العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية11%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196414 / تحميل: 7991
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عن ثبوته عليه.

ثم إنه يحتمل أن تكون الرواية مخصوصة بإثبات عهدة العين إلى غاية الاداء من دون تعرض لحكم صورة التلف، وثمرة إثبات العهدة لزوم أدائها.

فإن قلت: إنه لا معنى حينئذ لجعل الاداء غاية لوجوب الاداء، لانه من توضيح الواضح، لثبوت كل شئ إلى أن يرتفع، وثبوت كل حكم إلى أن يمتثل.

قلت: القضية غير مسوقة بمدلولها المطابقي لوجوب الاداء حتى تكون الغاية ثابتة له، بل إنما مدلولها المطابقي هو: الحكم بثبوت العين في العهدة، وسيقت الغاية غاية لهذا الثبوت، ولايخفى أن ارتفاع ثبوت العين فيها بالاداء، ليس من الواضحات ولا مما حكم به العقل، إذ من الممكن ثبوتها فيها على وجه الدوام غير ممتد إلى غاية، إلا أنه حكم الشرع الشريف بارتفاعه عند الاداء.

ولازم هذا الوجه ; أنه لوتلفت العين ; فالعهدة باقية إلى يوم القيامة ولا تسقط بشئ لانحصار الغاية المجعولة في الاداء وإن قلنا بلزوم أداء المثل والقيمة لو قام عليه دليل، إذ الرواية حينئذ ساكتة عن حكم صورة التلف.

لكن الانصاف: أن اللوازم المذكورة مما لا يلتزم به الفقيه، لوضوح إمكان تفريغ العهدة عند الفقهاء، وأنه لامستند لهم في تضمين المثل والقيمة في كثير من الموارد إلا الحديث المذكور بل ترى منهم أنهم استفادوا منه خصوص صورة التلف، فتدبر.

ويحتمل أن تكون مخصوص العين بمرتبتها الشخصية، بل تعمها بجميع مراتبها، الاقرب فالاقرب، والامثل فالامثل، فتكون الرواية بمدلولها المطابقي دالة على ثبوت المراتب في العهدة، وهذا هو المناسب لكلمات الاصحاب، والاعتماد

٢١

عليها لحكم صورة التلف في أغلب الابواب ولباب التضمين ; ويشهد له أن العرف لايعدون مالية المال أمرا مباينا عنه، بل النظر الاصلي في مهم الاموال على ماليتها، وإن كانت لشخصيتها أيضا مدخلية في أغراضهم الخاصة، فيكون توضيح معناها ; ان العين بجميع مراتبها ثابتة في العهدة حتى يؤديها إلى ربها، فإذا أداها إليه فرغت العهدة بمقداره، فإن كان المؤدى عينا حصل الفراغ التام، وإن كان المثل أو القيمة فقد فرغت عن المالية وبقيت مشغولة لشخصية المال، لانها أيضا كانت مثبوتة فيه ولها دخل في الاغراض.

ثم إن الفراغ عن المالية أيضا يختلف بحسب أداء الفرد من النوع أو الجنس أو المساوي في القيمة ; وعليه فلا حاجة في الحكم بوجوب أداء المثل والقيمة، بل ولا في تقديم المثل على القيمة: إلى التماس دليل من خارج، وهذا هو فارق بين هذا الوجه والوجه السابق.

فإن قلت: فعلى هذا صح أداء المثل والقيمة بحكم الرواية مع وجود العين ويحصل معه الخروج عن عهدة المالية ولاينبغي أن يتفوه به أحد.

قلت: ليس ثبوت مراتب العين على نحو واحد، بل ولا عن سبب واحد، بل المقصود أن المفهوم من الرواية ; كون العين بواسطة الاخذ بإذنه بجميع مراتبها في العهدة على نحو التعدد المطلوبي.

فنفس الاخذ سبب لثبوت العين ويترتب عليه وجوب أدائها، وهو مع التلف سبب لثبوت المثل فيها، وهما مع تعذر أداء المثل سبب لثبوت القيمة فيها.

إلا أن الانصاف، أن الالتزام بتعدد السبب مشكل، إذ الرواية غير متعرضة إلا لاثبات ماتسبب عن الاخذ دون ما تسبب عنه شئ آخر.

٢٢

فالوجه أن يقال: إن السبب واحد وهو نفس الاخذ، وإنما يتسبب عنه أمور مترتبة في الوجود، نظير الملكية الحاصلة لمراتب الموقوف عليهم على الترتيب بالجعل الاولي من المالك، بل وأمر المقام أوجه منها ; لان المراتب حاصلة بنفس الحصول الاولي على نحو من الحصول.

غاية الامر أن اختصاص الاداء إنما يحصل بعد تعذر المراتب الفوقانية وهذا كله واضح للمتدبر العارف بوجوه المعاني أو صروف الكلام.

فإن قلت: إن التي تشتمل عليها العين من الحصة أو المالية فهي مقيدة بها متعذر أداؤها بتعذر أدائها، وأما الحصة الاخرى والمالية المطلقة الموجودة في فرد آخر، فثبوتها ووجوب أدائها يحتاج إلى دليل آخر لمغايرتها لما هي الثابتة بثبوت العين.

قلت: لو سلمنا المغايرة عند التدقيق العقلي، فلا يخفى عدمها عند العرف كما عرفت، ومن أن نظرهم الاصلي إلى المالية المطلقة، لاخصوص ماهي القائمة منها بالعين، والرواية مسوقة لاثبات العين مع مراتبها المحكومة في العرف أنها من مراتبها في العهدة، هذا كله.ولكن الانصاف أن هذا الوجه أيضا لا يخلو عن تعسف.

ويحتمل أن تكون مخصوصة بحسب الدلالة المطابقية بعهدة العين، ودلت على وجوب أداء المثل والقيمة بالالتزام العرفي، إذ عهدة الشئ يلازم عندهم لوجوب أداء العين مع بقائه، والمثل عند تلفه.فالغاية إنما سيقت لعهدة العين فقط.

لايقال: لو عمت العهدة صورة التلف فلا يعقل أن يكون الاداء غاية لها، إذ

٢٣

يعتبر فيها إمكان حصولها ويمتنع الاداء مع التلف: لانا نقول: الغاية إنما تصح في مابقي فيه الموضوع، وأما مع ارتفاعه فلاتختص بدلالة الاقتضاء بصورة بقاء العين.ثم مع أن فرض التلف قد عرفت أنه ليس في حقيقة العهدة، بل إنما هو من لوازم العهدة.هذا، ولكن يرد على هذا الوجه لو سلمنا الملازمة العرفية أن مقتضاه ثبوت وجوب أداء المثل والقيمة من دليل خارج، وهذا خلاف ماعليه طريقة الاصحاب من الاعتماد بالحديث لوجوب أداء المثل والقيمة.

إلا أن يقال: إنه بعد ماثبت أن الحكم من لوازم الموضوع عرفا، فإثبات الموضوع جعلا أو إمضاء إثبات لحكمه كذلك، فتدبر.هذا كله في الوجوه المحتملة وقد عرفت أن خيرها أخيرها ثم أوسطها.ثم إنه ينبغي التنبيه على أمور راجعة إلى حال الاخذ والآخذ والمأخوذ، وأما المأخوذ منه فلا تتفاوت فيه الحالات والصفات إلا من جهة الاسلام والكفر، فإن المعتبر فيه أن يكون مسلما أو من بحكمه من أولى الذمة، وأما مال الحربي بشروطه فهو مما ينتقل إلى صاحب اليد بالاخذ على الوجه المقرر في محله.أما ما يرجع إلى الاخذ فأمور.

الاول: قد يتوهم اختصاص الاخذ بالعدوان والقهر بحسب الاستعمالات العرفية كما يدعى ظهوره فيه بالتتبع في مواردها وعليه ; فيختص مورد التضمين بالغصب وهو فاسد لعموم الوضع وعدم حصول النقل العرفي ولا الانصراف المعتدبه.

٢٤

نعم في بعض المقامات لخصوصية المقام يستفاد العدوان والقهر، وعليه ; فتكون قاعدة اليد أعم من الغصب، بل وهو كذلك قطعا لان مدار رحى(١) باب الضمانات يدور غالبا عليها فيدخل المقبوض بالسوم(٢) والمقبوض بالعقود الفاسدة مجانية كانت أو معوضة، بل وجميع الايدي المأذونة بالاذن الشرعي، بل والمالكي في وجه كما سيجئ إن شاء الله.

ومنه يد الغاصب بعد إذن المالك وغيرها، وهذا واضح للمتدبر والمتتبع في باب الضمانات.

الثاني: قد عرفت عدم اعتبار عنوان القهر على المالك، وهل يعتبر القصد أم لا؟ فنقول: أما القصد إلى عنوان أنه مال الغير فغير معتبر قطعا، لصدق أخذ مال الغير بدونه، وعدم مدخلية القصد والعلم في الحكم الوضعي، فيعم الاخذ السهوي والنسياني والخطائي.

نعم قد يقال: يعتبر القصد إلى عنوان الاخذ، فلو لم يكن قاصدا عنوانه لم يحكم بالعهدة لظهور إرشاد العقل في كونه مقصودا، بل وكونه اختياريا، فلو كان على وجه الاضطرار لم يؤثر، وضعفه واضح لمنع اعتبار القصد والاختيار في نسبة العقل، نعم لو كان الاضطرار بحيث لا يصدق الاستيلاء العرفي أمكن منع التضمين - كما سيأتي إن شاء الله من أن المفهوم هو الاستيلاء العرفي، وعلى هذا فيشمل القاعدة بحكم عموم الخبر فلاخذ المجنون والصغير والمضطر ما لم يبلغ إلى ذلك الحد المشار إليه، بل وربما يمكن دعوى شمولها لمثل يد النائم ولكن لم أجد في كتب الاصحاب في مسألة ضمان النائم من حيث التلف السماوي تصريحا بل

___________________

١ - " الرحى " بفتح الراء والالف المقصورة، الدائرة التي تطحن الحب.

٢ - سام - سوما وسواما - السلعة: عرضها وذكر ثمنها.

٢٥

ولا تلويحا إلا من بعض الطبقة الثالثة(١) في مطاوي كلمات عناوينه، حيث يستفاد منه القبول ; ومن الشيخ في بعض أبواب جواهره حيث يستشم منه المنع.وربما يقرب القبول بعد ما عرفت من عدم اعتبار القصد والاختيار في صدق الاخذ، أن الظاهر عدم الريب عندهم في ضمان ما أتلفه النائم، وليس المدرك فيه إلا عموم قوله: من أتلف، فإذا صدق الاتلاف منه فليصدق الاخذ، هذا مع أنه يمكن دعوى القصد منه ولو من وجه فتدبر، والمسألة محل إشكال.

الثالث: وهل تختص الرواية بالاخذ الحدوثي أو تعمه والاستمراري، فلو كان على غير وجه الضمان من أول الامر، كما لو كان مالا لذي اليد، ثم إنه انتقل بالاسباب القهرية كحلول الحول في الزكاة، أو الاختيارية، أو كان مال الغير ولم يكن مضمونا بأن يكون وديعة أو غيرها ; فيحكم بالعهدة وجهان.والذي يقتضيه النظر هو الاخير.

وتوضيح ذلك ; أنه لا ريب أن الاخذ بخصوص الجارحة المخصوصة وهي اليد ليس له خصوصية، بل نقطع بعدم اعتباره، بل وكذلك الاخذ بمطلق الجوارح، فلابد من الخروج عن الظاهر البدوي ; إما بالتزام أو مجاز مرسل، وحينئذ فقد يتوهم أنه كناية عن الاستيلاء المطلق وهو ضعيف، لانه مع عدم كونه أقرب إلى المعنى الحقيقي ; مستلزم لان يكون كل على التصرف ضامنا كالسلطان القادر على التصرف في ما بأيدي رعاياه، وكالقوي القادر على ما في أيدي الضعفاء وهو بديهي البطلان، مخالف للاجماع بل الضرورة، بل التحقيق أنه كناية عن التسلط الفعلي الصادق عليه الاخذ عرفا، وهو يختلف باختلاف المقامات، فقد يحتاج إلى

___________________

١ - المراد هو متأخري المتأخرين.

٢٦

التقليب والتحريك وقد لايحتاج إليه نظير القبض المختلف في المنقولات وغيرها، وهذا ليس اختلافا في معنى الاخذ والقبض، بل لهما حقيقتان وجدانيتان، وإنما الاختلاف بحسب خصوصيات المقام، فالمال المطروح في صندوقه الذي بيده مفتاحه ; مقبوض ومأخوذ بلا تحريك، بل ولا قصد مثل المطروح في جيبه، وأما المطروح في الصحراء مثلا فيحتاج في صدق الاخذ عليه غالبا إلى نحو من التقليب والتحريك، ولا يكفي فيه القصد فضلا عن عدمهما، وقد يكفي ف يه القصد ولا يحتاج إلى تحريك وتقليب، فالاوجه إحالة المصاديق إلى العرف، فإن ضبطها على الوجه الكلي متعسر بل متعذر.والميزان هو ما عرفت من صدق الاستيلاء الفعلي.

إذا عرفت هذا، فنقول: قد يتوهم ظهور الاخذ في الحدوثي من جهة أن الماضي بهيئته ظاهر فيه، وهو ممنوع، ولو سلمناه فهو ظهور بدوي لا اعتداد به بعد ما يستفاد من الحديث ومن سائي الاخبار المتفرقة في الابواب ; في أن المناط في التضمين هو الاستيلاء على مال الغير.

والانصاف ; أن هذا الظهور كظهور كون الاخذ على وجه العدوان لو سلمناه في بعض المقامات، فإنما هو لخصوصيات فيها.فالمرجع في المقام هو العموم يعني الحكم بتضمين مطلق الاخذ، عدوانيا كان أو غيره، حدوثيا أو استمراريا بمقتضى الظهور الوضعي بعد منع الانصراف، نعم قد يقال: إن في الاستيلاء الاستمراري يعتبر القصد إلى الاستمرار لعدم صدق الاخذ مع عدمه، إذ يعتبر فيه بحسب تفاهم العرف جهة اتصال إلى المالك وفيه تأمل، لاختلاف الاستمرار بحسب المقامات، فما كان في حدوثه لايحتاج إلى القصد كالمقبوض

٢٧

باليد ; لايحتاج إليه في الاستمرار، إذ الاخذ أمر مستمر على الفرض، وإنما المعتبر هو عنوان كونه ماله أو مال الغير وهو غير محتاج إلى القصد حاصل في نفسه، وأما انتساب الاخذ إليه كما هو ظاهر الخبر فهو أيضا حاصل بدون القصد، وإن قلنا بأن نسبة الفعل ظاهر في الاختيار، إذ الاستمرار تابع للحدوث فتأمل.والحاصل أن حال الاخذ في الحدوث والاستمرار واحد، وإن اختلف بحسب موارد صدقه.ثم إن ما ذكرناه من شمول اليد للاستمرار والحدوث مما اتفقت عليه كلمة الاصحاب في مطاوي الابواب، فإن بناء‌هم في أبواب الامانات كلية على أن الامين إذا تعدى أو فرط يضمن وإن لم يكن التلف مستندا إلى فعله، بل إلى الآفة السماوية، بل ويضمنون الودعي بمجرد قصد الخيانة لزوال أمانته به.

إلا أن يقال: إن الاخذ كما سيأتي يقتضي الضمان حتى في الامناء، وإنما خرجت بالدليل، فإذا زال المانع وهو الامانة فلا مانع من تأثير الاخذ الاولي، وهذا بخلاف ما إذا كان المال أولا مال الآخذ به فإن أخذ مال الغير يقتضي الضمان لامال نفسه، وفيه مع ما يجئ من منع الاقتضاء على وجه العموم أولا، وعدم معنى لتأثير الاخذ الاولي ثانيا كما لايخفى، إن حكمهم بضمان قيمة يوم الخيانة أو يوم التلف ينافي أن يكون المؤثر هو الاخذ الحدوثي فتدبر، ومن هنا يمكن تطبيق حكمهم بأن تلف المبيع، بل وكل مقبوض قبل القبض من مال بائعه على القاعدة من وجه، وإن كان ينافيه التضمين بخصوص الثمن فتأمل.هذا في حال الاخذ، وأما ما رجع إلى الآخذ فأمور:

الاول: لا إشكال في شمول الخبر لاخذ من لم يكن مأذونا من المالك، ولم يقع الاخذ برضاه، وإنما الكلام والاشكال في مقامين:

الاول: أنه هل يعم المأذون أيضا

٢٨

فيكون خروج ماخرج من الايدي المأذونة من باب التخصيص أو لايعمه؟ والثاني: أن الخارج تخصيصا أو تخصصا مطلق اليد المأذونة، بل وما كانت برضا المالك كالاخذ بشاهد الحال ونحوه أو خصوص الامين.

أما المقام الاول ; فمقتضى ظاهر قالب ألفاظ الخبر في نفسه كما عرفت هو الشمول لجميع الايادي.

لكن يمكن أن يقال: إنه لا يشمل مثل يد الامين، وتوضيح ذلك يحتاج إلى بسط في الكلام فنقول: قد يدعى أن أيدي الامناء منزلة منزلة يد المالك، فإن حقيقة الاستيمان استنابة عن المالك ومعه فخروج الامناء يساوق خروج المالك في أنه خروج موضوعي، إلا أن الدعوى المذكورة لاشاهد لها الفقد الدليل العام الدال على التنزيل وما ثبت من الاستنابة، فإنما هي في خصوص الحفظ وما عنه من التقليب والتحريك، مع أنها لو سلمناها فإنما هي مختصة بمثل يد الوكيل والودعي، وأما سائر الامناء كالمستأجر والمستعير وغيرهما فدعوى الاستنابة فيها ساقطة جدا، والحاصل أن في اغلب الموارد ليست حقيقة الاستيمان استنابة، ولم يدل دليل شرعي أو عقلي من خارج أيضا على التنزيل.

فالاوجه، أن يقال: إن إطلاق الرواية منصرف إلى غير الامين.

والسر فيه أن أسباب الانصراف كثيرة ومن جملتها المناسبات الحكمية، فإن مناط الحكم وإن كان ظنيا ; قد يوجب الانصراف كما عليه بنائهم في كثير من الموارد ومنها: اعتبار الملاقات، ونجاسة الماء القليل مع إطلاق مفهوم قولهعليه‌السلام " إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ "(١) وعلى هذا فيمكن دعوى أن المناط في تضمين الآخذ لمال

___________________

١ - الوسائل: ج ١، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق، الحديث: ١ وغيره.

٢٩

الغير، ولو بالتلف السماوي، إما مراعاة عدم وقوع الضرر على المالكين من جهة أنه لو انحصر المضمن في الاتلاف والتعدي لكان طريق إثبات الاتلاف والتعدي مسدودا غالبا، لصعوبة إثباتهما، وإما من جهة مال المسلم وأن وقوع اليد عليه يوجب الغرامة صيانة لماله وكلا الوجهين لا يأتيان في أيدى الامناء إذ بعد تسليط المالك الغير على ماله على وجه الاطمينان به كما هو مفاد الاستيمان لا وجه للملاحظتين لانه المسلط غيره على ماله.

وإن شئت توضيح ذلك بوجه أمتن، فنقول: إذا فرض تسليط المالك غيره على ماله على عنوان الاطمينان به كما عليه بناء العقود الاستيمانية فإن القبض فيها على هذا العنوان وإن كان للتغير محل لايثق به المالك فالاطمينان المذكور وإن كان لايقتضى إلا الفراغ عن جهة التعدي والتفريط إلا أن إعطاء‌ه على هذا الوجه يلازم عرفا لرفع اليد عن نفس تلفه أي عن جهة احترام ماله من حيث التلف السماوي إذ لا معنى لرفع التعدي والتفريط بملاحظة الاطمينان مع كون التلف ولو بدونهما مضمنا إذ عليه فهو ضامن على كل تقدير، فلاثمرة في الملاحظة المذكورة، فهي إنما تنفع بعد رفع اليد عن الجهات الاخر.

وربما يشهد لهذا المعنى الاخبار الواردة في أبواب الاستيمان وتعليلاتها، مثل ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سأته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا(١) فإن نفي الغرم عن المستبضع على الاطلاق وتعليله بأنه أمين إما أن يشمل التغريم مطلقا ولو من جهة التلف السماوي كما هو فرض السؤال، أو يختص بدعوى التعدى والتفريط، كما هو المناسب للتعليل فيكون

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ١ من أبواب أحكام العارية، الحديث: ٨.

٣٠

عدم الضمان من جهة التلف السماوي مفروغا عنه بين السائل والمسؤول عنهعليه‌السلام من حيث إن من المركوزات عند العقلاء أن الاستبضاع ونحوه من الاستيمانات، ليس فيها اقتضاء من جهة التلف.

ومثل قولهعليه‌السلام : ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته.(١) فإن النهي عن الاتهام لا يناسب مع كون التلف مضمنا، فدل على أن عدم الضمان بالتلف أمر لا حاجة إلى بيانه لفراغ العقلاء عنه بعد الاستيمان.

ومثل قولهعليه‌السلام : في مكاتبة القاساني بعد السوال عن رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا أو غير ذلك، فاشتراه فسرق أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع من مال الآمر أو من مال المأمور؟ فكتبعليه‌السلام : من مال الآمر.(٢) فإن الظاهر منه أن الامر والتسليط ينافي التطمين.ومثل قولهعليه‌السلام -: صاحب الوديعة والعارية مؤتمن.(٣) بالتقريب المتقدم.إلى غير ذلك من الاخبار التي تشهد له بالتقريبات المتقدمة مما قدمناها.

هذا تمام ما يمكن في توجيه دعوى الانصراف في الحديث الشريف للمناسبة الحكمية، تارة بالرجوع إلى الوجدان، وأخرى باستكشافها من كلمات من علمهم الله جل جلاله الحكمة والبيان ونزل عليهم القرآن والفرقان، عليهم صلوات الله الملك المنان.

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة، الحديث: ١٠.

٢ - المصدر نفسه: الباب ٣٠ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ١٥.

٣ - المصدر نفسه: الباب ١ من أبواب احكام العارية، الحديث: ٦.

٣١

ولكن الانصاف، أن النفس بعد في تزلزل من ذلك إذ نعلم مناط اقتضاء اليد على مال الغير، أن يكون عليه تلفه حتى يدعى انتفاؤه في الامين، إذ من الممكن، أن يكون الوجه أمرا ساريا في جميع الايادي، ومجرد الستنباط مناط لم يعلم كونه مظنونا فضلا عن كونه معلوما لا يوجب صرف الاطلاق بعد احراز كونه في مقام البيان، لان الانصراف في قوة التقييد بل هو تقييد لبي لا يصار إليه إلا بعد ثبوت المقيد على الوجه المعتب ولا يكفي الاحتمال فيه.

وأما الاخبار الواردة، فممنوعة، بشهادتها على التقييد اللبي، سواء كان نفي الضمان المسبب عن التلف السماوي مدلوله التضمني أو الالتزامي، أو لعله من جهة مفروغيته من جهة الشرع، هذا ولكن مع هذا ليس دعوى الانصراف بذلك البعيد، فتدبر.

المقام الثاني: قد يتوهم أن الخارج من قاعدة اليد مطلق الايادي المأذونة، من المالك أو من قام مقامه، بل وما كان برضاه وإن لم يكشف عنه فعل، ولا لفظ كالاخذ بشاهد الحال، وربما يؤيده تعليل كثير من الاصحاب في كثير من الابواب لعدم الضمان، بأنها مأذونة، بل ربما يدعى أن الامين الذي علل به عدم الضمان في الاخبار وفي كلمات الاخيار هو مطلق المأذون إذ ليس المعتبر، الوثاقة الواقعية، بل كونه أمينا، من جهة تسليط المالك إياه على وجه الاطمينان وهذا موجود في موارد الاذن كلها، إذ العاقل لا يسلط على ماله أحدا إلا على وجه الاطمينان ببقائه، وعدم إتلافه وعليه، فالخارج من القاعدة، بمقتضى استيناس الحكم وأخبار الامين ومعاقد الاجماعات، هو المأذون من المالك المساوي في الصدق مع الامين.وأورد عليه، بانتقاض ذلك بموارد كثيرة، حكموا بالضمان، مع وجود الاذن

٣٢

كالمقبوض بالسوم والمقبوض بالعقد الفاسد والغاصب الذي أذن له المالك ومع عدم التوكيل في القبض، والطبيب والصائغ، والملاح والمكاري والاجير وغير ذلك.

أقول: ولا يخفى عدم ورود أكثر موارد النقض كالمقبوض بالعقد الفاسد الذي أذن المالك فيه على وجه الضمان وكالطبيب والصائغ وغيرهما إذ الحاكم بالضمان فيها لو قلنا به، فإنما هو للاخبار الواردة فيها ولاغرو في ثبوت المخصص في اليد المأذونة إذ ليس مما يدعى عدم قابليته للتخصيص، نعم يبقى مثل المقبوض بالسوم والغاصب المأذون لو قلنا فيها بالضمان.

فالتحقيق في المقام، بحيث يرتفع عنه غواشي الاوهام أن يقال: إن الثابت من الادلة وهي الاجماعات المحكية البالغة حدا يمكن تحصيل الاجماع منها، والاخبار المعللة المستفيضة والمتفرقة في أبواب الاستيمانات التي سنتلو عليك طائفة منها، هو خروج الامين، ولم يدل دليل على خروج المأذون بهذا العنوان إلا دعوى الانصراف للمناسبة الحكمية التي لو سلمناها فهي مقصورة على الامين.

ودعوى أن مطلق المأذون أمين مدفوعة، بوضوح الفرق بين الاستيمان والاذن، فإن الاذن ليس إلا إعلام الرضا ورفع المنع، والاستيمان تسليط الغير على المال على وجه الابانة أي المعاملة معه معاملة الامين، ومن المعلوم أن الثاني أخص من الاول إذ لم يؤخذ في الاول تسليط فضلا عن كونه على وجه الاطمينان.

توضيح ذلك، أن معنى كون العقود الاستيمانية مثل الاجارة والوكالة والرهن والمضاربة والمساقات ونحوها استيمانات، أنها بحقائقها تقتضى تسليط الغير على المال، إذ به تتحقق الانتفاعات المقصودة بالاصالة، وهذا معاملة مع

٣٣

الغير معاملة الامين، لانه سلطه على أن ينتفع ويثقه، وإلا فليس المعتبر فيها أن يكون الغير أمينا موثوقا به قطعا، وأما مطلق الاذن فهو عبارة عن رفع المنع عن التصرف، نظير الامانة الشرعية، ومن المعلوم أن هذا المقدار ليس تسلطا فضلا عن كونه على الوجه الخاص، ولا منافاة بينه وبين القسمين، وإنما المسلم، لو تنزلنا منافاته مع تسليطه.

والحاصل، أنه لاينبغي الريب في أن المالك لو صرح " بأبي لا أمنعك عن التصرف " وقد ارتفع من جانبه المنع من التصرف، فلا يقتضي ذلك لرفع اليد عما تقتضيه اليد من الضمان، عند التلف وليس هذا استيمانا حتى يتمسك بذيل أدلة الامين، نعم لو سلطه ببعثه على الاخذ، أمكن القول بالمنافاة، نظرا إلى ما عرفت من أن من لوازمه عرفا رفع اليد عما تقتضيه اليد مراعاة للمالك وأنه استيمان، وقد اطلعت على كلمات كثيرة من الاصحاب تشهد بما ادعيناه من مغايرة الاذن والاستيمان وإن كانت كثيرة منها تشهد بخلافه، حيث صرحوا في باب العارية بأن حقيقته الاذن وأنه لا يعتبر فيها لفظ خاص ولا مطلق اللفظ، قال في التذكرة: " ويكفي قرينة الاذن بالانتفاع من غير لفظ دال على الاعارة أو الاستعارة "(١) وإن كان ربما يستشكلون في مثل الفراش المبسوطة للانتفاع، إلا أنه من جهة اعتبارهم الاذن لشخص خاص، لالعدم كفاية الاذن فتسالمهم على أن العارية إذن وأنها لاضمان فيها لانها استيمان يكشف عن أن الاستيمان عندهم مساوق للاذن.

ومما يشهد لما ادعيناه ما صرح به في التذكرة أيضا في باب الوكالة " إذا تعدى

___________________

١ - التذكرة: ج ٢، كتاب العارية، ص ٢١٠.

٣٤

الوكيل أو فرط مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكل ليبيعه، ضمن إجماعا لان الوكالة تضمنت شيئين الامانة والاذن في التصرف فإذا تعدى زالت الامانة وبقي الاذن بحاله "(١) .

وهذا صريح في أن الاذن بنفسه لا يقتضي سقوط الضمان، فلابد من تأويل في ظاهر كلامه السابق من إرادة الاذن الخاص، فتأمل، وإن أبيت عن ذلك فكلماتهم تسبب التشويش ولا يصح الاعتماد عليها، ولا يحسب ما هو المتيقن منها من التسليطات الخاصة الحاصلة في العقود الاستيمانية، ولو تنزلنا فمطلق التسليط، وأما مطلق الاذن فلا دليل عليه لما عرفت من تشويش كلمات الاصحاب ومعاقد الاجماع، ولقد اطلعت على كلام شيخنا الاستاذ الاكبر في مطاوي كلامه، في قاعدة " مالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده " ينطبق على بعض ما قررناه " قال: فإن قلت: إن الفاسد وإن لم يكن له دخل في الضمان إلا أن مقتضى عموم " على اليد " هو الضمان خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي تكون مواردها غير مضمونه وبقي الباقي، قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها وهي عموم مادل " أن من لم يضمنه المالك سواء ملكه إياه بغير عوض أو سلطه على الانتفاع به، أو استأمنه عليه لحفظه أو دفعه إليه لاستيفاء حقه أو تصرفه بلا أجرة أو معها، إلى غير ذلك فهو غير ضامن " أما في غير التمليك بلا عوض، أعني: الهبة فإنه مثل المخصص لقاعدة الضمان، عموم مادل على أن من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن بل ليس لك أن تتهمه، وأما في الهبة الفاسدة، فيمكن الاستدلال على خروجها بفحوى ما ذكر - إلى أن قال -

___________________

١ - التذكرة: ج ٢، كتاب الوكالة، ص ١٢٩.

٣٥

فحاصل أدلة عدم ضمان المتأمن، أن في دفع المالك إليه ملكه على وجه لايضمنه بعوض واقعي، أعني: المثل والقيمة ولاجعلي، فليس عليه نماؤه، انتهى كلامه ".وفيه مواقع للتأمل.

فبالحري ذكر الاخبار التي عثرت عليها في الابواب المتفرقة مما يدل على عدم ضمان الامين لانه أمين، تيمنا بها ولعله يستفاد منها ما يغنينا عن هذه الكلمات بالمرة فإن كلامهم - عليهم السلام - نور للقلب وضياء للباصرة.

فمنها: ما رواه القاساني: كتبت إليه - يعني: أباالحسن - عليه السلام - - وأنا بالمدينة سنة إحدى وثلاثين ومائتين: جعلت فداك رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا أو غير ذلك فاشتراه فسرق منه أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع؟ من مال الآمر أو من مال المأمور؟ فكتبتعليه‌السلام : من مال الآمر.(١) ويمكن أن يستفاد من هذا الخبر أن مطلق التسليط والبعث، موجب لصرف الضمان.

ومنها: مارواه يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يبيع للقوم بالآجر وعليه ضمان مالهم؟ قال: إنما كره ذلك من أجل أني أخشى أن يغرموه أكثر مما يصيب عليهم فإذا طابت نفسه فلا بأس.(٢) أقول: تعلق الضمان على طيب النفس مما لا يصح إلا بأن يراد السؤال عن اشتراط الضمان فليس هذا بذلك البعيد خصوصا بعد ما عرفت وعليه فلا دخل للرواية بالمقام إلا من جهة مفروغية عدم ضمان الاجير للتلف.

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ١٥.

٢ - المصدر نفسه: الباب ٢٩ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ١٥.

٣٦

ومنها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا.(١) أقول: قولهعليه‌السلام " بعد أن يكون الرجل أمينا " يحتمل أن يكون شرطا للحكم في قوة القول، بأنه ليس عليه غرم إذا كان أمينا، ويحتمل أن يكون علة للحكم في قوة القول، بأنه كذا لانه أمين أي من جهة استبضاعه الذي وضع على الاستيمان، فيدل على أن الامين لا يدخله التغريم، لكن غير بعيد ظهوره في الوجه الاول كما يشهد له جملة من الاخبار في أبواب الاستيمانات، مثل قولهعليه‌السلام : إذا كان عدلا مسلما فليس عليه ضمان.(٢) وقولهعليه‌السلام : لاغرم على مستعير عارية إذا هلكت، إذا كان مأمونا.(٣) وقولهعليه‌السلام : العامل إن كان مأمونا فليس عليه شئ وإن كان غير مأمون فهو ضامن.(٤) إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في الابواب، ولكن يبعده، أن الظاهر نفي الضمان بحسب الواقع وهذا لا يدخل للامانة والعدالة فيه إلا إذا كان المراد الضمان من جهة التعدي والتفريط، مع أن الضمان من جهتهما أيضا تابع لواقعهما فلابد أن يراد بالنفي نفي التغريم بلا بينة من مدعيهما فيكون معنى النذي تقديم قوله في مقام الدعوى، ويؤيده، العدول في التعبير عن الضمان إلى الغرم، ولكن مع هذا لا ينفع لاستفادة كلية عدم ضمان الامين بالتلف السماوي

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ١ من أبواب أحكام العارية، الحديث ٨.

٢ - المصدر نفسه: الحديث: ٢.

٣ - المصدر نفسه: الحديث: ٣.

٤ - المصدر نفسه: الباب ٢٩ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث ١١.

٣٧

منه إلا من جهة المفروغية التي تطابق عليها الاخبار عند الانصاف، وإلا فالاخبار المتقدمة مع شهادة ما عرفت منها في التصريح باشتراط الامانة ظاهرة في دعوى التفريط والتعدي فحمل على الكراهة، وإلا فدعوى التعدي والتفريط، مسموعة حتى على الامين العادل.

ومنها: قول الصادقعليه‌السلام في رواية الحلبي: صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان.(١) أقول: وهذا أحسن روايات الباب من جهة دلالتها على أن الايتمان أمر مفروغ عنه بحسب الحكم بحيث يغني ذكر موضوعه عن حكمه، ولكن فيها ما عرفت فيما تقدم من أنها لا تدل على أزيد من أن الامين يقدم قوله في دعوى التعدي والتفريط، فإنها ناظرة إلى المرسلة المشهورة: ليس على الامين إلا اليمين.نعم هي كسوابقها تدل على عدم الضمان بالتلف السماوي من جهة المفروغية وأنه لاوجه لنفي توجه شئ عليه إلا اليمين، مع كون تلفه مضمنا مطلقا، والحاصل، أن القدر المتيقن من آثار الامانة هي ما عرفت وهو المناسب لعنوان الامانة.

ومنها: مارواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليعليه‌السلام في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن فقال الراهن: هو بكذا وكذا، وقال المرتهن: هو بأكثر، قال عليعليه‌السلام : يصدق المرتهن حتى يحيط بالثمن لانه أمينه.(٢) أقول: مع ضعف سندها وإعراض الاصحاب غير الاسكافي عنها لبنائهم على تقديم قول الراهن الموافق للاصل في وجه للاخبار المدعى في محكي جامع

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة، الحديث: ١.

٢ - المصدر نفسه: الباب ١٧ من أبواب أحكام الرهن، الحديث: ٤.

٣٨

المقاصد تواترها وموافقتها للتقية أنه لا يلائم التعليل لعدم اقتضاء الامانة لتصديق المرتهن فيما على الرهن لعدم رجوع الدعوى إلى أمر ينافي الامانة، فلذا يحتمل قويا أن يكون المراد الامانة والوثاقة لا الاستيمان العقدي، فتأمل، وعلى كل حال فلايستفاد منها ما ينفع للمقام كما لايخفى.

ومنها: قولهعليه‌السلام : وصاحب العارية والوديعة مؤتمن(١) وقد تقدم الكلام في نظيرها.

ومنها: قولهعليه‌السلام : ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته ولا تأمن الخائن.(٢) وفيها أيضا ماعرفت مرارا.

ومنها: قولهعليه‌السلام كان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يضمن القصار والصائغ احتياطا للناس كان أبي يتطول عليه إذا كان مأمونا.(٣) ومنها: الاخبار الكثيرة الواردة في باب القصار والحمال والجمال والملاح، من أنه كان مأمونا فلا يضمنه وأنه ضامن إلا أن يكون ثقة مأمونا، وفيها ما عرفت من أنها لاتنفع في المقام بوجه.

أقول: والانصاف أن الاخبار المذكورة بحسب الدلالة المطابقية غير واردة إلا في مقام دعوى التعدي والتفريط، نعم بحسب الالتزام تدل على في الضمان عن الامين بسبب التلف السماوي إذ لولاه لكان نفي الضمان على الوجه المذكور لغوا.

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ١ من أبواب أحكام العارية، الحديث: ٦.

٢ - المصدر نفسه: الباب ٩ من أبواب أحكام العارية، الحديث: ١.

٣ - المصدر نفسه: الباب ٢٩ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ٤.

٣٩

ثم إن الظاهر منها أن المفروغية المذكورة، نظرا إلى منافاة الاستيمان مع التضمين، ليست من جهة وضوح الحكم بحسب الشرع، وإلا لكان في تلك الاخبار بكثرتها سؤالا عنه بل من جهة وضوحه عند العقلاء، على نحو ما عرفت فتكون نفس تلك الاخبار قرينة على ماتقدم من دعوى الانصراف في حديث إلى غير الامين، ومما قررناه في تضاعيف ذكر الاخبار وما بعده ظهر ما في كلام شيخنا الاستاذ الاكبر، من التسمك بعموم أدلة الاستيمان لقاعدة " ما لا يضمن " في غير التمليك بلا عوض وبفحواه فيه، فتأمل، ثم إن المستخرج منها إما بالمطابقة أو الالتزام، ليس إلا الامين الذي قد عرفت أنه أخص من عنوان المأذون.

ولو فرضنا التمسك في الخارج، وأنه خصوص الامين أو الاعم منه ومن المأذون فإن اعتمدنا في الخروج على الادلة اللفظية، وقلنا بأن عنوان الامين مجمل فالمرجع هو اطلاق دليل " اليد " لدوران التقييد المنفصل بين الاقل والاكثر فيقتصر على الاقل، وإن اعتمدنا على الدليل اللبي، أعني: حكم العقل من جهة الاستيناس بالحكم، فالاقوى سريان الاجمال إلى الاطلاق ووجوب الرجوع إلى الاصول العملية.

ودعوى أن القضايا العقلية كما علم في محله معلومة الموضوع، فكيف يفرض فيها الاجمال الساري، مع أنه لو فرض الاجمال فيها فهي في حكم التقييد المنفصل لاستقلاله في الحكم فلا وجه للحكم بالسريان، مدفوعة بأن المقصود من الحكم العقلي في المقام ماعرفت مرارا هو إدراكه الظني لمناط الحكم الموجب لانصراف المطلق، وهذا قابل لان يدخل فيه الشك والتردد في الموضوع، كما لايخفى.وأما حديث الانفصال، فهو حق في العقل المستقل، وأما في مثل المقام

٤٠

قال في التوسل والوسيلة/٣٢٧:

وحتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب من أويس القرني أن يستغفر للطالب، وإن كان الطالب أفضل من أويس بكثير.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى عليّ مرة صلى الله عليه عشراً... انتهى.

فمن أين عرف ابن تيمية أفضلية عمر على أويس؟! وكيف جعل طلب الإستغفار كطلب الدعاء؟!

وكيف شبه أمر النبي لعمر أن يطلب الإستغفار من أويس، بطلب الرسول منا أن نصلي عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ !! مع الفارق الكبير بينهما؟!

فطلب الرسول منا أن ندعو له بالصلاة عليه إنما هو من أجلنا، ولم يستمد منا المساعدة!

أما توجيهه أحداً أن يطلب الإستغفار من أحد، فلا يكون إلا إذا كان للثاني مقام عند الله تعالى يؤمل به أن ينفع الأول!! فهو من قبيل قوله تعالى ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول... ).

٤ - وفضلوا أموياً على أويس القرني!

في حلية الأولياء: ٩/٢٢٣:

قال وسمعت أبا سليمان وأبا صفوان يتناظران في عمر بن عبد العزيز وأويس، فقال أبو سليمان لأبي صفوان: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس!

فقال له: ولم؟

قال: لأن عمر بن عبد العزيز ملك الدنيا فزهد فيها.

فقال له أبو صفوان: وأويس لو ملكها لزهد فيها مثل ما فعل عمر!

٤١

فقال أبو سليمان: أتجعل من جرب كمن لا يجرب، إن من جرت الدنيا على يديه ولم يكن لها في قلبه موقع.

وقال في البداية والنهاية: ٩/٢٣٣:

قال أبو سليمان الداراني: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس القرني، لأن عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزهد فيها، ولا ندري حال أويس لو ملك ما ملكه عمر كيف يكون؟! ليس من جرب كمن لم يجرب! انتهى.

فهل تعامى الداراني وأبو نعيم وابن كثير أن أويساً شهد له سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه من كبار أولياء الله تعالى، والشفعاء عنده يوم القيامة، وأن معنى ذلك أن الملك والخلافة ومغريات الدنيا لو عرضت له وقبلها فسوف لا تغير منه شيئاً!

بينما لم يشهدصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر بن عبد العزيز بحرف من ذلك!

فتفضيله على أويس وجعله في درجته، ماهو إلا الظن والتعصب لبني أمية!

٥ - ثم حاولوا إنكار شهادة أويس في صفين

في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٥:

وروى نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، وزاد فيها: ثم إنه غزا أذربيجان فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره. انتهى.

وقد حاول المعلق على سير الذهبي أن يؤكد الشك في شهادة أويس في صفين، فقال في هامشه: هناك أخبار مختلفة حول موته والمكان الذي دفن فيه، ذكرها أبو نعيم في الحلية ٢/٨٣، وابن عساكر في تاريخه ٣/١١٠، وما بعدها.

وفي حلية الأولياء: ٢/٨٤:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني زكريا بن يحيى بن زحمويه، ثنا الهيثم بن عديّ، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه، عن عبد الله بن سلمة، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب، ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا

٤٢

مرض علينا - يعني أويس - فحملناه، فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب، وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه!!

وفي لسان الميزان: ١/٤٧٣:

وأخرج مسلم عن أسير بن جابر فذكر اجتماع عمررضي‌الله‌عنه بأويس، وفيه:

قال أين تريد؟

قال: الكوفة.

قال: ألا أكتب لك الى عاملها فيستوصى بك؟

قال: لا، بل أكون في غبرات الناس أحب الي.. الحديث، وفي آخره أنه مات بالحيرة. انتهى.

وإذا كان يقصد أن الحديث الآخر في مسلم، فلم نجد فيه ذكراً لموته في الحيرة! وهذا يوجب الشك في أن نسخ صحيح مسلم متفاوتة، وأنه أضيف الى بعضها أنه مات بالحيرة!

وفي لسان الميزان: ١/٤٧٥:

وقال ابن حبان في ثقات التابعين: أويس بن عامر القرني من اليمن، من مراد سكن الكوفة، وكان زاهداً عابداً، يروي عن عمر، اختلفوا في موته، فمنهم من يزعم أنه قتل يوم صفين في رجالة عليرضي‌الله‌عنه ، ومنهم من يزعم أنه مات على جبل أبي قبيس بمكة، ومنهم من يزعم أنه مات بدمشق، ويحكون في موته قصصاً تشبه المعجزات التي رويت عنه.

وقد كان بعض أصحابنا ينكر كونه في الدنيا، حدثني عبد الله بن الحسين الرحبي ثنا عباس بن محمد قراد أبو نوح، فذكر ما تقدم، والأثر الذي تقدم عن لوين أخرج أحمد في مسنده عن أبي نعيم عن شريك به، وفي آخره سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من خير التابعين أويساً القرنيرضي‌الله‌عنه . انتهى.

٤٣

وفي تاريخ الطبري: ١٠/١١٦:

( ذكر من هلك من التابعين سنة ٣٢ )

ومنهم أويس بن الخليص القرني. كذلك ذكر ضمرة بن ربيعة عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه قال: سمعت من رجل من قومي يعني من قوم أويس وأنا أحدث بحديثه، فقال تدري يا أبا عثمان أويس ابن من؟

قلت: لا.

قال أويس بن الخليص.

وأما يحيى بن سعيد القطان فإنه قال: حدثنا يزيد بن عطاء، عن علقمة بن مرثد بأنه قال: أويس بن أنيس القرني.

واختلف في وقت مهلكه فقال بعضهم: قتل مع عليعليه‌السلام بصفين، روى محمد بن أبي منصور قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: نادى منادي عليّعليه‌السلام يوم صفين ألا اطلبوا أويساً القرني بين القتلى، فطلبوه فوجدوه فيهم. أو كلاماً هذا معناه. انتهى.

وفي تاريخ الطبري: ١٠/١٤٥:

وأويس القرني، من مراد وهو يحابر بن مالك بن مذحج، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد وهو يحابر بن مالك.

وكان ورعاً فاضلاً روى أنه قتل يوم صفين: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر قال: حدثنا هشام عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر. قال هشام فأخبرني حوشب أنه قال هو أويس القرني.

وفي وقعة صفين لنصر بن مزاحم/٣٢٤:

نصر، عن حفص بن عمران البرجمي، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري قال: أصيب أويس القرني مع علي بصفين.

٤٤

وفي أنساب الأشراف/٣٢٠:

وبعض الرواة يزعم أن أويساً القرني العابد، قتل مع علي بصفين. ويقال: بل مات بسجستان. قالوا: وكان علي بصفين في خمسين ألفاً، ويقال: بل في مئة ألف. وكان معاويةرحمه‌الله !! في سبعين ألفاً، ويقال: في مأة ألف، فقتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً، والله أعلم.

وقال في هامشه:

وهذا هو الشائع المعروف بين العلماء، لم يتردد فيه إلا بعض النواصب، وقد ذكر الكثيرون من منصفي أهل السنة استشهاد أويس بصفين، وذكره ابن عساكر بطرق في ترجمة أويس من تاريخ دمشق: ٦/٦٩، وفي ترجمة زيد بن صوحان: ١٩/١٣١، وفي تهذيبه: ٦/١٤

قال في مجمع الزوائد: ١٠/٢٢: وعن ابن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين أفيكم أويس القرني؟

قالوا نعم.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد بن حنبل وإسناده جيد.

وقال ابن مسكويه في الحكمة الخالدة/ ١٣٤: وذكر ابن أبي ليلى الفقيه أن أويساً وجد في قتلى رجالة علي بن أبي طالب يوم صفين.

وقال الحاكم في ترجمة أويس من المستدرك: ٣/٤٠٢:

سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب قال: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم صفين.

وبالسند المتقدم عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن عباس بن الدوري، حدثنا أبو نعيم، حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال:

٤٥

ولما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خير التابعين أويس القرني.

وأخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد، حدثنا عبدالله بن روح المدائني، حدثنا عبيد الله ابن محمد العبسي، حدثني إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي العنزي عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال:

شهدت علياًرضي‌الله‌عنه يوم صفين وهو يقول:

من يبايعني على الموت؟ - أو قال: على القتال؟

فبايعه تسع وتسعون قال: فقال:

أين التمام؟ أين الذي وعدت به؟

قال: فجاء رجل عليه أطمار صوف محلوق الرأس فبايعه على الموت والقتل [كذا] قال فقيل: هذا أويس القرني. فما زال يحارب بين يديه حتى قتلرضي‌الله‌عنه .

وقال في تاريخ الخميس: ٢/٢٧٧ : وقتل مع علي خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأويس القرني زاهد التابعين.

وقال في المختصر الجامع: قتل من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا، منهم عمار بن ياسر، وأويس القرني، وخمسة وعشرون بدريا.

وقال ابن عساكر قبل ختام ترجمة أويس بحديث: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علية [كذا] بن الحسن الحسيني، حدثنا القاضي محمد بن عبدالله الجعفي، حدثنا الحسين بن محمد ابن الفرزدق، أنبأنا الحسن بن علي بن بزيع، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا ابراهيم بن إسحاق، حدثنا عبدالله بن أذنية البصري، عن أبان بن أبي عباش عن سليمان [كذا] بن قيس العامري: قال رأيت أويساً القرني بصفين صريعاً بين عمار وخزيمة بن ثابت.

وتقدم في تعليق الحديث ( ٣٤٧ ) في ص ٢٨٦ عن ترجمة زيد بن صوحان من تاريخ

٤٦

دمشق: ١٩/١٣٠، وفي تهذيبه: ٦/١٤، بسند آخر أن أويس القرني قتل في الرجالة يوم صفين. انتهى.

وكان ينبغي لهؤلاء المؤرخين أن يتقيدوا بمنهجهم في الأخذ بالأحاديث الصحيحة التي نصت على شهادة أويس مع عليعليه‌السلام في صفين، وأن لا يشككوا الناس بسرد أحاديث ضعيفة في مقابلها.

ولكن بغضهم لعليعليه‌السلام يدفعهم دائماً الى ترك منهجهم والتشبث بالطحلب لكي يتخلصوا من أويس، هذه الآية الربانية النبوية التي شهدت على حق عليعليه‌السلام وباطل خصومه ومقاتليه، وحكمت عليهم بنصوص صحيحة عندهم بأنهم الفئة الباغية المحاربة لله ورسوله!!

ترى أحدهم لا يشهد بأن الحق مع عليعليه‌السلام إلا مجبوراً، كأنه يساق الى الموت!! ويبقى قلبه مشرباً بحب أعداء علي ومقاتليه، وكأنه يقول لهم ( أحسنتم وتقبل جهادكم وطاعاتكم )!!

قال الحاكم في المستدرك: ٣/٤٠٢:

ذكر مناقب أويس بن عامر القرنيرضي‌الله‌عنه .

أويس راهب هذه الأمة ولم يصحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما ذكره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودل على فضله، فذكرته في جملة من استشهد بصفين بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه .

سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم صفين.

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي أفيكم أويس القرني؟ قالوا:

٤٧

نعم، فضرب دابته حتى دخل معهم، ثم قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خير التابعين أويس القرني.

أخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد، ثنا عبد الله بن روح المدايني، ثنا عبيد الله بن محمد العبسي، حدثني اسمعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن على العنزي، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علياًرضي‌الله‌عنه يوم صفين وهو يقول: من يبايعني على الموت، أو قال على القتال؟ فبايعه تسع وتسعون.

قال فقال: أين التمام أين الذي وعدت به؟

قال فجاء رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس، فبايعه على الموت والقتل، قال فقيل هذا أويس القرني، فما زال يحارب بين يديه حتى قتلرضي‌الله‌عنه .

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا علي بن حكيم، ثنا شريك قال ذكروا في مجلسه أويس القرني فقال: قتل مع علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه في الرجالة. انتهى.

وقد تقدم من صحيح مسلم وغيره أن أويساً كان في صفين.

راجع أيضاً: طبقات ابن سعد: ٦/١١٣ - ١١٤، وغيره.

٦ - وجعلوا له قبرين في الشام ليبعدوه عن صفين

في رحلة ابن بطوطة: ١/٩٣:

أن جماعه من الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة الى الشام، فتوفي في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وكفناً وماء فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه...

بعض المشاهد والمزارات بها ( الشام ): فمنها بالمقبرة التي بين باب الجابية والباب الصغير... وقبر بلال مؤذن رسول الله ( ص )، وقبر أويس القرني، وقبر كعب الأحبار. انتهى.

٤٨

أما ابن تيمية الذي مذهبه تحريم زيارة القبور، فقد صرح بأن قبر أويس الذي في الشام لا أصل له، قال في كتابه زيارة القبور/٤٤٦: أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعاً مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف الى اُبيّ بن كعب، والمشهد الذي بظاهرها المضاف الى أويس القرني، والمشهد الذي بمصر المضاف الى الحسينرضي‌الله‌عنه ، الى غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الأمصار، حتى قال طائفة من العلماء منهم عبد العزيز الكناني كل هذه القبور المضافة الى الأنبياء لا يصح شيء منها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثبت غيره أيضاً قبر الخليلعليه‌السلام !!

٧ - وزعم بعضهم أن قبر أويس طار من الأرض

قال في حلية الأولياء: ٢/٨٤:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني زكريا بن يحيى بن زحمويه، ثنا الهيثم بن عدي، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه عن عبد الله بن سلمة، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا - يعني أويس - فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه!

فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبر ولا أثر!!

وقال اللواتي في تحفة النظار في غرائب الأمصار: ١/٥٥:

فمن بعض المشاهد والمزارات بدمشق التي بين باب الجابية والباب الصغير قبر أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين، وقبر أخيها أمير المؤمنين معاوية، وقبر بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم،رضي‌الله‌عنهم أجمعين، وقبر أويس القرني وقبر كعب الأحباررضي‌الله‌عنهما .

ووجدت في كتاب المعلم في شرح صحيح مسلم للقرطبي أن جماعة من

٤٩

الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة الى الشام فتوفي في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وكفناً وماء، فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، ثم ركبوا فقال بعضهم: كيف نترك قبره بغير علامة، فعادوا للموضع فلم يجدوا للقبر من أثر. انتهى.

ومن الواضح أنهما روايتان أمويتان تريدان إبعاد قبر أويس عن صفين، وتنفيان استشهاده مع عليعليه‌السلام !!

٨ - ورووا عن مالك أنه أنكر وجود أويس

في سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢:

قال أبو أحمد بن عدي في الكامل: أويس ثقة صدوق، ومالك ينكر أويساً! ثم قال: ولا يجوز أن يشك فيه. أخبار أويس مستوعبة في تاريخ الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.

ميزان الاعتدال: ١/٢٧٩:

قال ابن عدي: ليس لأويس من الرواية شيء، إنما له حكايات ونتف في زهده، وقد شك قومه فيه، ولا يجوز أن يشك فيه لشهرته ولا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو ثقة صدوق. قال: ومالك ينكر أويساً يقول: لم يكن. انتهى.

ولعل إنكار مالك لوجوده فيه إن صح مبني على أن القرنيين قالوا لا نعرف نسبه فينا، أو شككوا في وجوده بينهم!

وقد تقدم أن مخابرات الخلافة كلفت ابن عمه بأذاه وتسقيط شخصيته، فلا يبعد أن تكون هذه الشائعة من صنعهم.

كما تقدم قول أويس عن رد فعل الخلفاء وعمالهم على نصحه لهم ( حتى والله لقد يقذفوننا بالعظائم، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق ).

وقوله ( نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، فيشتمون أعراضنا، ويرموننا

٥٠

بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين، إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله )! .

ومن المعروف للجميع أن الخلفاء ( ماعدا علياًعليه‌السلام ) لم يكن يتسع صدرهم للانتقاد، وأن سياستهم قامت على أن المنتقد عدو، بل الممتنع عن البيعة عدو.. وقد أرادوا قتل سعد بن عبادة في السقيفة، وأشعلوا الحطب في اليوم الثاني لوفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في دار علي وفاطمة ليحرقوه بمن فيه! إن لم يبايعوا!! الخ.

وعندما يكون منتقد الخليفة شخصية مهمة مبشراً به مشهوداً له من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن جرمه يكون أكبر، لأن كلامه يكون مؤثراً في الناس أكثر!

وعليه فليس بعيداً أن تكون السلطة طلبت من القرنيين إنكار أويس، أو تبرعوا هم بإنكاره خوفاً من تحميلهم مسؤولية معارضته!

وهو عمل مألوف حتى في عصرنا من العشيرة التي لا تريد أن تتحمل مسؤولية ابنها المعارض للسلطة.

ويؤيد ذلك سلوك أويس الفريد في العناية بالفقراء، وتربيته مجموعة من الزهاد السائرين على نهجه، وكان مركزهم في مسجد بالكوفة.. وأنه ورد عنه أنه كان يكرر ( ماذا لقيت من عمر ) وهو شبيه بالكلام الذي كانت تكرره فاطمة الزهراءعليها‌السلام ..

هذا، ومن المحتمل أن محبي بني أمية أشاعوا عن مالك تشكيكه في وجود أويس القرني، لأن أويساً كعمار بن ياسررضي‌الله‌عنهما ظل شهادة صارخة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على أنهم أهل الباطل!

**

ومن طريف ما جرى في عصرنا أن الإيرانيين بنوا في صفين ( الرقة ) مسجداً كبيراً ضمنوه قبر عمار بن ياسر وأويس القرنيرضي‌الله‌عنهما ، وعندما كمل المشروع أقاموا لافتتاحه احتفالاً ودعوا بعض العلماء والمؤرخين لالقاء خطبهم فيه، ومنهم

٥١

الدكتور سهيل زكار المحب للأمويين، فتكلم في افتتاح مسجد أويس، وأنكر وجود شخصيته من أساسها!!

والطريف أن الملحقية الثقافية الايرانية نشرت خطابه في مجلتها!!

فإذا كنا الى الآن نرى أن المتعصبين لبني أمية مثل الدكتور زكار، يثقل عليهم وجود أويس القرني، ويحاولون إنكاره، فإن أسلافهم الذين عاصروه أو رأوا تأثيره العميق على الأمة، أجدر من المتأخرين بإنكار وجوده للتخلص منه!

**

آراء مضادة مغالية في أويس القرني!

من جهة أخرى غالى بعضهم في أويس وجعلوه خليل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

ففي طبقات ابن سعد: ٦/١٦٣:

أخبرنا مسلم بن ابراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثني رجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خليلي من هذه الأمة أويس القرني.

ورواه في الجامع الصغير: ٣/٢٩٨، برقم ٣٩٤٢ وفي مختصر تاريخ دمشق: ٣ جزء ٨٩٥ وفي كنز العمال: ١٢/٧٤. انتهى.

وهذه الرواية لا تصح عندنا ولا عند غيرنا.

أما عندنا فلأنه ثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليعليه‌السلام : أنت أخي، وخليلي، وأول من يصافحني يوم القيامة.

وأما عندهم، فلأنهم رووا حديثاً ينفي وجود خليل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه لو كان متخذاً خليلاً لاتخذ أبا بكر خليلاً!

وحديثهم عن أبي بكر كحديثهم عن أويس يراد بهما نفي أن يكون خليل النبي علياًعليه‌السلام ! كما وضعوا حديث أن عمر أول من يصافح الرحمن يوم القيامة، مقابل حديث أن يكون علياً أول من يصافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة!

٥٢

قال أحد المعلقين في هامش المجروحين لابن حبان: ٣/١٥١:

وأخبار أويس أورد الكثير منها ابن سعد في الطبقات، وأورد ابن الجوزي خبراً منها ثم قال: قد وضعوا خبراً طويلاً في قصة أويس من غير هذه الطريق. وإنما يصح في الحديث عن أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر، وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يأتي عليكم أويس فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فأطال القصاص وعرضوا في حديث أويس بما لا فائدة في الاطالة بذكره. انتهى.

وقد حصر هذا المحشي سبب الوضع في أحاديثه بالقصاص، ولكن عرفت مشكلة الخلافة والأمويين مع أويس، وهي دواع للانكار والوضع معاً!!

رووا أنه أوصى الى هرم بن حيان وبكى على عمر

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٦:

أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم بن عبد الله بن معاوية السياري شيخ أهل الحقائق بخراسان قال: أنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري، أنا عبدان بن عثمان، أنا عبد الله بن الشميط بن عجلان، عن أبيه أنه سمع أسلم العجلي يقول: حدثني أبو الضحاك الجرمي، عن هرم بن حيان العبدي قال:

قدمت الكوفة فلم يكن لي بها هم إلا أويس القرني أطلبه وأسأل عنه حتى سقطت عليه جالساً وحده على شاطيء الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فاذا رجل لحم آدم شديد الادمة، أشعر محلوق الرأس يعني ليس له جمة، كث اللحية عليه إزار من صوف ورداء من صوف بغير حذاء، كبير الوجه مهيب المنظر جداً، فسلمت عليه فرد عليّ، ونظر إليّ فقال: حياك الله من رجل، فمددت يدي اليه لأصافحه فأبى أن يصافحني وقال: وأنت فحياك الله.

فقلت رحمك الله يا أويس وغفر لك، كيف أنت رحمك الله؟

ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي له، لما رأيت من حاله ما رأيت حتى بكيت وبكى. ثم قال: وأنت فرحمك الله يا هرم بن حيان، كيف أنت يا أخي، من دلك

٥٣

عليّ؟ قلت: الله. قال: لا الَه إلا الله سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، حين سماني والله ماكنت رأيته قط ولا رآني.

ثم قلت: من أين عرفتني وعرفت اسمي واسم أبي؟ فوالله ما كنت رأيتك قط قبل هذا اليوم!

قال: نبأني العليم الخبير، عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك. إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأحياء، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضاً ويتحدثون بروح الله وإن لم يلتقوا، وإن لم يتكلموا ويتعارفوا، وإن نأت بهم الديار وتفرقت بهم المنازل.

قال قلت: حدثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث أحفظه عنك.

قال: إني لم أدرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم تكن لي معه صحبة، ولقد رأيت رجالاً قد رأوه وقد بلغني من حديثه كما بلغكم، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي أن أكون محدثاً أو قاضياً ومفتياً. في النفس شغل يا هرم بن حيان.

قال فقلت: يا أخي اقرأ عليّ آيات من كتاب الله أسمعهن منك فإني أحبك في الله حباً شديداً، وادع بدعوات وأوص بوصية أحفظها عنك.

قال فأخذ بيدى على شاطيء الفرات وقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، قال فشهق شهقة ثم بكى مكانه، ثم قال قال ربي تعالى ذكره وأحق القول قوله وأصدق الحديث حديثه وأحسن الكلام كلامه: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما الا بالحق.. حتى بلغ الى من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم. ثم شهق شهقة ثم سكت، فنظرت اليه وأنا أحسبه قد غشي عليه، ثم قال: يا هرم بن حيان، مات أبوك، وأوشك أن تموت ومات أبو حيان. فإما الى الجنة وإما الى النار. ومات آدم ومات حواء.

يا ابن حيان ومات نوح وابراهيم خليل الرحمن.

يا ابن حيان ومات موسى نجي الرحمن.

يا ابن حيان ومات داود خليفة الرحمن.

٥٤

يا ابن حيان ومات محمد رسول الرحمن.

ومات أبو بكر خليفة المسلمين.

يا ابن حيان ومات أخي وصفيي وصديقي عمر بن الخطاب.

ثم قال: واعمراه، رحم الله عمر وعمر يومئذ حي!! وذلك في آخر خلافته.

قال فقلت له: رحمك الله إن عمر بن الخطاب بعد حي!

قال: بلى إن تفهم فقد علمت ما قلت! وأنا وأنت في الموتى. وكان قد كان ثم صلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا بدعوات خفاف ثم قال:

هذه وصيتي اليك يا هرم بن حيان: كتاب الله واللقاء بالصالحين من المسلمين والصلاة والسلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد نعيت على نفسي ونعيتك، فعليك بذكر الموت، فلا يفارقن عليك طرفة، وأنذر قومك إذا رجعت اليهم، وانصح أهل ملتك جميعاً واكدح لنفسك، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم، فتدخل النار يوم القيامة!

قال ثم قال: اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك، اللهم عرفني وجهه في الجنة، وأدخله عليّ زائراً في دارك دار السلام، واحفظه ما دام في الدنيا حيث ما كان، وضم عليه ضيعته ورضه من الدنيا باليسير، وما أعطيته من الدنيا فيسره له، واجعله لما تعطيه من نعمتك من الشاكرين، واجزه خير الجزاء.

استودعتك الله يا هرم بن حيان، والسلام عليك ورحمة الله.

ثم قال لي: لا أراك بعد اليوم رحمك الله فإني أكره الشهرة والوحدة أحب اليّ لاني شديد الغم كثير الهم مادمت مع هؤلاء الناس حياً في الدنيا، ولا تسأل عني ولا تطلبني واعلم أنك مني على بال ولم أرك ولم ترني!! فاذكرني وادع لي فاني سأذكرك وأدعو لك إن شاء الله تعالى.

انطلق ها هنا حتى آخذ هاهنا.

قال فحرصت على أن أسير معه ساعة فأبى عليّ، ففارقته يبكي وأبكي!

٥٥

قال فجعلت أنظر في قفاه حتى دخل في بعض السكك، فكم طلبته بعد ذلك وسألت عنه فما وجدت أحداً يخبرني عنه بشيء، فرحمه‌الله وغفر له.

وما أتت عليّ جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين! أو كما قال.

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/٢٨:

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أبو المكارم المعدل، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا خالد بن يزيد العمري، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن علقمة بن مرثد، قال: انتهى الزهد الى ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خثيم، ومسروق بن الإجدع، والأسود بن يزيد، وأبي مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن.

وروي عن هرم بن حيان، قال: قدمت الكوفة، فلم يكن لي هم إلا أويس أسأل عنه، فدفعت اليه بشاطيء الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت...الى آخر القصة، وقال: أوردها أبونعيم في الحلية، ولم تصح، وفيها ما ينكر. انتهى.

ويكفي لرد هذه القصة أنها تنسب الى أويس أن الله تعالى نعى اليه عمر، وأنه لو صح أنه أخبر بوفاة عمر في الكوفة قبل أن يعرف الناس لشاع ذلك ورواه غير هرم. مضافاً الى تعارض ما فيها، وما يعارضها من أن هرما هذا كان يبحث عن أويس ولم يجده.

ثم إن هذه القصة شهادة من هرم لنفسه بأنه الوارث الشرعي لزهد أويس، وكان ينبغي أن يشهد له بذلك غيره، كما شهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون لأويس.

وأخيراً، فإن الكرامات الباطلة التي رووها عن هرم توجب الشك في أصل تدينه وفي كل ماروي عنه وله.. فقد رووا أنه سمي هرما لأنه هرم في بطن أمه وبقي حملا لمدة سنتين، أو أربع سنين!! قال الذهبي فيسير أعلام النبلاء: ٤/٤٨:

وقيل: سمي هرماً لأنه بقي حملاً سنتين حتى طلعت أسنانه!

٥٦

قال أبو القاسم ابن عساكر: قدم هرم دمشق في طلب أويس القرني. انتهى.

وقال في اختيار معرفة الرجال: ١/٣١٣:

قال القتيبي: وإنما سمي هرماً لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين. انتهى.

فهذا هو هرم الذي هرموه، وكبروه على حساب أويس!

وادعوا أن أويساً ورث خرقة التصوف ثم ورثها لموسى الراعي

في طرائف المقال: ٢/٥٩٤:

عن تذكرة الأولياء أن علياًعليه‌السلام وعمر أعطيا خرقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حسب الوصية أويساً فلما رآه الثاني أن ثوبه وكساه شعر الابل ووبره، ورأسه ورجليه مكشوفان، وكان له رئاسة الدنيا والدين تغير حاله فقال عمر: من يشتري الخلافة مني برغيف من الخبز؟

وفي لسان الميزان: ٦/١١٧:

( موسى ) بن زيد الراعي أبو عمران الديلمي نزيل بلخ.

لم أجد له ذكراً، وأظن أن بعض من في إسناد خبره اختلقه، فإنه أسندت عنه خرقة التصوف، فزعم أول من اختلقه أن أويساً القرني ألبسه الخرقة لما قدم بلاد الديلم، ومات بها، وأن عمر ألبسه قميصه بعرفات بحضور علي، وأن علياً ألبسه رداء ثم ألبسه قميصه بصفين، وهما لبسا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ذكره الفخر الفارسي، وهو محمد بن ابراهيم الذي تقدمت ترجمته عن أبيه، عن نصر بن خليفة البيضاوي، عن ابراهيم بن شهريار، عن أبي محمد الحسن الأبار الشيرازي، عن محمد بن خفيف، عن ابن عمر الاصطخري، عن أبي تراب النخشبي، عن أبي عمران المذكور.

وفي السياق أن كلا من هؤلاء ألبس الذي دونه.

وهذا خبر باطل مشوش. وأويس قتل بصفين كما ذكرته في ترجمته، وقيل مات قبل ذلك، فالله أعلم. انتهى.

٥٧

وهذه الروايات وغيرها من الادعاءات الباطلة، تدل على المكانة التي كانت لأويسرضي‌الله‌عنه في وجدان المسلمين، وعلى تأثير شخصيته ومسلكه في نفوسهم، حتى كثرت الأحاديث عنه، وادعى كثير الارتباط به والقرب منه، أو ادعوا قربه من أئمتهم الذين يحبونهم!

وهو أمر يزيد من التأكيد على وجود شخصية أويس، وتأثير سيرته تأثيراً عميقاً في أجيال المسلمين ومتدينيهم.. رضوان الله عليه.

**

صورة عن أويس القرني من مصادرنا روائح الجنة تفوح من قرن!

في الفضائل/١٠٧:

مما روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: تفوح روائح الجنة من قبل قرن الشمس، واشوقاه اليك يا أويس القرني، ألا من لقيه فليقرأه عني السلام.

فقيل: يا رسول الله ومن أويس القرني؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن غاب لم يفقدوه، وإن ظهر لم يكترثوا له، يدخل في شفاعته الى الجنة مثل ربيعة ومضر، آمن بي ومارآني، ويقتل بين يدي خليفتي علي بن أبي طالب في صفين. انتهى. ورواه في بحار الأنوار: ٣٨/١٥٥

وفي شرح الأخبار: ٢/٣٥:

وأويس بن عامر القرني، قتل مع علي صلوات الله عليه بصفين، وهو الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن من بعدي رجل يقال له: أويس به شامة بيضاء، من لقيه فليبلغه مني السلام، فإنه يشفع يوم القيامة لكذا وكذا من الناس.

٥٨

خير التابعين وَنَفَسُ الرحمن

في هامش مجمع البحرين: ٣/٤٩٨:

هو من التابعين الأخيار، ممن كانوا على الهدى وثبتوا عليه.

شهد مع عليعليه‌السلام حرب صفين، واستشهد في سبيل حقه. ووصفه المؤرخون بأنه من خواص أمير المؤمنين وحوارييه، وورد في شأنه مدح كثير وثناء من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصفه: إنه نفس الرحمن وخير التابعين.

كان راعي إبل فصار الشفيع الموعود

في طرائف المقال: ٢/٥٩٧:

وروى ضمرة عن أصبغ بن زيد قال: أسلم أويس على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لكن منعه من القدوم بره بأمه.

واستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي عليعليه‌السلام ، وقد ذكرنا أن أويساً كان راعياً للابل ويأخذ الأجرة على الرعي، ويصرفها لأمة الصالحة الصادقة. فذات يوم استأذن من أمه أن يذهب الى زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأذنت له لكن لم إن يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته فلا تتوقف وارجع معجلاً، فلما ذهب الى زيارته ولم يكن في البيت رجع الى اليمن، فلما أتىصلى‌الله‌عليه‌وآله الى بيته فرأى نوراً لم ير مثله، فسأل أنه هل أتى في درب البيت أحد؟ فأجيب جاء أحد من اليمن اسمه أويس، فحيا وذهب. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم هذا نور أويس، جعله هدية في بيتنا. راجع أيضاً: سير أعلام النبلاء: ٤/٢٧

أويس من أركان التشيّع لعليعليه‌السلام

في الاختصاص/٦:

ذكر السابقين المقربين من أمير المؤمنينعليه‌السلام :

حدثنا جعفر بن الحسين، عن محمد بن جعفر المؤدب: الأركان الأربعة: سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، هؤلاء الصحابة.

٥٩

ومن التابعين: أويس بن أنيس القرني، الذي يشفع في مثل ربيعة ومضر...

وفي الاختصاص/٨١:

أحمد بن هارون الفامي، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي عبدالله محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: شهد مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام من التابعين ثلاثة نفر بصفين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة ولم يرهم: أويس القرني، وزيد بن صوحان العبدي، وجندب الخير الأزدي، رحمة الله عليهم. انتهى. ورواه في بحار الأنوار: ٢٩/٦١٨

وفي اختيار معرفة الرجال: ١/٣١٤:

وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصحبه، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم لأصحابه: أبشروا برجل من أمتي يقال له أويس القرني، فإنه يشفع لمثل ربيعة ومضر.

روى يحيى بن آدم، عن شريك، عن ابن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى عبد الرحمن، قال: خرج رجل بصفين من أهل الشام، فقال: فيكم أويس القرني؟ قلنا نعم. قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خير التابعين، أو من خير التابعين أويس القرني، ثم تحول الينا. انتهى.

وروى الأول في روضة الواعظين/٢٨٩، وبحار الأنوار: ٣٨/١٥٦، وجامع الرواة: ١/ ١١٠، ووسائل الشيعة: ٢٠/١٤٤، ومعجم رجال الحديث: ٤/١٥٤

وفي طرائف المقال: ٢/٥٩٢:

وعن غوث المتأخرين السيد محمد النور بخشي نور الله مرقده في شجرة الأولياء قال: أويس القرني المجذوب قدس سره، هو الذي وصفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالولاية، وقال: إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523