العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196862 / تحميل: 8000
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

غلبة الغريزة على العلم:

ما أكثر المثقفين والعلماء الذين لا يملكون قوة الوقوف أمام تيار الميول الغريزية والرغبات اللاإنسانية، ولا يستطيعون ضبط نفوسهم في تلك المواقف!

ما أكثر المثقفين الذين يستطيعون تأليف كتاب حول قبح الارتشاء وأكل أموال الناس بالباطل، وإثبات فساد ذلك من الناحية الاجتماعية والقضائية والاقتصادية والسياسية والوطنية وغير ذلك من النواحي، ولكنهم في مقام العمل وفي مرحلة التطبيق، لا يتورعون من أخذ الرشوة، ولا ينصرفون عن الدرهم الواحد!

ما أكثر المتمدّنين الذي يعرفون أضرار الخمرة عن طريق العلم، ويعرفون عوارضها المختلفة على الكبد والكلية والأعصاب والجهاز الهضمي، ولكنهم لا يستطيعون الامتناع عن شربها حتى ليلة واحدة!

ولهذا فقد وردت أحاديث كثيرة في ذم العلماء الذين لا يطبّقون علمهم، وينقادون لأهوائهم... منها:

1 - قوله ( ص): (العلماء عالمان: عالم عمل بعلمه فهو ناجٍ، وعالم تارك لعلمه فقد هلك) (1) .

2 - وقد ورد أيضاً: (أوحى الله إلى داود: لا تسألني عن عالم قد أسكره حب الدنيا، فأولئك قطاع الطريق على عبادي) (2) .

3 - قال رسول الله ( ص): يا أبا ذر، إن شر الناس عند الله يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه) (3) .

____________________

(1) لئالي الأخبار ص 192.

(2) لئالي الأخبار ص 192.

(3) لئالي الأخبار.

٣٦١

4 - وفي حديث آخر: (أشد الناس عذاباً في القيامة، عالم لم يعمل بعلمه، ولم ينفعه علمه) (1) .

إن نسبة الجرائم والجنايات تزداد يوماً بعد يوم في الأمم المتمدنة في العالم بالرغم من الرقابات البوليسية الشديدة والعقوبات القانونية... وهذا هو أجلى شاهد على أن التمدن والرقي وارتفاع مستوى الثقافة عاجز بوحده من مقاومة طغيان الغرائز ودفع الإنسان إلى التمسك بالفضائل والمثل الإنسانية. ولحسن الحظ فإن علماء الغرب أنفسهم يعترفون بهذا!

(إن الأعمال التخريبية التي يرتكبها كثير من الناس بمجرد اضمحلال بعض القيود والموانع الاجتماعية؛ تثبت أنه وإن كان الأفراد يعيشون في المجتمع ويوجدون المدنيات المختلفة، لكنهم ليسوا متمدنين).

(هذه الأكثرية بهذا المعنى ليست متمدنة، حيث تحترم مظاهر المدنية تحت ضغط الرقابة الاجتماعية فقط) (2) .

الهمجية في لباس التمدُّن:

لقد كان العالم المتمدن يرفع عقائر السلام والرخاء والإنسانية قبل الحرب العالمية. ولكنه عندما اندلعت نيران الحرب انفجرت القنابل واضطرمت نيران المعارك الدموية وتحطمت الهياكل الجوفاء للمدنية وفقدت زينتها الظاهرة... وحينذاك ظهر العالم المتمدن في ثوب الهمجية والفوضوية - أي لباسه الواقعي - فقد استولت سحب الإجرام وسفك الدماء على سماء العالم وحل الحقد والانتقام محل الضحكات المصطنعة في وجوه الجماهير المتمدنة!

(النفي، والقتل العام للمدنيين، ومعسكرات العمل الإجباري ( التي لم يكن ينتشر فيها الجوع والأمراض السارية فحسب، بل كانت تستعمل فيها مختلف وسائل التعذيب

____________________

(1) مجموعات ورام ج 1|220.

(2) إنديشه هاي فرويد ص 116.

٣٦٢

والقمع والإرهاب) والتدمير الشامل اللامعقول بالقنابل... كل هذه الوسائل كانت تستعمل كأساليب طبيعية واعتيادية في الحرب. ولذلك فقد كان الخوف والاضطراب مستولياً على العالم أجمع في الحرب العالمية الثانية، وهكذا اختفت مظاهر احترام الحياة والمثل الإنسانية، والقيم الأخلاقية في كل مكان) (1) .

لقد كان فرويد ( وهو الذي يبدي مخالفته الصريحة للتعاليم الدينية والعقائد الإلهية) قبل الحرب يأمل بانتشار التعاليم والقوانين التربوية وأصول المدنية الحديثة؛ حتى تستطيع أن تحل محل الدين في أفكار العامة وبذلك يوصل البشرية إلى الكمال المنشود لها... إنه يقول:

(إن ما لا شك فيه أن الدين قد قدّم خدمات مهمة إلى الإنسانية والمدنية نظراً للدور الكبير الذي لعبه في تهدئة الغرائز غير الاجتماعية، ولكنه لم يستطع أن يتقدم في هذا المجال بالمقدار الكافي) (2) .

إن فرويد يوصي بما يلي: (من المستحسن أن نختبر منهاجاً تربوياً غير ديني، فيعود الناس على غض النظر عن هذه التسلية، ولأجل أن يثبتوا أمام الأخطار والصدمات معتمدين على أنفسهم فقط، عليهم أن يهجروا هذا الملجأ).

إنه يعتقد بأن: (الفرد يستطيع في هذه الصورة فقط أن يكون إنساناً راشداً، وسيبدأ الكفاح مع القوى الشريرة في الطبيعة) (3) .

____________________

(1) انديشه هاى فرويد ص 117.

(2) انديشه هاى فرويد ص 96.

(3) انديشه هاى فرويد ص 97.

٣٦٣

أوهام فرويدية:

كان فرويد يعتقد قبل بدء الحرب العالمية بارتفاع المستوى الأخلاقي للأمة في ظل المدنية، إنه كان يتصور أن الإنسان يستطيع في ظل المدنية الحديثة وأصول التربية المادية أن يصل إلى طريق الفضيلة القيم العليا، لكن اندلاع نيران الحرب والجرائم التي وقعت فيه هزت أفكار فرويد، وقلبت تفكيره رأساً على عقب، فاعترف بأوهامه السابقة وتفكيره الخاطئ... وراح يقول:

(ولقد أدت مشاهدة الأعمال التي نتصورها غير مطابقة للمدنية، وما نتج من هذه الأعمال الوحشية من نظرتنا إلى البشر على أنهم مجرمون إلى أن نغرق في الألم والتأثر واليأس. ولكن هذا لا يأس والألم ليسا وجيهين في الحقيقة، وذلك أنا نعتبر سكّان العالم لهذه الجهة منحطين، وقد كنا مخطئين في نظرتنا إليهم قبل الحرب على أنهم في مستوى أخلاقي ومعنوي أعلى مما هم عليه) (1) .

(بعد سرد هذا البيان الموجز الذي يوضح فرويد فيه ضرورة وقوف المدنية أمام الاعتداءات البشرية، يستنتج أن الجهود والمحاولات المبذولة في هذا السبيل لحد الآن لم تكن مثمرة كما ينبغي، ولا تزال الاعتداءات موجودة حلف أستار المجتمع).

(هناك كثير من المتمدنين الذين يستاءون من تصور ارتكاب القتل أو الاتصال الجنسي مع المحارم، ولكن هؤلاء أنفسهم لا يعرضون عن إرضاء جشعهم وحرصهم واعتدائهم وأطماعهم الجنسية).

(إنهم إذا استطاعوا الفرار من العقاب، فسيلحقون الأذى

____________________

(1) انديشه هاى فرويد ص 117.

٣٦٤

بالأفراد الآخرين عن طريق الكذب، والخداع، والفتراء، وما شاكل ذلك...) (1) .

(إن الحكومة تعتبر جميع الأمور المخالفة للعدالة والاعتداءات الأخرى التي لا يسمح بها في الأوقات الاعتيادية مباحة في حال الحرب. ولذلك فإن الحكومة لا تكتفي بالاستعانة بالمكر والحيلة المواجهة العدو فقط، بل لا تمانع من الكذب العمد. ولقد لوحظ أن الكذب والتزوير كانا رائجين في الحرب العالمية بصورة غير مألوفة قبلاً) (2) .

التمدن الفاقد للإيمان:

إن المدينة المادية وأساليب التعليم والتربية التي لا تستند إلى الإيمان تعجز عن أن تقاوم الغرائز عند طغيانها وتحمي البشرية من السقوط والانهيار.

إن الحرب العالمية كشفت اللثام عن الوجه الحقيقي للمدنية بجرائمها التي تضمنتها والاعتداءات التي ارتكبت في أثنائها وأثبتت أن وراء ستار المدنية الزائفة هيكل موحش سفاك تهتز الإنسانية من تصوره، وتخجل أشد أمم العالم وحشية من سماعه.

إن أقوى وأسلم قوة تستطيع صد هجمات الغرائز والسيطرة عليها، وتتمكن من تلطيف حدة المشاعر... هي قوة الإيمان بالله. فالإيمان قادر على أن يقاوم كل الميول والرغبات اللامشروعة وينتصر عليها... القوة الإيمانية تحفظ الإنسان في أخطر لحظات الانحراف والانزلاق في الحياة وتمنع من سقوطه الإيمان بالله قوة لا تغلب ولا تدحر، وملجأ لا يتحطم (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصال لها).

إن أهم طابع يميز مدرسة التربية الإسلامية عن غيرها من الأساليب التربوية البشرية هو (الإيمان بالله).

____________________

(1) انديشه هاى فرويد ص 123.

(2) انديشه هاى فرويد ص 125.

٣٦٥

يشترك الإسلام وعلماء الأخلاق في دعوة الناس إلى الصلاح والاستقامة، لكن الفارق بينهما هو أن العلماء والقائمين على شئون التربية يهتمون قبل كل شيء بالسلوك الظاهري للأفراد، ويحاولون أن يربوا أفراداً مطيعين للقانون، ولا شأن لهم أو دخل في أسلوب تفكيرهم. أما الهدف من التربية في الإسلام فهو أن يتربى الأفراد، مضافاً إلى استقامة سلوكهم على التفكير السليم، وأن لا يحاولوا إلا الصلاح والخير.

النوايا الصالحة:

تهتم الدول المتمدنة والمدارس التربوية في العالم بالسلوك الصحيح للإنسان فقط. أما المذهب التربوي للإسلام فهو يهتم بالنوايا الصالحة والطاهرة للأفراد أكثر من أفعالهم الصالحة.

يقول الرسول الأعظم ( ص): (نية المؤمن خير من عمله) (1) .

وعن الإمام الصادق ( ع) ضمن حديث طويل: (والنية أفضل من العمل، ألا وإن النية هو العمل)، ثم تلا قوله عَزَّ وجَلَّ: ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) يعني: (على نيته) (2) .

إن الفرد المنقاد للقانون والمطبق للتعاليم الأخلاقية يعد في الدول المتمدنة فرداً صالحاً ومواطناً شاعراً بمسؤوليته ولو كان شعوره الباطن منحرفاً وسيئاً، أما المذهب الإسلامي فيرى أن المسلم الواقعي والشاعر بمسؤوليته هو الذي يعتقد بأساس الإسلام وتعاليمه القانونية والأخلاقية بالدرجة الأولى، ويعتبر ذلك كله دستوراً إلهياً، ومنهجاً قويماً لسعادته ونجاته، ثم يطبق تلك التعاليم وينفذ تلك الأوامر بالدرجة الثانية.

يتحدث المدعي العام للمحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية - الذي يعد من الشخصيات العلمية البارزة هناك - عن هذا الموضوع فيقول:

____________________

(1) الكافي لثقة الإسلام الكليني ج 2|84.

(2) وسائل الشيعة للحر العاملي ج 1|6.

٣٦٦

(للقانون الأمريكي صلة محدودة بتطبيع الواجبات الأخلاقية. ففي الحقيقة يمكن أن يكون المواطن الأمريكي إنساناً منحطاً وفاسداً من الناحية الخلقية. في نفس الوقت يمكن أن يكون فرداً مطيعاً للقانون. ولكن الحال على عكس ذلك في القوانين الإسلامية التي تنبع من إرادة الله، الإرادة التي كشفت لرسوله محمد ( ص)، هذا القانون وهذه الإرادة الإلهية يعتبران جميع المؤمنين مجتمعاً واحداً حتى لو كانوا من قبائل وعشائر مختلفة وموجودين في بلدان متباعدة ومتفرقة. إن المؤمن ينظر إلى هذا العالم على أنه ممر يوصله إلى عالم أرقى وأفضل وأن القرآن قد نظم القواعد والقوانين وأساليب سلوك الأفراد بالنسبة إلى بعضهم البعض وبالنسبة إلى المجتمع بصورة عامة كي يضمن ذلك التحول السليم من هذا العالم إلى العالم الآخر) (1) .

العمل المستند إلى الإيمان:

يستند أساس السعادة الإنسانية في الإسلام إلى دعامتين، الأولى: الإيمان، والأخرى: العمل الصالح. ولقد ورد التصريح بهذا الموضوع في القرآن الكريم في موارد عديدة بصورة: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ونظائرها. والنكتة التي تجلب الانتباه هنا هي أن الإيمان مقدم على العمل الصالح دائماً، ذلك أن الإسلام يرى أن الأعمال الصالحة يجب أن تستند إلى الاعتقاد الحقيقي، وتنبع من منبع الإيمان وهذا بنفسه هو أجلى صورة للمذهب الإسلامي بهذا الصدد فيما ذكرناه.

إن الأعمال الصالحة التي يكون لها منشأ روحاني وأساس إيماني ثابت في أعماق قلب صاحبها تشبه الشجرة النضرة التي تمتد جذورها في أعماق التربة، وتستمد حيويتها وطراوتها من الغذاء الذي تتناوله عن طريقها.

____________________

(1) مقدمة كتاب ( حقوق دار إسلام) ص ج.

٣٦٧

الرياء والتظاهر:

أما الأعمال الصالحة التي لا تملك أساساً إيماناً ثابتاً، بل يكون منشؤها هو الرياء والتظاهر أمام الناس، أو العادة الاجتماعية... لا تبقى ثابتة أبداً، بل هي معرضة للزوال أمام أبسط عامل مخالف.

إن الإحسان إلى الناس وإعانة الضعفاء من الأعمال الصالحة، فمن يقوم بهذا العم المقدس امتثالاً لأمر الله واحتراماً للإيمان، يعمل في كل مكان، وبلا أي منّة، بل يكون رائده الإخلاص وجلب رضى الله، دون النظر إلى مدح الناس وإطرائهم. أما الذي لا ينبع له إحسانه من رصيد إيماني، بل يكون دافعه إلى ذلك ظروف المحيط، والتظاهر أمام الناس، وانتشار أمره في الصحف والمجلات، فبمجرد أن تنتفي ظواهر الإطراء والمدح وتنقطع المجلات عن الحديث عنه، أو يجهل الناس إحسانه نجد أنه يتقاعس عن الإحسان، أو يتخلى عنه تماماً:

(يقول بعض الملحدين الذين يتميزون بصبغة أخلاقية: لما كانت المشكلة الأساسية هي إطاعة القوانين الأخلاقية، فإننا لو استطعنا تنفيذ هذه القوانين لأصبحنا في غنى عن الدين. هذا التفكير إنما هو علامة الجهل السيكولوجي. ذلك أن الإنسان يشكك دائماً في قيمة القواعد التي لا يعرف منشأها، مضافاً إلى أن سلوكاً كهذا دليل على عدم فهم المشكلة نفسها؛ لأن المقصود أن يتكامل الإنسان في باطنه أولاً كي يستطيع التفكير بصورة أخلاقية، ليس الهدف أن نحث الإنسان على أن يؤدي حركات أخلاقية. فما لم يكن سلوك كل فرد مرآة تعكس تكامله العميق الداخلي، فإن عملياته تعد سلسلة من التحديدات المتصنعة والمؤقتة التي تزول بأبسط مبرر. إن القواعد الأخلاقية إذا فرضت على الإنسان فرضاً فمهما كانت قيمتها العملية عالية، لكنها لا تستطيع أن تكافح الميول الحيوانية بصورة موفقة) (1) .

____________________

(1) سرنوشت بشر ص 216.

٣٦٨

(يرى بعض الكتّاب أنهم أجل من أن يحتاجوا إلى المقرّرات والأنظمة الدينية والأخلاقية، ولا يعتقدون بقيمتها المطلقة. إن سيطرة هؤلاء الأشخاص وانتشار آثارهم يمكن أن تكون هدامة. ولكن الغالبية منهم يغفلون عن هذه الحقيقة. إنهم يسندون أفكارهم إلى كلمات بعض الفلاسفة الكبار التي قرءوها بصورة سطحية أو لم يقرءوها أصلاً، فيرون أن (فولتير) و(داروين) كانا ملحدين والحال أن هذا مخالف للحقيقة.

ولإثبات هذا الادعاء ننقل نصاً لفولتير في موسوعته الفلسفية...).

الإيمان والقيام بالواجب:

إن المؤمنين بالله العظيم، والذين يعمر قلوبهم العشق الإلهي، يسعون في القيام بواجباتهم، والأعمال الصالحة بشوق ونشاط لا يتطرق الملل والكلل إليهما... ولا يتسرب إلى نفوسهم الرياء... إنهم يعملون لله وحده ولا ينتظرون الجزاء إلا من عظمته.

عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عَزَّ وجَلَّ: ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) . قال: (ليس يعني أكثر عملاً، ولكن أصوبكم عملاً، وإنما الإصابة: خشية الله والنية الصداقة والحسنة).

ما الذي نستنتجه مما مر؟ إن الإنسان الملحد وحش كاسر!

(إن بعض المهندسين الجاهلين للفلسفة ينكرون العلل الغائية، ولكن الفلاسفة الحقيقيين يذعنون لها. وكما يقول كاتب معروف: إن كتاب الدعاء هو الذي يعرف الله للأطفال، بينما يثبت (نيوتن) وجود الله للمثقفين).

(إن الإلحاد هو العيب المهم في عدة قليلة من الأذكياء والخرافة عيب الحمقى) (1) .

____________________

(1) سرنوشت بشر ص 156.

٣٦٩

الإيمان وتعديل الغرائز:

إن من أهم نتائج الإيمان الواقعي بالله، السيطرة على زمام الغرائز الثائرة، وضبط الرغبات اللامشروعة، فعندما يتحطم سد العقل والعلم والوجدان، ويفق مقاومته أمام الضربات القاصمة للغرائز، يثبت الإيمان بالله خشية الله، والنية الصادقة والحسنة. ثم قال:

(الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل والعمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عَزَّ وجَلَّ) (1) .

في قوته رصيناً وطيد الأركان... ويمنع من إسراف الغرائز، ويحفظ صاحبه من السقوط الحتمي، وقد اعتبر ذلك من علائم المؤمن في الروايات الإسلامية.

عن أبي جعفر (ع) قال: (إنما المؤمن، الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم سخطه من قول الحق، والذي إذا قدر لم يخرجه قدرته إلى التعدي إلى ما ليس له بحق) (2) .

لقد أشار هذا الحديث إلى ثلاثة ميول غريزية يعد كل منها مهواة سحيقة للإنسان. فما أكثر الناس الذين يرتكبون جنايات عظيمة استجابة لإحدى الرغبات النفسية. أما الرجال المؤمنون فإنهم يستطيعون في المواقع الحساسة بمساندة القوى المعنوية أن يحفظوا أنفسهم من التلوث والدنس.

يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) ضمن حديث طويل في بيان علائم المؤمن: (لا يحيف في حكمه ولا يجور في عمله، نفسه أصلب من الصلد، حياؤه يعلو شهوته، ووده يعلو حسده، وعفو يعلو حقده) (3) .

الإيمان والعزم:

يشير الإمام علي (ع) في هذه الجمل بعد الإشارة إلى الروح الصلبة والعزم الحديدي للمؤمنين، إلى أن غريزة الشهوة والحسد والانتقام مكبوتة في

____________________

(1) الكافي للكليني ج 2|16.

(2) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 15|94.

(3) المصدر السابق ج 15|97.

٣٧٠

نفوس الأشخاص المؤمنين وأن القوة الإيمانية تمنع من إسراف الرغبات المضطربة وهيجانها أكثر من الحد المقرر.

عن أبي عبد الله (ع) قال: (ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرة في حال غضبه أن يحيف على مَن تحت يده، ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة. ورجل قال بالحق في ما له وعليه) (1) .

في هذا الحديث يبين الإمام الصادق (عليه السلام) غلبة الإيمان على الميول النفسانية في ثلاثة أفراد.

وللرسول الأعظم (ص) بيان آخر يتضمن بعض صفات المؤمن فيقول: (... مشمولاً بحفظ الله، مؤيداً بتوفيق الله، لا يحيف على مَن يبغض، ولا يأثم في من يحب، لا يجوز، ولا يعتدي، لا يقبل الباطل من صديقة، ولا يرد الحق على عدوه) (2) .

إن المؤمنين بخالق الكون هم الرجال الأحرار في العالم وليس للميول النفسانية والحقد والبغضاء طريق إلى نفوسهم، أو مكنة في الانحراف بهم عن السلوك الصحيح والطريق المستقيم.

الإيمان والهدوء النفسي:

إن الأثر الثاني للإيماني بالله يظهر في الهدوء النفسي. إن المؤمنين الحقيقيين مضافاً إلى قدرتهم على تعديل غرائزهم وشهواتهم بفضل الإيمان يقدرون على الاحتفاظ بشخصيتهم أمام هجوم الحوادث، وقبال الضربات الشديدة التي توردها المصائب وآلام الحياة عليهم فلا يصابون بأي اضطراب أو قلق تجاهها.

لقد حاصرت الحوادث والمفاجئات الطبيعية في العالم مثل الموت والمرض والزلزال والفيضان، وما شاكل ذلك، البشر من جهة، والإخفاقات وحالات

____________________

(1) وسائل الشيعة للحر العاملي ج 4|38.

(2) بحار الانوار للعلامة المجلسي ج 15|82.

٣٧١

الفشل والانهيار في الحياة من جهة أخرى... بحيث تلاقي جميع الطبقات الاجتماعية الأمرين من تلك المصائب والويلات.

وكما تخطو البشرية في مجالات المدنية، وتزداد مباهج الحياة يوماً بعد يوم وتفتح العلوم الطبيعية أبواباً جديدة للذة على العالم كلما تتعقد المشاكل الاجتماعية وتتحرك حوافز الحرص والجشع وتثور دوافع حب المال والجاه ويطول الأمل، ويشتد السعي وراء اللذة، وتكثر الرغبات النفسانية. ومن الطبيعي في حاله كهذه، أن تزداد الإخفاقات والانهيارات الروحية ويسود القلق والاضطراب على العام:

مرض القلق:

لقد أدى القلق والاضطراب النفسي إلى تحويل ثلة كبيرة من المتمدنين المعاصرين في العالم إلى مرضى، وهذا المرض المؤلم قد سلب راحة المصابين به من الرجال والنساء.

فنجد البعض منهم يستعينون للحصول على نوم بضع ساعات والاستراحة بأقراص مخدرة ومنومة. أما في اليقظة فصراع دائب مع الآلام الباطنية والقلق المستمر!

والبعض الآخر يلجئون لنسيان أنفسهم لبعض الوقت، والتخلص من شر القلق الداخلي إلى استعمال المشروبات الروحية والحشيشة، وبعملهم هذا يهدمون صرح سعادتهم وسلامتهم.

أما القسم الآخر فإنهم قد فقدوا القدرة على المقاومة بالتدريج على أثر الضغط الروحي المتواصل والقلق المستمر إلى حيث الإصابة بالأمراض النفسية أو الجنون، وقضاء ما تبقى من العمر في مستشفيات المجانين بأسوأ حال وأشنع صورة!

وهناك طائفة تأزمت حالتها تجاه المضايقات الروحية المستمرة إلى درجة أنها أفلتت عنان الاختيار من يدها، وأقدمت على الانتحار هرباً من القلق والألم، وبهذا الوضع المزري ينهون تلك السلسلة من الاضطرابات.

٣٧٢

لقد اهتم قسم كبير من علماء النفس في الآونة الأخيرة بمعالجة مرض القلق الهدام، وألفوا في ذلك الكتب المختلفة، وتوصلوا إلى معالجة المصابين به عن طريق الإيحاء، والتحليل النفسي، وحل العقد النفسية... إن ما لا شك فيه أنهم تحملوا جهوداً كبيرة في هذا السبيل وتوصلوا إلى نتائج مفيدة... ولكن تلك النتائج ضئيلة، ولا يزال يتضاعف عدد المصابين بالأمراض النفسية يوماً بعد يوم.

إن الغارق في بحر القلق والاضطراب الشديد لا يجد من نفسه حافزاً لقراءة الكتب العلمية النفسية، ولا يملك القدرة على فهم تلك القواعد المجردة، كي يستطيع تنفيذ تلك الوصايا، وتخليص نفسه من القلق والاضطراب.

الإيمان وعلاج القلق:

هنا يظهر دور الإيمان الكبير في علاج مرض القلق. فإن المؤمنين يستدون إلى الله تعالى في مد الحياة وجزرها، ويستعينون بألطافه وعناياته باستمرار، ولذلك فهم يملكون أرواحاً قوية، ونفوساً تتحدى التحطيم، ولا يفشلون أمام تقلبات الحياة.

( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (1) . إن المؤمن لا يشعر بالصغار والذلة أبداً لأنه يجد أنه يستند إلى أعظم قوة في الوجود، ذلك هو الله تعالى: ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (2) .

وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى: ( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ) قوله (ع): (هي الإيمان بالله وحده لا شريك له) (3) .

كما أن حديثاً آخر يستند هذا الموضوع، ذلك أن الراوي يقول: سألت أبا عبد الله (ع) عن قوله عَزَّ وجَلَّ: ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ

____________________

(1) سورة الأحقاف |13.

(2) سورة الرعد |28.

(3) الكافي ج 2|14.

٣٧٣

الْمُؤْمِنِينَ ) قال: (هو الإيمان). قال: قلت ( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) ؟ قال: (هو الإيمان). وعن قوله: ( وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) ؟ قال: (هو الإيمان) (1) .

لقد ورد التعبير عن الهدوء النفسي، والارتياح الباطني عند المؤمنين في القرآن الكريم بعبارات مختلفة، ولقد قام النبي (ص) والأئمة (ص) والأئمة (ع) بتفسير ذلك كله بالإيمان... فالإيمان هو القوة الرصينة والقدرة التي لا تزلزل والتي إذا حلت في كل قلب، لم يصب ذلك القلب بقلق أصلاً، بل يستطيع أن يثبت في أحرج المواقف.

(يقول ويليام جيمس أبو علم النفس الحديث وأستاذ الفلسفة في جامعة (هارفرد): إن أشد العقاقير تأثيراً في رفع القلق هو الإيمان بالله والاعتقاد الديني) (2) ، (إن الإيمان هو أحد القوى البشرية التي يحيا الإنسان بمددها، وإن فقدانها الكامل يعني سقوط الإنسانية) (3) .

تشكل القيمة المعنوية للإيمان، وآثاره العجيبة في قلوب المؤمنين، فصلاً مستقلاً من فصول علم النفس الحديث في العالم، ذلك أن كثيراً من الأطباء النفسانيين يستفيدون من قوة الإيمان في حل أعقد العقد النفسية عند المصابين!

الإلحاد والقلق:

يعترف العلماء المعاصرون بأن قسماً مهماً من الاضطرابات الباطنية والأمراض النفسية والانتحارات منشؤها فقدان الإيمان. (في الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ معدل الانتحار: عملية انتحار واحدة كل (35) دقيقة، ويصاب في كل دقيقتين شخص بالجنون. وإذا كان لهؤلاء نصيب من الهدوء

____________________

(1) الكافي ج 2|15.

(2) دع القلق وابدأ الحياة ص 159.

(3) نفس المصدر 155.

٣٧٤

والاطمئنان اللذين يبعثهما الدين والعبادة للإنسان، كان من الممكن أن يمنع ذلك من حدوث أكثر هذه الانتحارات والإصابات بالجنون).

(يقول الدكتور (كارل جونك) أشهر الأطباء النفسانيين في أحد كتبه: لقد راجعني في طي الثلاثين عاماً الأخيرة أناس من جميع الدول المتمدنة في العالم. وقد عالجت مئات المرضى، ولم يوجد بين جميع هؤلاء المرضى الذين كانوا يقضون النصف الثاني من حياتهم، أي الذين تزيد أعمارهم على الخمس والثلاثين سنة، لم يوجد بينهم واحد لم ترتبط مشكلته بوجدان عقيدة دينية في الحياة في نهاية الأمر. ولذا أستطيع القول بكل تأكيد: إن كلاً منهم كان قد تمرّض لفقدانه ما تهبه الأديان الحية في كل عصر لأتباعها، وإن الذين لم يسترجعوا عقائدهم الدينية لم يوفّقوا للعلاج أصلاً) (1) .

إيمان الأنبياء:

إن أجلى مثال للإيمان وآثاره العجيبة يمكن مشاهدته في تاريخ الأنبياء. إنهم قاموا في ظروف شديدة ومعقدة جداً، مليئة بالأخطار والمشاكل، وكانوا يتعرّضون للموت في كل لحظة، ولكنهم استمروا على بث دعوتهم بلا أي اضطراب أو قلق؛ ذلك أنهم كانوا مؤمنين بالله وكانوا يرون أنفسهم في حماه وتحت كنفه.

ولقد تعلم اتباع الأنبياء دروس الهدوء النفسي من قادتهم فراحوا في ظل إيمانهم بالله أقوياء إلى درجة أنهم لم يتزعزعوا أمام الحوادث والمصائب التي يلاقونها، فلا يقعون فريسة القلق والاضطراب... كان نظرهم متجهاً في الحرب والسلم، في الفقر والغنى، في الموت والمرض... وفي كل الحالات، إلى الله تعالى، متطلّعين إلى رحمته وكرمه.

وعلى سبيل المثال نذكر قصة هذه المرأة المسلمة:

____________________

(1) دع القلق وابدأ الحياة ص 154.

٣٧٥

(خرجت مع صديق لي بالبادية فاضللنا الطريق، فإذا رأينا في يمين الطريق خيمة فقصدناها فسلمنا، فإذا امرأة ردت علينا السلام، فقالت: من أنتم؟ قلنا: ضالين قصدناكم لنأنس بكم. فقالت: أديروا وجوهكم حتى أعمل من حقكم شيئاً، ففعلنا، فقالت: أجلسوا حتى يجيء ابني، وكانت ترفع طرف الخيمة وتنظر. فرفعتها مرة، فقالت: أسأل الله بركة المقبل. وقالت: أما الناقة فناقة ابني، وأما الراكب فليس هو. فلما ورد الراكب عليها قال: يا أم عقيل عظم الله أجرك بسبب عقيل، قالت: ويحك مات عقيل؟ قال: نعم. قالت: بما مات؟ قال: ازدحمته الناقة وألقته في البئر. فقالت له: أنزل وخذ زمام القوم. فقربت إليه كبشاً فذبحه وصنعت لنا طعاماً، فشرعنا في أكل الطعام ونتعجّب من صبرها. فلما فرغنا خرجتْ إلينا وقالت: أيها القوم أفيكم من يحسن في كتاب الله شيئاً؟ قلت: بلى! قالت: اقرأ عليّ آيات أتسلى بها من موت الولد. قلتُ: الله عَزَّ وجَلَّ يقول: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ... *... الْمُهْتَدُونَ ) ، قالت: الله! هذه الآية في كتاب الله هكذا؟ قلت: أي والله، إن هذه الآية في كتاب الله هكذا، فقالت: السلام عليكم فقامت وصلت ركعات، ثم قالت: اللَّهُم إني فعلت ما أمرتني به، فأنجز لي ما وعدتني به) (1) .

أي قوة غير الإيمان بالله قادرة على تهدئة خاطر امرأة ثكلى بهذه السرعة والسلامة؟! أي قدرة غير الاعتقاد الديني تستطيع إطفاء لهب الحزن والويل من روح أم أصيبت بموت ولدها الشاب، بهذه الفورية؟!

إحياء الفطرة الأولى:

نعود فنلخّص ما ذكرناه فيما سبق، وهو أن الإيمان بالله إحياء لأولى القوى الفطرية عند الإنسان... إن الإيمان بالله كفيل بتنفيذ أوامر الوجدان الأخلاقي... وهو أعظم ملجأ للإنسان، وأكبر عامل للهدوء النفسي

____________________

(1) لئالي الأخبار ص 305 الطبعة الحديثة.

٣٧٦

واطمئنان الخاطر... وبصورة موجزة، فهو أهم أسس السعادة البشرية وأولى المواضيع التي اهتم بها الأنبياء في دعوتهم.

إن المربي الكفء والقدير هو الذي يلفت نظر الطفل منذ الصغر نحو الله تعالى، ويلقنه درس الإيمان به بلسان ساذج بسيط. إن على المربي القدير أن يتحدث إلى الطفل عن رحمة الله الواسعة اتباعاً لمنهج القرآن الكريم، ويبذر في نفسه بذور الأمل، ويفهمه أن اليأس من روح الله ذنب عظيم.

يجب أن يعرف الطفل منذ الصغر أن لا ييأس أمام حوادث الزمان، فالله قادر على حل مشاكله وتيسير أموره. فإن رفعنا يد الحاجة نحوه، ساعدنا على مهمتنا.

على المربي أن يفهم الطفل أن أعظم الواجبات الإنسانية هو جلب رضى الله، وإن رضى الله يكمن في إطاعة أوامره التي بعثها إلينا، عن طريق نبيه العظيم، إن الصدق والأمانة يسبّبان رضى الله، والخيانة تسبّب غضبه.

يجب على المربي أن يوقظ الإحساس بالمسئولية أمام الله في الطفل منذ الطفولة، ويحثه على الشعور بواجبه، وإشعاره بالأسلوب البسيط: أن الله يراقبك في كل حال، ويطلع على أفعالك الصالحة والطالحة، ولا يخفى شيء على الله... إنه يجازيك على حسناتك ويعاقبك على سيئاتك.

إن الآباء والأمهات الذين يحيون الفطرة الإيمانية عند الطفل، ويربونه مؤمناً منذ الصغر، فإنهم يصبون ركائز سعادته بذلك من جهة، ويكونون قد قاموا بأول واجباتهم في التربية من جهة أخرى.

٣٧٧

٣٧٨

المحاضرة الخامسة عشرة:

التربية في ظل العدل والحرية

قال الله تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (1) .

حب الكمال:

من الأمور الفطرية عند الإنسان، والتي يمكن أن تكون أساساً ثابتاً لتربية الطفل: غريزة التفوق، وحب الكمال. إن الرغبة في الترقي والتعالي تعتبر من فروع حب الذات المودع في فطرة كل إنسان، وعلى المربي القدير أن يستغل هذه الثروة النفسية، ويقيم شطراً من الأساليب التربوية الصحيحة على هذا الأساس، فيسوق الطفل إلى طريق الترقّي والتعالي.

لقد ورد بهذا الصدد حديث عن الإمام الحسن (ع): أنه دعا بنيه وبني أخيه، فقال: (إنكم صغار قوم، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلّموا العلم... فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته) (2) .

وفي هذا الحديث نجد أن الإمام الحسن (عليه السلام)، لأجل أن يحث أبناءه وأبناء أخيه على اكتساب العلوم ويشجعهم على ذلك يستفيد من حب الذات والترقي عندهم - وهو أمر فطري - من دون أن يتوسل إلى الزجر والأساليب المخيفة، ويفهمهم أن تحصيل العلم في اليوم، سبيل الوصول إلى العزة والعظمة في الغد.

____________________

(1) سورة آل عمران |159.

(2) بحار الأنوار ج 1|110.

٣٧٩

إن الأسلوب المستعمل في هذا الحديث يعد من أعظم الأساليب في مجال التعليم والتربية في العصر الحديث، فكل أسرة تستطيع أن تشجع أبناءها على تحصيل العلوم بهذا الأسلوب، وتدفعهم منذ البداية إلى التعالي والترقي فإن الأطفال يسعون وراء العلم بدافع ذاتي فيما بعد، ولا يحتاجون إلى التهديد والتعقيب.

التكامل في ظل الحرية:

والنكتة الجديرة بالملاحظة هي أن الإرضاء الصحيح لغريزة حب التفوق والوصول إلى الكمال الحقيقي يمكن أن يتحقق في ظل الحرية والعوامل المساعدة فقط، وبدونها لا يكون نيل الكمال الواقعي ميسراً وبعبارة أوضح: إن الإنسان يستطيع السعي وراء الكمال وإرضاء الميول الباطنية بالنسبة إلى بلوغ طريق التعالي في الصورة التي يكون طريق التقدم مفتوحاً أمامه، ولا تعتاقه العوارض والموانع، فما أكثر الثروات النفسية التي ظلت عاطلة وفاقدة للأثر، لعدم حصولها على العوامل المساعدة، وما أكثر الأشخاص الذين يصطدمون في طريق إحياء استعداداتهم الفطرية بالموانع الطبيعية أو الشخصية أو الاجتماعية أو السياسية ويقفون عندها محرومين من السير في مدارج الكمال والرقي!

إن زهرة صغيرة إذا لاقت عوامل مساعدة وجواً طليقاً وغذاء كافياً، تتفتح أكمامها ويفوح عطرها... وكذلك تكون الاستعدادات الداخلية عند الإنسان فإنها تزدهر وتنمو في الظروف المساعدة، وتعود عليه بالفوائد العديدة.

إن من أهم شروط التعالي والتكامل للأطفال والكبار هو كون الجو الذي يعيشون فيه حراً، ذلك أنه عندما يكفهر وجه المجتمع بالظلم والتجاوز ويسود الاستبداد والضغط الشديد... وحين يحل اليأس محل الأمل، والظلم محل العدل، والاستهتار والفوضى بدل القانون، والخوف بدل الهدوء... فمن المحتم أن ينقطع السبيل إلى التكامل في ذلك المجتمع.

والذين يعيشون في أمثال هذه المجتمعات لا يقدرون على إخراج استعداداتهم الخفية وذخائرهم المعنوية من مرحلة القوة إلى حيز الوجود

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

الشبهة السادسة:

استدلال المالكي بقوله تعالى( وَجَعَلُوا لِلَّـهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَـٰذَا لِلَّـهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّـهِ وَمَا كَانَ لِلَّـهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) . الأنعام - ١٣٦.

قال المالكي: فلولا أن الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الحجارة ما رجحوها عليه هذا الترجيح الذي تحكيه الآية واستحقوا عليه حكم الله عليهم بقوله ( ساء ما يحكمون ) انتهى. المفاهيم ٩٦.

الجواب: مشكلة المالكي أنه مولع بالتفرد والشذوذ والتقليد لاسلافه من القبورية!! ولما كان مكذبا لما حكاه القرآن ( ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ) قال هذا الكلام الساقط ( الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الأحجار )!!!!

كيف والأحجار ومن تمثلهم ماهم إلا وسطاء الى الله الكبير المتعال؟! صدق الله، وكذب المالكي.

وغاية ما في تصرف المشركين هذا أنهم كانوا ينذرون لله ولشركائهم ثم يجورون في القضية، فلا يصل الى الله شيء، وحجتهم أن الله غني عن هذا، وليس كما يدعي المالكي أن الله أقل في نفوسهم من الأحجار.

نعم محبة المشركين لأوثانهم، بل ومساواتهم لها مع الله في المحبة أمر معروف، بل منهم ومن سائر عباد القبور والأصنام من يؤثرهم على محبة الله.

لكن جعل ذلك دليلاً على عدم اقرارهم واعترافهم بربوبية الله من الإفك المبين...

وروي ابن جرير عن ابن عباس:

وذلك أن أعداء الله كانوا إذا احترثوا حرثا أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله منها جزءاً وللوثن جزءاً، فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه. فإن سقط منه شيء فيما سمي لله ردوه الى ما جعلوا للوثن.

وإن سبقهم الماء الى الذي جعلوه للوثن فسقى شيئاً جعلوه لله جعلوا ذلك

٤٦١

للوثن! وإن سقط شيء من الحرث والثمرة التي جعلوا لله فاختلط بالذي جعلوا للوثن قالوا: هذا فقير ولم يردوه الى ما جعلوا لله.

وإن سبقهم الماء الذي جعلوا لله فسقى ما سمي للوثن، تركوه للوثن. فتأمل تعليلهم بغنى الله وبفقر الأوثان.

وهذا من ضلالاتهم وسخافاتهم ولا شك! لكن أين ما فهمه المالكي أو افتراه؟ !!

ومهما يكن من أمر فهم معترفون بالله وينذرون له، ويقرون بربوبيته وبأنه غني. وهذا ما ينكره المالكي!

أقول هذا تعليقا على كلمة « آثارهم » فليست القضية الآن في المساواة أو التفضيل في المحبة، وانما القضية: هل هم مؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المتصرف؟

قلت: وقد رأيت من هو فقير معدم بخيل شحيح، لا يكاد يعرف الصدقة لله، لكنه حريص على الذهاب بالشاة ونحوها الى قبور الصالحين. فأي حب وايثار فوق هذا؟ ؟ !! بل الأمر أعظم من ذلك، فقد شافهني أحدهم بأنه يخشى أن تموت جميع أنعامه إن لم يفعل ذلك!

فلا حول ولا قوة إلا بالله. فهل هؤلاء ينكرون خالقية الله وربوبيته أم عبدوا معه غيره!! ساء ما حكم به المالكي. انتهى.

وجوابه:

إن هؤلاء المشركين إن صح فيهم ما تقول من توحيدهم لله تعالى! فإن شركهم لأصنامهم لم يكن فيه برهان من الله ولا سلطان!!

فكيف يقاس به توسل المتوسلين بالنبي وآله الطاهرين، الذي دل عليه الدليل وأنزل الله فيه البرهان والسلطان؟ !!

ان الكفار والمشركين اتخذوا آلهة وأولياء من دون الله تعالى.

والضالون اتخذوا اليه وسيلة من دونه، لم يأمر بها ولم ينزل بها سلطانا..

٤٦٢

أما نحن فنوحده ونطيعه ونبتغي اليه الوسيلة التي أمرنا بها وهي محمد وآل محمد صلوات الله عليهم.

والذين ينتقدوننا لم يفرقوا في موضوع التوسل والشفاعة بين ما هو من الله تعالى وما هو من دونه!!

وفي الفرق بينهما يكمن الكفر والايمان والهدى الضلال!!

وهل تقولون أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما علم الأعمى أن يقول ( يا محمد إني توجهت بك الى الله ) كان يعلمه الشرك والعياذ بالله؟ !! فماذا تفترون؟ !!

نماذج من كتاب وزير الأوقاف السعودي ردا على كتاب المالكي:

للسيد محمد علوي المالكي كتاب باسم ( مفاهيم يجب أن تصحح ) وقد نشر المدعو أبو محمد التميمي في شبكة الساحة العربية، رداً عليه أخذه من كتاب ( هذه مفاهيمنا ) للشيخ صالح آل الشيخ، وزير الأوقاف السعودي..

وهو رد ضعيف لأنه اعتمد فيها على الاستحسانات العقلية والظنية، وحاول تطبيق آيات المشركين على المتوسلين! مع أن المشركين اتخذوا شركاء أو وسائل من دون الله تعالى، بينما اعتمد المتوسلون على حجة شرعية من الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .. ولكن وزير الاوقاف أصر على عدم التفريق بين ماهو من دون الله وما هو من عند الله تعالى!!!

قال الوزير: الباب الأول، قال ص ٤٥: ( يقصد المالكي في كتابه المذكور ): الوسيلة: كل ما جعله الله سبباً في الزلفى عنده، ووصلة الى قضاء الحوائج منه. والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل اليه. اهـ.

أقول: كلامه حوى جملتين الأولى من الحق والثانية فيها اجمال به يتوصل الى ما نهى الله عنه، ولم يجعله وسيلة. فقوله: والمدار فيها.. الخ! مجمل يمكن تفسيره على أحد وجهين:

الأول: أن يدخل في ذلك ذوات الأنبياء والصالحين باعتبار أن لهم من المنزلة

٤٦٣

والزلفى عند الله ما يجل عن الوصف.

فإن كان هذا معنيا فالله سبحانه وتعالى لم يجعل ذوات الأنبياء والصالحين أو جاههم أو حرمتهم وسيلة اليه، ولا سببا للزلفى لديه.

وإنما جعل الوسيلة اليه هو اتباعهم وتصديق ما أخبروا به، واتباع النور الذي جاءوا به، والجهاد من أجل تقريره وتثبيته بين الخلق.

فهذا من الوسائل المشروعة التي يشرع للداعي بمسألة أن يقدمها بين يدي مسألته، ولا يصح للداعي دعاء عبادة دعاؤه إلا باتباعهم وتصديقهم.

فهذا من الوسائل المشروعة التي أمر الله بها وشرعها.

وأما الأنبياء والصالحون فليس من المشروع التوسل بذواتهم ولا جاههم ولا حرمتهم كما سيأتي بيانه.

وانما يشرع التوسل بدعائهم في حياتهم كما كان يفعله المسلمون زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده من طلب الدعاء في الاستسقاء وغيره.

وأما بعد مماتهم فليس التوسل بدعائهم ولا ذواتهم مشروعا باجماع القرون المفضلة. انتهى كلامه.

ولكن أين دليل الوزير على ما أفتى به وقال ( يشرع ولا يشرع في التوسل )؟ !!

انه فقط ظن عقله واستحسان ذوقه!! فهل يريدنا أن نأخذ الدين من عقله وظنه؟ !!

ثم قال الوزير:

الثاني: أن تكون الوسائل من الأعمال ونحوها مشروعة، لم تتبع فيها سبل المبتدعة وانما اتبع فيها السنة وهذا حق.

والكاتب أجمل ليدخل الوسيلة المبتدعة في خلال كلمات الحق، وقد بينا ما فيها. وما كان ينبغي له ذلك، وهو يفسر آية من كتاب الله.

وفي الوسيلة قولان ذكرهما أهل التفسير وقربهما ابن الجوزي في زاد المسير ٢٣٤٨ قال: أحدهما: أنه القربة، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد والفراء. وقال قتادة:

٤٦٤

تقربوا اليه بما يرضيه. قال أبو عبيدة: يقال توسلت اليه أي تقربت اليه. وأنشد:

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل

الثاني: المحبة يقول: تحببوا الى الله. هذا قول ابن زيد ) اهـ.

وفي أسئلة نافع بن الازرق لابن عباس: أخبرني عن قوله تعالى: ( وابتغوا اليه الوسيلة ) قال: الوسيلة الحاجة.

قال: وهل تعرف العرب ذلك؟

قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول:

ان الـرجال لهم اليك وسيلة

أن يأخذوك تكحلي وتخضبي

وفي المادة شواهد غير ما ذكر.

فالوسيلة: التقرب الى الله بأنواع القرب والطاعات، وأعلاها اخلاص الدين له والتقرب اليه بمحبته ومحبة رسوله ومحبة دينه ومحبة من شرع حبه، بهذا يجمع ما قاله السلف. وقولهم من اختلاف التنوع.

وتأمل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ) ففي تقديم الجار والمجرور ( اليه ) افادة اختصاص الوسائل بالله، لا يشركه معه فيها أحد. كما في ( اياك نعبد واياك نستعين ).

قال العلامة الشنقيطيرحمه‌الله في تفسيره ٢٩٨:

التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب اليه عامة العلماء من أنها التقرب الى الله تعالى بالاخلاص له في العبادة على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وتفسير ابن عباس داخل في هذا، لأن دعاء الله والابتهال اليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة الى نيل رضاه ورحمته.

وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين، وتلاعب بكتاب الله تعالى.

٤٦٥

واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به تعالى في قوله عنهم( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ )

وقوله( وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّـهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريقة الموصلة الى رضا الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل.

( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) الآية. انتهى كلامه.

وبالله عليك أي تحقيق حققه الوزير حتى يقول عنه ( وبهذا التحقيق )؟ !!

ولماذا حشر الآيات الثلاث التي لا دخل لها في الموضوع؟ !!

فإن الموضوع أن الاستشفاع والتوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : في حياته وبعد وفاته، أمر مشروع في الإسلام، فهو استشفاع من عند الله وليس من دونه!!

فعليه أن ينظر في أدلة الطرف من آية وحديث ويتكلم في دلالته وسنده، فإن لم تتم دلالته يمكنه أن يقول: هذا الاستشفاع والتوسل غير مشروع، فهو في رأيي استشفاع من دون الله تعالى، ومن يتشبث به مع علمه ببطلان دليله فهو يشبه الذين اتخذوا شفعاء من دون الله.

وهو مسألة فقهية عند أكثر المسلمين، لكنه عند ابن تيمية وعندي مسألة عقيدية، والمتوسل بالنبي بعد مماته بدون حجة مشرك!

هذا غاية مايمكن له أن يقوله.. ولكنه ترك أسلوب البحث الطبيعي، وأخذ يصدر القرارات الوزارية، وكأنه وزير دفاع لا أوقاف!!

ثم قال الوزير:

قال الكاتب ص ٤٣: إن التوسل ليس أمرا لازماً أو ضرورياً وليست الاجابة متوقفة عليه، بل الأصل دعاء الله تعالى مطلقا، كما قال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب.. انتهى.

٤٦٦

أقول: إذا كان الاصل هو دعاء الله تعالى بلا واسطة، فلم العدول عن الأصل الى غيره ولا يخفى أن غير الأصل لا يتمسك به إلا من عدم الأصل، والله جل جلاله حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، يحب أن يدعوه عبده وأن يرجوه وأن يخافه وأن يتوسل اليه بأسمائه وصفاته.

فإذا كان هذا لا ينقطع عن مسلم في أي بقعة كان، وهو الأصل الأصيل، فلم العدول عنه والتنكب له؟! أفتعدل الى طريق هي أهدى؟

تقول: إن التوسل الذي ننكره وهو التوسل بالذوات وعمل غير الداعي ونحوها، ليس الأصل بل الأصل معكم وأنتم حقيقون بالأصل.

تقر لنا بالهداية والإتباع، وترغب في مخالفة الأصل دون دليل صحيح.

أما في الأصل لك كفاية؟ أما في دعاء الله وحده بلا واسطة لك مقنع؟

إذا كان الحي القيوم الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء يحب أن يدعوه عبده كل حين: دعاء عبادة أو دعاء مسألة، وهو الذي يقول: وإذا سألك عبادي عني فإن قريب ) إذا كان كذلك، فلم العدول الى الأموات تتوسل بذواتهم أو جاههم أو حرمتهم، وغيرها من الألفاظ البدعية؟

لم لا يعلم المسلمون دعاء الله وحده، فتخلص قلوبهم من الالتفات الى غيره في دفع كربة أو رفع بلاء أو جلب نفع؟

علموهم هذا ولا تعلقوا قلوبهم بغير الله فيتخذوهم أندادا، فيذهب ذكرهم لربهم وحده، وحبهم له وحده، إذ نفعهم معلق في أذهانهم بوسائط.

ان من انفتح عليهم باب البدعة في التوسل ألقي بهم ولو بعد حين الى دائرة الاشراك، إذ هو طريقه وسبيله، ومنه يتدرج الى دعاء الأموات أنفسهم أو سؤالهم الشفاعة أو الإغاثة أو الإعانة.

وكل هذه صرح كاتب المفاهيم بتجويزها في مواضع من كتابه، كما سيأتي في مباحث الشفاعة.

٤٦٧

وكل ذلك من سيئات ترك الأصول المتفق عليها، واتباع المتشابهات المنهي عنها. انتهى كلام الوزير.

وكلام المالكي واضح وغرضه منه نفي تهمة أنه يقول بوجوب التوسل في الدعاء، بل الاصل دعاء الله مطلقا، كما أن التوسل في الدعاء جائز ولا بأس به.

وقد فسر الوزير قوله أن الاصل هو الدعاء مطلقا، تفسيراً سيئاً فجعل الأصل بمعنى القاعدة وجعل التوسل شذوذاً عن القاعدة!

ثم جعل الأصل بمعنى أن غير المتوسلين مهتدون، والمتوسلين ابتعدوا عن الهداية، أو ضلا!! وهو أسلوب سياسي وليس علمياً!

وقد بنى عليه الوزير بناءات وفرع تفريعات لنصرة رأيه، بغير حق!

فموضوع البحث هو مشروعية التوسل الى الله برسوله وغيره، فإن كان غير مشروع فلا يكون أصلاً ولا فرعاً، وإن كان مشروعاً يأتي البحث بعد ذلك: هل الأصل في الدعاء أن يكون بطريقة التوسل بالنبي، أم لا؟

وهو موضوع آخر نخالف فيه المالكي ونقول:

لا أصل لهذا الأصل المتوهم في الدعاء! ولا يوجد في الإسلام دعاء مقبول بدون توسل بالنبي وآله صلى الله عليهم!

فقد روينا عن أئمتنا، ورروا عن عمر وغيره أن الدعاء الذي ليس معه صلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يقبله الله تعالى!!

بل رووا وروينا أن صلاة المسلم لا تقبل إلا بهذا التوسل!!

ومهما فكرنا في الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي أمرنا بها الإسلام في افتتاح الدعاء، بل في افتتاح الصلاة وأثنائها وختامها.. لا نجدها إلا توسلا به وبآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

قال القاضي ابن عياض في الشفاء: ٢/٦٤:

عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه

٤٦٨

ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء... وعن عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه قال: الدعاء والصلاة معلق بين السماء والأرض فلا يصعد الى الله منه شيء حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة/١٣٩:

أخرج الدارقطني والبيهقي حديث: من صلى صلاة ولم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه. وكأن هذا الحديث هو مستند قول الشافعيرضي‌الله‌عنه : إن الصلاة على الال من واجبات الصلاة كالصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكنه ضعيف، فمستنده الأمر في الحديث المتفق عليه: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، والأمر للوجوب حقيقة على الأصح...

وروى الطبري في الذخاير/ ١٩، عن جابررضي‌الله‌عنه أنه كان يقول: لو صليت صلاة لم أصل فيها على محمد وعلى آل محمد، ما رأيت أنها تقبل. انتهى.

فهذه النصوص صريحة في أن الصلاة على النبي وآله وسيلة واجبة لقبول الصلاة والدعاء! وأنهما بدونها لا يقبلان عند الله تعالى.. وأي قيمة لأطنان من العمل المردود؟ !!

ثم قال الوزير: قال ص ٤٤:

ومحل الخلاف في مسألة التوسل هو التوسل بغير عمل المتوسل كالتوسل بالذوات والأشخاص. بأن يقول اللهم إني أتوسل اليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، أو أتوسل اليك بأبي بكر الصديق أو بعمر بن الخطاب أو بعثمان أو بعليرضي‌الله‌عنهم ).

أقول: الواجب عند الاختلاف الرد الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم أصحابه الكرامرضي‌الله‌عنهم كما قال تعالى:( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) .

٤٦٩

ومسألة التوسل بالذوات، وكذا التوسل بأعمال من انقضى سعيهم، لا خلاف عند السلف من الصحابة والتابعين أنها ليست من الدين، ولا هي سائغة في الدعاء.

وبرهان ذلك أنه لم ينقل عن واحد منهم بنقل صحيح مصدق أنه توسل بأحد الخلفاء الأربعة أو العشرة أو البدريين.

والعمل على وفق ما فهموه هو المنجي كما فصل في السلف والسلفية من هذا الكتاب، ومن ابتغى نهجاً جديداً فهو الخلفي، وليس له حظ منهم.

إذا تقرر هذا فالتوسل بالذوات ونحو ذلك ممنوع لا وجه:

الأول: أنه بدعة لم تكن معروفة عند الصحابة والتابعين وكل بدعة ضلالة، وليس على الله أكرم من الدعاء: وفي الحديث: الدعاء هو العبادة. أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما باسناد صحيح عن النعمان بن بشير.

فاذا كان عبادة بل هو العبادة فاحداث أمر في العبادة مردود باتفاق العلماء. انتهى كلام الوزير.

وجوابه: أن الحكم بأن التوسل بذات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعة مصادرة على المطلوب، لأن القائل به يعتقد به بسبب ماثبت عنده من تعليم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للأعمى، وتطبيق عثمان بن حنيف لذلك بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . فهل ماعلمه النبي وما فهمه الصحابة وطبقوه يكون بدعة واحداثا في الدين؟ !!

ثم قال الوزير:

الثاني: أن قول القائل: أتوسل بأبي بكر وعمر... خطأ محض جره اليه سقم فهمه وكثافة ذهنه واعتقاده أن كل شيء توسل به يكون وسيلة، وهذا غلط.

فمن قال أتوسل بأبي بكر مثلاً فقد جمع بين ذاتين لا وسيلة ولا طريق توصل وتجمع أحدهما بالآخر، فكأنما هذا القائل قد لفظ لفظاً لا معنى له بمنزلة من سرد الأحرف الهجائية، إذ لا اتصال بين ذات المتوسل والمتوسل به حتى يجمع بينهما.

فلا بد من جامع يتوسل به، وهو حب الصحابة مثلا، وهو من عمل المتوسل فإذا

٤٧٠

قال: أتوسل اليك رب بحبي لابي بكر أو بحبي لعمر أو بحبي لصحابة نبيك، كان هذا حسنا مشروعا. وكذا أن قال: أتوسل اليك بتوقيري وتعزيري وحبي واتباعي لنبيك نبي الرحمة، كان هذا من الوسائل النافعة.

فلازم ذكر الايمان أو العمل الصالح الذي يصل بين ذاتين، لا يجمع بينهما إلا بجامع. كما حكى الله عن عباده المؤمنين قولهم:( رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) .

وقوله( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ) .

والآيات في هذا الباب كثيرة.

فإذا كان خيرة الخلق الأنبياء والرسل وأتباعهم وحواريوهم لم يحيلوا على ما في قلوبهم، بل قالوا بلسانهم ما حواه جنانهم، وهم الذين لا يشك بما في قلوبهم أفلا يكون الخلوف الذين جاؤوا من بعدهم أولى وأحرى أن يفصحوا وأن يظهروا، وأن لا يتحيلوا لفاسد قولهم بالمجاز العقلي؟! انتهى كلام الوزير.

وقد اعترف هنا بجواز التوسل بالعمل، واعترف بأن الآيتين تضمنتا توسلا بالايمان واتباع الرسول!

ويقال له: ما هو الفرق الفقهي بين التوسل بالعمل والتوسل بالذات؟ ولماذا صار توسل المسلم بحبه لنبيه حلالاً وايماناً، وتوسله بمقام نبيه شركاً وكفراً؟ !!

إن كل الإشكالات التي أوردتها على التوسل والمتوسلين ترد عليه! ونفس الأسئلة التي توجهونها الى المتوسلين بالنبي تتوجه على توسلكم بالعمل! وما تجيبون به عن:

- فهل تعتقدون أنه مؤثر في الإجابة مستقلاً أو بجعل الله التأثير فيه؟

فإن قلتم بتأثير العمل مستقلاً فقد جعلتموه شريكاً مع الله تعالى!!

وإن قلتم أن الله جعل فيه التأثير، فكذلك التوسل بمقامهصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

٤٧١

ثم قال الوزير:

الثالث: أن الصحابة فهموا من التوسل التوسل بالدعاء لا بالذوات، فعمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه توسل بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. ومعاوية بن أبي سفيان توسل بدعاء يزيد بن الأسود.

ولو كان التوسل بالذوات جائزا عندهم لاغناهم عن تكلف غيره، ولتوسلوا بذات أكرم الخلق وأفضل البشر وأعظمهم عند الله قدرا ومنزلة، فعدلوا عن ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجودة في القبر الى الأحياء ممن هم دونه منزلة ورتبة. فعلم أن المشروع ما فعلوه، لا ما تركوه.

قال الشهاب الآلوسي في روح المعاني: ٦/١١٣: في الكلام على عدول الصحابة: وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس الى التوسل بعمه العباس وهم يجدون أدنى مساغ لذلك. فعدولهم مع أنهم السابقون الأولون، وهم أعلم منا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبحقوق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، وما يشرع من الدعاء وما لا يشرع، وهم في وقت ضرورة ومخمصة، يطلبون تفريج الكربات وتيسير العسير، وانزال الغيث بكل طريق: دليل واضح على أن المشروع ما سلكوه دون غيره. انتهى كلام الآلوسي والوزير.

وجوابه: على مبناه في الصحابة، فقد كتب ابن الصديق الغماري رسالة في أن ترك الصحابي لفعل لا يمكن أن يكون دليلاً على عدم مشروعيته.

على أنه صح الحديث بأن ابن حنيف علم التوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل في زمن عثمان، فلا يصح القول أن أصحابة تركوه!

أما لماذا لم يتوسل عمر بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وتوسل بعمه العباس؟

فجوابه أن عمر لم يكن بلغه حديث عثمان بن حنيف، وتعليم النبي للأعمى التوسل والتوجه به الى الله تعالى، وأراد أن يظهر للمسلمين مقام العباس فتوسل به.

أما على مبنانا في الصحابة، فإن الذين عملهم حجة علينا من الصحابة انما هم

٤٧٢

أهل البيت الذين أمرنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نتمسك بالقرآن وبهم من بعده، في حديث الثقلين المتواتر.. وسماهم بأسمائهم، وهم علي وفاطمة والحسنان الذين نزلت فيهم آية التطهير وحدد النبي مصطلح أهل بيته بهم بالاسماء وأدار عليهم الكساء، وقال ( هؤلاء أهل بيتي ) كما صح حديثه عند الجميع.

فعمل هؤلاء هو الحجة من الله تعالى، أما غيرهم فلم يصح أن النبي جعلهم حجة، وحديث ( كتاب الله وسنتي ) لم يثبت حتى عند السنيين، وحديث ( أصحابي كالنجوم ) ثبت عند علمائهم أنه موضوع!

وقد قرر أهل البيتعليهم‌السلام التوسل الى الله تعالى بنبيه بعد مماته، كالتوسل به في حياته، كما تراه في أحاديث التوسل من مصادرنا.

ثم قال الوزير:

الرابع: أن يقال تنزلا: لا يخلو التوسل بالذوات أن يكون أفضل من التوسل بأسماء الله وصفاته، والأعمال الصالحة، أو لا.

فإن قيل: التوسل بالذوات أفضل، فهو قول كفري باطل.

وإن كان التوسل بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحة أفضل، فلم ينافح عن المفضول وتترك نصرة الفاضل وتأييده ونشره وتعليمه للناس. انتهى كلامه.

وجوابه: أولا، إن موضوع البحث ليس الصيغة الأفضل والأقل فضلاً في الدعاءعليه‌السلام فكلامه خارج عن الموضوع.

وثانياً، نقول إن التوسل بأسماء الله وصفاته أفضل، ولكن مع ذلك نتوسل اليه بذات نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لأن نبينا وشفيعنا اليه.

وثالثاً، عرفت أن الله تعالى جعل الصلاة على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله شرطاً لقبول الدعاء، وهذا معناه شرعية التوسل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ومعناه أن التوسل بأسمائه تعالى وحدها بدون ذكر نبيه غير مقبول عنده!! فماذا نصنع أيها الوزير إذا كان الله تعالى مصراً على ذكر نبيه في كل دعاء ندعوه؟ !!

٤٧٣

نماذج من المداخلات والمناقشات الأخرى

كتب المدعو أبو صالح مدافعاً عن السيد المالكي:

الرواية بالحرف الواحد كما هي من الطريق الصحيح الذي ساقه البخاري التاريخ الكبير وابن أبي شيبة والبيهقي واللفظ لهما وصححها ابن حجر وابن كثير ( جاء رجل الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لامتك فانهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه منى السلام وأخبرهم أنهم مسقون وقل له: عليك بالكيس الكيس فأتي الرجل، فأخبر عمر، فقال يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه )

فهذا اقرار من سيدنا عمر ومن الصحابة أجمعين على صحة فعل الرجل ومن يدعي غير ذلك فليثبت إن استطاع!!

والشاهد من القصة ليس الرؤية المنامية كما قرر ذلك كثير من الأفاضل، بل اتيان رجل ما الى القبر الشريف في زمن الصحابة وهم متوافرون ولا يضر كونه سيدنا بلال بن الحارث أو غيره إذ لا يعقل أن يسكت الصحابة - وعلى رأسهم الفاروق - على شرك أكبر يخرج من الملة، فالاستدلال لا دخل له بالرجل الرائى بل باقرار سيدنا عمر والصحابةرضي‌الله‌عنهم لفعل الرجل.

- وكتب المدعو هاشمي مدافعاً عن السيد المالكي:

اللهم ثبتنا على الحق، وجنبنا تكفير الخوارج...

وبعد، لقد كفر الفارس المكي السيد العلامة المالكي، بل قد صار عنده يقين بأن سيدنا محمد المالكي في النار مع أبي جهل!!

فقد قال راداً على الأخ موسى العلي ما يلي: أسأل الله العظيم أن يحشرك في زمرة محمد علوي الضال، مبيح الشرك، إمام المبتدعة، مع أبي جهل وأبي لهب.

ثم زكى نفسه ومدحها بقوله: ونحن باذن الله مع النبيين والشهداء والصالحين!! بل هو يلقب السيد بداعية الشرك!!

٤٧٤

وقد ناقشناه فاستكبر وعاند وأصر على هذا التكفير الخارجي المخزي!!

وقد أيده على هذا التكفير أبو محمد التيمي، وذلك المزروعي، والمدعو شامس، وعبد الله محمد، والدوسري، ومعهم المراقبون!!

لذلك نحب من هؤلاء أن يفعلوا الشيء ذاته مع أئمة أهل السنة والجماعة فليس السيد العلامة بدعاً منهم!!

- الإمام السلفي ابراهيم الحربي الذي يقول: قبر معروف الترياق المجرب - انظر ترجمته في السير وتاريخ بغداد.

- التقية الصالحة السلفية رابعة العدوية - وهي زنديقة عند هؤلاء!

- الإمام السلفي بشر الحافي الذي يقول: عندنا أم عندكم - يقصد الشريعة والحقيقة - أنظر تطاول صاحب ( هذه هي الصوفية ) على السلفي واستهزائه باللقب ( الحافي ) - الولي الصالح أبو يزيد البسطامي - أنظر ترجمته في السير.

- الولي الصالح السيد عبد القادر الجيلاني الذي يقول: قدمي هذه على رقبة كل ولي.

الإمام الخطيب البغدادي الذي ينقل أقوالهم في تاريخه، ولم يعقب عليها بشيء.

الحافظ ابن عساكر الذي يقول كما في تبيين كذب المفتري: ودفن، يعني الاستاذ ابن فورك، بالحيرة ومشهده اليوم ظاهر يستشفى به ويجاب الدعاء عنده.

الإمام شيخ الإسلام تقي الدين السبكي وولده التاج.

كفروا هؤلاء صراحة.. مع أني متيقن أنكم تكفرونهم!!

- وكتب سيف المزروعي:

الحمد لله الذي أظهر الحق وأناره ومحق الباطل وأباده.. وصلى الله على سيدنا محمد المحامي عن توحيد مولاه، القائل ( انه لا يستغاث بي وانما يستغاث بالله ) الزاجر لمن الى ذرائع الشرك تعدى...

أما بعد يا هاشمي قرأت ردك علي وتعجبت منك، ومن لفك ودورانك، فقولي عن

٤٧٥

عيسى المانع بأنه زنديق حتى النخاع أمر لم ولن أتراجع عنه، ليس هذا فقط بل هو مشرك مبتدع ضال مضل قبوري بائد، أزله الله وفك أهل دبي من خرافاته وخزعبلاته.

أما تكفيره لسماحة الشيخ العلامة فقيه نجد محمد العثيمين حفظه الله، فهذا شيء الكل يعرفه، والدليل طرده من دولة التوحيد رعاها الله، بعد توزيعه الشريط الذي يتكلم فيه على الشيخ العثيمين.

أما عن محمد علوي المالكي قد يذهب البعض الى تكفيره، وقد تكون حجتهم في ذلك أنه تربى وتغذى على التوحيد، ثم بسبب هوى في نفسه ترك التوحيد واتجه الى الاشراك بالله ومناجاة غيره، ترك الإلتزام بالسنة واتجه الى احياء البدع التي لم يترك واحدة منها إلا التزم بها!!

لذلك لم أرد عليهم لكن الذي أعرفه أن عامة السلفية لا يتجهون الى تكفيره وخروجه عن الملة، لأنه لم ترد فتوى من علماء أهل السنة بذلك، ولكنه بلا شك رجل فاسد وضال وأعماله كفرية لكن لا أكفره حتى أحصل على فتوى بذلك، فحينئذ لن أتردد في تكفيره.

أما عن الشيخ سفر الحوالي فالصراحة لم أقرأ له كتاب ولم أسمع له شريط، ولا أعرف أسلوبه في الكتابة، لم أعرفه إلا من الناس، ولكني متأكد أن كلامه عن العلوي المالكي ذات قيمة علمية، ونابعة من عقيدة التوحيد في جوفه، وسأقرأ رسالته عن علوي المالكي بعون الله ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيء ( كذا )( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) .

وحق قول إمامنا مالكرحمه‌الله حين قال: من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن محمد صلى الله عليه وسلم خان الدين، لأن الله تعالى يقول ( اليوم كملت ( كذا ) لكم دينكم ) فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم دينا. فلنحاكم العلوي وزبانيته أمثال المانع والخزرجي.

٤٧٦

وقال الإمام مالكرحمه‌الله ( لو أن العبد ارتكب الكبائر كلها دون الاشراك بالله شيئاً، ثم نجا من هذه الأهواء لرجوت أن يكون في أعلى الفردوس، لأن كل كبيرة بين العبد وربه هو منها على رجاء، ولكل هوى ليس هو على رجاء انما يهوى بصاحبه في نار جهنم ).

وصدق الشيخ محمد عبيد المهيري المالكي حين قال ( إن هؤلاء القبورية البائدة الذين ينسبون أنفسهم للمذهب المالكي زورا وبهتانا، أشبه بالرجل الذي بال في زمزم فقيل له: لما فعلت ذلك؟ فقال لتذكرني الناس ولو باللعنة!! لو اتبعوا سبيل التوحيد الخالص الذي جاء به محمد بن عبد الله عن ربه لكان أفضل لهم، لكن ألا إن لعنة الله على الظالمين ).

فأقول للهاشمي ما قاله سمير المالكي لابن عمه محمد العلوي المالكي: تذكر يوم العرض الاكبر ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) واعتبر ( يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر ) واعلم أنه لن ينفعك في ذلك الموقف العصيب جاه ولا منصب ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امريء منهم شأن يغنيه ) ( وإن تدع مثقلة الى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) ( يوم يأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ) احذر أن تكون ممن قال الله فيهم ( وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ).

وبعد فأسأل الله العلي العظيم بأسمائه وصفاته العلى أن ويهدينا وإياه وسائر عباده سبيل الرشاد، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه..

وكتب أبوصالح من مؤيدي السيد المالكي:

شيء جيد أن تقارع الحجة بالحجة. هذه مفاهيمكم ومفاهيم يجب أن تصحح، ولندع المسلم يقرأ ويحكم والانسان على نفسه بصيرة.

أما أن يحجر على العقول فهذا مالا يرضاه أحد، ولا يدل إلا على ضعف الخصم، وخاصة أسلوب نشر رأي طرف ومنع الطرف الآخر، كما فعل الذي حذف موضوع الهاشمي - الرد على محمد الفاتح - مع ابقاء مقالة الفاتح!!

٤٧٧

مع أني قرأت مقالة الهاشمي ولم أجد فيها إلا قال الله وقال رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فلا حول ولا قوة إلا بالله!!

وكتب المدعو الفارس المكي:

الى دعاة الشرك ( باسم التوسل ) بوهالك والهاشمي والمسيب. اسمعوا ما يقوله ابن أبي العزت سنة ٧٩٢ هـ، في شرح الطحاوية ص ٨١: ( تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء ويتخذونهم شفعاء ( ويتوسلون بهم ) وهذا أصل شرك العرب ) اهـ.

وقال رداً على المسمى ص ٨٢:

وهؤلاء كانوا مقرين بالصانع وأنه ليس للعالم صانعان، ولكن اتخذوا هؤلاء شفعاء كما أخبر تعالى ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ) اهـ.

وقال عن المتصوفة أمثالكم ( فلو أقر رجل بتوحيد الربوبية الذي يقر به هؤلاء النظار ويفني فيه كثير من أهل التصوف ويجعلونه غاية السالكين وهو مع ذلك لم يعبد الله وحده ويتبرأ من عبادة ما سواه كان مشركا من جنس أمثاله من المشركين... أهـ.

فأين أنتم يا أصحاب دعوة المشركين من هذا القول؟ ؟  أم أنكم أنتم تفهمون التوحيد على طريقتكم، وعلماء الأمة أجمع لم يفهموا التوحيد، بل هم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ( وهابيون )!! ...

بصراحة الخلاف بيننا نحن السلفيون ( وقل عنا أن السلف منا براء ) وبينكم معاشر المبتدعة الصوفية القبورية مجددي عقيدة عمرو بن لحي... أن الدعوة التي نتبناها هي لله وحده لا شريك له، على منهج النبوة، وأنتم دعوة فلسفية وثنية له فيها سبحانه شركاء في العبادة كما تدعون ( تعال الله عما تقولون علوا كبيرا )! وأريدك تزور شيخك الذي مامن لفظ تفخيم إلا ونسبتم اليه وقل له: لماذا كان يتفل على الكأس وشربه ثلاثة، ثم أصبحوا يتداولونه بينهم وهو ( فارغ ) ويشربونه!!!! يشربون ماذا؟ ؟

٤٧٨

وهذه الحادثة تضاف الى مخازيه، وحدثت بعد وفاة والدته... خرافات وبدع سلمنا الله منها ولله الحمد.

وإن قال عنا المخالفون أننا ضعفاء في العلم خوارج لا نعلم من اللغة شيئاً، دعوناه سبحانه وتعالى معتقدين أنه هو وحده المقصود بالعبادة لاشريك له، والمخالفون يعتقدون أن الثيران والبقر والنمل والقبور وسائط!

وقال شيخكم أن الواسطة هي بمثابة الجناح للطائر يرتقي بها الى السماء!! ( في شريط فديو ) لعلك تشتاق الى المشاركة في ذلك المحفل العظيم! لا يفوتك... والحمد لله رب العالمين.. ابن مكة شرفها الله

وكتب المدعو سيد محمود كاساني مدافعا عن السيد المالكي:

الأخ الذي سمى نفسه بابن الوادي تطاول في قمة سوء الأدب المعهود منه ومن على شاكلته على شيخ وعلامة، نفعنا الله بعلمه ورفع الله درجاته.

سوء الأدب والمحاورة معهود من أهل البادية منذ أيام سيدنا محمد حتى نزلت آيات تأمرهم بالتأدب معه.

المرتدين كانوا من اليمامة ( يعني من ربع الأخ ابن الوادي ) والقرامطة كذلك والخوارج أيضاً.

يدعو على الشيخ الجليل أن يحشره الله مع أئمة الكفر.

سبحان الله هذا بهتان عظيم! من أنت حتى تتطاول على شخص لا تعرف ولم تطلع على ما في قلبه ( الفرق كبير بين علامة فاضل عالم وبين من يرقص كالقرد في الزار ) والله من وراء القصد... انتهى.

٤٧٩

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523