العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196857 / تحميل: 8000
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وأيّ فائدة لقولكم : « إنّا كسبنا المعصية » وأنتم تريدون به أنّكم محلّ بالاضطرار؟! فيكون أرحم الراحمين ـ بزعمكم ـ قد خلق المعصية مع كسبها فيكم بلا جرم ، فصيّر تموه أظلم الظالمين كما هو مرادكم بقولكم : إنّ « لك التصرّف » فينا ، فإنّ الله سبحانه يتنزّه عن التصرّف المطوي على الظلم والجور.

وأمّا ما ذكره في عذر عوامّهم بأن نبيّنا قال : « عليكم بالسواد الأعظم » فعذر بارد

لأنّه يقال لهم أوّلا : كيف أخذتم دينكم من هذا الحديث ، وهو لو صحّ سندا وتمّ دلالة لا يفيد إلّا الظنّ ، وقد سمعتم قوله تعالى :( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١) وقوله :( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (٢) ؟!

ويقال لهم ثانيا : كيف أخذتم بهذا الحديث وتركتم قول الله تعالى :( أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٣) الدالّ على انقلاب السواد الأعظم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وما رواه معتمدكم البخاري في « كتاب الحوض » من صحيحه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أنّ الصحابة إذا وردوا عليه الحوض يحال بينه وبينهم ، ويقال له : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ويؤخذ بهم إلى النار ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النعم(٤) .

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٦.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١١٦.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٤) صحيح البخاري ٨ / ٢١٦ ح ١٦٤ ـ ١٦٦ باب في الحوض.

٢٠١

وما رواه أهل صحاحكم وغيرهم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يكون في هذه الأمّة مثل ما كان في بني إسرائيل ، حذو النعل بالنعل(١) ، وقد ارتدّ السواد الأعظم من بني إسرائيل ، وخالفوا خليفة موسى أخاه هارون

مع أنّ أكثر الناس في عامّة الأزمنة على الضلالة ، كما يصرّح به الكتاب العزيز في كثير من الآيات(٢) .

ويقال لهم ثالثا : كيف علمتم أنّ المراد بالحديث لزوم اتّباع السواد الأعظم حتّى في الدين؟! والحال أنّه مطلق صالح للتقييد بألف قيد ، كما قيّدتموه أنتم بغير المعصية والظلم ونحوهما(٣) ، فكان يلزمكم الفحص والنظر في الأدلّة العقلية والنقلية.

وقد كان يكفيكم من العقل أنّ الجبر مستوجب لنسبة الظلم إلى الله

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٢٦ ح ٢٦٤١ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ ١ / ٢٥ ح ٤٥ ، المعجم الكبير ٦ / ٢٠٤ ح ٦٠١٧ وج ١٠ / ٣٩ ح ٩٨٨٢ وج ١٧ / ١٣ ح ٣ ، الشريعة ـ للآجري ـ : ٢٦ ـ ٢٧ ح ٢٩ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ح ٤٤٤ و ٤٤٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٦١ عن البزّار.

(٢) كقوله تعالى :( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) سورة الأنعام ٦ : ١١٦.

وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ) سورة الصافّات ٣٧ : ٧١.

وقوله تعالى : ( لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ ) سورة الزخرف ٤٣ : ٧٨.

إلى كثير من الآيات الكريمة في هذا الصدد ، يمكنك مراجعتها في مادّة « كثر » من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

(٣) انظر مثلا : الإحكام في أصول الأحكام ـ لابن حزم ـ ١ / ٥٩٢ وقد أثبت عدم صحّة رواية « عليكم بالسواد الأعظم » ، الاعتقاد على مذهب السلف ـ للبيهقي ـ : ١٣٩ ، المحصول في علم أصول الفقه ٢ / ٤٦ ـ ٤٧ ، فواتح الرحموت ٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، شرح العقيدة الطحاوية : ١١١.

٢٠٢

سبحانه ومن النقل الآيات السابقة ؛ بل وجدان كلّ شخص أنّه يحرم عليه اتّباع السواد الأعظم في هذه المسألة ؛ لأنّه يجد من نفسه أنّه المؤثّر في فعله ، وعليه رأيه في كلّ عمله.

على أنّ السواد الأعظم هو العوامّ ، فما معنى اتّباعه لنفسه وكلّه جاهل؟!

.. إلى غير ذلك من المفاسد المانعة من الاعتذار بهذا الحديث!

وأمّا ما أشار إليه من أمر التقيّة ، فلو ذكره المعتذر كان الأمر عليه أشدّ وأخزى

إذ يقال له أوّلا : ما أنكرتم من التقيّة وقد شرّعها الله تعالى في كتابه العزيز ، فقال :( إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) (١) وقال تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (٢) ؟!

وثانيا : إنّ تقيّة الشيعة ليست إلّا منكم ؛ لأنّكم أخفتموهم وقتلتموهم لتمسّكهم بمن أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّته بالتمسّك بهم! وأنتم اتّبعتم الظالمين في معاداة أهل بيت الرحمة وشيعتهم المؤمنين ، وآمنتم المشركين والمنافقين والفاسقين!

وقولكم : « يستنكفون من هذه النسبة »

حاشا وكلّا ، رأينا علانيتهم تشهد لضمائرهم بالافتخار بموالاة آل محمّد الطاهرين ومعاداة أعدائهم ، كما قال شاعرهم الكميترحمه‌الله

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٢٨.

(٢) سورة النحل ١٦ : ١٠٦.

٢٠٣

تعالى :

وما لي إلّا آل أحمد شيعة

وما لي إلّا مذهب الحقّ مذهب(١)

* * *

__________________

(١) القصائد الهاشميات : ٢٨ ، الأغاني ١٧ / ٢٩ ، وجاء البيت فيهما هكذا :

فما لي إلّا آل أحمد شيعة

وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب

٢٠٤

قال المصنّف ـ بلّغه الله مناه ـ (١) :

ومنها : مخالفة الحكم الضروري الحاصل لكلّ أحد ، عندما يطلب من غيره أن يفعل فعلا ، فإنّه يعلم بالضرورة أنّ ذلك الفعل يصدر عنه.

ولهذا يتلطّف في استدعاء الفعل منه بكلّ لطيفة ، ويعظه ويزجره عن تركه ، ويحتال عليه بكلّ حيلة ، ويعده ويتوعّده على تركه ، وينهاه عن فعل ما يكرهه ويعنّفه على فعله ، ويتعجّب من فعله ذلك ويستطرفه ، ويتعجّب العقلاء من فعله.

وهذا كلّه دليل على فعله ، ويعلم بالضرورة الفرق بين أمره بالقيام وبين أمره بإيجاد السماوات والكواكب ، ولو لا أنّ العلم الضروري حاصل بكوننا موجدين لأفعالنا لما صحّ ذلك.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٣.

٢٠٥

وقال الفضل(١) :

الطلب من الغير للفعل ونهيه عن الفعل ، للحكم الضروري بأنّه فاعل الفعل ، وهذا لا ينكره إلّا من ينكر الضروريّات.

وقد مرّ مرارا أنّ هذا ليس محلّ النزاع(٢) ، فإنّ صدور الفعل عن أحدنا محسوس ، ولهذا نطلب منه ونتلطّف ، ونزجر ونعد ونوعد.

وكلّ هذه الأمور واقعة ، وليس النزاع إلّا في أنّ هذا الفعل هل هو مخلوق لنا ، أو نحن نباشره؟

فالنزاع راجع إلى الفرق بين المباشرة والخلق ، وأنّهما متّحدان أو متغايران؟ وهذا ليس بضروري ، ومن ادّعى ضرورية هذا فهو مكابرة لمقتضى العقل ، فمخالفة الضرورة في ما ذكر ليس في محلّ النزاع ، فليس له فيه دليل.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٦٣.

(٢) انظر ردّ الفضل في الصفحتين ١٢١ و ١٤١.

٢٠٦

وأقول :

ما ذكره المصنّف من التلطّف في الاستدعاء ونحوه دليل ضروريّ على كون العبد موجدا لفعله ومؤثّرا فيه ، كما هو مذهبنا ، ومجرّد محلّيّته لفعل فاعل آخر مع عدم الأثر له أيضا في المحلّيّة ـ كما هو مذهبهم ـ لا يصحّح التلطّف ونحوه ، وهذا من أوّليّات الضروريّات.

ولكنّ الخصم يستعمل المغالطة والتمويه ، فادّعى أنّهم يقولون بمباشرة العبد للفعل ، وأنّها غير الإيجاد.

فإن أراد أنّها فعل آخر للعبد من آثاره فهو مخالف لمذهبه

وإن أراد أنّها عبارة عن محلّيّة العبد لفعل الله بلا أثر للعبد فيها أصلا ، لم يرتفع الإشكال بمخالفتهم للحكم الضروري كما أوضحه المصنّف.

وليت شعري إذا استعمل الإنسان التمويه في دينه اليوم ، فهل يراه منجيه غدا يوم تكشف الحقائق ويظهر الكاذب من الصادق؟!

فليحذر العاقل! وليعتبر من يريد خلاص نفسه يوم حلوله في رمسه!

* * *

٢٠٧

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : مخالفة إجماع الأنبياء والرسل ، فإنّه لا خلاف في أنّ الأنبياء أجمعوا على أنّ الله تعالى أمر عباده ببعض الأفعال كالصلاة والصوم ، ونهى عن بعضها كالظلم والجور ، ولا يصحّ ذلك إذا لم يكن العبد موجدا.

إذ كيف يصحّ أن يقال له : ائت بفعل الإيمان والصلاة ، ولا تأت بالكفر والزنا ، مع أنّ الفاعل لهذه الأفعال والتارك لها هو غيره؟!

فإنّ الأمر بالفعل يتضمّن الإخبار عن كون المأمور قادرا عليه ، حتّى لو لم يكن المأمور قادرا على المأمور به لمرض أو سبب آخر ثمّ أمره ، فإنّ العقلاء يتعجّبون منه وينسبونه إلى الحمق والجهل والجنون ، ويقولون : إنّك لتعلم أنّه لا يقدر على ذلك ، ثمّ تأمره به؟!

ولو صحّ هذا لصحّ أن يبعث الله رسولا إلى الجمادات مع الكتاب ، فيبلّغ إليها ما ذكرناه ، ثمّ إنّه تعالى يخلق الحياة في تلك الجمادات ويعاقبها لأجل أنّها لم تمتثل أمر الرسول ، وذلك معلوم البطلان ببديهة العقل.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٣.

٢٠٨

وقال الفضل(١) :

أمر الأنبياء عباد الله بالأشياء ونهيهم عن الأشياء لا يتوقّف على كون العبد موجدا للفعل.

نعم ، يتوقّف على كون العبد فاعلا مستقلّا في الكسب والمباشرة ومختارا ، وهذا مذهب الأشاعرة(٢) ، وما ذكره لا يلزم من يقول بهذا ، بلى يلزم أهل مذهب الجبر.

وقد علمت أنّ الأشاعرة يثبتون اختيار العبد في كسب الفعل ، ويمنعون كون قدرته مؤثّرة في الفعل ، ومبدعة موجدة إيّاه ، وشتّانبين الأمرين.

فكلّ ما ذكره لا يلزم الأشاعرة ، وليس في مذهبهم مخالفة لإجماع الأنبياء.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٦٥.

(٢) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦٩ ، تمهيد الأوائل : ٣٤٢ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٥٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٦.

٢٠٩

وأقول :

لم يرد الخصم بقوله : « فاعلا مستقلّا في الكسب » تأثير قدرته فيه ، فإنّه مناف لقولهم : لا مؤثّر في الوجود إلّا الله تعالى.

بل أراد مجرّد محلّيّته للفعل بلا تأثير له في الفعل والمحلّيّة ، غاية الأمر أنّه يقترن بالفعل قدرة له واختيار ، وهما لا يصحّحان أمره ونهيه ما لم يكن لهما تأثير ألبتّة.

فيرد عليهم ما ذكره المصنّفرحمه‌الله ، فليس أمر العباد ونهيهم إلّا بمنزلة أمر الجمادات ونهيها!

٢١٠

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه سدّ باب الاستدلال على وجود الصانع ، والاستدلال على كونه تعالى صادقا ، والاستدلال على صحّة النبوّة ، والاستدلال على صحّة الشريعة ، ويفضي إلى القول بخرق إجماع الأمّة ؛ لأنّه لا يمكن إثبات الصانع إلّا بأن يقال : العالم حادث ، فيكون محتاجا إلى المحدث قياسا على أفعالنا المحتاجة إلينا ، فمع منع حكم الأصل في القياس ، وهو كون العبد موجدا ، لا يمكنه استعمال هذه الطريقة ، فينسدّ عليه باب إثبات الصانع.

وأيضا : إذا كان الله تعالى خالقا للجميع من القبائح وغيرها ، لم يمتنع منه إظهار المعجز على يد الكاذب ، ومتى لم يقطع بامتناع ذلك انسدّ علينا باب إثبات الفرق بين النبيّ والمتنبّي.

وأيضا : إذا جاز أن يخلق الله تعالى القبائح ، جاز أن يكذب في إخباره ، فلا يوثق بوعده ووعيده وإخباره عن أحكام الآخرة والأحوال الماضية والقرون الخالية.

وأيضا : يلزم من خلقه القبائح جواز أن يدعو إليها وأن يبعث عليها ، ويحثّ ويرغّب فيها ، ولو جاز ذلك جاز أن يكون ما رغّب الله تعالى فيه من القبائح ، فتزول الثقة بالشرائع ويقبح التشاغل بها.

وأيضا : لو جاز منه تعالى أن يخلق في العبد الكفر والإضلال ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٤.

٢١١

ويزيّنه له ويصدّه عن الحقّ ، ويستدرجه بذلك إلى عقابه ، للزم في دين الإسلام جواز أن يكون هو الكفر والضلال ، مع أنّه تعالى زيّنه في قلوبنا ، وأن يكون بعض الملل المخالفة للإسلام هو الحقّ ، ولكنّ الله تعالى صدّنا عنه وزيّن خلافه في أعيننا

فإذا جوّزوا ذلك لزمهم تجويز ما هم عليه هو الضلالة والكفر ، وكون ما خصومهم عليه هو الحقّ ، وإذا لم يمكنهم القطع بأنّ ما هم عليه هو الحقّ ، وما خصومهم عليه هو الباطل ، لم يكونوا مستحقّين للجواب!

* * *

٢١٢

وقال الفضل(١) :

في هذا الفصل استدلّ بأشياء عجيبة ينبغي أن يتّخذه الظرفاء ضحكة لهم.

منها : إنّه استدلّ بلزوم انسداد باب إثبات الصانع وكونه صادقا والاستدلال بصحّة النبوّة على كون العبد موجد أفعاله.

وذكر في وجه الملازمة شيئا غريبا عجيبا ، وهو أنّا نستدلّ على حدوث العالم بكونه محتاجا إلى المحدث قياسا على أفعالنا المحتاجة إلينا ، فمن منع حكم الأصل في القياس وهو كون العبد موجدا ، لا يمكنه استعمال هذه الطريقة ، وإثبات هذه الملازمة من المضاحك

أمّا أوّلا : فلأنّه حصر حادثات العالم في أفعال الإنسان ، ولو لم يخلق الإنسان وأفعاله أصلا كان يمكن الاستدلال بحركات الحيوان وسائر الأشياء الحادثة بوجوب وجود المحدث ، وكأنّ هذا الرجل لم يمارس قطّ شيئا من المعقولات!

والحقّ أنّه ليس أهلا لأن يباحث لدناءة رتبته في العلم ، ولكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت.

وأمّا ثانيا : فلأنّه استدلّ بلزوم عدم كونه صادقا على كون العبد موجد فعله ، ولم يذكر هذه الملازمة ؛ لأنّ النسبة بينه وبين هذه الملازمة بعيدة جدّا.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٦٧.

٢١٣

وأمّا ثالثا : فلأنّه استدلّ بلزوم انسداد باب صحّة النبوّة ، وصحّة الشريعة على كون العبد موجد فعله ؛ ومن أين يفهم هذه الملازمة؟!

ثمّ ادّعى الإفضاء إلى خرق الإجماع

وكلّ هذه الاستدلالات خرافات وهذيانات لا يتفوّه بها إلّا أمثاله في العلم والمعرفة.

ثمّ استدلّ على بطلان كونه خالقا للقبائح بلزوم عدم امتناع إظهار المعجز على يد الكاذب ، وقد استدلّ قبل هذا بهذا مرارا وأجبناه في محالّه(١) .

وجواب هذا وما ذكر بعده من ترتّب الأمور المنكرة على خلق القبائح ، مثل : ارتفاع الثقة من الشريعة والوعد والوعيد وغيرها : إنّا نجزم بالعلم العادي وبما جرى من عادة الله تعالى أنّه لم يظهر المعجزة على يد الكاذب ، فهو محال عادة كسائر المحالات العادية ، وإن كان ممكنا بالذات ؛ لأنّه لا يجب على الله تعالى شيء على قاعدتنا.

فكلّ ما ذكره من لزوم جواز تزيين الكفر في القلوب عوض الإسلام ، وأنّ ما عليه الأشاعرة من اعتقاد الحقّيّة يمكن أن يكون كفرا وباطلا فلا يستحقّون الجواب

فجوابه : إنّ جميع هؤلاء لا يقع عادة كسائر العاديّات ، ونحن نجزم بعدم وقوعه ، وإن جاز عقلا ، حيث لا يجب عليه شيء ، ولا قبيح بالنسبة إليه.

* * *

__________________

(١) انظر الصفحات ١١ و ١٢ و ٤٩ و ٥٢ من هذا الجزء.

٢١٤

وأقول :

ينبغي بيان مقصود المصنّف وتوضيح بعض كلامه ؛ ليعرف منه خبط الخصم ، فنقول : ذكر المصنّف أنّه يلزم من القول بأنّ العباد غير فاعلين لأفعالهم لوازم أربعة :

[ اللازم ] الأوّل : سدّ باب الاستدلال على وجود الصانع ، واستدلّ عليه بقوله : « لأنّه لا يمكن إثبات الصانع إلّا بأن يقال » إلى آخره.

وتوضيحه : إنّهم اختلفوا في أنّ المحوج إلى الصانع ؛ هل هو الإمكان ، أو الحدوث ، أو المركّب منهما ، أو الإمكان بشرط الحدوث؟

واختار الأشاعرة الثاني كما ذكره الخصم سابقا(١) .

وعلى مختارهم يتوقّف إثبات الصانع على قولنا : العالم حادث ، وكلّ حادث محتاج إلى محدث(٢) ، ولا دليل على الكبرى إلّا احتياج أفعالنا إلينا ، وقياس سائر الحوادث عليها في الحاجة إلى محدث.

فإذا منع الأشاعرة الأصل ـ وهو احتياج أفعالنا إلينا لعدم كوننا موجدين لها ، ولم يكن في سواها من الحوادث دلالة على الحاجة إلى المحدث ـ انسدّ عليهم باب إثبات الصانع.

فالمصنّف قد حصر الدليل على الكبرى بحاجة أفعالنا إلينا ، لا أنّه حصر الحادثات في أفعال الإنسان كما فهمه الخصم.

__________________

(١) راجع ردّ الفضل في ج ٢ / ٣١١.

(٢) انظر : تقريب المعارف : ٧١ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٤٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٨.

٢١٥

فإن قلت : نفس حدوث الحوادث يدلّ على وجود المحدث بلا حاجة إلى القياس على أفعالنا.

قلت : لا نسلّم ذلك ما لم يرجع إلى التعليل بالإمكان ، بلحاظ أنّ ما تساوى طرفاه يمتنع ترجّح أحدهما بلا مرجّح ، وهو خلاف قولهم بأنّ العلّة المحوجة هي الحدوث لا الإمكان(١) .

فنفس الحدوث ـ مع قطع النظر عن الإمكان ـ لا يقتضي الحاجة إلى صانع ؛ لجواز الصدفة ، فلا بدّ لهم من القول بأنّا فاعلون لأفعالنا ، وأنّها محتاجة إلينا ، ليقاس عليها سائر الحوادث وتتمّ كلّية الكبرى.

اللازم الثاني : سدّ باب الاستدلال على كونه تعالى صادقا ، واستدلّ عليه المصنّف بقوله : « وأيضا لو جاز أن يخلق الله تعالى القبائح ، جاز أن يكذب في إخباره ».

وتوضيحه : إنّه إذا جاز أن يخلق تعالى الكذب الواقع من الناس وسائر القبائح ، فقد جاز أن يكذب في كلامه اللفظي ، إذ لا فرق بين أن يخلق الكذب في الناس ، وبين أن يخلقه في شجرة أو على لسان جبرائيل أو ألسنة الأنبياء ؛ لأنّ جميع الكذب والقبائح إنّما هي خلقه ، فلا يوثق بوعده ووعيده وسائر أخباره ، كما سبق موضّحا(٢) .

[ اللازم ] الثالث : سدّ باب الاستدلال على صحّة النبوّة ، واستدلّ عليه المصنّف بقوله : « وأيضا إذا كان الله تعالى خالقا للجميع من القبائح وغيرها »

وهو غنيّ عن البيان ، والملازمة فيه ظاهرة.

__________________

(١) انظر : تمهيد الأوائل : ٣٨ ـ ٤٢ ، المواقف : ٧٦ ـ ٧٧ ، شرح المقاصد ٢ / ١٣.

(٢) راجع الصفحة ١٩.

٢١٦

[ اللازم ] الرابع : سدّ باب الاستدلال على صحّة الشريعة ، واستدلّ عليه المصنّف بأمرين :

الأوّل : قوله : « وأيضا يلزم من خلقه القبائح جواز أن يدعو إليها ».

وتوضيحه : إنّ خلق الشيء يتوقّف على إرادته ، وهي تتوقّف على الرضا به ـ كما سبق(١) ـ

فإذا كان تعالى خالقا للقبائح ، كان مريدا لها وراضيا بها

وإذا أرادها ورضي بها ، جاز أن يدعو إليها ، ويبعث الرسل لأجل العمل بها ويرغّب فيها.

وإذا جاز ذلك ، جاز أن يكون ما رغّب فيه وبعث به الرسل من القبائح ، فتزول الثقة بالشرائع ويقبح التشاغل بها ؛ لجواز أن يكون ما تدعو إليه قبيحا.

الثاني : قوله : « وأيضا لو جاز منه تعالى أن يخلق في العبد الكفر والإضلال »

وهو لا يحتاج إلى البيان.

ولا ريب أنّ سدّ باب الاستدلال على تلك الأمور خرق لإجماع الأمّة.

فظهر أنّ المصنّف ذكر اللوازم الأربعة ووجه لزومها لهم ، لكن على طريق اللف والنشر المشوّش ؛ لأنّه قدّم دليل اللازم الثالث على دليل الثاني ، فلم يتّضح للخصم كلام المصنّفرحمه‌الله مع غاية وضوحه!

وقد تشبّث للجواب عن بعض الأدلّة بأنّه محال عادة أن يخالف الله

__________________

(١) تقدّم في ج ٢ / ٣٦٤.

٢١٧

تعالى عادته ، حيث جرى في عادته أن لا يظهر المعجزة على يد الكاذب ، وأن لا يكذب في إخباره ، وأن لا يبعث إلى القبائح ولا يحثّ عليها ، ولا يزيّن الكفر في القلوب ، إلى نحو ذلك ممّا رتّب المصنّف جوازه على جواز خلق الله سبحانه للقبائح.

وفيه ـ كما مرّ كثيرا ـ أنّا نطالبه بمستند العادة ، وهذه الأمور غيبية.

ثمّ ما معنى العادة في أنّ شريعة الإسلام وما عليه الأشاعرة دون غيرهما حقّ ، وقد أوكلنا جملة ممّا خبط به الخصم إلى فهم الناظر ؛ لئلّا يحصل الملل من البيان.

* * *

٢١٨

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

ومنها : تجويز أن يكون الله تعالى ظالما عابثاً ؛ لأنّه لو كان الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد ومنها القبائح كالظلم والعبث ، لجاز أن يخلقها لا غير ، حتّى تكون كلّها ظلما وعبثا ، فيكون الله تعالى ظالما عابثا لاعبا ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٥.

٢١٩

وقال الفضل(١) :

نعوذ بالله من التفوّه بهذه الترّهات ، وأنّى يلزم هذا من هذه العقيدة ، والظلم والعبث من أفعال العباد ، ولا قبيح بالنسبة إليه ، وخالق الشيء غير فاعله؟!

وهذا الرجل لا يفرّق بين خالق الصفة والمتّصف بتلك الصفة ، وكلّ محذوراته ناش من عدم هذا الفرق ، ألا يرى أنّ الله خالق السواد ، فهل يجوز أن يقال : هو الأسود؟!

كذلك لو كان خالق الظلم والعبث ، هل يجوز أن يقال : إنّه ظالم عابث؟! نعوذ بالله من التعصّب المؤدّي إلى الهلاك.

ثمّ إنّ هذا الرجل يحصر القبيح في أفعال الإنسان ، ويدّعي أن لا قبيح ولا شرّ في الوجود إلّا أفعال الإنسان ، وذلك باطل ، فإنّ القبائح ـ غير أفعال الإنسان ـ في الوجود كثيرة ، كالخنزير والحشرات المؤذية.

وهل يصحّ له أن يقول : إنّ هذه الأشياء غير مخلوقة لله تعالى؟!

فإذا قال : إنّها مخلوقة لله تعالى ، فهل يمنع قباحتها وشرّها؟! وذلك مخالف الضرورة والحسّ! فإذا يلزم ما ألزم الأشاعرة من القول بخلق الأفعال القبيحة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٧٠.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

خـتــام

مناظرة مع عالم وهّابي

نختم البحث بهذه المناظرة في ( الانترنيت ) ساحة النقاش الإسلامية - شبكة هجر، بين المدعو ( صارم ) الوهابي، والمدعو ( العاملي ) الشيعي، في شهر جمادى الأولى من سنة ١٤٢٠، في مشروعية زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتوسل به الى الله تعالى.

العاملي:

من مختصات ابن تيمية وبدعه: تحريمه التوسل والاستشفاع والاستغاثة بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد قال السبكي في كتابه ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) ص ٢٩١: إعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم الى ربه سبحانه وتعالى. وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين، والعلماء والعوام من المسلمين .

ولم ينكر أحدٌ ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتى جاء

٤٨١

ابن تيمية فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق اليه في سائر الأعصار!!! انتهى.

صارم:

سؤالي: لماذا تدعون الى شد الرحال وزيارة القبور، والتبرك بها؟

العاملي:

حديث شد الرحال لم يصح عند أهل البيتعليهم‌السلام . وقد صح عند بقية المذاهب وفهموا منه عدم شموله لشد الرحال الى زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدليل أنهم كانوا يفعلون ذلك، وما وره في بعض صيغه ( لا تشد الرحال الى مسجد ) وفهم هؤلاء حجة على من يعتقد بالحديث، ويعتقد بحجية فهم الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب، لأنهم أقرب الى عصر النص ومعناه.

وقد ألف عدد من العلماء قبل ابن تيمية رسائل في تفسير الحديث، وعندما جاء ابن تيمية ببدعته رد عليه عدد آخر منهم، واتفقوا على أن فهمه للحديث مخالف لاجماع علماء المسلمين وسيرتهم لمدة ثمانية قرون، بل هو مخالف لفهم عامة علمائهم الى يومنا هذا!!

فنحن نشد الرحال الى زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقبور الأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، لأن زيارة قبورهم مستحبة عندنا، ومن أفضل القربات الى الله تعالى. ولم يثبت عندنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهي عن ذلك، بل ثبت أنه دعا اليه وحث عليه، وكان يزور القبور المباركة لتكون سنة من بعده.

وكذلك كانت سيرة علي وفاطمة والأئمةعليهم‌السلام .

ولزيارة القبور عندنا أحكام وشروط وآداب شرعية، وليس فيها شيء ينافي التوحيد أبدا، بل فيها ما يؤكد التوحيد، وأن النبي وآله لا يملكون من عندهم شيئاً، بل هم عباد مكرمون، نزورهم ونستشفع بهم الى الله تعالى، كما أمرنا.

٤٨٢

صارم:

أحسنت وهذا ما أريده منك بالضبط فقد شفيت غليلي بهذه الاجابة الشافية الكافية. ولعل صدرك يتسع لأسئلتي.

وسؤالي الآن: لماذا تستشفع بهم؟

لم لا تتجه في طلبك الى الله مباشرة؟

لماذا تجعلهم واسطة بينك وبين الله؟

ألم تعلم أن الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام يستشفعون بها، ويجعلونها واسطة بينهم وبين الله؟!

وقد ناقضت نفسك حينما قلت ( وأن النبي وآله لا يملكون من عندهم شيئاً، بل هم عباد مكرمون، نزورهم ونستشفع بهم الى الله تعالى كما أمرنا ).

كيف تستشفع بهم وهم ( لا يملكون من عندهم شيئاً بل هم عباد مكرمون ) لقد خالفت المنهج الرباني وسنة المصطفى من وجهين:

الوجه الأول: من مخالفة السنة، لأن الأموات لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فما بالك بامتلاك النفع لغيرهم؟!

الوجه الثاني: مشابهة الكفار، وقد نهينا عن مشابهتهم. فهل بعد هذا تستشفع بهم؟  أرجو للجميع الهداية.

العاملي:

سؤالك في أصله وجيه، فلو كان الأمر لنا لقلنا: فلنطلب كل شيء من الله تعالى مباشرة، ولا نجعل بيننا وبينه واسطة من المخلوقين؟!

ولكن الأمر له عز وجل وليس لنا، وقد قال لنا ( اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ). وقال ( أولئك يبتغون اليه الوسيلة أيهم أقرب ) وقال ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ).

٤٨٣

ولا حاجة الى مجيئهم واستغفارهم عند الرسول، واستغفار الرسول لهم..

وهذا يعني أنه تعالى قال لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله كن موحداً بلا شرط، ومهما قلت لك فأطعني، وحتى لو قلت لك عندي ولد فاعبده فافعل!! وقل لهم ( قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين )! ولكنه سبحانه أخبرنا أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً!!

فالمسألة إذن، ثبوت مبدأ التوسل في الإسلام في حدوده التي أمر بها الله تعالى أو سمح بها، وهو يختلف عن زعم التوسل عند المشركين، سواء في طبيعته أم في نيته فهل تقبل أصل مبدأ التوسل والإستشفاع الذي قبله إمامك ابن تيمية؟ أم أنك أشد في هذا الأمر من إمامك؟!

صارم:

قلت عن التوسل: ( ثبوت مبدأ التوسل في الإسلام في حدوده التى أمر بها الله تعالى أو سمح بها ) هل لي أن أعرف هذه الحدود التي أمر أو سمح بها؟

أرجو أن تجيبني باختصار، وفي حدود السؤال. هديت للصواب.

العاملي:

الظاهر أن السبب فيما أثاره بعضهم إشكالاً على مبدأ التوسل، أنهم يرون الشفاعات والوساطات والمحسوبيات السيئة عند الرؤساء والمسؤولين في دار الدنيا، وما فيها من محاباة واعطاء بغير حق ولا جهد من المشفوع لهم أو المتوسط لهم.

وبما أن الله تعالى يستحيل عليه أن يحابي كما يحابي حكام الدنيا، وانما يعطي جنته وثوابه بالايمان والعمل الصالح.. فلذلك صعب عليهم قبول الشفاعة والوساطة والوسيلة الى الله تعالى!

ولكنه فات هؤلاء أن الحكمة من جعله تعالى الأنبياء والأوصياء الوسيلة اليه تعالى:

٤٨٤

أولا: أن يعالج مشكلة التكبر في البشر، لأن البشر لا يمكنهم الانتصار على تكبرهم والخضوع لعبودية الله تعالى، إلا إذا انتصروا على ذاتيتهم في مقابل الأنبياء والأوصياء، واعترفوا لهم بالفضل والمكانة المميزة والإختيار الإلَهي، وأنهم المبلغون عن الله تعالى..

وفاتهم أن جعل الأنبياء والأوصياء وسيلة الى تعالى ضرورة ذهنية للبشر.. ذلك أن الفاصلة بين ذهن الانسان المحدود الميال الى المادية والمحدودية، وبين التوحيد المطلق المطلوب والضروري، فاصلة كبيرة، فهي تحتاج الى نموذج ذهني حاضر من نوع الانسان، يمارس التوحيد أمامه ويكون قدوة له.

وبدون هذا النموذج القدوة، يبقى الانسان في معرض الجنوح في تصوره للتوحيد وممارسته، والجنوح في هذا الموضوع الخطير أخطر أنواع جنوح الضلال!!

وهذا هو السبب في اعتقادي في أن الله تعالى جعل أنبياءه وأوصياءهم حججاً على العباد.

وهو السبب في أنه جعلهم من نوع أنفسهم وليس من نوع آخر كالملائكة مثلاً...

والنتيجة: أن وجود الوسيلة بين العباد والله تعالى لو كان يرجع الينا لصح لنا أن نقول يا ربنا نريد أن تجعل ارتباطنا بك مباشراً، ولا تجعل بيننا وبينك واسطة في شيء، وهذا ما يميل اليه أهل الاشكال على الشفاعة والتوسل!

ولكن الأمر ليس بيدنا، فالأفضل أن يكون منطقنا أرقى من ذلك فنقول: اللهم لا نقترح عليك، فأنت أعلم بما يصلحنا، وإن أردت أن تجعل أنبياءك وأوصياءك واسطة بيننا وبينك، وحججا علينا عندك، فنحن مطيعون لك ولهم ولا اعتراض عندنا...

وهذا هو التسليم المطلق لإرادته تعالى، وقد عبر عنه سبحانه بقوله لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سورة الزخرف ٨١ - ٨٢: قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين.

٤٨٥

صارم:

كلامك طويل وفيه نسبة من الصحة، اضافة الى بعض الشبه التي تحتاج الى رد، فلو كان مقالك قصيراً لرددت على كل نقطة تذكرها وتخالف ما أعتقده. لذا أرجو مرة أخرى أن يكون جوابك مختصراً دقيقاً. وعموماً فأجيبك باختصار:

الآيات التي استدللت بها في الأمر بطاعة الرسولعليه‌السلام عليك لا لك، لأنه أمرنا بالتوحيد الخالص النقي من شوائب الشرك، ومن طاعته تنقية التوحيد مما يفضي الى الشرك، أعاذنا الله واياك من مضلات الفتن.

ثم إنك استدللت في الاستشفاع بدعاء النبي للأعمى، وهذا لا أشكال فيه لأنه طلب من حي فيما يستطيعه، لذا لجأ عمررضي‌الله‌عنه الى عم النبي، ولو كان الاستشفاع فيما ذكرته صحيحاً للجأ الناس الى النبيعليه‌السلام وهو في قبره، وهذا ما لم يحصل اطلاقاً.

وأعود وأسأل مرة أخرى ما الذي يستطيع عمله الميت حينما تستشفع به؟

العاملي:

من أسباب الخطأ عند المخالف للتوسل: أنه يتصور أن المتوسل يطلب من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من الولي.. بينما هو يطلب من الله تعالى ويتوسل اليه بمقام النبي أو يطلب من النبي التوسط له عند الله تعالى. فلا طلب إلا من الله تعالى.

وأما شبهة أن الرسول ميت فكيف تصح مخاطبته؟

فجوابها: أنه حي عند ربه، ولذلك تسلم عليه في صلاتك ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ).

وإذا قبلت حديث تعليم النبي للأعمى أن يتوسل به، فقد صح عندكم أن عثمان بن حنيف طبقه بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلمه لشخص كان عنده مشكلة عند الخليفة عثمان، فاستجاب الله له وتغيرت معاملة عثمان معه.

وتطبيق الصحابي الثقة حجة لأنه معاصر للنص.

٤٨٦

وقد أجاز ابن تيمية التوسل بالنبي بعد موته، فلا تكن ملكياً أكثر من الملك!!

بل ورد عندكم التوسل الى الله تعالى بالممشى الى الصلاة والحج ( أتوسل اليك بممشاي )!

صارم:

قلت لك: نحن نحرم شد الرحال الى زيارة القبور منعا لجناب التوحيد أن تشوبه شوائب الشرك. ثم سألتك لم تشدون الرحال؟ فقلت: للاستشفاع!! فإن أردت أن تجيبني على قدر السؤال، فهذا سؤالي:

لماذا تستشفعون بالأموات؟ وكيف؟

العاملي:

الى الآن ما زلت تتصور أن الزيارة لا بد أن يرافقها استشفاع، فمن أين جئت بهذا؟!

فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب احترامه ولا يتوسل ولا يستشفع به!

وقد يتوسل المسلم بنبيه في بيته، ولا يذهب لزيارته!

فالزيارة شيء، والتوسل شيء آخر!!

والى الآن تتصور أن شد الرحال لا يكون إلا للإستشفاع! مع أن شد الرحال قد يكون للزيارة وحدها، أو مع نية الاستشفاع والتوسل!

وقد أجبتك بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حي عند ربه، وأنك تسلم عليه في صلاتك فلا مانع أن يخاطبه المتوسل.

على أن المتوسل لا يطلب من النبي بل من الله، ولا يحتاج الى مخاطبة النبي بل يخاطب ربه، ويسأله بحق رسوله ومقامه ومعزته عنده!!

وقلت لك لقد أجاز ابن تيمية التوسل والاستشفاع بالنبي ( الميت )!!صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل تريد نص كلامه؟ !!

وتعود وتسألني: لماذا تشدون الرحال للاستشفاع، ولماذا تستشفعون بالميت؟ أرجو أن تتأمل في كلامي أكثر.

٤٨٧

صارم:

لقد تأملت في كلامك جيداً وتوصلت لما يلي:

قلت في معرض كلامك: ( والى الآن تتصور أن شد الرحال لا يكون إلا للإستشفاع! مع أن شد الرحال قد يكون للزيارة وحدها، أو مع نية الإستشفاع والتوسل! )

النتيجة واحدة وهو وجود التوسل والاستشفاع، وهذا ما أريده وأسأل عنه.

وقلت أيضاً: ( فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب احترامه ولا يتوسل ولا يستشفع به! ) هذا منطوق كلامك. وعليه فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب احترامه ويتوسل ويستشفع به! وهذا مفهوم كلامك. وسؤالي:

كيف يتوسل به؟

وسؤالي الثاني: كيف يستشفع به؟

هل أجد عندك اجابة مختصرة في حدود السؤالين السابقين؟

العاملي:

توسل به الى الله، واستشفع به، وتوجه به، وتجوه به، وسأله به، واستغاث به وأقسم عليه به.. كلها بمعنى واحد، أي توسط به الى الله تعالى.

ومعنى توسلنا واستشفاعنا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أننا نقول:

اللهم إن كنت أنا غير مرضي عندك ولا تسمع دعائي بسبب ذنوبي، فاني أسألك بحرمة عبدك ورسولك محمد، الذي له هو نبيي ومبلغي أحكامك، وخير خلقك، وصاحب المقام الأول عندك.. أن تقبل دعائي وتستجيبه.

وهذا يا أخ... أمر طبيعي صحيح ليس فيه عبادة للنبي ولا ادعاء شراكة له مع الله تعالى، بل فيه تأكيد لمقام عبوديته واطاعته لربه الذي وصل به الى مقامه المحمود عند الله تعالى. وهو مشروع لورود النص به.

٤٨٨

صارم:

أعوذ بالله من غضب الله ما هذه الجرأة على الله؟ كيف تقول ( ولا تسمع دعائي بسبب ذنوبي )!!!

هل تعتقد أن الله لا يسمع؟ نعوذ بالله من الخذلان.

هل تعتقد أن الله يخفى عليه شيء في الأرض وفي السماء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

أفق يا رجل فوالله إن الذي قلته ليزلزل الجبال. هداك الله. أرجو أن تستغفر الله بلا واسطة عن هذا الذنب العظيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولي معك وقفة باذن الله.

العاملي:

عبارة ( إن كنت لا تسمع دعائي بسبب ذنوبي ) تعني لا تستجيب.. وسماع الدعاء بمعنى استجابته عربي فصيح أيها العربي!!

صارم:

هل لك أن تدلني على أن السماع بمعنى الاستجابة من لغة العرب وقبل ذلك القرآن؟

العاملي:

يستحب للمصلي أن يقول سمع الله لمن حمده، ومعناها استجاب وليس مجرد السماع. ويكفي استعمالها عند العرب بقولهم: هل يسمع فلان منك أم لا؟ وهو ليس سؤالا عن حالة أذنيه وطرشه!!

وفي سنن النسائي: ٨/٢٦٣: عن أبي هريرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع. انتهى.

وفي هذا كفاية، فأجب على ما ذكرته في موضوعنا.

٤٨٩

صارم:

أشكرك علي إحالتك وبيانك. وسؤالي - وأرجو ألا تتذمر:

لم تلجؤون الى الواسطة بينكم وبين الله؟ ألم يخلقنا؟ ألم يرزقنا؟ أليس سبحانه هو المتكفل بنا؟ ألم يقل لنا: أدعوني أستجب لكم، بلا واسطة؟

ألا تعلم أن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد؟

ألا تعلم أن كل وازرة لا تزر وزر أخرى؟

ألا تعلم أن الانسان مهما بلغ من الكمال فهو عبد ضعيف مربوب لله تعالى، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا؟ فأي فرق بيننا وبين الأموات؟

وقد ذكرت لك أن عمررضي‌الله‌عنه استشفع بعم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يلجأ الى قبر النبيعليه‌السلام ! فلم لم يفعل ذلك؟ !! أتراه غفل عما تدعون اليه؟ !!

نعم للانسان أن يطلب من آخر حي أن يدعو له، أما من الميت فإن الميت لاحول له ولا قوة!! ولو كان بيده شيء لدفع الموت عن نفسه.

وسؤالي مرة أخرى لم تجعلون الميت واسطة؟

العاملي:

حسب فهمنا المحدود وادراك عقولنا القاصرة، الأمر كما تقول. فالانسان يعبد الله تعالى مباشرة فينبغي أن يطلب منه مباشرة.. والله تعالى سميع بصير عليم، وهو أقرب الينا من حبل الوريد، فلا يحتاج الى واسطة من شخص حي ولا ميت، ولا أي مخلوق.. هذا حسب ادراك عقولنا..

ولكنه سبحانه بنى هذا الكون، وخلق الانسان وأقام حياته في الأرض على أساس الاسباب والمسببات في أمور الطبيعة..

وأخبرنا أن عبادته والطلب منه لها أصول وأسباب، وأن علينا أن نتعامل معه حسب هذه الاصول.

٤٩٠

مثلا: لماذا يجب الايمان بالرسول؟

فاذا أردنا أن ننفي الواسطة نقول: إن المطلوب هو الايمان بالله وحده والرسول مبلغ وقد بلغ ذلك وانتهى الأمر، فلماذا نجعل الايمان به مقرونا بالايمان بالله تعالى؟!

لماذا قال الله تعالى: أطيعوني وأطيعوا الرسول، ولم يقل أطيعوني فقط كما بلغكم الرسول؟ !! وهذا المثل قد يكون صعبا..

مثل آخر: الكعبة.. لماذا أمر الله تعالى ببناء غرفة، وقال توجهوا اليها وحجوا اليها وتمسحوا بها؟ هل يفرق عليه في عبادتنا له أن نصلي له الى هذه الجهة أو تلك؟ أو تحج تلك المنطقة أو لا تحج؟ فلماذا جعلها واسطة بيننا وبينه؟!

بل.. إن الصلاة أيضاً نوع من التوسل، وقد يسأل انسان هل تحتاج عبادة الله الى صلاة له؟

بل إن الدعاء أيضاً توسل.. فالله تعالى مطلع على الضمائر والحاجات، فلماذا يطلب أن نقول له؟

بل يمكن لهذا التفكير العقلي أن يوصل الانسان الى القول: لماذا خلق الله الانسان بحيث تكون له حاجات وقال له ادعني حتى أستجيب لك..

انا جميعا يا صارم أفكار العقل القاصر أمام حكمة الله تعالى، وحكمته تعرف بالشرع والعقل معا، وليس بظنون العقل واحتمالاته!!

وما دام مبدأ التوسل ثبت في الشرع، فإن العقل لا يعترض عليه، بل هو ( العقنقل ) كما عبر عنه بعضهم!!

والتوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثابت في حياته وبعد موته بدون فرق، لأنه حي عند ربه، وحياته أقوى من حياة أحدنا!!

وقد قلت لك أن التوسل لا يحتاج الى مخاطبة، فهو سؤال لله تعالى بمقام النبي وجهاده في سبيله وشفاعته عنده.

وأخبرتك أن ابن تيمية أجاز التوسل بالأموات، ولعله حصره بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٩١

صارم:

أولا: أوافقك القول على أن العقل قاصر، وهذا لا مرية فيه. أما تمثيلك بالكعبة فقياس مع الفارق، لوجود الدليل الذي أمرنا الله من خلاله أن نتوجه الى الكعبة إذ الكعبة ليست واسطة.

ولك أن تتصور أن شخصا يتحدث معك وقد التفت عنك وأعطاك ظهره!! هل تقبل عليه وتتحدث معه؟

وكذلك وضعت الكعبة ليتجه اليها المسلمون جميعاً في صلاتهم، لا أنها واسطة الى غير ذلك من الحكم.

ثانياً: قلت إن ابن تيمية أجاز التوسل بالأموات ولعله حصره بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كلامك متناقض كيف تقول أجاز ثم ترجع وتقول: لعله؟ !!! هذا لا يستقيم.

فاما أنه أجاز التوسل بالأموات، وهذا محال، أو أنه أجاز التوسل بالنبيعليه‌السلام ؟

فهل لك أن تدلني على كلام شيخ الإسلامرحمه‌الله في التوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع ذكر المرجع؟

ثالثاً: أريد الدليل من القرآن - ومن القرآن - على قولك راجيا الاختصار ما أمكن وشكرا لك.

العاملي:

قال ابن تيمية في رسالة لشيخ الإسلام من سجنه ص ١٦:

وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصا أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك الى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه في.

فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام!

٤٩٢

والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. المتوسل انما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا علي سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه. انتهى.

فقد أفتى ابن تيمية بجواز العمل بحديث الضرير وفيه خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ميت!

ولاحظ يا صارم أن الميزان عند ابن تيمية أن تطلب من الله أو من المتوسل منه. وهذا هو كلام علماء المسلمين كلهم.

وتفريقه بين المتوسل والداعي والمستغيث غير صحيح، لأنه لا يوجد مسلم يدعو النبي ويطلب منه من دون الله، أو يستغيث به من دون الله!!

وأزيدك حديثا آخر صححه الطبراني يفسر حديث الضرير، قال في المعجم الكبير ٩/١٧ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيفرضي‌الله‌عنه : أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت اليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا اليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة. يا محمد إني أتوجه بك الى ربي فتقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك. ورح إليّ حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتي باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال له: ما حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا.

ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إليّ حتى، كلمته فيّ؟!

٤٩٣

فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله وأتاه رجل ضرير فشكا اليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله انه ليس لي قائد وقد شق عليّ.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات.

قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط!

صارم:

اليك الجواب عما أثرته - وأعتذر عن الإطالة -:

أولاً: لم تحلني على مرجع. وقولك: قال ابن تيمية في رسالة لشيخ الإسلام من سجنه ص ١٦! أتعد هذا احالة؟ !!

ما رأيك لو قلت لك: قال صاحب الكافي في رسالة له. أتقبل ذلك مني؟!

ثانياً: اما أنك لا تجيد النقل، وتأخذ ما يوافق هواك!! وأعيذك بالله أن تكون كذلك. واما أنك أسأت فهم كلام ابن تيمية، أو نقلت شبهة كان يريد الرد عليها، لأن أقواله في هذه المسألة - التوسل بالنبي - مشهورة مبثوثة في ثنايا كتبهرحمه‌الله .

وحتى أزيدك ايضاحاً حول هذه المسألة عند أهل السنة والجماعة، أقول: التوسل بالرسولعليه‌السلام ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يتوسل بالايمان به واتباعه. وهذا جائز في حياته وبعد مماته.

القسم الثاني: أن يتوسل بدعائه، أي بأن يطلب من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدعو له، فهذا جائز في حياته، أما بعد مماته فلا، لتعذره.

القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله. فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته.

ثالثاً: قلت ياعاملي: فقد أفتى ابن تيمية بجواز العمل بحديث الضرير وفيه

٤٩٤

خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ميت!

ولا أدرى من أين استنبطت قولك: وهو ميت؟ !!!

رابعاً: قلت: لا يوجد مسلم يدعو النبي ويطلب منه من دون الله أو يستغيث به من دون الله!! فبالله عليك لم يشد الناس رحالهم الي القبور؟

ان قلت: من أجل الدعاء عندها دون أن يكون للميت تأثير.

قلنا لك: فلا فائدة من شد الرحال، والاجابة حاصلة في مكانك الذي أنت فيه، دون أن تشد الرحل.

وإن قلت: إن للميت تأثيراً، أو من أجل حصول البركة.

قلنا: كيف يؤثر وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا؟

ومن هنا جاء النهي عن شد الرحال للقبور، منعا لجناب التوحيد من شوائب الشرك.

ولو تنزلنا معك ووافقناك في قولك أنا لا أستغيث بها.

قلنا لك: لكن عوام الناس ممن لا فقه عنده سيظن أن للميت تأثيرا، وإلا لما شدت اليه الرحال، فيلجأ في دعائه الى الميت، وهذا ما يحصل عند غالب القبوريين .

فلما كانت هنالك مفسدة مترتبة على ذلك وقع النهي.

خامساً: أما حديث الطبراني فيحتاج الى مراجعة، فلم يسعفني الوقت للوقوف عليه وعلى صحته.

آمل أن تتأمل جوابي جيداً ليتضح لك الحق باذن الله.

العاملي:

أرجو أن تصحح ما هو المركوز في ذهنك من أن الزيارة تلازم التوسل والاستغاثة، وأن شد الرحال يكون للاستغاثة، فلا تلازم بينها أبداً..

وإذا أكملنا البحث في التوسل آتي لك بنصوص الزيارة بلا توسل.

٤٩٥

وهذا اليوم قرأت لامامك ابن تيمية مجدداً كل مقولاته حول التوسل وعن حديث عثمان بن حنيف عن الضرير، وعن حديث عثمان بن حنيف الآخر الذي صححه الطبراني.. فقد تعرض لذلك في كتبه وكتيباته التالية:

العبادات عند القبور، وزيارة القبور، والتوسل والوسيلة، واقتضاء الصراط المستقيم، ورسالة من سجنه.

وخلاصة رأيه أنه يفسر حديث الأعمى بأنه توسل بدعاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا بذاته. ويحصره في حياته لا بعد مماته.

قال في التوسل والوسيلة ص ٢٦٥:

وفي الجملة فقد نقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين والاستغاثة بهم والشكوى اليهم، فهذا مما لم يفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم باحسان، ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين وحديث الأعمى الذي رواه الترمذي هو من القسم الثاني من التوسل بدعائه.

وقال في ص ٢٦٨:

وفيه قصة قد يحتج بها من توسل به بعد موته إن كانت صحيحة رواه من حديث اسماعيل بن شبيب بن سعيد الحبطي عن شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المديني عن أبي أمامة سهل بن حنيف أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان في حاجة له وكان عثمان لا يلتفت اليه ولا ينظر في حاجته، فلقي الرجل عثمان بن حنيف فشكا اليه ذلك فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبينا محمد نبي الرحمة. يا محمد إني أتوجه بك الي ربي... الخ.

قال البيهقي ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله، وساقه من رواية يعقوب بن سفيان عن أحمد بن شبيب بن سعيد، قال ورواه أيضاً هشام الدستوائي عن أبي جعفر... الخ. انتهي.

٤٩٦

ثم ناقش ابن تيمية في سند الحديث، ولم يفت بالتوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته.

أما رسالته من سجنه فهي مطبوعة ضمن مجموعة رسائله وتبدأ من ص ٢٤٨، وهي من سجنه من مصر، وأنقل لك منها فقرات وفي الاخيرة منها يجيز التوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد قال به ولم يقل بدعائه!!

وقال في ص ٢٥٠:

فجاء الفتاح أولاً فقال يسلم عليك النائب وقال: الى متى يكون المقام في الحبس؟  أما تخرج؟ هل أنت مقيم على تلك الكلمة أم لا؟

وعلمت أن الفتاح ليس في استقلاله بالرسالة مصلحة لأمور لا تخفى، فقلت له: سلم على النائب وقل له أنا ما أدري ما هذه الكلمة؟ والى الساعة لم أدر عليّ أي شيء حبست، ولا علمت ذنبي، وأن جواب هذه الرسالة لا يكون مع خدمتك، بل يرسل من ثقاته الذين يفهمون ويصدقون أربعة أمراء، ليكون الكلام معهم مضبوطاً عن الزيادة والنقصان، فأنا قد علمت ما وقع في هذه القصة من الأكاذيب.

فجاء بعد ذلك الفتاح ومعه شخص ما عرفته، لكن ذكر لي أنه يقال له علاء الدين الطيبرسي، ورأيت الذين عرفوه أثنوا عليه بعد ذلك خيراً وذكروه بالحسنى، لكنه لم يقل ابتداء من الكلام ما يحتمل الجواب بالحسنى، فلم يقل الكلمة التي أنكرت كيت وكيت، ولا استفهم: هل أنت مجيب الى كيت وكيت؟!

وقال في ص ٢٥٣:

وجعل غير مرة يقول لي: أتخالف المذاهب الأربعة فقلت أنا ما قلت إلا ما يوافق المذاهب الأربعة..

وقال في ص ٢٥٦:

وقال لي في أثناء كلامه فقد قال بعض القضاة انهم أنزلوك عن الكرسي.

فقلت: هذا من أظهر الكذب الذي يعلمه جميع الناس، ما أنزلت من الكرسي قط! ولا استتابني أحد قط عن شيء، ولا استرجعني.

٤٩٧

وقلت قد وصل اليكم المحضر الذي فيه خطوط مشائخ الشام وسادات الإسلام، والكتاب الذي فيه كلام الحكام الذين هم خصومي كجمال الدين المالكي وجلال الدين الحنفي...

وقال في ص ٢٦٥:

فقال: فاكتب هذه الساعة أو قال اكتب هذا أو نحو هذا.

فقلت: هذا هو مكتوب بهذا اللفظ في العقيدة التي عندكم التي بحثت بدمشق واتفق عليها المسلمون، فأي شيء هو الذي تريده؟

وقلت له: أنا قد أحضرت أكثر من خمسين كتاباً من كتب أهل الحديث والتصوف والمتكلمين والفقهاء الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وتوافق ما قلت...

وقال في ص ٢٦٦:

فراح ثم عاد وطلب أن أكتب بخطي أي شيء كان، فقلت فما الذي أكتبه؟ قال: مثل العفو، وألا تتعرض لاحد!!

فقلت: نعم هذا أنا مجيب اليه...!!

وقال في ص ٢٧٢:

وهذا الذي يخافه من قيام العدو ونحوه في المحضر الذي قدم به من الشام الى ابن مخلوف، فيما يتعلق بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم إن أظهروه كان وباله عليهم، ودل على أنهم مشركون لا يفرقون بين دين المسلمين ودين النصارى...

وقال في ص ٢٧٦:

وأما حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي مثل تقديم محبته على النفس والاهل والمال، وتعزيره وتوقيره واجلاله، وطاعته واتباع سنته وغير ذلك، فعظيمة جدا.

وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصا أن يقول: اللهم إني أسألك

٤٩٨

وأتوسل اليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك الى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه في. فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام.

والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين.

المتوسل انما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه والله هو رب العالمين. انتهى.

وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به، وليس بدعائه، كما أنه لم يخصصه بحال حياته، بل ذكر ذلك من حقوقه والاعتقاد به فعلا!!

صارم:

هنالك نقطة اختلاف بيني وبينك، ولعلها لم تظهر بعد، فأنت حينما تسافر وتقطع مئات الاميال من أجل أن تزور القبر الفلاني، لم أقدمت على هذا العمل؟ وكيف لا يكون هناك تلازم بين التوسل والاستغاثة والزيارة؟

وهذا ما قصدته فيما كتبته لك، وهو ما أسأل عنه لم تشد الرحل للقبر؟ فقلت بعظمة لسانك: ( نزورهم ونستشفع بهم الى الله تعالى ) ثم تقول: لا تلازم أي تناقض هذا؟ !!

أما قولك: إنك قرأت كتب ابن تيمية حول موضوعنا، فأشكرك على شجاعتك ونقلك لما يخالف كلامك، وكنت أتمنى منك لو قلت: وقد أخطأت أو وقد تبين بطلان كلامي، فكل منصف سيري هذا الخطأ الذي وقعت فيه ونسبته لشيخ الإسلام.

أخيرا قولك فيما نقلته عن الشيخ: أتوسل بك الى ربي في حاجتي ليقضيها اللهم فشفعه في. فهذا التوسل به حسن.

وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام، والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. ثم قلت ( وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به، وليس بدعائه ) أقول لك: ارجع الى تقسيم التوسل الذي ذكرته لك آنفاً، وستعرف المقصود بكلام الشيخرحمه‌الله فلا حجة

٤٩٩

لك عليه وكيف تفسر الكلام بهواك بلا دليل؟

وقولك ( كما أنه لم يخصصه بحال حياته، بل ذكر ذلك من حقوقه والإعتقاد به فعلا!! ) من أين لك هذا الإستنباط؟ !! فلو كان هذا فهم السلف، لما لجؤوا الى عم النبي العباسرضي‌الله‌عنه في الاستسقاء. وإلا فقل لي بربك ما تفسير توسلهم بدعاء عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يلجؤا الى قبره؟ !!

أرجو أن أجد جواباً شافياً مختصراً على جميع أسئلتي.

العاملي:

أذكرك أولا بفهرس مسائل نقاشنا:

فأصل موضوعنا زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهناك موضوعان يتصلان بها:

الأول: شد الرحال اليها يعني السفر الى المدينة المنورة بقصد الزيارة.

والثاني: التوسل والاستشفاع بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وثانياً، كان موضوعنا الحكم الشرعي لذلك سواء من الأحاديث الصحيحة على حسب موازين علماء المذاهب.. ووصلنا الي رأي ابن تيمية في ذلك.

لقد قرأت اليوم رأيه في زيارة القبور وشد الرحال اليها من بضعة كتب وكتيبات له وهي:

- فتيا في نية السفر

- زيارة بيت المقدس

- رسالة في الدعاء عند القبور

- رده على الاخنائي

- ابطال فتاوى قضاة مصر

- الجواب الباهر في زوار المقابر

- شرح حديث لعن الله زوارات القبور

- بيان مختصر لمناسك الحج

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523