العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196697 / تحميل: 7995
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

استعماله مطلقاً.

وقال أبو إسحاق من الشافعية : لا يجوز أن يستعمل من موضع يكون بينه وبين النجاسة أقل من قلّتين(1) . وغلطه الباقون ، إذ الاعتبار بالمجموع ، ولو كانت مائعة واستحالت ولم تغير لم تنجس.

السادس : لو كان قدر كرّ خاصة ، والنجاسة متميزة ، فاغترف بإناء ، فالمأخوذ وباطن الإناء طاهران ، والباقي وظاهر الاناء نجسان.

ولو حصلت النجاسة فيه انعكس الحال في الماء والإناء ، فإن نقط نجس الباقى إن كان النقط من باطنه ، وإلّا فلا.

السابع : لو نبع الماء من تحته لم يطهره وإن أزال التغيّر ، خلافاً ، للشافعي(2) ، لأنا نشترط في المطهر وقوعه كرا دفعة.

مسألة 5 : الماء القليل ينجس بملاقات النجاسة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(3) ، وممن فرق بين القليل والكثير ـ وإن اختلفوا في حدّ الكثرة ـ ابن عمر ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، والمزني(4) . لقولهعليه‌السلام : ( إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا ) رواه الجمهور(5) ، وعن الكاظم عليه

__________________

1 ـ المجموع 1 : 142 ، المهذب للشيرازي 1 : 14.

2 ـ الاُم 1 : 5 ، المجموع 1 : 132.

3 ـ اُنظر المبسوط للطوسي 1 : 7 ، المعتبر : 11 ، المراسم : 36 ، المهذب لابن البراج 1 : 21.

4 ـ الاُم 1 : 4 ، التفسير الكبير 24 : 94 ، مختصر المزني : 9 ، المجموع 1 : 112 ، بداية المجتهد 1 : 24 ، أحكام القرآن للجصاص 3 : 340 ، المحلى 1 : 150 ، المغني 1 : 53.

5 ـ سنن الترمذي 1 : 97 / 67 ، سنن النسائي 1 : 175 ، سنن الدارقطني 1 : 16 / 7 ، نيل الأوطار 1 : 37.

٢١

السلام : الدجاجة تطأ العذرة ثم تدخل في الماء ، أيتوضأ منه؟ « فقال » : لا(1) ولأنّه لقلته في مظنة الأنفعال فكان كالتغير في الكثير.

وقال ابن أبي عقيل منّا : لا فرق بين القليل والكثير في أنهما لا ينجسان إلّا بالتغيّر(2) ، وهو مروي عن ابن عباس ، وحذيفة ، وأبي هريرة ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة ، وابن أبي ليلى ، وجابر بن زيد ، وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وداود ، وابن المنذر(3) ، لقولهعليه‌السلام : ( الماء طهور لا ينجسه شيء إلّا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه )(4) ويبطل بتقديم الخاص مع التعارض.

فروع :

الأول : ينجس القليل بما لا يدركه الطرف من الدم ، كرؤوس الإبر ، لما تقدم. وقال الشيخ : لا ينجس(5) ، لقول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل عن رجل امتخط فصار الدم قطعاً ، فأصاب إناء‌ه ، هل يصلح الوضوء منه؟ قال : « إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئاً بيّنا فلا يتوضأ منه »(6) ولا حجة فيه ، إذ إصابة الاناء لا تستلزم إصابة الماء.

وللشافعي قول بعدم التنجيس في الدم وغيره(7) .

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 419 / 1326 ، الاستبصار 1 : 21 / 49 ، قرب الاسناد : 84.

2 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 10.

3 ـ المجموع 1 : 113 ، المغني 1 : 54 ، التفسير الكبير 24 : 94 ، نيل الأوطار 1 : 36 ، بداية المجتهد 1 : 24.

4 ـ المهذب للشيرازي 1 : 12.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 7.

6 ـ الكافي 3 : 74 / 16 ، التهذيب 1 : 413 / 1299 ، الاستبصار 1 : 23 / 57 ، البحار 10 : 256.

7 ـ فتح العزيز 1 : 209 ، المجموع 1 : 126 ، الاشباه والنظائر للسيوطي : 432 ، مغني المحتاج 1 : 24.

٢٢

الثاني : لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا إنّ اعتدل الماء ، وإلّا في حق السافل ، فلو نقص الأعلى عن كر انفعل بالملاقاة ، ولو كان أحدهما نجساً فالأقرب بقاؤه على حكمه مع الاتصال وانتقاله إلى الطهارة مع الممازجة ، لأنّ النجس لو غلب الطاهر نجّسه مع الممازجة فمع التمييز يبقى على حاله.

الثالث : لو استهلك القليل المضاف وبقي الاطلاق جازت الطهارة به أجمع ، وكذا النجس في الكثير.

الرابع : النجس لا يجوز استعماله في طهارة الحدث والخبث مطلقاًً ، ولا في الأكل والشرب ، إلّا مع الضرورة.

الخامس : لا يطهر القليل بالاتمام كرا ، لأنفعاله بالنجاسة ، فكيف يرفعها عن غيره؟

وقال المرتضى في الرسية : يطهر ، لأنّ البلوغ يستهلك النجاسة ، ولا فرق بين وقوعها قبل البلوغ وبعده(1) . وهو ممنوع.

وللشافعي قولان(2) .

السادس : لو جمع بين نصفي كر نجس لم يطهر على الاشهر ، لأنّ كلا منهما لا يرفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى.

وقال بعض علمائنا : يطهر(3) ، وبه قال الشافعي(4) ، لقوله عليه

__________________

1 ـ رسائل الشريف المرتضى 2 : 361.

2 ـ المجموع 1 : 136 ، مغني المحتاج 1 : 23 ، فتح العزيز 1 : 211 ، مختصر المزني : 9.

3 ـ هو ابن البراج في المهذب 1 : 23.

4 ـ المجموع 1 : 136 ، فتح العزيز 1 : 211 ، الاُم 1 : 5.

٢٣

السلام : ( إذا بلغ الماء قلّتين ـ أو كراً على الخلاف ـ لم يحمل خبثاً )(1) ، ولم يثبت عندنا.

السابع : لو تيقن أحد طرفي الطهارة والنجاسة ، وشك في الآخر ، عمل على المتيقن ، ولو شك في استناد التغيّر إلى النجاسة بنى على الأصل ، والأقرب البناء على الظن فيهما ، للبناء على الأصل والاحتياط.

الثامن : لو أخبره العدل بنجاسة الماء لم يجب القبول ، قال ابن البراج : وكذا العدلان(2) وليس بجيد ، لوجوب رده مبيعاً(3) ، ولو تعارضت البينتان فكالمشتبه. ولو أخبره الفاسق بطهارة مائه قبل ، ولو أخبره بنجاسته فإن كان بعد الطهارة لم يلتفت ، وإن كان قبلها فالأقرب القبول.

التاسع : لو شك في وقوع النجاسة قبل الاستعمال فالاصل الصحة ، ولو علم السبق وشك في بلوغ الكرية ينجس ، ولو رأى في الكر نجاسة بنى على الطهارة وإن شك في وقوعها قبل الكرية ، ولو شك في نجاسة الميت فيه فكذلك.

العاشر : الكثير لا ينفعل بالنجاسة ، ولا شيء منه إلّا بالتغير ، وبه قال الشافعي(4) للحديث(5) .

__________________

1 ـ سنن الدارقطني 1 : 16 / 7 و 15 ، سنن الترمذي 1 : 97 / 67 ، سنن النسائي 1 : 175 ، سنن البيهقي 1 : 260 ـ 261.

2 ـ المهذب 1 : 30.

3 ـ ورد ما بين القوسين في الطبع الحجري : متعيّنا. وهو تصحيف. والمراد كما في هامش نسخة ( ن ) : إذا كان مبيعا وشهد عدلان بنجاسته ردّه المشتري على البائع ، فلو لم يقبل العدلان لم يجب ردّه.

4 ـ مغني المحتاج 1 : 21 ، التفسير الكبير 24 : 94 ، أحكام القرآن للجصاص 3 : 341 ، بداية المجتهد 1 : 24 ، الوجيز 1 : 7 ، الاُم 1 : 4 ، المجموع 1 : 112.

5 ـ سنن الدارقطني 1 : 14 / 1 ـ 5 ، سنن الترمذي 1 : 97 / 67 ، سنن النسائي 1 : 175 ، نيل الأوطار 1 : 37.

٢٤

وقال أبو حنيفة أنّه ينجس ، ولو كان بحراً لا ينجس جميعه ، بل القدر الذي يتعدى إليه لون النجاسة(1) .

مسألة 6 : الأقوى أن ماءً البئر إنّما ينجس بالتغير بالنجاسة ، لقول الرضاعليه‌السلام : « ماءً البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن ينتن »(2) .

والاشهر عند علمائنا التنجيس(3) ، لقول الكاظمعليه‌السلام : « يجزيك أن تنزح منها دلاء‌ا فإن ذلك يطهرها »(4) .

وقسموا النجاسة أقساماً :

الأول : ما يوجب نزح الجميع ، وهو موت البعير ، وانصباب الخمر ، لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلتنزح »(5) وأفتى الصدوق بعشرين دلوا في قطرة الخمر ، والجميع في الثور(6) .

وألحق الشيخ المني ، والفقاع ، ودم الحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، وغير المقدّر(7) ، وألحق أبو الصلاح بول وروث مالا يؤكل لحمه(8) ، وابن البراج عرق الابل الجلالة والجنب من الحرام(9) .

__________________

1 ـ تفسير القرطبي 13 : 42 ، اللباب 1 : 20 ، أحكام القرآن للجصاص 3 : 340.

2 ـ الكافي 3 : 5 / 2 ، التهذيب 1 : 409 / 1287 ، الاستبصار 1 : 33 / 87.

3 ـ المعتبر : 12 ، المقنعة : 9 ، المهذب لابن البراج 1 : 21 ، المبسوط للطوسي 1 : 11.

4 ـ التهذيب 1 : 237 / 686 ، الاستبصار 1 : 37 / 101.

5 ـ الكافي 3 : 6 / 7 ، التهذيب 1 : 240 / 694 ، الاستبصار 1 : 34 / 92.

6 ـ المقنع : 11 ، الهداية : 14 ، الفقيه 1 : 12 ـ 13.

7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 11 ـ 12.

8 ـ الكافي في الفقه 1 : 130.

9 ـ المهذب 1 : 21.

٢٥

وإذا تعذر نزح الجميع تراوح عليها أربعة رجال يوماً ، كلّ اثنين دفعة.

الثاني : ما يوجب نزح كرّ ، وهو موت الحمار ، والبغل ، والفرس ، والبقرة.

الثالث : ما ينزح له سبعون دلوا ، وهو موت الانسان لقول الصادقعليه‌السلام : « فأكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا »(1) ولا فرق بين الصغير والكبير ، والمسلم ، والكافر.

وقال بعض أصحابنا : ينزح للكافر الجميع ، لأنّه لو كان حياًَ لوجب الجميع ، حيث لم يرد فيه نصّ ، والموت لا يزيل النجاسة(2) .

ويضعف بزوال الكفر به.

الرابع : ما ينزح له خمسون دلواً وهو العذرة الذائبة ، والدم الكثير غير الثلاثة ، كذبح الشاة ، وقال المفيد : في الكثير عشر دلاء(3) .

الخامس : ما ينزح له أربعون ، وهو موت الكلب ، والخنزير ، والشاة والثعلب ، والأرنب ، والسنور ، وما في قدر جسمه ، وبول الرجل.

وقال الصدوق : في السنور سبع ، وفي الشاة تسع أو عشر(4) .

السادس : ما ينزح له ثلاثون ، وهو ماءً المطر وفيه خرؤ الكلب ، والبول والعذرة.

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 235 / 678.

2 ـ هو ابن إدريس في السرائر : 10.

3 ـ المقنعة : 9.

4 ـ الفقيه 1 : 12 و 15.

٢٦

السابع : ما ينزح له عشر : وهو الدم القليل كذبح الطير ، والعذرة اليابسة.

الثامن : ما ينزح له سبع ، وهو الفأرة إذا تفسخت ، أو انتفخت ، وبول الصبي ، واغتسال الجنب ـ قال الشيخ : ولا يطهر(1) ـ وخروج الكلب حياًَ ، وموت الطير كالحمامة والنعامة.

[ التاسع : ما ينزح له خمس ، وهو ذرق الدجاج ، وقيده الأكثر بالجلال.

العاشر : ما ينزح له ثلاث ، وهو الفأرة إذا لم تتفسخ ولم تنتفخ ، والحية ](2) .

الحادي عشر : ما ينزح له دلو واحد ، وهو العصفور وما في قدره.

وعندي أن ذلك كله مستحب ، وقد بينت الخلاف والحجاج في منتهى المطلب(3) على الاستقصاء.

إذا عرفت هذا فعند الشافعي أن ماءً البئر كغيره ينجس إن كان دون القلتين ، وإن كان أزيد فلا ، ثم إنّ تنجس وهو قليل لم يطهر بالنزح ، لأنّ قعر البئر يبقى نجساً ، بل يترك ليزداد أو يساق إليه الماء الكثير.

وإن كان كثيراً نجس بالتغير فيكاثر إلى زوال التغيّر أو يترك حتى يزول التغيّر بطول المكث أو ازدياد الماء.

ولو تفتت الشيء النجس كالفأرة بتمعط شعرها فيه ، فالماء على

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 12.

2 ـ ما بين المعقوفتين لم يرد في نسخة ( م ).

3 ـ منتهى المطلب 1 : 10 ـ 12.

٢٧

طهارته ، لعدم التغيّر ، ولا ينتفع به ، لأنّ ما يستقى يوجد فيه شيء من النجاسة ، فينبغي أن يستقى إلى أن يغلب ظن خروج أجزائها(1) .

وقال أبو حنيفة : إذا وقعت في البئر نجاسة نزحت فتكون طهارة لها ، فإن ماتت فيها فأرة أو صعوة ، أو سام أبرص نزح منها عشرون دلوا إلى ثلاثين ، وفي موت الحمامة أو الدجاجة أو السنور ما بين أربعين إلى ستين ، وفي الكلب أو الشاة أو الآدمي جميع الماء(2) .

فروع :

الأول : لو تغير الماء نجس إجماعاً ، وطهر بنزح ما يزيله على الأقوى ، لزوال الحكم بزوال علته ، وقال الشيخان : نزح الجميع فإن تعذر نزح حتى يطيب(3) ، وقال المرتضى ، وابن بابويه : يتراوح الاربعة لانقهاره بالنجاسة فيجب إخراجه(4) .

الثاني : لو تغير بما نجاسته عرضيّة ، كالمسك والدبس والنيل لم ينجس ، وكذا الجاري وكثير الواقف ، خلافاً للشيخ(5) ، لأنّ التغيّر ليس بالنجاسة.

الثالث : الحوالة في الدلو على المعتاد ، لعدم التقدير الشرعي ، ولو اخرج بإناء عظيم ما يخرجه العدد فالأقوى الإجزاء.

الرابع : يجزي النساء والصبيان في التراوح ، لصدق القوم عليهم ، ولا بد من اثنين اثنين ، ولو نهض القويان بعمل الاربعة فالأقرب الاجزاء.

__________________

1 ـ المجموع 1 : 148.

2 ـ اللباب 1 : 24 ـ 26 ، الهداية 1 : 86 و 89.

3 ـ المقنعة : 9 ، المبسوط للطوسي 1 : 11 ، النهاية : 7.

4 ـ الفقيه 1 : 13 / 24 ، وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : 18.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 5.

٢٨

الخامس : لا يفتقر النزح إلى النيّة ، ويجزي المسلم والكافر مع عدم التعدي ، والعاقل والمجنون.

السادس : ما لم يقدر فيه منزوح قيل : يجزي أربعون ، وقيل : الجميع(1) . ولو تعدّدت النجاسة فالأقوى التداخل وإن اختلفت.

السابع : لو جفت البئر قبل النزح ثم عاد سقط ، إذ طهارتها بذهاب مائها الحاصل بالجفاف ، ولو سيق الجاري إليها طهرت.

الثامن : لا تنجس جوانب البئر ، ولا يجب غسل الدلو.

التاسع : لو خرج غير المأكول حيّاً لم ينجس الماء.

وقال أبو حنيفة : إنّ خرجت الفأرة وقد هربت من الهرة نجس الماء وإلّا فلا(2) ، وليس بشيء.

العاشر : لو وجدت النجاسة بعد الاستعمال لم تؤثر وإن احتمل سبقها.

وقال أبو حنيفة : إنّ كانت الجيفة منتفخة أو متفسخة أعاد صلاة ثلاثة أيام وإلّا صلاة يوم وليلة(3) . وليس بشيء.

الحادي عشر : لا ينجس البئر بالبالوعة وإن تقاربتا ما لم تتصل عند الأكثر(4) أو تتغيّر عندنا ، نعم يستحب التباعد خمسة أذرع إنّ كانت الأرض صلبة ، أو كانت البئر فوقها ، وإلّا فسبع ، ولو تغير الماء تغيرا يصلح

__________________

1 ـ قال بالأول ابن حمزة في الوسيلة : 74 ـ 75 ، وقال بالثاني ابن إدريس في السرائر : 12 ـ 13 ، والمحقق في المعتبر : 19 ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط 1 : 12.

2 ـ الاشباه والنظائر لابن نجيم : 394 ، غمز عيون البصائر 4 : 165.

3 ـ اللباب 1 : 28 ، المبسوط للسرخسي 1 : 59 ، بدائع الصنائع 1 : 78 ، المحلى 1 : 144.

4 ـ منهم الشيخ في المبسوط 1 : 31 ، وابن البراج في المهذب 1 : 27 ، والمحقق في المعتبر : 19.

٢٩

استناده إليها أحببت الاحتراز عنها.

الثاني عشر : لو زال التغيّر بغير النزح ووقوع الجاري فيها ، فالأقرب وجوب نزح الجميع لا البعض ، وإن زال به التغيّر لو كان.

* * *

٣٠

الفصل الثاني : في المضاف

مسألة 7 : المضاف ما لا يصدق إطلاق الاسم عليه إلّا بقرينة ، ويمكن سلبه عنه ، كالمعتصر ، والمصعد ، والممزوج مزجاً يسلبه الاطلاق ، وهو طاهر إجماعاً ، ولا يرفع الحدث ، لقوله تعالى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدا ) (1) وقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الوضوء باللبن : « إنّما هو الماء والصعيد »(2) .

وقول الصدوق بجواز الوضوء بماء الورد(3) لقول أبي الحسنعليه‌السلام في الرجل يتوضأ بماء الورد ويغتسل به ، قال : « لا بأس »(4) محمول على اللغوي أو على الممتزج بماء الورد بحيث لا يسلبه الاطلاق ، وإجماع الامامية على ذلك ، وبه قال الشافعي(5) .

وقال أبوبكر الاصم ، وابن أبي ليلى : يجوز الوضوء بالمياه المعتصرة

__________________

1 ـ المائدة : 6.

2 ـ التهذيب 1 : 188 / 540 ، الاستبصار 1 : 155 / 534.

3 ـ الهداية : 13 ، الفقيه 1 : 6 ، أمالي الصدوق : 514.

4 ـ الاستبصار 1 : 14 / 27 ، التهذيب 1 : 218 / 627 ، الكافي 3 : 73 / 12.

5 ـ المجموع 1 : 93 ، الاُم 1 : 7.

٣١

لأنّه يسمى ماء‌اً(1) . وهو غلط.

وقال أبو حنيفة : يجوز الوضوء بنبيذ التمر إذا طبخ واشتد عند عدم الماء في السفر ، لرواية ابن مسعود أنّه كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الجن(2) فأراد أن يصلّي صلاة الفجر فقال : ( أمعك وضوء؟ ) فقال : لا معي إداوة فيها نبيذ. فقال : ( تمرة طيبة وماء طهور )(3) (4) وتوضأ به. وهو خطأ.

قال ابن المنذر : راويه أبو زيد ، وهو مجهول(5) . وأنكر جماعة صحبة ابن مسعود ليلة الجن(6) ، ولو سلم فهو محمول على بقاء الاطلاق ، لأنّهم شكوا ملوحة الماء فأمرهمعليه‌السلام بنبذ تمر قليل في الشن(7) .

والحق المنع ، وأنه نجس ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وأبو عبيد ، وداود(8) ، لقوله تعلى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا ) (9) .

__________________

1 ـ المجموع 1 : 93 ، التفسير الكبير 11 : 169 ، المغني 1 : 39 ، الشرح الكبير 1 : 41.

2 ـ اُنظر : دلائل النبوة ـ للبيهقي ـ 2 : 227 و 230 ، وفتح الباري 7 : 135 ـ 136.

3 ـ مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 25 ـ 26 ، سنن ابن ماجة 1 : 135 / 384 ، سنن الترمذي 1 : 147 / 88 ، سنن ابي داود 1 : 21 / 84 ، سنن البيهقي 1 : 9 ، سنن الدارقطني 1 : 78 / 16.

4 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 88 ، بدائع الصنائع 1 : 15 ، الجامع الصغير : 74 ، المجموع 1 : 93 ، بداية المجتهد 1 : 33 ، تفسير القرطبي 13 : 51 ، المغني 1 : 38 ، التفسير الكبير 24 : 98 ، المحلى 1 : 203.

5 ـ المغني 1 : 39.

6 ـ صحيح مسلم 1 : 332 / 450 ، المجموع 1 : 94 ، بدائع الصنائع 1 : 16.

7 ـ اُنظر الكافي 6 : 416 / 3 ، التهذيب 1 : 220 / 629 ، الاستبصار 1 : 16 / 29.

8 ـ المجموع 1 : 93 ، المغني 1 : 38 ، الشرح الكبير 1 : 52 ، تفسير القرطبي 13 : 52 ، المحلى 1 : 203 ، سنن الترمذي 1 : 148.

9 ـ المائدة : 6.

٣٢

مسألة 8 : ولا يجوز إزالة الخبث به عند أكثر علمائنا(1) ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، وزفر ، ومحمد بن الحسن(2) لقصوره عن رفع الوهمية فعن رفع الحقيقية أولى ، ولأنّها طهارة تراد لاجل الصلاة فلا تحصل بالمائعات ، كطهارة الحدث ، ولأنّ الأمر ورد بالغسل بالماء فلا يصح بغيره.

وقال السيد المرتضى : يجوز(3) ، وبه قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف(4) لأنّه طاهر مائع بيقين ، فيزيل النجاسة كالماء.

ويبطل بأن الماء يحصل به الوضوء ، بخلاف المائعات.

مسألة 9 : ينجس كلّه ـ قل أو كثر ـ بكلّ نجاسة لاقته ـ قلّت أو كثرت ـ غيرت أحد أوصافه أو لا ، قاله علماؤنا أجمع ، وكذا المائع غير الماء ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن ، فقال : ( إن كان مائعاً فلا تقربوه )(5) ولأنّها لا تدفع نجاسة غيرها فكذا عنها لقصور قوتها.

وقال أحمد في إحدى الروايتين : إنّه كالمطلق سواء كان مضافاً أو مائعاً ، كالسمن الكثير لأنّه كثير فلا ينجس كالماء(6) والفرق ظاهر.

وطريق تطهيره إلقاء كرّ عليه إن لم يسلبه الاطلاق ، فإن سلبه فكر آخر ، وهكذا ، ولو لم يسلبه لكن غير أحد أوصافه فالأقوى الطهارة ، خلافاً

__________________

1 ـ منهم الشيخ في النهاية : 3 ، والمبسوط 1 : 5 والجمل والعقود : 169 ، والخلاف 1 : 59 المسألة 8 ، وابن حمزة في الوسيلة : 76 ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : 131 ، والمحقق في المعتبر : 20.

2 ـ المجموع 1 : 95 ، المغني 1 : 38 ، بدائع الصنائع 1 : 83 ، المهذب للشيرازي 1 : 11 ، مقدمات ابن رشد 1 : 57.

3 ـ الناصريات : 219 المسألة 22.

4 ـ المجموع 1 : 95 ، بدائع الصنائع 1 : 83 ، المغني 1 : 38.

5 ـ سنن ابي داود 3 : 364 / 3842 ، مسند أحمد 2 : 265.

6 ـ المغني 1 : 58 ، الشرح الكبير 1 : 61.

٣٣

للشيخ(1) .

مسألة 10 : أقسام المستعمل ثلاثة :

الأول : المستعمل في الوضوء ، وهو طاهر مطهر عندنا إجماعاً ـ وعليه نصّ عليعليه‌السلام ، وبه قال الحسن البصري ، والنخعي ، وعطاء ، والزهري ، ومكحول ، وأبو ثور ، وداود وأهل الظاهر ، ومالك في إحدى الروايتين ، والشافعي في أحد القولين(2) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح رأسه بفضل ما كان في يده(3) ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « الماء كله طاهر حتى يعلم أنّه قذر »(4) .

وقال أحمد ، والأوزاعي ، ومحمد : إنّه طاهر غير مطهر(5) وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الاُخرى عن مالك ، والمشهور عن أبي حنيفة(6) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة(7) ، ولم يرد به ما أبقت في الاناء ، بل ما استعملته.

ونمنع النهي ، ونحمله على الباقي لغير المأمونة.

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 5.

2 ـ المجموع 1 : 153 ، التفسير الكبير 11 : 170 ، بداية المجتهد 1 : 27 ، المغني 1 : 47 ، المحلى 1 : 184 ، تفسير القرطبي 13 : 49 ، غرائب القران 6 : 79 ، الشرح الكبير 1 : 43.

3 ـ سنن الدارقطني 1 : 87 / 2.

4 ـ التهذيب 1 : 215 / 619 ، الكافي 3 : 1 / 3.

5 ـ التفسير الكبير 11 : 170 ، المغني 1 : 47 ، الشرح الكبير 1 : 43 ، غرائب القرآن 6 : 79 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 151.

6 ـ المحلى 1 : 185 ـ 186 ، الشرح الكبير 1 : 43 ، المغني 1 : 47 ، غرائب القرآن 6 : 79 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 151 ، اللباب 1 : 23.

7 ـ سنن البيهقي 1 : 191 ، مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 34.

٣٤

وقال أبو يوسف : إنّه نجس ، وهو رواية عن أبي حنيفة(1) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من جنابة )(2) فاقتضى أن الغُسل فيه كالبول فيه فينجسه. وهو خطأ ، فإن الاقتران في اللفظ لا يقتضي الاقتران في الحكم ، وأن النهي عن البول لا للتنجيس ، وكذا عن الاغتسال فيه ، بل لافساده بإظهار أجزاء الحمأة(3) فيه.

الثاني : المستعمل في الغُسل الواجب مع خلو البدن من النجاسة ، وهو طاهر مطهر على الأقوى ، وبه قال المرتضى(4) لقوله تعالى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا ) (5) وللاستصحاب.

وقال الشيخان : إنّه طاهر غير مطهر(6) لقول الصادقعليه‌السلام : « الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل الرجل به من الجنابة ، لا يجوز أن يتوضأ به »(7) ويحمل على نجاسة المحل ، وخلاف الجمهور كما تقدم.

فروع :

الأول : لو كان المحل نجساً نجس الماء.

الثاني : لو بلغ المستعمل كرّاً ، قال الشيخ في المبسوط : زال المنع(8) .

__________________

1 ـ بداية المجتهد 1 : 27 ، الهداية للمرغيناني 1 : 20 ، شرح فتح القدير 1 : 77 ، المجموع 1 : 151 ، المحلى 1 : 185 ، غرائب القرآن 6 : 79.

2 ـ سنن أبي داود 1 : 18 / 70 ، كنز العمال 9 : 355 / 26422.

3 ـ الحمأة : الطين الأسود المتغير المجتمع أسفل البئر مجمع البحرين 1 : 107 ، الصحاح 1 : 45 « حمأ ».

4 ـ جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) 3 : 22.

5 ـ النساء : 43.

6 ـ المقنعة : 9 ، المبسوط للطوسي 1 : 5.

7 ـ التهذيب 1 : 221 / 630 ، الاستبصار 1 : 27 / 71.

8 ـ المبسوط للطوسي 1 : 11.

٣٥

وتردد في الخلاف(1) وللشافعية قولان(2) .

الثالث : يجوز إزالة النجاسة به ـ خلافاً للشافعي في أحد القولين ـ(3) لقولهعليه‌السلام : ( ثم اغسليه بالماء )(4) وهو يصدق عليه.

الرابع : المستعمل في الاغسال المندوبة طاهر مطهر ، وكذا في غسل الثوب الطاهر إجماعاً منّا ، وهو أحد قولي الشافعي(5) لأنّه لم يرفع به حدثا ، والآخر : المنع(6) ، لأنّه مستعمل.

الثالث : المستعمل في إزالة النجاسات إنّ تغير بالنجاسة نجس إجماعاً ، وإن لم يتغير فكذالك على الأقوى ، عدا ماءً الاستنجاء ، سواء كان من الغسلة الاُولى أو الثانية ، وسواء أزال النجاسة عن المحل أو لا ، وهو أحد قولي الشيخ(7) وبه قال أبو حنيفة ، وبعض الشافعية(8) ، لأنّه ماءً قليل لاقى نجاسة.

والثاني للشيخ : أنّه نجس في الاُولى ، طاهر في الثانية(9) ، وبه قال

__________________

1 ـ الخلاف 1 : 173 مسألة 127.

2 ـ مغني المحتاج 1 : 21 ، الوجيز 1 : 5 ، المهذب للشيرازي 1 : 15 ، فتح العزيز 1 : 111 ـ 112 ، المجموع 1 : 157.

3 ـ المجموع 1 : 156 ، المهذب للشيرازي 1 : 15 ، الوجيز 1 : 5 ، فتح العزيز 1 : 111.

4 ـ سنن الدارمي 1 : 240 ، سنن ابي داود 1 : 100 / 363 ، سنن النسائي 1 : 155 ، موارد الظمآن : 82 / 235.

5 ـ مغني المحتاج 1 : 20 ، المجموع 1 : 157 ، المهذب للشيرازي 1 : 15 ، كفاية الأخيار 1 : 6 ، السراج الوهاج : 8.

6 ـ مغني المحتاج 1 : 20 ، كفاية الأخيار 1 : 6 ، السراج الوهاج : 8.

7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 11.

8 ـ المجموع 1 : 158 ، بدائع الصنائع 1 : 66.

9 ـ الخلاف 1 : 179 ـ 180 مسألة 135.

٣٦

الشافعي(1) لأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإلقاء الذنوب(2) على بول الأعرابي(3) وهو مع التسليم غير دال.

فروع :

الأول : ماءً الاستنجاء طاهر ، لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن الرجل يقع ثوبه في الماء الذي استنجى به أينجس ثوبه؟ : « لا »(4) وللمشقة ، ولا فرق بين القُبل والدبر ، ولو تغير بالنجاسة أو لاقته نجاسة من خارج نجس قطعاً.

الثاني : قال في الخلاف : لا يغسل ما أصابه ماءً يغسل به إناء الولوغ ، من الاُولى أو الثانية(5) وتردد في المبسوط في نجاسة الثانية(6) والحق النجاسة.

الثالث : فرق المرتضى بين ورود الماء على النجاسة ، وورودها عليه ، فحكم بطهارة الأول دون الثاني(7) ، ويحتمل نجاسة الجميع.

الرابع : لو أورد الثوب النجس على ماءً قليل نجس الماء ، ولم يطهرالثوب ، ولو ارتمس الجنب في ماءً قليل طهر ، وصار الماء مستعملاً.

__________________

1 ـ المجموع 1 : 159.

2 ـ الذنوب : الدلو المملؤ ماءً. الصحاح 1 : 129 « ذنب ».

3 ـ صحيح مسلم 1 : 236 / 284 ، صحيح البخاري 1 : 65 ، سنن أبي داود 1 : 103 / 387 ، الموطأ 1 : 64 / 111 ، سنن الترمذي 1 : 276 / 147 ، سنن الدارمي 1 : 189 ، سنن النسائي 1 : 175 ، سنن ابن ماجة 1 : 176 / 528 ، مسند أحمد 2 : 239.

4 ـ التهذيب 1 : 87 / 228.

5 ـ الخلاف 1 : 181 مسألة 137.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 36.

7 ـ الناصريات : 215 المسألة 3.

٣٧

الخامس : غسالة الحمام لا يجوز استعمالها ، لعدم انفكاكها من النجاسة إلّا أن يعلم خلوّها منها.

السادس : لا بأس للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة وإن خلت به ، ويكره إذا لم تكن مأمونة ، وكذا فضلة وضوء الرجل لمثله وللمرأة ، وهو قول أكثر العلماء(1) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اغتسل من جفنة فضل ماؤها من اغتسال ميمونة من جنابة ، فقالت : إني قد اغتسلت منه ، فقال : ( الماء ليس عليه جنابة )(2) .

وقال أحمد : لا يجوز أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت به(3) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة(4) . وحكي عنه الكراهة ، وبه قال الحسن ، وابن المسيب(5) .

والنهي يحتمل التنزيه مع التهمة أو النسخ ، لأنّ ميمونة قالت : إني قد اغتسلت منه. وهو يشعر بتقدم النهي عنه.

__________________

1 ـ الاُم 1 : 29 ، الشرح الكبير 1 : 51 ، المغني 1 : 247 ، عمدة القارئ 3 : 85 ، المجموع 2 : 191.

2 ـ سنن الدارقطني 1 : 52 / 3 ، سنن ابن ماجة 1 : 132 / 370 ، سنن الدارمي 1 : 187 ، سنن الترمذي 1 : 94 / 65 ، المصنف لابن أبي شيء بة 1 : 32 ، سنن أبي داود 1 : 18 / 68.

3 ـ نيل الأوطار 1 : 32 ، المغني 1 : 247 ، مسائل أحمد : 4 ، الشرح الكبير 1 : 50 ، المجموع 2 : 191 ، الإنصاف 1 : 48.

4 ـ سنن أبي داود 1 : 21 / 81 ، سنن ابن ماجة 1 : 132 / 373 ، سنن النسائي 1 : 179 ، مسند أحمد 5 : 66.

5 ـ الشرح الكبير 1 : 51 ، سنن الترمذي 1 : 92 / 63 ، المجموع 2 : 191.

٣٨

الفصل الثالث : في الاسئار

مسألة 11 : الاسئار كلها طاهرة إلّا سؤر نجس العين ، وهو الكلب والخنزير والكافر على الأشهر ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الحياض تنوبها السباع والدواب فقال : ( لها ما حملت في بطونها ، وما بقي فهو لنا شراب وطهور )(1) ولم يفرق بين القليل والكثير.

وسأل البقباق الصادقعليه‌السلام عن فضل الشاة والبقرة والابل ، والحمار والبغل والوحش ، والهرة والسباع ، قال : فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه فقال : « لا بأس » حتى انتهيت إلى الكلب فقال : « رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، وصبّ ذلك الماء »(2) وقوله تعالى :( أو لحم خنزير فانه رجس ) (3) والرجاسة : النجاسة ، وقوله تعالى :( إنّما المشركون نجس ) (4) .

وحكم الشيخ في المبسوط بنجاسة ما لا يؤكل لحمه من الإنسية عدا

__________________

1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 173 / 519 ، سنن الدارقطني 1 : 31 / 12 ، نيل الأوطار 1 : 45.

2 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 40.

3 ـ الأنعام : 145.

4 ـ التوبة : 28.

٣٩

ما لا يمكن التحرز عنه ، كالفأرة والحيّة والهرة(1) ، لأنّ الصادقعليه‌السلام قال : « كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره »(2) وهو يدل من حيث المفهوم على منع الوضوء والشرب مما لا يؤكل لحمه ، والسند ودلالة المفهوم ضعيفان.

مسألة 12 : قسم أبو حنيفة الاسئار أربعة : ضرب نجس وهو سؤر الكلب والخنزير والسباع كلها ، وضرب مكروه ، وهو حشرات الأرض وجوارح الطير والهر ، وضرب مشكوك فيه ، وهو سؤر الحمار والبغل ، وضرب طاهر غير مكروه ، وهو كلّ مأكول اللحم(3) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن المياه تكون بأرض الفلاة وما ينوبها من السباع والدواب ، فقال : ( إذا كان الماء قلّتين لم ينجسه شيء )(4) ولا حجة فيه لدخول الكلب والخنزير في السباع والدواب.

وقال الشافعي : سؤر الحيوان كله طاهر إلّا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما ، وبه قال عمرو بن العاص ، وأبو هريرة(5) ولم يحكم بنجاسة المشرك(6) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ من مزادة(7) مشركة(8) .

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 10.

2 ـ الفقيه 1 : 10 / 18 ، التهذيب 1 : 284 / 832 ، الاستبصار 1 : 25 / 64 ، الكافي 3 : 9 / 5.

3 ـ اللباب 1 : 28 ـ 29 ، الهداية للمرغيناني 1 : 23 ـ 24 ، المجموع 1 : 173.

4 ـ سنن الترمذي 1 : 97 / 67 ، سنن ابن ماجة 1 : 172 / 517 ، سنن الدارمي 1 : 186 ـ 187 ، سنن الدارقطني 1 : 14 / 1 ، مستدرك الحاكم 1 : 132.

5 ـ المحلى 1 : 134 ، الاُم 1 : 5 ، الهداية للمرغيناني 1 : 23 ، فتح العزيز 1 : 160 ـ 161 ، الوجيز 1 : 6 ، المجموع 1 : 172 ـ 173 ، بداية المجتهد 1 : 28.

6 ـ الاُم 1 : 8 حيث حكم بجواز الوضوء من فضل ماءً النصراني.

7 ـ المزادة : الراوية ، سميت بذلك لأنّه يزاد فيها جلد آخر من غيرها ولهذا انها اكبر من القربة مجمع البحرين 3 : 59 « زيد ».

8 ـ سبل السلام 1 : 46.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الملكين لهم، وإثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين...

وقال القرطبي: إن الايمان به مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أهل الملة، ولم يفهم الصحابة الذين نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبيهمعليه‌السلام غير ذلك وكذلك التابعون بعدهم، وذهب بعض المعتزلة الى موافقة أهل السنة على ذلك.

وذهب صالح قبة والصالحي وابن جرير الى أن الثواب والعقاب ينال الميت من غير حياة، وهذا مكابرة للعقول...

وقد تلخص من هذا: أن الروح تعاد الى الجسد ويحيا وقت المساءلة وأنه ينعم أو يعذب من ذلك الوقت الى يوم البعث، إما متقطعاً أو مستمراً على ما سبق.

وهل ذلك من بعد وقت المساءلة الى البعث للروح فقط؟ أو لها مع الجسم؟

يترتبان على أن الجسم هل يفنى أو يتفرق وكلا الأمرين جائز عقلا وفي الواقع منه قولان للمتكلمين ولم يرد في الشرع ما يمكن التمسك به في ذلك إلا قوله صلى الله عليه وسلم: ( كل ابن آدم يبلي إلا عجب الذنب ).

فحيث يكون الجسم أو بعضه باقياً فلا امتناع من قيام الحياة به، وحيث يعدم بالكلية يتعين القول بالروح فقط...

وبالجملة: كل أحد يعامل بعد موته كما كان يعامل في حياته ولهذا يجب الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كما كان في حياته.

وقد روي عن أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه قال: لا ينبغي رفع الصوت على نبي حياً ولا ميتاً.

وروي عن عائشةرضي‌الله‌عنها : أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فترسل اليهم: لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم...

وعن عروة قال: وقع رجل في علي عند عمر بن الخطاب فقال له عمر بن الخطاب: قبحك الله لقد آذيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره.

٤٠١

كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة

للشيخ محمود سعيد ممدوح - نشر دار الإمام النووي - الأردن ١٤١٦

قال في ص ٥:

وبعد.. فإن مسألتي التوسل والزيارة من المسائل التي شغلت الناس كثيراً، وصنفت فيهما - خاصة مسألة التوسل - مصنفات متعددة، وحصل أخذ ورد وجدل، وتزيد! وتاجر بهما سماسرة الاختلاف بين المسلمين!

ومما زاد الطين بلة أن سبكهما المتشددون في مسائل الاعتقاد..!!

وقد حصل بسببهما الخوض في أعراض كثير من أئمة الدين، وتطاول في أعراض جماهير المسلمين. ومن أحاط علماً بما ذكرت علم كم صحب ذلك من النهي الشديد والتخويف والتهديد، وقد تلاحقت أقلام في ذلك كان من آخرها رسالة باسم ( الأخطاء الاساسية في توحيد الألوهية الواقعة في فتح الباري ) شنع فيها صاحبها على الحافظ ابن حجر لتجويزه التوسل، وقوله باستحباب الزيارة! وهذا غاية في الغلو والتعصب والجهل!

فياللعار والشنار: قاضي قضاة المسلمين وشيخ المحدثين وإمامهم، ومفخرة المسلمين، أحمد بن حجر العسقلانيرضي‌الله‌عنه يصنف - بدون حياء - رسالة تحوي هذا المعنى الذي لا يدل إلا على مبلغ انحراف مصنفها المسكين...

والغرض من هذا المصنف بعد بيان الحق في الأحاديث، هو أن الخلاف في مسألة التوسل هو خلاف في الفروع، ومثله لا يصح أن يشنع أخٌ به على أخيه أو يعيبه به، وأن من قال به - وهو التوسل بالأنبياء والأولياء - متمسكٌ بأدلة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي وردها لا يجيء إلا من متعنتٍ أو مكابر.

وأما المقصود في مسألة الزيارة فهو إثبات إطباق فقهاء الأمة على استحباب أو وجوب زيارة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بشد رحل أو بدونه، وأن من قال بتحريم الزيارة المستوجبة لشد الرحل قد ابتدع وخالف النصوص الصريحة وإطباق فقهاء مذهبه،

٤٠٢

فضلاً عن المذاهب الأخرى.

فأولى بأولي النهى ترك الشاذ من القول، والتسليم بالمعروف المشهور الذي أطبقت الأمة على العمل به، والله المستعان.

أما من تعود أن يقول: عنزة ولو طارت، أو يا داخل مصر مثلك كثير، فهو مكابرٌ أو متعنت فلا كلام لنا معه، فقد خالف صريح الدليل وخالف أعيان الأئمة...

وقال في ص ١٣:

وكون الوسيلة هي القربة لا خلاف بين المفسرين في ذلك، كما صرح به ابن كثير في تفسيره: ٣/٩٧ وقال ( الوسيلة هي ما يتوصل بها الى تحصيل المطلوب ). اهـ.

فقول بعضهم: إن التوسل هو اتخاذ واسطة بين العبد وربه، خطأٌ محض! فالتوسل ليس من هذا الباب قطعاً، فالمتوسل لم يدع إلا الله وحده، فالله وحده هو المعطي والمانع والنافع والضار، ولكنه اتخذ قربةً رجاء قبول دعاءه، والقربة في الدعاء مشروعة بالاتفاق.

وترد الوسيلة بمعنى المنزلة كما في الحديث الصحيح المشهور: سلوا الله لي الوسيلة.. الحديث...

والتوسل على نوعين: أحدهما ما اتفق عليه. وترك الخوض فيه صواب، لأنه تكرار وتحصيل حاصل.

ثانيهما: ما اختلف فيه، وهو السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات، وما في معنى ذلك.

وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته، أو أنه بدعةٌ ضلالةٌ، أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد، كما نرى الآن.

لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده!

وقد نقل عن السلف توسلٌ من هذا القبيل...

٤٠٣

وقال في ص ١٥:

وقد أكثر ابن تيمية من بحث النوع الثاني من التوسل في مصنفاته قائلاً بمنعه، وقلده وردد صدى كلامه آخرون. ويحسن ذكر كلام ابن تيمية مع بيان ما فيه، واقتصاري على كلامه فقط هو الأولى، لأن من تشبث بكلامه لا يزيد عن كونه متشبعاً من موائده، دائراً في فلكه، والله المستعان:

كان ابن تيمية يرى منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين، وقال: التوسل حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابه التوسل والوسيلة ص ١٦٩.

وقال ابن تيمية ص ٦٥ وهو الاعتراض الأول:

السؤال به ( أي بالمخلوق ) فهذا يجوزه طائفة من الناس، لكن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ضعيفٌ بل موضوع، وليس عنه حديث ثابتٌ قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى ولا حجة لهم، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، وهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقد أمره النبي أن يقول: اللهم شفعه في، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اهـ.

قلت: قوله كله ضعيفٌ بل موضوع... سيأتي إن شاء الله تعالى الرد على هذا الكلام في تخريج الأحاديث، ففيها الصحيح والحسن والضعيف عند أئمة هذا الشان، ووفق قواعد الفن.

أما قوله: إلا حديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريحٌ في أنه انما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته... وكلامه فيه نظرٌ ظاهر، لأن الناظر في حديث توسل الأعمى يجد فيه الآتي:

٤٠٤

١ - جاء الأعمى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أدع الله أن يعافيني، فالأعمى طلب الدعاء.

٢ - فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: إن شئت أخرت ذلك وهو خير، وإن شئت دعوت. فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين له أن الصبر أفضل.

٣ - ولكن لشدة حاجة الأعمى، التمس الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم.

٤ - عند ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين.

٥ - وزاد على ذلك هذا الدعاء: اللهم إني أسالك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك الى ربي في حاجتي فتقضى لي.

فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء، كما طلب الأعمى في أول الحديث ودعا الأعمى بهذا الدعاء كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم.

٦ - فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء هو توسلٌ به، وهو نصٌ في التوسل به صلى الله عليه وسلم، لا يحتمل أي تاويل، وكيف يحتمل غير التوسل به وفيه: أتوجه اليك بنبيك.. إني توجهت بك. ومن رأى غير ذلك فقد استعجم عليه الحديث.

وابتهج الألباني في توسله بكلام ابن تيمية فردده قائلاً ص ٧٢: وعلى هذا فالحادثة كلها تدور حول الدعاء كما هو ظاهر، وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون. اهـ

قلت: هذه مصادرةٌ للنص وتعميةٌ على القارىَ!

كيف لا يكون كذلك والنبي صلى الله عليه وسلم علم الرجل دعاءً فيه السؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم.

نعم، الحادثة تدور حول الدعاء، ولكن السؤال هنا ما هو الدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما هو الدعاء الذي علمه للرجل الأعمى؟

٤٠٥

لا يستطيع أي منصف إلا الاجابة بأن هذا الدعاء هو الذي فيه نصٌ بالتوسل به صلى الله عليه وسلم، فالأعمى جاء يطلب مطلق الدعاء برد بصره، وعلمه صلى الله عليه وسلم، وأمره بالتوسل به ليتحقق المطلوب.

٧ - ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم شفعه في وشفعني في نفسي، أي تقبل شفاعته أي دعاءه في وتقبل دعائي في نفسي.

وهنا سؤال: أي دعاء هنا الذي يطلب قبوله؟ لا شك أن الاجابة عليه ترد بداهة في ذهن أي شخص، إنه الدعاء المذكور فيه التوسل به صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يحتاج لاعمال فكر أو إطالة نظر وتأمل، وهو واضحٌ وضوح الشمس في رابعة النهار.

ويمكن أن يقال: إن سؤال قبول الشفاعة هو توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم، مع التوسل بذاته، وهذا منتهى ما يفهم من النص، والله أعلم.

٨ - فسبب رد بصر الأعمى هو توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما فهمه الأئمة الحفاظ الذين أخرجوا الحديث في مصنفاتهم، فذكروا الحديث على أنه من الأدعية التي تقال عند الحاجات. فقال البيهقي في دلائل النبوة ٦/١٦٦ باب: ما جاء في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه حين لم يصبر، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. ا هـ.

ولا يخفى أن تعليمه للضرير هو الدعاء الذي فيه التوسل بالذوات، وعبارة البيهقي واضحة جداً. والبيهقي حافظٌ فقيه.

وهكذا ذكره النسائي، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والترمذي في الدعوات، والطبراني في الدعاء، والحاكم في المستدرك، والمنذري في الترغيب والترهيب، والهيثمي في مجمع الزوائد في صلاة الحاجة ودعائها، والنووي في الأذكار على أنه من الأذكار التي تقال عند عروض الحاجات، وابن الجزري في العدة في باب صلاة الضر والحاجة ص ١٦١.

٤٠٦

وقال القاضي الشوكاني في تحفة الذاكرين ص ١٦٢: وفي هذا الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم الى الله عز وجل، مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى، وأنه المعطي المانع، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ا هـ.

واستقصاء الحفاظ الذين فهموا أن الحديث على عمومه، واستعمال الدعاء الوارد فيه الذي فيه التوسل به صلى الله عليه وسلم، يطول.

٩ - إن عثمان بن حنيفرضي‌الله‌عنه وهو راوي الحديث فهم من الحديث العموم، فقد وجه رجلاً يريد أن يدخل على عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه الى التوجه بالدعاء المذكور في الحديث الذي فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، إسناده صحيح سيأتي إن شاء الله تعالى.

وفهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيفرضي‌الله‌عنه ، هو ما لا يستقيم فهم الحديث إلا به.

١٠ - إن رواية ابن أبي خيثمة للحديث من طريق حماد بن سلمة الحافظ الثقة فيها ( فإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك ) وهي زيادة ثقة حافظ، فهي صحيحة مقبولة، كما هو معلوم ومقرر في علوم الحديث. وهذه الرواية تدل على العموم وطلب العمل بالحديث في الحياة وبعد الممات، الى قيام الساعة.

ثم قال ابن تيمية: ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اهـ.

وقال ابن تيمية في موضع آخر: وكذلك لو كان أعمى توسل به صلى الله عليه وسلم ولم يدع له الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى، فعدولهم عن هذا الى هذا دليل على أن المشروع ما سألوه دون ما تركوه. ا هـ.

قلت: الجواب عليه سهلٌ ميسور، وكنت أود أن لا أرد هذا الايراد، لكنني رأيت

٤٠٧

جماعة أخذوا هذا الايراد ونسبوه لأنفسهم، وكان الصواب ألا يذكر لفساده، أو يذكر مع نسبته لقائله!

ومن الذين نسبوه لأنفسهم الألباني فإنه قال في توسله ص ٧٦:

لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين، لكان المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم، بل ويضمون اليه أحياناً جاه جميع الأنبياء المرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة والانس والجن أجمعين.

ولم نعلم ولا نظن أحداً قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم الى اليوم. اهـ.

وذكر نحو هذا الايراد صاحب التوصل الى حقيقة التوسل ص ٢٤٣، وكذا المتعالم صاحب هذه مفاهيمنا ص ٣٧

والجواب على هذا الايراد بالآتي:

١ - إجابة الدعاء ليست من شروط صحة الدعاء، وقد قال الله تعالى ( أدعوني أستجب لكم ) ونحن نرى بعض المسلمين يدعون فلا يستجاب لهم، وهذا الايراد يأتي على الدعاء كله، فانظر الى هذا الايراد أين ذهب بصاحبه؟

٢ - هذا الايراد يرد عليه احتمال أقوى منه وحاصله: أن عدم توسل عميان الصحابة وغيرهم احتمال فقط لا يؤيده دليل، وهم إما توسلوا فاستجيب لهم، أو تركوا رغبة في الأجر، أو توسلوا وادخر ذلك أجراً لهم، أو تعجلوا فما ستجيب لهم.

وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

وكم من داع متوسلاً لله بأسمائه وصفاته ولم يستجب له.

٤٠٨

ويلزم هؤلاء اشكال وهو أننا نرى من يدعو ويتوسل بأسماء الله وصفاته أو بعمله الصالح أو بدعاء رجل صالح ولم نر إجابة الدعاء. وهذا من تمام الحجة عليهم ونقض إيرادهم! فلا تلازم بين الدعاء والاجابة. والله أعلم بالصواب.

على أن قول الألباني: لا نعلم ولا نظن أحداً.. الخ. تهافتٌ وشهادةٌ على نفي لا ينخدع بها إلا مسلوب العقل.

تذنيب مفيد لكل لبيب:

بعد أن تبين لك دلالة الحديث الواضحة على التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن المخالف متسنم بيتاً من بيوت العنكبوت.. تجد أن من هؤلاء المخالفين من لم يستطع تحت قوة الدليل إلا الاعتراف بجواز هذا التوسل، وأنه لا غبار عليه، فشكك في شبهاته وأسقط كلامه!!

إنه الألباني الذي قال في توسله ص ٧٧:

على أنني أقول: لو صح أن الأعمى إنما توسل بذاته صلى الله عليه وسلم فيكون حكماً خاصاً به صلى الله عليه وسلم، لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين، وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح، لأنه صلى الله عليه وسلم سيدهم وأفضلهم جميعاً، فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم ككثير مما يصح به الخبر، وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات، فمن رأى أن توسل الأعمى كان بذاته صلى الله عليه وسلم فعليه أن يقف عنده ولا يزيد عليه، كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالى. هذا هو الذى يقتضيه البحث العلمي مع الانصاف والله الموفق للصواب ). اهـ

فقل لي بربك لماذا كان كل هذا المراء من أساسه، وترك الدليل الى التقليد؟

بيد أن عبارته فيها هنات لا تخفى، فقصره بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط لا دليل عليه، وهو تخصيصٌ بدون مخصص، فالخصوصية لا تثبت إلا بدليل.

٤٠٩

وإذا كان الإمام أحمدرحمه‌الله يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينقل عنه المنع من التوسل بغيره، ومن نقل عنه ذلك يكون قد افتأت عليه؟!

والحنابلة وهم أعرف بإمامهم لم يذهبوا الى القصر الذي ادعاه الألباني! فيقول ابن مفلح الحنبلي في الفروع ١/٥٩٥: ( ويجوز التوسل بصالح وقيل يستحب قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسله في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره ). اهـ.

وقال الشيخ الممدوح في ص ٣١:

وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر الى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامـى عصمة للأرامل

وهو قول أبي طالب، والشاهد فيه قوله: ( يستسقى الغمام بوجهه ) فتمثل عبد الله بن عمررضي‌الله‌عنهما بقول أبي طالب، وتذكره له مع النظر للنبي صلى الله عليه وسلم، يدل على توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، وهو نصٌ لا يحتمل غيره.

وقد أجاب الشيخ بشير السهسواني على هذا النص الصريح إجابة مندفعة فقال ص ٣٧٣: فإن قلت: لفظ ( يستسقى الغمام بوجهه ) يدل على أن التوسل بالذوات الفاضلة جائز؟

قلت: المكروه من التوسل هو أن يقال أسألك بحق فلان أو بحرمة فلان، وأما إحضار الصالحين في مقام الاستسقاء، أو طلب الدعاء منهم فهو ليس من المكروه في شيء، بل هو ثابت بالسنة الصحيحة. اهـ.

وقال في موضع آخر ص ٢٧٤: وإذا كان حضور الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والضعفاء سبباً للنصر والفتح، فما ظنك بحضور سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم؟ اهـ.

٤١٠

ثم قال في ص ٢٧٥: فالمراد بوجهه في قول أبي طالب: ( يستسقى بوجهه ) ببركة حضور ذاته أو بدعائه. اهـ.

قلت وبالله التوفيق: صرف السهسواني هذا التوسل الى التبرك بالذات أوالدعاء فيه نظر، أما الدعاء فظاهر أن كون المراد بيستسقى بوجهه ببركة حضوره فيمكن أن يكون كذلك إن كان التبرك والتوسل عنده مترادفان وهو الصواب، وهو ما صرح به البدر العيني فقال في عمدة القاري ٧/٣٠: معنى قول أبي طالب هذا في الحقيقة توسل الى الله عز وجل بنبيه، لأنه حضر استسقاء عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وسلم معه، فيكون استسقاء الناس الغمام في ذلك الوقت ببركة وجهه الكريم. ا هـ.

وإن لم يكن، فلفظة ( يستسفى الغمام بوجهه ) هو عين التوسل، ولا بد من حمل النص على ظاهره، ولا يصرف إلا بدليل ولا صارف هنا. والله أعلم.

وللعلامة محمد بن علي الشوكاني كلمة في جواز التوسل بالأنبياء وغيرهم من الصالحين رد فيها على من منعه وفند إيراداته، فقالرحمه‌الله في كتابه ( الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ) ما نصه:

أما التوسل الى الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه، فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام إنه لا يجوز التوسل الى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم إن صح الحديث فيه.

ولعله يشير الى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه، والترمذي وصححه، وابن ماجة، وغيرهم، أن أعمى أتى النبي...

وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين: الإول، ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. والثاني، أن التوسل الى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة، إذ لا يكون فاضلاً إلا بأعماله، فإذا قال القائل: اللهم إني أتوسل اليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به

٤١١

من العلم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل...

فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز، أو كان شركاً كما زعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه، لم تحصل الاجابة لهم ولا سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم!

وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى ( ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ) ونحو قوله تعالى ( فلا تدعوا مع الله أحداً )، ونحو قوله تعالى ( له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ) ليس بوارد، بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه... وهكذا الإستدلال على منع التوسل بقوله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) يا فلان ابن فلان لا أملك لك من الله شيئاً، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئاً، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلاً عن غيرهم شيئاً من الله. وهذا معلوم لكل مسلم، وليس فيه أنه لا يتوسل به الى الله، فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي، وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سبباً للاجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين. انتهى كلام الشوكانيرحمه‌الله .

وقال الآلوسي: أنا لا أرى بأساً في التوسل الى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى حياً وميتاً، ويراد بالجاه معنى يرجع الى صفة من صفاته تعالى مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته، فيكون معنى قول القائل: إلَهي أتوسل اليك بجاه نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم أن تقضي لي حاجتي، الَهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي.

٤١٢

ولا فرق بين هذا وقولك: الَهي أتوسل اليك برحمتك أن تفعل كذا، إذ معناه أيضاً الَهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا. انتهى من جلاء العينين ص ٥٧٢.

وقال الممدوح في ص ٣٧:

التوسل ليس من مباحث الاعتقاد:

التوسل من موضوعات الفروع، لأن حقيقته اتخاذ وسيلة أي قربة الى الله تعالى. قال الله عز وجل ( يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ).

والتوسل على أنواع، وأمره يدور بين الجواز والندب والحرمة، وماكان أمره كذلك فهو من الاحكام الشرعية التي موضوعها علم الفقه.

وإقحام موضوعات الفقه في التوحيد والعقائد خطأ يجب مجانبته، حتى ينزل كل بحث منزلته.

وهذا الإمام أبو حنيفة يقول: ويكره أن يقول الرجل في دعائه: أسألك بمقعد العز من عرشك. اهـ ( الجامع الصغير للامام محمد ص ٣٩٥ مع النافع الكبير ) فعبر الإمام أبوحنيفةرحمه‌الله بقوله ( يكره ) فدار الأمر بين الكراهة التنزيهية أو التحريمية، كما قرره أصحابه في كتاب ( الكراهية ) أو الحظر والاباحة من مصنفاتهم الفقهية.

والسادة الفقهاء يذكرون التوسل في باب الاستسقاء، وعند زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

أما سلك بحث التوسل في العقائد وجعله وسيلة من وسائل الشرك، فبدعةٌ قد حلت بالمسلمين، ومسلكٌ قد زرع العداوة بينهم، ونفخ في بوق الخلاف بين الأخ وأخيه، والأب وابنه!

ومن قلب النظر في عشرات الكتب والرسائل التي يصنفها بعض المعاصرين التي تتحدث عن ( منهج أهل السنة والجماعة ) و( وأصول أهل السنة ) و( عقيدة الفرقة الناجية ) أو ( العقيدة الصحيحة ) و( مجمل أصول أهل السنة والجماعة ) و

٤١٣

(خصائص ومميزات )... لرأى الهول والجهل معاً ووقف على أنواع من التشدد كادت أن تأتي على الأخضر واليابس.

وينبغي على العقلاء كشف أوضار وأخطار هؤلاء الجهلة، ومن على شاكلتهم من المتاجرين بالخلاف بين المسلمين.

وإن المرء لا يعجب ممن يأخذ بأحد الرأيين، ولكنه لا ينقضي عجبه ممن يتبع أحد هذين الرأيين، ثم يجعل ما اتبعه هو الحق الذي يجب المصير اليه ويجعل من اختيار الآخرين للرأي الآخر برهان كونهم مبتدعة يجب مفارقتهم ويجب..ويجب!

فقل لي بربك أي عالم من علماء الأمة يقر هذا المسلك المتخلف العجيب! ولطالما اتهم كثير من عباد الله الصالحين بالابتداع وغيره، وعند المحقاقة تجد الحق معهم والجهل مع غيرهم، فالى الله المشتكى مما اليه أمر المسلمين.

وقال الممدوح في ص ٤١:

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الكريم لنوع من رسائل التهويل والتضليل والتعدي على المسلمين، وما أكثرها.

من هذه الرسائل رسالة باسم ( وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) يعيب المؤلف فيها على صاحب كتاب ( للدعاة فقط ) مسائل منها قول الإمام حسن البنارحمه‌الله : ( والدعاء إذا قرن بالتوسل الى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء، وليس من مسائل العقيدة ). اهـ ص ٢٥.

وهذا حق لا مرية فيه، ومنكره منكر للمحسوس ومكابر في الضروريات، ولأن صاحب الرسالة المذكورة وقف على بعض الرسائل التي ترشح بالتهويل والتضليل وتعميق الخلاف بين المسلمين، جرى المسكين في فلك هذه الرسائل فأبرق لمن يفتيه وفق مراده، فأفاده بعضهم بقوله المضحك المبكي ( هو صالح الفوزان ):

التوسل في الدعاء بذوات الصالحين أو حقهم أو جاههم يعتبر أمراً مبتدعاً ووسيلةً من وسائل الشرك، والخلاف فيه يعتبر خلافاً في مسائل العقيدة لا في

٤١٤

مسائل الفروع، لأن الدعاء فيه أعظم أنواع العبادة، ولا يجوز فيه إلا ما ورد في الكتاب والسنة... الخ ص ٣١ - ٣٢.

قلت: لا يخفى أن الأحاديث والآثار الصحيحة والحسنة ترد قوله، ولو استحضر هذا المجيب حديثاً واحداً منها، وليكن حديث توسل الأعمى بالنبي صلى الله عليه وسلم واستعمال عثمان بن حنيف له، وزيادة حماد بن سلمة الصحيحة، وكان مع استحضاره منصفاً وترك تقليد غيره، لأعرض عما تفوه به، فإن أبى ترك التقليد فأولى به تقليد إمامه في توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجماعة من السلف، كما نقله ابن تيمية في التوسل والوسيلة ص ٦٥، ٩٨!

فاذا كان أحمد وجماعة من السلف لا يعرفون الشرك ووسائله، وعرفه هذا المستدرك عليهم، فليكن ماعرفه هو سب السلف وأئمة الدين ورميهم بالعظائم لا غير.

نعم الدعاء من أعظم أنواع العبادة، كلمةُ حقٍ أريد بها باطل، لكن المتوسل لا يدعو إلا الله جل وعز، ولكنه اتباعاً لقول بقول الله تعالى ( وابتغوا اليه الوسيلة ) توسل في دعائه. وهذه الوسيلة مختلفٌ في بعض أنواعها منها ما يجوز، ومنها ما لا يجوز.

فالأمر فيه خلاف، ومحل هذا الخلاف موضوع علم الفقه، أما علم العقيدة أو التوحيد فيتكلم في الالَهيات والنبويات والسمعيات، فلا معنى لادخال بحث التوسل في العقيدة، وبونٌ كبير بين العالمين!

وقال الممدوح في ص ٤٧:

وإذا كان صاحب رسالة ( وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) قد اعتمد على غيره، فإن أبا بكر الجزائري قد اعتمد على نفسه، فزاد الطين بلة، وكفر قسطاً وافراً من المسلمين فقال ما نصه:

إن دعاء الصالحين والاستغاثة بهم والتوسل بجاههم لم يكن في دين الله تعالى قربةً ولا عملاً صالحاً فيتوسل به أبداً، وإنما كان شركاً في عبادة الله محرماً

٤١٥

يخرج فاعله من الدين ويوجب له الخلود في جهنم. انتهى بحروفه من كتابه عقيدة المؤمن ص ١٤٤.

والصحيح أن المؤمن لا يعتقد ذلك في إخوانه المؤمنين الذين يعتقدون ألا مؤثر إلا الله عز وجل، وغاية عملهم أنهم علموا منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه فتوسلوا به واتبعوا الأدلة الصحيحة، وقد تأسوا في ذلك بالصحابة رضوان الله عليهم. وقد أخطأ أبو بكر الجزائري فكفَّر عباد الله الصالحين، وهذا التكفير الجزاف لا ارتباط له بكتاب أو سنة، ولا بما عليه السواد الأعظم، ولم يقل ذو عقل ودين بمقولته الفاسدة إلا من كان على رأي الخوارج!! نسأل الله العافية.

وللاسف قد طبع كتابه مرات، وليتأمل القارىَ المنصف كم من المسلمين فتنوا بهذا الباطل! والله المستعان.

وقال الممدوح في ح ص ٤٨:

وإذا كان أبوبكر الجزائري قد تفوه بالتكفير، فهناك آخر هو محمد صالح العثيمين الذي أصر على اعتبار التوسل من مباحث الاعتقاد واستدل على مقولته بما لم يصرح به مسلم فقال:

وبالنسبة للتوسل فهو داخل في العقيدة لأن المتوسل يعتقد أن لهذه الوسيلة تأثيراً في حصول مطلوبه ودفع مكروهه، فهو في الحقيقة من مسائل العقيدة، لأن الانسان لا يتوسل بشيء إلا وهو يعتقد أن له تأثيراً فيما يريد. اهـ

من فتاوى ابن عثيمين ٣/١٠٠ كما نقله عنه جامع ( فتاوى مهمه لعموم الأمة ).

قلت: أثبت العرش ثم انقش، فمن الذي أطلعك على ما في صدور المتوسلين حتى تصرح بهذه المقولة الشنيعة.

إن ما قاله منافٍ للاعتقاد تماماً، فكل مسلم يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله جل وعز هو النافع وهو الضار، وأن المؤثر الحقيقي هو الله، وأنه وحده مسبب الأسباب، فلا

٤١٦

فاعل إلا الله، ولا خالق سواه، واليه يرجع الأمر كله. وغاية ما في المتوسل أن يقول: اللهم إني أسالك أو أتوسل اليك بنبيك صلى الله عليه وسلم، مثلاً.

فالمتوسل سأل الله تعالى ولم يسأل سواه، ولم ينسب الى المتوسل به تأثيراً أو فعلاً أو خلقاً، وإنما أثبت له القربة والمنزلة عند الله تعالى، وتلك المنزلة ثابتةٌ له في الدنيا والآخرة، واليه نذهب يوم القيامة طلباً للشفاعة.

ومن اعتقد أن إخوانه المسلمين يعتقدون أن المتوسل به له تأثير، فيكون قد كفَّرَهم، ووضع نفسه مقام العارف بما في الصدور!

وهذه فتاوى يضحك بها هؤلاء على البسطاء ليوضحوا لهم أن المتوسلين من جلدةٌ أخرى! وكلام العثيمين ينسحب الى التوسل كله. والحق يقال: إنه كلام لا علاقة له بالعلم، وكم من حوادث وفتن تتبع هذه الفتاوى، وكم من جاهلٍ كفَّر أبويه أو أهل خطته بسبب اغتراره بمثل هذه الفتاوى، ولو تمهل المفتي وفكر قليلاً لأدرك سخف مقولته.

والعجب أنه أطلق وماقيَّد، فهل للعمل الصالح المتوسل به تأثيراً بذاته. ومحالٌ أن الصحابة اعتقدوا هذا الاعتقاد في النبي صلى الله عليه وسلم، والعباس ويزيد عندما توسلوا بهم، ومحالٌ أن يعتقد السلف، ومنهم الإمام أحمد الذين توسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ( كما صرح به ابن تيمية في التوسل والوسيلة ص ٩٨ ) هذا الاعتقاد الفاسد.

والحنابلة يجوزون أو يستحبون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كما صرح امامهم ابن قدامة بذلك في المغني، فهل يراهم يعتقدون مثل هذا الاعتقاد؟ !!

إن من الآفات المردية التسرع في رمي العباد بالعظائم.

والحاصل أن ماقاله العثيمين لا يصلح دليلا على ما ادعى، بل هو مما يدوم ضرره، لأن آثاره نراها دارجة تفرق بين المسلمين! نسأل الله لنا جميعاً الهداية والتوفيق، ولو حسن الشيخ الظن باخوانه المسلمين لكان له موقف آخر.

٤١٧

كتاب ( حقيقة التوسل والوسيلة على ضوء الكتاب والسنة )

تأليف موسى محمد علي - الناشر دار التراث العربي بمصر - طبعة ثانية - ١٤١٠

قال في صفحة ٢٧ وما بعدها:

والوسيلة ما يتقرب به الى الغير. والجمع الوسل، والوسائل، والتوسيل والتوسل واحد، يقال: وسل فلان الى ربه وسيلة، وتوسل اليه بوسيلة، إذا اقترب اليه بعمل.

وهي أيضاً: كل ما جعله الله سبباً في القربى عنده، ووصلة الى قضاء الحوائج منه، والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل اليه.

ولفظ الوسيلة عامٌ في الآيتين، فهو شاملٌ للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين، في الحياة وبعد الممات، وبإتيان الأعمال الصالحة على الوجه المأثور به... أخرج الطبراني في معجمه الكبير والأوسط بسند رجاله رجال الصحيح، وابن حبان والحاكم عن أنس أنه قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد أم عليرضي‌الله‌عنهما ، دخل عليها رسول الله.. الحديث، وفي آخره: أنه لما فرغ من حفر لحدها دخل رسول الله فاضطجع فيه وقال: الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، إغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فانك أرحم الراحمين.

ففي هذا الحديث الثابت، توسله عليه الصلاة والسلام الى ربه بذاته، التي هي أرفع الذوات قدراً، وبإخوانه من النبيين وجلهم موتى، عليهم جميعاً الصلاة والسلام .

فالتوسل بسيدنا رسول الله، والتوسل بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والتوسل بالصالحين من عباد الله سبحانه، والاستغاثة بهم جميعاً، على النحو الذي عليه الأمة، من اعتقاد أنهم عبادٌ مكرمون مقبولو الشفاعة، عند الله تعالى بفضله، هو مما أجمعت عليه الأمة، ودل عليه الكتاب، ونطقت به صحاح السنة، وأقوال العلماء.

٤١٨

وجواز التوسل وحسنه يعد بحق من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين والعلماء العوام من المسلمين.

وحسبك من انكار المنكر للاستعانة والتوسل، أنه قولٌ لم يقله عالم قبله، وقد وقفت له على كلام طويل في ذلك، رأيت أن أميل عنه ولا أتتبعه بالنقض والابطال، فإن دأب القاصدين لايضاح الدين وإرشاد المسلمين، تقريب المعنى الى أفهامهم، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه وأحكامه.

وعلى أي حال من الأحوال، ومهما بلغ قول المنكر من الانكار، فإن التوسل بالنبي جائزٌ في كل حال، قبل خلقه، وبعد خلفه، في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته في مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة، والجنة.

وهو على ثلاثة أنواع:

١ - النوع الأول: أن التوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به، أو بجاهه أو ببركته. وله ثلاث حالات:

أما الحالة الأولى: قبل خلقه فيدل على ذلك آثار عن الأنبياء الماضين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، اقتصرنا منها على بعض ما تبين لنا صحته، وهو ما رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين، وعبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة في مسنده: عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال: أوحى الله الى عيسى يا عيسى آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولاه ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا الَه إلا الله محمد رسول الله، فسكن.

وأما ما ورد من توسل نوح، وابراهيم، وغيرهما من الأنبياءعليهم‌السلام ، فذكره المفسرون، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له.

ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل، أو الاستعانة، أو التشفع أو التجوه. ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالى، ولا داعين إلا إياه، ويكون ذكر

٤١٩

المحبوب أو التعظيم سبباً في ذلك للاجابة، كما في الأدعية الصحيحة المأثورة: أسألك بكل اسم لك، وأسألك بأسمائك الحسنى، وأسألك بأنك أنت الله، وأعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك...

أما عن التوسل بدعاء الرسول وشفاعته، فيدل عليه قوله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.

وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالكرضي‌الله‌عنه ، أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله قائمٌ يخطب، فاستقبل رسول الله قائماً، قال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا. قال: فرفع رسول الله يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا...

فالنبي أقر هذا الأعرابي على التوسل به، وسعى في تحقيق ما توسل اليه...

الحالة الثانية: التوسل به بذلك النوع، بعد خلقه، في مدة حياته، فمن ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات: عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي فقال: ادع الله أن يعافيني...

والحالة الثالثة: أن يتوسل به بعد موته، لما رواه الطبراني في معجمه الكبير: عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت اليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك اليه فقال له عثمان بن حنيف: إيت الميضأة فتوضأ، ثم إيت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك الى ربك فيقضي حاجتي، وتذكر حاجتك...

والإحتجاج بهذا الأثر فهم عثمان بن حنيفرضي‌الله‌عنه ومن حضره ممن هم أعلم بالله ورسوله.

٢ - النوع الثاني: التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه، وذلك في أحوال:

الحالة الأولى: في حياته وهذا متواتر...

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523