فاطمة الزهراء عليها السلام أم السبطين

فاطمة الزهراء عليها السلام أم السبطين27%

فاطمة الزهراء عليها السلام أم السبطين مؤلف:
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: ISBN: 964-7373-14-7
الصفحات: 214

  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46651 / تحميل: 6996
الحجم الحجم الحجم
فاطمة الزهراء عليها السلام أم السبطين

فاطمة الزهراء عليها السلام أم السبطين

مؤلف:
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
ISBN: ISBN: ٩٦٤-٧٣٧٣-١٤-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

السباق في الاسلام

الدكتور ، وهو يلتفت نحو الشيخ ، قال : تذكر انك قلت بأن الاسلام دين جامع ، وان قوانينه شملت حتىٰ السباق ، هل كلامك ذلك حقيقة أم مزحة ؟

الشيخ : لم يكن ذلك مزحة ، ففي الفقه الاسلامي ، هناك كتاب بعنوان السبق والرماية ، يتحدّث في مجموعة من قوانين السباق ، حتىٰ انه اقرّ جوائز للفائزين.

والسباقات في الاسلام مع انها اعمال رياضية وترويحية تماماً ، فهي توجد روح الشجاعة والشهامة عند الاشخاص ، فالسباق في الاسلام هو اسلوب صحيح واساسي لتربية جندي شجاع ومقاتل.

والسباقات في الاسلام هادفة ، وليست مجرد احتراف ، فسباق الرماية والفروسية في الاسلام ، هما سباقان حقيقيان ، لكنهما في الوقت نفسه ، يربيان رجالاً شجعان وشباباً مقاتلين وسباقاتهما ليست كما في سباقات عالم اليوم.

فصاح الرفاق جميعاً : أيُّها العم ! هنا لم تكن منصفاً ، لان عالم اليوم جدير بالاحترام والتقدير من حيث الرياضات المفيدة والسباقات الصحيحة التي نراها فيه !

الشيخ : ما يدعوني للأسف كثيراً ، هو أن ارىٰ العديد من المثقفين

٤١

والمتعلمين ايضاً ، لا يستطيعون معرفة حقيقة الظواهر الاستعمارية المعاصرة من خلف اقنعتها التي تتستر بها ، ومواجهة الحقيقة كما هي بعيداً عن الضجيج الاعلامي الخادع الذي يحيط بها.

وللأسف ، نشاهد في عالمنا المعاصر ، هذه الحقيقة المرّة وهي ان الألعاب الرياضية والسباقات اصحبت وسائل واوراق ضغط بيد القوىٰ الاستعمارية ، فتشغل الشباب المستعد عن الالتفات الىٰ اصل القضايا والمسائل المهمة في الحياة ، فضلاً عن الأموال الباهضة التي تصرفها الدول في هذه المجالات لتربية ابطال ومحترفين ، في حين ان شعوبهم يعانون من الفقر والمشاكل الاقتصادية الاخرىٰ.

وان جميع ما ذكرناه يرجع الىٰ طرف واحد من العملة ، أي الالعاب التي يمكن ان تسمىٰ صحيحة ، اما الوجه الآخر لهذه العملة ، فلا يكن تسميتها الّا « أعمال وحشية وخيانة » مثل : الملاكمة والمصارعة و ، تشاهدون في التلفاز وتقرأون في الصحف ، انهم يدعون اثنين من الشباب الاقوياء ، والاصحاء باسم سباق الملاكمة ، فيبدأون بتوجيه ضربات ولكمات الىٰ جسدي بعضهما امام أعين آلاف المشاهدين مباشرة وملايين آخرين من خلال التلفاز ، وبعد عدة ادوار من الدماء والآلام ، يعلن احدهما فائزاً علىٰ الآخر ، وتقدم له جوائز تقدّر بملايين الدولارات ، لكي يرغب وبحث من جديد علىٰ علىٰ جريمة اخرىٰ. فهل شاهدتم ، حتىٰ في العصر الحجري ( سوىٰ في تاريخ العبيد الذين يقاتلون حتىٰ الموت ) ان يصفق للمجرم ، ويرغَّب علىٰ جريمة اُخرىٰ بالجوائز التي تعطىٰ له علىٰ جريمته الاُولىٰ ؟!

٤٢

فهل يمكن تسمية ذلك غير الجريمة ؟! وهل هذه وسائر الأعمال الوحشية الاُخرى ، مثل المصارعة ، نماذج للسباقات المفيدة والصحيحة !! الموجودة في عالمنا ، في حين ان الناس لا يسمحون لانفسهم النظر في حقيقتها الاستعمارية ، لأنها جاءت الينا باسم الحضارة والعصر الذهبي وعصر الذرّة !

حسن ، طالب الطب : صحيح ما تقوله ياعمّ ، هناك من السباقات والالعاب الرياضية اليوم ، كما وصفتها لكننا وللأمانة لا يمكننا انكار الالعاب المفيدة والصحية التي تمارس اليوم ، وهي مفيدة جداً لسلامة الجسم وقوة الاشخاص.

الشيخ : اساساً ، هذه الالعاب الصحيحة التي ذكرتها ، ليست جذابة ، والحقيقة هي ان الرياضات الحديثة المفيدة أيضاً لم تستطع ان تلعب دوراً مؤثراً في تقوية الشباب ، في حين ان مجموعة الالعاب الشعبية التي كان الناس يمارسونها بالامس اكثر تأثيراً في تقوية العضلات وتربية شباب اصحاء.

هنا ، نورد كلاماً من العالم الفرنسي الدكتور الكسيس كارل ، يقول الدكتور كارل في احدىٰ كتاباته :

( هناك اختلاف في الالعاب الحديثة رغم تنوعها مع الالعاب القديمة ولابدّ من الاشارة الىٰ ان طول اعمار الرياضيين والانسان الحديث لا يزيد علىٰ اعمار الناس السابقين ، ولربما كانت اقصر منها ، كما ان قدرتهم في مواجهة الصعوبات ليست اكبر من الماضيين ، ولربما يمكننا القول ان الاشخاص الذين يستفيدون اليوم من تجارب الماضين في تقوية عضلاتهم واجسامهم اكثر

٤٣

نجاحاً من غيرهم واقوىٰ في مواجهة الاعمال الشاقة وتغيرات الطقس ، في حين ان رياضيينا المعاصرين ومع مراعاتهم للاُمور الطبية في النوم والأكل والتمرين اليومي الّا ان اعصابهم تضعف يوماً بعد يوم ويصبحون حساسين اكثر فلا يطيقون الاضطرابات العادية ولا الصعوبات التي تواجههم في العمل ، وبهذا كأنما فوز ونجاح التربية الحديثة أيضاً ليس كبيراً كما يرىٰ في الوهلة الاُولىٰ )(1) .

هذا اعتراف احد كبار علماء اوروبا فيما يخص الالعاب الصحيحة والتمارين المفيدة في عالمنا المعاصر ، في حين ان اعمالهم الوحشية الاخرىٰ ، مثل : المصارعة أو الملاكمة وما شابهها ، لها حسابها الخاص.

اصدقائي الاعزاء !

نعود الىٰ موضوعنا السابق ، الىٰ ما قبل الف والربعمائة عام ، أي الىٰ ذلك العالم المظلم الذي لم يصله بصيص من العلم والمعرفة ، ففي تلك البيئة المتخلفة ، يظهر فرد اُمي يقدم للبشرية قوانيناً واحكاماً في جميع مجالات حياتها في السباق والرياضة ، أليس ذلك غريباً وأليست هذه معجزة ؟!

أليس من الحق ، ان يخضع له ويستسلم امامه العديد من كبار علماء العالم ، لكونه انساناً فذاً ورجلاً لم ترَ البشرية مثله علىٰ مرِّ تاريخها ؟!

________________

(1) الانسان ذلك المجهول.

٤٤

ارض الجزيرة العربية

الدكتور : الحقيقة ان مثل هذا الرجل فذّ لا نظير له ، بشهادة التاريخ وجميع أدوار العالم ، حتىٰ في الدول المتطورة والبلدان التي كانت مهد العلم والمعرفة ، فضلاً عن أرض الحجاز القاحلة.

الشيخ : أجل ، ذلك الحدث عجيب ، خاصة في بيئة مثل الجزيرة العربية ، لأن البيئة لها تأثير كبير في تربية الافكار ، وهذا الموضوع ، اي الكلام عن اوضاع الجزيرة العربية من الناحية الاجتماعية ، هو المبحث الثاني ، الذي وعدتكم بالحديث عنه.

سعادة الدكتور ، تعلمون جيداً دور البيئة في تربية الافكار ونمو العقول وتأهيل اشخاص نوابغ ، فبعض المناطق تنمي خصال معينة في الانسان.

اما الجزيرة العربية ، فهي صحراء جرداء لاذعة ، جعلت شدّة الحرارة الحياة فيها صعبة للغاية ، وهي بيئة جهل وخرافة ، لا نجد في تاريخها الكثير من العلماء والنوابغ ، فنتاجها يعد من النماذج السلبية في عالم الانسانية ، كانوا يعدون من ابطال التوحش والبربرية ، ومن مثل تلك البيئة ظهر رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي اختار الله لهداية البشرية وارشادها.

أجل ، لقد عاش الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك البيئة ، بين اولئك الذين كان وأد البنات من اعمالهم العادية ـ وتعلمون أيُّها الدكتور ـ ان الذي يكبر في بيئة

٤٥

معينة ، لابدّ وان يصطبغ بلونها فلا يمكنه ان يتجاوز آداب الناس واخلاقياتهم.

يقول الدكتور الكسيس كارل في هذا الصدد :

( قوة وضعف الظواهر النفسية في كل شخص تحدده بيئته النفسية ، فاذا كانت البيئة فقيرة ، لا ينمو بها ذكاؤه وحسن اخلاقه ، وإذا كانت البيئة سيئة ، فستكون تصرفاته كذلك.

فنحن في بيئتنا الاجتماعية نمثل الخلايا في داخل جسم الانسان ، فلا تستطيع تلك الخلايا تجاوز الظروف المحيطة ، فأعضاء الانسان تستطيع حفظه امام الهجمات المادية اكثر مما يحافظ عليه الشعور امام المحيط النفسي ، لأن عناصر الهجوم المادي تواجه الجلد كجدار محافظ للجسد وتواجه ايضاً افرازات الغدد المترشحة داخلياً وخارجياً ، في حين ان الحدود الشعورية علىٰ العكس ، مفتوحة علىٰ الدوام ، والروح الانسانية معرضة باستمرار لهجوم انواع العوامل الفكرية والروحية والاجتماعية التي تأتي من البيئة ، فتتكون شخصية علىٰ اساس طبيعتها ، اما صحيحة وسليمة أو مريضة وغير مستوية )(1) .

ويقول ايضاً في بحث آخر :

( بلا أدنىٰ شك يتأثر الفرد بالاشخاص الذين يعيش معهم فإذا كان معاشراً المجرمين والجهلة منذ الصغر ، فإنه سيكون ايضاً في المستقبل مجرماً أو جاهلاً ).

وعلىٰ اساس حساباتنا الطبيعية والعلمية ، فرجل مثل رسول الاسلام

________________

(1) المصدر نفسه.

٤٦

عاش اربعين سنة بين هؤلاء القوم المجرمين والمعطشين للدماء ، القوم الذين كان الشراب والقماء والنهب والقتل من اعمالهم اليومية ، لا بد ان يكون علىٰ شاكلتهم.

لكن العجيب ان رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم تتلوث شخصيته رغم تلك الفترة الطويلة التي عاشها مع اولئك الناس ، وفضلاً عن انه لم يَنَلْهُ الانحراف ، فقد كان بينهم وفي جميع تلك البيئة المتخلفة والخائنة وعند جميع القبائل العربية ، معروفاً بالامين ، والجميع يؤمنون بطهارته وأمانته وتعففه.

٤٧

قوانين الاسلام خالدة لا تبلىٰ

الدكتور : الىٰ هنا كلامك قويم وغير قابل للأنكار ، لكننا نقول ان قوانين الاسلام مع كونها سماوية واصيلة واستطاعت ان تقود الانسان نحو السعادة علىٰ مدىٰ قرون ، لكنها بالنهاية تعود الىٰ اربع عشر قرناً ماضية ، والقانون الذي يمضي عليه الف واربعمائة سنة لا يمكنه هداية عالم اليوم ، وضمان سعادته ، فهو وكما يصطلح قديم.

الشيخ : اعجب لهذا الكلام منكم اصدقائي ! فهل مجرد مضي عدة قرون علىٰ قانون يجعله قديماً وغير قابل للتطبيق ؟! ومن اجل تبيين هذه الحقيقة وهي انه ليست كل القوانين تفقد قيمتها بعد مضي فترة علىٰ تشريعها ، من الضروري الالتفات الىٰ نقطة عامة.

ما هو القانون الذي يصبح قديماً بمرور الزمن ، واي قانون يحافظ علىٰ قيمته حتى إذا مضىٰ علىٰ تشريعه آلاف السنين ؟

الرفاق جميعهم : نشكرك كثيراً لو بينت لنا ذلك.

وفي تلك اللحظة ، يُفتح باب الغرفة ، ويدخل عامل مطعم القطار ، وهو يحمل بيديه طبق الشاي ، فينادي بصوته المزعج : شاي شاي ثم التفت الىٰ شيخ واصدقاءه ، وقال : أيُّها السادة شاي جديد وحار.

قال الدكتور : لا نريد شاياً ، ولكن هل شايك جديد ـ حقيقةً ـ ، أم انه

٤٨

كشاي بعض المقاهي التي علىٰ طريق مدينة مشهد ، ففي احدىٰ السفرات الىٰ مشهد ، توقفت السيارة عند احدىٰ تلك المقاهي للغداء ، فنزل المسافرون جميعاً ، أنا أيضاً نزلت مع صديقي وجلسنا داخل المقهىٰ ، فجاءنا صاحب المقهىٰ بالشاي ، وقال : شاي جيد ، عملته قبل دقائق.

وضع الشاي علىٰ المنضدة وذهب ، قلت لصديقي ، لون الشاي يوحي بأنه بقي علىٰ النار أربع وعشرين ساعة ! فقال صديقي : تعال سأكتشف لك الحقيقة ، ذهبنا الىٰ صاحب المقهىٰ معاً ، فتقدم إليه صديقي وقال له بصوت منخفض ، أنا مريض وقد أوصاني الطبيب ان الشاي الذي اشربه لا بدّ وان يكون قد مضىٰ عليه ثلاثة أيام ، أرجو ان تستبدل لنا الشاي الذي جلبته ، وتأتينا بشاي قديم ، فما ان سمع صاحب المقهىٰ كلام صاحبنا حتىٰ أشار بيده نحو القبلة وقال : وربُّ الكعبة هذا الشاي جميعه ، شاي الاسبوع الماضي ! وهنا ضحك الحاضرون بشدة.

عامل مطعم القطار ايضاً أخذ يضحك لكلام الدكتور ، وهو خارج من الغرفة ، فسدوا باب الغرفة وبدأ الشيخ يكمل حديثه.

فقال : تلك القاعدة العامة التي اردت الاشارة اليها ، هي : في بعض الأحيان يكون القانون مقطعياً ولفترة معينة من التاريخ ، مثل اغلب القوانين التي تشرعها مختلف دول العالم في الماضي والحاضر لأنظمتها الاجتماعية ( طبقاً في تلك الدول التي يهتم فيها المشرعون بمصالحهم القومية ، لا مصالح اسيادهم في الداخل والخارج !!! ) وهذا النوع من القوانين ، يفقد قدرته وقيمته التنفيذية في مراحل وفترات اخرىٰ ، لأنه يتبع ظروفاً خاصة وحاجة مرحلة تاريخية

٤٩

معينة ، لذلك ، نشاهد جهازاً تشريعياً مستقلاً لكل دولة في الماضي والحاضر ، لكي يضع مشرعوا تلك الدولة قوانينهم بشكل يتناسب مع ثقافة الشعب وروحه ومع الأخذ ايضاً بالظروف التاريخية ومتطلبات البلد. واغلب هذه القوانين ليست غير مفيدة فقط في بلد آخر ، بل ستفقد قيمتها في نفس البلد بسبب تغيّر الظروف والمتطلبات. وهذه القوانين كالوصفات المؤقتة التي يقدمها الطبيب لمريضه مع الأخذ بحالته الخاصة ، وطبيعي ان تتغير كما تتغير وصفات الطبيب بعد فترة من استخدام المريض للوصفات السابقة.

ولكن هناك نوع من القوانين في العالم ، تكون في عداد قوانين العالم الطبيعية ومن جملة سنن الخلق ، وهذا النوع من القوانين باقية ، ما بقي الدهر.

مثل قانون الجاذبية وتركيب الماء من جزئيتين من الهيدروجين وجزئية من الاوكسيجين ، وملايين القوانين والقواعد العلمية الاخرىٰ في العالم ، فهل يحق لنا القول ان مرور الزمن سيجعل هذه القوانين بالية واذن لابدّ من تغييرها ؟! بالتأكيد لا ، لأن في هذا النوع من القوانين ، ليست هناك حدود للزمان ولا للمكان.

الدكتور : المثال الذي ذكرته صحيح. لان القوانين الطبيعية غير قابلة للتغير ، لكن ما علاقة ذلك بالقوانين الاسلامية ؟

الشيخ : لا تستعجلوا ! لو سمحتم لي ، سأوضح تلك العلاقة.

الدكتور : ارجو المعذرة ، لقد تسرعت بعض الشيء ، فهذه الحياة الآليّة التي نعيشها افقدتنا القابلية علىٰ الصبر.

٥٠

الشيخ : جميع قوانين الاسلام « العامة » و « الاصولية » هي من نوع القوانين الطبيعية ، ولها قيمة قانونية لجميع الناس وفي جميع مراحل التاريخ ، فلم تكن قوانين الاسلام العامة والاصولية خاصة بأهل ذلك العصر ومجتمع الجزيرة العربية فقط ، حتىٰ يقال انها اصبحت قديمة بعد مرور اربعة عشر قرناً عليها وانها فقدت قيمتها في التطبيق ، أو بعبارة اوضح اصبحت « قديمة ».

بل ان اصول الاسلام جميعها طبيعية تماماً وهي جزء من الفطرة الانسانية السليمة ، ومطابقة لناموس الخليقة ، لقد عرّف رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الكذاب بأنه عدو رب العالمين ، واعتبر الكذب نوع من الخيانة ، فهل يمكن القول : ان الكذب خيانة ولكن للذين عاشوا قبل اربعة عشر قرناً.

أما اليوم وفي عصر التطور والتعالي البشري ، دنيا الكهرباء والبخار ، ليس هناك كذب أو خيانة ، وان ذلك كلام قديم ؟!

ينقل رسول الاسلام عن لسان الوحي الالهي :

( لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) (1) .

وان علىٰ الناس احترام حقوق بعضهم البعض الآخر ، وان لا يسرقوا ولا يبخسوا الميزان وان لا يجمعوا المال بطرق غير مشروعة ، بل تكون بطرق مشروعة ، أي العمل الحلال(2) ، وان يصلوا الفقراء.

________________

(1) سورة البقرة : 188.

(2) ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴾ سورة النجم : 40.

يرى البعض أن العمل يعني الانتاج الاقتصادي فقط ، في حين أن ذلك يعني أن الكثير من فئات المجتمع الذين يعملون في مجالات الثقافة أو الخدمات ـ مثلاً ـ عاطلون ، وهذا كلام غير دقيق ، لأن الخدمات والثقافة و أيضاً أعمال مشروعة.

٥١

أيُّها السادة المحترمون !

أليس من السفاهة القول ان السرقة والنهب والاعتداء علىٰ حقوق الآخرين ، تعتبر خيانة بالنسبة لعصر مضىٰ عليه الف واربعمائة سنة ، وانه بالنسبة لعصرنا الحاضر عصر الذرة ، لايعد خيانة ؟! فهل يمكن القول ان هذا القانون قديم وغير قابل للتطبيق لانه مضىٰ عليه أربعة عشر قرناً ؟!

واعتبر رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله الاعتداء علىٰ نواميس الغير ذنباً ، وحذّر الناس من عمل هذا الذنب ، فهل يمكن القول ان هذا القانون اصبح قديماً بمرور الايام ، وان عالمنا لا يعترف بحدود اسمها الاسرة ! وان الاعتداء علىٰ نواميس الغير ليست خيانة ؟!

لقد اعتبر الاسلام السكوت امام الظلم ذنب ، وقال : عادوا الظالمين ودافعوا عن المظلومين ، ويصرح القرآن الكريم في هذا الصدد :

( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (1) .

( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (2) .

ويقول أيضاً :

( لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ) (3) .

وفي مكان آخر يقول القرآن :

________________

(1) سورة البقرة : 190.

(2) سورة آل عمران : 57.

(3) سورة النساء : 148.

٥٢

( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) (1)

أي الذين يقاتلون في سبيل المظلومين ومن اجل الحرية واستيفاء حقوقهم.

والآن يا اصدقائي ألا ترون من السفاهة إذا قلنا ان هذا الكلام يختص بعصر يعود الىٰ الف واربعمائة سنة ماضية ، وان هذا الكلام اكل الدهر عليه وشرب ؟! وهل يمكن حصر هذه المسائل بظروف ومراحل تاريخية معينة ؟!

والاسلام لا يميّز في تشريعه بين الاعراف والفئات والطبقات ، فليس هناك أبيض وأسود ، أو عرب وعجم ، أو حاكم ورعيّة ، أو عامل ورب العمل ، فالجميع لديه متساوون ولا يرىٰ لأحد منهم امتيازاً علىٰ الآخر ، فهل نستطيع القول ان مرور الزمان يغيّر ذلك « الأصل » وان علينا نفي وانكار « اصل المساواة بين البشر » أو « اصل الغاء جميع التمايزات » ؟!

فقد أكد الاسلام كثيراً علىٰ عيادة المرضىٰ ومراعاة حق الجار ، وبشكل عام مراعاة حقوق الجميع ورفع مشاكلهم ، فهل يمكن القول ان هذه القوانين لا يمكن تطبيقها اليوم لأنها تعود علىٰ اربعة عشر قرناً ماضية ؟!

أيُّها السادة المحترمون !

جميع القوانين العامة والاصولية في الاسلام هي من هذا النوع ، وجميعها جزء من فطرة الانسان طبقاً لنظام الخلقة ، وبالنتيجة هي فوق الظروف

________________

(1) سورة الصف : 4.

٥٣

التاريخية الخاصة ، ومع الأخذ بذلك ، فهل يوجد في العالم ايديولوجية افضل من الاسلام واكثر منه طبيعية ، حتىٰ نترك هذه القوانين ونتمسك بغيرها اكمل منها ؟! وهل يستطيع الزمان التأثير علىٰ طراوة وحيوية مثل هذه القوانين ؟!

أمّا كيف يمكن للاسلام الاجابة علىٰ متطلبات المجتمع رغم التطوّرات والتغيرات التي تحدث بشكل لا ارادي في مسيرة الانسان التكاملية ومختلف مراحل التاريخ البشري ، فهذا يحتاج الىٰ توضيح مختصر.

هناك قوانين في الاسلام مطروحة بشكل عام واصولي ، وهي التي تحدد الخطوط العامة لجميع قوانين المجتمع العامة وحركته ، مثل : « اصالة العمل » ونفي الاسلام « للعلاقة الاستعمارية » في مسألة الانتاج والتوزيع ، وطبيعي ان تكون هذه الاصول ( كما هو الحال في جميع الاصول والقوانين الكلية ) ثابتة وغير قابلة للتغيير ، سواء كان البشر في مرحلة الزراعة ، أو في مرحلة الصناعة ، فهذه القوانين ابدية ، ولا بدّ أن تشكل الاساس لجميع تلك القوانين التي يضعها المتخصصون في القضايا الاسلامية ( اي المجتهدون الواعون والعارفون بظروف المجتمع والعصر ) حسب متطلبات العصر ، وطبيعي فأن هذا الاصل ثابت لا يتغير.

أما المتغير فهو كيفية الانتاج والتوزيع التي تتناسب وكل زمان أو مكان ، لكن الانتاج والتوزيع يجب ان يكون في النهاية علىٰ اساس نفي الاستثمار واصالة العمل.

لقد نفىٰ الاسلام ولم يعترف بأية علاقة انسانية يكون فيها احد الاطراف

٥٤

متضرراً ، فقال : « لا ضرر ولا ضرار في الاسلام »(1) سواء كانت هذه العلاقة « الضررية » علىٰ مستوىٰ الاسرة أو في القضايا المالية أو في أية علاقة اخرىٰ ـ طبقاً لاشك ان هناك اختلاف بين متطلبات كل عصر وزمان ، لكن هذه المسؤولية تقع علىٰ عاتق المجتهد الواعي والمتخصص في المسائل الاسلامية ، والمطّلع علىٰ احوال العصر ، لكي يستنبط الخطوط العامة والمحورية فيما يتعلق « بالحوادث الواقعة » والمستجدات من المسائل من خلال الرجوع الىٰ تلك القوانين العامة والقواعد الاسلامية الثابتة ، وبذلك يمكنه الاجابة علىٰ التساؤلات المستجدة ، او بعبارة اخرىٰ « ارجاع الفروع الىٰ الاصول » ، ولا شك ان المتغير هنا هي هذه « الفروع » و « الحوادث الواقعة » أو مقتضيات الزمان ، لكن الاصول والمحاور تبقىٰ ثابتة دائماً.

فالاسلام ـ مثلاً ـ حرّم الكذب ، سواءً كان بالكلام مباشرة مع شخص ، او من خلال مكبر صوت. أو من خلال الكلام في المذياع والتلفاز ، فالذي تغير هنا هو كيفية الكلام وليس اصله ، فكان مرّة بشكل طبيعي واُخرىٰ بمكبر الصوت وثالثة من خلال البث الاذاعي والمرئي الذي يخاطب ملايين الناس ، ويبقىٰ الاصل الثابت في جميع الاحوال هو عدم جواز الكذب وحرمته.

ومن خلال الشرح والايضاح الذي قدمناه ، تبين بشكل جيد ان الثابت في الاسلام هو القوانين والاُصول العامة التي تعد محاور واسس جميع القوانين الاخرىٰ ، والمتغير هو متطلبات العصر والمستجدات من الظروف والحالات.

________________

(1) وسائل الشيعة : كتاب الارث ، الباب الأول ، الرواية 9.

٥٥

كما تبين لنا الدور الذي تلعبه عملية « الاجتهاد » واستنباط الحكم هنا ؟ وكيف بجب علىٰ المجتهد المطّلع علىٰ احوال الزمان ، تقديم اجوبة واقعية للتساؤلات المستجدة ومتطلّبات العصر مع الأخذ بالاُصول والعموميات الثابتة في الاسلام.

وهنا يتبين السرّ في حيوية الاسلام وطراوته الدائمة ، فلو لم يكن هناك « اجتهاد » بمعناه الصحيح والاسلامي ، لما استطاع البشر الاجابة علىٰ متطلباتهم الحديثة والمتسجدة بشكل صحيح.

الذين جلبوا العار لتاريخ المسلمين

الشيخ : اطمئنوا اذا لم يكن الاسلام طبيعياً وفطرياً ، لم يكن ليبقىٰ بعد الف واربعمائة سنة بهذه الصورة الحية والمتكاملة ، ولهضمته الأحداث كما تقضم الشاة نبتة الربيع.

اتعلمون ان سّر بقاء الدين الىٰ اليوم ، هي تلك النقطة التي اشرت اليها ؟

الدكتور : ارجوا ان تتكلّم أكثر بهذا الصدد !

الشيخ : ان بقاء اي نظام في العالم مرهون بعوامل مادية او معنوية ، لكن الاسلام فضلاً عن عدم امتلاكه العوامل المادية والمعنوية لبقاءه ، فأنه كانت هناك عوامل عديدة لسقوطه ، وهذه العوامل الاخيرة موجودة حالياً أيضاً ، لانه ، وبشهادة التاريخ ، تغيّرت مسيرة الدين بعد رحيل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشخص

٥٦

الذي عينه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لخلافته وزعامة المسلمين بأمر من الباري عزّ وجلّ ( أي الامام عليعليه‌السلام ) لم يعطىٰ زمام الامور.

لقد قامت أيدي المنافقين منصب زعامة المسلمين الىٰ اعدائه الداخليين ، الذين شكلوا بدورهم عصابة خطرة ، وهؤلاء اغتصبوا مقام خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله واحداً بعد الآخر وجعلوها ملكاً يدار بأيديهم يرثونه ، حتىٰ وصل الأمر إلىٰ بني اُمية وبني العباس.

ان الاعمال التي قام بها هؤلاء ( بني اُمية وبني العباس ) جعلت من عهديهما من اسوء مراحل التاريخ الاسلامي ، فقد تحولت الخلافة الىٰ سلطان ، واستبدلت الروحانية والزهد ، بمجالس اللهو والطرب والخمر. واستبدل قراء القرآن والمؤذنون ، بالجواري الجميلات والمغنون ، واصبحت مجالس اللهو و القمار وموائد الخمرة تقام في قصور خلفاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الغاصبين ! وقد وصل الامر الىٰ حدّ ، نهي فيه الوليد من الافراط في شرب الخمرة من قبل ندماءه والمقرّبين منه ، لانه يخالف نصّ القرآن وليس لخليفة المسلمين ان يتصرف بهذا الشكل.

فقال الوليد : اريد ان اعرف عاقبة امري ، عليَّ بالقرآن استفئل به ، ففتح القرآن وبدت له الآية( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (1) ، فاشتاط غضباً برؤيتها ، ثم فتح القرآن ثانية فكانت الآية الشريفة( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ ) (2) فلم يستطع أن يتمالك نفسه من شدة الغضب ، فأخذ قوساً ونبالاً وصار يرمي بها ________________

(1) سورة الشعراء : 227.

(2) سورة ابراهيم : 15.

٥٧

القرآن وهو ينشد أبياته المعروفة :

اتوعد كل جبارٍ عنيد

فها انا ذاك جبار عنيدُ

اذا لاقيت ربك يوم حشرٍ

فقل يا ربِّ مزقني الوليدُ

لقد وصل الامر للحد الذي وقف فيه عامل ( امير ) الكوفة في محراب المسجد ليأم الناس صلاة الصبح وهو ثمل ، فصلىٰ اربع ركعات ، وعندما اعترض الناس علىٰ ذلك ، أجابهم : هل ازيد.

وقد وصلت الفضيحة لدرجة اصبح الغلمان والمردة يحلّون مكان الجواري والنساء.

هذه الفتن التي تعرض لها الاسلام بعد رحيل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله استمرت حتىٰ أتىٰ هولاكو علىٰ خلافة بني العباس ، اما المعتصم آخر خلفاءهم فقد سحق بأمر من شيخ الاسلام العظيم الخواجة نصير الدين الطوسي.

وبعد ذلك لم تأتي حكومة مقتدرة تخفظ بلاد المسلمين الممتدة وتوحّدها. ولو تجاوزنا ذلك فالمساعي التي تبذلها العناصر المعارضة للأسلام ( اي الاستعمار ) والتي تعتبر المسيحية احدىٰ مظاهرها ، واسعة جداً وهدفها تدمير واسقاط النظام الاسلامي الصحيح. اما المبالغ التي تصرف لتشويه صورة الدين والاعلام المضاد له ، فلا احد يعلم بمقدارها إلّا الله ! فأكثر القساوسة و الآباء اليسوعيين وبالدعم الذي يتلقونه ، متشرون في الدول الاسلامية بهدف التبشير من جهة وتدمير الدين الاسلامي واسقاطه من جهة اخرىٰ.

٥٨

حديث من السيد جمال الدين

ومن اكبر هذه العوامل تأثيراً في سقوط الدين ، هو تصرف المسلمين ، وقوة هذا العامل تصل لحدّ ، ان بأمكانه تخريب شبكة تنظيمية واسعة بمفرده ، لأن العالم ينظر الىٰ الاسلام من خلال تصرفات المسلمين ، وللأسف الشديد ، فأن تصرفات المسلمين مهينة للحد الذي يخجل الانسان من ذكرها.

كم من القلوب الطاهرة استسلمت امام قوانين الاسلام النورانية دون اختيار ، واصبحت علىٰ شرف اعتناق الاسلام ، الّا انها انصرفت عن ذلك بمشاهدة تصرفات بعض المسلمين.

اتذكر ، ان احد العلماء المسيح صرّح رسمياً قبل فترة ، بأن المانع الوحيد امامه لقبول الاسلام هو اعمال وتصرفات المسلمين المهينة !

وعلىٰ حدّ قول السيد جمال الدين الافغاني

« اذا اردنا دعوة الغرب للأسلام ، علينا ان نثبت اولاً اننا لسنا مسلمون ، ومن ثم نبدأ الدعوة ».

أليس من المؤسف ان يصل الأمر بالمسلمين الىٰ هذا الحدّ ، وهم الذين كانوا في يوم من الأيام مثلاً للفضيلة والأنسانية ! كما أن البعض ـ وللأسف ـ من الذين لا يستطيعون التفريق بين « الاسلام » و « المسلمين » ، وان يدركوا هذه الحقيقة وهي ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء بالاسلام من جانب الله وليس بالمسلمون ، لذلك فهم ينسبون الانحراف في تصرف المسلم الىٰ الدين ويحملون نظرة سيئة عن الاسلام.

٥٩

هذه وعشرات العوامل القوية الاخرىٰ جزء من الموانع التي تقف بوجه الدين.

اصدقائي الاعزاء !

اتصدقون انه مع الأخذ بالاسباب والعوامل التي ذكرناها هنا وبعض العوامل الاخرىٰ التي لم نذكرها ، كان لا بدّ أن لا يبقىٰ ذكر للأسلام في العالم ، لكن والحسن الحظ لم تجتذب قوانينه قلوب العالم فقط ، بل ان شعاع نوره ينتشر كل يوم اكثر واكثر ، للحد الذي يندر ان نجد مفكراً أو عالماً درس وبحث حول الاسلام ولم يستسلم امام عظمة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وينحني له تعظيماً.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120


 وسخطك يا فاطمة ) ثم انتحب يبكي حتى كادت نفسه تزهق. ثم خرج فاجتمع اليه الناس فقال لهم : ( يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما انا فيه لا حاجة في بيعتكم. اقيلوني ببيعتي )(١) واستمرت الزهراء في جهادها واختارت الاعتصام عن الكلام مع ابي بكر هذه المرة فأعلمت الملأ بانها قالت : والله لا اكلمه بكلمة ما حييت فلم تكلمه حتى ماتت.

أرأيت الى الزهراء وجرأتها وموقفها والرجحان في ميزان القيم اذا قيس بنساء العالم؟ انها وأيم الحق شهاب ثاقب لا ينطفئ منه اللهب في العواصف الهوج ، فضلاً على مالها من محامد فضلى وخصال رفيعة. ولم تنس ( فـدك ) ان ترجع اليها كل مرة ، كان يلمع فيها الحق ، لقد شعر ابن عبد العزيز بقيمة الانصاف فأرجع الى فاطمة ( فدكاً ). لقد شعر بذلك ايضاً ـ فيما بعد ـ ابو العباس السفاح ، ثم من بعده المأمون بن الرشيد ان للزهراء سلام الله عليها شخصية موحية ولها حماس منقطع النظير لا سيما في استرداد الحق لأهله(٢) والمثل يقول ( ما ضاع حق وراءه مطالب ).

اما ما اعلمه يقيناً ان الزهراءعليها‌السلام عاشت في غربة ، وعانت وحدة قاسية ووحشة موجعة ، تفكر ابداً بالحق المغتصب ، تتمشى في جنباتها اشتاح التفجع ، وتملأ صدرها انات اللوعة وهي اسيرة بيت الاحزان ، حيث تخيم عليه اجنحة الموت ، تملأ الفضاء بأنّات محزنة متقطعة هائلة مخيفة ، واحياناً تكون في غيبوبة نفسية تفصلها عن كل المظاهر الخارجية.

__________________

(١) الامامة والسياسة / ابن قتيبة / ج ١ / ص ١٤. وانظر اعلام النساء / ج ٣ / ص ١٢١٤.

(٢) الحضارة الاسلامية / آدم متز / ج ١ / ص ١٢٨.


١٢١


 الاسلوب البلاغي للزهراءعليها‌السلام

حياة كلها جهاد وعبادة وتبتّل ، نور نيّر يسير على منهاج الحق الصريح ، وفكر ثاقب يستضيء بمشكاة العلم الصحيح. الزهراء احدى ثمرات شجرة النبوة الوارفة الظلال ، ابدت من الكياسة والادب واللباقة ما لم يسبق اليها احد ، وجعلت وقتها وقفاً على العلم والدين والعمل والتريبية والتهذيب ، وذللت بأفكارها السامية كل صعب ، حتى تسنى لها الصعود الى معارج الارتقاء ، لتجني ثمار ذلك الجهد اليانع وقطوفه الدانية التي تؤتي اكلها كل حين بأذن ربها. وحين تقرأ خطبها ترى الفصاحة تتدفق من معين لسانها ، لا ينكر مالها من قوة الحجة في الكلام والشهرة والبيان.

اتصفت الزهراء بالشجاعة الادبية ، فأخرجت للناس دفائن الحكمة وآيات الحق الناصعة وسحر البيان الرائع. وان من يمعن النظر في اسلوب الزهراء الخطابي الرصين وبلاغتها البيانية وما ترمز اليه يتضح له ما ينطوي عليه خطابها من معان واضحة وبصيرة نفاذة. وقد استطاعت ان تسيطر على نفوس مستمعيها وهم في احرج موقف ، ولعل هذا هو بعض السر في


١٢٢


نجاحها ، ولا شك انها ترمي الى الاصلاح الشامل وبيان الواجب الملقى على عاتق كل مسلم يؤمن بالقيم الروحية والمبادئ السماوية ويتبع ارشادات القرآن والسنة النبوية.

لنستمع الى خطبتها الغراء نصاً وهي تشهد بقدرتها الفائقة وثقافتها الواسعة ومكانتها السامية في عصرها وما تلاه الى يومنا هذا ، وهي هنا لا تلقي الكلام على عواهنه ، بل تزن كل كلمة تقولها بميزان الحقيقة والانصاف ، فتعجب بفهمها وذكائها كل الاعجاب.


١٢٣


تظلم الزهراءعليها‌السلام

ان الحديث عن تظلم فاطمة سلام الله عليها حديث ذو شجون ، لا ينتهي الكلام فيه ، ولا يمكن اتيان جديد فيه. فالمصادر التاريخية قديمها وحديثها تؤكد على ظلامة الزهراء ، هذه المرأة العظيمة ، وما لقيته بعد وفاة والدها النبي الاكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من احن ومحن ، وتعرضت لكثير من الويلات والمصائب التي يشيب لهولها الزمان ، ابتداءً من ترك وصية والدها ، ومروراً بغصب الخلافة من زوجها ، وانتهاءً بقضية فدك ، مما ادى الى تراكم الهموم والهواجس عليها.

لقد ذكر ابن قتيبة في كتابه ( الامامة والسياسة ) ما هذا نصه : ( ان ابا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه ، فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطيب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن او لأحرقنها على ما فيها فقيل له يا ابا حفص ان فيها فاطمة فقال : وان. فخرجوا فبايعوا الا علياً فانه زعم انه قال : حلفت ان لا اخرج ولا اضع ثوبي على عاتقي حتى اجمع القرآن ،


١٢٤


فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا وأسوأ محضر منكم ، تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة بين ايدينا وقطعتم امركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً ) الى ان يصل قوله : ( ثم قام عمر ومشى معه جماعة اتوا باب فاطمة فدقوا الباب ، فلما سمعت اصواتهم ، نادت بأعلى صوتها : يا ابت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن ابي قحافة ، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين(١) .

الذي يهمني ان اؤكده هنا هو ان الزهراء سلام الله عليها هي التي خرجت لمنع القوم عن اخراج عليعليه‌السلام وذلك لعظم منزلتها وعلو شأنها ، لانها بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان ما يدل على ذلك قول عمر بن الخطاب عندما اراد ان يأتي الى باب دار فاطمة ، قال : اريد ان احرق الدار ومن فيها ، قالوا ان في الدار فاطمة قال : وان. ويحسن ان انّبه الى ان هذا الموقف قد قام على اساس التحدي ومواجهة اهل البيت الذين قال عنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الا واني مخلف فيكم الثـقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا ) ، مما يدل على ان الرجل خالف كتاب الله وسنة نبيه في هذا التحدي السافر والاعتداء على بيت الزهراء سلام الله عليها. وبناءً على ذلك اشار الى هذا المضمون شاعر النيل حافظ ابراهيم بقوله :

وقـولـة لعـلـي قالها عمرُ

اكـرم بسـامـعها اعظم بملقيها

حرقت دارك لا ابقى عليك بها

ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها

__________________

(١) الامامة والسياسة / ابن قتيبة / ص ١٢ و ١٣.


١٢٥


ما كان غير ابي حفص يفوه بها

امام فـارس عدنـان وحاميهـا

وفي كتاب ( عوالم سيدة النساء فاطمة الزهراء ) توضيح لهذا المشهد ، قال : فلما رأى عليعليه‌السلام غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته ، وكان علي بن ابي طالبعليه‌السلام لما راى خذلان الناس له وتركهم نصرته واجتماع كلمة الناس مع ابي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم له جلس في بيته. فقال عمر لابي بكر : ما يمنعك ان تبعث اليه فيبايع فانه لم يبق احد الا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الاربعة معه ، وكان ابو بكر ارق الرجلين وارفقهما وادهاهما وابعدهما غوراً ، والاخر افظهما واغلظهما واخشنهما واجناهما ، فقال : من نرسل اليه؟ فقال عمر : ارسل اليه قنفذاً ، وكان رجلاً فظاً غليظاً جافياً من الطلقاء احد بني تيم ، فأرسله وارسل معه اعواناً فانطلق فأستأذن فأبى عليعليه‌السلام ان يأذن له ، فرجع اصحاب قنفذ الى ابي بكر وهما في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يأذن لنا ، فقال عمر : هو ان اذن لكم والا فادخلوا عليه بغير اذنه ، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمةعليها‌السلام : احرّج عليكم ان تدخلوا بيتي بغير اذن. فرجعوا فثبت قنفذ ، فقالوا : ان فاطمة قالت كذا وكذا فحرجتنا ان ندخل عليها البيت بغير اذن منها ، فغضب عمر ؛ مالنا وللنساء ، ثم امر اناساً حوله فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما ، ثم نادى عمر حتى اسمع علياً والله لتخرجن ولتبايعن خليفة رسول الله او لأضرمن عليك بيتك ناراً ثم رجع فقعد الى ابي بكر وهو يخاف ان يخرج علي بسيفه لما قد عرف عن بأسه وشدته. ثم قال : قنفذ ان خرج والا فاقتحم عليه فان امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً. فانطلق قنفذ فاقتحم هو واصحابه بغير اذن وبادر علي الى سيفه ليأخذه فسبقوه اليه فتناول بعض


١٢٦


سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه والقوا في عنقه حبلاً اسود ، وحالت فاطمةعليها‌السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي اثره في عضدها من ذلك الدملج من ضرب قنفذ اياها فأرسل ابو بكر الى قنفذ اضربها. فالجأها الى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها والقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحية في الفراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها(١) .

وقال في موضع آخر : فلما انتهيا الى الباب فرأتهم فاطمة صلوات الله عليها اغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشك ان لا يدخل عليها الا باذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف ثم دخلوا فاخرجوا علياً ملبياً ، فخرجت فاطمة فقالت : يا ابا بكر اتريد ان ترملني من زوجي ـ والله ـ لئن لم تكف عنه لانشرن شعري ولاشقن جيبي ولآتين قبر ابي ولأصيحن الى ربي(٢) .

وقال ايضاً : فلما بلغ عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال : وايم الله ما ذاك بمانعي ان اجتمع هؤلاء النفر عندك ان امر بهم ان يحرق عليهم البيت ، قال : فلما خرج عمر جاؤوها ، فقالت : تعلمون ان عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وايم الله ليمضين لما حلف عليه(٣) .

وقد وردت في هذا الخصوص اشعار كثيرة ، منها ارجوزة للسيد مهدي القزويني حيث قال :

__________________

(١) عوالم سيدة النساء فاطمة الزهراء / الشيخ عبد الله البحراني الاصفهاني / ص ٥٥٧ و ٥٥٨.

(٢) المصدر السابق / ص ٥٦٠.

(٣) المصدر السابق / ص ٥٦٢ و ٥٦٣.


١٢٧


يا عجبـا يستـأذن الامـيـن

عليـهـم ويهجـم الـخـؤون

قال سليـمُ قلـت يا سـلمـان

هل دخلـوا ولم يـك استئـذان

قال بـلـى وعـزة الجـبـار

ليـس على الزهـراء من خمار

لكـنـهـا لاذت وراء البـاب

رعـايـة للستـر والحجـاب

ومذ رأوها عصروها عصـرة

كادت بنفسي ان تموت حسـرة

فأسقطـت بنت الهـدى واحزنا

جنينهـا ذاك المسمى محسنـا

تصيـح يـا فضـة اسندينـي

فقد وربـي اسقطـوا جنينـي

وقول المتغمد بالرحمة السيد باقر الهندي :

كل عـذر وقول افـك وزور

هو فرع عن جحد نص الغدير

فتبصّرْ تبصر هداك الى الحق

فليـس الاعمـى به كالبصيـر

ليس تعمى العيون لكنما تعمى

القلوب التي انطوت في الصدور

 الى ان يصل قوله :

او تدري لم احرقوا البـاب بالنـار

ارادوا اطفاء ذاك النور؟

او تدري ما صدر فاطمة ما المسمار

ما بال ضلعها المكسور؟

ما سقوط الجنيـن ما حمرة العيـن

وما بال قرطها المنثور؟

دخلوا الدار وهي حسرى لمرأى من

علي ذاك الابي الغيور.

 وقول الشاعر الحاج جواد بدقت الاسدي :

وبكسر ذاك الضلع رضت اضلع

في طيها سرُّ الاله مصونُ

وكما (علـي ) قـوده بنجـاده

فله (علي) بالوثاق قريـن

وكما (لفاطـم) رنة من خلفـه

لبناتها خلف العليـل رنين

وبزجرها بسياط قنفذ وشحـت

بالطف في زجر لهن متون


١٢٨


وقول الشاعر الشيخ محسن ابو الحب الكعبي المتوفى سنة ١٣٠٥ هـ:

هزي لنخلتهـا ألتجت فتساقطـت

رطباً جنياً فهـي منه تـأكـل

ولدى الجدار وعتبة الباب ألتجت

بنت النبي واسقطت ما تحمـل

هذا غيض من فيض ما قاله الادباء بخصوص ظلامة الزهراء سلام الله عليها. وهذا هو شأن المخلصين لله تعالى في حفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عترته من بعده ، يعظمون شعائر الله تعالى ، ولا سيما فاطمة الزهراءعليها‌السلام ذلك النموذج الامثل للاسرة المسلمة.


١٢٩


 خطبة الزهراءعليها‌السلام

الحمد لله على ما انعم والشكر له على ما الهم ، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها ، وسبوغ الآء أبداها ، وتمام نعم والاها ، جم عن الاحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء امدها ، وتفاوت عن الادراك ابدها ، وندبهم لاستردادها بالشكر لاتصالها ، واستحمد الى الخلاءق باجزالها ، ونعي بالندب الى امثالها ، واشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الاخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وانار في التفكر معقولها ، الممتنع من الابصار رؤيته ، ومن الالسن صفته ، ومن الاوهام كيفيته ، ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها ، وانشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها ، كونها بقدرته وذرأها بمشيئته من غير حاجةمنه الى تكوينها ، ولا فائدةله في تصويرها ، الاتثبيتاً لحكمته ، وتنبيهاً على طاعته ، واظهاراً لقدرته ، وتعبداً لبريته ، واعزازاً لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة لعباده عن نقمته ، وحياشة لهم الى جنته ، واشهد ان ابي محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله اختاره وانتجبه قبل ان


١٣٠


ارسله ، وسماه قبل ان اجتباه ، واصطفاه قبل ان ابتعثه ، اذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الاهاويل مصونة ، وببنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بمآل الامور ، واحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور ، ابتعثه الله تعالى اتماماً لامره ، وعزيمة على امضاء حكمه ، وانفاذاً لمقادير حتمه ، فرأى الامم فرقاً في اديانها ، عكّفاً على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله تعالى بابي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ظلمها ، وكشف عن القلوب بُهَمها ، وجلّى عن الابصار غممها ، وقام في الناس بالهداية ، وانقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم الى الدين القويم ، ودعاهم الى الصراط المستقيم ، ثم قبضه الله اليه قبض رأفة واختبار ، ورغبة وايثار ، فمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الابرار ، ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على ابي نبيه ، وامينه على وحيه وصفيه ، وخيرته من الخلق ورضيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ( ثم التفتت الى اهل المجلس وقالت : انتم عباد الله نصب امره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وامناء الله على انفسكم ، وبلغاؤه الى الامم وزعيم حق له فيكم ، وعهد قدمه اليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بيّنة بصائره ، منكشفة سرائره ، متجلية ظواهره ، مغتبط به اشياعه ، قائد الى الرضوان اتباعه ، مؤد الى النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيّناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة ، فجعل الله الايمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة


١٣١


تنزيها لكم عن الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، والصيام تثبيتاً للاخلاص ، والحج تشييد للدين ، والعدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملة ، وامامتنا اماناً من الفرقة ، والجهاد عزاً للاسلام ، وذلا لاهل الكفر والنفاق ، والصبر معونة على استيجاب الاجر ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الارحام منسأة في العمر ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغيير للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس ، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة ، وترك السرقة ايجاباً للعفة ، وحرم الله الشرك اخلاصاً له بالربوبية ( فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون ) واطيعو الله فيما امركم به ونهاكم عنه ( فانما يخشى الله من عباده العلماء ) ثم قالتعليها‌السلام : ايها الناس اعلموا اني فاطمة وابي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله اقول عودا وبدءا ولا اقول ما اقول غلطا ، ولا أفعل ما افعل شططا ، ( لقد جاءكم رسول الله من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) فان تعزوه وتعرفوه تجدوه ابي دون نسائكم واخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزيُّ اليه ، فبلّغ الرسالة ، صادعاً بالنذارة ، مائلاً عن مدرجة المشركين ضارباً ثبجهم آخذاً بكظمهم داعياً الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يكسر الاصنام ، وينكت الهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر حتى تفرى الليل عن صبحه واسفر الحق عن محضه ، وانطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلت عقدة الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الاخلاص في نفر من البيض الخماس وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذفة


١٣٢


الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الاقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد اذلة خاسئين ، تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم فانقذكم الله تبارك وتعالى بأبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا والتي وبعد ان مني ببُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة اهل الكتاب ( كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها الله ) او نجم قرن للشيطان او فغرت فاغرة من المشركين قذف اخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها باخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في امر الله قريباً من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سيداً في اولياء الله مشمرا ناصحاً مجداً كادحاً ، وانتم في بلهنية من العيش ، وادعون فاكهون آمنون ، تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الاخبار الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله دار انبيائه ومأوي اصفيائه ، ظهرت فيكم حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الاقلين وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم ، فألفا كم لدعوته مستجيبين وللغرة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً ، واحمشكم فالفاكم غضاباً ، فوسمتم غير ابلكم واوردتم غير شربكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ( الا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين ) فهيهات منكم وكيف بكم واني تؤفكون وهذا كتاب الله بين اظهر كم اموره ظاهرة ، واحكامه زاهرة ، واعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، واوامره واضحة ، قد خلفتموه وراء ظهوركم ، ارغبة عنه تدبرون ، ام بغيره تحكمون (بئس للظالمين بدلاً ،


١٣٣


ومن يتبع غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ثم لم تلبثوا الا ربما تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها ، ثم اخذتم تورون وقدتها ، وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، اطفاء نور الدين الجلي ، واهماد سنن النبي الصفي ، تسرون حسوا في ارتغاء وتمشون لاهله وولده في الخَمَر والضراء ونصبر منكم علي مثل حز المدى ووخز السنان في الحشى ، وانتم الآن تزعمون ان لا ارث لي (افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكماً لقوم يوقنون) اقلا تعلمون؟ بلي قد تجلى لكم كالشمس الضاحية اني ابنته ايها ـ وفي رواية ويها ايها المسلمون أأغلب على ارثي يا ابن ابي قحافة ، أفي كتاب الله ان ترث أباك ولا أرث ابي لقد جئت شيئاً فريا ، افعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم اذ يقول : ( وورث سليمان داود ) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكرياعليهما‌السلام اذ يقول : ( رب هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال : ( وأولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله ) وقال : ( يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ). وقال : ( ان ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقاً على المتقين ) وزعمتم ان لا حظوة لي ولا ارث من ابي ولا رحم بيننا ، افخصكم الله بآية اخرج منها ابيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ام تقولون اهل ملتين لا يتوارثان ، او لست انا وابي من اهل ملة واحدة ، ام انتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من ابي وابن عمي ، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم اذ تندمون ( لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون


١٣٤


 من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) ثم رنت بطرفها نحو الانصار ( فقالت ) : يا معشر الفتية واعضاد الملة وحصنة الاسلام ، ما هذه الغميزة في حقي ، والسنّة عن ظلامتي ، اما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابي يقول : ( المرء يحفظ في ولده ) سرعان ما احدثتم وعجلان ذا إهالة ولكم طاقة بما احاول ، وقوة على ما اطلب وازاول ، اتقولون مات محمد فخطب جليل ، استوسع وهنه واستنهر فتقه وانفتق رتقه واظلمت الارض لغيبته ، واكتأبت خيرة الله لمصيبته ، وكسفت الشمس والقمر وانتثرت النجوم لمصيبته ، وآكدت الآمال وخشعت الجبال ، واضيع الحريم وازيلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى التي لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة ، اعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في افنيتكم في ممساكم ومصبحكم هتافاً وصراخاً وتلاوة والحانا ولقبله ما حلت بانبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ) أيهاً بني قيلة أأهضم تراث ابي وانتم بمرأى مني ومسمع ، ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة وانتم ذوو العدد والعدة والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون وانتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا اهل البيت ، قاتلتم العرب ، وتحملتم الكد والتعب ، وناطحتم الامم ، وكافحتم البهم فلا نبرح وتبرحون ، نأمركم فتأتمرون حتى اذا دارت بنا رحى الاسلام ودر حلب الايمان وخضعت نمرة الشرك ، وسكنت


١٣٥


 فورة الافك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج واستوسق نظام الدين ، فأنى حرتم بعد البيان ، واسررتم بعد الاعلان ونكصتم بعد الاقدام ، واشركتم بعد الايمان ، بؤساً لقوم نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤوكم اول مرة اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين ، الا قد ارى ان قد اخلدتم الى الخفض وابعدتم من هو احق بالبسط والقبض ، وركنتم الى الدعة ونجوتم من الضيق بالسعة ، فمججتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوغتم ( فان تكفروا انتم ومن في الارض جميعاً فان الله لغني حميد ). لا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة النفس وبثة الصدر ونفثة الغيظ ، وتقدمة الحجة ، فدونكموها فاحتقبوها دَبِرة الظهر ، نَقِبة الخف ، باقية العار ، موسومة بغضب الله وشنار الابد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الافئدة ، فبعين الله ما تفعلون ، ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ( فاعملوا انا عاملون وانتظروا انا منتظرون ) فأجابها ابو بكر عبد الله ابن عثمان قال :

يا ابنة رسول الله لقد كان ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما رؤوفا رحيما وعلى الكافرين عذاباً اليما وعقاباً عظيما ، فان عزوناه وجدناه اباك دون النساء واخا ألفك دون الاخلاء ، آثره على كل حميم وساعده في كلّ شقي فانتم عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الطيبون والخيرة المنتجبون ، على الخير ادلتنا والى الجنة مسالكنا ، وانت ياخيرة النساء وابنة خير الانبياء صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة عن حقك ولا


١٣٦


مصدودة عن صدقك والله ما عدوت رأي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عملت الا باذنه ، وان الرائد لا يكذب اهله فاني اشهد الله وكفى به شهيداً اني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : نحن معاشر الانبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقار وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة ، وما لنا من طعمة فلولي الامر بعدنا ان يحكم فيه بحكمه ، وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ويجالدون المردة الفجار ، وذلك باجماع من المسلمين لم اتفرد به وحدي ولم استبد بما كان الرأي فيه عندي ، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا تزوى عنك ولا تدخر دونك وانت سيدة امة ابيك والشجرة الطيبة لبنيك لا يدفع مالك من فضلك ولا يوضع فرعك واصلك وحكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين اني اخالف في ذلك اباكصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقالتعليها‌السلام :

سبحان الله ما كان ابي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتاب الله صادفاً ولا لاحكامه مخالفاً ، بل كان يتبع اثره ، ويقتفي سوره ، افتجمعون الى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته ، هذا كتاب الله حكماً عدلاً وناطقاً فضلاً يقول ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) ويقول : ( وورث سليمان داود ) فبين عز وجل فيما وزع من الاقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، واباح من حظ الذكران والاناث ، ما ازاح علة المبطلين ، وازال التظني والشبهات في الغابرين ، كلا ( بل سولت لكم انفسكم امراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) فقال ابو بكر :


١٣٧


صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته انت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة وركن الدين ، لا ابعد صوابك ولا انكر خطابك ، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت وباتفاق منهم اخذت ما اخذت غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر وهم بذلك شهود فالتفتت فاطمةعليها‌السلام الى الناس وقالت :

معاشر الناس المسرعة الى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر ( أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها ) كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من اعمالكم فأخذ بسمعكم وابصاركم لبئس ما تأولتم وساء ما به اشرتم وشر ما منه اعتضتم ، لتجدُن والله محمله ثقيلاً وغيَّه وبيلا اذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراء الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون وخسر هنالك المبطلون ، ثم عطفت على قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت :

قد كان بعـدك انباء وهنيثـة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الارض وابلها

واختل قومك فاشهدهم ولا تغيب

 قال صاحب بلاغات النساء : فما رأينا يوماً كان اكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم. قال السيد المرتضى والشيخ الطوسي في روايتيهما وغيرهما ، ثم انكفأت وامير المؤمنينعليه‌السلام يتوقع رجوعها اليه ويتطلع طلوعها عليه ، فلما استقرت بها الدار قالت لامير المؤمنينعليه‌السلام : يابن ابي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الاعزل ، هذا ابن ابي قحافة يبتزني نحيلة ابي وبلغة ( وبليغة خ ل ) ابني لقد اجهد في خصامي وألفيته الد في كلامي حتى حبستني قيلة


١٣٨


نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ولا ناصر ولا شافع ، خرجت كاظمة وعدت راغمة اضرعت خدك يوم اضعت جدك ، افترست الذئاب وافترشت التراب ، ما كففت قائلاً ولا اغنيت طائلاً ولا خيار لي ، ليتني مت قبل منيتي ودون ذاتي ، عذيري الله منك عادياً وفيك حامياً ، ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهت العضد ، شكواي الى ابي وعدواي الى ربي اللهم انك اشد قوة وحولاً واحد بأساً وتنكيلاً ( فقال ) لها امير المؤمنينعليه‌السلام : لا ويل لك بل الويل لشانئك ، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة وبقية النبوة فما وليت عن ديني ولا اخطأت مقدوري فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد لك افضل مما قطع عنك فاحتسبي الله (فقالت) : حسبي الله وامسكت ).

وهذا اللوم والتأنيب من الزهراء لأمير المؤمنينعليهما‌السلام لا ينافي عصمته وعصمتها وعلو مقامها ، فما هو الا مبالغة في انكار المنكر واظهار لما لحقها من شدة الغيظ كما فعل موسىعليه‌السلام لما رجع الى قومه غضبان أسفاً والقى الالواح واخذ برأس اخيه وشريكه في الرسالة يجره اليه. وقال ابن قتيبة في الامامة والسياسة قال عمر لابي بكر (رضي) : انطلق بنا الى فاطمة فانا قد اغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا علياً فكلماه فادخلهما عليها ، فلما قعدا عندها حولت وجهها الى الحائط ، فلما سلما عليها فلم تردعليهما‌السلام ، فتكلم ابو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله ان قرابة رسول الله احب الي من قرابتي ، وانك لاحب الي من عائشة ابنتي لوددت يوم مات ابوك اني مت ولا ابقى


١٣٩


بعدا ، افتراني اعرفك واعرف فصلك وشرفك وامنعك حقك وميراثك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الا اني سمعت اباك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، فقالت : ارأيتكما ان حدثتكما حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعرفانه وتفعلان؟ به قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن احب فاطمة ابنتي فقد احبني ومن ارض فاطمة فقد ارضاني ومن اسخط فاطمة فقد اسخطني ، قالا : نعم سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالت : فاني اشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما ارضيتماني ولئن لقيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لاشكونكما اليه ، فقال ابو بكر : انا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب يبكي حتى كادت نفسه ان تزهق ، وهي تقول : والله لادعون الله عليك في كل صلاة اصليها ، ثم خرج باكياً (الى ان قال) : فلم يبايع علي حتى ماتت فاطمة ولم تمكث بعد ابيها الا خمساً وسبعين ليلة.

ولما ولي معاوية اقطع فدكاً مروان بن الحكم. فوهبها مروان لولديه عبد الملك وعبد العزيز فلما ولي عمر بن عبد العزيز ردها على ولد علي وفاطمة ، فلما مات اخذها بنو مروان ، فلما ولي المأمون ردها على ولد علي وفاطمة ، فلما ولي المتوكل اخذها منهم. ولله درّ دعبل حيث يقول :

ارى فيـأهم في غيرهـم منقسمـا

وايديهـم من فيئـهم صفـرات

 ولهذه الخطية شروح مطولة ذكرها شيخنا الشيخ اغا بزرك الطهراني في اجزاء متفرقة من موسعته (الذريعة الى تصانيف الشيعة). لعل من اهمها :


١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214