زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد2%

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: النفوس الفاخرة
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: 688

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 688 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105268 / تحميل: 7962
الحجم الحجم الحجم
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٣٢-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وهناك وجه آخر قد يتبادر إلى الذهن : وهو أن بكاءها على ولديها قد كان يسبب الخجل والإحراج لأخيها الإمام الحسين ، باعتبار أنهما قتلا بين يديه ودفاعاً عنه ، فكان السيدة زينب ـ بسكوتها ـ تريد أن تقول للإمام الحسينعليه‌السلام : ولداي فداء لك ، فلا يهمك ولا يحرجك أنهما قتلا بين يديك. والله العالم.

__________________

وأما مصدر هذه الزيارة ، فقد حكى الشيخ المجلسي في كتاب ( بحار الأنوار ) طبع لبنان ، عام ١٤٠٣ هـ ، ج ٩٨ ص ٢٦٩ ، وص ٢٧١ ، عن كتاب ( إقبال الأعمال ) عن الشيخ الطوسي قال : خرج من الناحية سنة ٢٥٢ على يد الشيخ محمد بم غالب : « بسم الله الرحمن الرحيم ، إذا أردت زيارة الشهداء ( رضوان الله عليهم ) فقف عند رجلي الحسينعليه‌السلام وهو قبر علي بن ا لحسين ، فاستقبل القبلة بوجهك ، فإن هناك حومة الشهداء ».

والمقصود من جملة « خرج من الناحية » : هو كلما كان يصل إلى الشيعة من جانب الإمام علي الهادي ، ثم الإمام الحسن العسكري ، ثم الإمام المهدي ( صلوات الله عليهم ). والذي يناسب التاريخ المذكور ـ وهو سنة ٢٥٢ ـ أن تكون الزيارة قد صدرت من ناحية الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، والله العالم.

المحقق

٢٠١

مقتل سيدنا أبي الفضل العباس

لقد كانت العلاقات الودية بين السيدة زينب وبين أخيها أبي الفضل العباسعليهما‌السلام تمتاز بنوع خاص من تبادل المحبة والإحترام ، فقد كانت السيدة زينب تكن إخوتها من أبيها كل عكاطفة وود ، وكان ذلك العطف والتقدير يظهر من خلال كيفية تعاملها مع إخوانها الأكارم.

وكان سيدنا أبو الفضل العباس ـ بشكل خاص ـ يحترم أخته زينب احتراماً كثيراً جداً.

وفي طوال رحلة قافلة الإمام الحسينعليه‌السلام من مكة نحو العراق كان العباس هو الذي يقوم بشؤون السيدة زينب ، من مساعدتها حين الركوب أو النزول من المحمل ويبادر إلى تنفيذ الأوامر والطلبات بكل سرعة ومن القلب.

فالسيدة زينبعليها‌السلام محترمة ومحبوبة عند الجميع ،

٢٠٢

يحبونها لعواطفها وأخلاقها المثالية ، يضاف إلى ذلك : أنها عميدة الأسرة ، وعقيلة بني هاشم ، وابنة فاطمة الزهراء ، وسيدة نساء أهل البيت.

ومنذ وصول قافلة الإمام الحسين إلى أرض كربلاء في اليوم الثاني من شهر محرم ، إختار سيدنا العباس بن أمير المؤمنينعليهما‌السلام لنفسه نوعاً خاصاً من العبادة : وهي أنه كان إذا جن الليل يركب الفرس ويحوم حول المخيمات لحراسة العائلة.

والعباس : إسم لامع وبطل شجاع ، تطمئن إليه نفوس العائلة والنساء والأطفال ، ويعرفه الأعداء أيضاً ، فقد ظهرت منه ـ يوم صفين ـ شجاعة عظيمة جعلت إسمه يشتهر عند الجميع بالبطولة والبسالة ، ولا عجب من ذلك فهو ابن أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وفي يوم عاشوراء ، لما قتل أكثر أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام أقبل العباس إلى أخيه الحسين واستأذنه للقتال ، فلم يأذن له ، وقال : « أخي أنت صاحب لوائي ، فإذا غدوت يؤول جمعنا إلى الشتات ».

فقال العباس : يا سيدي لقد ضاق صدري وأريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين.

فقال له الإمام الحسينعليه‌السلام : « إذن فاطلب

٢٠٣

لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء ».(١)

فأقبل العباس وحمل القربة وتوجه نحو النهر ليأتي بالماء ، وإلى أن وصل إلى الماء وملأ القربة ، وتوجه نحو خيام الإمام الحسينعليه‌السلام . فجعل الأعداء يرمونه بالسهام ـ كالمطر ـ حتى صار درعه كالقنفذ ، ثم قطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب ، فحاربهم وقاتلهم قتال الأبطال ، وكان جسوراً على الطعن والضرب.

فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وضربه بالسيف على يمينه فقطعها ، فأخذ السيف بشماله واستمر في القتال ، فضربه لعين على شماله فقطع يده ، وجاءته السهام والنبال من كل جانب ، وجاء سهم وأصاب القربة فأريق ماؤها ، وضربه الأعداء بعمود من حديد على رأسه ، فسقط على الأرض صريعاً ، ونادى ـ بأعلى صوته ـ : أدركني يا أخي!

وكان الإمام الحسينعليه‌السلام قد وقف على ربوة عند باب الخيمة وهو ينظر إلى ميدان القتال ، وكانت السيدة زينب واقفة تنظر إلى وجه أخيها ، وإذا بالحزن قد غطى ملامح الإمام الحسين! فقالت زينب : أخي مالي أراك قد تغير وجهك؟

__________________

١ ـ كتاب « تظلم الزهراء » ص ٢١٠.

٢٠٤

فقال : أخيه لقد سقط العلم وقتل أخي العباس!

فكان السيدة زينب إنهد ركنها ، وجلست على الأرض وصرخت : وا أخاه! وا عباساه!

وا قلة ناصراه ، واضيعتاه من بعدك يا أبا الفضل!

فقال الإمام الحسين : « إي والله ، من بعده وا ضيعتاه! وا إنقطاع ظهراه!

وأقبل الحسين ـ كالصقر المنقض ـ حتى وصل إلى أخيه فرآه صريعاً على شاطئ الفرات ، فنزل عن فرسه ووقف عليه منحنياً ، وجلس عند رأسه ، وبكى بكاءً شديداً ، وقال : « يعز ـ والله ـ علي فراقك ، الآن إنكسر ظهري ، وقلت حيلتي ، وشمت بي عدوي ».

٢٠٥

مقتل الطفل الرضيع

قال السيد ابن طاووس(١) : لما رأى الحسينعليه‌السلام مصارع فتيانه وأحبته عزم على لقاء القوم بمهجته ، ونادى :

هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟

هل من موحد يخاف الله فينا؟

هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟

هل من معين يرجو ما عند الله بإعانتنا؟

فارتفعت اصوات النساء بالعويل ، فتقدم الإمامعليه‌السلام إلى باب الخيمة وقال لأخته زينب : ناوليني ولدي الرضيع حتى أودعه.

__________________

١ ـ في كتاب الملهوف ص ١٦٨ / وذكر في كتاب بحار الأنوار ج ٤٥ ص ٤٦.

٢٠٦

فأخذه وأوما إليه ليقبله فرماه حرملة بن كاهل بسهم فوقع في نحره فذبحه.

فقال الحسين لأخته زينب : خذيه.

ثم تلقى الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء وقال : هون علي ما نزل بي أنه بعين الله.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.(١)

وفي رواية أخرى : أن الإمام الحسينعليه‌السلام حينما طلب طفله الرضيع ليودعه ، أقبلت السيدة زينبعليها‌السلام بالطفل ، وقد غارت عيناه من شدة العطش ، فقالت : يا أخي هذا ولدك له ثلاثة أيام ما ذاق الماء ، فاطلب له شربة ماء.

فأخذه الإمام الحسينعليه‌السلام على يده ، وأقبل نحو أهل الكوفة وقال : « يا قوم : قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري ، وما بقي غير هذا الطفل ، وهو يتلظى عطشاً ، من غير ذنب أتاه إليكم ، فاسقوه شربةً من الماء ، ولقد جف اللبن في صدر أمه!

يا قوم! إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل ، فبينما

__________________

١ ـ كتاب « معالي السبطين » ، ج ١ ، ص ٢٥٩ ، المجلس السادس عشر.

٢٠٧

هو يخاطبهم إذا أتاه سهم فذبح الطفل من الأذن إلى الأذن!!

فجعل الإمام الحسينعليه‌السلام يتلقى الدم حتى امتلأت كفه ، ورمى به إلى السماء ، وخاطب نفسه قائلاً : « يا نفس اصبري واحتسبي فيما أصابك » ثم قال : إلهي ترى ما حل بنا في العاجل ، فاجعل ذلك ذخيرةً لنا في الآجل ».(١)

وجاء في بعض كتب التاريخ : أن الإمام الحسينعليه‌السلام لما رجع بالرضيع مذبوحاً إلى الخيام ، رأى الأطفال والبنات ـ ومعهن أم الرضيع ـ واقفات بباب الخيمة ينتظرن رجوع الإمام ، لعلهن يحصلن على بقايا من الماء الذي قد يكون الإمام سقاه لطفله.

فلما رأى الإمام الحسين ذلك ، غير طريقه ، وذهب وراء الخيام ، ونادى أخته زينب لتأتي وتمسك جثمان الرضيع لكي يخرج الإمام خشبة السهم من نحر الطفل!!

ويعلم الله ماذا جرى على قلب الإمام الحسين وقلب السيدة زينبعليهما‌السلام ساعة إخراج السهم من نحر الطفل.

ثم إن الإمام حفر الأرض ودفن طفله الرضيع تحت التراب.

__________________

١ ـ كتاب « معالي السبطين » ، ج ١ ، ص ٢٥٩ ، المجلس السادس عشر.

٢٠٨

٢٠٩

الفصل العاشر

الإمام الحسين يودع ولده المريض

الإمام الحسين يودع السيدة زينب

الإمام الحسين يخرج إلى ساحة الجهاد

عودة فرس الإمام إلى المخيم

ذهاب السيدة زينب إلى المعركة

٢١٠

٢١١

الإمام الحسين عليه السلام

يودع ولده المريض

كانت ساعات يوم عاشوراء تقترب نحو العصر ، دقيقة بعد دقيقة ، والإمام الحسينعليه‌السلام يعلم باقتراب تلك اللحظة التي يفارق فيها الحياة بأفجع صورة وأفظع كيفية.

وها هو ينتهز تلك اللحظات ليقوم بما يلزم ، فقد جاء ليودع ولده البار المريض : الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليهما‌السلام .

وكانت السيدة زينبعليها‌السلام ـ والتي تفايضت صحيفة أعمالها بالحسنات ـ قد أضافت إلى حسناتها حسنةً أخرى ، وهي تمريض الإمام زين العابدينعليه‌السلام وتكفل شؤونه.

ودخل الإمام الحسين على ولده في خيمته ، وهو طريح على

٢١٢

نطع الأديم(١) ، فلا سرير ولا فراش وثير ، قد امتص المرض طاقات بدنه ، لا طاقات روحه المرتبطة بالعالم الأعلى.

فدخل عليه ، وعنده السيدة زينب تمرضه ، فلما نظر علي بن الحسين إلى أبيه أراد أن ينهض فلم يتمكن من شدة المرض ، فقال لعمته :

« سنديني إلى صدرك ، فهذا ابن رسول الله قد أقبل ».

فجلست السيدة زينب خلفه ، وسندته إلى صدرها.

فجعل الإمام الحسينعليه‌السلام يسأل ولده عن مرضه ، وهو يحمد الله تعالى ، ثم قال : يا أبت ما صنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين؟

فقال له الحسينعليه‌السلام : « يا ولدي إستحوذ عليهم الشيطان ، فأنساهم ذكر الله ، وقد شب القتال بيننا وبينهم ، حتى فاضت الأرض بالدم منا ومنهم ».

فقال : يا أبتاه أين عمي العباس؟

فلما سأل عن عمه إختنقت السيدة زينب بعبرتها ، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه؟ لأنه لم يخبره ـ قبل ذلك ـ بمقتل العباس خوفاً من أن يشتد مرضه.

__________________

١ ـ النطع : بساط من الجلد يفرش تحت الإنسان. الأديم : الجلد المدبوع.

٢١٣

فقال : « يا بني إن عمك قد قتل ، وقطعوا يديه على شاطئ الفرات ».

فبكى علي بن الحسين بكاءً شديداً حتى غشى عليه ، فلما افاق من غشيته جعل يسأل أباه عن كل واحد من عمومته ، والحسينعليه‌السلام يقول له : قتل.

فقال : وأين أخي علي ، وحبيب بن مظاهر ، ومسلم بن عوسجة وزهير بن القين؟

فقال له : يا بني! إعلم أنه ليس في الخيام رجل إلا أنا وأنت ، وأما هؤلاء الذين تسأل عنهم فكلهم صرعى على وجه الثرى.

فبكى علي بن الحسين بكاءً شديداً ، ثم قال ـ لعمته زينب ـ : يا عمتاه علي بالسيف والعصا.

فقال له أبوه : وما تصنع بهما؟

قال : أما العصا فاتوكأ عليها ، وأما السيف فأذب به بين يدي أبن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه لا خير في الحياة بعده.

فمنعه الحسينعليه‌السلام عن ذلك وضمه إلى صدره ، وقال له : يا ولدي! أنت أطيب ذريتي ، وأفضل عترتي ، وأنت خليفتي على هؤلاء العيال والأطفال ، فإنهم غرباء ،

٢١٤

مخذولون ، قد شملتهم الذلة(١) ، واليتم ، وشماتة الأعداء ، ونوائب الزمان.(٢)

سكتهم إذا صرخوا ، وآنسهم إذا استوحشوا ، وسل خواطرهم بلين الكلام ، فإنه ما بقي من رجالهم من يستأنسون به غيرك ، ولا أحد عندهم يشتكون إليه حزنهم سواك.

دعهم يشموك وتشمهم ، ويبكوا عليك وتبكي عليهم ».

ثم لزمه بيده وصاح بأعلى صوته : « يا زينب! ويا أم كلثوم ، ويا رقية! ويا فاطمة!

إسمعن كلامي ، وأعلمن أن إبني هذا خليفتي عليكم وهو إمام

__________________

١ ـ الذلة على قسمين : ظاهرية وواقعية ، ولا شك أن المراد من الذلة ـ هنا ـ : الذلة الظاهرية وليست الوكاقعية ، وعلى هذا المعنى يحمل قول الإمام الرضاعليه‌السلام : « إن يوم الحسين أذل عزيزنا ».

ولعل المقصود من الذلة : هو وقوع حفيدات النبوة وبنات الإمامة في أسر الأعداء ، ومعاناتهن من التعامل القاسي من أولئك.

المحقق

٢ ـ النوائب ـ جمع نائبة ـ : المصائب والمتاعب التي يراها الإنسان طوال حياته. سميت بـ « النوائب » لأن الإنسان كلما تخلص من مصيبة ظهرت في حياته مصيبة أخرى ومن نوع آخر ، فكأن المصيبة اللاحقة نابت عن المصيبة السابقة ، وحلت مكانها ، فسميت بـ « النائبة ».

المحقق

٢١٥

مفترض الطاعة ».

ثم قال له : « يا ولدي بلغ شيعتي عني السلام ، وقل لهم : إن أبي مات غريباً فاندبوه ، ومضى شهيداً فابكوه ».(١)

__________________

١ ـ كتاب ( الدمعة الساكبة ) للبهبهاني ، طبع لبنان ، عام ١٤٠٩ هـ ، ج ٤ ، ص ٣٥١ ـ ٣٥٢.

المحقق

٢١٦

٢١٧

الإمام الحسين يودع السيدة زينب

يعتبر التوديع نوععاً من التزود من الرؤية ، فالمسافر يتزود من رؤية من سيفارقهم وهم يتزودون من رؤيته ، والوداع يخفف ألم البعد والفراق ، لأن النفس تكون قد استوفت قسطاً من رؤية الغائب ، وتوطنت على المفارقة ومضاعفاتها.

ولهذا جاء الإمام الحسينعليه‌السلام ليودع عقائل النبوة ، ومخدرات الرسالة ، وودائع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليودع النساء والأخوات والبنات وأطفاله الأعزاء ، وليخفف عنهم صدمة مصيبة الفراق.

قد تحدث في هذا العالم حوادث وقضايا يمكن شرحها ووصفها ، وقد تحدث أمور يعجز القلم واللسان عن شرحها ووصفها ، بل لا يمكن تصورها.

إنني أعتقد أن تلك الدقائق واللحظات ـ من ساعات

٢١٨

التوديع ـ كانت تجاوزت حدود الوصف والبيان.

فالأحزان قد بلغت منتهاها ، والقلق والاضطراب قد بلغ أشده ، والعواطف قد هاجت هيجان البحار المتلاطمة ، والدموع متواصلة تتهاطل كالمطر ، وأصوات البكاء لا تنقطع ، والقلوب ملتهبة ، بل مشتعلة ، والهموم والغموم متراكمة مثل تراكم الغيوم.

فبعد أن قتل جميع أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام وبنو هاشم ، ولم يبق من الرجال أحد ، عزم الإمام على لقاء الله تعالى ، وعلى ملاقاة الأعداء بنفسه المقدسة ، فأقبل إلى المخيم للوداع ، ونادى : « يا سكينة ويا فاطمة ، يا زينب ويا أم كلثوم : عليكن مني السلام ، فهذا آخر الإجتماع ، وقد قرب منكن الإفتجاع!

فعلت أصواتهن بالبكاء ، وصحن : الوداع الوداع ، الفراق الفراق ، فجاءته عزيزته سكينة وقالت : يا أبتاه إستسلمت للموت؟ فإلى من أتكل؟

فقال لها : « يا نور عيني كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين ، ورحمة الله ونصرته لا تفارقكم في الدنيا والآخرة ، فاصبري على قضاء الله ولا تشكي ، فإن الدنيا فانية ، والآخرة باقية.

قالت : أبه ردنا إلى حرم جدنا رسول الله؟

٢١٩

فقال الإمام الحسين : هيهات ، لو ترك القطا لغفا ونام.

فبكت سكينة فأخذها الإمام وضمهما إلى صدره ، ومسح الدموع عن عينيها.

ثم إن الإمام الحسينعليه‌السلام دعى النساء بأجمعهن ، وقال لهن : « إستعدوا للبلاء ، واعلموا أن الله حافظكم وحاميكم ، وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذب أعاديكم بأنواع العذاب ، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة ، فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم ».

ثم أمرهن بلبس أزرهن ومقانعهن ، فسألته السيدة زينب عن سبب ذلك ، فقال : « كأني أراكم عن قريب كالإماء والعبيد يسوقونكم أمام الركاب ويسومونكم سوء العذاب!!

فلما سمعت السيدة زينب ذلك بكت ونادت : واوحدتاه ، واقلة ناصراه ، ولطمت على وجهها!

فقال لها الإمام الحسين : « مهلاً يا بنة المرتضى ، إن البكاء طويل »!!

ثم أراد الإمام أن يخرج من الخيمة فتعلقت به السيدة زينب وقالت : « مهلاً يا أخي ، توقف حتى أتزود منك ومن

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688