العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية14%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 196349 / تحميل: 7990
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وفيه أيضاً في أوائل الكتاب: محمد بن قولويه، عن سعد بن عبد الله، عن علي بن سليمان بن داود الرازي، عن علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم، قال قال أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري محمد بن عبد الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا اليه؟

فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.

ثم ينادي المنادي: أين حواري علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقوم عمرو بن الحمق، ومحمد بن أبي بكر، وميثم التمار مولى بني أسد، وأويس القرني... الحديث. راجع أيضاً:معجم رجال الحديث: ٤/١٥٤

وقد نقل عن أويس أنه في بعض الليالي يقول: هذه ليلة الركوع ويتم الليلة بركوع واحد، وفي الليلة الأخرى يقول: هذه ليلة السجود ويتمها بسجدة، فقيل له: يا أويس كيف تطيق على مضي الليالي الطويلة على منوال واحد؟

فقال أويس: أين الليلة الطويلة؟ فياليت كان من الأزل الى الأبد ليلة واحدة حتى نتمها بسجدة واحدة، ونتوفر على الأنين والبكاء الى آخرها.

أويس ختام المسك الموعود في حرب الجمل

قال المفيد في الارشاد: ١/٣١٥:

نقلاً عن ابن عباس أن أمير المؤمنينعليه‌السلام جلس بذي قار لأخذ البيعة فقال:

يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً يبايعونني على الموت.

قال ابن عباس: فجزعت لذلك أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه، فيفسد الأمر علينا، ولم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم، حتى ورد أوايلهم فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعماة وتسعة وتسعون رجلاً، ثم انقطع مجيء القوم فقلت: إنا لله وإنا اليه راجعون، ماذا حمله على ماقال؟!

٦١

فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل، حتى إذا دنا وإذا هو رجل عليه قباء صوف معه سيفه وترسه وإداوته، فقرب من أميرالمؤمنينعليه‌السلام فقال له: أمدد يدك أبايعك، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : على م تبايعني؟ قال: على السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتى أموت، أو يفتح الله عليك.

فقال له: ما اسمك؟

قال: أويس.

قال: أنت أويس القرني؟

قال: نعم.

قال: الله أكبر، أخبرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني، يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر.

قال ابن عباس: فسرى والله عني. انتهى.

ورواه في الخرائج والجرائح: ١/٢٠٠، وإعلام الورى/١٧٠، والثاقب في المناقب/٢٦٦، وبحار الأنوار: ٣٧/٢٩٩

وفي مناقب آل أبي طالب: ٢/١٠٤:

ابن عباس أنه قالعليه‌السلام يوم الجمل: لنظهرن على هذه الفرقة، ولنقتلن هذين الرجلين. وفي رواية: لنفتحن البصرة وليأتينكم اليوم من الكوفة ثمانية آلاف رجل وبضع وثلاثون رجلاً، فكان كما قال. وفي رواية ستة آلاف وخمسة وستون.

وقال المفيد في الجمل/٤٩:

ونحن نذكر الأن جملة من بايع أمير المؤمنينعليه‌السلام الراضين بإمامته الباذلين أنفسهم في طاعته بعد الذي أجملناه من الخبر عنهم ممن يعترف المنصف بوقوفه على أسمائهم تحقيق ما وصفناه، من غنايتهم في الدين وتقدمهم في الإسلام، ومكانهم

٦٢

من نبي الهدى، وأن الواحد منهم لو ولي العقد لامام لانعقد الأمر به، خاصة عند خصومنا فضلا عن جماعتهم، وعلى مذهبهم فيما يدعونه من ثبوت الإمامة بالاختيار وآراء الرجال، وتضمحل بذلك عنده شبهات الأموية فيما راموه من القدح في دليلنا، بما ذكروه من خلاف من سموه حسبما قدمنا.

ومن بايع أمير المؤمنين بغير ارتياب ودان بامامته على الاجماع والاتفاق، واعتقد فرض طاعته والتحريم لخلافه ومعصيته، والحاضرون معه في حرب البصرة ألف وخمسماية رجل، من وجوه المهاجرين الأولين والسابقين الى الإسلام والأنصار البدريين العقبيين، وأهل بيعة الرضوان، من جملتهم سبعمائة من المهاجرين وثمانمائة من الأنصار، سوى أبنائهم وخلفايهم ومواليهم، وغيرهم من بطون العرب والتابعين بإحسان، على ماجاء به الثبت من الأخبار... الى أن قال:

بيعة باقي الشيعة:

ومن يلحق منهم بالذكر من أوليائهم وعلية شيعتهم، وأهل الفضل في الدين والايمان والعلم والفقه والقرآن، المنقطعين الى الله تعالى بالعبادة والجهاد، والتمسك بحقائق الايمان: محمد بن أبي بكر، ربيب أمير المؤمنين وحبيبه. ومحمد بن أبي حذيفة وليه وخاصته المستشهد في طاعته.

ومالك ابن الحرث الاشتر النخعي، سيفه المخلص في ولايته.

وثابت بن قيس النخغي.

وعبد الله بن أرقم.

وزيد بن الملفق.

وسليمان بن صرد الخزاعي.

وقبيصة وجابر وعبد الله ومحمد بن بديل الخزاعي.

وعبد الرحمن بن عديس السلولي.

وأويس القرني...

٦٣

أويس ختام المسك الموعود في حرب صفين

في خصائص الأئمة/٥٣:

وبإسناد عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت مع أمير المؤمنينعليه‌السلام بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً، ثم قال: أين تمام المائة؟ فقد عهد إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( أنه ) يبايعني في هذا اليوم مائة رجل!

قال فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين فقال: هلم يدك أبايعك.

فقال: على م تبايعني؟

قال: على بذل مهجة نفسي دونك!

قال: ومن أنت؟

قال: أويس القرني، فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل، فوجد في الرجالة مقتولاً.

وفي اختيار معرفة الرجال: ١/٣١٥:

وروى الحسن بن الحسين القمي، عن علي بن الحسن العرني، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال كنا مع عليعليه‌السلام بصفين، فبايعه تسعة وتسعون رجلا، ثم قال: أين المائة لقد عهد اليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبايعني في هذا اليوم مائة رجل. قال: إذ جاء رجل عليه قباء صوف متقلداً بسيفين فقال: أبسط يدك أبايعك.

قال عليعليه‌السلام : على م تبايعني؟ قال: على بذل مهجة نفسي دونك.

قال: من أنت؟ قال: أنا أويس القرني.

قال: فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل، فوجد في الرجالة.

وفي رواية اُخرى، قال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : كن أويساً.

قال: أنا أويس.

قال: كن قرنياً قال: أنا أويس القرني.

٦٤

وإياه يعني دعبل بن علي الخزاعي في قصيدته التي يفتخر فيها على نزار، وينقض على الكميت بن زيد قصيدته التي يقول فيها:

ألا حييت عنا يـا مدينا

أويس ذو الشفاعة كان منا

فيوم البعث نحن الشافعونا

راجع أيضاً: الخرائج والجرائح: ١/٢٠٠ والثاقب في المناقب/٢٦٦ وجامع الرواة: ١/ ١١٠، ومدينة المعاجز: ٢/٢٩٩، ومعجم رجال الحديث (ط. ج ): ٤/١٥٤

وفي بحار الأنوار: ٢٩/٥٨٣:

وبرز عبد الله بن جعفر في ألف رجل، فقتل خلقا حتى استغاث عمرو بن العاص. وأتى أويس القرني متقلداً بسيفين ويقال: كان معه مرماة ومخلاة من الحصى، فسلم على أمير المؤمنينعليه‌السلام وودعه، وبرز مع رجالة ربيعة، فقتل من يومه، فصلى عليه أمير المؤمنينعليه‌السلام ودفنه. انتهى.

وفي المناقب/٢٤٩:

وفي رواية: قتل من أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام في ذلك اليوم والليلة ألفا رجل وسبعون رجلاً، وفيهم أويس القرني زاهد زمانه، وخزيمة بن ثابت الأنصاري ذوالشهادتين، وقتل من أصحاب معاوية في ذلك اليوم سبعة آلاف رجل. انتهى.

**

وتدل هذه النصوص على أن أويساًرضي‌الله‌عنه ملهم من الله تعالى، حيث قال في بيعته لأمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الجمل ( على السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتى أموت، أو يفتح الله عليك ) فكان الفتح.

وقال يوم صفين ( على بذل مهجة نفسي دونك ) ولم يذكر الفتح!

وتدل على مقادير الله تعالى لهذا الولي الكبير أن يكون تمام الألف في حرب الجمل، ثم تمام المئة في صفين، مبايعاً على الموت في سبيل الله تعالى.

٦٥

وتدل هي وغيرها على أنه وجماعته كانوا فوجاً مقاتلاً، وأنهم قاتلوا قتال الأبطال المستميتين، فقد كسر أويس جفن سيفه، ووجد فيه أربعون طعنة، وصلى عليه ودفنه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وليس كما ذكر أسير بن جابر أنه سرعان ماجاءه سهم فقتل، وأنه هو دفنه.. الخ.

متفرقات عن أويس

في طرائف المقال: ٢/٥٩٢:

وفي رجال الكشي: علي بن محمد بن قتيبة قال: سئل أبو محمد عن الزهاد الثمانية فقال: الربيع بن خيثم، وهرم بن حيان، وأويس القرني، وعامر بن عبد قيس، وكانوا مع عليعليه‌السلام ومن أصحابه، وكانوا زهاداً أتقياء.

وأما أبو مسلم أهبان بن صيفي، فإنه كان فاجراً مرائياً، وكان صاحب معاوية، وهو الذي كان يحث الناس على قتال علي فقال لعليعليه‌السلام : إدفع الينا المهاجرين والأنصار حتى نقتلهم بعثمان، فأبى علي ذلك، فقال أبومسلم: الآن طاب الضراب إنما! كان وضع فخاً ومصيدة.

وأما مسروق، فانه كان عشاراً لمعاوية، ومات في عمله ذلك بموضع أسفل من واسط على دجلة يقال له الرصافة، وقبره هناك.

والحسن كان يلقي كل فرق بما يهوون، ويتصنع للرئاسة، وكان رئيس القدرية.

وأويس القرني مفضل عليهم كلهم.

قال أبومحمد: ثم عرف الناس بعد.

وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصحبه، بل آمن به في الغياب، ولعدم المكنة وتفرق الحال والاشتغال على خدمات أمه لم يدرك صحبته، وكان شغله رعي الجمال وأخذ الأجرة. انتهى.

راجع أيضاً: خلاصة الاقوال/٢٤، والتحرير الطاووسي/٧٤، ووسائل الشيعة: ٢٠/١٤٤، ومعجم رجال الحديث: ٤/١٥٤، ولسان الميزان: ١/٤٧١

٦٦

وفي بحار الأنوار: ٦٣/٣٩٠:

قال أويس لهرم بن حيان: قد عمل الناس على رجاء، فقال: بل نعمل على الخوف والخوف خوفان ثابت وعارض، فالثابت من الخوف يورث الرجاء، والعارض منه يورث خوفاً ثابتاً.

والرجاء رجاءان: عاكف وباد، فالعاكف منه يقوى نسبة العبد، والبادي منه يصحح أمل العجز والتقصير والحياء.

مستدرك الوسائل: ١٦/٧٣:

مجموعة الشهيدرحمه‌الله : نقلاً من كتاب قضايا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن أويس القرني قال: كنا عند أمير المؤمنين إذ أقبلت امرأة متشبثة برجل، وهي تقول: يا أ مير المؤمنين لي على هذا الرجل أربعمائة دينار، فقالعليه‌السلام : للرجل: ما تقول المرأة؟

فقال: ما لها عندي إلا خمسون درهماً مهرها.

فقالت: يا أمير المؤمنين، أعرض عليه اليمين، فقالعليه‌السلام : تقول باركاً وتشخص ببصرك الى السماء:

اللهم إن كنت تعلم أن لهذه المرأة شيئاً أريد ذهاب حقها وطلب نشوها وأنكر ما ذكر ته من مهرها، فلا استعنت بك من مصيبة، ولا سألتك فرج كربة، ولا احتجت اليك في حاجة، وإن كنت أعلم أنك تعلم أن ليس لهذه المرأة شيئاً أريد ذهاب حقها فلا تقمني من مقامي هذا حتى تريها نقمتها منك.

فقال: والله يا أمير المؤمنين لا حلفت بهذا اليمين أبداً، وقد رأيت أعرابياً حلف بها بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسلط الله عليه ناراً فأحرقته من قبل أن يقوم من مقامه، وأنا أوفيها ما ادعته علي. انتهى.

ورواه في الخرائج والجرائح: ١/٢٠٠، والثاقب في المناقب/٢٦٦، ومدينة المعاجز: ٢/٢٩٩

٦٧

من الأدعية المروية عن أويس

في مستدرك الوسائل: ٥/٤٨:

السيد رضي الدين علي بن طاووس في مهج الدعوات: عن موسى بن زيد، عن أويس القرني، عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث أنه قال: من دعا بهذا الدعاء في منامه، فيذهب به النوم وهو يدعو بها، بعث الله جل ذكره، بكل حرف منه سبعين ألف ملك من الروحانية، وجوهم أحسن من الشمس بسبعين ألف مرة، يستغفرون الله، ويدعون له، ويكتبون له الحسنات... الخبر.

الدعاء: يا سلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر، الطاهر المطهر، القاهر القادر المقتدر، يا من ينادى من كل فج عميق، بألسنة شتى ولغات مختلفة، وحوائج أخرى، يا من لا يشغله شأن عن شأن، أنت الذي لا تغيرك الازمنة، ولا تحيط بك الامكنة، ولا تأخذك نوم ولا سنة، يسر لي من أمري ما أخاف عسره، وفرج من أمري ما أخاف كربه، وسهل لي من أمري ما أخاف حزنه، سبحانك لا الَه إلا أنت، إني كنت من الظالمين، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهى. ورواه في بحار الأنوار: ٨٨/٣٩٠

وفي حلية الأولياء: ٨/٥٦:

سفيان الثقفي الكوفي، ثنا أبو علي الحسن بن عبد الله الوزان، ثنا أبو سعيد عمران بن سهل، ثنا سليمان بن عيسى، عن سفيان الثوري، عن ابراهيم بن أدهم، عن موسى بن يزيد، عن أويس القرني عن عمر بن الخطاب عن علي بن أبي طالب قالا:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له دعاه. والذي بعثني بالحق لو دعا بهذه الأسماء على صفائح من الحديد لذابت بإذن الله، ولو دعا بها على ماء جار لسكن بإذن الله.

٦٨

والذي بعثني بالحق إنه من بلغ اليه الجوع والعطش، ثم دعا بهذه الأسماء أطعمه الله وسقاه، ولو دعا بهذه الأسماء على جبل بينه وبين الموضع الذي يريده الآن الله له شعب الجبل، حتى يسلك فيه إلي الموضع الذي يريده.

وإن دعا به على مجنون أفاق من جنونه، وإن دعا به على امرأة قد عسر عليها ولدها هون الله عليها، ولو أن رجلاً دعا به والمدينة تحرق وفيها منزله أنجاه الله ولم يحترق منزله.

وإن دعا أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر الله له كل ذنب بينه وبين الله عز وجل، ولو أن رجلاً دعا على سلطان جائر لخلصه الله من جوره.

ومن دعا بها عند منامه بعث الله اليه بكل اسم منها سبعين ألف ملك مرة يكتبون له الحسنات ومرة يمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات الى يوم ينفخ الصور.

فقال سلمان: يا رسول الله فكل هذا الثواب يعطيه الله؟

قال: نعم يا سلمان، ولولا أني أخشي أن تتركوا العمل وتقتصروا على ذلك لأخبرتك بأعجب من هذا!

قال سلمان: علمنا يا رسول الله.

قال: نعم، قل:

اللهم إنك حي لا تموت، وغالب لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وقهار لا تقهر، وأبدي لا تنفد، وقريب لا تبعد، وشاهد لا يغيب، والَه لا تضاد، وقاهر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، ومحتجب لا ترى، وجبار لا تضام، وعظيم لا ترام، وعالم لا تعلم، وقوي لا تضعف، وجبار لا توصف، ووفي لا تخلف، وعدل لا تحيف، وغني لا تفتقر، وكنز لا تنفد، وحكم لا تجور، ومنيع لا تقهر، ومعروف لا تنكر، ووكيل لا تحقر، ووتر لا تستشار، وفرد لا يستشير، ووهاب لا ترد وسريع لا تذهل، وجواد لا تبخل، وعزيز لا تذل، وعليم لا تجهل، وحافظ لا تغفل، وقيوم لا تنام، ومجيب لا تسأم، ودائم لا تفنى، وباق لا تبلى، وواحد لا تشبه، ومقتدر لا تنازع .

٦٩

هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه، وموسى بن يزيد ومن دون ابراهيم وسفيان فيهم جهالة.

وفي حلية الأولياء: ١٠/٣٨٠:

ثنا عبد الله بن عبيدة العامري، ثنا سورة بن شداد الازهد، عن سفيان الثوري، هو عن ابراهيم بن أدهم عن موسى بن يزيد عن أويس القرني عن علي بن أبي طالب، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة غير واحد، ما من عبد يدعو بهذه الأسماء إلا وجبت له الجنة، إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إلَه إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام.. الى قوله الرشيد الصبور.. مثل حديث الأعرج عن أبي هريرة حديث الأعرج عن أبي هريرة صحيح متفق عليه، وحديث الثوري عن ابراهيم فيه نظر لا صحة له.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات: ٣/١٧٥:

دعاء منقول: أنبأنا أبو سعد أحمد بن محمد البغدادي، أنبأنا عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة، أنبأنا أبي، أنبأنا ابراهيم بن محمد بن رجاء الوراق، حدثنا ابراهيم بن محمد بن يزيد بن خالد المروزي، حدثنا محمد بن موسى السلمي، حدثنا أحمد بن عبد الله النيسابوري، عن شقيق البلخي، عن ابراهيم بن أدهم، عن موسى بن يزيد، عن أويس القرني، عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له:

اللهم أنت حي لا تموت، وخالق لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وصادق لا تكذب، وقاهر لا تغلب، وندى لا تنفذ، وقريب لا تبعد، وغافر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، وجبار لا تقهر، وعظيم لا ترام، وعالم لا تعلم، وقوي لا تضعف، وعليم لا توصف، ووفي لا تخلف، وعدل لا تحيف، وغني لا تفتقر، وحكيم لا تجور، ومنيع لا تقهر، ومعروف لا تنكر، ووكيل لا تحقر، وغالب

٧٠

لا تغلب، ووتر لا تستأمر، وفرد لا تستشير، ووهاب لا تمل، وسريع لا تذهل، وجواد لا تبخل، وعزيز لا تذل، وحافظ لا تغفل، وقائم لا تنام، ومحتجب لا ترى، ودائم لا تفنى وباق لا تبلى، وواحد لا تشبه ومقتدر لا تنازع.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني لو دعى بهذه الدعوات والأسماء على صفائح الحديد لذابت، ولو دعى بها على ماء جار لسكن، ومن أبلغ اليه الجوع والعطش ثم دعا به أطعمه الله وسقاه، ولو أن بينه وبين موضع يريده جبل لانشعب له الجبل حتى يسلكه الى الموضع الذى يريد، ولو دعى به على مجنون لافاق، ولو دعى على امرأة قد عسر عليها ولدها، ولو دعا بها والمدينة تحترق وفيها منزله لنجا ولم يحترق منزله، ولو دعى بها أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر له كل ذنب بينه وبين الله عزوجل، ولو أنه دخل على سلطان جائر ثم دعى بها قبل أن ينظر السلطان اليه لخلصه الله من شره، ومن دعى بها عند منامه بعث الله عز وجل بكل حرف منها سبعمائة ألف ملك من الروحانيين، وجوههم أحسن من الشمس والقمر، يسبحون له ويستغفرون له ويدعون ويكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات ويرفعون له الدرجات.

فقال سلمان: يا رسول أيعطى الله بهذه الأسماء كل هذا الخير؟ فقال: لا تخبر به الناس حتى أخبرك بأعظم منها، فإني أخشى أن يدعوا العمل ويقتصروا على هذا. ثم قال: من نام وقد دعا بها، فإن مات مات شهيدا وإن عمل الكبائر وغفر لأهل بيته، ومن دعى بها قضى الله له ألف ألف حاجة.

وقد رواه سليمان بن عيسى عن سفيان الثوري، عن ابراهيم بن أدهم إلا أن الألفاظ تختلف. ورواه مختصراً الحسين بن داود البلخي، عن شقيق بن ابراهيم.

هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي طرقه كلمات ركيكة يتنزه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثلها وأسماء لله يتعالى الحق عنها، ولم نر التطويل بذكر الطرق لأنها من جنس واحد.

٧١

وفي الطريق الأول أحمد بن عبد الله وهو الجويباري.

وفي الطريق الثاني سليمان بن عيسى.

وفي الثالث الحسين بن داود، وثلاثتهم كانوا يضعون الحديث، والله أعلم أنهم ابتدوا بوضعه، ثم سرقه الآخران وبدّلا فيه وغيّرا.

وقد روى لنا من طريق مظلم فيه مجاهيل وفيه زيادات ونقصان. انتهى.

**

ونحن لا نحكم بصحة الأدعية المروية عن أويسرحمه‌الله ، وهي أكثر من هذه النماذج التي ذكرناها، فرواياتها خاضعة للبحث العلمي وقواعد الجرح والتعديل، ولكنها تدل على المكانة العميقة لهرحمه‌الله في نفوس المسلمين من الشيعة والسنة، وأنه ثبت عندهم أن أويساً من أولياء الله الخاصين النادرين، كما ثبتت عندهم أحاديث شفاعته الواسعة..

جعلنا الله ممن تشملهم شفاعة النبي وآله، وشيعتهم المقربين.

شفاعة أويس القرني لمئات الألوف أو الملايين

تقدم ذكر شفاعة أويس القرنيرحمه‌الله في أحاديث عديدة، ومنها أحاديث صحيحة من الدرجة الأولى عند الطرفين، ونورد هنا ما يلي:

في مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٨:

حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، ثنا محمد بن عبدالسلام، ثنا اسحاق بن ابراهيم، ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا خالد الحذاء، عن عبدالله بن شقيق، عن عبدالله بن أبي الجدعاء أنه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم.

قال الثقفي قال هشام: سمعت الحسن يقول إنه أويس القرني. صحيح الاسناد ولم يخرجاه.ورواه في سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢

٧٢

وفي مستدرك الحاكم: ٣/٤٠٥:

حدثنا أبو العباس أحمد بن زياد الفقيه بالدامغان، ثنا محمد بن أيوب، أنا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا أبو بكر بن عياش، عن هشام عن الحسن قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر.

قال هشام فأخبرني حوشب عن الحسن أنه أويس القرني.

قال أبو بكر بن عياش: فقلت لرجل من قومه: أويس بأي شيء بلغ هذا؟

قال: فضل الله يؤتيه من يشاء.

وفي تاريخ الطبري: ١٠/١٤٥:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشام، عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر: قال هشام: فأخبرني حوشب أنه قال: هو أويس القرني.

وفي تاريخ الطبري: ١١/٦٦٢:

عن هشام عن الحسن.. قال رسول الله ( ص ) ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر.. أنه قال هو أويس القرني.

وفي كنز العمال: ١٢/٧٣:

سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني، وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر ( عد، عن ابن عباس ).

وفي كنز العمال: ١٢/٧٦:

يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر ( ش، ك، هق، وابن عساكر عن الحسن مرسلاً، قال الحسن: هو أويس القرني ).

وفي كنز العمال: ١٤/٨:

عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة أكثر من ربيعة ومضر، أما أسمي لكم ذلك الرجل؟

٧٣

قالوا: بلى.

قال: ذاك أويس القرني...

وقال: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر، ثم سماك.. الحديث. وروى نحوه في ص ١٣

وفي كنز العمال: ١٢/٧٤:

سيقدم عليكم رجل يقال له أويس كان به بياض فدعا الله له فأذهبه الله، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر له ( ش، عن عمر ).

وفي كنز العمال: ١٤/٧:

مسند عمر، عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر من التابعين رجل من قرن، وإن عمر بن الخطاب قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه فيقول: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك عليّ، فيدع له في جسده ما يذكر به نعمته عليه، فمن أدرك منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له ( الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المعرفة، ق، في الدلائل، كر ) راجع أيضاً: ١٤/٨ و ١٠. ونحوه في سير أعلام النبلاء: ٤/٢٦

وفي سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢:

وروى هشام بن حسان عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر.

أبو بكر الأعين: حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وتميم. قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: أويس القرني. هذا حديث منكر تفرد به الأعين، وهو ثقة.

ونحوه في ميزان الاعتدال: ٢/٤٤٥

٧٤

وفي تاريخ الإسلام للذهبي: ٣/٥٥٨:

عن عمر قال: قال رسول الله ( ص ): يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر.

وفي بدء الإسلام لابن سلام الأباضي/٧٩:

أويس القرني... جاء في الأثر عن النبي ( ص ) قال لأبي بكر وعمر: أوصيكم أن تقرؤوا مني أويس القرني السلام، يقدم المدينة بعدي... يدخل في شفاعته يوم القيامة عدد ربيعة ومضر...

وفي ميزان الاعتدال: ١/٢٨٢:

عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي، أكثر من ربيعة ومضر.

قال هشام عن الحسن: هو أويس.

وقال عبد الوهاب الثقفي: حدثنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم.

وفي ميزان الاعتدال: ١/٢٨٢ ولسان الميزان: ١/٤٧٤:

يونس وهشام عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي أكثر من ربيعة ومضر. قال هشام عن الحسن هو أويس.

وقال عبد الوهاب الثقفي ثنا خالد الحذاء، عن عبدالله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم.

وفي لسان الميزان: ١/٤٧٣:

وقال أبو صالح: ثنا الليث، حدثني المقبري، عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ليشفعن رجل من أمتي في أكثر من مضر. قال تميم: ومضر، وأنه أويس القرني. انتهى.

٧٥

نتيجــة

النتيجة التي يخرج منها الباحث في أحاديث أويس وشفاعته:

أن الله تعالى أعطى هذه الكرامة العظيمة لراعي إبل من جبال اليمن، فجعله بسبب طاعته وإخلاصه له، موعوداً مبشراً به، على لسان أشرف الأنبياء والمرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل المسلمين يتبركون به ويطمعون منه بكلمة ( غفر الله لك ) فيبخل بها على أكثرهم! وينطق بها لمن أدركته الرحمة منهم.

ثم جعله يوم القيامة شفيعاً لمئات الألوف أو لملايين المذنبين، يدخلون ببركته جنة النعيم.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( يشفع في مثل ربيعة ومضر.. أكثر من مضر وتميم.. أكثر من ربيعة وبني تميم ) إنما هو إشارة الى الكثرة وتفهيمها للناس بجمهور قبائل كانت تمثل الكثرة في ذلك المجتمع.. ولذلك قد يبلغ عدد من يشفع لهم أويس الملايين..

ومما يثير العجب، أن هذا الانسان الكريم على ربه، صاحب المقام العظيم عنده، الذي لا ينطق بكلمة ( غفر الله لك ) في غير محلها.. تراه يقول لعليعليه‌السلام : مد يدك أبايعك على بذل مهجة نفسي دونك!!

فما هو مقام علي؟! الذي يتقرب كبار الأولياء الى الله بالموت دونه، ودون نصرة حقه وقضيته؟ !!

وهل يستطيع مسلم بعد هذا أن يشكك في مقام الشفاعة العظيمة لعلي وبقية أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .. وهو يرى أن أويساً صاحب الشفاعة العظيمة، فدائي لهم!!

وختاماً، فإن شفيع المحشر على الاطلاق، هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .. بل يفهم من أحاديثنا أن الشفاعة بالأصل إنما هي كرامة من الله تعالى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأن الأنبياء الآخرين إنما يشفعون بما يعطيهم سيد المحشر وصاحب لوائه مما أعطاه ربه عز وجل! وهذه الشفاعة العظمى لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ملكٌ كبيرٌ.. لا بد له من مدراء

٧٦

وهذه الشفاعة العظمى لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ملكٌ كبيرٌ.. لابد له من مدراء ومفوضين يوم القيامة.. وهؤلاء إنما هم عترة النبي الذين نص عليهم أنهم يكونون معه، وهم علي وفاطمة والمعصومون من أولادهم، صلى الله على رسوله وعليهم.

ولا بد أن يكون لهم أعوان من الملائكة والصالحين.

وقد خصصنا هذا الفصل بشفاعة أويسرحمه‌الله ، لأنه شيعي ثبتت له هذه الشفاعة العظيمة بإجماع المسلمين، وكفى بها دليلاً على شفاعة أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

**

٧٧

٧٨

الفصل الخامس عشر

النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة

حكم النواصب في الفقه الإسلامي

عقدنا هذا الفصل لاستعراض الأحاديث التي رواها الجميع في قرار الحرمان الالَهي من الشفاعة والجنة، لمن أبغض أهل البيت النبويعليهم‌السلام ، أو نصب العداوة والبغضاء، لهم أو لمن أحبهم، أو حمل في نفسه غلاً عليهم، أو كرهاً أو حسداً.. ولو بمقدار ذرة!!

فقد اتفقت مذاهب السنيين على أن من يعادي علياً، أو أهل البيت النبويعليهم‌السلام ، فهو منافق.

أما في فقهنا فمبغض أهل البيتعليهم‌السلام الناصب لهم، كافرٌ نجس..

ويسمى المبغض والمعادي في الفقه الإسلامي ( الناصب والناصبي )

وهو اسم مشتق من: نصب له العداوة، أي أبغضه، وتكلم عليه، أو عمل ضده، شبيهاً بقولك: نصب له الحرب!

والمبغض والمخالف والمعادي والناصب، كلمات متقاربة، ولكنها متفاوتة.. فالمخالف ناظرةٌ الى مخالفة الشخص في الرأي والمسلك.

٧٩

والمبغض ناظرة الى حالة النفرة النفسية المضادة للحب.

والمعادي ناظرة الى الموقف النفسي والعملي المضاد.

والناصب تزيد عليهما بأن البغض والعداء يصير هم الناصب!

هذا في أصل اللغة، أما في الشرع فقد وردت استعمالاتها بمعنى واحد وكأن المصطلح الإسلامي للمبغض يشملها جميعاً.

والذي يدخل في بحثنا من أحكام النواصب، أن الشفاعة النبوية الكبرى على سعتها يوم القيامة لا تنالهم، بل يؤمر بهم الى النار!!

وهذا يعني أن بغض أهل البيت جريمةٌ كبرى في نظر الإسلام، جزاؤها الطرد من الرحمة الالَهية والنبوية، واستحقاق العذاب في جهنم!

ونورد فيما يلي عدداً من أحاديث هذه المسألة، وفيها أحاديث صحيحةٌ عند الجميع:

عليعليه‌السلام ميزان الإسلام والكفر والايمان والنفاق

روى الحاكم: ٣/١٢٩:

عن أبي ذررضي‌الله‌عنه قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه . هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.

ورواه أحمد في فضائل الصحابة: ٢/٦٣٩، والدارقطني في المؤتلف والمختلف: ١٣٧٦٣، والهيثمي فيمجمع الزوائد: ٩/١٣٢

وروى الترمذي: ٤/٣٢٧، و: ٥/٢٩٣ و٢٩٨ - باب مناقب علي:

عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي، وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فأخذت السمّ ودسّته للإمام (عليه السّلام)، وكان صائماً في وقت شديد الحرّ، وما إن وصل السمّ إلى جوف الإمام (عليه السّلام) لاحتّى تقطّعت أمعاؤه، فالتفت (عليه السّلام) إلى الخبيثة الماكرة وقال لها:«قتلتيني قتلك الله! والله لا تصيبين منّي خلفاً، لقد غرّك - يعني معاوية -وسخر منك، يخزيك الله ويخزيه» (١) .

وأخذ ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعاني من شدّة السمّ وقسوته، وكان يتقيّأ قطعاً من الدم في طشت، فدخلت عليه شقيقته سيّدة النساء العقيلة فأمر برفع الطشت؛ لئلا ترى ما فيه فيذوب قلبها، فنظرت العقيلة إلى أخيها وهو مصفرّ الوجه، قد فتك السمّ به، فانهارت قواها، وطافت بها موجات مذهلة من الألم والحزن؛ فقد علمت أنّ أخاها سيفارقها عمّا قريب.

وأخذ الإمام (عليه السّلام) يقبّل إخوته وخلّص أصحابه، وهو يوصيهم بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وتقوى الله، والاجتناب عن معاصيه. واشتدّت حالته، وأخذ يتلو آيات من كتاب الله العزيز، ويطلب من الله تعالى أن يجعله في أعلى مراتب المتّقين والصالحين. ووافاه الأجل المحتوم ولسانه يلهج بذكر الله، وقد سمت روحه العظيمة إلى بارئها وهي مليئة بالآلام التي عانتها من معاوية العدوّ الماكر للإسلام.

وقام الإمام الحسين (عليه السّلام) بتجهيز جثمان أخيه، وبعد الانتهاء من مراسيم الغسل والتكفين رأى الإمام (عليه السّلام) أن يدفن أخاه بجوار جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فمنعته بنو اُميّة، وقد استعانوا بعائشة؛ فقد خرجت على بغل وهي تقول: لا يُدفن الحسن بجوار جدّه أو بيتي هذه.وأومأت إلى شعر رأسها وصاحت بالهاشميّين: لا تدخلوا بيتي مَنْ لا اُحبّ.

وكادت الفتنة أن تقع وتُراق الدماء، فعدل الإمام (عليه السّلام) عن دفن أخيه بجوار جدّه، ودفنه في البقيع، وقد ذكرنا الأحداث التي رافقت دفن الإمام الحسن (عليه السّلام) في كتابنا (حياة الإمام الحسن) فلا نرى حاجة لذكرها.

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢ / ٣١٧.

١٨١

البيعة ليزيد (لعنه الله)

وختم معاوية حياته الملوّثة بالجرائم والموبقات بفرض ولده يزيد خليفة على المسلمين، وقد استخدم جميع الوسائل المنحطّة في جعل الخلافة في أبنائه وتحويلها إلى ملك عضوض لا محلّ فيه لأي قيمة من القيم الدينية.

وقد ورث يزيد صفات جدّه أبي سفيان وأبيه معاوية من النفاق والغدر، والطيش والعداء للإسلام. يقول السيد مير علي الهندي: وكان يزيد غدّاراً كأبيه، ولكن ليس داهية مثله، كانت تنقصه القدرة على تغليف تصرفاته القاسية بستار من اللباقة الدبلوماسية الناعمة، وكانت طبيعته المنحلّة، وخُلقه المنحطّ لا تتسرّب إليهما شفقة ولا عدل؛ كان يقتل ويعذّب نشداناً للمتعة واللذّة التي يشعر بهما وهو ينظر إلى آلام الآخرين، وكان بؤرة لأبشع الرذائل، وها هم ندماؤه من الجنسين خير شاهد على ذلك، لقد كانوا من حثالة المجتمع(١) .

لقد كان يزيد مستهتراً بعيداً عن جميع القيم الإنسانيّة، لا يحفل بما يقترفه من الموبقات والرذائل، وحسبه أنّه حفيد أبي سفيان وابن معاوية الذئب الجاهلي. ووصفه المؤرّخون بأنّه كان مُعرّى من كلّ صفة إنسانيّة، وأنّه جاهلي بما تحويه هذه الكلمة من معنى.

ومن مظاهر استهتاره ولعه بشرب الخمر، ويعزو بعض المؤرّخين سبب وفاته إلى أنّه شرب خمراً كثيراً حتّى أولد فيه انفجاراً في دماغه، ومن أنّه كان ولعاً بالقرود، فكان له فهد يجعله بين يديه ويُكنّيه بأبي قيس، ويسقيه فضل كأسه، ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصابته خطيئة فمُسخ.

وكان يحمله على أتان وحشية ويرسله مع الخيل في حلبة السباق، فحمله يوماً فسبق الخيل، فسرّ بذلك،

____________________

(١) روح الإسلام / ٢٩٦.

١٨٢

وجعل يقول:

تمسّك أبا قيس بفضل زمامها = فليس عليها إن سقطت ضمانُ

فقد سبقت خيلَ الجماعة كلَّها = وخيلَ أمير المؤمنين أتانُ

وأرسله مرّة في حلبة السباق فطرحته الريح فمات، فحزن عليه حزناً شديداً، وأمر بتكفينه ودفنه، وأوعز إلى أهل الشام أن يعزّوه بمصابه الأليم بهذا الفقيد العزيز، ورثاه بهذه الأبيات:

كم من كرامٍ وقوم ذو محافظةٍ = جاؤوا لنا ليعزّوا في أبي قيسِ

شيخ العشيرة أمضاها و أحملها = على الرؤوس وفي الأعناق والريسِ

لا يبعد الله قبراً أنت ساكنه = فيه جمالٌ وفيه لحيةُ التيسِ(١)

وشاع بين الناس ولعه بالقرود، وقد هجاه [الشاعر] ابن تنوخ بقوله:

يزيد صديق القرد ملّ جوارنا = فحنّ إلى أرض القرود يزيدُ

فتبّاً لمَنْ أمسى علينا خليفةً = صحابته الأدنون منه قرودُ(٢)

وكان كلفاً بالصيد لاهياً به، وكان يُلبس كلاب الصيد الأساور من الذهب والجلال المنسوجة منه، ويهب لكلّ كلب عبداً يخدمه(٣) .

لقد كان يزيد عنواناً لكلّ رذيلة وموبقة، وهو أخبث إنسان على وجه الأرض، وأصبح علماً للانحطاط الخُلقي والظلم الاجتماعي، وحيث ما ذكر اسمه فإنّه مثال للفساد والاستبداد، والتهتك والخلاعة، وقد ذكرنا المزيد من صفاته ونزعاته في كتابنا (حياة الإمام الحسين).

____________________

(١) جواهر المطالب لمناقب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) / ١٤٣.

(٢) أنساب الأشراف ٢ / ٢.

(٣) الفخري / ٤٥.

١٨٣

١٨٤

الحكم الأسود

وخيّم على العالم الإسلامي حكم إرهابي عنيف لا يخضع لعرف ولا لقانون، ولا يستجيب لأيّة عاطفة إنسانيّة، شعاره الظلم والاستبداد واللامبالاة. هذا هو السمت الظاهر والواقع لحكم يزيد بن معاوية الذي بُلي به المسلمون، وامتحنوا امتحاناً عسيراً.

لقد عانت عقيلة بني هاشم السيّدة زينب في عهد هذا الطاغية أشقّ وأقسى ألوان المصائب والكوارث، كما تعرّضت الاُسرة النبويّة إلى الإبادة الشاملة؛ فقد جُزروا كالأضاحي، ومثّلت الجيوش الاُمويّة أشرّ تمثيل بأجسامهم الطاهرة.

كلّ ذلك كان بمرأى من حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ فذابت نفسها أسى وحسرات، ولم تقتصر محنتها على ذلك، وإنّما تعدّت إلى ما هو أقسى وأشجّ؛ فقد سُبيت مع عقائل الوحي ومخدّرات الرسالة، يُطاف بهنّ من بلد إلى بلد، فتارة يمثلنَ أمام ابن مرجانة، واُخرى في مجلس يزيد، فلم تبقَ محنة من محن الدنيا، ولا فاجعة من فواجع الدهر إلاّ جرت على حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في عهد هذا الطاغية الأثيم.

وعلى أيّ حال، فقد تسلّم يزيد بعد هلاك أبيه قيادة الدولة الإسلاميّة وهو في غضارة العمر وريعان الشباب، لم تصقله التجارب، ولم تُهذّبه الأيام، قد استسلم لشهواته وملذّاته التي كان البارز منها سفك الدماء، وإشاعة الفزع والخوف بين الناس.

ولم يكن الطاغية حينما وافت المنية أباه في دمشق، وإنّما كان في رحلات

١٨٥

الصيف في حوارين الثنية، فأرسل إليه الضحّاك بن قيس رسالة يعزّيه فيها بوفاة أبيه، ويهنّئه بالخلافة، ويطلب منه الإسراع إلى عاصمته يتولّى شؤون الحكم، وحينما انتهت إليه الرسالة أسرع نحو عاصمته، ومعه أخواله وبنو اُميّة، والمغنّون والعابثون من أصحابه، وقد شعث في الطريق، فأقبل الناس يسلّمون عليه ويعزّونه، وقد عابوا عليه ما هو فيه، فانتقدوه وقالوا: هذا الأعرابي الذي ولاّه معاوية أمر الناس، والله سائل عنه(١) .

ومضى صوب قبر أبيه فجلس عنده وهو باكي العين، وأنشأ يقول:

جاءَ البريدُ بقرطاسٍ يخبّ به = فأوجسَ القلبُ من قرطاسهِ فزعا

قلنا لكَ الويل ماذا في كتابكمُ = قالَ الخليفَ أمسى مدنفاً وجعا(٢)

ثمّ سار نحو القبّة الخضراء في موكب رسمي تحفّ به بنو اُميّة وأخواله وشرطته.

خطابه في أهل الشام

وخطب يزيد في أهل الشام خطاباً أعلن فيه عن عزمه على خوض حرب مدمّرة مع أهل العراق، جاء فيه: يا أهل الشام، فإنّ الخير لم يزل فيكم، وسيكون بيني وبين أهل العراق حرب شديدة، وقد رأيت في منامي كأنّ نهراً يجري بيني وبينهم دماً عبيطاً، وجعلت أجهد في منامي أن أجوز ذلك النهر فلم أقدر على ذلك، حتّى جاءني عبيد الله بن زياد فجازه بين يدي وأنا أنظر إليه.

وانبرى أهل الشام فأعلنوا دعمهم الكامل له قائلين:

____________________

(١) تاريخ الإسلام - الذهبي ١ / ٢٦٧.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٦٦.

١٨٦

يا أمير المؤمنين، امض بنا حيث شئت، وأقدم بنا على مَنْ أحببت، فنحن بين يديك، وسيوفنا تعرفها أهل العراق في يوم صفّين.

وشكرهم يزيد على ولائهم، وأثنى على إخلاصهم(١) .

وقد كشف خطابه عن تصميمه على حرب أهل العراق؛ وذلك لعلمه بكراهيتهم له، وتجاوبهم الكامل مع الإمام الحسين (عليه السّلام).

مع المعارضة في يثرب

وكان يزيد يتحرّق غيظاً وغضباً على الجبهة المعارضة له في يثرب، والتي كانت لا تراه أهلاً لولاية أمير المسلمين.

أمّا أعلام المعارضة فهم:

١ - الإمام الحسين (عليه السّلام)

وهو ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وريحانته، وكان يتمتّع بنفوذ واسع النطاق في معظم الأقاليم الإسلاميّة.

٢ - عبد الله بن الزّبير

وهو من أعلام المعارضة، إلاّ أنّه لم تكن له شعبية ولم يتمتّع بصفة فاضلة، وكان يرى أنّه أفضل من يزيد وأحقّ بالبيعة والخلافة منه.

أوامره المشدّدة إلى الوليد

وأصدر الطاغية أوامره المشدّدة إلى الوليد بن عتبة عامله على يثرب بإرغام المعارضين له على أخذ البيعة منهم، فإن امتنعوا نفّذ فيهم حكم الإعدام.

وقد جاء في رسالته: إذا أتاك كتابي فاحضر الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزّبير فخذهما بالبيعة،

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السلام) ٢ / ٢٤٤.

١٨٧

فإن امتنعا فاضرب [ عنقيهما ] وابعث إليّ [ برأسيهما ]، وخذ الناس بالبيعة، فمَنْ امتنع فأنفذ فيه الحكم، وفي الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزّبير، والسّلام(١) .

فزع الوليد

ولمّا انتهت رسالة يزيد إلى الوليد فزع فزعاً شديداً؛ فإنّ التنكيل بالمعارضين وإنزال العقاب الصارم بهم ليس بالأمر السهل؛ فإنّ معاوية مع ما يتمتّع به من القابليات الدبلوماسية لم يستطع إرغام الإمام الحسين (عليه السّلام) على أخذ البيعة منه ليزيد، فكيف يستطيع الوليد تنفيذ ذلك.

ورأى الوليد أن يعرض الأمر على مروان - عميد الاُسرة الاُمويّة - ويستشيره في الأمر، فبعث خلفه وأطلعه على رسالة يزيد.

فقال له مروان: ابعث إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في طاعة يزيد، فإن فعلوا قبلت منهم ذلك، وإن أبوا قدّمهم واضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية؛ فإنّهم إن علموا ذلك وثب كلّ رجل منهم فأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه، فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قِبَل لك به، إلاّ عبد الله بن عمر فإنّه لا ينازع في هذا الأمر أحداً، مع أنّي أعلم أنّ الحسين بن عليّ لا يُجيبك إلى بيعة يزيد ولا يرى له عليه طاعة. والله لو كنت في موضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتّى أضرب رقبته كائناً في ذلك ما كان.

وعظم ذلك على الوليد؛ فقد اختار له مروان هلاك دينه ودنياه، فقال له: يا ليت الوليد لم يولد، ولم يك شيئاً مذكوراً!

وسخر منه مروان، وراح يندّد به قائلاً: لا تجزع ممّا قلت لك؛ فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء من قديم الدهر ولم

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٥.

١٨٨

يزالوا، وهم الذين قتلوا الخليفة عثمان بن عفان، ثمّ ساروا إلى أمير المؤمنين - يعني معاوية - فحاربوه.

ونهره الوليد ونصحه قائلاً: ويحك يا مروان عن كلامك هذا! وأحسن القول في ابن فاطمة؛ فإنّه بقيّة النبوّة(١) . واتّفق رأي الوليد ومروان على استدعاء الإمام الحسين (عليه السّلام) وابن الزّبير، وعرض الأمر عليهما والنظر في رأيهما.

استدعاء الحسين (عليه السّلام)

وأرسل الوليد في منتصف الليل(٢) عبد الله بن عمرو بن عفان خلف الإمام الحسين (عليه السّلام) وابن الزّبير، ومضى الفتى يدعوهما فوجدهما في الجامع النبوي فعرض عليهما الأمر فأجاباه إلى ذلك وأمراه بالانصراف، والتفت ابن الزّبير إلى الإمام (عليه السّلام) فقال له: ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها؟

فأجابه الإمام:«أظنّ أنّ طاغيتهم - يعني معاوية -قد هلك، فبعث إلينا بالبيعة قبل أن يفشو بالناس الخبر» . واستصوب ابن الزّبير رأي الإمام (عليه السّلام) قائلاً: وأنا ما أظنّ غيره، فما تريد أن تصنع؟

-«أجمع فتياني في الساعة ثمّ أسير إليه، وأجلسهم على الباب» .

وانبرى ابن الزّبير يبدي مخاوفه على الإمام (عليه السّلام) قائلاً:

____________________

(١) الفتوح ٥ / ١٢ - ١٣، ذكرنا عرضاً مفصّلاً للأسباب التي دعت مروان إلى هذا الموقف مع المعارضة في كتابنا (حياة الإمام الحسين (عليه السّلام)).

(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٦٠.

١٨٩

إنّي أخاف عليك إذا دخلت.

-«لا آتيه إلاّ وأنا قادر على الامتناع» (١) .

واتّجه الإمام الحسين (عليه السّلام) صوب الوليد، فلمّا التقى به نعى إليه معاوية، فاسترجع الإمام (عليه السّلام) وقال له:«لماذا دعوتني؟» .

- دعوتك للبيعة.

فطلب منه الإمام تأجيل البيعة قائلاً:«إنّ مثلي لا يُبايع سرّاً، ولا يجتزئ بها منّي سرّاً، فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم للبيعة دعوتنا معهم، فكان الأمر واحداً» .

لقد أراد الإمام (عليه السّلام) أن يعلن رأيه أمام الجماهير في رفضه البيعة ليزيد، وعرف مروان قصده، فصاح بالوليد: لئن فارقك - يعني الحسين - الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه؛ احبسه فإن بايع وإلاّ ضربت عنقه.

ووثب أبيّ الضيم كالأسد، فقال للوزغ ابن الوزغ:«يابن الزرقاء! أأنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله ولؤمت» (٢) . وأقبل على الوليد فأخبره عن عزمه وتصميمه على رفضه الكامل لبيعة يزيد قائلاً:«أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة» (٣) .

____________________

(١)(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٦٤.

(٣) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢ / ٢٥٥.

١٩٠

وكان هذا أوّل إعلان من الإمام الحسين (عليه السّلام) بعد هلاك معاوية في رفضه البيعة ليزيد.

لقد أعلن ذلك في بيت الإمارة من دون مبالاة ولا خوف من السلطة، كيف يبايع حفيد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يزيد الفاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحرّمة؟

ولو بايعه فأقرّه إماماً على المسلمين، عرّض العقيدة الإسلاميّة إلى الانهيار والدمار، وعصف بها في متاهات سحيقة من محامل هذه الحياة.

واستاء مروان من موقف الإمام (عليه السّلام)، ووجّه لوماً وعتاباً إلى الوليد قائلاً: عصيتني! لا والله لا يمكّنك مثلها من نفسه أبداً.

وردّ عليه الوليد ببالغ الحجّة قائلاً: ويحك يا مروان! أشرت عليّ بذهاب ديني ودنياي. والله ما أحبّ أن أملك الدنيا بأسرها وإنّي قتلت حسيناً. سبحان الله! أأقتل حسيناً أن قال: لا أُبايع؟! والله ما أظنّ أحداً يلقى الله بدم الحسين إلاّ وهو خفيف الميزان، لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكّيه، وله عذاب أليم.

وسخر منه مروان وراح يقول: إذا كان هذا رأيك فقد أصبت(١) .

مغادرة الإمام (عليه السّلام) يثرب

وعزم الإمام (عليه السّلام) على مغادرة يثرب ليلوذ بالبيت الحرام، وينشر دعوته فيه.

وداعه لقبر جدّه (صلّى الله عليه وآله)

وخفّ الإمام الحسين (عليه السّلام) إلى قبر جدّه وهو حزين كئيب، يشكو إلى الله ما ألمّ به من الخطوب قائلاً:

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٣٤٠.

١٩١

«اللّهمّ إنّ هذا قبر نبيّك محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وأنا ابن بنت محمّد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللّهمّ إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ هذا القبر ومَنْ فيه إلاّ ما اخترت لي ما هو لك رضاً، ولرسولك رضاً» (١) .

ويُلمس في هذا الدعاء مدى انقطاعه الكامل إلى الله تعالى، وحبّه العارم إلى إقامة المعروف وتدمير الباطل، وهو يسأل الله بلهفة أن يختار له الصالح في دينه ودنياه.

وتوجّه الإمام (عليه السّلام) في غلس الليل البهيم إلى قبر اُمّه سيّدة نساء العالمين فودّعها الوداع الأخير، ووقف قبال قبرها الشريف، وتمثّلت أمامه ذكريات عواطفها الفيّاضة وشدّة حنوّها عليه فانفجر بالبكاء، وذابت نفسه أسى وحسرات، ثم ودّع القبر وداعاً حارّاً وانصرف إلى مرقد أخيه الزكي الإمام أبي محمّد (عليه السّلام)، فأخذ يروي ثراه بدموع عينيه، وقد طافت به الآلام، ثمّ قفل راجعاً إلى منزله.

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢ / ٢٥٩.

١٩٢

إلى مكّة

وبعدما أعلن الإمام (عليه السّلام) رفضه الكامل لبيعة الطاغية يزيد عزم على مغادرة يثرب والتوجّه إلى مكة المشرّفة ليبثّ دعوته فيها، وقد دعا العقيلة اُخته السيدة زينب (عليها السّلام) وعرّفها بعزمه وما سيجري عليه من الأحداث، وطلب منها أن تشاركه في محنته فاستجابت له، وصمّمت على مساعدته في نهضته وثورته التي يقيم فيها الحقّ ويدحر الباطل، كما دعا أولاده وزوجاته، وإخوته وبني عمومته إلى مصاحبته، فلبّوا جميعاً ولم يتخلّف منهم أحد إلاّ لعذر قاهر.

ولمّا أصبحوا جاء الموالي بالإبل فحملوا عليها الخيام وأدوات المياه والأرزاق وغيرها، وأعدّوها للسفر، وخرجت حفيدة الرسول السيدة زينب تجرّ أذيالها ونفسها مترعة بالهموم والآلام، وقد أحاطت بها جواريها، وكان إلى جانبها أخوها أبو الفضل العباس قمر بني هاشم، فكان هو الذي يتولّى رعايتها وخدماتها، وقد مُلئت نفسه إجلالاً وإكباراً وولاءً لها.

واستقلّت الإبل بعترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وحدا بهم الحادي إلى مكّة المكرّمة، وقد خيّم الحزن والأسى على المدنيّين حينما رأوا آل النبي (صلّى الله عليه وآله) قد نزحوا عنهم إلى غير مئاب.

وكان سيد الشهداء (عليه السّلام) يتلو في طريقه قوله تعالى:( رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) .

____________________

(١) سورة القصص / ٢١.

١٩٣

لقد شبّه خروجه بخروج نبي الله موسى بن عمران على فرعون زمانه، وكذلك هو خرج على طاغية عصره حفيد أبي سفيان ليقيم الحقّ وينشر العدل بين الناس، وسلك (عليه السّلام) في سفره الطريق العام من دون أن يتجنّب عنه كما فعل ابن الزّبير مخافة أن يدركه الطلب من قبل السلطة في يثرب، فامتنع وأجاب:«لا والله لا فارقت هذا الطريق أبداً أو أنظر إلى أبيات مكة، أو يقضي الله في ذلك ما يحبّ ويرضى» .

لقد رضي بما كتب الله وقدّر له، لم تضعف همّته ولم توهن عزيمته، ولم يبالِ بالأحداث المروعة التي سيواجهها، وكان يتمثّل في أثناء مسيرته بشعر يزيد بن المفرغ:

لا ذعرتُ السوام في فلق الصب = -حِ مُغيراً ولا دعيت يزيدا

يوم اُعطى مخافة الموت ضيماً = والمنايا ترصدنني أن أحيدا(١)

لقد كان على ثقة أنّ المنايا ترصده لا تحيد عنه ما دام مصمّماً على عزمه الجبّار في أن يعيش عزيزاً ولا يخضع لحكم يزيد.

احتفاف الحجاج والمعتمرين بالإمام (عليه السّلام)

وانتهى الإمام (عليه السّلام) إلى مكة المكرّمة ليلة الجمعة لثلاث ليال مضين من شعبان(٢) ، وقد حطّ رحله في دار العباس بن عبد المطلب(٣) ، وقد استقبله المكّيون استقبالاً حافلاً، وجعلوا يختلفون إليه بكرةً وعشيةً وهم يسألونه عن أحكام دينهم، كما يسألونه عن موقفه تجاه الحكم القائم.

____________________

(١) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٥.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٠.

(٣) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٦٨.

١٩٤

وأخذ القادمون إلى بيت الله الحرام من الحجاج والمعتمرين يختلفون إليه ويطوفون حوله، ويتبرّكون بتقبيل يده ويلتمسون منه العلم والحديث، ولم يترك الإمام لحظة واحدة من الوقت تمرّ دون أن يبثّ الوعي الاجتماعي والسياسي في نفوس القادمين إلى بيت الله الحرام، ويدعوهم إلى اليقظة والحذر من الحكم الاُموي الهادف إلى استعباد المسلمين وإذلالهم.

فزع السلطة المحلّيّة

وفزعت السلطة المحلية في مكة من قدوم الإمام (عليه السّلام)، وخافت أن يتّخذها مقرّاً سياسياً لدعوته ومنطلقاً لإعلان الثورة على حكومة يزيد، وقد خفّ حاكم مكة عمرو بن سعيد الأشدق إلى الإمام (عليه السّلام)، وقال له: ما أقدمك؟

-«عائذاً بالله وبهذا البيت» (١) .

لقد جاء الإمام (عليه السّلام) إلى مكة عائذاً ببيت الله الحرام الذي مَنْ دخله كان آمناً من كلّ ظلم واعتداء. ولم يحفل الأشدق بكلام الإمام (عليه السّلام)، وإنّما رفع رسالة إلى يزيد أحاطه بها علماً بمجيء الإمام إلى مكّة واختلاف الناس إليه، وازدحامهم على مجلسه، وإجماعهم على تعظيمه، وأنّ ذلك يشكّل خطراً على الدولة الاُمويّة.

واضطرب يزيد حينما وافته رسالة عامله الأشدق، فرفع إلى ابن عباس رسالة يُمنّي فيها الإمام الحسين (عليه السّلام) بالسلامة إن استجاب لبيعته، ويتهدّده إن لم يستجب لذلك.

وقد أجابه ابن عباس: أنّ الحسين إنّما نزح عن يثرب لمضايقة السلطة المحلّيّة له، كما وعده أن يلقى الإمام ويعرض عليه ما طلبه منه، وقد ذكرنا ذلك في (حياة الإمام الحسين - نصّ رسالة يزيد وجواب ابن عباس).

____________________

(١) انظر تذكرة الخواصّ / ٢٤٨.

١٩٥

إعلان التمرّد في العراق

وبعدما هلك معاوية أعلن العراقيون رفضهم لبيعة يزيد وخلعهم لطاعته، فكانت أندية الكوفة تعجّ بمساوئ معاوية وابنه الخليع يزيد، وذهب المستشرق (كريمر) إلى أنّ الأخيار والصلحاء من الشيعة ينظرون إلى يزيد نظرتهم إلى ورثة أعداء الإسلام(١) .

وعلى أيّ حال، فإنّ أهل الكوفة لم يرضوا بحكم يزيد وأجمعوا على خلع بيعته، وقد عقدت الشيعة مؤتمراً عاماً في بيت سليمان بن صرد الخزاعي، وهو من أكابر زعمائهم، وألقوا الخطب الحماسية التي أظهرت مساوئ الاُمويِّين وما اقترفوه من الظلم والجور ضدّ شيعة أهل البيت، ودعوا إلى البيعة للإمام الحسين (عليه السّلام).

وكان من جملة الخطباء سليمان بن صرد، وقد جاء في خطابه: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد قبض على القوم بيعته، وقد خرج إلى مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.

وتعالت أصواتهم من كلّ جانب، وهم يقولون بحماس بالغ: نقتل أنفسنا دونه، نقاتل عدوّه. وأظهروا بالإجماع دعمهم الكامل للحسين (عليه السّلام)، ورغبتهم الملحّة في نصرته والدفاع عنه، وأجمعوا على إرسال وفد إليه يدعونه للقدوم إليهم.

وفود أهل الكوفة للإمام (عليه السّلام)

وأرسلت الكوفة وفوداً متعدّدة إلى الإمام (عليه السّلام) يدعونه إلى القدوم إلى مصرهم؛ لينقذهم

____________________

(١) العقيدة والشريعة في الإسلام / ٦٩.

١٩٦

من ظلم الاُمويِّين وجورهم، ويعلنون دعمهم الكامل له، وكان من بين الوافدين عبد الله الجدلي(١) .

رسائل أهل الكوفة

وعمد أهل الكوفة إلى كتابة جمهرة من الرسائل إلى الإمام (عليه السّلام) يحثّونه على القدوم إليهم؛ لينقذ الاُمّة من شرّ الاُمويِّين.

وكان من بين تلك الرسائل رسالة بعثها جماعة من شيعة الإمام، وجاء فيها بعد البسملة: من سليمان بن صرد، والمسيب بن نجيّة، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر وشيعته والمسلمين من أهل الكوفة. أمّا بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد - يعني معاوية - الذي انتزا على هذه الاُمّة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضاً منها، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبُعداً له كما بعدت ثمود!

إنّه ليس علينا إمام فاقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ. واعلم أنّ النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد، ولو بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إن شاء الله، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته(٢) .

كما وردت إليه رسائل من الانتهازيين وشيوخ الكوفة، كان منها ما أرسله شبث بن ربعي اليربوعي، ومحمد بن عمر التميمي، وحجّار بن أبجر العجلي، ويزيد بن الحارث الشيباني، وعزرة بن قيس الأحمسي، وعمرو بن الحجّاج الزبيدي، وهذا نصّها:

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين / ٩٥.

(٢) أنساب الأشراف / ١٥٧.

١٩٧

أمّا بعد، فقد اخضرّ الجناب، وأينعت الثمار، وطمت الجمام(١) ، فاقدم على جند لك مجنّدة، والسّلام عليك(٢) .

وأعربت هذه الرسالة عن شيوع الأمل وازدهار الحياة، وتهيئة البلاد عسكرياً للأخذ بحقّ الإمام (عليه السّلام) ومناجزة خصومه، وقد وقّعها اُولئك الأشخاص الذين لا يؤمنون بالله، وكانوا في طليعة القوى العسكريّة التي زجّها ابن مرجانة لحرب الإمام (عليه السّلام).

وعلى أيّ حال، فقد توافدت الرسائل يتبع بعضها بعضاً على الإمام حتّى اجتمع عنده في نوب متفرّقة اثنا عشر ألف كتاب، ووردت عليه قائمة فيها مئة وأربعة ألف اسم يعربون فيها عن نصرتهم واستعدادهم الكامل لطاعته حال ما يصل إلى مقرّهم.

ولكن بمزيد الأسف لقد انطوت تلك الصحيفة وتبدّلت الأوضاع إلى ضدّها، وإذا بالكوفة تنتظر الحسين (عليه السّلام) لتثب عليه فتريق دمه ودماء أهل بيته وأصحابه، وتسبي عياله، وهكذا شاءت المقادير ولا رادّ لأمر الله تعالى وقضائه.

إيفاد مسلم إلى العراق

وعزم الإمام (عليه السّلام) على أن يلبّي طلب أهل الكوفة ويستجيب لدعوتهم، فأوفد إليهم ممثّله العظيم ابن عمّه مسلم بن عقيل ليعرّفه باتجاهاتهم وصدق نيّاتهم، فإن رأى منهم عزيمة مصمّمة فيأخذ منهم البيعة.

وزوّده بهذه الرسالة:«من الحسين بن علي إلى مَنْ بلغه كتابي هذا من أوليائه وشيعته بالكوفة، سلام عليكم. أمّا بعد، فقد أتتني كتبكم وفهمت ما ذكرتم من محبّتكم لقدومي عليكم، وأنا باعث إليكم بأخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل؛ ليعلم لي كُنه

____________________

(١) الجمام: الآبار.

(٢) أنساب الأشراف / ١٥٨ - ١٥٩.

١٩٨

أمركم، ويكتب إليّ بما يتبيّن له من اجتماعكم؛ فإن كان أمركم على ما أتتني به كتبكم وأخبرتني به رسلكم أسرعت القدوم إليكم إن شاء الله، والسّلام)) (١) .

مسلم في بيت المختار

وسار مسلم يطوي البيداء حتّى انتهى إلى الكوفة فنزل في بيت المختار الثقفي(٢) ، وهو من أشهر أعلام الشيعة، ومن أحبّ الناس وأنصحهم وأخلصهم للإمام الحسين (عليه السّلام).

وفتح المختار أبواب داره لمسلم، وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم، ودعا الشيعة لمقابلته، فهرعوا إليه من كلّ حدب وصوب وهم يظهرون له الولاء والطاعة، وكان مسلم يقرأ عليهم رسالة الإمام الحسين (عليه السّلام) وهم يبكون، ويبدون تعطّشهم لقدومه والتفاني في نصرتهم له؛ ليعيد في مصرهم حكم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وينقذهم من جور الاُمويِّين وظلمهم.

البيعة للحسين (عليه السّلام)

وانهالت الشيعة على مسلم تبايع للإمام الحسين (عليه السّلام)، وكان حبيب بن مظاهر هو الذي يأخذ منهم البيعة للحسين (عليه السّلام)(٣) ، وكان عدد المبايعين أربعين ألفاً، وقيل أقلّ من ذلك(٤) .

رسالة مسلم للحسين (عليه السّلام)

وازداد مسلم إيماناً ووثوقاً بنجاح الدعوة، وبُهر من العدد الهائل الذين بايعوا

____________________

(١) الأخبار الطوال / ٢١٠.

(٢) الحدائق الوردية ١ / ١٢٥، (مخطوط).

(٣) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢ / ٣٤٧.

(٤) وفي رواية البلاذري أنّ جميع أهل الكوفة معه.

١٩٩

الحسين (عليه السّلام) فكتب له: أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً(١) ، فعجّل حين يأتيك كتابي هذا؛ فإنّ الناس كلّهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى.

لقد حكت مسلم هذه الرسالة أنّ هناك إجماعاً عاماً على بيعة الإمام (عليه السّلام)، وتلهّفاً حارّاً لقدومه، وقد حمل الرسالة جماعة من أهل الكوفة وعليهم البطل عابس الشاكري، وعند ذلك تهيّأ الإمام الحسين (عليه السّلام) للخروج من مكة إلى العراق.

فزع يزيد

وفزع يزيد حينما وافته الأنباء من عملائه بمجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة وأخذه البيعة للإمام الحسين (عليه السّلام)، واستجابة الجماهير لبيعة الإمام.

وشعر يزيد بالخطر الذي يهدّد ملكه، فاستدعى سرجون الرومي، وكان مستودع أسرار أبيه، ومن أدهى الناس، وعرض عليه الأمر قائلاً: ما رأيك؟ إنّ حسيناً قد توجّه إلى الكوفة، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين، وقد بلغني عن النعمان - وهو والي الكوفة - ضعف وقول سيِّئ، فما ترى مَنْ استعمل على الكوفة؟

وأخذ سرجون يُطيل التأمّل حتّى توصّل إلى نتيجة حاسمة، فقال له: أرأيت أنّ معاوية لو نُشر أكنت آخذ رأيه.

- نعم.

فأخرج سرجون عهد معاوية لعبيد الله بن زياد على الكوفة، وقال له: هذا رأي معاوية، وقد مات، وقد أمر بهذا الكتاب(٢) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٢٢٤.

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٦٨.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523