ذلك المال حظّا، كما أخذ غيره منه. ونسي أمره عليه السلام بأن يتيمّم الجنب فقال: لا يتيمّم أبدا ولا يصلّي ما لم يجد الماء. وذكّره بذلك عمّار، وأراد قسمة مال الكعبة حتى احتجّ عليه أبي بن كعب بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعل ذلك فأمسك. وكان يردّ النّساء اللواتي حضن ونفرن قبل أن يودّعن البيت حتّى أخبر بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذن في ذلك فأمسك عن ردّهن. وكان يفاضل بين ديات الأصابع حتّى بلغه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بالمساواة بينها فترك قوله وأخذ بالمساواة؛ وكان يرى الدية للعصبة فقط حتى أخبره الضحّاك بن سفيان بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورّث المرأة من الدّية، فانصرف عمر إلى ذلك. ونهى عن المغالاة في مهور النساء استدلالا بمهور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ذكّرته امرأة فرجع عن نهيه. وأراد رجم مجنونة حتى أعلم بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ذكّرته امرأة فرجع عن نهيه. وأراد رجم مجنونة حتى أعلم بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع القلم عن ثلاثة فأمر ألا ترجم وأمر برجم مولاة حاطب حتى ذكره عثمان بأن الجاهل لا حد عليه فأمسك عن رجمها وأنكر على

٢٦٣

حسان الإنشاد في المسجد فأخبره هو وأبو هريرة أنه قد أنشد فيه بحضرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسكت عمر(1) .

قال ابن القيم: (وخفي على عمر تيمم جنب فقال لو بقي شهرا لم يصل حتى يغتسل وخفي عليه دية الأصابع فقضى في الإبهام والتي تليها بخمس وعشرين حتى أخبر أن كتاب آل عمرو بن حزم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قضى فيها بعشر عشر فترك قوله ورجع غليه وخفي عليه شأن الاستئذان حتى أخبره به أبو موسى وأبو سعيد الخدري وخفي عليه توريث المرأة من دية زوجها حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان الكلابي وهو أعرابي من أهل البادية أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وخفي عليه حكم إملاص المرأة حتى سأل عنه فوجده عند المغيرة بن شعبة وخفي عليه أمر المجوس في الجزية حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذها من مجوس هجر وخفي عليه سقوط طواف الوداع عن الحائض فكان يردهن حتى يطهرن ثم يطفن حتى بلغه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلاف ذلك فرجع عن قوله وخفي عليه التسوية بين دية الأصابع وكان يفاضل بينها حتى بلغته السنة في التسوية فرجع إليها وخفي عليه شأن متعة الحج وكان ينهى عنها حتى وقف على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بها فترك قوله وأمر بها وخفي عليه جواز التسمي بأسماء الأنبياء فنهى عنه حتى أخبره به طلحة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كناه أبا محمد فأمسك ولم يتماد على النهي هذا وأبو موسى ومحمد بن مسلمة وأبو أيوب من أشهر الصحابة ولكن لم يمر بباله (أمر هو بين يديه حتى نهى عنه وكما خفي عليه قوله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون وقوله وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم حتى قال والله كأني ما سمعتها قط قبل وقتي هذا وكما خفي عليه حكم الزيادة في المهر على مهر أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبناته حتى ذكرته تلك المرأة بقوله تعالى وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فقال كل أحد أفقه من عمر حتى النساء وكما خفي عليه أمر الجد

____________________

(1) الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم الأندلسي، ج 2 ص 151 و 152.

٢٦٤

والكلالة وبعض أبواب الربا فتمنى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عهد إليهم فيها عهدا وكما خفي عليه يوم الحديبية أن وعد الله لنبيه وأصحابه بدخول مكة مطلق لا يتعين لذاك العام حتى بينه له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما خفي عليه جواز استدامة الطيب للمحرم وتطيبه بعد النحر وقبل طواف الإفاضة وقد صحت السنة بذلك وكما خفي عليه أمر القدوم على محل الطاعون والفرار منه حتى أخبر بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها فإن وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه هذا وهو أعلم الأمة بعد الصديق على الإطلاق وهو كما قال ابن مسعود لو وضع علم عمر في كفة ميزان وجعل علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر قال الأعمش فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال والله إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم(1) .

عن ذر عن ابن عبد الرحمان بن أبزى عن أبيه أن رجلا سأل عمر بن الخطّاب عن التيمم فلم يدر ما يقول فقال عمار أتذكر حيث كنا في سرية فأجنبت فتمعكت في التراب فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال إنما يكفيك هكذا وضرب شعبة بيديه على ركبتيه ونفخ في يديه ومسح بهما وجهه وكفيه.

أقول:

انظر إلى قوله لم يدر ما يقول. ولماذا يسأل الناس عمر؟ لأنه مرتكز في أذهانهم أن الذي يخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يخلفه ليبين للنّاس معالم دينهم.

عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله قال: خرج عمر يوم عيد فسأل أبا واقد الليثي بأي شيء كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في هذا اليوم فقال بقاف واقتربت(2) .

قال مالك رحمه الله تعالى تشهد عمر بن الخطاب الموقوف عليه أفضل لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد فدل على تفضيله وهو التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله سلام عليك أيها النبي إلى آخره(3) .

____________________

(1) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، ج 2 ص 270. ادار الجيل - بيروت، 1973 تحقيق: طه عبد الرءوف سعد.

(2) سنن النسائي، ج 3 ص 183 - 184.

(3) شرح مسلم، النووي، ج 4 ص 116.

٢٦٥

أقول: كيف يتعلم الناس شيئا مارسوه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوميا طيلة عشر سنين؟! وأين الفرق بين تعليمهم التّشهّد وتعليمهم الفاتحة؟!

وعن ابن إدريس عن جعفر عن أبيه أن عمر بن الخطّاب سأل عن جزية المجوس فقال عبدالرحمن بن عوف سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول سنوابهم سنة أهل الكتاب. حدثنا وكيع قال ثنا سفيان ومالك بن أنس عن جعفر عن أبيه أن عمر بن الخطّاب استشار الناس في المجوس في الجزية فقال عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول سنّوا بهم سنة أهل الكتاب(1) .

قال الشنقيطي: ومنه قول الحطيئة أو النجاشي قبيلة لا يخفرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل فإنه يروى أن عمر لما سمع هذا الهجاء حمله على المدح وقال ليت آل الخطاب كانوا كذلك ولمّا قال الشاعر بعد ذلك فإنه يروى أن عمر لما سمع هذا الهجاء حمله على المدح وقال ليت آل الخطاب كانوا كذلك ولمّا قال الشاعر بعد ذلك ولا يردون الماء إلا عشيّة وإذا صدر الوارد عن كل منهل، قال عمر أيضا ليت آل الخطاب كانوا كذلك، فظاهر هذا الشعر يشبه المدح ولذا ذكروا أن عمر تمنّى ما فيه من الهجاء لأهل بيته لأنّه عنده مدح وصاحبه يريد الذم بلا نزاع.

أقول: لا شكّ أنّ الشاعر يقصد الذّمّ، والشاعر هو الحطيئة أهجى أهل زمانه، وقد شكّوا حين موته إن كان مات على الإسلام. وإنّما فهم عمر من كلامه المدح لقلّة علمه بالشّعر، ويدلّ على ذلك ما قاله حسان بن ثابت لعمر في قصّة الحطيئة والزبرقان بن بدر.

وفي التسهيل: (وقد كان عمر بن الخطّاب أشكل عليه معنى التخوف في الآية حتى قال له رجل من هذيل التخوف التنقّص في لغتنا)(2) .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن سيرين قال كان عمر بن الخطّاب إذا قرأ يبين الله لكم أن تضلوا قال اللهم من بينت له الكلالة فلم تتبين لي(3) .

____________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة، ج 6 ص 304، الحديث رقم 32650 والحديث رقم 32651.

(2) التسهيل لعلوم التنزيل، ج 2 ص 154.

(3) الدر المنثور، السيوطي، ج 2 ص 759.

٢٦٦

قال السرخس: وقد كان عمر يقول لا ميراث للزوج والزوجة من الدية ثم رجع إلى هذا الحديث(1) .

وقال عبد بن حميد حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال كنا عند عمر بن الخطّاب وفي ظهر قميصه أربع رقاع فقرأ وفاكهة وأبا فقال ما الأب ثم قال إن هذا لهو التكلف فما عليك أن لا تدريه.

وقال ابن تيمية: وكذلك لم يأمر عمر بن الخطّاب أن يقضي ما تركه من الصلاة لأجل الجنابة لأنّه لم يكن يعرف أنّه يجوز الصّلاة بالتيمم.

أقول: أعلم الأمة بعد رسول الله وأبي بكر في سلم ترتيب ثقافة السقيفة لا يعرف أنه يجوز الصلاة بالتيمم.

روى عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه قال أتيت عمر بن الخطاب فسألته عن تمام العمرة فقال ائت عليا فسله فعدت فسألته فقال ائت عليا عليه السلام فسله فأتيت عليا فقلت إني قد ركبت الخيل والإبل والسفن فأخبرني عن تمام العمرة فقال تمامها أن تنشئها من بلادك فعدت إلى عمر فسألته فقال ألم أقل لك ائت عليا فسله فقلت قد سألته فقال تمامها أن تنشئها من بلادك قال هو كما قال(2) .

وقال هشيم أنا عمر بن أبي زائدة عن الشعبي قال كان أبوبكر يقول الشعر وكان عمر يقول الشعر وكان على يقول الشعر وكان على اشعر الثلاثة(3) .

الموافقات

قالوا عن عمر بن الخطّاب إنه محدث، ورووا في ذلك أحاديث منها ما ذكره الرازي في التفسير الكبير قال:

وروى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطّاب

____________________

(1) المبسوط للسرخسي، ج 26 ص 157.

(2) شرح العمدة، ج 2 ص 370.

(3) البداية والنهاية، ج 8 ص 8.

٢٦٧

فتبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا نزلت يا عمر وكان عمر يقول وافقني ربي في أربع في الصلاة خلف المقام وفي ضرب الحجاب على النسوة وقولي لهن لتنتهنّ أو ليبدلنّه الله خيرا منكنّ، فنزل قوله تعالى( عَسَى‏ رَبّهُ إِن طَلّقَكُنّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنكُنّ ) . والرابع قلت فتبارك الله أحسن الخالقين فقال هكذا نزلت قال العارفون هذه الواقعة كانت سبب السعادة لعمر وسبب الشقاوة لعبد الله كما قال تعالى يضلّ به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضلّ به إلاّ الفاسقين [البقرة: 26](1) .

عن إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد قال كان عمر إذا رأى الرأي نزل به القرآن(2) .

وقال الآلوسيّ: قال عبد الوهاب الشعراني:... واعلم أنّ حديث الحقّ سبحانه للخلق لا يزال أبدا غير أنّ من الناس من يفهم أنّه حديث كعمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه ومن ورثه من الأولياء ومنهم من لا يعرف ذلك ويقول: ظهر لي كذا وكذا ولا يعرف أنّ ذلك من حديث الحقّ سبحانه معه وكان شيخنا يقول: كان عمر من أهل سماع المطلق الذين يحدثهم الله تعالى في كل شيء(3) .

هذا ما يقوله الشعراني! عمر يحدثه الله تعالى في كل شيء؛ لكنّه لم يحدّثه في الكلالة حتى مات وهو يجهلها؛ ولم يحدّثه في كثير من القضايا التي خالف فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا في باقي القضايا التي أخطأ فيها باجتهاده! بل إنّهم ذكروا أيضا أنّ عمر بن الخطّاب كان يخطئ في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال ابن تيمية: فان سيد المحدثين والمخاطبين الملهمين من هذه الأمّة هو عمر بن الخطّاب، وقد كانت تقع له وقائع فيردها عليه رسول الله أو صديقه التّابع له الآخذ عنه الذي هو أكمل من المحدّث الذي يحدّثه قلبه عن ربّه(4) .

وقال أيضا: وقد ثبت في الصّحيح تعيين عمر بأنّه محدّث في هذه الأمّة فأي محدّث

____________________

(1) التفسير الكبير، ج 23 ص 76.

(2) مصنف ابن أبي شيبة، ج 6 ص 354 تحت رقم 31980.

(3) روح المعاني، الآلوسيّ، ج 25 ص 62.

(4) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 11، ص 65.

٢٦٨

ومخاطب فرض في أمّة محمد فعمر أفضل منه! ومع هذا فكان عمررضي‌الله‌عنه يفعل ما هو الواجب عليه فيعرض ما يقع له على ما جاء به الرسول فتارة يوافقه فيكون ذلك من فضائل عمر كما نزل القرآن بموافقته غير مرة وتارة يخالفه فيرجع عمر عن ذلك كما رجع يوم الحديبية لما كان قد رأى محاربة المشركين والحديث معروف في البخاريّ وغيره(1) .

أقول: هل يعني ابن تيمية بقوله (فأي محدّث ومخاطب فرض في أمّة محمد فعمر أفضل منه) أنّ عمر بن الخطّاب أفضل من عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام؟! سبحانك هذا بهتان عظيم. لو كان الأمر كذلك لخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم المباهلة يباهل بعمر بن الخطّاب؛ وما أكثر ما أعرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عمر.

وقال [ابن تيمية] أيضا: والمحدّث يأخذ عن قلبه أشياء وقلبه ليس بمعصوم فيحتاج أن يعرضه على ما جاء به النبي ولهذا كان عمررضي‌الله‌عنه يشاور الصحابة رضي الله عنهم ويناظرهم ويرجع إليهم في بعض الأمور وينازعونه في أشياء فيحتج عليهم ويحتجون عليه بالكتاب والسنة ويقرّرهم على منازعته، ولا يقول لهم أنا محدّث ملهم مخاطب فينبغي لكم أن تقبلوا منى ولا تعارضوني(2) .

نعم، لم يكن يقول لهم ذلك لأنّ حديث المحدّث لم يكن قد وضعه الوضاعون بعد! لكنه قال: (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما) وهذه أشدّ من تلك بكثير.

وقال في مجموع الفتاوى: حتى أن المحدث منهم كعمر بن الخطّاب إنما يؤخذ منه ما وافق الكتاب والسنّة، وإذا حدّث شيئاً في قلبه لم يكن له أن يقبله حتى يعرضه على الكتاب والسنّة، وكذلك لا يقبله إلاّ أن وافق الكتاب والسنّة، وهذا باب واسع في فضائل القرآن على ما سواه(3) .

____________________

(1) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 11 ص 205.

(2) مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج 11 ص 207.

(3) مجموع الفتاوى، ج 17 ص 46..

٢٦٩

وقال: وكذلك عمر بن الخطّاب كان يقرّ على نفسه في مواضع بمثل هذه فيرجع عن أقوال كثيرة إذا تبين له الحق في خلاف ما قال، ويسأل الصحابة عن بعض السنة حتى يستفيدها منهم، ويقول في مواضع والله ما يدرى عمر أصاب الحق أو أخطأه، ويقول أمرأة أصابت ورجل اخطأ(1) .

اقتراحات عمر على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

يقول الله تعالى في سورة الحجرات ( لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ )...

عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال حدثني أبي قال كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزاة فأصاب النّاس مخمصة فاستأذن الناس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نحر بعض ظهورهم وقالوا أيبلغنا هذه فلما رأى عمر بن الخطّاب أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم قال: يا رسول الله وكيف بنا إذا نحن لقينا القوم غدا جياعا أرجالا، إن رأيت يا رسول الله أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثمّ تدعو الله بالبركة فيها، فإنّ الله سيبلغنا بدعوتك أو قال سيبارك لنا في دعوتك. فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببقايا أزوادهم فجعل النّاس يجيئون بالحثية من الطّعام وفوق ذلك، فكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر فجمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قام فدعا بما شاء الله أن يدعو، ثمّ دعا الجيش بأوعيته وأمرهم أن يحتثوا، فما بقي في الجيش وعاء إلاّ ملأه وبقي مثله فضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد إنّي رسول الله، لا يلقى الله عبد يؤمن بهما إلا حجبت عنه النّار يوم القيامة(2) .

قال السيوطي: وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال مشى عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وقرظة بن عبد عمر وبن نوفل والحارث بن عامر بن نوفل ومطعم بن

____________________

(1) مجموع الفتاوى ج 35 ص 123.

(2) سنن النسائي الكبرى ج 5 ص 244 وسنن النسائي الكبرى ج 6 ص 279 والآحاد والمثاني ج 4 ص 59 والمعجم الأوسط ج 1 ص 26 والمعجم الكبير ج 1 ص 211 ومسند ابن المبارك ج 1 ص 24 ومسند الشاميين ج 1 ص 439 وكنز العمال ج 12 ص 191 وتهذيب الكمال ج 34 ص 138 الطبقات الكبرى ج 1 ص 180 ومعجم الصحابة ج 1 ص 123 والخصائص الكبرى ج 1 ص 407.

٢٧٠

عدي بن الخيار بن نوفل في أشراف الكفار من عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد فإنهم عبيدنا وعسفاؤنا كان أعظم له في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتّباعنا إيّاه وتصديقه فذكر ذلك أبوطالب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عمر بن الخطّاب لو فعلت يا رسول الله حتى ننظر ما يريدون بقولهم وما يصيرون إليه من أمرهم فأنزل الله وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم إلى قوله أليس الله بأعلم بالشاكرين قالوا وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى أبي حذيفة وصبحا مولى أسيد ومن الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو بن عبد عمر وذوالشمالين ومرثد بن أبي مرثد وأشباههم ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا الآية فلما نزلت أقبل عمر بن الخطّاب فاعتذر من مقالته فأنزل الله وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا الآية(1) .

أقول:

هذه المرة خالف عمر ربّه في أمر خطير وهو طرد المؤمنين من حول رسول الله! وإذا كان رضاه حكما وغضبه عزّا كما جاء في معجم الطبراني(2) ، فإن القضيّة تصبح عويصة!

وقال الغرناطي في التّسهيل: في الصحيح إن الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إنّ رحمتي سبقت غضبي أنه من عمل منكم سوءا الآية وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وأصلح وهو خطاب للقوم المذكورين قبل وحكمها عام فيهم وفي غيرهم والجهالة قد ذكرت في النساء وقيل نزلت بسبب أن عمر بن الخطّاب أشار على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطرد الضعفاء عسى أن يسلم الكفار فلما نزلت لا تطرد ندم عمر على قوله وتاب منه فنزلت الآية(3) .

____________________

(1) الدر المنثور، ج 3 ص 272.

(2) الحديث في المعجم الكبير للطبراني [ج 21 ص 48].

(3) التسهيل لعلوم التنزيل، ج 2 ص 10.

٢٧١

وعن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عبّاس يقول: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن المتظاهرتين فما أجد له موضعا أسأله فيه حتى خرج حاجا وصحبته حتى إذا كان بمر الظهران ذهب لحاجته وقال: أدركني بإداوة من ماء فلما قضى حاجته ورجع أتيته بالإداوة أصبها عليه فرأيت موضعا فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان المتظاهرتين على رسول الله؟ فما قضيت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة.

وعن عبد الله بن عبّاس قال: حدثني عمر بن الخطّاب قال: لما اعتزل نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءه دخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب فقلت: يا رسول الله ما شقّ عليك من شأن النساء فلئن كنت طلقتهن فإن الله وملائكته وجبرائيل وميكائيل وأنا وأبوبكر معك وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله مصدق قولي فنزلت هذه الآية آية التخيير( عَسَى‏ رَبّهُ إِن طَلّقَكُنّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنكُنّ ) ( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) الآية وكانت عائشة ابنة أبي بكر وحفصة تتظاهران على سائر نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

قال الشوكاني: وأخرج ابن عبد الحكم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ وعن عمر بن الخطّاب أنه سمع رجلا ينادي بمنى يا ذا القرنين فقال عمر: ها أنتم قد سمعتم بأسماء الأنبياء فما بالكم وأسماء الملائكة(2) ؟

أقول:

علما أنّ ذا القرنين لم يكن من الملائكة! وعمر بن الخطاب يقول عنه (فما بالكم وأسماء الملائكة)؟

وعن ابن عبّاس قال: قال عمر بن الخطّاب فهوي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال أبوبكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوبكر قاعدين (يبكيان) قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء

____________________

(1) تفسير الطبري، ج 12 ص 152.

(2) فتح القدير، ج 3 ص 442 وأيضا في فتح الباري ج 6 ص 383 ومعاني القرآن ج 4 ص 285 وفتح القدير ج 3 ص 310.

٢٧٢

بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنزل الله تعالى:( مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى‏ حَتّى‏ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) إلى قوله:( فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيّباً ) (1) .

قال ابن إسحاق: لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطّاب فإنه أشار على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الأسرى وسعد بن معاذ قال: يا رسول الله كان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر بن الخطّاب وسعد بن معاذ(2) .

لكنهم رووا أيضا عن ابن إسحاق ما يلي: (وسعد بن معاذ واقف عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجال من الأنصار في العريش - رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وجه سعد الكراهية فقال كأنك تكره ما يصنع الناس قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله في المشركين وكان الإثخان في القتل أحبّ إليّ من استبقاء الرجال..(3) . ورووا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ لقوله يا نبي الله كان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال)(4) .

وبما أن الجمع متعذر لحصر النّجاة في رجل واحد كما هو واضح في الروايات السابقة، فقد تصدى من تصدى وتبرّع بالنجاة للرجلين جميعا بضم أحدهما إلى الآخر، وهكذا وجدت أحاديث تقول (ولو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ)(5) . ولكن كفة عمر بن الخطاب تبقى دائما أرجح فإنّه قرشي ولي الخلافة،

____________________

(1) تفسير البغوي، ج 1 ص 375.

(2) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج 2 ص 552 وتفسير الطبري ج 10 ص 48 وأحكام القرآن لابن العربي ج 2 ص 436 وتفسير الثعلبي ج 4 ص 373 وتخريج الأحاديث والآثار ج 2 ص 39 وزاد المعاد ج 3 ص 185. تأويل مختلف الحديث ج 1 ص 158 وأصول البزدوي ج 1 ص 280 والتوضيح في حل عوامض التنقيح ج 2 ص 35 وتيسير التحرير ج 4 ص 186 وكشف الأسرار ج 3 ص 311 وكشف الأسرار ج 4 ص 40.

(3) مختصر السيرة، ابن كثير، ج 1 ص 155 والبداية والنهاية ج 3 ص 284 وتاريخ الطبري ج 2 ص 47.

(4) تفسير الطبري ج 10 ص 48 وأحكام القرآن لابن العربي ج 2 ص 436.

(5) التفسير الكبير ج 15 ص 158 والكشاف ج 2 ص 225 وتفسير أبي السعود ج 4 ص 36 وتفسير البيضاوي

٢٧٣

وتملّق السّلطان في تاريخ العرب أمر معلوم فيما سبق من الأزمان، مشهود في أيّامنا بالوجدان.

ولذلك فإنّ سعد بن معاذ رغم استشهاده في أيّام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحضور جموع كثيرة من الملائكة في جنازته، وكونه صاحب مناديل في الجنّة، فإنّه لن يكون من بين العشرة المبشّرين بالجنّة، لأنّه ليس قرشيا، هذا مع أنّه لم يثبت له فرار من الزّحف، بخلاف الخلفاء الثّلاثة القرشيّين، فإنّ لهم في الفرار بصمات لا تمحى. والفرار من الزحف من الكبائر! وعليه يكون القرشيّ محظيّا عند الله تعالى حتّى لو كان غارقا في الذّنوب إلى ذقنه.

قالوا: وهذه الآية نزلت في احتجاب أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسببها ما رواه أنس من قعود القوم يوم الوليمة في بيت زينب وقيل سببها أن عمر بن الخطّاب أشار على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يحجب نساءه فنزلت الآية موافقة لقول عمر(1) .

أقول:

أي أنّه لو لم يشر عمر بن الخطّاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل قرآن بخصوص الحجاب!

وروى سعيد بن جبير قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي فمرّ رجل من المسلمين على رجل من المنافقين فقال له: رسول الله يصلّي وأنت جالس لا تصلّي؟ فقال له: امض إلى عملك إن كان لك عمل! فقال: ما أظنّ إلاّ سيمرّ بك من ينكر عليك؛ فمرّ عليه عمر بن الخطّاب قال: يا فلان، إنّ رسول الله يصلّي وأنت جالس؟ فقال له مثلها، فوثب عليه فضربه وقال: هذا من عملي. ثمّ دخل المسجد وصلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا فرغ رسول الله من صلاته قام إليه عمر فقال: يا نبي الله مررت آنفا على فلان وأنت تصلّي وهو جالس فقلت له: نبيّ الله يصلّي وأنت جالس؟ فقال لي: مرّ إلى عملك فقال عليه

____________________

ج 3 ص 122 وتفسير النسفي ج 2 ص 74 ومرقاة المفاتيح ج 7 ص 481 والفتح السماوي ج 2 ص 660 وشرح فتح القدير ج 5 ص 475.

(1) التسهيل لعلوم التنزيل، ج 3 ص 143.

٢٧٤

الصلاة والسلام: هلاّ ضربت عنقه؟ فقام عمر مسرعا ليلحقه فيقتله فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا عمر، ارجع فإنّ غضبك عزّ ورضاك حكم. إن لله في السموات ملائكة له غنى بصلاتهم عن صلاة فلان. فقال عمر: يا رسول الله وما صلاتهم فلم يردّ عليه شيئا فأتاه جبريل فقال: يا نبي الله سألك عمر عن صلاة أهل السّماء؟ قال: نعم. قال: أقرئه منّي السّلام وأخبره بأن أهل سماء الدّنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي الملك والملكوت وأهل السماء الثانية قيام إلى يوم القيامة يقولون سبحان ذي العزّة والجبروت وأهل السّماء الثالثة ركوع إلى يوم القيامة يقولون سبحان الحيّ الذي لا يموت فهذا هو تسبيح الملائكة(1) .

أقول:

هناك منافقون قاموا بأعمال لا يمكن أن يقرن بها عمل هذا الرجل ومع ذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يسمع النّاس أنّ محمّدا يقتل أصحابه، فكيف يخالف فجأة ويأمر بضرب عنق متخلف عن صلاة الجماعة؟ ولم يقل أحد من الفقهاء بضرب عنق من تخلّف عن صلاة الجماعة. ولا يخفى ههنا تقريرهم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصحّح فعل عمر ويؤيّده.

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا لقي عمر فقال (إنّ جبريل الذي يذكر صاحبكم عدوّ لنا) فقال عمر: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) قال: فنزلت على لسان عمر! وقد نقل ابن جرير الإجماع على أن سبب نزول الآية ذلك(2) .

وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والعدني والدارمي والبخاريّ والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والطحاويّ وابن حبان والدار قطني في الأفراد البيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطّاب وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله

____________________

(1) التفسير الكبير، الرازي، ج 2 ص 159.

(2) الدر المنثور، السيوطي، ج 1 ص 224 عن ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٢٧٥

لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى؛ وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهم البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب؛ واجتمع على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن التحريم الآية فنزلت كذلك(1) .

قال السيوطي: وأخرج مسلم وابن أبي داود وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن جابر أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ثم قرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. وأخرج ابن ماجه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال لما وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم قال له عمر يا رسول الله هذا مقام إبراهيم الذي قال الله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى قال نعم. وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن ابن عمر أن عمر قال يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن أنس أن عمر قال يا رسول الله لو صلّينا خلف المقام فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وأخرج ابن أبي داود عن مجاهد قال كان المقام إلى لزق البيت فقال عمر بن الخطّاب يا رسول الله لو نحيته إلى البيت ليصلي إليه الناس ففعل ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنزل الله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وأخرج ابن أبي داود وابن مردويه عن مجاهد قال: قال عمر (يا رسول الله لو صلّينا خلف المقام فأنزل الله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى فكان المقام عند البيت فحوله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى موضعه هذا قال مجاهد وقد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن

____________________

(1) صحيح البخاري ج 1 ص 157 وصحيح مسلم ج 4 ص 1865 وصحيح ابن حبان ج 15 ص 319 والجمع بين الصحيحين ج 1 ص 112 وسنن الدارمي ج 2 ص 67 وسنن سعيد بن منصور ج 2 ص 607 والمعجم الأوسط ج 6 ص 92 والمعجم الأوسط ج 6 ص 207 والمعجم الصغير الروض الداني) ج 2 ص 110 ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 339 وكنز العمال ج 12 ص 248 ومشكاة المصابيح ج 3 ص 1706 وأخبار المدينة ج 2 ص 45 وأخبار مكة للفاكهي ج 1 ص 441 والموافقات ج 2 ص 251 وشرح مذاهب أهل السنة ج 1 ص 148 ومنهاج السنة النبوية ج 6 ص 22 وتاريخ الإسلام ج 3 ص 261 وتاريخ الخلفاء ج 1 ص 122.

٢٧٦

وأخرج ابن مردويه من طريق عمر بن ميمون عن عمر أنه مرّ بمقام إبراهيم فقال يا رسول الله أليس نقوم مقام إبراهيم خليل ربّنا؟ قال: بلى. قال: أفلا نتخذه مصلّى؟ فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والدار قطني في الأفراد عن أبي ميسرة قال قال عمر يا رسول الله هذا مقام خليل ربنا أفلا نتخذه مصلى فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى(1) .

أقول:

لا شغل للسماء إلا موافقة عمر!

قال السيوطي: وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند حسن عن كعب بن مالك قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطّاب من عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده فوجد امرأته قد نامت فأيقظها وأرادها فقالت إني قد نمت فقال ما نمت ثم وقع بها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر بن الخطّاب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره فأنزل الله( عَلِمَ اللّهُ أَنّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) (2) .

قال الآلوسي: أخرج ابن جرير عن عائشة أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام كن يخرجن باللّيل إذ برزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح وكان عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه عنه يقول للنبي: أحجب نساءك فلم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعةرضي‌الله‌عنه ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر رضي الله تعالى عنه بصوته الأعلى قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله تعالى الحجاب وذلك أحد موافقات عمررضي‌الله‌عنه وهي مشهودة(3) .

فعمر بن الخطاب إذا أحرص من الله تعالى ورسوله على الأحكام التي فيها مصالح المسلمين!! وقوله حرصا يعني قطعا أنّ هذا الحرص لم يكن عند الله والرّسول، لأنّه إن

____________________

(1) الدر المنثور، ج 1 ص 289 - 290.

(2) الدر المنثور، ج 1 ص 475.

(3) روح المعاني، ج 22 ص 72.

٢٧٧

كان فلماذا يتأخّر أثره حتى يضجر عمر ويضيق ذرعا بالواقع؟!.

قال الآلوسي: أخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه قال خرجت أتعرض لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فوقفت خلفه فاستفتح سورة الحاقّة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت هذا والله شاعر فقال (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون) قلت كاهن فقال لا (ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل..) إلى آخر السورة، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع(1) .

أقول: وربّما لو قال عمر: (هذا فيلسوف) لنزل ولا بقول فيلسوف..! فوا عجبا لأمّة هذا مبلغ علمها وهذه حرمة كتاب ربّها عندها، أن جعلت الآي الحكيم تابعا في نزوله لهوى رجل وهو على حال الشّرك، ويشهد على نفسه أنّه كان أضلّ من بعير أهله!!

قال ابن الجوزي: قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر في سبب نزولها قولان أحدهما أن عمر بن الخطّاب قال اللهمّ بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت هذه الآية والثاني أن جماعة من الأنصار جاؤوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم عمر ومعاذ فقالوا: أفتنا في الخمر فإنّها مذهبة للعقل، مسلبة للمال، فنزلت هذه الآية(2) .

قال: والرابع أن عمر بن الخطّاب كان أشار على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأخير الفقراء استمالة للرؤساء إلى الإسلام فلما نزلت ولا تطرد الذين يدعون ربهم جاء عمر يعتذر من مقالته ويستغفر منها فنزلت فيه هذه الآية قاله ابن السائب(3) .

وروي عن ابن عمر قال: لما أشار عمر بقتلهم وفاداهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنزل الله تعالى ما كان لنبي إلى قوله حلالا طيبا فلقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر فقال كاد يصيبنا في خلافك بلاء(4) .

____________________

(1) روح المعاني، ج 29 ص 39.

(2) زاد المسير، ابن الجوزي، ج 1 ص 239.

(3) زاد المسير، ابن الجوزي، ج 3 ص 48.

(4) زاد المسير، ج 3 ص 380.

٢٧٨

أقول: لا يدري ما هو الواجب طاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم طاعة عمر؟! وكيف يصحّ هذا بعد قوله تعالى( فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (1) . كان الأولى أن ينزل فليحذر الذين يخالفون عن أمر عمر أن تصيبهم فتنة...

قال ابن الجوزي: قوله تعالى ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم في سبب نزولها قولان أحدهما أن رسول الله ص وجه غلاما من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطّاب وقت الظهيرة ليدعوه فدخل فرأى عمر على حالة كره عمر رؤيته عليها فقال يا رسول الله وددت لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان فنزلت هذه الآية قاله ابن عبّاس(2) .

الاستئذان سلوك حضاري يدرك بالوجدان. لكن لابدّ أن يكون عمر بن الخطّاب وراء كل تشريع!.

قال: والثالث أنّ عمر بن الخطّاب قال: قلت (يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب). أخرجه البخاريّ من حديث أنس وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر، كلاهما عن عمر(3) .

قال: أحدها أنّ عمر بن الخطّاب رأى جارية متبرّجة فضربها وكفّ ما رأى من زينتها فذهبت إلى أهلها تشكو، فخرجوا إليه فآذوه فنزلت هذه الآية رواه عطاء عن ابن عبّاس(4) .

قال ابن الجوزي في زاد المسير: وعن أنس عن عمر بن الخطّاب قال: (بلغني بعض ما آذى به رسول الله نساؤه فدخلت عليهنّ فجعلت أستقرئهنّ واحدة واحدة! فقلت والله لتنتهنّ أو ليبدلنّه الله أزواجا خيرا منكنّ. فنزلت هذه الآية والمعنى واجب من الله إن

____________________

(1) النور: 63.

(2) زاد المسير، ج 6 ص 60.

(3) زاد المسير، ج 6 ص 413.

(4) وقال: زاد المسير، ج 6 ص 421.

٢٧٩

طلقكنّ رسوله أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ مسلمات أي خاضعات لله)(1) .

لكن هذه القصّة تقابلها قصّة أخرى في صحيح البخاريّ تشبهها إلى حدّ بعيد. ففي البخاريّ: قال عمر: ثمّ خرجت حتّى دخلت على أمّ سلمة لقرابتي منها فكلّمتها فقالت أمّ سلمة: عجبا لك يا ابن الخطّاب دخلت في كلّ شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد(2) .

قال ابن عاشور: وفي حديث آخر في الصحيح عن أنس أيضا أن عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه قال له: يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب(3) .

وفيه اعتراف أنّ عمر لا يعتقد بعدالة جميع الصحابة، وظاهر ما ذكروه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعلّق على كلام عمر، ومثل هذا السّكوت يعدّ تقريرا لقول عمر.

أقول: هل كان نزل قوله تعالى (وأزواجه أمهاتهم) حتى يقول عمر فلو أمرت أمّهات المؤمنين(4) !

قال السيوطي: وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطّاب أنه مر بمقام إبراهيم فقال يا رسول الله أليس نقوم مقام خليل ربنا قال بلى قال أفلا نتخذه مصلى فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت(5) .

وأخرج عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا لقي عمر بن الخطّاب فقال إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدوّ لنا فقال عمر: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) قال فنزلت على لسان عمر.

يقولون: (على لسان عمر)، وفيه إشكال كبير على الذين يقولون إنّ القرآن ليس بمخلوق.

____________________

(1) زاد المسير، ج 8 ص 311.

(2) صحيح البخاريّ ج 3 ص 206 بحاشية السندي.

(3) التحرير والتنوير، ج 1 ص 384.

(4) (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) الآية 6 من سورة الأحزاب.

(5) الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ج 1 ص 59.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

أيها الناس: إن المنية قبل الدنية، والتجلد قبل التبلد، والحساب قبل العقاب والقبر خير من الفقر، وغض البصر خير من كثير من النظر، والدهر يومٌ لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فبكليهما تمتحن.

أيها الناس: أعجب ما في الانسان قلبه، وله موادُّ من الحكمة، وأضدادٌ من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعد بالرضى نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرة، وإن جددت له نعمة أخذته العزة، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى، وإن عضته فاقة شغله البلاء وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة.. فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد.

أيها الناس: إنه من فل ذل، ومن جاد ساد، ومن كثر ماله رأس، ومن كثر حلمه نبل، ومن أفكر في ذات الله تزندق، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر مزاحه استخف به، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته، فسد حسب من ليس له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال، ليس من جالس الجاهل بذي معقول، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لإقلاله.

أيها الناس: لو أن الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلج، واللئيم الملهوج.

أيها الناس: إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم. للمواعظ ما يدعو النفس الى الحذر من الخطر، وللقلوب خواطر للهوى، والعقول تزجر وتنهى، وفي التجارب علم مستأنف، والاعتبار يقود الى الرشاد، وكفاك أدباً لنفسك ما تكرهه لغيرك، وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه، لقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبر قبل العمل، فإنه يؤمنك من الندم، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول، ومن

٣٠١

حصن شهوته فقد صان قدره، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال، والأيام توضح لك السرائر الكامنة، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة، وأشرف الغنى ترك المنى، والصبر جنة من الفاقة، والحرص علامة الفقر، والبخل جلباب المسكنة، والمودة قرابة مستفادة، ووصول معدم خير من جاف مكثر، والموعظة كهف لمن وعاها، ومن أطلق طرفه كثر أسفه، وقد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان، ومن ضاق خلقه مله أهله، ومن نال استطال، وقل ما تصدقك الأمنية، والتواضع يكسوك المهابة، وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.

كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره، ومن كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه، وانح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن، وفي خلاف النفس رشدك، من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد.

ألا وإن مع كل جرعة شرقاً وإن في كل أكلة غصصاً، لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى ولكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل، وأنت قوت الموت.

أعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير الى بطنها، والليل والنهار يتنازعان في هدم الأعمار.

يا أيها الناس: كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، إن من الكرم لين الكلام ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام. إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم، ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤوب. لا ترغب فيمن زهد فيك. رب بعيد هو أقرب من قريب. سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار.

ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل. أستر عورة أخيك كما تعلمها فيك. اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك.

من غضب على من لا يقدر على ضره، طال حزنه وعذب نفسه. من خاف ربه

٣٠٢

كف ظلمه، ومن لم يزغ في كلامه أظهر فخره، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة.

إن من الفساد إضاعة الزاد. ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غداً هيهات هيهات. وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب، فما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعيم، وما شرٌ بشر بعده الجنة، وما خيرٌ بخير بعده النار. كل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر.

تصفية العمل أشد من العمل، وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد. هيهات لو لا التقى لكنت أدهى العرب.

**

أيها الناس: إن الله تعالى وعد نبيه محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله الوسيلة ووعده الحق، ولن يخلف الله وعده.

ألا وإن الوسيلة على درج الجنة وذروةُ ذوائب الزلفة، ونهاية غاية الأمنية، لها ألف مرقاة، ما بين المرقاة الى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام. وما بين مرقاة درة الى مرقاة جوهرة، الى مرقاة زبرجدة، الى مرقاة لؤلؤة، الى مرقاة ياقوته، الى مرقاة زمردة، الى مرقاة مرجانة، الى مرقاة كافور، الى مرقاة عنبر، الى مرقاة يلنجوج، الى مرقاة ذهب، الى مرقاة غمام، الى مرقاة هواء، الى مرقاة نور!!

قد أنافت على كل الجنان، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ قاعدٌ عليها، مرتد بريطتين، ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله، عليه تاج النبوة واكليل الرسالة، قد أشرق بنوره الموقف، وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته، وعليَّ ريطتان، ريطة من أرجوان النور، وريطة من كافور.

والرسل والأنبياء، قد وقفوا على المراقي، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور، عن أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة، لا يرانا ملكٌ مقربٌ ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا.

٣٠٣

وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله غمامةٌ بسطة البصر، يأتي منها النداء:

يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الاٌمي العربي، ومن كفر فالنار موعده!

وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ظلةٌ يأتي منها النداء:

يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي، والذي له الملك الأعلى لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقي خالقه بالاخلاص لهما والاقتداء بنجومهما. فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم، وشرف مقعدكم، وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين. ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة، أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاءً بما كنتم تعملون.

وما من رسول خلفَ ولا نبي مضى إلا وقد كان مخبراً أمته بالمرسل الوارد من بعده، ومبشراً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وموصياً قومه باتباعه ومحله عند قومه، ليعرفوه بصفته وليتبعوه على شريعته، ولئلا يضلوا فيه من بعده، فيكون من هلك أو ضل بعد وقوع الاعذار والانذار عن بينة وتعيين حجة، فكانت الأمم في رجاء من الرسل وورود من الأنبياء.

ولئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي، على عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد كانت على سعة من الأمل، ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن الله ختم به الانذار والاعذار، وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه، وجعله بابه الذي بينه وبين عباده، ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به، ولا قربة اليه إلا بطاعته، وقال: في محكم كتابه: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا. فقرن طاعته بطاعته، ومعصيته بمعصيته، فكان ذلك دليلاً على ما فوض اليه، وشاهداً له على من اتبعه وعصاه، وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه، والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم.

٣٠٤

فاتباعهصلى‌الله‌عليه‌وآله محبة الله، ورضاه غفران الذنوب، وكمال الفوز، ووجوب الجنة.

وفي التولي عنه والاعراض محادة الله وغضبه وسخطه، والبعد منه مسكن النار وذلك قوله: ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده، يعني الجحود به والعصيان له. فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده، وقتل بيدي أضداده، وأفنى بسيفي جحاده، وجعلني زلفة للمؤمنين، وحياض موت على الجبارين، وسيفه على المجرمين، وشد بي أزر رسوله، وأكرمنى بنصره، وشرفني بعلمه، وحباني بأحكامه، واختصني بوصيته، واصطفاني بخلافته في أمته، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حشد المهاجرون والأنصار وانغصت بهم المحافل: أيها الناس إن علياً مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول، إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه وأمه، كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه، ولا كنت نبياً فاقتضى نبوة، ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي، كما استخلف موسى هارون، حيث يقول: أخلفني في قومي وأصلح، ولا تتبع سبيل المفسدين، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين تكلمت طائفة فقالت: نحن موالي رسول الله، فخرج رسول الله الى حجة الوادع، ثم صار الى غدير خم فأمر فأصلح له شبه المنبر، ثم علاه وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعاً صوته قائلاً في محفله: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

فكانت على ولايتي ولاية الله، وعلى عداوتي عداوة الله. وأنزل الله عز وجل في ذلك اليوم: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره، وأنزل الله تبارك وتعالى اختصاصاً لي وتكرماً نحلنيه، وإعظاماً وتفضيلاً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منحنيه، وهو قوله تعالى منحنيه وهو قوله تعالى: ثم ردوا الى الله موليهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين. في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع.

ولئن تقمصها دوني...

إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان، يقيمون لها المناسك، وينصبون لها العتائر، ويتخذون لها القربان، ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام،

٣٠٥

ويستقسمون بالأزلام، عامهين عن الله عز ذكره، حائرين عن الرشاد، مهطعين الى العباد، وقد استحوذ عليهم الشيطان، وغمرتهم سوداء الجاهلية، ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة، فأخرجنا الله اليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة، وأسفر بنا عن الحجب نوراً لمن اقتبسه، وفضلاً لمن اتبعه، وتأييداً لمن صدقه، فتبوؤوا العز بعد الذلة، والكثرة بعد القلة، وهابتهم القلوب والأبصار، وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة، وكرامة ميسورة، وأمن بعد خوف، وجمع بعد كوف، وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان، وأولجناهم باب الهدى، وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الايمان، وفلجوا بنا في العالمين، وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين، من حام مجاهد، ومصل قانت، ومعتكف زاهد، يظهرون الأمانة، ويأتون المثابة.

حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه ورفعه اليه، لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة، أو وميض من برقة، الى أن رجعوا على الأعقاب، وانتكصوا على الأدبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الكتائب، وردموا الباب، وفلوا الديار، وغيروا آثار رسول الله، ورغبوا عن أحكامه، وبعدوا من أنواره، واستبدلوا بمستخلفه بديلا، اتخذوه وكانوا ظالمين، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله ممن اختار رسول الله لمقامه، وأن مهاجر آل أبي قحافة خيرٌ من المهاجري والأنصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف.

ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان، رجعوا عن ذلك وقالوا: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مضى ولم يستخلف، فكان رسول الله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام، وعن قليل يجدون غب ما أسسه الأولون.

ولئن كانوا في مندوحة من المهل، وشفاء من الأجل وسعة من المنقلب، واستدراج من الغرور، وسكون من الحال، وإدراك من الأمل، فقد أمهل الله عز وجل شداد بن عاد، وثمود بن عبود، وبلعم بن باعور، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة،

٣٠٦

وأمدهم بالأموال والأعمار، وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله، وليعرفوا الاهابة له، والانابة اليه، ولينتهوا عن الاستكبار، فلما بلغوا المدة، واستتموا الأكلة أخذهم الله عز وجل واصطلمهم، فمنهم من حصب، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أحرقته الظلة، ومنهم من أودته الرجفة، ومنهم من أردته الخسفة: وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

ألا وإن لكل أجل كتاباً، فاذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى اليه الظالمون، وآل اليه الأخسرون، لهربت الى الله عز وجل مما هم عليه مقيمون، واليه صائرون.

ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون، وكباب حطة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قوم نوح. إني النبأ العظيم، والصديق الأكبر، وعن قليل ستعلمون ما توعدون وهل هي إلا كلعقة الآكل ومذقة الشارب، وخفقة الوسنان، ثم تلزمهم المعرات خزياً في الدنيا، ويوم القيامة يردون الى أشد العذاب، وما الله بغافل عما يعملون.

فما جزاء من تنكب محجته، وأنكر حجته، وخالف هداته، وحاد عن نوره، واقتحم في ظلمه، واستبدل بالماء السراب، وبالنعيم العذاب، وبالفوز الشقاء، وبالسراء الضراء، وبالسعة الضنك، إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه، فليوقنوا بالوعد على حقيقته، وليستيقنوا بما يوعدون: يوم تأتي الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج. إنا نحن نحيي ونميت والينا المصير. يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً...الى آخر السورة.

العلاقة بين التوسل والاستشفاع وبين درجة الوسيلة في الجنة

لا بد أن يكون اسم ( الوسيلة ) لتلك المنطقة والدرجة العالية من الجنة، بسبب أنها مسكن أقرب المخلوقات وسيلةً الى الله تعالى.

وبذلك تكون الشفاعة التي يعطاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نوعاً من الوسيلة، التي استحقها لأنه أقرب الناس الى اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستحق معها مسكن الفردوس والوسيلة، أعلى مراتب الجنة.

٣٠٧

٣٠٨

الفصل الثالث

التوسل الى الله في مصادرنا

١ - التوسل الى الله بالأعمال الصالحة

تقدم في المسألة السابعة: التوسل العملي الى الله تعالى بالأعمال الصالحة وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : أفضل ما توسل به المتوسلون الايمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة، وأقام الصلاة فإنها الملة، وايتاء الزكاة فإنها من فرائض الله، وصيام شهر رمضان فانه جنة من عذاب الله، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فانها مثراة للمال، ومنسأة للأجل، والصدقة في السر فانها تذهب الخطيئة وتطفيَ غضب الرب، وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان. انتهى.

وذكرنا هناك أن التوسل بالأعمال الصالحة لا ينافي التوسل اليه بدعائه بأسمائه وصفاته، وبمن أمر بالتوسل بهم من أنبيائه وأوصيائه.. لأن ذلك من الأعمال الصالحة أيضاً.

٣٠٩

٢ - التوسل الى الله بذاته وصفاته عز وجل

في الكافي: ٤/٧٤:

علي، عن أبيه، عن اسماعيل بن مرار، عن يونس، عن ابراهيم، عن محمد بن مسلم والحسين بن محمد، عن أحمد بن اسحاق، عن سعدان، عن أبي بصير قال: كان أبو عبد اللهعليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء في شهر رمضان:

اللهم إني بك أتوسل ومنك أطلب حاجتي. من طلب حاجته الى الناس، فإني لا أطلب حاجتي إلا منك، وحدك لا شريك لك.

وأسألك بفضلك ورضوانك أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تجعل لي في عامي هذا الى بيتك الحرام سبيلا، حجة مبرورة متقبلة زاكية خالصة لك، تقر بها عيني وترفع بها درجتي، وترزقني أن أغض بصري، وأن أحفظ فرجي، وأن أكف بها عن جميع محارمك، حتى لا يكون شيء آثر عندي من طاعتك وخشيتك، والعمل بما أحببت والترك لما كرهت ونهيت عنه.

واجعل ذلك في يسر ويسار وعافية، وأوزعني شكر ما أنعمت به علي.

وأسألك أن تجعل وفاتي قتلاً في سبيلك تحت راية نبيك مع أوليائك.

وأسألك أن تقتل بي أعدائك وأعداء رسولك. وأسألك أن تكرمني بهوان من شئت من خلقك، ولا تهني بكرامة أحد من أوليائك.

اللهم اجعل لي مع الرسول سبيلا. حسبي الله، ما شاء الله.

وفي الصحيفة السجادية: ١/ ٤٠٨:

إلَهي استشفعت بك اليك، واستجرت بك منك، أتيتك طامعاً في إحسانك، راغباً في امتنانك، مستسقياً وابل طولك، مستمطراً غمام فضلك، طالباً مرضاتك، قاصداً جنابك، وارداً شريعة رفدك، ملتمساً سني الخيرات من عندك.

وفي الصحيفة السجادية: ١/ ١٥١:

دعاؤهعليه‌السلام في ذكر التوبة وطلبها:

٣١٠

اللهم صل على محمد وآله، وشفع في خطاياي كرمك، وعد على سيئاتي بعفوك، ولا تجزني جزائي من عقوبتك، وابسط علي طولك، وجللني بسترك، وافعل بي فعل عزيز تضرع اليه عبد ذليل فرحمه، أو غني تعرض له عبد فقير فنعشه.

اللهم لا خفير لي منك فليخفرني عزك، ولا شفيع لي فليشفع لي فضلك، وقد أوجلتني خطاياي فليؤمني عفوك..

وفي الصحيفة السجادية: ١/ ٤٠٢:

يا مجيب المضطر، يا كاشف الضر، يا عظيم البر، يا عليماً بما في السر، يا جميل الستر استشفعت بجودك وكرمك اليك، وتوسلت بحنانك وترحمك لديك فاستجب دعائي، ولا تخيب فيك رجائي، وتقبل توبتي، وكفر خطيئتي بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

وفي الصحيفة السجادية: ١/٤٤١:

يا من لا ينقص ملكوته عصيان المتمردين، ولا يزيد جبروته إيمان الموحدين، اليك أستشفع بقديم كرمك، أن لا تسلبني مامنحتني من جسيم نعمك.

٣ - الاستشفاع الى الله تعالى بحبه ومعرفته

وفي الصحيفة السجادية: ١/ ٢١٦:

فيا من رباني في الدنيا بإحسانه وتفضله ونعمه، وأشار لي في الآخرة الى عفوه وكرمه. معرفتي يا مولاي دلتني عليك، وحبي لك شفيعي اليك، وأنا واثقٌ من دليلي بدلالتك، وساكنٌ من شفيعي الى شفاعتك.

وفي الصحيفة السجادية: ١/٢٤٩:

ياذا المن ولا يمن عليك، يا ذا الطول، ويا ذا الجلال والاكرام، لاالَه الا أنت، ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، وأمان الخائفين، اليك فررت بنفسي يا ملجأ الخائفين، لا أجد شافعا اليك إلا معرفتي بأنك أفضل من قصد اليه المقصرون، وآمل من لجأ اليه الخائفون.

٣١١

٤ - افتتاح الصلاة بالتوجّه إلى الله بالنبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

في الكافي: ٢/٥٤٤:

- محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة:

اللهم إني أتوجه اليك بمحمد وآل محمد، وأقدمهم بين يدي صلاتي، وأتقرب بهم اليك، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين.

مننت عليّ بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم فإنها السعادة، واختم لي بها، فإنك على كل شيء قدير.

ثم تصلي فإذا انصرفت قلت:

اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء، واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوى ومنقلب، اللهم اجعل محياي محياهم، ومماتي مماتهم، واجعلني معهم في المواطن كلها، ولا تفرق بيني وبينهم، إنك على كل شيء قدير.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا رفعه قال: تقول قبل دخولك في الصلاة:

اللهم إني أقدم محمداً نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله بين يدي حاجتي، وأتوجه به اليك في طلبتي، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين. اللهم اجعل صلاتي بهم متقبلة، وذنبي بهم مغفوراً، ودعائي بهم مستجاباً، يا أرحم الراحمين.

وفي الكافي: ٣/٣٠٩:

وعنه، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، ومعاوية بن وهب قالا: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إذا قمت الى الصلاة فقل:

اللهم إني أقدم اليك محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بين يدي حاجتي وأتوجه به اليك، فاجعلني به وجيها عندك في الدنيا والآخرة ومن المقربين. إجعل صلاتي به مقبولة، وذنبي به

٣١٢

مغفوراً، ودعائي به مستجاباً. إنك أنت الغفور الرحيم...

ورواه في تهذيب الاحكام: ٢ /٢٨٧، وفي الفقيه: ١/٣٠٢

وفي الفقيه: ١ /٤٨٣: القول عند القيام الى صلاة الليل:

قال الصادقعليه‌السلام : إذا أردت أن تقوم الى صلاة الليل فقل: اللهم إني أتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة وآله، وأقدمهم بين يدي حوائجي، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين، اللهم ارحمني بهم ولا تعذبني بهم، واهدني بهم ولا تضلني بهم، وارزقني بهم ولا تحرمني بهم، واقض لي حوائجي للدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم.

باب الصلوات التي جرت السنة بالتوجه فيهن:

من السنة التوجه في ست صلوات وهي: أول ركعة من صلاة الليل، والمفردة من الوتر، وأول ركعة من ركعتي الزوال، وأول ركعة من ركعتي الاحرام، وأول ركعة من نوافل المغرب، وأول ركعة من الفريضة. كذلك ذكره أبيرضي‌الله‌عنه في رسالته الي.

وفي الصحيفة السجادية: ٢/٢٥٨:

أسألك يا سيدي، وليس مثلك شيء بكل دعوة دعاك بها نبي مرسل، أو ملك مقرب، أومؤمن امتحنت قلبه بالايمان، واستجبت دعوته، وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة، وأقدمه بين يدي حوائجي.

يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين، إني أتوجه بك الى ربك، وأقدمك بين يدي حوائجي.

وفي الصحيفة السجادية: ٢/٣٤٤:

أسألك بحق نبيك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأتوسل اليك بالأئمةعليهم‌السلام الذين اخترتهم لسرك، وأطلعتهم على خفيك، واخترتهم بعلمك، وطهرتهم وأخلصتهم واصطفيتهم وأصفيتهم وجعلتهم هداة مهديين، وائتمنتهم على وحيك، وعصمتهم عن معاصيك، ورضيتهم لخلقك، وخصصتهم بعلمك، واجتبيتهم وحبوتهم، وجعلتهم

٣١٣

حججا على خلقك، وأمرت بطاعتهم على من برأت.

وأتوسل اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.

دلالة استحباب التوسل عند الأذان وافتتاح الصلاة

من الأمور التي تهز الانسان وهو يبحث في آيات التوسل وأحاديثه:

أن الله تعالى أنزل آية الأمر بالتوسل في آخر سورة من قرآنه ( المائدة ) بعبارة موجزة مقتضبة( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) ولكن بصيغة قوية تأمر المسلمين بالارتفاع الى نوع راق من السلوك الايماني يتميز بالتعامل اليومي مع النبي وأهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أنهم وسيلةُ المسلم الى ربه تعالى!!

ثم بين الرسول للمسلمين كيفية تنفيذ الطلب الالَهي، بأن يصلوا عليه عندما يذكر اسمه.. وعندما يسمعون الأذان.. وعندما يقفون للصلاة بين يدي ربهم.. وفي ختام صلاتهم.. وعندما تمسهم شدة أو حاجة!!

وهذا يعني أن يعيش المسلم يومياً وفي أقدس لحظات حياته، التوجه الى الله تعالى بنبيه وآله والتوسل بهم اليه، لأنهم الواسطة التي اختارها الله وأمر أن يتوسط العباد اليه بها!! وهي حقيقةٌ كبيرةٌ.. تدل على أبعاد النبوة وأعماق الولاية، لمحمد وآله الطيبين الطاهرين.

ومما تدل عليه أن الله تعالى جذَّر مقامهم في الكون والحياة، حتى قرنهم بألوهيته فلم يقبل مدخلاً اليه إلا بهم.. وهو مقامٌ عظيمٌ، وشرفٌ رفيعٌ، ما عليه من مزيد!!

٥ - التوجه بالنبي وآله لدفع شر السلطان

في الكافي: ٢/٥٥٨:

وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : من دخل على سلطان يهابه فليقل: بالله أستفتح، وبالله أستنجح، وبمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أتوجه، اللهم ذلل لي صعوبته، وسهل لي حزونته، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب.

ونحوه في الصحيفة السجادية: ٢ /٦٥

٣١٤

٦ - التوجه إلى الله بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عند الحاجة والشدة

في الكافي: ٢/٥٥٢:

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي داود عن أبي حمزة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: جاء رجل الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله إني ذو عيال وعلي دين، وقد اشتدت حالي، فعلمني دعاء أدعو الله عز وجل به ليرزقني ما أقضي به ديني، وأستعين به على عيالي.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبدالله توضأ وأسبغ وضوءك، ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود، ثم قل: يا ماجد يا واحد يا كريم يا دائم، أتوجه اليك بمحمد نبيك نبي الرحمة.

يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك الى الله ربك وربي ورب كل شيء أن يصلي على محمد وأهل بيته.

وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك وفتحا يسيراً ورزقاً واسعاً ألمُّ به شعثي، وأقضي به ديني، وأستعين به على عيالي. ورواه في الكافي: ٣/٤٧٣

وروى نحوه في التهذيب: ٣ /٣١١:

أحمد بن محمد، عن أحمد بن أبي داود، عن ابن أبي حمزة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: جاء رجل الى الرضاعليه‌السلام فقال له: يابن رسول الله إني ذو عيال وعليَّ دينٌ، وقد اشتدت حالي، فعلمني دعاءً إذا دعوت الله عز وجل به رزقني الله، فقال: يا عبد الله توضأ واسبغ وضوءك ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود فيهما، ثم قل... وذكره .

وفي الكافي: ٢/٥٨٢:

علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ابتداءً منه: يا معاوية أما علمت أن رجلاً أتى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فشكى الابطاء عليه في الجواب في دعائه فقال له:

أين أنت عن الدعاء السريع الاجابة؟

فقال له الرجل: ما هو؟

٣١٥

قال قل: اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأجل الاكرم، المخزون المكن ون، النور الحق البرهان المبين، الذي هو نورٌ مع نور، ونورٌ من نور، ونورٌ في نور، ونورٌ على نور، ونورٌ فوق كل نور، ونورٌ يضيىَ به كل ظلمة، ويكسر به كل شدة وكل شيطان مريد، وكل جبار عنيد.

لا تقرُّ به أرض، ولا تقوم به سماء، ويأمن به كل خائف، ويبطل به سحر كل ساحر، وبغي كل باغ، وحسد كل حاسد، ويتصدع لعظمته البر والبحر، ويستقل به الفلك حين يتكلم به الملك، فلا يكون للموج عليه سبيل.

وهو اسمك الأعظم الأعظم الأجل الأجل، النور الأكبر، الذي سميت به نفسك، واستويت به على عرشك.

وأتوجه اليك بمحمد وأهل بيته، أسألك بك وبهم، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفعل بي.. كذا وكذا.

وفي الكافي: ٣/٤٧٦:

علي بن ابراهيم، عن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله، عن زياد القندي، عن عبد الرحيم القصير قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت جعلت فداك إني اخترعت دعاء، قال: دعني من اختراعك! إذا نزل بك أمر فافزع الى رسول الله، وصل ركعتين تهديهما الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قلت: كيف أصنع؟

قال: تغتسل وتصلي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة، وتشهد تشهد الفريضة فإذا فرغت من التشهد وسلمت قلت:

اللهم أنت السلام، ومنك السلام، واليك يرجع السلام، اللهم صل على محمد وآل محمد، وبلغ روح محمد مني السلام، وأرواح الأئمة الصادقين سلامي، واردد عليَّ منهم السلام، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته.

اللهم إن هاتين الركعتين هدية مني الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأثبني عليهما ما أملت ورجوت، فيك وفي رسولك، يا ولي المؤمنين.

٣١٦

ثم تخر ساجداً وتقول:

يا حي يا قيوم، ياحي لا يموت، ياحي لا الَه إلا أنت، ياذا الجلال والاكرام، ياأرحم الراحمين. أربعين مرة.

ثم ضع خدك الأيمن، فتقولها أربعين مرة.

ثم ضع خدك الأيسر، فتقولها أربعين مرة.

ثم ترفع رأسك وتمد يدك، وتقول أربعين مرة.

ثم ترد يدك الى رقبتك وتلوذ بسبابتك، وتقول ذلك أربعين مرة.

ثم خذ لحيتك بيدك اليسرى وابك أو تباك، وقل:

يا محمد يا رسول الله أشكو الى الله واليك حاجتي، والى أهل بيتك الراشدين حاجتي، وبكم أتوجه الى الله في حاجتي.

ثم تسجد وتقول: يا ألله يا ألله، حتى ينقطع نفسك.. صل على محمد وآل محمد وافعل بي.. كذا وكذا.

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فأنا الضامن على الله عزوجل أن لا يبرح حتى تقضى حاجته. ورواه في الفقيه: ١/٥٥٦

وفي الكافي: ٣/٤٧٨:

وبهذا الاسناد، عن أبي اسماعيل السراج، عن ابن مسكان، عن شرحبيل الكندي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إذا أردت أمراً تسأله ربك، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل ركعتين، وعظم الله وصل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقل بعد التسليم:

اللهم إني أسألك بأنك ملك، وأنك على كل شيء قدير مقتدر، وبأنك ما تشاء من أمر يكون. اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة.

يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك الى الله ربك وربي، لينجح لي طلبتي.

اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد.. ثم سل حاجتك.

ورواه في تهذيب الأحكام: ٣/٣١٣

٣١٧

وفي الفقيه: ١/٥٥٦:

روى موسى بن القاسم البجلي، عن صفوان بن يحيى، ومحمد بن سهل عن أشياخهما عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال:

إذا حضرت لك حاجة مهمة الى الله عز وجل فصم ثلاثة أيام متوالية: الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة إن شاء الله تعالى فاغتسل والبس ثوباً جديداً، ثم اصعد الى أعلى بيت في دارك وصل فيه ركعتين، وارفع يديك الى السماء ثم قل:

اللهم إني حللت بساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك، وإنه لا قادر على حاجتي غيرك، وقد علمت يارب أنه كلما تظاهرت نعمتك علي اشتدت فاقتي اليك، وقد طرقني هم كذا وكذا وأنت بكشفه، عالمٌ غير معلم، واسعٌ غير متكلف، فأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فنسفت، ووضعته على السماء فانشقت، وعلى النجوم فانتثرت، وعلى الأرض فسطحت، وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد والأئمةعليهم‌السلام وتسمهم الى آخرهم، أن تصلي على محمد وأهل بيته، وأن تقضي حاجتي، وأن تيسر لي عسيرها، وتكفيني مهمها، فإن فعلت فلك الحمد، وإن لم تفعل فلك الحمد، غير جائر في حكمك، ولا متهم في قضائك، ولا حائف في عدلك.

وتلصق خدك بالأرض وتقول:

اللهم أن يونس بن متي عبدك دعاك في بطن الحوت وهو عبدك فاستجبت له، وأنا عبدك أدعوك فاستجب لي.

ثم قال أبو عبداللهعليه‌السلام : لربما كانت الحاجة لي فأدعو بهذا الدعاء فأرجع وقد قضيت.

صلاة أخرى للحاجة:

روى سماعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال:

إن أحدكم إذا مرض دعا الطبيب وأعطاه، وإذا كانت له حاجة الى سلطان، رشا البواب وأعطاه!

٣١٨

ولو أن أحدكم إذا فدحه أمر فزع الى الله تعالى، فتطهر وتصدق بصدقة قلَّت أو كثرت ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وأهل بيته ثم قال: اللهم إن عافيتني من مرضي، أو ردتني من سفري، أو عافيتني مما أخاف من كذا وكذا.. إلا آتاه الله ذلك.

وفي الصحيفة السجادية: ١/٢٩٣:

اللهم فإني أتقرب اليك بالمحمدية الرفيعة، والعلوية البيضاء، وأتوجه اليك بهما أن تعيذني من شر كذا وكذا، فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك، ولا يتكأدك في قدرتك وأنت على كل شيء قدير...

وفي الصحيفة السجادية: ٢/ ٢٥٨:

أسألك يا سيدي وليس مثلك شيء بكل دعوة دعاه بها نبي مرسل، أو ملكٌ مقرب أو مؤمنٌ امتحنت قلبه بالايمان، واستجبت دعوته.

وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة، وأقدمه بين يدي حوائجي.

يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين، إني أتوجه بك الى ربك، وأقدمك بين يدي حوائجي.

يا رباه يا الله، يا رباه يا الله، إني أسألك بك فليس كمثلك شيء، وأتوجه اليك بمحمد نبي الرحمة وبعترته الطيبين، وأقدمهم بين يدي حوائجي، أن تعتقني من النار، وتكفيني وجميع المؤمنين والمؤمنات كل ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة.. انتهى.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيها صحاحٌ متواترة، تجدها في أبواب افتتاح الصلاة من الفقه، وأبواب صلاة الحاجة، وفي كتب المزار والأدعية.

٧ - الاستشفاع بالنبي والأئمة عند زيارة قبورهم الشريفة

ستأتي أحاديث الاستشفاع والتوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير قوله تعالى( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ ) .

٣١٩

وفي المقنعة/٤٦٣:

وتحول الى عند الرأس فقف عليه، وقل:

السلام عليك يا وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، أشهد لك يا ولي الله بالبلاغ والأداء. أتيتك بأبي أنت وأمي زائراً عارفاً بحقك، مستبصراً بشأنك، موالياً لأوليائك، معادياً لأعدائك، متقرباً الى الله بزيارتك، في خلاص نفسي، وفكاك رقبتي من النار، وقضاء حوائجي للآخرة والدنيا، فاشفع لي عند ربك، صلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته.

وفي الكافي: ٤/٥٦٩:

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن أورمة، عمن حدثه، عن الصادق وأبي الحسن الثالثعليهما‌السلام ، قال يقول:

السلام عليك ياولي الله أنت أول مظلوم، وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت، حتى أتاك اليقين، فأشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد، عذب الله قاتلك بأنواع العذاب، وجدد عليه العذاب.

جئتك عارفاً بحقك مستبصراً بشأنك، معادياً لأعدائك ومن ظلمك، ألقى على ذلك ربي إن شاء الله.

يا ولي الله: إن لي ذنوباً كثيرة، فاشفع لي الى ربك، فإن لك عند الله مقاماً محمودا معلوماً، وإن لك عند الله جاهاً وشفاعة وقد قال تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى.

ورواه في تهذيب الأحكام: ٦/ ٢٨

وفي مصباح المتهجد/٦٩٤:

اللهم لا قوة لي على سخطك ولا صبر لي على عذابك ولا غنى لي عن رحمتك تجد من تعذب غيري ولا أجد من يرحمني غيرك ولا قوة لي على البلاء ولا طاقة لي على الجهد، أسألك بحق محمد نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأتوسل اليك بالأئمة الذين اخترتهم لسرك وأطلعتهم على خفيك وأخبرتهم بعلمك وطهرتهم وخلصتهم واصطفيتهم

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523