العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196592 / تحميل: 7995
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الأحاديث ظنية ، وانعدام الأمارات المقتضية للعمل بها.

ومثل الحسن ، والموثقية ، وإجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وغير ذلك ، وإن صار ضابطة عند البعض مطلقا ، أو في بعض رأيه ، إلاّ أنّ ذلك البعض لم يصطلح إطلاق الصحيح عليه ، وإن كان يطلق عليه في بعض الأوقات ، بل لعل الجميع يطلقون أيضا كذلك ، كما سنشير إليه في أبان بن عثمان حذرا من الاختلاط ، لشدة اعتمادهم في مضبوطيّة قواعدهم ولئلا يقع تلبيس وتدليس.

وبالجملة لا وجه للاعتراض عليهم بتغيير الاصطلاح وتخصيصه ، بعد ملاحظة ما ذكرنا(1) .

__________________

(1) قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : 270 : تبيين : الذي بعث المتأخرين نور الله مراقدهم على العدول عن متعارف القدماء ووضع ذلك الاصطلاح الجديد ، هو أنّه لمّا طالت المدة بينهم وبين الصدر السالف ، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة ، لتسلط حكام الجور والضلال ، والخوف من إظهارها وانتساخها ، وانضم الى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول المشهورة في هذا الزمان ، فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة ، واشتبهت المتكررة في كتب الأصول بغير المتكررة ، وخفي عليهم قدس الله أرواحهم كثير من تلك الأمور التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير من الأحاديث ، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه ، فاحتاجوا إلى قانون تتميّز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها ، والموثوق بها عمّا سواها.

فقرروا لنا شكر الله سعيهم ذلك الاصطلاح الجديد ، وقربوا إلينا البعيد ، ووصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحّة والحسن والتوثيق.

وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق والدين الحسن بن المطهر الحلي قدس الله روحه.

ثم إنّهم أعلى الله مقامهم ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى بالصحة ، لما شاع من أنّهم لا

٦١

وأيضا عدهم الحديث حسنا وموثقا منشأه القدماء ، ولا خفاء فيه ، مع أنّ حديث الممدوح عند القدماء ليس كحديث الثقة ، والمهمل والضعيف البتة ، وكذا الموثق ، نعم لم يعهد منهم أنّه حسن أو موثق مثلا ، وما فعله المتأخرون لو لم يكن حسنا لا مشاحة فيه البتة ، مع أن حسنه غير خفي.

ومما ذكرنا ظهر فساد ما توهم بعض من أنّ قول مشايخ الرجال : صحيح الحديث ، تعديل ، ويأتي في الحسن بن علي بن نعمان(1) أيضا ، نعم هو مدح ، فتدبر(2) .

فائدة :

قولهم : لا بأس به ، أي : بمذهبه ، أو رواياته‌. والأول أظهر إن ذكر مطلقا ، وسيجي‌ء في إبراهيم بن محمّد بن فارس : لا بأس به في نفسه ولكن ببعض من روى عنه(3) .

وربما يوهم هذا كون المطلق قابلا للمعنيين ، وفيه تأمل.

__________________

يرسلون إلا عمّن يثقون بصدقه ، بل يصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه فطحي أو ناووسي بالصحة نظرا إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم.

وعلى هذا جرى العلامة قدس الله روحه في المختلف ، حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة : إنّ حديث عبد الله بن بكير صحيح. وفي الخلاصة حيث قال : إن طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان مستندا في الكتابين إلى إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهما.

وقد جرى شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه على هذا المنوال أيضا ، كما وصف في بحث الردّة من شرح الشرائع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحة ، وأمثال ذلك في كلامهم كثير ، فلا تغفل.

(1) قول النجاشي في رجاله في ترجمته : 40 / 81 : له كتاب نوادر صحيح الحديث.

(2) تعليقة الوحيد البهبهاني : 6.

(3) قال الكشي في رجاله : 530 / 1014 : وأمّا إبراهيم بن محمّد بن فارس ، فهو في نفسه لا بأس به ، ولكن بعض من يروي هو عنه.

٦٢

والأظهر الأوفق بالعبارة : أنّه لا بأس به بوجه من الوجوه ، ولعله لذا قيل بإفادته التوثيق(1) ، واستقر به المصنف في الوسيط(2) ، ويومئ إليه ما في تلك الترجمة ، وترجمة بشار بن يسار(3) ، ويؤيده قولهم : ثقة لا بأس به.

والمشهور إفادته المدح(4) ، وقيل : بعدم إفادته ذلك أيضا(5) ، وفي الخلاصة عدّه من القسم الأول(6) ، فهو عنده يفيد مدحا معتدا به.

__________________

(1) قال الشهيد الثاني في الرعاية : 205 ، في تعداده لألفاظ التعديل الغير الصريحة : لا بأس به ، بمعنى أنّه ليس بظاهر الضعف.

وقال في صفحة : 207 : وأمّا نفي البأس عنه ، فقريب من الخيّر ، لكن لا يدلّ على الثقة ، بل من المشهور : أنّ نفي البأس يوهم البأس.

ونقل المحقق في حاشية الرعاية عن ابن معين : إذا قلت ليس به بأس ، فهو ثقة.

وعن ابن أبي حاتم : إذا قيل صدوق ، أو محلّه الصدق ، أو لا بأس به ، فهو ممّن يكتب حديثه وينظر فيه.

وعدّ الداماد في الرواشح السماوية : 60 : لا بأس به. في ضمن ألفاظ التوثيق والمدح.

وقال الكاظمي في العدّة : 20 : قولهم : لا بأس به ، فإنّه في العرف ممّا يفيد المدح ، بل ربما عدّ في التوثيق وقال الأصفهاني في الفصول الغروية : 303 : ومنها قولهم : لا بأس به ، فعدّه بعضهم توثيقا ، لظهور النكرة المنفية بالعموم.

(2) في نسختنا من الوسيط ـ في ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس : 8 : وعن أحمد بن طاوس ، عن الكشي ، عن محمّد بن مسعود : ثقة في نفسه ولكن بعض من يروي عنه ـ ثم قال ـ : وكأنّه بناء على أنّ نفي البأس يقتضي التوثيق ، وهو غريب. انتهى.

واحتمال التصحيف بين كلمة قريب وغريب غير بعيد. ولقول الوحيد في التعليقة : 27 ، في تلك الترجمة : لعلّ ما ذكره من أنّ لا بأس ، نفي لجميع أفراد البأس ، ويؤكده قوله : ولكن ببعض من يروي عنه ، وفي ذلك إشارة إلى الوثاقة ، وقد مرّ في الفائدة الثانية.

(3) في رجال الكشي : 411 / 773 ، قال : سألت علي بن الحسن ، عن بشار بن بشار ـ الذي يروي عنه أبان بن عثمان ـ؟ قال : هو خير من أبان وليس به بأس.

(4) كما في عبارة الشهيد الثاني في الرعاية : 207 ، وقد مرّت.

(5) أرسل هذا القول في الفصول الغروية : 303 ، وهو مختار السيد الصدر في نهاية الدراية : 149.

(6) الخلاصة : 7 / 25.

٦٣

فائدة :

قولهم : عين ، ووجه ، قيل : يفيد التعديل‌(1) . ويظهر من المصنف في الحسن بن علي بن زياد(2) .

وسنذكر عن جدي فيه معناهما ، واستدلاله على كونه توثيقا(3) .

وربما يظهر ذلك من المحقق الداماد أيضا في الحسين بن أبي العلاء(4) .

وعندي أنهما يفيدان مدحا معتدا به.

وأقوى منهما قولهم : وجه من وجوه أصحابنا(5) .

__________________

(1) قال في الرواشح : 60 : ألفاظ التوثيق : ثقة. عين ، وجه.

وقال في الفصول الغروية : 303 : ومنها قولهم عين ، أو وجه.

فقد عدّه بعض الأفاضل تعديلا ، وهو غير بعيد. وقال البهائي في الوجيزة : 5 : وألفاظ التعديل : ثقة ، حجة ، عين ، وما أدى مؤدّاها.

(2) قال في منهج المقال : 103 : وربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد بن محمّد بن عيسى ، ولا ريب أنّ كونه عينا من عيون هذه الطائفة ، ووجها من وجوهها ، أولى من ذلك.

(3) روضة المتقين : 14 / 45 ، قال : وكان هذا الشيخ عينا من عيون هذه الطائفة ، وهذا توثيق. إلى أن قال : بل الظاهر أنّ قوله : وجه ، توثيق.

وقال الميرزا القمي في القوانين : 485 : فمن أسباب الوثاقة. قولهم : عين ، ووجه ، فقيل أنّهما يفيدان التوثيق.

(4) وقال المحقق الداماد في تعليقته على رجال الكشي : 1 / 243 : والحسين بن أبي العلاء الخفاف الأزدي ، وأخواه علي وعبد الحميد : وجوه ، ثقات ، أذكياء.

(5) التعليقة : 7 ، وقال في الفصول الغروية : 303 : ومنها قولهم : عين ، أو وجه ، أو وجه من وجوه أصحابنا ، إلى أن قال : والأظهر أنّه يفيد مدحا يصح الاعتماد معه على روايته لا سيّما الأخير.

وقال الميرزا القمي في القوانين : 485 : قولهم عين ووجه ، فقيل إنّهما يفيدان التوثيق ، وأقوى منهما وجه من وجوه أصحابنا.

٦٤

فائدة :

عند خالي(1) ، بل وجدي(2) ـ على ما هو ببالي ـ كون الرجل ذا أصل ، من أسباب الحسن‌. وعندي فيه تأمل ، لأنّ كثيرا من أصحاب الأصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة(3) ، وإن كانت كتبهم معتمدة ، على ما صرح به في أول الفهرست(4) .

وأيضا الحسن بن صالح بن حي ، متروك العمل بما يختص بروايته على ما صرّح به في التهذيب(5) ، مع أنّه ذا أصل.

__________________

(1) قال المجلسي في مرآة العقول : 1 / 108 : الحديث التاسع مجهول على المشهور بسعدان بن مسلم ، وربما يعد حسنا لأنّ الشيخ قال : له أصل.

وقال أيضا في 10 / 124 ، عند ذكر الحسن بن أيوب : وقال النجاشي : له كتاب أصل ، وكون كتابه أصلا عندي مدح عظيم.

(2) قال المجلسي الأول في روضة المتقين : 1 / 86 : فإنّك إذا تتبعت كتب الرجال ، وجدت أكثر أصحاب الأصول الأربعمائة غير مذكور في شأنهم تعديل ولا جرح ، إمّا لأنّه يكفي في مدحهم وتوثيقهم أنّهم أصحاب الأصول. إلى آخره.

(3) الظاهر من أنّهم يعدونه حسنا إذا ذكر مجردا من دون مدح أو قدح ، ولذا قال المجلسي الثاني في آخر وجيزته : 409 ، بعد ذكر طرق الصدوق : واعلم ان ما نقلنا من العلامة هو بيان حال السند دون صاحب الكتاب ، وإنّما حكمنا بحسن صاحب الكتاب إذا كان على المشهور مجهولا ، لحكم الصدوقرحمه‌الله بأنّه إنّما أخذ أخبار الفقيه من الأصول المعتبرة ، التي عليها المعول وإليها المرجع ، وهذا إن لم يكن موجبا لصحة الحديث ـ كما ذهب إليه المحدثون ـ فهو لا محالة مدح لصاحب الكتاب.

ويؤيده قول المجلسي الأول الآنف الذكر.

(4) الفهرست : 2.

(5) التهذيب 1 : 408 / 1282.

٦٥

وكذلك علي بن أبي حمزة البطائني ، مع أنّه ذكر فيه ما ذكر(1) .

وأضعف من ذلك كون الرجل ذا كتاب.

وفي المعراج : كون الرجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة إلاّ عند بعض من لا يعتد به(2) .

هذا ، والظاهر أنّ كون الرجل ذا أصل يفيد حسنا ، لا الحسن الاصطلاحي. وكذا كونه كثير التصنيف ، أو جيد التصنيف ، وأمثال ذلك ، بل كونه ذا كتاب أيضا يشير الى حسن ما.

ولعل مرادهم ذلك مما ذكروا ـ وسيجي‌ء عن البلغة في الحسن بن أيوب ـ : أنّ كون الرجل ذا أصل يستفاد منه الحسن(3) ، فلاحظ.

أقول : لا يكاد يفهم حسن من قولهم : له كتاب ، أو أصل ، أصلا ، وإفادة الحسن لا بالمعنى المصطلح لا تجدي في المقام نفعا ، لكن تأمله سلمه الله تعالى في ذلك ـ لانتحال كثير من أصحاب الأصول المذاهب الفاسدة ـ لعله ليس بمكانه ، لأنّ ذلك لا ينافي الحسن بالمعنى الأعم ، كما سيعترف به دام فضله عند ذكر وجه الحكم بصحة حديث ابن الوليد ، وأحمد ابن محمّد بن يحيى ، وسائر مشايخ الإجازة.

والأولى أن يقال : لأنّ كثيرا منهم فيهم مطاعن وذموم. إلاّ أن يكون مراد خاله العلامة الحسن بالمعنى الأخص ، فتأمل.

__________________

(1) ذكر الشيخ في ترجمته في الفهرست : 96 / 418 : واقفي المذهب ، له أصل. مع كثرة ما ورد فيه من ذموم.

(2) معراج أهل الكمال : 129 / 61 ، في ترجمة : أحمد بن عبيد ، ومراده من البعض هو : المولى مراد التفرشيرحمه‌الله في التعليقة السجادية ، كما صرح بذلك في الهامش.

(3) راجع البلغة : 344 هامش رقم : 3.

٦٦

فائدة :

الكتاب مستعمل عندهم رضي الله عنهم في معناه المعروف‌ ، وهو أعمّ مطلقا من الأصل والنوادر.

فإنّه يطلق على الأصل كثيرا ، منه ما يأتي في ترجمة : أحمد بن محمّد ابن عمار(1) ، وأحمد بن ميثم(2) ، وإسحاق بن جرير(3) ، والحسين بن أبي العلاء(4) ، وبشّار بن يسار(5) ، وبشر بن مسلمة(6) ، والحسن بن رباط(7) ، وغيرهم.

وربما يطلق في مقابل الأصل ، كما في ترجمة : هشام بن الحكم(8) ، ومعاوية بن حكيم(9) ، وغيرهما.

__________________

(1) قال الشيخ الطوسي في فهرسته : 29 / 88 : كثير الحديث والأصول ، وصنف كتبا.

(2) قال الشيخ في رجاله : 440 / 21 : روى عنه حميد بن زياد كتاب الملاحم ، وكتاب الدلالة ، وغير ذلك من الأصول.

(3) قال الشيخ في فهرسته : 15 / 53 : له أصل.

وقال النجاشي في رجاله : 71 / 170 : له كتاب.

(4) قال الشيخ في الفهرست : 54 / 204 : له كتاب يعدّ في الأصول.

(5) قال الشيخ في الفهرست : 40 / 130 : له أصل. عن ابن أبي عمير عنه.

وقال النجاشي في رجاله : 113 / 290 : له كتاب ، رواه عنه محمّد بن أبي عمير.

(6) في الفهرست : 40 / 129 : له أصل ، عنه ابن أبي عمير.

وفي رجال النجاشي : 111 / 285 : له كتاب ، رواه ابن أبي عمير.

(7) في الفهرست : 49 / 174 : له أصل. رواه ابن محبوب ، وفي رجال النجاشي : 46 / 94 : له كتاب ، رواية الحسن بن محبوب.

(8) قال الشيخ في الفهرست : 174 / 781 : له أصل. وله من المصنفات كتب كثيرة.

(9) قال النجاشي في رجاله : 412 / 1098 : روى معاوية بن حكيم أربعة وعشرين أصلا ، لم يرو غيرها. وله كتب.

٦٧

وربما يطلق على النوادر ، وهو أيضا كثير ، منه قولهم : له كتاب النوادر ، وفي أحمد بن الحسين بن عمر ما يدل عليه(1) .

وكذا يطلق النوادر في مقابل الكتاب ، كما في ترجمة ابن أبي عمير(2) .

وأمّا المصنّف ، فالظاهر أنّه أيضا أعمّ منهما ، فإنه يطلق عليهما ، كما يظهر من ترجمة أحمد بن ميثم(3) .

ويطلق بإزاء الأصل ، كما في هشام بن الحكم(4) ، وديباجة الفهرست(5) .

وأمّا النسبة بين الأصل والنوادر ، فالأصل أنّ النوادر غير الأصل ، وربما يعدّ من الأصول كما يظهر من ترجمة حريز بن عبد الله(6) ، وغيره.

بقي الكلام في معرفة الأصل والنوادر ، نقل ابن شهرآشوب عن المفيد : أنّ الإمامية صنّفت من عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام الى زمان العسكريعليه‌السلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول ، انتهى(7) .

__________________

(1) قال النجاشي في ترجمته : 83 / 200 : له كتب لا يعرف منها إلاّ النوادر.

(2) قال النجاشي في ترجمته : 326 / 887 : وقد صنف كتبا كثيرة. حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير بجميع كتبه. فأمّا نوادره فهي كثيرة ، لأن الرواة لها كثيرة.

(3) قال الشيخ في الفهرست : 25 / 77 : له مصنفات ، منها كتاب الدلائل ، كتاب المتعة.

(4) قال الشيخ في الفهرست : 174 / 781 : وكان له أصل. ، ثم قال : وله من المصنفات كتب كثيرة.

(5) قال الشيخ في ديباجة الفهرست : 2 : عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ، ولم أفرد أحدهما عن الآخر لئلا يطول الكتابان ، لأنّ في المصنفين من له أصل فيحتاج إلى أن يعاد ذكره في كل واحد من الكتابين فيطول.

(6) قال الشيخ في الفهرست : 62 / 249 : له كتب. وعدّ منها : كتاب النوادر ، ثم قال : تعدّ كلّها في الأصول.

(7) معالم العلماء : 3.

٦٨

أقول : لا يخفى أنّ مصنفاتهم أزيد من الأصول(1) ، فلا بد من وجه لتسمية بعضها أصولا دون بعض.

فقيل : إنّ الأصل ما كان مجرد كلام المعصومعليه‌السلام ، والكتاب ما فيه كلام مصنفه أيضا(2) ، وأيّد ذلك بقول الشيخرحمه‌الله في زكريا بن يحيى الواسطي : له كتاب الفضائل ، وله أصل(3) .

وفي التأييد نظر ، إلاّ أنّ ما ذكره لا يخلو عن قرب وظهور.

واعترض : بأنّ الكتاب أعمّ ، وفيه أنّ الغرض بيان الفرق بين الكتاب الذي ليس بأصل ومذكور في مقابله ، والكتاب الذي هو أصل ، وبيان سبب قصر تسميتهم الأصل في الأربعمائة.

ويظهر من كلام الشيخ في أحمد بن محمّد بن نوح أنّ للأصول ترتيبا خاصا(4) .

وقيل ـ في وجه الفرق ـ : أنّ الكتاب ما كان مبوبا(5) ومفصلا ، والأصل‌

__________________

(1) قال الحر العاملي في الفائدة الرابعة من خاتمة الوسائل : 30 / 165 ـ عند تعداده للكتب التي نقل عنها ـ : وأمّا ما نقلوا منه ولم يصرحوا باسمه فكثير جدا ، مذكور في كتب الرجال ، يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب ، على ما ضبطناه.

بينما ذكر أنّ الأصول أربعمائة.

(2) ذكر ذلك المحقق البحراني في المعراج : 17 ، نقلا عن الفاضل الأمين الأسترآباديقدس‌سره من بعض معلقاته.

وقال المحقق محمّد أمين الكاظمي في هداية المحدثين : 307 : الفرق بين المصنف والكتاب والأصل : أن الأولين كتبا بعد انقضاء زمن الأئمة عليهم‌السلام ، بخلاف الثالث فإنه كتب في زمنهم عليهم‌السلام .

(3) الفهرست : 75 / 314 ، في ترجمة زكار بن يحيى الواسطي.

(4) الفهرست : 37 / 117 ، قال : وله كتب في الفقه على ترتيب الأصول.

(5) ولكنّ يبدو أنّ كثيرا من الكتب غير مبوبة ، كما ورد في قول النجاشي في ترجمة علي بن جعفر : 251 / 662 : له كتاب في الحلال والحرام يروي تارة غير مبوب ، وتارة مبوّبا.

٦٩

مجمع أخبار وآثار(1) .

وردّ : بأنّ كثيرا من الأصول مبوّبة(2) .

ويقرب في نظري : أنّ الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصومعليه‌السلام ، أو عن الراوي ، والكتاب والمصنّف لو كان فيهما حديث معتمد معتبر لكان مأخوذا من الأصول غالبا.

وقيّدنا بالغالب ، لأنّه ربما كان بعض الروايات يصل معنعنا ، ولا يؤخذ من أصل ، وبوجود مثل هذا فيه لا يصير أصلا ، فتدبر.

وأمّا النوادر : فالظاهر أنّه ما اجتمع فيه أحاديث لا تنضبط في باب لقلته أو وحدته ، ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة : نوادر الصلاة ، نوادر الزكاة وغير ذلك(3) .

وربما يطلق النادر على الشاذ(4) ، ومن هذا قول المفيدرحمه‌الله : إنّ النوادر هي التي لا عمل عليها(5) .

وقال الشيخ في التهذيب : لا يصلح العمل بحديث حذيفة لأنّ متنه لا‌

__________________

وفي ترجمة سعد بن سعد : 179 / 470 : له كتاب مبوب وكتاب غير مبوب.

وقال في ترجمة محمّد بن علي بن بابويه الصدوق : 392 / 1049 : كتاب العلل غير مبوب.

(1) انظر عدّة الرجال : 12.

(2) كما قال الشيخ في الفهرست : 37 / 117 ، في ترجمة أحمد بن محمّد بن نوح : وله كتب في الفقه على ترتيب الأصول.

(3) قال العلامة المجلسي في مرآة العقول : 1 / 154 : النوادر : أي أخبار متفرقة مناسبة للأبواب السابقة ، ولا يمكن إدخالها فيها ، ولا عقد باب لها ، لأنّها لا يجمعها باب ، ولا يمكن عقد باب لكلّ منها.

(4) راجع نهاية الدراية : 63 ، ومقباس الهداية : 1 / 252.

(5) الرسالة العددية : 9 / 19.

٧٠

يوجد في شي‌ء من الأصول المصنّفة ، بل هو موجود في الشواذّ من الأخبار(1) .

والمراد من الشاذ ـ عند أهل الدراية ـ : ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الأكثر(2) ، وهو مقابل المشهور(3) .

والشاذّ مردود مطلقا عند بعض ، مقبول كذلك عند بعض(4) .

ومنهم من فصّل : بأنّ المخالف له إن كان أحفظ وأضبط وأعدل فمردود ، دون العكس فيتعارضان(5) .

وعن بعض أنّ النادر ما قلّ روايته وندر العمل به(6) . وادعى أنّه الظاهر من كلام الأصحاب. ولا يخلو من تأمل(7) .

فائدة :

قولهم : أسند عنه ، قيل : معناه سمع عنه الحديث‌ ، ولعل المراد على سبيل الاستناد والاعتماد(8) ، وإلاّ فكثير ممن سمع عنه ليس ممن أسند‌

__________________

(1) التهذيب : 4 / 169.

(2) قال ابن الصلاح في المقدمة : 44 : قال الشافعي : ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره ، إنّما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس. ونظيره في تدريب الراوي : 1 / 232 وغيرهما.

(3) كما في الرعاية : 115 ، والوجيزة للبهائي : 5 ، ونهاية الدراية : 63.

(4) الرعاية : 115.

(5) الرعاية : 115 ، مقدمة ابن الصلاح : 46 ، تدريب الراوي : 1 / 234.

(6) مقباس الهداية : 3 / 31.

وقال الشيخ الطريحي في مجمع البحرين ـ ندر ـ : 3 / 490 : والنادر من الحديث في الاصطلاح : ما ليس له أخ ، أو يكون لكنّه قليل جدا ، ويسلم من المعارض ولا كلام في صحته ، بخلاف الشاذ فإنه غير صحيح ، أو له معارض.

(7) تعليقة الوحيد البهبهاني : 7.

(8) نقل العلياري في بهجة الآمال : 1 / 161 عن القوانين أنّه قال : ومن أسباب الوثاقة قولهم :

٧١

عنه(1) .

وقال جدي : المراد روى عنه الشيوخ ، واعتمدوا عليه ، وهو كالتوثيق ، ولا شك أنّ هذا المدح أحسن من لا بأس به(2) ، انتهى.

قولهرحمه‌الله : وهو كالتوثيق ، لا يخلو من تأمل ، نعم إن أراد التوثيق بالمعنى الأعم فلعلّه لا بأس به ، لكن لعله توثيق من غير معلوم الوثاقة ، أما أنّه روى عنه الشيوخ كذلك حتى يظهر وثاقته لبعد اتفاقهم على الاعتماد على من ليس بثقة ، أو بعد اتفاق كونهم بأجمعهم غير ثقات ، فليس بظاهر.

نعم ربما يستفاد منه قوة ومدح(3) ، لكن ليس بمثابة قولهم : لا بأس به ، بل أضعف منه ، لو لم نقل بإفادة ذلك التوثيق.

وربما يقال : بايمائه الى عدم الوثوق ، ولعله ليس كذلك(4) .

أقول : لم أعثر على هذه الكلمة إلاّ في كلام الشيخرحمه‌الله ، وما ربما يوجد في الخلاصة فإنّما أخذه من رجال الشيخ ، والشيخرحمه‌الله إنّما ذكرها في رجاله دون فهرسته ، وفي أصحاب الصادقعليه‌السلام دون غيره ، إلاّ في أصحاب الباقرعليه‌السلام ندرة غاية الندرة(5) .

__________________

أسند عنه ، يعني سمع منه الحديث على وجه الاسناد.

(1) ذكر هذا القول أيضا الأسترآبادي في لب اللباب : 22 على ما نقل عنه محقق مقباس الهداية : 2 / 228.

(2) روضة المتقين : 14 / 64 ، ذكر ذلك عند شرحه لحال أيوب بن الحر الجعفي.

(3) قال الكاظمي في عدته : 50 : وكثيرا ما يقولون : أسند عنه ـ وهو بالمجهول ـ والمراد أنّ الأصحاب رووا عنه ، وتلك خلة مدح ، فإنه لا يسند ولا يروى إلاّ عمّن يعوّل عليه ويعتمد.

(4) التعليقة : 7.

(5) ذكرت لفظة « أسند عنه » في عدّة من أصحاب الأئمةعليهم‌السلام في رجال الشيخ ، ففي أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام جاوزوا الثلاثمائة شخص.

أما في أصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام فذكرت العبارة في حق شخص واحد ، وهو :

٧٢

واختلفت الأفهام في قراءتها :

فمنهم من قرأها بالمجهول كما سبق ، ولعلّ عليه الأكثر ، وقالوا بدلالتها على المدح ، لأنّه لا يسند إلاّ عمن يستند إليه ، ويعوّل عليه.

وفي ترجمة محمّد بن عبد الملك الأنصاري : أسند عنه ، ضعيف(1) .

فتأمل.

وقيل في وجه اختصاصها ببعض دون بعض : أنّها لا تقال إلاّ فيمن لا يعرف بالتناول منه والأخذ عنه(2) .

وقرأ المحقق الشيخ محمّد : أسند بالمعلوم ، وردّ الضمير الى الامامعليه‌السلام ، وكذا الفاضل الشيخ عبد النبي الجزائريرحمه‌الله في‌

__________________

حماد بن راشد الأزدي : 117 / 39.

وذكرت في أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام مرتين :

موسى بن إبراهيم المروزي : 359 / 7.

يزيد بن الحسن : 364 / 19.

وذكرت في أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام سبع مرات :

إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر : 367 / 4.

أحمد بن عامر بن سليمان الطائي : 367 / 5.

داود بن سليمان بن يوسف : 375 / 2.

علي بن بلال : 380 / 7.

عبد الله بن علي : 381 / 16.

محمّد بن سهل البجلي الرازي : 389 / 34.

محمّد بن أسلم الطوسي : 390 / 49.

وذكرت في أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام مرة واحدة : محمّد بن أحمد بن عبيد الله ابن المنصور : 422 / 14.

(1) رجال الشيخ : 294 / 223.

(2) قال الكاظمي في عدته : 50 ، بعد كلامه في هامش رقم 3 المتقدم : غير أنّهم إنّما يقولون ذلك فيمن لا يعرف بالتناول منه ، والأخذ عنه.

٧٣

الحاوي(1) كما يأتي عنهما في يحيى بن سعيد الأنصاري(2) ، وعن الثاني في عبد النور أيضا(3) .

وينافيه قول الشيخ في جابر بن يزيد : أسند عنه ، روى عنهما(4) .

وقوله في محمّد بن مسلم : أسند عنه قصير وحداج ، روى عنهما(5) .

وقوله في محمّد بن إسحاق بن يسار : أسند عنه ، يكنى أبا بكر ، صاحب المغازي ، من سبي عين التمر ، وهو أول سبي دخل المدينة ، وقيل : كنيته أبو عبد الله ، روى عنهما(6) .

وقال المحقق الداماد في الرواشح ـ ما ملخصه ـ : إنّ الصحابي ـ على مصطلح الشيخ في رجاله ـ على معان :

منها : أصحاب الرواية عن الإمام بالسماع منه.

ومنها : بإسناد عنه ، بمعنى أنّه روى الخبر عن أصحابهعليه‌السلام

__________________

(1) الحاوي : 344 / 2135.

(2) قال المحقق الشيخ محمّدقدس‌سره : العجب من العلامةرحمه‌الله أنّه أتى بقوله : أسند عنه ، مع عدم تقدم مرجع الضمير ، فكأنّه نقل كلام الشيخرحمه‌الله بصورته ، والضمير فيه عائد إلى الصادقعليه‌السلام ، وهذا من جملة العجلة الواقعة من العلامةرحمه‌الله ، انتهى.

وقال الفاضل عبد النبي الجزائري : لا يخفى أن ضمير عنه في عبارة الخلاصة لا مرجع له بحسب الظاهر ، وكان عليه أن يقول من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، انتهى.

ثم عقب الحائري بقوله : ولا يخفى أنّ ما ذكراه مبني على قراءة « أسند » ، بصيغة المعلوم ، ولم يظهر ذلك من العلامة رحمه‌الله ، فلعلّه رحمه‌الله قرأها بالمجهول ، فلا اعتراض.

منتهى المقال ، ترجمة يحيى بن سعيد الأنصاري.

(3) الحاوي : 306 / 1851.

(4) رجال الشيخ : 163 / 30.

(5) رجال الشيخ : 300 / 317.

(6) رجال الشيخ : 281 / 22.

٧٤

الموثوق بهم ، وأخذ عن أصولهم المعتمد عليها ، فمعنى أسند عنه : أنّه لم يسمع منه ، بل سمع من أصحابه الموثقين وأخذ عنهم من أصولهم المعتمد(1) عليها.

وبالجملة قد أورد الشيخ في أصحاب الصادقعليه‌السلام جماعة جمّة إنّما روايتهم عنه بالسماع من أصحابه الموثوق بهم والأخذ من أصولهم المعوّل عليها ، ذكر كلا منهم وقال : أسند عنه ، انتهى(2) .

وردّ : بأنّ جماعة ممن قيلت فيه ، رووا عنه مشافهة(3) .

وقرأ ولد الأستاذ العلامة دام علاهما أيضا بالمعلوم ، ولكن لا أدري الى من ردّ الضمير.

وقرأ بعض السادة الأزكياء من أهل العصر(4) أيضا كذلك ، قال :

__________________

(1) في نسخة : المعمول.

(2) الرواشح السماوية : 63 ـ 65 ، الراشحة الرابعة عشر.

(3) كما في ترجمة : جابر بن يزيد الجعفي : 163 / 30 ، ومحمّد بن إسحاق بن يسار : 281 / 22 ، ومحمّد بن مسلم بن رباح : 300 / 317 ، فإن الثلاثة من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام وقال عنهم الشيخ : أسند عنه ، ثم عقبه بقوله : روى عنهماعليهما‌السلام .

وكثير من الذين عدّهم الشيخ في رجاله وقال : أسند عنه ، ذكرهم النجاشي في رجاله وذكر لهم كتاب يرويه عن ذلك الامام ، مثل :

1 ـ محمّد بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

2 ـ أبان بن عبد الملك الخثعمي.

3 ـ عبد الله بن علي.

4 ـ أحمد بن عامر بن سليمان الطائي.

5 ـ محمّد بن إبراهيم العباسي الإمام.

6 ـ محمّد بن ميمون التميمي الزعفراني.

7 ـ إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى وغيرهم كثير.

(4) هو النحرير الرباني السيد بشير الجيلانيرحمه‌الله ( منه ).

٧٥

والأشبه كون المراد أنّهم أسندوا عنهعليه‌السلام ولم يسندوا عن غيره من الرواة كما تتبعت ، ولم أجد رواية أحد من هؤلاء عن غيرهعليه‌السلام إلاّ أحمد بن عائذ ، فإنه صحب أبا خديجة وأخذ عنه ، كما نص عليه النجاشي(1) ، والأمر فيه سهل ، فكأنه مستثنى لظهوره. انتهى.

وفيه أيضا تأمل ، فإن غير واحد ممن قيل فيه : أسند عنه ، سوى أحمد ابن عائذ رووا عن غيرهعليه‌السلام أيضا ، منهم : محمّد بن مسلم على ما ذكره ولد الأستاذ العلامة ، والحارث بن المغيرة ، وبسام بن عبد الله الصيرفي.

وربما يقال : انّ الكلمة : أسند بالمعلوم ، والضمير للراوي ، إلاّ أن فاعل أسند ابن عقدة ، لأنّ الشيخرحمه‌الله ذكر في أول رجاله أنّ ابن عقدة ذكر أصحاب الصادقعليه‌السلام وبلغ في ذلك الغاية. قالرحمه‌الله : وإني ذاكر ما ذكره ، وأورد من بعد ذلك ما لم يذكره(2) ، فيكون المراد : أخبر عنه ابن عقدة ، وليس بذلك البعيد.

وربما يظهر منه : وجه عدم وجوده إلاّ في كلام الشيخ. وسبب ذكر الشيخ ذلك في رجاله دون الفهرست ، وفي أصحاب الصادقعليه‌السلام دون غيره(3) . بل وثمرة قولهرحمه‌الله : إني ذاكر ما ذكره ابن عقدة ثم أورد ما لم يذكره. فتأمل جدا(4) .

__________________

(1) رجال النجاشي : 98 / 246.

(2) رجال الشيخ : 2.

(3) ذكرنا فيما سبق المواضع التي وردت الكلمة في حقهم ، من أصحاب باقي الأئمةعليهم‌السلام .

(4) وقد فصّل القول في معنى الكلمة ومدلولها ومواردها ومعناها اللغوي السيد الجلالي في مقالته التي نشرت في مجلة تراثنا ، العدد الثالث ، السنة الأولى ، تحت عنوان : المصطلح الرجالي « أسند عنه » ما هو؟ وما هي قيمته الرجالية؟.

٧٦

فائدة :

لا يخفى أنّ كثيرا من القدماء سيّما القميين وابن الغضائري كانت لهم اعتقادات خاصة في الأئمةعليهم‌السلام ‌ بحسب اجتهادهم ، لا يجوّزون التعدي عنها ، ويسمون التعدي : غلوا وارتفاعا ، حتى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غلوا ، بل ربما جعلوا التفويض ـ المختلف فيه ـ إليهم ، أو نقل خوارق العادات عنهم ، أو الإغراق في جلالتهم ، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعا ، أو مورثا للتهمة.

وذلك لأنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة ، ومخلوطين بهم ، مدلّسين أنفسهم عليهم ، فبأدنى شبهة كانوا يتّهمون الرجل بالغلوّ والارتفاع ، وربما كان منشأ رميهم بذلك وجدان رواية ظاهرة فيه منهم ، أو ادعاء أرباب ذلك القول كونه منهم ، أو روايتهم عنه ، وربما كان المنشأ روايتهم المناكير ، الى غير ذلك.

وبالجملة الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية ، فربما كان شي‌ء عند بعضهم فاسدا أو كفرا أو غلوّا ، وعند آخرين عدمه ، بل مما يجب الاعتقاد به ، فينبغي التّأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة.

ومما ينبه على ما ذكرنا ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة ، ويأتي في إبراهيم بن عمر ، وغيره ، ضعف تضعيفات ابن الغضائري وفي إبراهيم بن إسحاق وسهل بن زياد ضعف تضعيف أحمد بن محمّد بن عيسى ، مضافا الى غيرهما من التراجم فتأمل(1) .

__________________

(1) التعليقة : 8.

٧٧

فائدة :

للتفويض معان :

أولا : يأتي في آخر الكتاب(1) .

ثانيا : تفويض الخلق والرزق إليهمعليهم‌السلام ، ولعلّه يرجع الى الأول ، وورد فساده عن الصادق(2) والرضا(3) عليهما‌السلام .

ثالثا : تفويض تقسيم الأرزاق ، ولعلّه مما يطلق عليه(4) .

رابعا : تفويض الأحكام والأفعال إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأن يثبت ما رآه حسنا ، ويرد ما رآه قبيحا ، فيجيز الله تعالى ذلك ، كإطعام الجدّ السدس ، وإضافة الركعتين في الرباعيات ، والركعة في المغرب ، والنوافل‌

__________________

(1) تعليقة الوحيد : 410 عند ذكره للفرق ، وفيه : ومنها المفوّضة ، القائلون بأنّ الله خلق محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله وفوّض إليه أمر العالم ، فهو الخلاّق للدنيا وما فيها ، وقيل : فوّض ذلك الى عليعليه‌السلام ، وربما يقولون بالتفويض إلى سائر الأئمة.

(2) نقل العلامة المجلسي في البحار 25 : 343 / 25 ، عن كتاب اعتقاد الصدوق : عن زرارة أنّه قال : قلت للصادقعليه‌السلام : إنّ رجلا من ولد عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض ، فقال : وما التفويض؟ قلت : إنّ الله تبارك وتعالى خلق محمّدا وعليّا صلوات الله عليهما ، ففوّض إليهما ، فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا ، فقالعليه‌السلام : كذب عدوّ الله ، إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد :( « أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهّارُ ) . الرعد : 16.

(3) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 : 124 / 17 بسنده عن الامام الرضاعليه‌السلام أنّه قال : ومن زعم أن الله عزّ وجل فوّض أمر الخلق والرزق الى حججهعليهم‌السلام فقد قال بالتفويض ،. والقائل بالتفويض مشرك.

(4) بصائر الدرجات : 363 / 11 بسنده عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال :. يا أبا حمزة لا تنامنّ قبل طلوع الشمس فإنّي أكرهها لك ، إنّ الله يقسّم في ذلك الوقت أرزاق العباد ، وعلى أيدينا يجريها.

٧٨

أربعا وثلاثين ، وتحريم كل مسكر عند تحريم الخمر ، الى غير ذلك(1) .

وهذا محل إشكال عندهمرحمهم‌الله ، لمنافاته لظاهر( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) (2) وأمثاله ، والكلينيرحمه‌الله قائل به ، والأخبار الكثيرة واردة فيه(3) .

ووجّه : بأنها تثبت من الوحي إلاّ أن الوحي تابع ومجيز.

خامسا : تفويض الإرادة ، بأن يريد شيئا لحسنه ولا يريد شيئا لقبحه ، كإرادة تغيّر القبلة ، فأوحى الله تعالى إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما أراد(4) .

سادسا : تفويض القول بما هو أصلح له وللخلق ، وإن كان الحكم الأصلي خلافه ، كما في صورة التقية(5) .

سابعا : تفويض أمر الخلق ، بمعنى : أنّه أوجب عليهم طاعته في كل ما يأمر وينهى ، سواء علموا وجه الصحة أم لا ، بل وإن كان بحسب ظاهر نظرهم عدم الصحة ، بل الواجب عليهم القبول على وجه التسليم(6) .

وبعد الإحاطة بما ذكر يظهر أنّ القدح بمجرد رميهم بالتفويض لا يخلو أيضا من إشكال ، وفي محمّد بن سنان ما يشير إليه(7) .

__________________

(1) راجع بحار الأنوار : 25 / 328 وما بعدها ، فصل في بيان التفويض ومعانيه ، وتفسير آية 7 من سورة الحشر قوله تعالى :( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .

(2) النجم : 53 / 3.

(3) الكافي : 1 / 363 ، باب في معرفتهم أوليائهم والتفويض إليهم.

(4) مجمع البيان : 1 / 227.

(5) راجع مقباس الهداية : 2 / 379 ، الرابع.

(6) راجع تفسير الآية 65 من سورة النساء :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) .

(7) التعليقة : 8.

٧٩

فائدة :

أبو العباس الذي يذكره النجاشي على الإطلاق‌ ، قيل : مشترك بين ابن نوح ، وابن عقدة(1) ، وليس كذلك ، بل هو الأول ، ويأتي في إبراهيم بن عمر اليماني(2) .

فائدة:

كلمة « مولى » بحسب اللغة لها معان معروفة‌(3) ، وأمّا في المقام :

__________________

(1) اختلفت كلمات الرجاليين في تعيين أبي العباس ، فمنهم من جعله : ابن عقدة ، ومنهم من عيّنه ابن نوح ، والأكثر على أنّه مشترك. فقال الكاظمي في تكملة الرجال : 1 / 350 في ترجمة : حفص بن البختري : فنقل النجاشي عن أبي العباس ـ وهو ابن عقدة ـ توثيقه.

وجاء في الهامش منه أيضا : ويحتمل أن يكون ابن نوح على ضعف ، وإن كان ينقل عن كليهما ، لأنّ الظاهر أنّه عند الإطلاق يراد بأبي العباس : ابن عقدة ، وإذا أراد به ابن نوح قيّده ، كما يظهر من تتبعه ، والشيخ محمّد في الشرح ردده بينهما ، والأظهر ذلك وسيجي‌ء في ترجمة حفص بن سوقة ما يؤيده ، ووافقنا على هذا المجلسي فيما سيجي‌ء ـ إنّ شاء الله ـ في ترجمة الحكم بن حكيم.

وقال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : 313 : لا يقال إنّ النجاشي نقل توثيق حكم ابن حكيم عن أبي العباس ، وهو مشترك بين ابن نوح الإمامي ، وابن عقدة الزيدي ، فكيف عددت حديث حكيم من الصحيح ، والمعدل له مشترك ، قلنا : الاشتراك هنا غير مضر ، وابن عقدة وإن كان زيديا ، إلاّ أنّه ثقة مأمون ، وتعديل غير الإمامي إذا كان ثقة لمن هو إمامي حقيق بالاعتبار والاعتماد ، فان الفضل ما شهدت به الاعداء.

نعم ، جرح غير الإمامي للإمامي لا عبرة به ، وإن كان الجارح ثقة.

(2) في التعليقة : 24 ، في ترجمته : وما قيل من أنّ أبا العباس مشترك ـ والقائل هو الشهيد الثاني في تعليقه على الخلاصة ـ ففيه أنّ الظاهر أنّه ابن نوح ، لأنّه شيخ النجاشي ، مع أنّ ابن عقدة بينه وبينه وسائط ، مضاف إلى أنّ ابن نوح جليل ، والآخر عليل ، والإطلاق ينصرف الى الكامل ، سيّما عند أهل هذا الفن ، خصوصا النجاشي ، فإنّه يعبرون عن الكامل به ، أمّا الناقص فلا ، بل ربما كان عندهم ذلك تدليسا ، فتأمل.

(3) راجع القاموس : 4 / 401 ، والصحاح : 6 / 2529 ، وتاج العروس : 10 / 399 ، ولسان

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وأصفيتهم وجعلتهم هداة مهديين وائتمنتهم على وحيك وعصمتهم عن معاصيك ورضيتهم لخلقك وخصصتهم بعلمك واجتبيتهم وحبوتهم وجعلتهم حججا على خلقك وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لاحد في معصيتهم وفرضت طاعتهم على من برأت، وأتوسل اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.

وفي بحار الأنوار: ٩٩/١٦٩:

ثم قال السيدرحمه‌الله ، دعاء يدعى به عقيب الزيارة لسائر الأئمةعليهم‌السلام : اللهم إني زرت هذا الإمام مقراً بإمامته، معتقداً لفرض طاعته، فقصدت مشهده بذنوبي وعيوبي، وموبقات آثامي، وكثرة سيئاتي وخطاياي، وما تعرفه مني، مستجيراً بعفوك، مستعيذاً بحلمك، راجياً رحمتك، لاجياً الى ركنك، عائذاً برأفتك، مستشفعاً بوليك وابن أوليائك، وصفيك وابن أصفيائك، وأمينك وابن أمنائك، وخليفتك وابن خلفائك، الذين جعلتهم الوسيلة الى رحمتك ورضوانك، والذريعة الى رأفتك وغفرانك.

وفي بحار الأنوار: ٢٤/٢:

كنز: روى شيخ الطائفةرحمه‌الله بإسناده الى الفضل بن شاذان، رفعه الى أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن الله عز وجل يقول: ماتوجه الى أحدٌ من خلقي أحب الى من داع دعاني يسأل بحق محمد وأهل بيته. وإن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال: ( اللهم أنت وليي في نعمتي، والقادر على طلبتي، وقد تعلم حاجتي، فأسألك بحق محمد وآل محمد إلا ما رحمتني وغفرت زلتي ) فأوحى الله اليه: يا آدم أنا ولي نعمتك، والقادر على طلبتك، وقد علمت حاجتك، فكيف سألتني بحق هؤلاء؟

فقال: يا رب انك لما نفخت فيَّ الروح رفعت رأسي الى عرشك، فإذا حوله مكتوبٌ: لا الَه إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك، ثم عرضت علي الأسماء، فكان ممن مرّ بي من أصحاب اليمين آل محمد وأشياعهم، فعلمت أنهم أقرب خلقك اليك.

قال: صدقت يا آدم.

**

٣٢١

٣٢٢

الفصل الرابع

تفسير الآيات الثلاث في التوسل

الآية الأولى

قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . المائدة - ٣٥

فقد أمرت هذه الآية الكريمة باتخاذ ( وسيلة ) الى الله تعالى، ولكنها لم تبين ما هي، وهذا يعني أن الله تعالى ترك بيانها للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

عمل المفسرين السنيين لابعاد الوسيلة عن النبي!

يلاحظ الباحث أن الرواة والمفسرين السنيين سعوا حثيثاً لابعاد ( الوسيلة المأمور بها في القرآن ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

فمن ناحية، لم يرووا شيئاً في تفسيرها عن النبي وآله، بل تبرعوا بالبيان من عندهم وفسروها بالقربة، وغاية ما رووا فيها رواية مقطوعة عن حذيفة تقول إن الوسيلة هي القربة!كما في مستدرك الحاكم: ٢/٣١٢!

٣٢٣

مع أنه لا يعقل أن يكون الأمر الإلَهي نزل الى الأمة بأن يبتغوا الى ربهم الوسيلة، ولم يبينها لهم الرسول الذي أرسله الله ليبين للناس؟!

أما تفسيرهم لها بالقربة فهو تفسير الماء بالماء! لإن القربة كلمة مجملة تحتاج الى تفسير كالوسيلة!!

فهل تختص الوسيلة بالأعمال الصالحة، أم تشمل ابتغاء التوسل بالأنبياء والأوصياء والأولياء.. الخ.

قال السيوطي في الدر المنثور: ٢/٢٨٠:

أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله:

وابتغوا اليه الوسيلة، قال: القربة.

وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة في قوله وابتغوا اليه الوسيلة قال: القربة.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: وابتغوا اليه الوسيلة قال: تقربوا الى الله بطاعته والعمل بما يرضيه.

وأخرج عبد بن حميد عن أبي وائل قال: الوسيلة في الايمان.

وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: وابتغوا اليه الوسيلة، قال: الحاجة.

قال: وهل تعرف العرب ذلك؟

قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول:

إن الـرجـال لــهم اليـك وسيلــة

أن يأخذوك، تكحلي وتخضبي

انتهى.

وتفسير ابن عباس للوسيلة بالحاجة إن صح عنه فلا يصح، لأن مقصود عنترة أن يقول لتلك المرأة: إن الرجال سيجدون وسيلة لأخذك ولو بالخطيفة فاستعدي! على أنه لا يبعد أن يكون معنى الحاجة في زمن ابن عباس هو المعنى الذي يستعمله أهل مصر اليوم، وهو عام يشمل الوسيلة.

٣٢٤

وفي حلية الأولياء: ٤/١٠٥:

عن منصور عن أبي وائل في قوله تعالى: وابتغوا اليه الوسيلة، قال: القربة في الأعمال. انتهى.

وهكذا ساروا على ما أسسه المفسرون الأمويون من تفسير الآية بالقربة وإبعادها عن النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذين هم الوسيلة التي أمر الله بها في كتابه!

ولم يكتفوا بتفسير الوسيلة المطلقة بالقربة المطلقة، حتى ضيقوا مفهوم القربة وأبعدوه عن كثير من التقربات المرتبطة بشخص النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبورهم الشريفة!!

وسوف ترى أن الاتجاه الأموي أخذ شكلاً حاداً على يد ابن تيمية وأتباعه!

وبذلك اتجه السؤال بالتهمة اليهم بأنهم راعوا سياسة الخلافة القرشية في تقليلها من حاجة المسلمين الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى في إيمانهم، وخاصة في الأمور التي لابد أن تكون ممتدةً بعده بأهل بيته الطاهرين.

وفي اعتقادي أن ذلك يرجع الى يوم أعلنت الخلافة القرشية الأحكام العرفية في كل مايتعلق بالقبر النبوي، لأنها خشيت أن يستجير به أهل بيته ويطالبوا بالخلافة! فمنعت التجمع عنده والصلاة والتوسل والتبرك.. وأكثر مظاهر الاحترام الطبيعية التي تقوم بها الأمم تجاه قبر نبيها!!

فصار ذلك فقهاً وعقيدة، وقامت الخلافة الأموية بتركيزه وتبريره.. ولم يخرج عنه إلا المتصوفة، ولكنهم حاولوا أن يفسروا الوسيلة الى الله تعالى بمشايخ طرقهم!!

وقد حاول الفخر الرازي أن يستدل على إبعاد الوسيلة عن الواسطة في تلقي الدين والسلوك الديني، فقال في تفسيره: ٦ جزء ١١/٢٢٠:

المسألة الثالثة، الوسيلة: فعيلة، من وسل أي تقرب اليه، قال لبيد الشاعر:

أرى الناس لا يدرون ماقدر أمرهم * ألا كـل ذي لـب الـى الله واسل

أي متوسل، فالوسيلة هي التي يتوسل بها الى المقصود.

قالت التعليمية: دلت الآية على أنه لا سبيل الى الله تعالى إلا بمعلم معرفته،

٣٢٥

ومرشد يرشدنا الى العلم به، وذلك لأنه طلب الوسيلة اليه مطلقاً، والايمان به من أعظم المطالب وأشرف المقاصد، فلا بد فيه من الوسيلة.

وجوابنا: أنه تعالى أمر بابتغاء الوسيلة اليه بعد الايمان به، والايمان به عبارة عن المعرفة به، فكان هذا أمراً بابتغاء الوسيلة اليه بعد الايمان به ومعرفته، فيمتنع أن أن يكون هذا أمراً بطلب الوسيلة اليه في معرفته! فكان المراد طلب الوسيلة اليه في تحصيل مرضاته، وذلك بالعبادات والطاعات. انتهى كلام الرازي.

وغرضه أن يقول إن الآية تخاطب المؤمنين بعد إيمانهم بأن يتوسلوا بالطاعات، ولا تطلب من الناس أن يتوسلوا بشخص الى الايمان.

ولكنه نسي قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) النساء - ١٣٦

فقد طلب الله من المؤمنين أن يؤمنوا بالله ورسوله! ونسي قوله تعالى ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ) الحجرات - ١٤، فلا مانع أن يخاطب تعالى المؤمنين بعد إيمانهم أن يبتغوا اليه الوسيلة عن طريق رسوله؟!

بل حتى لو سلمنا أن الآية ناظرةٌ الى ما بعد الايمان، فأي مانع في أن يطلب الله تعالى من المؤمنين أن يرتقوا بإيمانهم الى درجة أعلى، فيجعلوا الرسول قدوتهم ووسيلتهم الى ربهم؟ !!

ولكن غرض الرازي أن يحصر الوسيلة المأمور بها بالأعمال، ويبعدها عن شخص النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

كما أن غرض التعليمية الذين ذكرهم الرازي أن يبعدوها عن الرسول وآله صلوات الله عليهم، ويثبتوا حاجة المسلم في إمانه الى شيخ طريقة يكون وسيلته الى ربه!!

**

أما المفسرون الشيعة فقد تأثر بعضهم بالجو العام للتفسير السني، ففسروا الوسيلة مثلهم بالقربة بلا تعيين، بينما فسرها بعضهم بما ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام ، من أن الوسيلة هي النبي أو وصيه من بعده..

٣٢٦

قال الطوسي في تفسير التبيان: ٣/٥٠٩:

خاطب الله في هذه الآية المؤمنين وأمرهم أن يتقوه، ومعناه أن يتقوا معاصيه ويجتنبوها، ويبتغوا اليه معناه يطلبون اليه، الوسيلة وهي القربة في قول الحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وأبي وابل.

وهي على وزن فعيلة، من قولهم: توسلت اليك، أي تقربت. قال عنترة بن شداد:

إن الـرجـال لــهم اليـك وسيلــة

أن يأخذوك، تكحلي وتخضبي

وقال الآخر:

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا

وعـاد التصافي بيننا والوسائل

يقال: منه سلت أسال، أي طلبت، وهما يتساولان، أي يطلب كل واحد منهما من صاحبه. والأصل الطلب والوسيلة التي ينبغي أن يطلب مثلها. انتهى.

والظاهر أن منهج الشيخ الطوسيرحمه‌الله في تفسير التبيان أن يكتب ما يتحمله القارىَ السني. وكذا فعل المقداد السيوري في فقه القرآن: ١/٣٦٩، والبلاغي في إملاء مأمن به الرحمن: ١/٢١٤

أما التفاسير الروائية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد فسرت الوسيلة التي أمر الله بها بالنبي والأئمة من بعده صلى الله عليه وعليهم.

ففي تفسير القمي: ١/١٦٨:

وقوله( اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) فقال: تقربوا اليه بالامام. انتهى.

والمتأمل في الآية يلاحظ أنها: أمر إلَهي نزل في آخر سورة من القرآن، بعنصر جديد كلف الله به المسلمين هو ( البحث.. عن.. الوسيلة )! وهو تكليف مجملٌ، والمصدر الوحيد لبيانه هو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أما نحن فنروي أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أن الوسيلة هو وأهل بيته، فالأمة مكلفةٌ أن تتعبد لله تعالى بمعرفتهم في كل عصر وإطاعتهم..

٣٢٧

بينما لم يرو السنييون بيانها، ورووا عن غير النبي تفسيرها بالقربة، وهو لا يصح لأنه تفسيرٌ مجملٌ مثلها! ولأنه يلغي العنصر الجديد الذي نزلت به الآية، ويجعل معناها تكراراً تأكيدياً لمثل قوله تعالى( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ   ) ، وبذلك لا يبقى معنى لاستعمال مصطلح الوسيلة وابتغائها، ولا لنزول الآية!!

الآية الثانية

قال الله تعالى:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) . النساء - ٦٤

ورد تفسير المجيء الى الرسول فيها عن أهل البيتعليهم‌السلام ، أنه يشمل المجيَ اليهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته، والمجيء الى قبره الشريف بعد وفاته. وقد وافقتهم على ذلك روايات في مصادر السنيين.

ففي الكافي: ٤ /٥٥٠:

عن معاوية بن عمار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تقوم فتسلم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر، وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر الى جانب القبر، ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر، فإنه موضع رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول:

أشهد أن لا الَه إلا الله وحده لاشريك له و، أشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أنك رسول الله، وأشهد أنك محمد بن عبدالله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين، وأديت الذي عليك من الحق، وأنك قد رؤفت بالمؤمنين، وغلظت على الكافرين، فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين.

الحمد الله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة.

٣٢٨

اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين، ومن سبح لك يارب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك.

اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون.

اللهم إنك قلت: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي وإني أتوجه بك الى الله ربي وربك ليغفرلي ذنوبي.

وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك، فإنك أحرى أن تقضى إن شاء الله.

ورواه في تهذيب الأحكام: ٦ /٥

ونحوه في من لا يحضره الفقيه: ٢/٥٦٧، وفيه:

اللهم وأعطه الدرجة والوسيلة من الجنة، وابعثه مقاماً محموداً يغبطه بن الأولون والآخرون، اللهم إنك قلت وقولك الحق: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي.

يا رسول الله إني أتوجه بك الى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي. انتهى.

وفي الدر المنثور: ١/٢٣٨:

وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال حج أعرابي فلما جاء الى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

بأبي أنت وأمي يا رسول الله، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا، مستشفعاً بك

٣٢٩

على ربك، لأنه قال في محكم كتابه: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.

وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا، أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي، وأن يشفع في.

ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:

يا خير من دفنت في الترب أعظمه

فطـاب مـن طيبهن القاع والأكم

نفسي الفـداء لقبـر أنـت ساكنه

فيـه العفاف وفيـه الجود والكرم

ورواه في كنز العمال: ٤/٢٥٨، وقال في هامشه: وذكر ابن كثير في تفسيره: ٢/٣٢٩

وقصة هذا الأعرابي تدل على أن العربي الصافي الفطرة يفهم بفطرته أن قوله تعالى( جاؤوك ) يشمل المجيء الى الرسول في حياته، والى قبره بعد وفاته.

وقال الشرنبلاني في نور الإيضاح/١٥٦:

ثم يعود ويقف عند رأس سيدنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الشريف مستقبله كالأول ويقول: اللهم إنك قلت وقولك الحق: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيك اليك. اللهم ربنا اغفر لنا ولآباءنا وأمهاتنا وإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

وفي الدر المنثور: ٢/٢١٩:

وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال: من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر غفر له:( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) .( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) الآية.

وفي الدر المنثور: ٢ /١٧٠:

وأخرج هناد عن ابن مسعود قال: أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب الى من حمر النعم وسودها:

٣٣٠

في سورة النساء قوله:( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) الآية.

وقوله:( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ) الآية.

وقوله:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ ) الآية.

وقوله:( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ) الآية.

وفي الدر المنثور: ٢ /١٨٠:

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال:

الاستغفار على نحوين، أحدهما في القول والآخر في العمل.

فأما استغفار القول فإن الله يقول:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) .

وأما استغفار العمل فإن الله يقول وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون، فعنى بذلك أن يعملوا عمل الغفران. انتهى.

جاؤوك، تشمل المجيء الى قبر النبي والمجيء الى وصيه

في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة خطاباتٌ وأحكامٌ خاصة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما حكمها بعد وفاته؟

قالت مذاهب الخلافة القرشية: من هذه الأحكام ما هو من شأن النبوة، فينتهي بوفاة النبي، والباقي يصير المخاطب به الخليفة الذي حل محل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

وبدأت الخلافة بتنفيذ ذلك في الخمس والأمور المالية، فقالت صار أمرها الى الخليفة... الخ.

ولكن هذه الخطابات والأحكام أوسع وأعمق من أن ينهض بها أمثال الخلفاء الذين حكموا بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .. وللبحث في هذا الموضوع مكانٌ آخر، ويدخل منه في بحثنا فتح باب الغفران الالَهي بالمجيء الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل هو حكم مستمرٌ بعده في وصيه أم لا؟

٣٣١

دلت أحاديثنا الصحيحة على أن هذا المقام الرباني ثابتٌ للوصيعليه‌السلام ، وهو الذي يساعد عليه استمرار الإسلام، ووراثة الكتاب الالَهي، ونصوص وصية النبي لعترته الطاهرين، صلى الله عليه وعليهم.

ففي الكافي: ١/٣٩١:

علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة أو بريد، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال: لقد خاطب الله أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتابه قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا، فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمداً ألا يردوا هذا الأمر في بني هاشم،ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ، عليهم من القتل أو العفو،وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .

وفي الكافي: ٨/٣٣٤:

علي بن ابراهيم، عن أبيه ومحمد بن اسماعيل، وغيره، عن منصور بن يونس عن ابن أذينة، عن عبد الله بن النجاشي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في قول الله عز وجل:( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّـهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ) . يعني والله فلاناً وفلاناً.

( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) .

يعني والله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلياً مما صنعوا، أي لو جاؤوك بها يا علي فاستغفروا الله مما صنعوا، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.

( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) . فقال أبو عبد الله: هو والله عليٌّ بعينه،( ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ) ، على لسانك يا رسول الله يعني به من ولاية علي،( وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ، لعلي.

٣٣٢

وفي تفسير القمي: ١/ ١٤٢:

وقوله:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ ) ، فإنه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) . هكذا نزلت. ثم قال: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك، يا علي، فيما شجر بينهم، يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت عليهم يا محمد على لسانك من ولايته، ويسلموا تسليماً لعليعليه‌السلام . انتهى.

ومعنى قول الإمام الباقرعليه‌السلام ( هكذا نزلت ) أي هذا هو المعنى المقصود فيها الذي أنزله الله تعالى.

وقد يكون القول بتعميم الخطاب للوصي ثقيلاً على بعضهم، ولكنه لا بد منه إذا أردنا أن لا نعطل معنى الآيات والأحاديث والأحكام المتعلقة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

مع ما يستلزمه تعطيلها من نقصان الدين بعد كماله وتمامه!!

**

الآية الثالثة

قال الله تعالى:( وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ، قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ، أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) . الاسراء ٥٥ - ٥٧

وهذه الآية تدل على مشروعية التوسل الى الله تعالى بالأشخاص الأقرب اليه، فمن المتفق عليه بين المفسرين أن قوله تعالى: يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب مدحٌ لهؤلاء المؤمنين بأنهم يطلبون التوسل الى الله تعالى.. وإن اختلفوا في تعيين هؤلاء المتوسلين، والمتوسل بهم. كما سيأتي.

٣٣٣

تفسيرنا للآيتين الكريمتين

معنى الآيات:

قل لهم فليدعوا الذين يزعمون لكشف الضر عنهم، فلا مجيب!! لأنهم في الحقيقة لا يدعون شيئاً!

ولكن المؤمنين هم الذين يدعون من هو أهلٌ لكشف الضر سبحانه، فتراهم يبتغون اليه الوسيلة، ويبحثون عن أقرب عباده اليه وسيلة فيتوسلون به اليه، فيستجيب دعاءهم.

فـ ( أولئك ) في مطلع الآية الثانية استئنافٌ قصد به المؤمنون عبر التاريخ، وقد مدحهم الله تعالى بدعائهم ربهم الحق، وبتوسلهم بمن هو أقرب منهم اليه من عباده.. وذلك في مقابل المشركين الذين يدعون هباء! ويتوسلون بما لم يأذن به الله!!

أما المفسرون السنيون فقد أرجعوا الضمير في أولئك الى المعبودين المزعومين من دون الله. وبعضهم كالجبائي أرجعه الى الأنبياء، ولكنه وافقهم في أن ( أيهم أقرب ) صفة للمتوسلين لا للمتوسل بهم، كما سيأتي.

وأما المفسرون الشيعة غير المحدثين، فقد راعوا التفسير السني، ولم يخرجوا عنه إلا قليلا.

قال الطوسي في تفسير التبيان: ٦/٤٩٠:

ثم قال لنبيه: قل لهم ادعوا الذين زعمتم من دونه، يعني الذين زعمتم أنهم أرباب وآلهة من دون الله، ادعوهم إذا نزل بكم ضرر، فانظروا هل يقدرون على دفع ذلك أم لا.

وقال ابن عباس والحسن: الذين من دونه، الملائكة والمسيح وعزير.

وقال ابن مسعود: أراد به ماكانوا يعبدون من الجن: وقد أسلم أولئك النفر من الجن، لأن جماعة من العرب كانوا يعبدون الجن، فأسلم الجن وبقي الكفار على عبادتهم.

٣٣٤

وقال أبو علي: رجع الى ذكر الأنبياء في الآية الأولى، والتقدير أن الأنبياء يدعون الى الله يطلبون بذلك الزلفة لديه ويتوسلون به اليه والى رضوانه وثوابه، أيهم كان أفضل عند الله، وأشد تقرباً اليه بالأعمال.

ثم قال: فلا يملكون، يعني الذين تدعون من دون الله، كشف الضر، والبلاء عنكم، ولا تحويله الى سواكم.

ثم قال: أولئك الذين يدعون يبتغون... أولئك: رفع بالابتداء، والذين، صفة لهم ويبتغون الى ربهم خبر الابتداء، والمعنى الجماعة الذين يدعون يبتغون الى ربهم.

أيهم رفع بالابتداء، وأقرب خبره. والمعنى يطلبون الوسيلة ينظرون أيهم أقرب فيتوسلون به، ذكره الزجاج.

وقال قوم: الوسيلة هي القربة والزلفة.

وقال الزجاج: الوسيلة والسؤال والسؤل والطلبة واحد، والمعنى أن هؤلاء المشركين يدعون هؤلاء الذين اعتقدوا فيهم أنهم أرباب، ويبتغي المدعوون أرباباً الى ربهم القربة والزلفة، لأنهم أهل إيمان به.

والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله، أيهم أقرب عند الله بصالح أعماله واجتهاده في عبادته، فهم يرجون بأفعالهم رحمته ويخافون عذابه بخلافهم إياه.انتهى.

وقد اقتصر الشيخ الطوسي على ذكر أقوال السنيين، كما رأيت.

وأما الطبرسي في مجمع البيان: ٦/٤٢٢، فقد مال الى قول أبي علي الجبائي، فقال: ثم قال سبحانه لنبيه ( ص ):

قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: أدعوا الذين زعمتم من دونه أنهم آلهة عند ضر ينزل بكم ليكشفوا ذلك عنكم أو يحولوا تلك الحالة الى حالة أخرى.

فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، للحالة التي تكرهونها الى حالة تحبونها يعني تحويل حال القحط الى الخصب والفقر الىالغنى والمرض الى الصحة.

٣٣٥

وقيل معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم الى غيركم، بين سبحانه أن من كان بهذه الصفة فانه لايصلح للالهية، ولا يستحق العبادة.

والمراد بالذين من دونه الملائكة والمسيح وعزير عن ابن عباس والحسن.

وقيل هم الجن، لأن قوماً من العرب كانوا يعبدون الجن عن ابن مسعود، قال وأسلم أولئك النفر من الجن وبقي الكفار على عبادتهم.

قال الجبائي: ثم رجع سبحانه الى ذكر الأنبياء في الآية الاولى فقال: أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة، ومعناه أولئك الذين يدعون الى الله تعالى ويطلبون القربة اليه بفعل الطاعات.

أيهم أقرب، أي ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه.

وتأويله أن الأنبياء مع علو رتبهم وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير الله، فأنتم أولى أن لا تعبدوا غير الله. وإنما ذكر ذلك حثاً على الاقتداء بهم.

وقيل إن معناه أولئك الذين يدعون ويعبدونهم ويعتقدون أنهم آلهة من المسيح والملائكة يبتغون الوسيلة والقربة الى الله تعالى بعبادتهم، ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته، أو يطلب كل منهم أن يعلم أيهم أقرب الى رحمته أو الى الاجابة، ويرجون رحمته ويخافون عذابه، أي وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته إن أطاعوه ويخافون عذابه إن عصو، ويعلمون عمل العبيد. انتهى.

ومع أنهرحمه‌الله مال الى تفسير الجبائي، ولكنه لم يخرج عن التفسير الأساسي للمفسرين السنيين، ولم يبحث النسبة بين الآية وبين أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام الصحيحة التي تنص على أن الوسيلة للناس جميعاً هم محمد وآله صلى الله عليهم.

وأما الطباطبائي فقد ذكر أقوال المفسرين السنيين في الآية، ولم يجزم بشيء منها! قال في تفسير الميزان: ١٣/١٣٠:

قوله تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، الى آخر الآية.

٣٣٦

أولئك مبتدأ، والذين صفة له، ويدعون صلته ضميره عائد الى المشركين. ويبتغون خبر أولئك، وضميره وسائر ضمائر الجمع الى آخر الآية راجعة الى أولئك.

وقوله: أيهم أقرب، بيان لابتغاء الوسيلة لكون الابتغاء فحصاً وسؤالا في المعنى. هذا ما يعطيه السياق.

والوسيلة على ما فسروه هي التوصل والتقرب، وربما استعملت بمعنى ما به التوصل والتقرب، ولعله هو الأنسب بالسياق بالنظر الى تعقيبه بقوله: أيهم أقرب. والمعنى والله أعلم:

أولئك الذين يدعوهم المشركون من الملائكة والجن والانس يطلبون ما يتقربون به الى ربهم يستعلمون.

أيهم أقرب: حتى يسلكوا سبيله ويقتدوا بأعماله ليتقربوا اليه تعالى كتقربه .ويرجون رحمته، من كل ما يستمدون به في وجودهم.

ويخافون عذابه فيطيعونه ولا يعصونه.

إن عذاب ربك كان محذورا. يجب التحرز منه والتوسل الى الله ببعض المقربين اليه، على ما في الآية الكريمة، قريب من قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة، غير ما يرومه المشركون من الوثنيين، فإنهم يتوسلون الى الله ويتقربون بالملائكة الكرام والجن والأولياء من الانس، فيتركون عبادته تعالى ولا يرجونه ولا يخافونه، وإنما يعبدون الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون سخطه ثم يتوسلون الى هؤلاء الأرباب والآلهة بالأصنام والتماثيل فيتركونهم ويعبدون الأصنام، ويتقربون اليهم بالقرابين والذبائح.

وبالجملة، يدعون التقرب الى الله ببعض عباده أو أصنام خلقه، ثم لا يعبدون إلا الوسيلة مستقلة بذلك، ويرجونها ويخافونها مستقلة بذلك من دون الله، فيشركون بإعطاء الاستقلال لها في الربوبية والعبادة.

والمراد بأولئك الذين يدعون: إن كان هو الملائكة الكرام والصلحاء المقربون من الجن والأنبياء والأولياء من الانس، كان المراد من ابتغائهم الوسيلة ورجاء الرحمة

٣٣٧

وخوف العذاب ظاهره المتبادر.

وإن كان المراد بهم أعم من ذلك حتى يشمل من كانوا يعبدونه من مردة الشياطين وفسقة الانسان كفرعون ونمرود وغيرهما، كان المراد بابتغائهم الوسيلة اليه تعالى ما ذكر من خضوعهم وسجودهم وتسبيحهم التكويني (! )

وكذا المراد من رجائهم وخوفهم لذواتهم. انتهى.

ثم ذكر صاحب الميزانرحمه‌الله وجوهاً أخرى في رجوع الضمائر ولم يتبن منها شيئاً!

تفسير السنيين للآيتين الكريمتين

قال المحدثون والمفسرون السنيون إن المقصود ب ( أولئك ) في الآية، المعبودون المزعومون من دون الله الذين يؤلههم بعض الناس، فالمعبودون مؤمنون يعبدون الله تعالى ويبتغون اليه الوسيلة... وعابدوهم مشركون.

ورووا عن ابن مسعود وابن عباس أن هؤلاء المعبودين من مؤمني الجن، أو الملائكة، أو أنهم المسيح وعزير والشمس والقمر!

قال البخاري في صحيحه: ٥/٢٢٧:

عن أبي معمر عن عبد الله ( ابن مسعود ): الى ربهم الوسيلة، قال: كان ناس من الانس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم. زاد الاشجعي: عن سفيان عن الأعمش: قل ادعوا الذين زعمتم.

باب أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة.. الآية:

عن أبي معمر عن عبداللهرضي‌الله‌عنه في هذه الآية: الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة، قال: ناس من الجن يعبدون، فأسلموا.

ورواه مسلم: ٨/٢٤٤ ، عن عبد الله أيضاً، وفيه قال: كان نفرٌ من الإنس يعبدون نفراً من الجن، فأسلم النفر من الجن، واستمسك الإنس بعبادتهم فنزلت: أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة.

ورواه الحاكم بنحوه: ٢/٣٦٢، عن عبد الله أيضاً.

٣٣٨

وقال السيوطي في الدر المنثور: ٤/١٨٩:

أخرج عبدالرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه في قوله: قل ادعوا الذين زعتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسك الإنسيون بعبادتهم، فأنزل الله: أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة. كلاهما بالياء.

وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، معاً في الدلائل، عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قال: نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن، فأسلم الجنيون والنفر من العرب لا يشعرون ذلك.

وقال في الدر المنثور: ٤/١٩٠:

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قال: كان قبائل من العرب يعبدون صنفاً من الملائكة يقال لهم الجن، ويقولون هم بنات الله، فأنزل الله: أولئك الذين يدعون.. الآية.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في الآية قال: كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيراً.

وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله: فلا يملكون كشف الضر عنكم، قال: عيسى وأمه وعزير.

وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله: أولئك الذين يدعون، قال: هم عيسى وعزير والشمس والقمر. انتهى.

وقال الفخر الرازي في تفسيره: ٢٠/٢٣١:

فنقول: إن قوماً عبدوا الملائكة فنزلت هذه الآية فيهم.

٣٣٩

وقيل إنها نزلت في الذين عبدوا المسيح وعزيراً.

وقيل إن قوماً عبدوا نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن، فبقي أولئك من الناس متمسكين بعبادتهم، فنزلت هذه الآية. انتهى.

وعلى هذا المنوال نسج المفسرون الباقون.. ومنهم ابن تيمية، الذي أهمل كغيره أن الآية في مدح المتوسلين، وأخذ منها ذم الذين الذين عبدوا المتوسلين!

قال في رسالة فتيا في نية السفر/٤٣٠:

فالآية تتناول كل من دعا من دون الله من هو صالح عند الله من الملائكة والإنس والجن! قال تعالى: هؤلاء الذين دعوتموهم لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محذورا.

قال أبو محمد عبد الحق بن عطية في تفسيره: أخبر الله تعالى أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرب اليه والتزلف اليه، وأن هذه حقيقة حالهم، والضمير في ربهم للمبتغين أو للجميع، والوسيلة هي القربة، وسبب الوصول الى البغية، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم من سأل الله لي الوسيلة.. الحديث.

وهذا الذي ذكره ذكر سائر المفسرين نحوه، إلا أنه برز به على غيره فقال: وأيهم ابتداء وخبره أقرب، وأولئك يراد بهم المعبودون، وهو ابتداء وخبره يبتغون. والضمير في يدعون للكفار، وفي يبتغون للمعبودين، والتقدير نظرهم وذكرهم أيهم أقرب!! وهذا كما قال عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه في حديث الراية بخيبر فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ أي يتبارون في طلب القرب!!

قالرحمه‌الله : وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله.

ولقد صدق في ذلك فإن الزجاج ذكر في قوله أيهم أقرب وجهين كلاهما في غاية الفساد. وقد ذكر ذلك عنه ابن الجوزي وغيره، وتابعه المهدوي والبغوي وغيرهما،

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523