العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية14%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196477 / تحميل: 7993
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

كفر ومن رضى قد شكر». قيل لها : فلِمَ حاربتيه؟ قالت : ما حاربته من ذات نفسي إلّا حملني طلحة والزبير(1) .

الفضل ما شهدت به الأعداء

عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : «من فضّل أحداً من أصحابي على علي فقد كفر»(2) .

وهذا الحديث صريح الدلالة على أنّ كلّ من يفضّل أحداً على أمير المؤمنين عليه السلام فهو كافر ، فياترى ما هو حال الذين تجاسروا عليه واغتصبوا حقّه جهاراً ولم يرعوا له حرمة أبداً.

عمر يعترف بفضائل الإمام علي عليه السلام

عن عمر بن الخطّاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : فضل علي بن أبي طالب على هذه الأُمّة كفضل شهر رمضان على سائر الشهور ، وفضل علي هذه الأُمّة كفضل ليلة القدر على سائر الليالي ، وفضل علي على هذه الأُمّة كفضل ليلة الجمعة على سائر الليالي ، فطوبى لمن آمن به وصدّق بولايته والويل كلّ الويل لمن جحده وجحد حقّه ، حقّاً على الله أن يحرمه القيامة شفاعة محمّد صلى الله عليه واله(3) .

وحقيقة إنّ هذا الحديث من خيرة الأحاديث الدالّة على فضل أميرالمؤمنين عليه السلام وكونه صاحب الولاية بعد رسول الله صلى الله عليه واله وأنّ كلّ من أنكر هذ الولاية في الحياة الدنيا سيحرم يوم القيامة قطعاً من شفاعة رسول الرحمة صلى الله عليه واله. الملفت للانتباه أنّ نفس عمر يروي هذا الحديث بينما يقدّم أبا بكر للخلافة ، ثمّ يتولّى هو الخلافة وقبل أن يرحل يجعلها شورى ولا يرضى أن تصل مقاليد الخلافة لصاحبها الواقعي الذي اعترف هو

__________________

(1) بحار الأنوار ج 38 ص 7 ح 13.

(2) بحار الأنوار ج 38 ص 14 ح 19.

(3) بحار الأنوار ج 38 ص 14 ـ 15 ح 21.

٨١

شخصياً بفضيلته كما في هذا الحديث فاعتبروا يا أُولي الألباب.

من يشتري سيفي؟

عن أبي حيّان التيمي عن أبيه قال؟ رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر يقول : من يشتري منّي سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته ، فقام إليه رجل فقال : نسلفك ثمن إزار. قال : قال عبدالرزاق ـ الراوي ـ وكانت بيده الدنيا كلّها إلّا ما كان من الشام(1) .

أوّل من صلّى مع الرسول صلى الله عليه واله

من كلام لسعد بن أبي وقّاص في الإمام علي عليه السلام قال فيه : ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول الله صلى الله عليه واله؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس(2) ؟

علي عليه السلام سيّد في الدارين

عن ابن عباس قال : نظر النبي صلى الله عليه واله إلى علي عليه السلام فقال : «أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوّك عدوّي ، وعدوّي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي»(3) .

وهنا يحقّ لنا أن نسأل ونقول : إنّ الذين جعلوا أميرالمؤمنين عليه السلام يجلس في داره بعد أن غصبوا حقّه وأحرقوا باب الصدّيقة الزهراء عليها السلام هل كانوا من أحبّاء الإمام علي عليه السلام أم من مبغضيه؟ بلا شكّ كانوا من أعداءه وبالتالي فإنّهم ـ وكما ينصّ الحديث ـ أعداء لله ولرسوله صلى الله عليه واله ، فكيف يمكن أن يكونوا خلفاءه؟! إنّ هذا لعجباً؟!

__________________

(1) الاستيعاب في هامش الاصابة ج 2 ص 465.

(2) الفضائل الخمسة ج 3 ص 7.

(3) مستدرك الصحيحين ج 3 ص 127.

٨٢

مَن فارق عليّاً

عن أبي ذرّ رضوان الله عليه قال : قال النبي صلى الله عليه واله : «يا علي من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك يا علي فقد فارقني»(1) .

ويحقّ لنا أن نسأل هنا أيضاً ونقول : هل إنّ الذين غصبوا الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام فارقوه أم لا؟

بالطبع أنّهم فارقوه وبذلك فإنّهم فارقوا الله ورسوله صلى الله عليه واله ولا يحقّ لمن يفارق الله ورسوله أن يستلم خلافة المسلمين.

لا فتى إلّا علي عليه السلام

عن أبي جعفر عليه السلام قال : نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان أن لا سيف إلّا ذوالفقار ولا فتى إلّا علي(2) .

جبرئيل ينصر الإمام علي عليه السلام

عن سعيد بن المسيّب قال : لقد أصابت علياً عليه السلام يوم أُحد ستّ عشرة ضربة كلّ ضربة تلزمه الأرض فما كان يرفعه إلّا جبرئيل عليه السلام(3) .

مبارزة علي عليه السلام أفضل من أعمال الأُمّة

عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : «لمبارزة علي بن أبي طالب عليه السلام لعمرو بن ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال أُمّتي إلى يوم القيامة»(4) .

إرادتكم إرادة الله عزّ وجلّ

روي أنّه اختصم رجل وامرأة إليه ـ الإمام علي عليه السلام ـ فعلا صوت الرجل على

__________________

(1) مستدرك الصحيحين ج 3 ص 123.

(2) ذخائر العقبى ص 74 وفي الرياض النضرة ج 2 ص 190.

(3) أُسد الغابة في معرفة الصحابة ج 4 ص 20.

(4) مستدرك الصحيحن ج 3 ص 32 تاريخ بغداد ج 13 ص 19 ح 6978.

٨٣

المرأة فقال له الإمام علي عليه السلام : اخسأ ـ وكان خارجياً ـ فإذا رأسه رأس كلب ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين صحت بهذا الخارجي فصار رأسه رأس كلب فما يمنعك عن معاوية؟ قال : ويحك لو أشاء أن آتي معاوية إلى ههنا على سريرة لدعوت الله حتّى فعل ، ولكنّا لله خزّان لا على ذهب ولا على فضّة ولا إنكاراً بل على أسرار تدابير الله ، أما تقرأ :( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1) وفي رواية قال عليه السلام : «إنّما أدعوهم لثبوت الحجّة وكمال المحنة ، ولو أُذن لي في الدعاء بهلاك معاوية لما تأخّر»(2) .

من قضاء أمير المؤمنين عليه السلام

عن عمّار بن ياسر قال : كنت بين يدي مولانا المؤمنين عليه السلام وإذا بصوت قد أخذ جامع الكوفة فقال : يا عمّار ائت بذي الفقار الباتر للأعمار فجئته بذي الفقار ، فقال : اخرج يا عمّار وامنع عن ظلامة هذه المرأة ، فإن انتهى وإلّا منعته بذي الفقار ، قال : فخرجت وإذا أنا برجل وامرأة قد تعلّقوا بزمام جمل والمرأة تقول : الجمل لي ، والرجل يقول : الجمل لي ، فقالت : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام ينهاك عن ظلم هذه المرأة ، فقال : يشتغل علي بشغله ويغسل يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة ويريد أن يأخذ جملي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة؟! فقال عمّار رضي الله عنه : فرجعت لأخبر مولاي فإذا به قد خرج ولاح الغضب في وجهه وقال : ويلك خلّ جمل المرأة ، فقال : الشاهد الذي لا يكذّبه أحد من الكوفة ، فقال الرجل : إذا شهد شاهد وكان صادقاً سلّمته إلى المرأة ، فقال الإمام علي عليه السلام : تكلّم أيّها الجمل لمن أنت؟ فقال بلسان فصيح : يا أمير المؤمنين وخير الوصيّين أنا لهذه المرأة منذ بضع عشر سنة ، فقال الإمام علي عليه السلام خذي

__________________

(1) سورة الأنبياء : 26 ـ 27.

(2) بحار الأنوار ج 41 ص 191.

٨٤

جملك ، وعارض الرجل بضربة قسّمه نصفين(1) .

في مدح أمير المؤمنين عليه السلام

ومن خير ما نظم في مدح أمير المؤمنين عليه السلام هو ما نظمه الصاحب بن عبّاد قدّس الله روحه الزكيّة في قصيدته الرائعة التي جاء فيها :

قالت : فمن صاحب الدين الحنيف أجب

فقلت : أحمد خير السّادة الرسلِ

قالت : فمن بعده تُصفي الولاء له؟

قلت : الوصيّ الذي أربى على زُحلِ

قالت : فمن باب من فوق الفراش فدى؟

فقلت : أثبت خلق الله في الوهلِ

قالت : فمن ذا الذي آخاه عن مقةٍ؟

فقلت : من حاز ردّ الشمس في الطفل

قالت : فمن زوّج الزهراء فاطمة؟

فقلت : أفضل من حافٍ ومنتعلِ

قالت : فمن والد السبطين إذ فرعا؟

فقلت : سابق أهل السبق في مهلِ

قالت : فمن فاز في بدر بمعجزها؟

فقلت : أضرب خلق الله في القللِ

قالت : فمن أسد الأحزاب يفرسها؟

فقلت : قاتل عمرو الضغيم البطلِ

قالت : فيوم حنين مَن فرا وبرا؟

فقلت : حاصد أهل الشرك في عجلِ

قالت : فمن ذا دُعي للطير يأكله؟

فقلت : أقرب مرضيٍّ ومنتحلِ

قالت : فمن تلوه يوم الكساء أجب؟

فقلت : أفضل مكسوٍ ومشتملِ

قالت : فمن ساد في يوم «الغدير» أبن؟

فقلت : مَن كان للإسلام خير ولي

قالت : ففي مَن أتى في هل أتى شرفٌ؟

فقلت : أبذل أهل الأرض للنفلِ

قالت : فمن راكع زكّى بخاتمه؟

فقلت : أطعنهم مذ كان بالأُسلِ

قالت : فمن ذا قسيم النار يسهمها؟

فقلت : مَن رأيه أذكى من الشعلِ

قالت : فمن باهل الطهر النبي به؟

فقلت : تاليه في حلٍّ ومرتحل

قالت : فمن شبه هارون لنعرفه؟

فقلت : مَن لم يحل يوماً ولم يزلِ

__________________

(1) بحار الأنوار ج 41 ص 236 ح 7.

٨٥

قالت : فمن ذا غدا باب المدينة قل؟

فقلت : من سألوه وهو لم يسلِ

قالت : فمن قاتل الأقوام إذ نكثوا؟

فقلت : تفسيره في وقعة الجملِ

قالت : فمن حارب الأرجاس إذ قسطوا؟

فقلت : صفّين تُبدي صفحة العملِ

قالت : فمن قارع الأنجاس إذ مرقوا؟

فقلت : معناه يوم النهروان جَلي

قالت:فمن صاحب الحوض الشريف غداً؟

فقلت : مَن بيته في أشرف الحللِ

قالت : فمن ذا لواء الحمد يحمله؟

فقلت : مَن لم يكن في الرَّوع بالوجلِ

قالت : أكلُّ الذي قد قلت في رجلٍ؟

فقلت : كلُّ الذي قد قلت في رجلِ

قالت : فمن هو هذا الفرد سمّه لنا؟

فقلت : ذاك أمير المؤمنين علي

٨٦

الفصل الخامس

بعد أن وضعت الحرب أوزارها ظهر عاشوراء حيث ارتكب أزلام بنو أُميّة أبشع المآسي وأوجعوا قلب رسول الله صلى الله عليه واله بسفكهم للدماء الزاكية لأهل البيت عليهم السلام أخذوا النساء والأطفال ومعهم الإمام السجّاد عليه السلام الذي كان عليلاً أُسراء إلى الكوفة.

وبعد أن نزل الأُسراء الكوفة بعث ابن زياد اللعين إلى يزيد الطاغية يستأذنه في بعث القافلة إلى الشام ولمّا أذن اللعين قادوا أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام إلى الشام وذلك عبر طريق الموصل.

وقد أمر ابن زياد اللعين كلّ من : زجر بن قيس ، ومحض بن أبي ثعلبة ، وشمر بن ذي الجوشن ، أن يقودوا الأسارى والرؤوس مع خمسة آلاف فارس نحو الشام ، التي دخلها ركب الأُسارى في اليوم الأوّل من شهر صفر المظفّر.

والآن لا بأس أن نذكر المآسي والحوادث المفجعة التي جرت على أهل البيت عليهم السلام خلال هذه المسيرة الطويلة.

1 ـ في جنب الفرات : أمر شمر بن ذي الجوشن الذي كان رئيس القافلة أن يقيّد الإمام السجّاد بالأغلال فوق النياق الهزلة وأن تجعل النساء والأطفال في الأكوار المكشوفة وأن توضع رؤوس الشهداء فوق الرماح العالية. وبعد أن سارت القافلة مسافة من الطريق نزلوا إلى جانب الفرات وجعلوا الرؤوس الشريفة على حائط إحدى الخربات وعمدوا اللعب بالقمار واللهو وشرب الخمر.

وفي ذلك الأثناء رأوا أنّ يداً ظهرت من فوق رأس سيّد الشهداء عليه السلام وكتبت بالدم على الحائط :

أترجوا أُمّة قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب؟!

٨٧

ولمّا أسرع القوم ليلقوا القبض على هذه اليد لم يجدوا شيئاً ، فعادوا إلى مكانهم وانشغلوا بفسادهم ولهوهم تارةً أُخرى ، وبعد لحظات ظهرت اليد مرّة أُخرى وكتبت بالدماء الزاكية :

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فأسرع القوم من جديد ليأخذوا أمامها إلّا أنّهم لم يجدوا شيئاً ، وحينما عادوا إلى لعبهم سمعوا هاتفاً يقول :

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأُمم

بعترتي وبأهلي عند مفتقدي

منهم أُسارى ومنهم ضرّجوا بدم(1)

2 ـ تكريت : كانت تكريت المنزل الثاني لأهل البيت عليهم السلام ، فلمّا وصلت القافلة قريباً منها بعثوا بعضهم ليخبروا أهل المدينة ويأمروهم كي يأتوا ويستقبلوا الأُسارى ، فأقبل أهل تكريت فرحين ، وكان في تكريت بعض النصارى فتساءلوا من الناس : ما الخبر؟ ومن هؤلاء؟ فقالوا : لقد جيء برأس الحسين مع الأسارى من أهل بيته؟

فقال النصارى : وأي حسين هذا؟

قالوا : الحسين بن فاطمة بنت رسول آخر الزمان.

وإذا بالنصارى يضجرون ويتألّمون لهذا المصاب ويقولون لهم : الويل لكم قتلتم ابن بنت نبيّكم؟!

ثمّ إنّهم ذهبوا إلى كنائسهم وضربوا نواقيسهم وأخذوا يبكون ويبرؤون من هذا العمل ويلعنون أهله.

__________________

(1) راجع مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي ج 2 ص 105 ـ 106 ، ذخائر العقبى ص 145 ، ورواه ابن المغازلي في المناقب ص 388 رقم 442 ، وقال محقّق كتاب ابن المغازلي «البهبودي» : أخرجه العلّامة الطبراني في المعجم الكبير ص 147 ، كفاية الطالب ص 291 ، مجمع الزوائد ج 9 ص 199 ، تاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 13 ، الخصائص الكبرى ج 2 ص 127 ، الاتحاف بحبّ الأشرف ص 23 ، نظم درر السمطين ص 219 ، تاريخ دمشق ج 14 ص 244 ، نفس المهموم ص 422.

٨٨

3 ـ وادي النخلة : ثمّ إنّ القافلة خرجت من تكريت ووصلت إلى وادي النخلة ، وقد سمعوا في هذا الوادي ضجّة عظيمة ونياحة شديدة إلّا أنّهم لم يكونوا يرون أحداً ، وقد سمعوا شخصاً يقول :

مسح النبي جبينه ولو يريق في الخدود

أبواه من عليا قريش وجدّه خير الجدود

وكان شخص آخر يقول :

ألا ياعين جودي فوق جدّي

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا

إلى متجبّر بالملك عبدي

4 ـ المرشاد : ثمّ إنّ القافلة تحرّكت من وادي النخلة ووصلت إلى المرشاد فجاء أهل المحلّة نساءً ورجالاً لاستقبال القافلة ، ولمّا شاهدوا الأسارى اعتلى بكاءهم وأنينهم وصياحهم وحملوا على قتلة سيّد الشهداء.

5 ـ الحرّان : لمّا وصلت القافلة إلى مشارف الحرّان كان هناك يهودياً اسمه يحيى الخزاعي واقفاً على سطح عالي جدّاً فرأى دخول الأسارى ولذلك نزل ليتفرّج عليهم ويشاهد حالهم ، ولمّا دنا من القافلة شاهد الرأس الشريف يتلو قوله تعالى :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (1) فتعجّب من هذا المنظر المذهل وتساءل قائلاً : هذا الرأس لمن؟

فقالوا له : إنّه رأس الحسين بن علي ، فقال لهم : ومَن أُمّه؟ قالوا : فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه واله.

فقال اليهودي : لو لم يكن دينه حقّ لما بدت منه هذه الكرامة المذهلة ، فأسلم يحيى وخلع عمامته ومزّقها قطعة قطعة ثمّ ناولها للعلويات المخدّرات ، ثمّ بعث ثوباً من الخز كان يرتديها إلى الإمام زين العابدين عليه السلام ومعها الف درهم ليصرفها في حاجته.

فصاح جلاوزة ابن زياد به وقالوا له : أيّها اللعين أتعين أعداء الخليفة؟!

__________________

(1) سورة الشعراء : 227.

٨٩

ابتعدوا وإلّا قتلناك ، فحمل يحيى السيف وقاتلهم قتال الأبطال ثمّ قتل شهيداً بعد أن قتل منهم خمسة أفراد. وقد دفن يحيى في دروازه حران ومقبرته معروفة اليوم باسم مقبرة الشهيد وهي محلّ لاستجابة الدعاء.

بنفسي رأس الدين ترفع رأسه

رفيع العوالي السمهرية ميد

تخاطبه مقروحة القلب زينب

فتشكو له أحوالها وتعيد

أخي كيف ترضى أن نساق حواسراً

وتسلب أبرادٌ لنا وعقود؟

أخي أترضى أن نساق أذلّة

ويطمع فينا شامت وحسود؟

أخي إنّ قلبي بات للوجد عنده

مواثيق لم تنقض لهنّ عهود

إذا رمت إخفاء الدموع فللجوى

مع الدمع منّي سائق وشهيد

6 ـ نصيبين : ولمّا وصلت القافلة إلى نصيبين بعث شمر اللعين من يخبر أمير المدينة ليأمر بتزيين المدينة فرحاً بمجيىء أسارى أهل البيت عليهم السلام.

وما أن خرج أمير المدينة المسمّى بـ «المنصور بن الياس» لاستقبال القافلة إذا بصاعقة تنزل وتحرق نصف المدينة وقد احترق كلّ من في هذا النصف من المدينة فاغتمّ أميرها بشدّة وخشي من غضب الله تعالى ولذلك أمر قوّاد القافلة بالخروج فخرجوا من المدينة بسرعة وهم يجرّون أذيال الخزي والعار.

7 ـ المدينة المجهولة : ثمّ إنّ القافلة وصلت إلى مدينة جديدة لم يذكر المؤرخون اسمها وقد كان اسم واليها سليمان بن يوسف وكان له أخوان : أحدهما قتل في معركة صفّين بيد أميرالمؤمنين عليه السلام والآخر كان شريكه في رئاسة هذه المدينة.

وعلى أيّة حال فقد أمر سليمان بالرؤوس أن تدخل من دروازة الرئيس إلّا أنّ أخيه خالفه في ذلك فاحتدّ النزاع بينهما وآل الأمر إلى المقاتلة ، فقتل سليمان وعمّت الفوضى في المدينة وخاف الشمر وأتباعه من هذه الحالة فخرجوا من المدينة بسرعة.

يا أُمّة السوء لا سقياً لربعكم

يا أُمّة لم تراع جدّنا فينا

لو أنّنا ورسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا؟

٩٠

تسيّرونا على على الأقتاب عارية

كأنّنا لم نشيّد فيكم دينا

تصفّقون علينا كفّكم ضرباً

وأنتم في فجاج الأرض تسبّونا

أليس جدّي رسول الله ويلكم

أهدى البريّة من سبل المضلّينا؟

8 ـ حلب : يوجد بقرب مدينة حلب جبل يسكنه اليهود كانوا يعيشون في قلعة مهيبة ومحكمة. وقد كانت حرفتهم هي الحياكة علماً أنّ حياكتهم كانت معروفة بالنعومة عند أهل الحجاز والعراق والشام.

وكان في ساحل الجبل والي يدعى عزيز بن هارون كان رئيس اليهود ، قيل أنّهم جاءوا بالقافلة إلى هذه المدينة لترعى النياق من العلف وترتوي من الماء.

عتيقة الإمام الحسين عليه السلام

نقل البعض فقال : عندما نزلت قافلة الأُسارى هذه المدينة وبعد أن أرخى الليل سدوله جاءت إحدى الجواري إلى الأسارى وتعرّفت على مولاة لها في أيّام سيّد الشهداء عليه السلام البعض يقول : إنّ سيّدة الجارية هي شهر بانو ، وكما يبدو أنّ ذلك ليس بصحيح ولعلّها كانت الرباب.

وما أن رأت هذه الجارية مولاتها سابقاً وهي على هذه الحال من الأسر والملابس الرثّة حتّى أخذت تبكي ، فتساءلوا منها : لماذا تبكين؟ قالت : أنا لا أنسى عناية سيّد الشهداء عليه السلام الخاصّة بي وكيف أنّ السيّدة شهر بانو أهدتني إليه لأكون في خدمته إلّا أنّه عليه السلام أعتقني في سبيل الله ، ولمّا رأت السيّدة شهر بانو ذلك من سيّد الشهداء عليه السلام أهدتني خلعة نفيسة جدّاً ، فالتفت إليها سيّد الشهداء عليه السلام قائلاً : لقد أعتقت الكثير من الجواري ولم تصنعي مع إحداهنّ هكذا؟

قالت : أُولئك عتقائي وهذه عتيقتك يا أبا عبدالله ولابدّ أن يكون هناك فرق بين عتقائي وعتقائك.

فدعا لها سيّد الشهداء عليه السلام وبقيت الجارية عند شهربانو مدّة من الزمن إلى اليوم الذي فارقت المدينة واليوم وبعد هذه المدّة الطويلة التقت بالأسارى وشاهدتهم على

٩١

هذه الحالة المأساوية فتذكّرت تلك الأيّام الجميلة ولذلك ذهبت وأعدّت لهم الثياب الجيّدة وجاءت بها ليلاً لتقدّمها لهم.

وحيث إنّ الأسارى كانوا محاصرين فقد استأذنت شيرين أحد رؤوساء القبيلة التي نزلت القافلة عندهم وكان يدعى «عزيز» كي يسمح لها في مساعدة الأُسارى ، وإذا به يستاءل منها قائلاً : أنت شيرين؟ فقالت : نعم ، من أين عرفت اسمي؟

قال : لقد شاهدت في الرؤيا نبي الله موسى ووصيّه هارون عليه السلام حفاة حاسرين باكيان فسلّمت عليهما وتساءلت قائلاً : ما الخطب؟ ولماذا تبكيان هكذا؟ فقالا : لقد قتل الحسين بن علي عليهما السلام واحتزّوا رأسه وطافوا به وعياله البلاد وقد أُودع الرأس الشريف في أحد الجبال.

يقول عزيز : فتساءلت من نبي الله موسى عليه السلام قائلاً : أنت تعتقد بنبوّة محمّد؟! قال : نعم ، إن محمّداً نبي حقّاً وقد أخذ الله تعالى من الأنبياء قاطبة ميثاقاً بأن يعتقدوا به وكلّ من يعرض عنه فنحن منه براء.

يقول عزيز : فطالبت نبي الله موسى عليه السلام ببعض العلائم لأطمئن بما جرى ، فقال : اذهب الآن خلف القلعة ستجد جارية اسمها شيرين عتقها الإمام الحسين عليه السلام استقبلها وأبلغها سلامي وأعلن إسلامك أمامها وهي التي ستأخذك إلى الرأس الشريف. وبالفعل فقد أخذت شيرين الثياب والطعام والطيب وأخذ عزيز الف درهم أعطاها للحرّاس كي لا يمانعوا وصولهم إلى الأسارى.

كما قدّم عزيز الفين درهماً إلى الإمام السجّاد عليه السلام وأسلم على يديه ثمّ دنا من الرأس الشريف وقال : السلام عليك يابن رسول الله ، أشهد إنّني رأيت جدّك خاتم الرسل وإلى جانبه نبي الله موسى وقد أبلغاك سلامهما ، وإذا بالرأس الشريف يجيب السلام بكلّ فصاحة قائلاً : وسلام الله عليّ.

فقال عزيز : سيّدي ارض عنّي واشفع لي عند جدّك رسول الله صلى الله عليه واله ، وإذا بالرأس الشريف يجيب : لقد رضي رسول الله صلى الله عليه واله عنك لإسلامك كما رضي أبي علي وأُمّي

٩٢

فاطمة عليهما السلام عنك لاهتداءك إلى مذهب الحقّ كما إنّي قد رضيت عنك وإنّ سلامك عليَّ كان سبباً لسروري.

وما هي إلّا لحظات وإذا بسيّد الساجدين عليه السلام يعقد عزيز على شيرين وقد آمن كافّة أهل القلعة جرّاء هذه الواقعة.

9 ـ دير النصراني : ثمّ إنّ القافلة تحرّكت نحو الدير وقد كان مع عسكر القافلة أبو سعيد الشامي وهو الذي نقل القضية التالية فقال : بلغ شمر بن ذي الجوشن خبراً أنّ نصر الحزامي قد أعدّ جيشاً ضخماً وهو يريد أن يسطو عليكم ليلاً ليأخذ الرؤوس المباركة ، ولذا اضطرب رؤساء العسكر وأخذوا يتباحثون حول حلّ هذه المشكلة فصمّموا أن يلوذوا إلى الدير ويحتموا به.

وحينما قرب الشمر وأتباعه من الدير إذا بأحد القساوسة يطلّ عليهم من وراء الجدار ويتساءل منهم عن سبب مجيئهم إلى الدير ، فقال له شمر : إنّنا من عسكر ابن زياد وقد جئنا من العراق إلى الشام ، فتساءل القس قائلاً : ولأي شيء جئتم؟ فقال الشمر : خرج رجل على يزيد فبعث إليه جيشاً جرّاراً ليقاتلوه وقد جئنا الآ برأسه ورؤوس أصحابه وقدنا حرمه كأُسارى إلى يزيد ، فقال القس : دعوني أنظر إلى الرؤوس ، ولمّا جاءوا إليه بها وقع نظره على رأس سيّد الشهداء عليه السلام ورأى النور الساطع من رأسه المبارك فأخذته حالة عجيبة من الهيبة والإجلال لهذا الرأس الطاهر وقال لهم : إنّ هذا الدير لا يسعكم جميعاً ، فإذا كان ولابدّ فأدخلوا الرؤوس والأسارى وابقوا أنتم خلف الجدار لتحرسوا القافلة ، فربما حمل عليكم العدو على حين غفلة وأنتم لا تعلمون ، ولا داعي أن تقلقوا على الأُسارى والرؤوس فإنّهم في حمايتنا وحراستنا.

فاستحسن الشمر هذا الاقتراح وقدّم إليه الرؤوس وسمح للقافلة التي يتقدّمها سيّد الساجدين عليه السلام بالدخول إلى الدير ، ثمّ إنّه جعل الأسارى في مكان مناسب وأودع الرؤوس في حجرة خاصّة ، وفي منتصف الليل مرّ على الرؤوس الشريفة فشاهد نوراً يسطع إلى السماء من رأس سيّد الشهداء عليه السلام وما هي إلّا لحظات إذا بسقف الغرفة ينفلق

٩٣

وتدخل امرأة كانت مجلّلة كانت جالسة على عرش من نور والهاتف يقول : «طرّقوا رؤوسكم ولا تنظروا».

يقول القس : حقّقت النظر وإذا بحواء أُمّ البشر ، وهاجر زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام وأُمّ نبي الله إسماعيل عليه السلام ، وراحيل أُمّ نبي الله يوسف عليه السلام ، وأُمّ موسى عليه السلام ، وآسية زوجة فرعون ، ومريم بنت عمران أُمّ نبي الله عيسى عليه السلام ، وبعض زوجات النبي صلى الله عليه واله قد أقبلن وأخذن الرأس المبارك من الصندوق وهنّ باكيات نائحات فبقين على هذا الحال ساعة ثمّ زرن سيّد الشهداء عليه السلام وأرجعن الرأس إلى الصندوق.

وبينما هم على هذا الحال إذا بضجّة واضطراب تعمّ الحجرة فنزل عرش نوراني آخر وإذا بهاتف يقول : غضّوا أبصاركم فإنّ شفيعة المحشر الصدّيقة الزهراء عليها السلام ستأتي ، لا شعورياً ارتعشت فرائصي وأُغمي عليّ. وبالرغم من ذلك إلّا أنّني كنت أسمع بين تلك الضجّة صوت امرأة حزينة تنادي : السلام عليك يا ولدي أيّها المظلوم ، أيّها الشهيد ، أيّها الغريب ، يا نور عيني ، فداك أُمّك يا أباعبدالله ، ولدي عزيزي سيأتي ذلك اليوم الذي ينتقم فيه لثارك من أعداءك.

ولمّا رجع أكبر القساوسة إلى وعيه تطهّر ولبس أطهر ثيابه واتّخذ من الطيب أحسنه ودخل الغرفة التي فيها الرؤوس الشريفة وأخرج رأس سيّد الشهداء عليه السلام من الصندوق وغسّله بالكافور والمسك والزعفران ثمّ وضعه باتّجاه القبلة ووقف أمامه وقال : أيّها الرأس الشريف ، إنّني أعلم أنّك رأس من مدحهم الله تعالى في التوراة والانجيل إلّا أنّني أُقسم عليك بالله العظيم الذي حباك بهكذا منزلة إلّا ما كلّمتني وعرّفتني على نفسك.

فنطق الرأس الشريف بلسان فصيح قائلاً : أنا المظلوم وأنا المغموم وأنا المهموم ، أنا المقتول بسيف الجفا ، أنا المذبوح من القفا.

ومع ذلك لم يكتف كبير القساوسة بهذا البيان وطلب من الرأس الشريف أن يعرّف نفسه أكثر ، وإذا بالرأس ينطق بكلّ فصاحة : أنا ابن محمّد المصطفى صلى الله عليه واله أنا ابن علي المرتضى عليه السلام أنا ابن فاطمة الزهراء عليها السلام أنا الحسين الشهيد المظلوم بكربلاء.

٩٤

فهاج الحزن بالراهب من هذه الكلمات وضجّ بالبكاء وأخذ الرأس الشريف وقبّله وجعله على وجهه وهو يقول : لن أُفارقك أبداً حتّى تضمن لي الشفاعة يوم القيامة.

وإذا بصوت من الرأس يهتف قائلاً : أوّلاً أُدخل في دين جدّي رسول الله صلى الله عليه واله حتّى أشفع لك ، وإذا بالقس يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه واله. ثمّ أنّه جمع جميع القساوسة وقصّ عليهم قصّته ودعاهم إلى الدخول في الدين الإسلامي فأسلموا جميعاً وكان عددهم سبعين رجلاً وكانوا قد بكوا جميعاً لمصيبة سيّد الشهداء عليه السلام ، ثمّ إنّهم ارتدوا ثياب السواد حزناً على سيّد الشهداء عليه السلام بل إنّهم جاءوا جميعاً إلى الإمام السجّاد ليعزّوه وأعلنوا إسلامهم أمامه بعد أن كسّروا نواقيسهم وطبلوا من الإمام عليه السلام أن يأذن لهم في مقاتلة هؤلاء اللعناء ويطلبوا بثأر أبيه سيّد الشهداء عليه السلام إلّا أنّه عليه السلام لم يأذن لهم وقال : إنّ الله عزّوجلّ سينتقم منهم لا محالة(1) .

10 ـ عسقلان : وفي الصباح ـ بعد أن نام شمر بن ذي الجوشن وجماعته خارج الدير ـ تحرّكوا برفقة الأسارى والرؤوس نحو عسقلان وكان أمير هذه المدينة «يعقوب العسقلاني» حاضراً في معركة كربلاء وشارك في جناياتها.

ولذا فإنّه ريثما وصل إلى المدينة أمر بتزيينها وتعطيل الأسواق وأن يجلبوا الملاهي ووسائل الطرب والغناء خارج المدينة فرحاً بهذه المصيبة العظمى ، ثمّ جلس هو وأعوانه مسروراً جذلاً شامتاً بمقتل أهل البيت عليهم السلام وكان الناس يباركون لبعضهم البعض هذا العيد.

ومن سوء الصدف أنّ أحد التجار وهو زرير الخزاعي كان واقفاً يشاهد ما جرى فتساءل من الناس عن الخبر ، فقالوا له : شخص في العراق خرج على يزيد فبعث إليه ابن زياد جيشاً جرّاراً قتلوه وجاءوا برأسه وأهل بيته أُسارى إلى مدينتنا اليوم ويتحرّك

__________________

(1) راجع : تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 236 ـ 237 ، مقتل الخوارزمي ج 2 ص 115 ـ 116 ، مدينة المعاجز ج 4 ص 146 ، العوالم ج 17 ص 417 ، البحار ج 45 ص 172 مع اختلاف يسير معها.

٩٥

قافلتهم غداً نحو الشام.

فتساءل زرير الخزاعي : وهل كان هذا الشخص مسلماً؟ فقالوا : كان من أكابر المسلمين ، ولمّا تساءل عن سبب خروجه قالوا له : كان يدّعي أنّه ابن رسول الله صلى الله عليه واله وأنّه أحقّ بالخلافة من يزيد ، فتساءل زرير قائلاً : ومن أُمّه أبوه؟ فقالوا : اسمه الحسين ، وأخيه الحسن ، وأُمّه فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه واله ، وأبوه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وجدّه رسول الله محمّد صلى الله عليه واله.

وما أن سمع زرير هذا الكلام انتفض من مكانه وارتعدت فرائصه وتفايضت عيناه بالدموع ، ثمّ إنّه أوصل نفسه بسرعة ليرى بنفسه الأسارى الذين أدخلوهم المدينة ، وريثما وقعت عيناه على الإمام السجّاد عليه السلام أجهش بالبكاء وارتفعت نياحته وأنينه ، فتساءل منه الإمام السجّاد عليه السلام قائلاً : ممّ بكاءك؟ ألا ترى أهل المدينة فرحين مسرورين؟ فأجابه زرير : سيّدي أنا تاجر غريب في هذه البلاد وقد دخلت المدينة اليوم ، وياليت قدماي قد شلّتا حين دخلتها ، ليت عيناي عميتا قبل أن أراكم على هذه الحالة.

فقال الإمام عليه السلام : كأنّك من محبّينا؟!

قال زرير : سيّدي أنا عبدك مرني فأنا في خدمتك؟

قال الإمام عليه السلام : إذا كان لديك أموال فقدّمها إلى حامل رأس أبي وأمره كي يرفع الرأس الشريف كي ينشغل الناس بالنظر إليه ، فقد خزينا من نظر الخلق إلينا.

فذهب زرير إلى حامل الرأس وأعطاه خمسين أشرفياً فتأخّر عن القافلة وانشغل الناس بالنظر إلى الرأس الشريف.

ثمّ إنّ زرير عاد إلى الإمام عليه السلام ثانية وقال له : سيّدي ألك حاجة أُخرى؟

فقال الإمام عليه السلام : إذا كان لديك شيء من القماش فأتي به لتتستّر بنات محمّد صلى الله عليه واله ، به فذهب مباشرة وجاء بالأخمرة وقدّمها للعائلة وجاء بعمامة للإمام عليه السلام.

وفيما هم كذلك إذا بضجّة ترتفع من بين الناس وكان شمر اللعين يهلهل والناس

٩٦

يهلهلون خلفه ، فذهب زرير إليه ونال منه وقال : شمر! أما تخشى من الله ، هذا رأس ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله على القنا وهذه بنات فاطمة وعلي عليهما السلام أُسارى وأنت تهلهل فرحاً مسروراً.

وإذا باللعين يغضب ويأمر جلاوزته بأخذه فأخذوه وضربوه بشدّة حتّى أُغمي عليه فتصوّروا أنّه قد مات فتركوه.

وفي منتصف الليل استيقظ زرير وأوصل نفسه إلى قبر نبي الله سليمان عليه السلام فوجد جماعة من محبّي أهل البيت عليهم السلام حفاة حاسري الرؤوس قد جلسوا للعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام.

أيعلى على السنان سنان

الرجس رأس الحسين بين الأنام

ثمّ يسري به يأمّ السبايا

قاصداً بالمسير نحوا الشآم

لعن الله آل حرب الكفر

والغدر عابد الأصنام

ويزيد اللعين نسل اللعين

عصبة الكفر والخنا والحرام

وزياداً ونسل آل زياد

وابن سعد اللعين ثمّ حبتر والدلام

زادهم ربّنا إلى لعناً لعناً

سرمديّاً مخلّداً بالدوام

11 ـ بعلبك : ثمّ إنّ قافلة الأُسارى تحرّكت من عسقلان نحو بعلبك ، وكما في المدن السابقة فقد أرسل شمر بعض أعوانه ليأمروا الناس بالخروج بآلات اللهو والطرب لاستقبال القافلة فهبّ الجميع بما فيهم الشيوخ والأطفال وهم يضربون الدفوف فرحين مستبشرين بقدوم القافلة وذلك على بعد ما يقارب ستّة فراسخ خارج المدينة.

والحال أنّ أهل بيت الرسالة عليهم السلام ينظرون إليهم ويتألّمون من أفعالهم بحيث لم تتحمّل السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام هذا المنظر فرفعت يديها بالدعاء وقالت : فرّق الله جمعكم

٩٧

وسلّط عليكم من يقتلكم جميعاً(1) .

ونقل عما الدين الطبري في كامل البهائي ج 2 ص 292 فقال : إنّ حملة رأس سيّد الشهداء عليه السلام عندما خرجوا من الكوفة كانوا خائفين من قبائل العرب فلربما جاءوا وأخذوا الرأس منهم ، ولذا فإنّهم غيّروا مسارهم من العراق واتّخذوا طريقاً آخراً ، وفي أثناء الطريق نزلوا عند إحدى القبائل وطلبوا منها علفاً لدوابهم وأخبروهم أنّ الرؤوس التي معهم هي رؤوس بعض الخوارج ، وقد استمرّوا على هذا النهج حتّى وصلوا إلى بعلبك.

وعلى كلّ فإنّ القاسم بن ربيع والي بعلبك أمر بتزيين المدينة وأمر الناس أن يخرجوا وهم يضربون المزامير والطنابير والدفوف فرحين مستبشرين بقتل سيّد الشهداء عليه السلام وقد استقبلوا الأسارى على هذه الحال وقادوهم إلى المدينة.

ولم تمض سوى سويعات وإذا بالخبر يصل إلى الناس أنّ الرأس الشريف هو رأس سيّد الشهداء عليه السلام فخرج أكثرهم خارج المدينة وأحرقوا الزينة وقد اضطربت المدينة عدّة أيّام جرّاء هذ الفاجعة المؤلمة.

ولمّا رأى حملة الرؤوس اضطراب الأوضاع في بعلبك خرجوا إلى «مرزين» وهي أوّل مدينة من مدن الشام وإذا بنصر بن عتبة اللعين والي يزيد على هذه المدينة يحتفل بهذه المناسبة وينصب الزينة فرحاً ثمّ قضى الليل كلّه بالطرب واللهو فرحاً بمقتل سيّد الشهداء عليه السلام إلّا أنّ فرحته لم تتمّ إذ أنّ صاعقة من السماء نزلت على زينتهم هذه فأحرقتها فاضطرّوا أن يدخلوا الأُسارى إلى الشام.

ورود الأُسارى إلى الشام

يقول الشيخ أبو الحقّ : بينما كان جلاوزة يزيد يطوفون برأس سيّد الشهداء عليه السلام

__________________

(1) بحار الأنوار ج 45 ص 126 ـ 127.

٩٨

في زقاق الشام سقط الرأس الشريف فجأة وإذا بالحائط ينحني ويحتضنه بحيث إنّه لم يصل إلى الأرض ، وقد شيّد في نفس هذا المكان مسجداً ما زال إلى اليوم موجوداً.

وقال أبو الحق أيضاً : ازدحم أهل الشام وتجمّعوا من كلّ حدب وصوب ليتفرّجوا على السبايا من بنات الرسول صلى الله عليه واله يقدمهم الإمام السجّاد عليه السلام الذي كان مقيّداً بالحبال القيود ومن أمامهم الرؤوس الشريفة تتقدّم القافلة ، فوالله ما شاهد أهل الشام أُناس أكثر نورانية ولا أشرف من هؤلاء الأُسارى ثمّ أنّهم أدخلوا القافلة إلى قصر يزيد الطاغية الذي كان ينتظر قدومهم.

وقبل أن يدخلوا القافلة على يزيد أخّروهم على حسب بعض الروايات ثلاث ساعات حتّى أذن لهم الطاغية اللعين بالدخول إلى قصره فأدخلهم خولّه عليه(1) .

وقد نقل عماد الدين الطبري عن دخول الأسارى فقال : ما يقارب على خمسمائة رجل وامرأة خرجوا لاستقبال الأسارى وهم يضربون بالدفوف الطبول بينما كان الكثير من الناس يرقصون فرحاً فضلاً عن الذين اءوا ليتفرّجوا على السبايا(2) .

آه من الشام

ورد في الخبر الشريف أنّ أحدهم سأل من الإمام السجّاد عليه السلام فقال : أي المصائب كانت أشدّ عليكم؟ وإذا بالإمام عليه السلام يجيب ثلاثاً : الشام الشام الشام. أو أنّه قال : آه من الشام قالها ثلاثاً. وفي خبر آخر أنّ الإمام عليه السلام قال للمنذر بن النعمان ما مضمونه : لقد نزلت علينا في الشام سبع مصائب لم نر مثلها من قبل أصلاً منها :

1 ـ أنّ قادة العسكر كانوا يقدوننا في الشام وهم شاهرون سيوفهم حاملون الرماح وكانوا بين الحين والآخر يتجاسرون علينا بكعب الرماح والناس محدقين بنا من كلّ جانب وهم يضربون بالدفوف ويرقصون فرحاً بما يجري علينا.

__________________

(1) تذكرة الشهداء للكاشاني ص 414.

(2) كامل البهائي ج 2 ص 292.

٩٩

2 ـ إنّهم مرّوا بالرؤوس الشريفة بين هوادج المخدّرات وجعلوا رأس عمّي العبّاس عليه السلام مقابل عمّاتي زينب وأُمّ كلثوم ، كما يجعلوا رأس علي الأكبر والقاسم قبال عيني سكينة وفاطمة أُختي ، وكانوا يلعبون بالرؤوس تهوي على الأرض أحياناً وتصبح موطأ لأقدام الخيول.

3 ـ كانت النساء الشاميات فوق السطوح ترمينا بالماء والنار حتّى احترقت عمّاتي وحيث إنّني مقيّد لم أستطع إخماد النيران فوصلت النار إلى رأسي واحترق بألسنة النار.

4 ـ أوقفونا منذ طلوع الشمس إلى قريب الغروب بين المغنّين وأهل اللهو فأصبحنا فرجة للناس الذين كانوا يأتون من كلّ مكان ليتفرّجوا علينا ، وكان أزلام يزيد يقولون لهم : إنّ هؤلاء الناس لا احترام لهم في الإسلام أصلاً.

5 ـ قيّدونا بالحبال ومرّوا بنا إلى جانب منازل اليهود والنصارى وقالوا لهم : هؤلاء الذين قتلوا أبوهم آباءكم في معركة خيبر فهلمّوا وخذوا بثاراتكم منهم. وقد قال الإمام السجّاد عليه السلام أيضاً : يا نعمان فما بقي أحد منهم إلّا وقد ألقى علينا ما أراد من التراب والأحجار والأخشاب.

6 ـ أخذونا إلى سوق النخاسين وأرادوا أن يبيعونا كما يبيعوا العبيد والجواري لو لا أنّ الله عزّوجلّ حال دون ذلك.

7 ـ جعلونا في دار لم يكن لها سقف ، فكانت لا تقينا من الحرّ والبرد(1) .

لهفي لرأس ابن النبي هديّة

لابن الدعي على سنان العامل

لهفي لزين العابدين مكتّفاً

يكبو له يقتاد بين عقائل

لهفي على حرم الحسين يسقن في

ذلّ السبا وما لها من كافل

لهفي لهنّ وقد برزن حواسراً

من بعد قصم أساور وخلاخل

__________________

(1) سوگنامه آل محمّد صلى الله عليه واله نقلاً عن تذكرة الشهداء للملّا حبيب الله الكاشاني ص 412.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

ولكن ابن عطية كان أقعد بالعربية والمعاني من هؤلاء وأخبر بمذهب سيبويه والبصريين، فعرف تطفيف الزجاج مع علمهرحمه‌الله بالعربية وسبقه ومعرفته بما يعرفه من المعاني والبيان! وأولئك لهم براعة وفضيلة في أمور يبرزون فيها على ابن عطية، لكن دلالة الألفاظ من جهة العربية هو بها أخبر، وإن كانوا هم أخبر بشيء آخر من المنقولات أو غيرها!!

وقد بين سبحانه وتعالى أن المسيح وإن كان رسولاً كريماً فإنه عبد الله، فمن عبده فقد عبد ما لا ينفعه ولا يضره!

قال تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم، وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار. انتهى.

مناقشة تفسيرهم للآيات

يلاحظ على تفسيرهم للآيات:

أولاً: أنهم ابتعدوا عن سياق الآية ومصبها، وهو المقابلة بين المشركين الذين يدعون من يزعمون، وبين المؤمنين الذين يدعون ربهم ويبتغون اليه الوسيلة!!

فقد قال سبحانه لرسوله ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ).

ثم مدح الذين يقابلونهم فقال ( أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه )...

فالسياق تحدٍ للمشركين بأن آلهتهم المزعومة لا تستطيع أن تكشف الضر عنهم وأنهم بالحقيقة لايدعون من دون الله شيئاً، بل أوهاماً..

ثم قابلهم بالذين يدعون الله تعالى ويتوسلون اليه، فهؤلاء الذين يدعون الحق بحق، وعبر عنهم بأولئك تعظيماً لهم.

٣٤١

وبذلك تتم المقابلة وتكون ( أولئك ) استئنافاً جديداً تاماً، والضمير فيها للشأن، ولا ربط له بالآية السابقة، حتى يعود على شيء منها، كما تمحلوا!!

أما هم فقد جعل التقابل بين المشركين وبين بعض من يعبدونهم من الأنبياء.. وهو تقابلٌ ضعيفٌ بعيدٌ!! لو سلم من الاشكالات لا يتبادر الى الذهن.

وقول الجبائي إن المقصود ب ( أولئك ) هم الأنبياء المذكورون في الآية السابقة، أقرب من أقوالهم الى الصحة، ولكن لفظ ( أولئك ) مطلقٌ شاملٌ لكل العابدين لله، ولا دليل على حصره بالأنبياءعليهم‌السلام ، وإن كانوا سادتهم.

ثانياً: إرجاعهم ضمير ( أولئك ) الى المعبودين المزعومين من دون الله خلاف الظاهر، لأن ضمير هؤلاء المزعومين خفي، والضمير البارز فيها ضمير العابدين المخاطبين، فلو كان يريد المزعومين لقال ( أولئك الذين تدعونهم أو تزعمونهم ) أو ذكر إشارةً تدل على قصدهم، وعدم قصد العابدين المخاطبين!

ثالثاً: أن المعبودين المزعومين فيهم الصالح والطالح والجماد، ففيهم الأنبياء مثل عزير وعيسى، وفيهم الملائكة والجن، والشمس والقمر والنجوم والأصنام، وبقية المعبودات.. وصفات المدح لـ ( أولئك ) تمنع رجوع الضمير الى المعبودين جميعاً! وكيف يصح عود الضمير على بعض العام المعهود بدون قرينة؟!

ولعمري إن هذا الضعف في إرجاع الضمائر لا وجود له في القرآن، ولا في كلام فصحاء العرب!! وهو كاف لتضعيف ما روي عن ابن مسعود وغيره!

رابعاً: ما رووه عن ابن مسعود وغيره من أن قوماً من العرب كانوا يعبدون الجن فآمن الجن وبقي عبَّادهم مشركين.. الخ.. فنزلت الآية..

هذه الوجوه ليست حديثاً بل هي أقوالٌ لو تم سندها لبقي تعارضها!

ولو سلمنا ارتفاع تعارضها، فهي سببٌ لنزول الآية لا أكثر، والسبب الخاص لا يخصص الوارد العام، وصيغة الآية عامة ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه.. ) وهو يشمل كل الذين زعموا، فلا مبرر لتخصيصها ببعضهم!

٣٤٢

خامساً: إن ضمير العاقل في ( أيهم أقرب ) ينقض تفسيرهم، فقد جعلوا أيهم بدل جزء من كل من الفاعل، ليبعدوه عن المتوسل بهم ويجعلوه صفةً للمتوسلين، فصار المعنى عندهم: يبتغي الوسيلة منهم من كان أقرب وسيلةً الى ربه، فكيف بالأبعد وسيلة!!

وذلك كمن يقول ( أولئك يقاتلون عدوهم حقاً أيهم أشجع من غيره! ) ويقصد القائل أن الأشجع منهم يقاتل، فكيف بالأضعف!! وهو كلام بعيدٌ عن البلاغة بل عن الفصاحة حتى في كلام المخلوقين، فكيف نسبوه الى كلام الخالق سبحانه؟ !!

ولعل هذا هو السبب في أن بعض مفسريهم كالفخر الرازي هرب من تفسير ( أيهم أقرب ) ومر عنها كأنها لا وجود لها!!

سادساً: أن ضمير ( أيهم ) يعود على ( أولئك ) وما داموا أرجعوا ضمير أولئك على المعبودين المزعومين، فيجب أن يرجعوا ضمير أيهم اليهم!

فيكون المعنى عندهم: أن المتوسل بهم الممدوحين هم من بين المعبودين المزعومين، فيكون التوسل بالإشخاص ممدوحاً، ويكون منحصراً بالأنبياء المعبودين كعيسى وعزيراً! وهذا خلاف مذهبهم!!

سابعاً: أن فعل ( يبتغون ) ينقض تفسيرهم، لأنه يدل على البحث والتحري، ويطلب مفعولاً! و( أيهم أقرب ) هو أقرب مفعول اليه، فحق ( أي ) أن تكون منصوبة على المفعولية، لا مرفوعة بدلاً عن الفاعل بدل جزء من كل كما زعموا!

ولكنهم أغمضوا عيونهم عن ( يبتغون ) وتركوها بلا مفعول، ليحصروا التوسل بالأعمال دون الذوات!!

وهكذا.. يتضح لك أن التفسير الذي قدمناه هو الوحيد الخالي عن الإشكال.. وهو نصٌّ في مشروعية التوسل بالأشخاص الأقرب وسيلة الى ربهم، وأنه من صفات المؤمنين عبر التاريخ وسيرتهم.. وهذا إقرارٌ شرعي له في الإسلام.

٣٤٣

وهو يتفق مع أحاديثنا الصحيحة التي تنص على أن الله تعالى جعل الوسيلة اليه في هذه الأمة بل قبلها، محمداً وآله صلى الله عليهم.

علي أقرب الخلق وسيلة الى الله

أقرب الخلق وسيلة الى الله تعالى هو سيد المرسلين محمدٌ، ومعه آله الذين أمرنا بالصلاة عليهم معه، صلى الله عليه وعليهم.

ولذلك لا تجد في جميع مصادر الحديث السنية والشيعية أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف أحداً بأنه أقرب الخلق وسيلةً الى الله تعالى بعده، إلا علياًعليه‌السلام ، وهي حقيقةٌ مهمة شاء الله تعالى أن ترويها عائشة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

قال القاضي النعمان في شرح الأخبار: ١/ ١٤١:

عن مسروق، قال: دخلت على عائشة فقالت لي: يا مسروق: إنك من أبرِّ ولدي بي، وإني أسألك عن شيء فأخبرني به.

فقلت: سلي يا أماه عما شئت.

قالت: المخدج من قتله؟

قلت: علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

قالت: وأين قتله؟

قلت على نهر يقال لأعلاه تامرا، ولأسفله النهروان بين أحافيف ( أخافيق ) وطرق .

فقالت: لعن الله فلاناً، تعني عمرو بن العاص فإنه أخبرني أنه قتله على نيل مصر!

قال مسروق: يا أماه فإني أسألك بحق الله وبحق رسوله وبحقي فإني ابنك، لما أخبرتني بما سمعت من رسول الله فيهم.

قالت: سمعته يقول فيهم ( أهل النهروان ): هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم الى الله وسيلة.

٣٤٤

قال مسروق: وكان الناس يومئذ أخماساً، فأتيتها بخمسين رجلاً عشرة من كل خمس، فشهدوا لها أن علياً قتله!!

وقال في هامشه:

وفي المناقب لابن شهر آشوب ٣/٦٧: عن الدارمي بإسناده عن الأصبغ بن نباتة وعن جميع التميمي كليهما عن عائشة: أنها لما روت هذا الخبر، قيل لها: فلم حاربتيه؟ قالت: ما حاربته من ذات نفسي إلا حملني طلحة والزبير. وفي رواية: أمرٌ قدر وقضاءٌ غلب.

وذكر فضل بن شاذان المتوفي ٢٦٠ هـ في الإيضاح/٨٦: عن أبي خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: لعن الله عمرو بن العاص ما أكذبه! لقوله: أنه قتل ذا الثدية بمصر.

وروى البحراني في غاية المرام/٤٥١ الباب الأول الحديث ٢١ نقلاً من كتاب صفين للمدائني عن مسروق: أن عائشة قالت له - لما عرفت -: من قتل ذي الثدية؟ لعن الله عمرو بن العاص، فإنه كتب إليَّ يخبرني أنه قتله بالاسكندرية، إلا أنه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله، سمعته يقول: يقتله خير أمتي من بعدي.

ورواه في شرح الأخبار: ١/٤٣٠، وفي هامشه:

رواه ابن المغازلي في المناقب/٥٥ عن أحمد بن محمد بن عبدالوهاب بن طاوان، عن الحسين بن محمد العلوي، عن أحمد بن محمد الجواربي، عن أحمد بن حازم، عن سهل بن عامر البجلي، عن أبي خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قالت عائشة: يا مسروق إنك من ولدي، وإنك من أحبهم إليّ، فهل عندك علم من المخدج؟

قال قلت: نعم، قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان، بين أحفاق وطرفاء.

٣٤٥

قالت: إبغني على ذلك بينة، فأتيتها بخمسين رجلاً من كل خمسين بعشرة - وكان الناس إذ ذاك أخماساً - يشهدون أن علياًعليه‌السلام قتله على نهر يقال لأعلاه تأمرا ولأسفله النهروان بين أخفاق وطرقاء.

فقلت: يا أمه، أسألك بالله وبحق رسول الله وبحقي فإني من ولدك، أي شيء سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه؟

قالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: هم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم الى الله وسيلة. انتهى.

ورواه في شرح الأخبار: ٢/٥٩، وفيه:

قال: ثم ذكرت لها أن علياًعليه‌السلام استخرج ذا الثدية من قتلى أهل النهروان الذين قتلهم، فقالت: أذا أتيت الكوفة فاكتب إليّ بأسماء من شهد ذلك ممن يعرف من أهل البلد.

قال: فلما قدمت الكوفة، وجدت الناس أسباعاً، فكتبت من كل سبع عشرة ممن شهد ذلك ممن نعرفه، فأتيتها بشهادتهم.

فقالت: لعن الله عمرو بن العاص، فإنه زعم هو قتله على نيل مصر. انتهى.

وقال المفيد في الارشاد: ١/٣١٧:

وقالعليه‌السلام وهو متوجه الى قتال الخوارج: لولا أني أخاف أن تتكلوا وتتركوا العمل لأخبرتكم بما قضاه الله على لسان نبيه فيمن قاتل هؤلاء القوم مستبصراً بضلالتهم. وإن فيهم لرجلاً مودون اليد له ثدي كثدي المرأة، وهم شر الخلق والخليقة وقاتلهم أقرب خلق الله الى الله وسيلة.

ولم يكن المخدج معروفاً في القوم، فلما قتلوا جعلعليه‌السلام يطلبه في القتلى ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت! حتى وجد في القوم وشق قميصه، وكان على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعرات، إذا جذبت انجذبت كتفه معها، وإذا تركت رجع كتفه الى موضعه، فلما وجده كبَّر وقال: إن في هذا لعبرةً لمن استبصر.

٣٤٦

وفي بحار الأنوار: ٣٨/٩:

تاريخ الخطيب: روى الأعمش، عن عدي، عن زر، عن عبيدالله، عن عليعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يقل علي خير البشر فقد كفر.

وعنه في التاريخ بالاسناد عن علقمة عن عبدالله قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد. الطبريان في الولاية والمناقب بإسنادهما الى مسروق عن عائشة: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم الى الله وسيلة. أي المخدج وأصحابه.

وفي هامش اختيار معرفة الرجال: ١/ ٢٣٩:

ومن المتفق عليه لدى الجميع أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في المخدج ذي الثدية: يقتله خير الخلق والخليفة.

وفي رواية يقتله خير هذه الأمة، وفي روايات جمة عن عائشة قالت: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: هم - أي المخدج وأصحابه - شر الخلق والخليقة، يقتله خير الخلق والخليقة، وأقربهم الى الله وسيلة.

رواه الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد ٦/٢٣٩، راجع في ذلك:

إحقاق الحق: ٨/٤٧٥ - ٥٢٢، ومسلم في صحيحه ٣/١١٢ طبعة محمد علي، وأحمد بن حنبل في مسنده ٣ /٥٦، والبخاري في صحيحه ٤/٢٠٠ الطبعة الأميرية، والنسائي في الخصائص: ٤٣ طبعة مصر.

ومن طرق عديدة عنها عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هم شر الخلق والخليقة يقتلهم سيد الخلق والخليقة، وفي أخبار كثيرة أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليعليه‌السلام : وإنك أنت قاتله يا علي.

ثم قد أطبقت الأمة على أن علياًعليه‌السلام قد قتله يوم النهروان، وأخبر الناس بذلك، وقد كانعليه‌السلام يخبر به وبصفته من قبل، ثم استخرجه من تحت القتلى فوجدوه على ما كان يذكر فيه من صفته، فكبر الله وقال: صدق الله ورسوله وبلغ رسوله.

٣٤٧

وفي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من صحاحهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال فيه: إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون الكتاب لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، يخرجون على خير فرقة من الناس.

وكان أبو سعيد الخدري يقول: أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وقتلهم وأنا معه، ثم من بعد القتال استخرجوا من بين القتلى من هذه صفته فجاؤوا به اليه، فشاهدت فيه تلك الصفات. انتهى.

الترابط بين الوسيلة والوصية

في بصائر الدرجات/٢١٦:

حدثنا أبو الفضل العلوي قال: حدثني سعيد بن عيسى الكربزي البصري، عن ابراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن شريك بن عبد الله، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي تمام، عن سلمان الفارسيرحمه‌الله ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى: قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب، فقال: أنا هو الذي عنده علم الكتاب، وقد صدقه الله وأعطاه. والوسيلة في الوصية ولا تخلو أمةٌ من وسيلة الى الله، فقال: يا أيها الذين آمنو اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة.

الشيعة وسيلة الى الله يوم القيامة

في علل الشرائع: ٢/٥٦٤:

باب العلة التي من أجلها يكره تكليف المخالفين للحوائج:

حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن ادريس، عن حنان، قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: لا تسألوهم فتكلفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة.

وبهذا الاسناد قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : لا تسألوهم الحوائج، فتكونوا لهم الوسيلة الى رسول الله يوم القيامة. انتهى. ورواه في بحار الأنوار: ٨/٥٥

٣٤٨

ما ورد في مصادرهم من تشويش على الأحاديث المتقدمة

وفي مقابل رواية عائشة عن شهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حق عليعليه‌السلام نلاحظ وجود رواية أكثرت من نقلها المصادر السنية، تصف عبد الله بن مسعود بأنه أقرب الناس أو من أقربهم وسيلة الى الله!

ولكنها والحمد لله ليست رواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل عن حذيفة!!

وحتى لو صحت عن حذيفة وفسرناها بأي تفسير، فهي لا ترقى الى معارضة حديث عائشة وغيرها في عليعليه‌السلام .

وإذا أحسنا الظن بهذه الرواية فهي تدل على أن مصطلح ( الأقرب وسيلة الى الله تعالى ) كان معروفاً بين المسلمين من عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن حذيفة أو واضع الحديث على لسانه، أراد أن يمدح به عبد الله بن مسعود.

وإن أسأنا الظن بها قلنا إنها محاولةٌ للتعتيم على الحديث النبوي البليغ في عليعليه‌السلام ، وإعطاء هذه الصفة لعبد الله بن مسعود! وطالما فعلوا ذلك!

روى أحمد في مسنده: ٥/٣٩٤:

عن شقيق قال كنت قاعداً مع حذيفة فأقبل عبدالله بن مسعود، فقال حذيفة: إن أشبه الناس هدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرج من بيته حتى يرجع، فلا أدري ما يصنع في أهله كعبد الله بن مسعود. والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله من أقربهم عند الله وسيلةً يوم القيامة.

وروى نحوه الحاكم في: ٢/٣١٢، ورواه في: ٣/٣١٥، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.

ومن الملفت في الموضوع أن الراوي نفى العبارة التي فيها الوسيلة من النص وقال إنه لم يسمعها من عبد الرحمن بن يزيد!

وأن عبد الله بن مسعود كان قصيراً صغير الجثة جداً!! فكيف يكون شبيهاً سمتاً ودلاً بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣٤٩

قال أحمد في مسنده: ٥/٣٩٥:

ولم نسمع هذا من عبد الرحمن بن يزيد لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم الى الله عز وجل وسيلة!!

وفي الغدير: ٩/٩:

أخرج الترمذي بإسناد رجاله ثقات، من طريق حذيفة بن اليمان: أن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً بمحمد صلى الله عليه وسلم عبد الله.

وفي لفظ البخاري: ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد.

وزاد الترمذي: ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابن ام عبد أقربهم الى الله زلفى.

وفي لفظ أبي نعيم: أنه من أقربهم وسيلة يوم القيامة.

وفي لفظ أبي عمر: سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحداً أشبه دلاً وهدياً برسول الله من حين يخرج من بيته الى أن يرجع اليه من عبدالله بن مسعود، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه من أقربهم وسيلة الى الله يوم القيامة.

وفي لفظ علقمة: كان يشبه بالنبي في هديه ودله وسمته.

راجع صحيح البخاري كتاب المناقب. مسند أحمد ٥: ٣٨٩، المستدرك ٣: ٣١٥، ٣٢٠

حلية الأولياء ١: ١٢٦، ١٢٧،

الإستيعاب ١: ٣٧٢،

مصابيح السنة ٢: ٢٨٣،

صفة الصفوة ١: ١٥٦، ١٥٨،

تاريخ ابن كثير ٢: ١٦٢،

تيسير الوصول ٣: ٢٩٧

٣٥٠

الإصابة ٢: ٣٦٩،

كنز العمال ٧: ٥٥. انتهى.

وقد ذكرنا أن هذا النص حتى لو صح عن حذيفة، فهو لا يصلح معارضاً ولا مقللاً من قيمة الحديث الشريف الذي روته عائشة وغيرها في أن علياًعليه‌السلام أقرب الخلق وسيلةً الى الله بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

**

آيات مؤيدة لآيات التوسل:

وردت آيات متعددة في طلب المؤمنين من الأنبياءعليهم‌السلام أن يتوسطوا لهم عند الله تعالى، ويدعوه لهم بالمغفرة وبالخير.. وهذا نوعٌ من التوسيط يدل على أن باب الطلب من الله تعالى بواسطة الغير أمرٌ طبيعي في دين الله تعالى وشرائعه!

وأنه لو كان التوسيط منافياً للتوحيد كما يزعم ابن تيمية، لوجب أن يطلب كل إنسان لنفسه بنفسه مباشرة، ووجب تحريم كل طلب من الله تعالى بواسطة!! إذ لا فرق في أصل الواسطة بين التوسط والتوسل بدعاء الغير، وبين أنواع التوسيط الأخرى!

منها، قوله تعالى:

( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ، قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) . يوسف ٩٧ - ٩٨

وروى الصدوق في علل الشرائع: ١/ ٥٤:

حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقانيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم قال: أخبرنا المنذر بن محمد قال: حدثنا اسماعيل بن ابراهيم الخزاز، عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قلت لجعفر بن محمدعليه‌السلام : أخبرني عن يعقوب لما قال له بنوه: يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين، قال سوف أستغفر لكم ربي، فأخر الاستغفار لهم.

٣٥١

ويوسفعليه‌السلام لما قالوا له: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين؟ قال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.

قال: لأن قلب الشاب أرق من قلب الشيخ، وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف، وجنايتهم على يعقوب إنما كانت بجنايتهم على يوسف، فبادر يوسف الى العفو عن حقه، وأخر يعقوب العفو، لأن عفوه إنما كان عن حق غيره، فأخرهم الى السحر ليلة الجمعة.ورواه وغيره في تفسير نور الثقلين: ٢/٤٦٥

وفي تفسير التبيان: ٦/١٩٥:

وروي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال: أخرهم الى ليلة الجمعة. وقال ابن مسعود وابراهيم التيمي، وابن جريج وعمر وبن قيس: إنه أخرهم الى السحر، لأنه أقرب الى إجابة الدعاء. انتهى.

وروى نحوه الترمذي في سننه: ٥ /٢٢٣، عن ابن عباس، والحاكم: ١/٣١٦، والدر المنثور: ٤/٣٦، وكنز العمال: ٢/٥٩، وغيرها.

ومنها، قوله تعالى:

( وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) . الأعراف - ١٣٤

وقد قبل موسىعليه‌السلام طلبهم، ودعا الله لهم، فدل ذلك قبوله على أنه طلبهم بواسطته أمرٌ مشروع، الى آخر الآيات والأحاديث التي تدل على توسيط الغير الى الله تعالى.

٣٥٢

الفصل الخامس

شذوذ الوهابيين عن إجماع المسلمين في التوسل والاستشفاع

من المسائل التي شذ فيها ابن تيمية وتبعه ابن عبد الوهاب، تحريم السفر لزيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل تحريم الزيارة التي نوي لها السفر!

وكذلك تحريم التوسل والإستشفاع بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بحجة أنه ميتٌ ولا يجوز التوسل بالميت.

وكذا تحريم الاستغاثة بهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأن المستغيث بزعمه يعبد المستغاث به.. الخ.!!

قال الشيخ محمود سعيد ممدوح في كتابه ( رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة ) المطبوع في دار الإمام النووي بعمان - سنة ١٤١٦:

وهو - التوسل - السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات وما في معنى ذلك.

وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته أو أنه بدعةٌ ضلالة، أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد، كما نرى الآن.

٣٥٣

لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده! وقد نقل عن السلف توسلٌ من هذا القبيل.

قال ابن تيمية فيالتوسل والوسيلة ص ٩٨: هذا الدعاء ( أي الذي فيه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ) ونحوه قد روي أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء. اهـ، ونحوه في ص ١٥٥ من الكتاب المذكور.

وقال في ص ٦٥ : ( والسؤال به ( أي بالمخلوق ) فهذا يجوزه طائفة من الناس ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود في دعاء كثير من الناس. ) اهـ.

وذكر أثراً فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لفظه: ( اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليما. يا محمد إني أتوجه بك الى ربك وربي يرحمني مما بي ).

قال ابن تيمية: فهذا الدعاء ونحوه روى أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء. اهـ.

وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل، فقال في منسك المروزي بعد كلام مانصه: وسل الله حاجتك متوسلاً اليه بنبيه صلى الله عليه وسلم، تقض من الله عز وجل. اهـ. هكذا ذكره ابن تيمية في الرد على الأخنائي ص ١٦٨!!

والتوسل به صلى الله عليه وسلم معتمدٌ في المذاهب ومرغبٌ فيه، نص على ذلك الأئمة الأعلام، وكتب التفسير والحديث والخصائص ودلائل النبوة والفقه طافحةٌ بأدلة ذلك بدون تحريم وهي بكثرة...

كان ابن تيمية يرى منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين، وقال: التوسل حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابهالتوسل والوسيلة ص ١٦٩ . انتهى كلام الممدوح.

٣٥٤

وقال ابن تيمية في كتابه زوار المقابر/٤٣٣:

قال عامة المفسرين كابن عباس ومجاهد وعطاء والفراء: الوسيلة القربة، قال قتادة: تقربوا الى الله بما يرضيه.

قال أبو عبيدة: توسلت اليه أي تقربت.

وقال عبد الرحمن بن زيد: تحببوا الى الله.

والتحبب والتقرب اليه إنما هو بطاعة رسوله، فالايمان بالرسول وطاعته هو وسيلة الخلق الى الله، ليس لهم وسيلة يتوسلون بها البتة إلا الايمان برسوله وطاعته.

وليس لأحد من الخلق وسيلة الى الله تبارك وتعالى إلا بوسيلة الايمان بهذا الرسول الكريم وطاعته.

وهذه يؤمر بها الانسان حيث كان من الأمكنة وفي كل وقت. وما خص من العبادات بمكان كالحج، أو زمان كالصوم والجمعة، فكل في مكانه وزمانه.

وليس لنفس الحجرة من داخل فضلاً عن جدارها من خارج اختصاص بشيء في شرع العبادات ولا فعل شيء منها، فالقرب من الله أفضل منه بالبعد عنه باتفاق المسلمين! والمسجد خص بالفضيلة في حياته صلى الله عليه وسلم، قبل وجود القبر. فلم تكن فضيلة مسجده لذلك، ولا استحب هو صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، ولا علماء أمته أن يجاور أحد عند قبر ولا يعكف عليه، لا قبره المكرم ولا قبر غيره، ولا أن يقصد السكنى قريباً من قبر أي قبر كان.

وسكنى المدينة النبوية هو أفضل في حق من تتكرر طاعته لله ورسوله فيها أكثر كما كان الأمر لمَّا كان الناس مأمورين بالهجرة إليها فكانت الهجرة إليها والمقام بها أفضل من جميع البقاع مكة وغيرها.

بل كان ذلك واجباً من أعظم الواجبات، فلما فتحت مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وكان من أتى من أهل مكة وغيرهم ليهاجر ويسكن المدينة يأمره أن يرجع! انتهى.

٣٥٥

وخلاصة كلامه: أن التوسل محصورٌ بالايمان بالرسول وطاعته، وبدعائه في حال حياته.

أما التوسل به في حياته وبعد موته، ومجاورة قبره الشريف والعكوف عنده، فليس من الطاعة، لأن الصحابة لم يفعلوه، والأصل في كل ما لم يفعلوه عدم المشروعية، حتى يقوم عليه دليل!!

وهو كما ترى تحكم لا دليل عليه:

فحصره التوسل المأمور به في القرآن بالايمان بالرسول وطاعته، لا دليل عليه! وميزانه فيما جعله جزءً من الايمان بالرسول أو نفى جزئيته عنه، لا دليل عليه!

وكذا ما جعله طاعة للرسول، أو نفى كونه طاعة له!

فلماذا لا يكون التوسل بزيارة قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله والتبرك به والسكنى عنده من الايمان به، ومن طاعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ !!

ثانياً، دعوى أن القاعدة والأصل في الأشياء الحرمة حتى تثبت حليتها، لا دليل عليه أيضاً. بل الأصل في الأشياء الحلية حتى يثبت دليل الحرمة ويصل الى المكلف، فقد قال الله تعالى ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ).

ثالثاً، دعوى أن كل ما لم يفعله الصحابة فهو حرامٌ حتى يقوم عليه دليل، تحكمٌ بلا دليل أيضاً، فإن كثيراً من الأمور لم يفعلها الصحابة وهي حلال حتى بفتوى ابن تيمية، كالوسائل المعيشية المتجددة!!

وقد ألف الحافظ الصديق المغربي رسالة في عدم دلالة الترك على التحريم، كما ذكر تلميذه الممدوح.

أما عندنا فإن فعل الصحابي ليس حجة إذا لم يكن معصوماً، فضلاً عن تركه!

تلبيس ابن تيمية من أجل تحريم التوسل والاستشفاع

يفترض ابن تيمية مسبقاً أن المتوسل أو المستغيث بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( يدعوه ) أي يطلب منه، لا من الله تعالى!

٣٥٦

وهذا مصادرةٌ على المطلوب وتبطينٌ للحكم المتنازع فيه في لفافة، على أنه جزء من مقدمة مسلمة عند الطرف الآخر!

فابن تيمية يقول للمتوسل أو المستغيث: إنك اعترفت أنك دعوت الرسول أو الولي بدل الله!! فأنت إذن كافر!!

مع أن المتوسل لم يدع النبي بدل الله تعالى! بل توسل به واستغاث به واستشفع به الى الله تعالى!!

ومثال ذلك في أمور الدنيا: أن يتوسل شخص الى رئيس مكتب الملك، ليتوسط له عند الملك!

فيقول له ابن تيمية: إنك تعديت على شرعية الملك، وجعلت الملك الشرعي رئيس مكتبه! وهذا خروج على الملك ونظامه، تستحق به الاعدام!!

وقد حاول ابن تيمية أن يستدل على هذه المصادرة المفضوحة فقال إن المستغيث يطلب من الرسول أو الولي مالا يقدر عليه إلا الله تعالى، وهذا يستلزم أنه يؤلهه!!

ولكن هذا اللزوم ممنوع.

بل هو على مذهبهم ممنوعٌ حتى لو صحت الملازمة، لأنهم يزعمون أن لازم المذهب ليس بمذهب!!

قال الشيخ سليمان حفيد ابن عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد ص ٢٠٩:

فحديث الأعمى شيء، ودعاء غير الله تعالى والاستغاثة به شيء آخر.

فليس في حديث الأعمى شيء غير أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه فيَّ، فعلم أنه شفع له. وفي رواية أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له فدل الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم شفع له بدعائه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره هو أن يدعو الله، ويسأله قبول شفاعته.

فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره

٣٥٧

أن يسأل قبول شفاعته، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعى، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يقدر على شفائه إلا بدعاء الله له. فأين هذا من تلك الطوام؟!

والكلام إنما هو في سؤال الغائب أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله.

أما أن تأتي شخصاً يخاطبك فتسأله أن يدعو لك فلا إنكار في ذلك على ما في حديث الأعمى.

فالحديث سواء كان صحيحاً أو لا، وسواء ثبت قوله فيه يا محمد أو لا، لا يدل علي سؤال الغائب ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، بوجه من وجوه الدلالات. ومن ادعى ذلك فهو مفتر على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم!! انتهى.

فتراه يشكك في حديث الأعمى الذي صححه علماء المذاهب، وقبله إمامه ابن تيمية، ثم تراه يفترض أن المستشفع ( يدعو ) النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويطلب من النبي نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى..!! كل ذلك ليثبت أن المسلم المستغيث الى الله برسوله قد كفر واستبدل عبادة الله بعبادة الرسول! ويستحل بذلك دمه وماله!!

وإن سألته عن دليله على أن المتوسلين والمستشفعين يدعون الرسول من دون الله.. فإنك تطلب منهم ما لايقدر عليه إلا الله تعالى، وتكون على مذهبه عبدته من دونه تعالى!!!

هدف ابن تيمية من نقل التوسل من فروع الفقه الى أصول العقائد!

ماذا يحدث لو نقلنا مادةً جزائية من القانون التجاري الى مواد القانون الجنائي، أو الى مواد مخالفات الدستور، ومحكمة أمن الدولة؟

طبعاً سيكون الفرق على مرتكبها كبيراً، لأن التهمة الجنائية أصعب من التهمة الجزائية، وأصعب منهما تهمة الاخلال بالدستور!!

إن ما فعله ابن تيمية من اتهام المتوسلين بمخالفة الشرع، شيء لا يذكر أمام نقله تهمتهم الى الاخلال بأصول الدين وارتكاب الشرك!! فبذلك حكم عليهم بالكفر واستحل دماءهم وأعراضهم وأموالهم!!!

٣٥٨

فبدل أن يقول مثلاً إنهم مخلصون ولكنهم يتخيلون أنهم يتقربون الى الله بالتوسل بالنبي الميت، فهم مخطئون يرتكبون معصية! قال إنهم يشركون بالله ويستحقون القتل!!

وهكذا.. فقد كانت مسألة التوسل والاستشفاع والاستغاثة لمدة ثمانية قرون مسألةً فقهية، وكان فقهاء المذاهب الأربعة، والخمسة والستة، يبحثونها في باب الحج والزيارة وغيرهما، فيذكرون صورها، ويفتي مفتيهم بجواز بعض فروعها وحرمة بعضها، أو التوقف فيه.. حتى جاء عالم حراني نصبه الحاكم الشركسي المصري لمدة قليلة شيخاً للاسلام في الشام، فأبدع في عمله أيما إبداع، وقدم للأجيال أكبر خدمة، فكفر مسلمي عصره والعصور المتقدمة، لأنهم يتوسلون بنبيهم الميت!!!

هل تراجع ابن تيمية أمام القاضي أو في سجنه عن تحريم التوسل؟!

المعروف عن ابن تيمية أنه تراجع عن تحريم التوسل، عندما عقدوا له مجلس علماء لمحاكمة آرائه الشاذة، ومنها تحريم التوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

وقد اعتمد الذين نسبوا اليه هذا القول على أمرين:

الأول، ما اعترف به في مصر، حيث شاع اعتقاده بعدم جواز التوسل والاستشفاع بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستنكر المسلمون ذلك، وعقد القضاة مجلساً للنظر في قوله..

قال السقاف في كتابه ( البشارة والاتحاف بما بين ابن تيمية والألباني في العقيدة من الاختلاف )

١٣ - فصل: أما مسألة التوسل فقد اختلف آراء دعاة السلفية فيه بشكل ملحوظ مع أن الموجودين في الساحة منهم اليوم يقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد وليست كذلك قطعاً.

أما ابن تيمية فقد أنكر في كتابه ( قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ) التوسل - ومرادنا التوسل بالذوات - ثم رجع عن ذلك كما نقل تلميذه ابن كثير فيالبداية

٣٥٩

والنهاية ١٤/٤٥ حيث قال: قال البرزالي ( هو الحافظ ابو محمد القاسم بن البهاء محمد الدمشقي البرزالي ترجمفي طبقات الحفاظ للسيوطي ص ٢٥٦ ): وفي شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين - وكلموه في ابن عربي وغيره - الى الدولة فردوا الأمر في ذلك الى القاضي الشافعي، فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شيء، لكنه قال: لا يستغاث إلا بالله، لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبارة - ولعلها العبادة - ولكن يتوسل به ويتشفع به الى الله، فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شيء، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب ) انتهى. فتأمل!!

وأما الشوكاني فقد أجاز التوسل في كتابه ( تحفة الذاكرين ) كما يعلم ذلك القاصي والداني، ففي صحيفة ٣٧ من كتاب الشوكاني ( تحفة الذاكرين ) ( طبع دار الكتب العلمية ) عقد باباً سماه: ( وجه التوسل بالأنبياء وبالصالحين ) ثم قال: ) ( قوله ويتوسل الى الله سبحانه بأنبيائه والصالحين ) أقول: ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي. انتهى.

وأصرح من هذا ما ذكرهالشوكاني ص ١٣٨ في ( باب صلاة الضر والحاجة ) حيث قال ما نصه: ( وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله الى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى ) انتهى.

وقد نص الشوكاني أيضاً على جواز التوسل، ورد على ابن تيمية في كتابه ( الدر النضيد في اخلاص كلمة التوحيد ) فليرجع اليه من شاء.

وأما الألباني فمنع ذلك واعتبره من الضلال في كتابه ( التوسل أنواعه وأحكامه ) كما هو مشهور ومعلوم، مع أنه قال في مقدمة (شرح الطحاوية ص ٦٠ الطبعة ٨ ) إن مسألة التوسل ليست من مسائل العقيدة، وهذا خلاف ما يقوله كثير من أدعياء السلفية. فتأملوا ياذوي الأبصار!! انتهى كلام السقاف.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523