وسائل الشيعة الجزء ١٧

وسائل الشيعة12%

وسائل الشيعة مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 483

المقدمة الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠
  • البداية
  • السابق
  • 483 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 290523 / تحميل: 183067
الحجم الحجم الحجم
وسائل الشيعة

وسائل الشيعة الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

( قالَ لَهُمْ مُوسى ) بعد ما لقالوا له:( إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ) (١) ( أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ ) لم يرد به أمرهم بالسحر والتمويه، بل الإذن في تقديم ما هم فاعلوه لا محالة، توسّلا به إلى إظهار الحقّ.

( فَأَلْقَوْا ) فطرحوا( حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ ) بعلوّ منزلته وفرط قوّته( إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ ) أقسموا بعزّته على أنّ الغلبة لهم، لفرط اعتقادهم في أنفسهم، أو لإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر.

هذا من أقسام الجاهليّة. وفي الإسلام لا يصحّ الحلف إلّا بالله تعالى، أو ببعض أسمائه وصفاته. وفي الحديث: «لا تحلفوا إلّا بالله، ولا تحلفوا بالله إلّا وأنتم صادقون».

( فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ) تبتلع. وقرأ حفص: تلقف بالتخفيف.

( ما يَأْفِكُونَ ) ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بتمويههم وتزويرهم، فيخيّلون حبالهم وعصيّهم أنّها حيّات تسعى. أو إفكهم، تسمية للمأفوك به مبالغة.

( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ) لـما بهرهم ما أظهره موسىعليه‌السلام ، من قلب العصا حيّة، وتلقّفها جميع ما أتعبوا به نفوسهم فيه، وعلموا أنّ مثله لا يتأتّى بالسحر، ولا يقدر عليه أحد من البشر، بل من عند الله الخالق للقوى والقدر.

وفيه دليل على أنّ منتهى السحر تمويه وتزوير، يخيّل شيئا لا حقيقة له. وأن التبحّر في كلّ فنّ نافع.

وإنّما بدّل الخرور بالإلقاء ليشاكل ما قبله، ويدلّ على أنّهم لـمّا رأوا ما رأوا، لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين، بل كأنّهم أخذوا فطرحوا على وجوههم. وفاعل الإلقاء هو اللهعزوجل بما خوّلهم من التوفيق، أو معاينة المعجزة الباهرة.

__________________

(١) الأعراف: ١١٥.

٢١

روي: أنّهم قالوا قبل إلقاء الحبال والعصيّ: إن يك ما جاء به موسى سحرا فلن يغلب، وإن كان من عند الله فلن يخفى علينا. فلمّا قذف عصاه، فتلقّفت ما أتوا به، علموا أنّه من الله.

( قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ) بدل من «ألقي» بدل الاشتمال. أو حال بإضمار «قد».( رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ) عطف بيان لـ «ربّ العالمين». وإتيانهم به لدفع توهّم أنّ غرضهم بربّ العالمين فرعون، لأنّه لعنه الله كان يدّعي الربوبيّة، فأرادوا أن يعزلوه. وللإشعار على أنّ الموجب لإيمانهم ما أجراه على أيديهما. عن عكرمة: أصبحوا كفرة سحرة، وأمسوا مؤمنين شهداء.

( قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) في تصديقه( إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ) أستادكم( الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ) فعلّمكم شيئا دون شيء، فلذلك غلبكم. أو فواعدكم على ذلك، وتواطأتم عليه. أراد به التلبيس على قومه، كي لا يعتقدوا أنّهم آمنوا عن بصيرة وظهور حقّ. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وروح: أآمنتم بهمزتين.

( فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) وبال ما فعلتم. ثمّ فسّر ذلك التهديد بقوله:( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ) قطع اليد من جانب والرجل من الجانب الآخر، كقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ) مع ذلك على الجذوع، ولا أترك أحدا منكم لا تناله هذه العقوبة. قيل: إنّ أوّل من قطع الأيدي والأرجل فرعون.

( قالُوا ) في جوابه( لا ضَيْرَ ) أي: لا ضرر، فإنّ الضير والضور والضرّ والضرر واحد. أرادوا: لا ضرر علينا فيما تتوعّدنا به من القتل.( إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ ) بالقتل، فإنّ الصبر عليه محّاء للذنوب، موجب للثواب والقرب من الله، أو بسبب من أسباب الموت، وقتلك أهونها وأرجاها، فإنّ ألمه ساعة عن قريب ينقضي، فنصل إلى جنّات النعيم مؤبّدين فيها. وعن الحسن: لم يصل فرعون إلى

٢٢

قتل واحد منهم ولا قطعه.

( إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا ) من السحر وغيره( أَنْ كُنَّا ) لأن كنّا( أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) من أتباع فرعون، لأنّ بني إسرائيل كانوا آمنوا به. أو أوّل من آمن من أهل هذا المشهد عند تلك المعجزة.

( وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) )

( وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي ) وذلك بعد سنين أقام بين أظهرهم، يدعوهم إلى الحقّ، ويظهر لهم الآيات، فلم يزيدوا إلّا عتوّا وفسادا. وقرأ ابن كثير ونافع: أن أسر، بكسر النون ووصل الألف، من: سرى.( إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ) يتّبعكم فرعون وجنوده. وهو علّة الأمر بالإسراء، أي: أسر بهم حتّى إذا اتّبعوكم مصبحين كنتم متقدّمين عليهم، بحيث لا يدركونكم قبل وصولكم إلى البحر، بل يكونون على أثركم حتّى تلجون في البحر، فيدخلون مدخلكم من طريق البحر، فأطبقه عليهم فأغرقهم.

روي: أنّه مات في تلك الليلة في كلّ بيت من بيوتهم ولد، فاشتغلوا بموتاهم، فأوحى الله تعالى إلى موسى: أن اجمع بني إسرائيل، كلّ أربعة أبيات في بيت، ثمّ اذبحوا الجداء(١) واضربوا بدمائها على أبوابكم، فإنّي سآمر الملائكة أن لا يدخلوا بيتا على بابه دم، وسآمرهم بقتل أبكار القبط. واخبزوا خبزا فطيرا، فإنّه

__________________

(١) الجداء جمع الجدي، وهو ولد المعز في السنة الأولى.

٢٣

أسرع لكم. ثمّ أسر عبادي حتّى تنتهي إلى البحر، فيأتيك أمري.

( فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ ) حين أخبر بسراهم( فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ ) العساكر ليتبعوهم. فاجتمع حين خرج من مصر في أثر بني إسرائيل ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسوّر(١) . مع كلّ ملك ألف. وكانت مقدّمته سبعمائة ألف، كلّ رجل على حصان، وعلى رأسه بيضة.

وعن ابن عبّاس: خرج فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث. فلذلك استقلّ قوم موسى وقال:( إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) عددا. روي أنّهم كانوا ستّمائة وسبعين ألفا. وقلّتهم بالإضافة إلى جنود فرعون. والشرذمة: الطائفة القليلة.

ومنها: ثوب شراذم، لـما بلي وتقطّع قطعا. ذكرهم بالاسم الدالّ على القلّة، ثمّ جعلهم قليلا بالوصف، ثمّ جمع القليل، فجعل كلّ سبط منهم قليلا، واختار جمع السلامة الّذي هو للقلّة. ويجوز أن يريد بالقلّة الذلّة، ولا يريد قلّة العدد. والمعنى: أنّهم لا يبالى بهم، ولا يتوقّع غلبتهم وعلوّهم.

( وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ ) لفاعلون ما يغيظنا ويغضبنا، لمخالفتهم إيّانا في الدين، وخروجهم من أرضنا على كره منّا، وذهابهم بالحليّ الّذي استعاروها، وخلوصهم من استعبادنا( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ ) نحن قوم مجتمعون من عادتنا الحذر واستعمال الحزم في الأمور، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده. وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن، لئلّا يظنّ به ما يكسر من قهره وسلطانه.

وقرأ ابن عامر والكوفيّون: حاذرون. والأوّل(٢) للثبات، والثّاني للتجدّد.

وقيل: الحاذر: الكامل في السلاح. وهو أيضا من الحذر، لأنّ ذلك إنّما يفعل

__________________

(١) ملك مسوّر: مسوّد قدير.

(٢) أي: قراءة: حذرون.

٢٤

حذرا.

( فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨) )

ثمّ أخبر سبحانه عن كيفيّة إهلاكهم وإخراجهم من مساكنهم النفيسة بقوله:( فَأَخْرَجْناهُمْ ) بأن ألهمنا في قلوبهم داعية الخروج بهذا السبب، فحملتهم عليه( مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ ) يعني: المنازل الحسنة والمجالس السنيّة.

وقيل: مجالس الأمراء. وعن الضحاك المنابر. وقيل: السرّ في الحجال(١) .

( كَذلِكَ ) نصب على المصدر، أي: أخرجناهم خروجا مثل ذلك الإخراج الّذي وصفنا. أو صفة «مقام» أي: مثل ذلك المقام الّذي كان لهم. أو الأمر كذلك، على أنّه خبر المحذوف.( وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ ) وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى ردّ بني إسرائيل إلى مصر، بعد ما أغرق فرعون وقومه، وأعطاهم جميع ما كان

__________________

(١) السرّ: الجماع. والحجال جمع حجلة، وهي بيت يزيّن للعروس.

٢٥

لفرعون وقومه من الأموال والعقار والمساكن والديار.

( فَأَتْبَعُوهُمْ ) يعني: قوم فرعون أدركوا موسى وأصحابه ولحقوهم( مُشْرِقِينَ ) داخلين وقت شروق الشمس. من: شرقت الشمس شروقا إذا طلعت.

( فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ ) تقاربا بحيث يرى كلّ منهما الآخر( قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) لملحقون. يعني: سيدركنا جمع فرعون، ولا طاقة لنا بهم.

( قالَ ) موسى: ثقة بنصر الله تعالى( كَلَّا ) لن يدركونا، ولا يكون ما تظنّون، فانتهوا عن هذا القول، فإنّ الله وعدكم الخلاص منهم( إِنَّ مَعِي رَبِّي ) بنصره وحفظه( سَيَهْدِينِ ) سيرشدني إلى طريق النجاة. وعن السدّي: سيكفيني.

روي: أنّ مؤمن آل فرعون كان بين يدي موسى، فقال: أين أمرت؟ فهذا البحر أمامك، وقد غشيك آل فرعون! فقال: أمرت بالبحر، ولعلّي أؤمر بما أصنع.

( فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ ) وهو نهر النيل ما بين أيلة ومصر. وقيل: هو بحر قلزم ما بين اليمن ومكّة إلى مصر. فضربه موسى بعصاه.

( فَانْفَلَقَ ) فانشقّ البحر، وظهر فيه اثنا عشر فرقا، بأن قام الماء عن يمين الطريق ويساره كالجبل العظيم. وذلك قوله:( فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) كالجبل المنيف الثابت في مقرّه. فدخلوا في شعابها، كلّ سبط في شعب. والفرق: الجزء المتفرّق. والفرق المصدر.

روي: أنّ موسىعليه‌السلام قال عند ذلك: يا من كان قبل كلّ شيء، والمكوّن لكلّ شيء، والكائن بعد كلّ شيء.

( وَأَزْلَفْنا ) وقرّبنا( ثَمَّ الْآخَرِينَ ) فرعون وقومه، حتّى دخلوا على أثرهم مداخلهم( وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ) بحفظ البحر على تلك الهيئة إلى أن عبروا( ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ) بإطباقه عليهم.

( إِنَّ فِي ذلِكَ ) في فرق البحر، وإنجاء موسى وقومه، وإغراق فرعون

٢٦

وجنوده( لَآيَةً ) وأيّة آية( وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) وما تنبّه عليها أكثرهم، إذ لم يؤمن بها أحد ممّن بقي في مصر من القبط. وبنو إسرائيل ـ إلّا حبيب النجّار وآسية امرأة فرعون ـ بعد ما نجوا سألوا بقرة يعبدونها، واتّخذوا العجل وقالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة. فلا تستوحش يا محمّد من قعود قومك عن الحقّ الّذي تأتيهم به وتدلّهم عليه، فقد جروا على عادة أسلافهم في إنكار الحقّ وقبول الباطل.

( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ) المنتقم من أعدائه( الرَّحِيمُ ) بأوليائه.

( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) )

( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ ) على مشركي قريش( نَبَأَ إِبْراهِيمَ ) خبره، فإنّه شجرة الأنبياء، وبه افتخار العرب. وفيه تسلية لك، وعظة لقومك.

( إِذْ قالَ لِأَبِيهِ ) لعمّه الّذي بمنزلة أبيه في تربيته، أو جدّ أمّه( وَقَوْمِهِ ) على وجه الإنكار عليهم( ما تَعْبُدُونَ ) كان إبراهيم يعلم أنّهم عبدة أصنام، ولكنّه سألهم

٢٧

ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحقّ العبادة في شيء، كما تقول للتاجر: ما مالك؟ وأنت تعلم أنّ ماله الرقيق، ثمّ تقول: الرقيق جمال وليس بمال.

( قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ ) مقيمين على عبادتها. وحقّ الجواب أن يقتصروا على قولهم: «أصناما» فحسب، لأنّ «ما تعبدون» سؤال عن المعبود فقط، لكن أطالوا الجواب بشرح أحوالهم معه، إظهارا لـما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار. وإنّما قالوا: نظلّ، لأنّهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل. وقيل: «نظلّ» بمعنى: ندوم.

( قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ ) يسمعون دعاءكم؟ فحذف ذلك لدلالة قوله:( إِذْ تَدْعُونَ ) عليه. ومعناه: هل يستجيبون دعاءكم إذا دعوتموهم؟ ومجيئه مضارعا مع «إذ» على حكاية الحال الماضية استحضارا لها. ومعناه: استحضروا الأحوال الماضية الّتي كنتم تدعونها فيها، وقولوا: هل سمعوا؟ وهو أبلغ في التبكيت.

( أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ ) إذا عبدتموهم( أَوْ يَضُرُّونَ ) إن تركتم عبادتهم. وفي هذا بيان أنّ الدّين إنّما يثبت بالحجّة، ولو لا ذلك لم يحاجّهم إبراهيمعليه‌السلام هذا الحجاج.

( قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ ) أضربوا عن أن يكون لهم سمع، أو يتوقّع منهم ضرّ أو نفع، والتجؤا إلى التقليد.

( قالَ ) إبراهيم منكرا عليهم التقليد( أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ ) الّذي كنتم( تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ) فإنّ التقدّم والأوّليّة لا يكون برهانا على الصحّة، ولا ينقلب به الباطل حقّا. وإنّما دخل لفظ «كان» لأنّه جمع بين الحال والماضي.

( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ) يريد أنّهم أعداء لعابديهم، من حيث إنّهم يتضرّرون من جهتهم فوق ما يتضرّر الرجل من جهة عدوّه. أو أنّ المغري بعبادتهم أعدى أعدائهم، وهو الشيطان. لكنّه صوّر الأمر في نفسه، على معنى: أنّي فكّرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدوّ الّذي هو الشيطان، فاجتنبتها وآثرت عبادة

٢٨

من الخير كلّه منه. وأراهم بهذا القول أنّه نصيحة نصح بها نفسه، تعريضا لهم، فإنّه أنفع في النصح من التصريح، وإشعارا بأنّها نصيحة بدأ بها نفسه، فيكون أدعى إلى القبول.

وإنّما جمع الأصنام جمع العقلاء، لـما وصفها بالعداوة التي لا تكون إلّا من العقلاء. أو المراد عبّاد الأصنام مع الأصنام عدوّ لي، لأنّه غلّب ما يعقل. وإفراد العدوّ لأنّه في الأصل مصدر.

( إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ ) استثناء منقطع، كأنّه قال: لكن ربّ العالمين. أو متّصل على أنّ الضمير لكلّ معبود عبدوه، وكان من آبائهم من عبد الله.

( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ) لأنّه يهدي كلّ مخلوق لـما خلق له من امور المعاش والمعاد، كما قال:( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى ) (١) هداية مدرّجة من مبدأ إيجاده إلى منتهى أجله، يتمكّن بها من جلب المنافع ودفع المضارّ. مبدؤها بالنسبة إلى الإنسان هداية الجنين إلى امتصاص دم الطمث من الرحم، وبعد الخروج إلى معرفة الثدي عند الولادة، وإلى كيفيّة الارتضاع، وغير ذلك من هدايات المعاش. ثمّ هداه بتوفيق في المعرفة والطاعة إلى طريق الجنّة والتنعّم بلذائذها.

والفاء للسببيّة إن جعل الموصول مبتدأ، وللعطف إن جعل صفة «ربّ العالمين». فيكون اختلاف النظم لتقدّم الخلق واستمرار الهداية.

وقوله:( وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ) على الأوّل مبتدأ محذوف الخبر، لدلالة ما قبله عليه. وكذا اللّذان بعده. وتكرير الموصول على الوجهين للدلالة على أنّ كلّ واحدة من الصلات مستقلّة باقتضاء أنّه هو المعبود دون ما سواه. والمعنى: هو يرزقني بما أتغذّى به.

( وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) عطف على( يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ) لأنّه من

__________________

(١) الأعلى: ٣.

٢٩

روادفهما، من حيث إنّ الصحّة والمرض في الأغلب يتبعان المأكول والمشروب.

وإنّما لم ينسب المرض إليه، بأن قال: أمرضني، لأنّ مقصوده تعديد النعم. ولا ينتقض بإسناد الإماتة إليه بعده، لأنّ الموت من حيث إنّه لا يحسّ به لا ضرر فيه، وإنّما الضرر في مقدّماته، وهي المرض. ثمّ إنّه لأهل الكمال وصلة إلى نيل الحياة الأبديّة والسعادة السرمديّة، الّتي تستحقر دونها الحياة الدنيويّة، وخلاص من أنواع المحن والبليّات. ولأنّ المرض في غالب الأمر إنّما يحدث بإفراط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه، ومن ثمّ قال الحكماء: لو قيل لأكثر الموتى: ما سبب آجالكم؟ لقالوا: التخم(١) . وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحمية(٢) رأس كلّ دواء، والبطنة رأس كلّ داء».

أو لـما بين الأركان والأخلاط من التنافي والتنافر، والصحّة إنّما تحصل باستحفاظ اجتماعها والاعتدال المخصوص عليها قهرا، وذلك بقدرة العزيز الحكيم. والمعنى: فهو يفعل بي ما يصحّ عنده بدني.

( وَالَّذِي يُمِيتُنِي ) بعد أن كنت حيّا( ثُمَّ يُحْيِينِ ) يوم القيامة بعد أن أكون ميّتا.

( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) ذكر ذلك انقطاعا إلى الله، وهضما لنفسه، وتواضعا منه، وتعليما للامّة أن يجتنبوا المعاصي، ويكونوا على حذر منها، ويطلبوا المغفرة ممّا يفرط منهم، فإنّ الأنبياء صلّى الله عليهم معصومون منزّهون من الخطايا والآثام، لـما برهن في علم الكلام، وانعقد إجماع الطائفة الحقّة ـ وهم الإماميّة ـ عليه، ونقل عن أئمّتناعليهم‌السلام . فاستغفارهم إنّما هو محمول على تواضعهم لربّهم، وهضمهم لأنفسهم، وتعليمهم لأمّتهم. وعلّق المغفرة بيوم الدين ،

__________________

(١) التخم جمع التخمة. وهي: الداء يصيب الإنسان من الطعام الوخيم.

(٢) الحمية: الاسم من: حمى المريض إذا منعه عمّا يضرّه. والبطنة: الامتلاء المفرط من الأكل.

٣٠

لأنّ أثرها يتبيّن يومئذ، والآن خفيّ لا يعلم.

وقيل: أراد إبراهيمعليه‌السلام أن يغفر الله لأجله خطيئة من يشفّعه فيه، فأضافه إلى نفسه، كقوله سبحانه لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) (١) .

وإنّما حذف الياءات لأنّها رؤوس الآيات.

وهذا الكلام من إبراهيمعليه‌السلام إنّما صدر على وجه الاحتجاج على قومه، والإخبار بأنّه لا يصلح للإلهيّة إلّا من فعل هذه الأفعال.

( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) )

ثمّ حكى الله سبحانه عن نبيّه أنّه سأله وقال:( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً ) كمالا في العلم والعمل أستعدّ به لخلافة الحقّ ورئاسة الخلق. وقيل: نبوّة، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله.( وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) أي: وفّقني للكمال في العمل، لأنتظم به في عداد الكاملين في الصلاح، الّذين لا يشوب صلاحهم كبير ذنب ولا صغيره. أو اجمع بيني وبينهم في الجنّة. وفي هذا دلالة على عظم شأن الصلاح، وهو الاستقامة على ما أمر الله به ودعاه إليه.

( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) أي: ثناء حسنا في آخر الأمم، وذكرا

__________________

(١) الفتح: ٢.

٣١

جميلا، وحسن صيت، وقبولا عامّا في الّذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة. فأجاب الله تعالى دعاءه، فما من أمّة من الأمم إلّا ويثنون عليه، ومحبّون له. والعرب تضع اللسان موضع القول على الاستعارة، لأنّ القول يكون بها، وكذلك يسمّون اللغة لسانا.

وقيل: معناه: واجعل لي ولد صدق في آخر الأمم من ذرّيّتي، يجدّد أصل ديني، ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه من التوحيد، وهو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

( وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ) من الّذين يرثون الفردوس في الآخرة. وقد مرّ(١) معنى الوراثة فيها.

( وَاغْفِرْ لِأَبِي ) لوليّ نعمتي وتربيتي بالهداية( إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ ) الذاهبين عن الصواب في اعتقاده. ووصفه بأنّه ضالّ يدلّ على أنّه كان كافرا كفر جهل لا كفر عناد. وقد ذكرنا الوجه في استغفار إبراهيم لأبيه في سورة التوبة(٢) .

( وَلا تُخْزِنِي ) ولا تفضحني ولا تعيّرني بتقصيري في أوامرك. واشتقاقه إمّا من الخزي، وهو الهوان. أو من الخزاية، وهي الحياء.( يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) الضمير للعباد، لأنّهم معلومون، أي: يوم يحشر الخلائق كلّهم. وهذا الدعاء كان منه أيضا على وجه الانقطاع إلى الله، لـما بيّنّا أنّ القبيح لا يجوز وقوعه من الأنبياء.

ثمّ فسّر ذلك اليوم بقوله:( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ ) أي: لا ينفعان أحدا، إذ لا يتهيّأ لذي مال أن يفتدي من شدائد ذلك اليوم بماله، ولا يتحمّل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه.

( إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) أي: لا ينفعان أحدا إلّا مخلصا سليم القلب عن الكفر وميل المعاصي. أو لا ينفعان إلّا مال من هذا شأنه وبنوه، حيث أنفق ماله في

__________________

(١) راجع ج ٤ ص ١٩٤، ذيل الآية ٦٣ من سورة مريم.

(٢) راجع ج ٤ ص ١٤٤ و ١٧٣، ذيل الآية ٨٠ و ١١٣.

٣٢

سبيل الخير، وأرشد بنيه إلى الحقّ، وحثّهم على البرّ، وقصد بهم أن يكونوا عبادا لله مطيعين، شفعاء له يوم الدين.

وقيل: الاستثناء من قبيل قوله: تحيّة بينهم ضرب وجيع(١) . وبيانه أن يقال لك: هل لزيد مال وبنون؟ فتقول: ماله وبنوه سلامة قلبه. تريد نفي المال والبنين عنه، وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك.

وإن شئت حملت الكلام على المعنى، وجعلت المال والبنين في معنى الغنى.

كأنّه قيل: يوم لا ينفع غنى إلّا غنى من أتى الله بقلب سليم، لأنّ غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه، كما أنّ غناه في دنياه بماله وبنيه.

ولك أن تجعل الاستثناء منقطعا. والمعنى: أنّ المال والبنين لا ينفعان، ولكن سلامة القلب عن الكفر والمعاصي وسائر آفاته ينفع صاحبه.

وقيل: معناه: إلّا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين.

وقيل: القلب السليم الّذي سلم وسلّم وأسلم وسالم واستسلم.

وعن الصادقعليه‌السلام : «هو القلب الّذي سلم من حبّ الدنيا».

وإنّما خصّ القلب بالسلامة، لأنّه إذا سلم سلمت سائر الجوارح من الفساد، من حيث إنّ الفساد بالجارحة لا يكون إلّا عن قصد بالقلب الفاسد.

وما أحسن ما رتّب إبراهيمعليه‌السلام كلامه مع المشركين، حين سألهم أوّلا عمّا يعبدون سؤال مقرّر لا مستفهم. ثمّ أقبل على آلهتهم فأبطل أمرها، بأنّها لا تضرّ ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، على تقليدهم آباءهم الأقدمين. فأخرجه من أن يكون شبهة، فضلا عن أن يكون حجّة.

ثمّ صوّر المسألة في نفسه دونهم، حتّى تخلّص منها إلى ذكر اللهعزوجل ، فعظّم شأنه، وعدّد نعمته من لدن خلقه وإنشائه إلى حين وفاته، مع ما يرجى في الآخرة

__________________

(١) لعمرو بن معد يكرب. وصدره: وخيل قد دلفت لها بخيل.

٣٣

من رحمته.

ثمّ أتبع ذلك أن دعاه بدعوات المخلصين، وابتهل إليه ابتهال الأوّابين. ثمّ وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه، وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الحسرة والندامة على ما كانوا فيه من الضلال، وتمنّي الكرّة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.

( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤) )

( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ) قرّبت من موقعهم بحيث يرونها من الموقف ،

٣٤

فيغتبطون بمكانهم، ويتبجّحون(١) بأنّهم المحشورون إليها.

( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ) أظهرت وكشفت للأشقياء، فيرونها مكشوفة، ويتحسّرون على أنّهم المسوقون إليها، فيجمع عليهم الغموم كلّها والحسرات. وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد.

( وَقِيلَ لَهُمْ ) في ذلك اليوم على وجه التوبيخ على إشراكهم( أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللهِ ) أين آلهتكم الّذين تزعمون أنّهم شفعاؤكم؟( هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ ) بدفع العذاب عنكم( أَوْ يَنْتَصِرُونَ ) بدفعه عن أنفسهم، لأنّهم وآلهتهم يدخلون النار، كما قال:( فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ) أي: طرحت فيها الآلهة وعبدتهم. والكبكبة: تكرير الكبّ لتكرير معناه، كأنّ من ألقي في النار يكبّ مرّة بعد اخرى حتّى يستقرّ في قعرها.

( وَجُنُودُ إِبْلِيسَ ) وكبكب معهم متّبعوه من عصاة الثقلين أو شياطينه( أَجْمَعُونَ ) تأكيد للجنود، أو للضمير وما عطف عليه.

( قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ * تَاللهِ إِنْ كُنَّا ) مخفّفة عن الثقيلة، أي: إنّا كنّا( لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) على أنّ الله ينطق الأصنام فتخاصم العبدة. ويؤيّده الخطاب في قوله تعالى:( إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ) أي: في استحقاق العبادة.

ويجوز أن تكون الضمائر للعبدة كما في «قالوا». والخطاب للمبالغة في التحسّر والندامة. والمعنى: أنّهم مع تخاصمهم في مبدأ ضلالهم، معترفون بانهماكهم في الضلالة، متحسّرون عليها.

( وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ) وهم رؤساؤهم وكبراؤهم الّذين اقتدوا بهم.

( فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ) كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيّين. يعني: ما لنا شفيع من الأباعد.

__________________

(١) أي: يتفاخرون.

٣٥

( وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) ذي قرابة يهمّه أمرنا. كما نرى للمؤمنين أصدقاء من النبيّين والأوصياء، لأنّه لا يتصادق في الآخرة إلّا المؤمنون، وأمّا أهل النار فبينهم التعادي والتباغض. قال الله تعالى:( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) (١) . أو فما لنا من شافعين ولا صديق من الّذين كنّا نعدّهم شفعاء وأصدقاء. أو وقعنا في مهلكة لا يخلّصنا منها شافع ولا صديق.

وجمع الشافع ووحدة الصديق لكثرة الشفعاء وقلّة الصديق. أو لإطلاق الصديق على الجمع، لأنّه في الأصل مصدر، كالحنين والصهيل. والحميم من الاحتمام، وهو الاهتمام. وهو الّذي يهمّه ما يهمّك. أو من الحامّة بمعنى الخاصّة. وهو الصديق الخاصّ.

وعن الصادقعليه‌السلام : «والله لنشفعنّ لشيعتنا ـ قالها ثلاثا ـ حتّى يقول عدوّنا: «فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ».

وعن جابر بن عبد الله، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الرجل يقول في الجنّة: ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في الجحيم، فيقول الله سبحانه: أخرجوا له صديقه إلى الجنّة. فيقول من بقي في النار:( فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) .

وعن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: «إنّ المؤمن ليشفع يوم القيامة لأهل بيته، فيشفع فيهم حتّى يبقى خادمه، فيقول ويرفع سبّابتيه: يا ربّ خويدمي كان يقيني الحرّ والبرد، فيشفع فيه».

وفي خبر آخر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: «إنّ المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة، فيقول: يا ربّ جاري، كان يكفّ عنّي الأذى، فيشفع فيه. وإنّ أدنى المؤمنين شفاعة يشفع لثلاثين إنسانا».

( فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً ) تمنّ للرجعة إلى الدنيا. وأقيم فيه «لو» مقام

__________________

(١) الزخرف: ٦٧.

٣٦

«ليت» لتلاقيهما في معنى التقدير. أو شرط حذف جوابه.( فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) جواب التمنّي. أو عطف على «كرّة» أي: لو أنّ لنا أن نكرّ فنكون من المؤمنين لفعلنا كذا وكذا.

( إِنَّ فِي ذلِكَ ) فيما ذكر من قصّة إبراهيمعليه‌السلام ( لَآيَةً ) لحجّة وعظة لمن أراد أن يستبصر بها ويعتبر، فإنّها جاءت على أنظم ترتيب وأحسن تقرير، يتفطّن المتأمّل فيها لغزارة علمه، لـما فيها من الإشارة إلى أصول العلوم الدينيّة، والتنبيه على دلائلها، وحسن دعوته للقوم، وحسن مخالقته معهم، وكمال إشفاقه عليهم.

وتصوّر الأمر في نفسه، وإطلاق الوعد والوعيد على سبيل الحكاية تعريضا وإيقاظا لهم، ليكون أدعى لهم إلى الاستماع والقبول.

( وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ ) أكثر قومه( مُؤْمِنِينَ ) به.

( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ) القادر على تعجيل الانتقام( الرَّحِيمُ ) بالإمهال، لكي يؤمنوا هم أو أحد من ذرّيّتهم.

( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا

٣٧

نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢) )

( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ) لأنّ من كذّب رسولا واحدا من رسل الله فقد كذّب الجماعة، لأنّ كلّ رسول يأمر بتصديق جميع الرسل. وقال أبو جعفرعليه‌السلام : «يعني بالمرسلين نوحا والأنبياء الّذين كانوا بينه وبين آدمعليه‌السلام ». والقوم: مؤنّثة، ولذلك تصغّر على قويمة.

( إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ ) لأنّه كان منهم. من قول العرب: يا أخا بني تميم، يريدون: يا واحدا منهم.( أَلا تَتَّقُونَ ) عذاب الله، فتتركوا عبادة غيره.

( إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ) مشهور بالأمانة فيكم( فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ) فيما آمركم به من التوحيد والطاعة لله.

( وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ ) على ما أنا عليه من الدعاء والنصح( مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ) كرّره ليؤكّده عليهم، ويقدّره في نفوسهم، وينبّه على دلالة كلّ واحد من أمانته وحسم طمعه على وجوب طاعته فيما يدعوهم إليه، فكيف إذا اجتمعا؟!( قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ) الأقلّون مالا وجاها. جمع الأرذل على

٣٨

الصحّة، وعلى التكسير في قوله:( الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا ) (١) . والرذالة: الخسّة والدّناءة.

وقرأ يعقوب: وأتباعك. وهو جمع تابع، كشاهد وأشهاد. أو تبع، كبطل وأبطال. والواو للحال.

وإنّما استرذلوهم لاتّضاع نسبهم، وقلّة نصيبهم من الدنيا. وقيل: كانوا من أهل الصناعات الدنيئة، كالحياكة والحجامة. وهكذا كانت قريش تقول في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وما زالت أتباع الأنبياء كذلك، حتّى صارت من سماتهم وأماراتهم. ألا ترى إلى هرقل ملك الروم حين سأل أبا سفيان عن أتباع رسول الله، فلمّا قال: ضعفاء الناس وأراذلهم، قال: ما زالت أتباع الأنبياء كذلك.

وكان من سخافة عقل الكفرة، وقصور رأيهم على الحطام الدنيويّة، أن جعلوا اتّباع المقلّين فيها مانعا عن اتّباعهم وإيمانهم بما يدعوهم إليه، ودليلا على بطلانه.

وأشاروا بذلك إلى أنّ اتّباعهم ليس عن نظر وبصيرة، وإنّما هو لتوقّع مال ورفعة.

فلذلك( قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) أنّهم عملوه خالصا، أو طمعا في طعمة.

وما عليّ إلّا اعتبار الظاهر، دون التفتيش عن أسرارهم، والشقّ عن قلوبهم.

( إِنْ حِسابُهُمْ ) ما حسابهم على بواطنهم( إِلَّا عَلى رَبِّي ) فإنّه المطّلع عليها.

وما أنا إلّا منذر، لا محاسب ولا مجاز.( لَوْ تَشْعُرُونَ ) لعلمتم ذلك. ولكنّكم تجهلون، فتقولون ما لا تعلمون. قصد بذلك ردّ اعتقادهم، وإنكار أن يسمّى المؤمن رذلا، وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسبا، فإنّ الغنى غنى الدين، والنسب نسب التقوى.

( وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ) جواب لـما أوهم قولهم من استدعاء طردهم.

والمعنى: ليس من شأني أن أتّبع شهواتكم، وأطيب نفوسكم، بطرد المؤمنين الّذين صحّ إيمانهم طمعا في إيمانكم.

__________________

(١) هود: ٢٧.

٣٩

وقوله تعالى:( إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) كالعلّة له، أي: ما أنا إلّا رجل مبعوث لإنذار المكلّفين عن الكفر والمعاصي، سواء كانوا أعزّاء أو أذلّاء، فكيف يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء؟ أو ما عليّ إلّا إنذاركم إنذارا بيّنا بالبرهان الواضح، الّذي يتميّز به الحقّ من الباطل، فلا عليّ أن أطردهم لاسترضائكم.

( قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ ) لئن لم ترجع عمّا تقول( يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) من المضروبين بالحجارة، أو من المشتومين.

( قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ) في وحيك ورسالتك. وهذا إظهار لـما يدعو عليهم لأجله، وهو تكذيب الحقّ، لا تخويفهم له واستخفافهم عليه.

( فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً ) من الفتاحة، وهي الحكومة. والفتّاح: الحاكم، لأنّه يفتح المستغلق. كما سمّي فيصل، لأنّه يفصل بين الخصومات.( وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) من العذاب النازل على الكفرة، ومن شؤم عملهم.

( فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ ) في السفينة( الْمَشْحُونِ ) المملوء. يقال: شحنت السفينة ملأتها. وشحنت البلد بالخيل ملأته. والفلك هنا واحد. وجمع في قوله تعالى:( وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ) (١) . فالواحد على وزن قفل، والجمع على وزن اسد.

( ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ ) إنجائه حينئذ ومن معه( الْباقِينَ ) الخارجين عن السفينة، الكافرين به.

( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ) شاعت وتواترت( وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ) في إهلاك قوم نوح بالغرق( الرَّحِيمُ ) في إنجائه نوحا ومن معه في الفلك.

__________________

(١) النحل: ١٤.

٤٠

السلام) قال: كان أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) يقول: من وجد ماءاً وتراباً ثمّ افتقر فأبعده الله.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك عموماً(١) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٢) .

١٠ - باب استحباب الغرس والزرع وسقي الطلح والسدر

[ ٢١٩٣١ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: لقي رجل أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) وتحته وسق(٣) من نوى فقال له: ما هذا يا أبا الحسن تحتك؟ فقال: مائة ألف عذق إنّ شاء الله قال: فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة.

[ ٢١٩٣٢ ] ٢ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: إنّ أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) كان يخرج ومعه أحمال النوى فيقال له: يا أبا الحسن، ما هذا معك؟ فيقول: نخل إنّ شاء الله فيغرسه فما يغادر منه واحدة.

[ ٢١٩٣٣ ] ٣ - محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى،

____________________

(١) تقدم في الباب ٤ من هذه الأبواب

(٢) يأتي في الباب ١٠، وفي الحديث ٢ من الباب ٢٠، وفي الأحاديث ١ - ٥ من الباب ٢٣ من هذه الأبواب

الباب ١٠

فيه ٥ أحاديث

١ - الكافي ٥: ٧٤ / ٦.

(٣) الوسق: مكيال يسع ستين صاعا، أو حمل بعير. ( الصحاح - وسق - ٤: ١٥٦٦ ).

٢ - الكافي ٥: ٧٥ / ٩.

٣ - التهذيب ٦: ٣٨٤ / ١١٣٨، وأورد نحوه عن الكافي في الحديث ٧ من الباب ٣ من أبواب المزارعة والمساقاة.

٤١

عن إبراهيم بن إسحاق، عن حسين بن أبي السري، عن الحسين بن إبراهيم(١) ، عن يزيد بن هارون الواسطي قال: سألت جعفر بن محمّد( عليه‌السلام ) عن الفلّاحين؟ فقال: هم الزارعون كنوز الله في أرضه، وما في الأعمال شيء أحبّ إلى الله من الزراعة، وما بعث الله نبياً إلّا زرّاعاً، إلا إدريس( عليه‌السلام ) فإنّه كان خياطاً.

[ ٢١٩٣٤ ] ٤ - العياشي في تفسيره عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) - في حديث - قال: من سقى طلحة أو سدرة فكأنّما سقى مؤمناً من ظمأ.

[ ٢١٩٣٥ ] ٥ - وعن الحسن بن ظريف، عن محمّد، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) في قول الله:( وَعَلَى الله فَلْيتوكّلِ الـمُتَوَكّلُونَ ) (٢) قال: الزارعون.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٣) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٤) .

____________________

(١) في المصدر: الحسن بن إبراهيم.

٤ - تفسير العياشي ٢: ٨٦ / ٤٤، وفيه عن يزيد بن عبد الملك، عن ابي عبدالله (عليه‌السلام )

٥ - تفسير العياشي ٢: ٢٢٢ / ٦.

(٢) إبراهيم ١٤: ١٢.

(٣) تقدم ما يدلّ على بعض المقصود في الباب ٩ من هذه الأبواب ، وفي الحديث ٣ من الباب ٣٠ من أبواب الاحتضار، وفي الحديثين ١، ٤ من الباب ٦ من أبواب آداب السفر، وفي الأحاديث ١، ٣، ٥ من الباب ٤٨ من أبواب أحكام الدواب.

(٤) يأتي في الباب ٢٤ من هذه الأبواب ، وفي الأبواب ٣، ٤، ٥ من أبواب المزارعة والمساقاة.

٤٢

١١ - باب استحباب المضاربة

[ ٢١٩٣٦ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن عذافر، عن أبيه، قال: أعطى أبو عبدالله( عليه‌السلام ) أبي ألفا وسبعمائة دينار، فقال له: اتّجر بها لي، ثمّ قال: أما إنه ليس لي رغبة في ربحها، وإنّ كان الربح مرغوبا فيه، ولكنّي أحببت إنّ يرإنّي الله عزّوجلّ متعرضاً لفوائده، قال: فربحت له فيه(١) مائة دينار، ثمّ لقيته فقلت له: قد ربحت لك فيه مائة دينار قال: ففرح أبو عبدالله( عليه‌السلام ) بذلك فرحاً شديداً، ثمّ قال: أثبتها(٢) في رأس مالي.

قال: فمات أبي والمال عنده، فأرسل إليّ أبو عبدالله( عليه‌السلام ) وكتب: عافانا الله وإيّاك إنّ لي عند أبي محمّد ألفا وثمانمائة دينار أعطيته يتجّر بها، فادفعها إلى عمر بن يزيد، قال: فنظرت في كتاب أبي فإذاً فيه: لابي موسى عندي ألف وسبعمائة دينار، واتّجر له فيها مائة دينار، وعبدالله بن سنان وعمر بن يزيد(٣) يعرفانه.

ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب مثله(٤) .

[ ٢١٩٣٧ ] ٢ - وعن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن

____________________

الباب ١١

فيه حديثان

١ - الكافي ٥: ٧٦ / ١٢.

(١) في نسخة من التهذيب: منها ( هامش المخطوط ) وكذلك الكافي، وفي التهذيب: فيها.

(٢) في التهذيب زيادة: لي ( هامش المخطوط ).

(٣) فيه أنّ عمر بن يزيد وكيل الصادق (عليه‌السلام ) ( منه. قده ).

(٤) التهذيب ٦: ٣٢٦ / ٨٩٨.

٢ - الكافي ٥: ٧٧ / ١٦.

٤٣

محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن عذافر، عن أبيه قال: دفع إليّ أبو عبدالله سبعمائة دينار، وقال: يا عذافر اصرفها في شيء أما على ذلك مابي شره(١) ، ولكنّي أحببت أن يراني الله متعرّضاً لفوائده.

قال عذافر: فربحت فيها مائة دينار فقلت له في الطواف: جعلت فداك قد رزق الله فيها مائة دينار، فقال: أثبتها في رأس مالي.

ورواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن عذافر(٢) .

أقول: وقد تقدم ما يدلّ على ذلك(٣) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٤) .

١٢ - باب استحباب الإِجمال في طلب الرزق، ووجوب الاقتصار على الحلال دون الحرام

[ ٢١٩٣٨ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعاً، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: قال رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) في حجة الوداع: ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي(٥) أنّه لا تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق إنّ تطلبوه بمعصية الله فإنّ الله تبارك وتعالى قسم الارزاق بين خلقه حلالاً، ولم يقسمها حراماً، فمن اتقّى الله

____________________

(١) في الفقيه: ما أفعل هذا على شره مني ( هامش المخطوط ).

(٢) الفقيه ٣: ٩٦ / ٣٦٨.

(٣) تقدم في الأبواب ١، ٤، ٦، ٧ من هذه الأبواب

(٤) يأتي ما يدلّ عليه عموماً في الأبواب ١٢، ١٨، ٢٣ من الأبواب

الباب ١٢

فيه ١٠ أحاديث

١ - الكافي ٥: ٨٠ / ١.

(٥) الروع بالضم: القلب والعقل ( الصحاح - روع - ٣: ١٢٢٣ ).

٤٤

وصبر أتاه الله برزقه من حلّه، ومن هتك حجاب الستر وعجّل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال، وحوسب عليه يوم القيامة.

ورواه المفيد في( المقنعة) مرسلاً إلى قوله: في الطلب (١) .

ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب إلى قوله: يوم القيامة(٢) .

[ ٢١٩٣٩ ] ٢ - وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: خطب رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) في حجة الوداع فقال: يا أيّها الناس ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به وما من شيء يقربكم من النار، ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، ألا وإنّ الروح الأمين نفث في روعي، وذكر مثله - إلى إنّ قال: - إنّ تطلبوه من غير حلّة فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته.

[ ٢١٩٤٠ ] ٣ - وعنهم، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم ابن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: ليس من نفس إلا وقد فرض الله لها رزقها حلالاً يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإنّ هي تناولت شيئاً من الحرام قاصّها من الحلال الّذي فرض لها، وعند الله سواهما فضل كثير، وهو قوله عزّوجلّ:( وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ ) (٣) .

[ ٢١٩٤١ ] ٤ - وبالإِسناد عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أحدهما

____________________

(١) المقنعة: ٩٠.

(٢) التهذيب ٦: ٣٢١ / ٨٨٠.

٢ - الكافي ٢: ٦٠ / ٢، وأورد ذيله في الحديث ٢ من الباب ١٨ من أبواب جهاد النفس.

٣ - الكافي ٥: ٨٠ / ٢.

(٣) النساء ٤: ٣٢.

٤ - الكافي ٥: ٨٠ / ٣.

٤٥

( عليهما‌السلام ) قال: قال رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) : يا أيها الناس إنّه قد نفث في روعي روح القدس، إنّه لن تموت نفس حتّى تستوفي رزقها وإن أبطأ عليها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّكم استبطاء شيء ممّا عند الله إنّ تصيبوه بمعصية الله، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلا بالطاعة.

وعنهم عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) نحوه(١) .

[ ٢١٩٤٢ ] ٥ - وعن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة قال: قال أبو عبدالله( عليه‌السلام ) : لو كان العبد في جحر لاتاه رزقه، فأجملوا في الطلب.

[ ٢١٩٤٣ ] ٦ - وعن عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عمر بن أبي زياد، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: إنّ الله عزّوجلّ خلق الخلق، وخلق معهم أرزاقهم حلالاً، فمن تناول شيئاً منها حراماً قص به من ذلك الحلال.

[ ٢١٩٤٤ ] ٧ - محمّد بن على بن الحسين بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه( عليهم‌السلام ) عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) - في حديث المناهي - قال: من لم يرض بما قسمه الله له الرزق، وبث شكواه ولم يصبر ولم يحتسب، لم ترفع له حسنة، ويلقى الله وهو عليه غضبإنّ إلّا أن يتوب.

____________________

(١) الكافي ٥: ٨٣ / ١١.

٥ - الكافي ٥: ٨١ / ٤.

٦ - الكافي ٥: ٨١ / ٥.

٧ - الفقيه ٤: ٧ / ١.

٤٦

[ ٢١٩٤٥ ] ٨ - وفي( المجالس) عن أبيه، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، عن أبي عبدالله عن آبائه( عليهم‌السلام ) عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) أنه قال: إنّ الروح الأمين جبرئيل أخبرني عن ربي أنه لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، وأعلموا إنّ الرزق رزقان: فرزق تطلبونه، ورزق يطلبكم، فاطلبوا أرزاقكم من حلال، فإنّكم إنّ طلبتموها من وجوهها أكلتموها حلالاً، وإنّ طلبتموها من غير وجوهها أكلتموها حراماً، وهي أرزاقكم لا بدّ لكم من أكلها.

[ ٢١٩٤٦ ] ٩ - محمّد بن محمّد المفيد في( المقنعة) قال: قال الصادق( عليه‌السلام ) : الرزق مقسوم على ضربين: أحدهما واصل إلى صاحبه وإنّ لم يطلبه والآخر معلق بطلبه، فالّذي قسم للعبد على كلّ حال آتيه وإنّ لم يسع له، والّذي قسم له بالسعي فينبغي إنّ يلتمسه من وجوهه، وهو ما أحلّه الله له دون غيره، فإنّ طلبه من جهة الحرام فوجده، حسب عليه برزقه وحوسب به.

[ ٢١٩٤٧ ] ١٠ - محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي في( كنز الفوائد) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : الدنيا دول فاطلب حظّك منها بأجمل الطلب.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٢) .

____________________

٨ - أمالي الصدوق: ٢٤١ / ١.

٩ - المقنعة: ٩٠.

١٠ - كنز الفوائد: ١٦.

(١) تقدم في الباب ٨ من هذه الأبواب ، وفي الباب ٦٣ من أبواب جهاد النفس.

(٢) يأتي في الباب ١٣ من هذه الأبواب ، وفي الحديثين ٦، ٧ من الباب ٦٧ من أبواب ما يكتسب به.

٤٧

١٣ - باب استحباب الاقتصاد في طلب الرزق

[ ٢١٩٤٨ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع بن محمّد المسلي، عن عبدالله بن سليمان قال: سمعت أبا عبدالله( عليه‌السلام ) يقول: إنّ الله عزّوجلّ وسع في أرزاق الحمقى، ليعتبر العقلاء، ويعلموا أنّ الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة.

ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى مثله(١) .

[ ٢١٩٤٩ ] ٢ - وعن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد رفعه قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : كم من متعب نفسه مقتر عليه، ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير؟

[ ٢١٩٥٠ ] ٣ - وعنه، عن ابن فضّال، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه، المطمئن إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف(٢) المتعفّف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف، وتكسب ما لابد(٣) منه، إنّ الّذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال لهم.

____________________

الباب ١٣

فيه ٦ أحاديث

١ - الكافي ٥: ٨٢ / ١٠.

(١) التهذيب ٦: ٣٢٢ / ٨٨٤.

٢ - الكافي ٥: ٨١ / ٦.

٣ - الكافي ٥: ٨١ / ٨.

(٢) في نسخة: النصف ( هامش المخطوط ).

(٣) في نسخة زيادة: للمؤمن ( هامش المخطوط ).

٤٨

ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن أبي عبدالله مثله(١) .

[ ٢١٩٥١ ] ٤ - وعنه، عن ابن جمهور، عن أبيه رفعه، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: كان أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) كثيراً ما يقول: اعلموا علماً يقيناً إنّ الله جل وعز لم يجعل للعبد وإنّ اشتد جهده، وعظمت حيلته، وكثرت مكائده(٢) ، إنّ يسبق ما سمّى له في الذكر الحكيم، ولم يخل(٣) من العبد في ضعفه وقلة حيلته إنّ يبلغ ما سمّى له في الذكر الحكيم.

أيها الناس إنّه لن يزداد أمرؤ نقيراً بحذقه، ولن(٤) ينقص امرؤ نقيراً لحمقه، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته، والعالم لهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته، ورب منعم عليه مستدرج بالاحسإِن إليه، وربّ مغرور في الناس مصنوع له، فابق(٥) أيّها الساعي عن سعيك، وقصر من عجلتك، وانتبه من سنة غفلتك، وتفكر فيما جاء عن الله عزّوجلّ على لسان نبيه( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) ، واحتفظوا بهذه الحروف السبعة فإنّها من قول أهل الحجّى، ومن عزائم الله في الذكر الحكيم أنه ليس لأحد إنّ يلقى الله بخلة من هذه الخلال: الشرك بالله فيما افترض عليه، أو إشفاء غيظه بهلاك نفسه، أو إقرار بأمر يفعل غيره، أو يستنجح إلى مخلوق بإظهار بدعة في دينه، أو يسرّه أن يحمده الناس بما لم يفعل، والمتجبر المختال وصاحب الاُبهة والزهو.

أيّها الناس إن السباع همتّها التعدي، وإنّ البهائم همتها بطونها، وإنّ

____________________

(١) التهذيب ٦: ٣٢٢ / ٨٨٢.

٤ - الكافي ٥: ٨١ / ٩.

(٢) في المصدر: مكابدته.

(٣) في المصدر: يحل.

(٤) في نسخة: ولم ( هامش المخطوط ) وكذلك الكافي.

(٥) في نسخة: فاتق الله ( هامش المخطوط )، وفي الكافي: فأفق.

٤٩

النساء همّتهن الرجال، وإن المؤمنين مشفقون خائفون وجلون، جعلنا الله وإيّاكم منهم.

ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب نحوه(١) .

[ ٢١٩٥٢ ] ٥ - محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) - في وصيّته لمحمّد بن الحنفية - قال: يا بني الرزق رزقإنّ رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإنّ لم تأته أتاك فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك، وكفاك كل يوم ما هو فيه، فإنّ تكن السنة من عمرك، فإنّ الله عزّ وجلّ سيأتيك في كل غد بجديد ما قسم لك، وإنّ لم تكن السنة من عمرك، فما تصنع بهم وغم ما ليس لك.

واعلم أنّه لن يسبقك إلى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب، ولن يحتجب عنك ما قدّر لك، فكم رأيت من طالب متعب نفسه، مقترّ عليه رزقه، ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير، وكلّ مقرون به الفناء.

[ ٢١٩٥٣ ] ٦ - الحسن بن محمّد الطوسي في( مجالسه) عن أبيه، عن محمّد بن محمّد بن النعمان، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن صالح بن حمزة، عن الحسين بن عبدالله، عن سعد بن طريف (٢) ، عن الأصبغ بن نباتة إنّ أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) قال لاصحابه: إعلموا يقيناً أن الله تعالى لم يجعل للعبد وإنّ عظمت حيلته، واشتدَّ طلبه، وقويت مكائده، أكثر ممّا سمى له في الذكر الحكيم، فالعارف بهذا العاقل له أعظم الناس راحة في منفعته، والتارك له أعظم الناس شغلاً في مضرّته، والحمد لله رب العالمين، وربّ منعم عليه

____________________

(١) التهذيب ٦: ٣٢٢ / ٨٨٣.

٥ - الفقيه ٤: ٢٧٦ / ٨٣٠.

٦ - أمالي الطوسي ١: ١٦٤.

(٢) في المصدر: سعد بن ظريف.

٥٠

مستدرج، وربّ مبتلي عند الناس مصنوع له، فأبق أيّها المستمع من سعيك، وقصّر من عجلتك، واذكر قبرك ومعادك، فإنّ إلى الله مصيرك، وكما تدين تدان.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٢) .

١٤ - باب استحباب الدعاء في طلب الرزق، والرجاء للرزق من حيث لا يحتسب

[ ٢١٩٥٤ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه، عن صفوان، عن محمّد بن الهزهاز(٣) ، عن عليّ بن السري قال: سمعت أبا عبدالله( عليه‌السلام ) يقول: إنّ الله جل وعز جعل أرزاق المؤمنين من حيث لم يحتسبوا، وذلك أنّ العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه.

ورواه الصدوق مرسلاً(٤) .

ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى مثله(٥) .

____________________

(١) تقدم في الباب ١٢ من هذه الأبواب

(٢) يأتي في الباب ١٦ من هذه الأبواب

الباب ١٤

فيه ٩ أحاديث

١ - الكافي ٥: ٨٤ / ٤ وأورده عن أمالي الصدوق والتوحيد في الحديث ٢ من الباب ٤٨ من أبواب الدعاء.

(٣) في التهذيب: محمّد بن أبي الهزهاز ( هامش المخطوط ) وكذلك الكافي.

(٤) الفقيه ٣: ١٠١ / ٣٩٥.

(٥) التهذيب ٦: ٣٢٨ / ٩٠٥.

٥١

[ ٢١٩٥٥ ] ٢ - وعنهم، عن سهل بن زياد، عن العباس بن عامر، عن أبي عبد الرحمن المسعودي، عن حفص بن عمر قال: شكوت إلى أبي عبدالله( عليه‌السلام ) حالي، وانتشار أمري عليّ، فقال لي: إذا قدمت الكوفة فبع وسادة من بيتك بعشرة دراهم، وادع إخوانك، وأعدّ لهم طعاماً، وسلهم يدعون الله لك.

قال: ففعلت، وما امكنني ذلك حتّى بعت وسادة، وأعدت طعاما كما أمرني، وسألتهم يدعون الله لي قال: فوالله ما مكثت إلا قليلاً حتّى أتاني غريم لي، فدق الباب علي، وصالحني عن مال كثير كنت احسبه نحواً من عشرة آلاف(١) ثمّ أقبلت الاشياء عليّ.

[ ٢١٩٥٦ ] ٣ - وعنهم، عن أحمد، عن عليّ بن محمّد القاساني، عمّن ذكره، عن عبدالله بن القاسم، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن جده( عليهم‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنّ موسى بن عمرإنّ( عليه‌السلام ) خرج يقتبس نارا لأهله، فكلمه الله ورجع نبيا. وخرجت ملكة سبا فأسلمت مع سليمان. وخرجت سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين.

ورواه الصدوق مرسلاً(٢) .

ورواه أيضاً بإسناده عن محمّد بن أبي عمير، عن عبدالله بن القاسم مثله(٣) .

____________________

٢ - الكافي ٥: ٣١٤ / ٤٢.

(١) في المصدر زيادة: درهم.

٣ - الكافي ٥: ٨٣ / ٣.

(٢) الفقيه ٣: ١٠١ / ٣٩٦.

(٣) الفقيه ٤: ٢٨٤ / ٨٥٠.

٥٢

[ ٢١٩٥٧ ] ٤ - وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي جميلة قال: سمعت أبا عبدالله( عليه‌السلام ) يقول: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنّ موسى( عليه‌السلام ) ذهب يقتبس لاهله ناراً فانصرف اليهم وهو نبي مرسل.

[ ٢١٩٥٨ ] ٥ - وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخرّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: أبى الله عزّوجلّ إلا إنّ يجعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون.

[ ٢١٩٥٩ ] ٦ - وعن عليّ بن محمّد، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر، عن عبدالله بن حماد، عن عمر بن يزيد قال: أتى رجل أبا عبدالله( عليه‌السلام ) يقتضيه وأنا عنده فقال له: ليس عندنا اليوم شيء، ولكنه يأتينا خطر(١) ووسمة فيباع ونعطيك إنشاء الله، فقال له الرجل: عدني، فقال: كيف أعدك وأنا لما لا أرجو أرجى منّي لما أرجو.

[ ٢١٩٦٠ ] ٧ - محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن جميل بن دراج، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: ما سدّ الله عزّوجل على مؤمن باب رزق إلا فتح الله له ما هو خير منه.

[ ٢١٩٦١ ] ٨ - قال: وقال رجل لابي الحسن موسى( عليه‌السلام ) : عدني، فقال: كيف أعدك وأنا لما لا أرجو أرجى منّي لما أرجو.

[ ٢١٩٦٢ ] ٩ - عبدالله بن جعفر في( قرب الإِسناد) عن الحسن بن

____________________

٤ - الكافي ٥: ٨٣ / ٢.

٥ - الكافي ٥: ٨٣ / ١.

٦ - الكافي ٥: ٩٦ / ٥.

(١) الخطر: نبات يخضّب به ( الصحاح - خطر - ٢: ٦٤٨ ).

٧ - الفقيه ٣: ١٠١ / ٣٩٨.

٨ - الفقيه ٣: ١٠١ / ٣٩٧.

٩ - قرب الإسناد: ٥٥ وأورده في الحديث ٣ من الباب ٤٨ من أبواب الدعاء.

٥٣

ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه قال: قال رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ) : إنّ الرزق ينزل من السماء إلى الارض على عدد قطر المطر إلى كل نفس بما قدر لها، ولكن لله فضول، فاسئلوا الله من فضله(١) .

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك في الدعاء(٢) .

١٥ - باب استحباب التعرض للرزق، بفتح الباب، والجلوس في الدكان، وبسط البساط

[ ٢١٩٦٣ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عبد الرحمن بن حماد، عن زياد القندي، عن حسين الصحاف، عن سدير قال: قلت لأبي عبدالله( عليه‌السلام ) : أيّ شيء

____________________

(١) لمؤلفه:

وحازم ليس له مطمع

إلّا من الله كما قد يجب

لأجل هذه قد غدا رزقه

جميعه من حيث لا يحتسب

وله:

كم حريص رماه الحرص في شعب

منها إلى أشعب الأطماع تنشعب

في كل شيء من الدنيا له أمل

فرزقه كلّه من حيث يحتسب

وينسب لأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) :

أيها العبد كن لما ليس ترجو

راجياً مثل ما له أنت راجِ

إنّ موسى مضى ليقتبس ناراً

من شهاب رآه والليل داجِ

فأتى أهله وقد كلم الله

وناجاه وهو خير مناجِ

فكذا العبد كلما جاءه الكرب

حباه الإِله بالانفراج

( منه قده )

(٢) تقدم في الحديث ٢ من الباب ٧ من هذه الأبواب ، وفي البابين ٤٨، ٤٩ من أبواب الدعاء.

الباب ١٥

فيه ٤ أحاديث

١ - الكافي ٥: ٧٩ / ١.

٥٤

على الرجل في طلب الرزق؟ فقال: إذاً فتحت بابك، وبسطت بساطك، فقد قضيت ما عليك.

ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن خالد(١) .

ورواه الصدوق بإسناده عن سدير الصيرفي مثله(٢) .

[ ٢١٩٦٤ ] ٢ - وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عمّن ذكره، عن الطيار قال: قال لي أبو جعفر( عليه‌السلام ) : أيّ شيء تعالج؟ أيّ شيء تصنع؟ قلت: ما أنا في شيء، قال: فخذ بيتاً واكنس فناه ورشه وابسط فيه بساطاً، فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما(٣) عليك، قال: فقدمت ففعلت فرزقت.

[ ٢١٩٦٥ ] ٣ - وعنه، عن أحمد، عن ابن فضّال، عن أبي عمارة الطيار قال: قلت لابي عبدالله( عليه‌السلام ) : إنّه قد ذهب مالي وتفرّق ما في يدي، وعيالي كثير، فقال أبو عبدالله( عليه‌السلام ) : إذا قدمت(٤) فافتح باب حانوتك، وابسط بساطك، وضع ميزانك، وتعرض لرزق ربّك الحديث.

وفيه: أنّه فعل ذلك فأثرى وصار معروفاً.

ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن الحسن بن علي، عن أبي عمّارة بن الطيار مثله(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٦: ٣٢٣ / ٨٨٦.

(٢) الفقيه ٣: ١٠٠ / ٣٩٤.

٢ - الكافي ٥: ٧٩ / ٢.

(٣) في المصدر زيادة: وجب.

٣ - الكافي ٥: ٣٠٤ / ٣.

(٤) في المصدر زيادة: الكوفة.

(٥) التهذيب ٧: ٤ / ١٣.

٥٥

[ ٢١٩٦٦ ] ٤ - وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: كان رجل من أصحابنا بالمدينة فضاق ضيقا شديدا واشتدت حاله، فقال له أبو عبدالله( عليه‌السلام ) : إذهب فخذ حانوتا في السوق، وابسط بساطا فليكن عندك جرّة ماء(١) والزم باب حانوتك.

ثمّ ذكر أنّه فعل ذلك وصبر فرزقه الله وكثر ماله وأثرى.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك في أحاديث ترك التجارة(٢) ، وغير ذلك(٣) .

١٦ - باب كراهة زيادة الاهتمام بالرزق

[ ٢١٩٦٧ ] ١ - الحسن بن محمّد الطوسي في( مجالسه) عن أبيه، عن أبي محمّد الفحام، عن محمّد بن عيسى بن هارون، عن إبراهيم بن عبد الصمد، عن أبيه، عن جده قال: قال سيدنا الصادق( عليه‌السلام ) : من اهتم لرزقه كتب عليه خطيئة، إنّ دانيال كان في زمن جبار عات أخذه فطرحه في جبّ، وطرح فيه السباع، فلم تدن منه ولم تجرحه، فأوحى الله إلى نبي من أنبيائه: إنّ ائت دانيال بالطعام قال: يا ربّ وأين دانيال؟ قال: تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فاتّبعه فإنّه يدلك عليه، فأتى به الضبع إلى ذلك الجبّ، فإذا دانيال، فأدلى إليه الطعام، فقال دانيال: الحمد لله الّذي

____________________

٤ - الكافي ٥: ٣٠٩ / ٢٥.

(١) في المصدر: من ماء.

(٢) تقدم في الحديث ١١ من الباب ٢ من هذه الأبواب

(٣) تقدم في الباب ١١ من هذه الأبواب

الباب ١٦

فيه حديثان

١ - أمالي الطوسي ١: ٣٠٦.

٥٦

لا ينسى من ذكره(١) ، الحمد لله الذي يجزي بالإِحسان إحساناً، وبالصبر نجاة، ثمّ قال الصادق( عليه‌السلام ) : إنّ الله أبى إلّا إنّ يجعل أرزاق المتّقين من حيث لا يحتسبون، ولا يقبل لاوليائه شهادة في دولة الظالمين.

[ ٢١٩٦٨ ] ٢ - محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بن عبدالله القمي، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه، عن إسماعيل القصير، عمّن ذكره، عن أبي حمزة الثمالي قال: ذكر عند عليّ بن الحسين( عليه‌السلام ) غلاء السعر فقال: وما عليّ من غلائه، إنّ غلا فهو عليه، وإنّ رخص فهو عليه.

ورواه الصدوق بإسناده عن أبي حمزة الثمالي(٢) .

ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن أبي عبدالله(٣) .

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٤) ويأتي ما يدلّ عليه(٥) .

١٧ - باب كراهة كثرة النوم والفراغ

[ ٢١٩٦٩ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن

____________________

(١) في المصدر زيادة: والحمد لله الّذي لا يخيب من دعاه، الحمد لله الّذي من توكل عليه كفاه، الحمد لله الّذي من وثق به لم يكله إلى غيره.

٢ - الكافي ٥: ٨١ / ٧، وأورده في الحديث ٢ من الباب ٣ من هذه الأبواب ، وعن الفقيه والتوحيد في الحديث ٤ من الباب ٣٠ من أبواب آداب التجارة.

(٢) الفقيه ٣: ١٧٠ / ٧٥٦.

(٣) التهذيب ٦: ٣٢١ / ٨٨١.

(٤) تقدم في البابين ١٢، ١٣ من هذه الأبواب ، وفي الحديثين ١، ٥ من الباب ٧، وفي الباب ٦٤ من أبواب جهاد النفس.

(٥) يأتي في الأحاديث ٣، ٦، ٧ من الباب ٦٧ من أبواب ما يكتسب به.

الباب ١٧

فيه ٤ أحاديث

١ - الكافي ٥: ٨٤ / ٣.

٥٧

محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن سنان، عن عبدالله بن مسكان وصالح النيلي جميعاً، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: إنّ الله عزّوجلّ يبغض كثرة النوم، وكثرة الفراغ.

[ ٢١٩٧٠ ] ٢ - وعنهم، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا.

[ ٢١٩٧١ ] ٣ - وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عمّن ذكره، عن بشير الدهان قال: سمعت أبا الحسن موسى( عليه‌السلام ) يقول: إنّ الله عزّوجلّ يبغض العبد النوّام الفارغ.

[ ٢١٩٧٢ ] ٤ - محمّد بن عليّ بن الحسين قال: قال أبوالحسن موسى بن جعفر( عليه‌السلام ) إنّ الله تعالى ليبغض العبد النوّام، إنّ الله ليبغض العبد الفارغ.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على كراهة كثرة النوم في التعقيب(١) .

١٨ - باب كراهة الكسل (*) في اُمور الدنيا والآخرة

[ ٢١٩٧٣ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر

____________________

٢ - الكافي ٥: ٨٤ / ١.

٣ - الكافي ٥: ٨٤ / ٢.

٤ - الفقيه ٣: ١٠٣ / ٤٢٢.

(١) تقدم في الحديث ٩ من الباب ٤٠ من أبواب التعقيب.

الباب ١٨

فيه ٨ أحاديث

* - الكسل: التثاقل في الأمر ( الصحاح - كسل - ٥: ١٨١٠ ).

١ - الكافي ٥: ٨٥ / ٤.

٥٨

( عليه‌السلام ) قال: إنّي لابغض الرجل أو أبغض للرجل إنّ يكون كسلاناً عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل.

[ ٢١٩٧٤ ] ٢ - وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن زرارة، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: من كسل عن طهوره وصلاته فليس فيه خير لامر آخرته، ومن كسل عمّا يصلح به أمر معيشته فليس فيه خير لامر دنياه.

[ ٢١٩٧٥ ] ٣ - وعنه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدّة بن صدقة قال: كتب أبو عبدالله( عليه‌السلام ) إلى رجل من أصحابه: أمّا بعد فلا تجادل العلماء، ولا تمار السفهاء، فيبغضك العلماء ويشتمك السفهاء، ولا تكسل عن معيشتك فتكون كلّاً على غيرك.

أو قال: على أهلك.

[ ٢١٩٧٦ ] ٤ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: عدو العمل الكسل.

[ ٢١٩٧٧ ] ٥ - وعنهم، عن سهل، عن ابن محبوب، عن سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى( عليه‌السلام ) قال: قال أبي لبعض ولده: إيّاك والكسل والضجر فإنّهما يمنعانك من حظك من الدنيا والاخرة.

ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب(١) .

____________________

٢ - الكافي ٥: ٨٥ / ٣.

٣ - الكافي ٥: ٨٦ / ٩.

٤ - الكافي ٥: ٨٥ / ١.

٥ - الكافي ٥: ٨٥ / ٢، وأورده في الحديث ١، وتمامه عن السرائر في الحديث ٤ من الباب ٦٦، وصدره في الحديث ٧ من الباب ١٩ من أبواب جهاد النفس، وقطعة منه في الحديث ٨ من الباب ٨٣ من أبواب أحكام العشرة.

(١) الفقيه ٤: ٢٩٢ / ٨٨٢.

٥٩

ورواه إبن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب مثله(١) .

[ ٢١٩٧٨ ] ٦ - وعنهم، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن صالح بن عمر، عن الحسن بن عبدالله، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: لا تستعن بكسلان، ولا تستشيرن عاجزاً.

[ ٢١٩٧٩ ] ٧ - وعن عليّ بن محمّد رفعه قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : إنّ الاشياء لـمّا ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتجا بينهما الفقر(٢) .

[ ٢١٩٨٠ ] ٨ - محمّد بن عليّ بن الحسين، بإسناده عن حماد اللحام، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام ) قال: لا تكسلوا في طلب معائشكم، فإنّ آباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك في جهاد النفس(٣) ، وفي مقدّمة العبادات(٤) ، ويأتي ما يدلّ عليه(٥) .

____________________

(١) مستطرفات السرائر: ٨٠ / ٩.

٦ - الكافي ٥: ٨٥ / ٦.

٧ - الكافي ٥: ٨٦ / ٨.

(٢) قد نظم المعرّي هذا المعنى فقال:

ألم تر أنّ العجز قد زوّج ابنه

ببنت التواني ثمّ أنقدها مهرا

فراشاً وطيّاً ثمّ قال لها ارقُدي

فإنّكما لا بدّ أن تولدا فقرا

( منه. قده )

٨ - الفقيه ٣: ٩٥ / ٣٦٣.

(٣) تقدم في الباب ٦٦ من أبواب جهاد النفس.

(٤) تقدم في الحديث ٤ من الباب ٢٨ من أبواب مقدمة العبادات، وفي الحديث ٦ من الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء، وفي الحديث ٤ من الباب ٣ من أبواب أفعال الصلاة.

(٥) يأتي في الباب ١٩ من هذه الأبواب

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483