زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد8%

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: النفوس الفاخرة
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: 688

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد
  • البداية
  • السابق
  • 688 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105330 / تحميل: 7976
الحجم الحجم الحجم
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: ٩٦٤-٧١٦٥-٣٢-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

القسم السابع

الأحاديث الواردة عنهمعليهم‌السلام في

أن ما بأيدي الناس هو القرآن النازل من عند الله

وصريح جملة من الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت، أنهمعليهم‌السلام كانوا يعتقدون في هذا القرآن الموجود بأنّه هو النازل من عند الله سبحانه على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه الأحاديث كثيرة ننقل هنا بعضها:

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

«كتاب ربّكم فيكم، مبيّناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصّه وعامّه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسّراً مجمله، ومبيّناً غوامضه، بين مأخوذ ميثاق في علمه، وموسّع على العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السنّة نسخه، وواجب في السنّة أخذه، ومرخّص في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه، من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبوله في أدناه، موسّع في أقصاه»(1) .

وقالعليه‌السلام : «أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تبليغه وأدائه؟ والله سبحانه يقول:( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) وقال:

__________________

(1) نهج البلاغة 44 | 1.

٤١

( فيه تبيان لكل شيء ) وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً، وأنّه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه:( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به»(1) .

وعن الريان بن الصلت قال: «قلت للرضاعليه‌السلام يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟

فقال: كلام الله، لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا»(2) .

وجاء فيما كتبه الإمام الرضاعليه‌السلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين:

«وإنّ جميع ما جاء به محمد بن عبدالله هو الحق المبين، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه.

والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وأنه المهيمن على الكتب كلّها، وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه، وخاصّه وعامّه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وقصصه وأخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله»(3) .

وعن علي بن سالم عن أبيه قال: «سألت الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام فقلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟

__________________

(1) نفس المصدر 61 / 18.

(2) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2: 57. الأمالي 546.

(3) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق 2: 130.

٤٢

فقال: هو كلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) »(1) .

(3)

قول عمر بن خطاب: حسبنا كتاب الله

ومن الرزايا العظيمة والكوارث الفادحة التي قصمت ظهر المسلمين وأدّت إلى ضلال أكثرهم عن الهدى الذي أراده لهم الله ورسوله، ذلك الخلاف الذي حدث عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف، بين صحابته الحاضرين عنده في تلك الحال.

ومجمل القضية هو: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما حضرته الوفاة وعنده رجال من صحابته - فيهم عمر بن الخطاب - قال: هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، وفي لفظ آخر: إئتوني بالكتف والدواة - أو: اللوح والدواة - أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً.

فقال عمر: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع(2) ، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.

وفي لفظ آخر: فقالوا: إنّ رسول الله يهجر. - من دون تصريح

__________________

(1) الأمالي: 545.

(1) قال سيدنا شرف الدين: «وقد تصرّفوا فيه: فنقوله بالمعنى، لأنّ لفظه الثابت: إنّ النبي يهجر. لكنهم ذكروا أنّه قال: إنّ النبي قد غلب عليه الوجع، تهذيباً للعبارة، واتقاء فظاعتها ...» النصّ والإجتهاد: 143.

٤٣

باسم المعارض -!

فاختلف الحاضرين، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر!

فلما أكثروا ذلك عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم: قوموا عنّي(1) .

وليس نحن الآن بصدد محاسبة هذا الرجل على كلامه هذا الذي غيّر مجرى التأريخ، وحال دون ما أراده الله والرسول لهذه الامة من الخير والصلاح والرشاد، إلى يوم القيامة، حتى أنّ ابن عباس كان يقول - فيما يروى عنه -:

«يوم الخميس وما يوم الخميس» ثم يبكي(2) .

وكان رضي الله عنه يقول:

«إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كتابه»(3) .

وإنّما نريد الإستشهاد بقوله: «إن عندنا القرآن، حسبنا كتاب الله» الصريح في وجود القرآن عندهم مدوّناً مجموعاً حينذاك، ويدل على ذلك أنّه لم يعترض عليه أحد - لا من القائلين قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً، ولا من غيرهم - بأنّ سور القرآن وآياته متفرقة مبثوثة، وبهذا تم لعمر بن الخطاب والقائلين مقالته ما أرادوا من الحيلولة بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كتابة الكتاب.

__________________

(1) راجع جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والسير وكتب الكلام، تجد القضية باختلاف ألفاظها وأسانيدها.

(2) صحيح البخاري 2: 118.

(3) نفس المصدر ج 1 كتاب العلم، باب كتابة العلم.

٤٤

(4)

الإجماع

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن: إجماع العلماء في كل الأزمان كما في كشف الغطاء وفي كلام جماعة من كبار العلماء، وهو ظاهر كلمة «إلينا» أي «الإمامية» في قول الشيخ الصدوق «ومن نسب إلينا فهو كاذب».

وقال العلاّمة الحلّي: «واتّفقوا على أنّ ما نقل إلينا متواتراً من القرآن، فهو حجة لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مكلّفاً بإشاعة ما نزل عليه من حجة لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مكلّفاً بإشاعة ما نزل عليه من القرآن إلى عدد التواتر، ليحصل القطع بنبوّته في أنّه المعجزة له. وحينئذ لا يمكن التوافق على ما نقل مما سمعوه منه بغير تواتر، وراوي الواحد إن ذكره على أنّه قرآن فهو خطأ والإجماع دلّ على وجوب إلقائهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عدد التواتر، فإنه المعجزة الدالّة على صدقه، فلو لم يبلغه إلى حدّ التواتر انقطعت معجزته، فلا يبقى هناك حجّة على نبوّته»(1) .

وقال السيّد العاملي: «والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه وألفاظه وحركاته وسكناته ووضعه في محلّة، لتوفّر الدواعي على نقله من المقر لكونه أصلاً لجميع الأحكام، والمنكر لإبطاله لكونه معجزاً. فلا يعبأ بخلاف من خالف أو شك في المقام»(2) .

وقال الشيخ البلاغي: «ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين

__________________

(1) نهاية الوصول - مبحث التواتر.

(2) مفتاح الكرامة 2: 390.

٤٥

 عامة المسلمين جيلاً بعد جيل، استمرت مادته وصورته وقراءته المتداولة على نحو واحد، فلم يؤثّر شيئاً على مادّته وصورته ما يروى عن بعض الناس من الخلاف في قراءته من القراء السبع المعروفين وغيرهم»(1) .

ومن المعلوم أنّ الإجماع حجّة لدى المسلمين، أمّا عند الإمامية فلأنّه كاشف عن رأي المعصومعليه‌السلام (2) بل عدم النقصان من الضروريّات كما في كلام السيد المرتضى، وقد نقل بعض الأكابر عباراته ووافقه على ما قال.

 (5)

تواتر القرآن

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن تواتره من طرق الإماميّة بجميع حركاته وسكناته، وحروفه وكلماته، وآياته وسورة، تواتراً قطعياً عن الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام عن جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

فهم يعتقدون بأن هذا القرآن الموجود بأيدينا هو المنزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا زيادة ولا نقصان. قال الصّدوق: «إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشر سورة ...».

__________________

(1) آلاء الرحمن - الفصل الثالث من المقدمة.

(2) يراجع بهذا الصدد كتب اصول الفقه.

(3) أجوبة مسائل جار الله لشرف الدين، مجمع البيان عن السيد المرتضى.

٤٦

(6)

إعجاز القرآن

ومن الأدلّة على عدم التحريف هو: أنّ التحريف ينافي كون القرآن معجزاً، لفوات المعنى بالتحريف، لأنّ مدار الإعجاز هو الفصاحة والبلاغة الدائرتان مدار المعنى، ومن المعلوم أنّ القرآن معجز باق.

وهذه عبارة «بشرى الوصول» في الوجه الثالث من الوجوه التي ذكرها على عدم تحريف القرآن.

وقد جاءت الإشارة إلى هذا الوجه في كلام السيد المرتضى حيث قال في استدلاله: «لأنّ القرآن معجزة النبوّة» وفي كلام العلاّمة الحلّي:

«إنّ القول بالتحريف يوجب التطرّق إلى معجزة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنقولة بالتواتر».

وفي كلام كاشف الغطاء: «إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ...».

٤٧

 (7)

صلاة الإمامية

ومن الأدلّة على اعتقاد الإماميّة بعدم سقوط شيء من القرآن الكريم: صلاتهم، لأنّهم يوجبون قراءة سورة كاملة(1) . بعد الحمد في الركعة الاولى والثانية(2) من الصلوات الخمس اليوميّة من سائر سور القرآن عدا الفاتحة، ولا يجوز عند جماعة كبيرة منهم القران منهم القران بين سورتين(3) .

قال السيد شرف الدين:

«وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل ظاهر على اعتقادهم بكون سور القرآن بأجمعها زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هي عليه الآن، وإلاّ لما تسنّى لهم هذا القول»(4) .

__________________

(1) أجوبة مسائل جار الله، وهذا هو المشهور بين الفقهاء، بل ادّعى جماعة عليه الإجماع، أنظر مفتاح الكرامة 2: 350.

(2) أما في الثالثة والرابعة فهو بالخيار إن شاء قرأ الحمد وان شاء سبح إجماعاً، وإن اختلفوا في أفضليّة أحد الفردين.

(3) جواهر الكلام والرياض وغيرهما. وقد ذكر جماعة من قدعاء الفقهاء والمفسرين إستثناء سورتي (الضحى وألم نشرح) وسورتي (الفيل والأيلاف) من هذا الحكم، مصرّحين بوجوب قران كل سورة منها بصاحبتها. أنظر مفتاح الكرامة 2: 385.

(4) أجوبة مسائل جار الله: 28.

٤٨

(8)

كون القرآن مجموعاً على عهد النبي (ص)

ومن الأدلّة على عدم وجود النقص في القرآن ثبوت كونه مجموعاً على عهد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، موجوداً كذلك بين المسلمين كما يدل على ذلك من الأخبار في كتب الفريقين، ومن ذلك أخبار أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقراءة القرآن وتدبّره وعرض ما يروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه وقد تقدم بعضها، وإنّ جماعة من الصحابة ختموا القرآن على عهده، وتلوه، وحفظوه، يجد أسماءهم من راجع كتب علوم القرآن، وإنّ جبرئيل كان يعارضهصلى‌الله‌عليه‌وآله به كل عام مرة، وقد عارضه به عام وفاته مرتين(1) .

وكل هذا الذي ذكرنا دليل واضح على أنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الذي كان بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وصحابته على عهده فما بعد، من غير زيادة ولا نقصان.

وقد ذكر هذا الدليل جماعة.

__________________

(1) روى ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع الكتب الحديثيّة وغيرها، حتى كاد يكون من الأمور الضرورية.

٤٩

(9)

اهتمام النبي (ص) والمسلمين بالقرآن

وهل يمكن لأحد من المسلمين إنكار إهتمام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن؟!

لقد كان حريصاً على نشر سور القرآن بين المسلمين بمجرد نزولها، مؤكداً عليهم حفظها ودراستها وتعلّمها، مبيناً لهم فضل ذلك وثوابه وفوائده في الدنيا والآخرة.

فحثّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وترغيبه بحفظ القرآن في الصدور والقراطيس ونحوها، وأمره بتعليمه وتعلّمه رجالاً ونساءً وأطفالاً، مما ثبت بالضرورة بحيث لا يبقى مجال لإنكار المنكر وجدال المكابر.

وأمّا المسلمون، فقد كانت الدواعي لديهم لحفظ القرآن والعناية به متوفّرة، ولذا كانوا يقدّمونه على غيره في ذلك، لأنّه معجزة النبوة الخالدة ومرجعهم في الأحكام الشرعيّة والامور الدينيّة، فكيف يتصور سقوط شيء منه والحال هذه؟!

نعم، قد يقال: إنّه كما كانت الدواعي متوفّرة لحفظ القرآن وضبطه وحراسته، كذلك كانت الدواعي متوفّرة على تحريفه وتغييره من قبل المنافقين وأعداء الإسلام والمسلمين، الذين خابت ظنونهم في أن يأتوا بمثله أو بمثل عشر سور منه أو أية من أياته.

ولكن لا مجال لهذا الاحتمال بعد تأييد الله سبحانه المسلمين في العناية والإهتمام بالقرآن، وتعهّده بحفظه بحيث( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .

٥٠

الفصل الثالث

أحاديث التحريف في كتب الشّيعة

قد ذكرنا في الفصل الأول شطراً من تصريحات كبار علماء الإمامية في القرون المختلفة في أنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا مصون من التحريف، وهناك كلمات غير هذه لم نذكره اختصاراً، وربما تقف على تصريحات أو أسماء لجماعة آخرين منهم في غضون البحث.

وعرفت في الفصل الثاني أدلّة الإمامية على نفي التحريف وهي:

1 - آيات من القرآن العظيم.

2 - أحاديث عن النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام، وهي على أقسام.

3 - قول عمر بن الخطاب: حسبنا كتاب الله.

4 - الإجماع.

5 - تواتر القرآن.

6 - إعجاز القرآن.

7 - صلاة الإمامية.

٥١

8 - كون القرآن مجموعاً على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

9 - عناية القرآن مجموعاً على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا، ولم ينكر أحد من أولئك الأعلام وجود أحاديث في كتب الشيعة، تفيد بظاهرها سقوط شيء من القرآن، بل نصّ بعضهم على كثرتها - كما توجد في كتبهم روايات ظاهرة في الجبر والتفويض، وفي التشبيه والتجسيم، ونحو ذلك - لكنهم أعرضوا عن تلك الأحاديث ونفوا وقوع التحريف في القرآن، بل ذهب البعض منهم إلى قيام إجماع الطائفة على ذلك، ومجرد إعراضهم عن حديثٍ يوجب سقوطه عن درجة الإعتبار، كما تقرّر في علم اصول الفقه.

ونحن في هذا المقام نوضّح سبب إعراضهم عن أخبار التحريف وندلّل على حصته ونقول:

تعيين موضوع البحث

هناك في كتب الإمامية روايات ظاهرة في تحريف القرآن، لكنّ دعوى كثرتها لا تخلو من نظر، لأنّ الذي يمكن قبوله كثرة ما دلّ على التحريف بالمعنى الأعم(1) وقد جاء هذا في كلام الشيخ أبي جعفر

 __________________

(1) يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدّة معان على سبيل الإشتراك:

أ - نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره.

ب - النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات مع حفظ القرآن وعدم ضياعه، وإن لم يكن متميزاً في الخارج عن غيره.

جـ - النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين مع التحفّظ على نفس القرآن المنزل.

٥٢

الطوسي، فإنّه - بعد أن استظهر عدم النقصان من الروايات - قال: «غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع».

وأما ما دلّ على التحريف بالمعنى الأخصّ الذي نبحث عنه وهو «النقصان» فلا يوافق على دعوى كثرته في كتب الامامية، ومن هنا وصفت تلك الروايات في كلمات بعض المحقّقين كالشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ محمد جواد البلاغي بالشذوذ والندرة.

وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلى قسمين:

الأول: الرويات الضعيفة أو المرسلة أو المقطوعة. وبكلمة جامعة: غير المعتبرة سنداً. والظاهر أنّ هذا القسم هو القسم هو الغالب فيها، ويتضح ذلك بملاحظة أسانيدها، ويكفي للوقوف على حال أحاديث الشيخ الكليني منها - ولعلّها هي عمدتها - مراجعة كتاب (مرآة العقول) للشيخ محمد باقر المجلسي، الذي هو من أهمّ كتب الحديث لدى الإماميّة، ومن أشهر شروح «الكافي» وأهمّها.

ومن الأعلام الذين دقّقوا النظر في أسانيد هذه الروايات ونصّوا على عدم اعتبارها: الشيخ البلاغي في (آلاء الرحمن) والسيد الخوئي

__________________

 د - التحريف بالزيادة والنقصية في الآية والسورة مع التحفّظ على القرآن المنزل.

هـ - التحريف بالزيادة، بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل.

و - التحريف بالنقيصة، بمعنى أنّ المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن المنزل.

وموضوع بحثنا هو التحريف بالمعنى الأخير، ونعني بالمعني الأعمّ ما يعمّ جميع المعاني المذكورة.

٥٣

في (البيان) والسيد الطباطبائي في (الميزان). ومن المعلوم عدم جواز الإستناد إلى هكذا روايات في أيّ مسألة من المسائل، فكيف بمثل هذه المسألة الاصولية الإعتقادية؟!

والثاني: الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لا مجال للخدش فيها.

ولكن هذا القسم يمكن تقسيمه إلى طائفتين:

الاولى: ما يمكن حمله وتأويله على بعض الوجوه، بحيث يرتفع التنافي بينها وبين الروايات والأدلّة الاخرى القائمة على عدم التحريف.

والثانية: ما لا يمكن حمله وتوجيهه.

وبهذا الترتيب يتّضح لنا أنّ ما روي من جهة الشيعة بنقصان آي القرآن قليل جداً، لانّ المفروض خروج الضعيف سنداً والمؤوّل دلالة عن دائرة البحث.

إنّها مصادمة للضرورة

وأوّل ما في هذه الروايات القليلة أنّها مصادمة للضرورة، ففي كلمات عدّة من أئمة الإمامية دعوى الضرورة على كون القرآن مجموعاً على عهد النبّوة، فقد قال السيد المرتضى: «إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة»(1) .

وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «لا عبرة بالنادر، وما ورد

__________________

(1) المسائل الطرابلسيات، نقلاً عن مجمع البيان للطبرسي 1: 15.

٥٤

من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها»(1) .

وقال السيد شرف الدين العاملي: «إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوة، مؤلفاً على ما هو عليه الآن وهذا كلّه من الامور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية»(2) .

وقال السيد الخوئي: «إنّ من يدّعي التحريف يخالف بداهة العقل»(3) .

إنها مخالفة لظاهر الكتاب

فإن نوقش في هذا، فلا كلام في مخالفة روايات التحريف لظاهر الكتاب حيث قال عزّ من قائل:( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) ليكون قدوة للامة وبرنامجاً لأعمالها، ومستقى لأحكامها ومعارفها، ومعجزة خالدة. ومن المعلوم المتسالم عليه: سقوط كل حديث خالف الكتاب وإن بلغ في الصحّة وكثرة الأسانيد ما بلغ، وبهذا صرّحت النصوص عن النبي والأئمةعليهم‌السلام ، ومن هنا أعرض علماء الإمامية الفطاحل - الأصوليّون والمحدّثون - عن هذه الأحاديث قال المحدّث الكاشاني في (الصافي): «إنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذّب له فيجب ردّه»(4) .

فإن نوقش في هذا أيضاً فقيل بأنّه استدلال مستلزم للدور، أو

__________________

(1) كشف الغطاء في الفقه، ونقله عنه شرف الدين في أجوبة المسائل: 33.

(2) أجوبة مسائل جار الله: 30.

(3) البيان: 27.

(4) تفسير الصافي 1: 46.

٥٥

قيل بأن الضمير في «له» عائد إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن هذه الروايات تطرح لما يلي:

إنها موافقة لأخبار العامة

أولاً: إنّها موافقة للعامة، فإنّ القول بالتحريف منقول عن الذين يقتدون بهم من مشاهير الصحابة، وعن مشاهير أئمتهم وحفاظهم، وأحاديثه مخرّجة في أهمّ كتبهم وأوثق مصادرهم كما سيأتي في بابه، وهذا وجه آخر لسقوط أخبار التحريف عند فرض التعارض بينها وبين روايات العدم، كما تقرّر ذلك في علم اصول الفقه.

إنها نادرة

ثانياً: إنّها شاذة ونادرة، والروايات الدالّة على عدم التحريف مشهورة أو متواترة، كما في كلمات الأعلام كالشيخ كاشف الغطاء وغيره، وسيأتي الجواب عن شبهة تواتر ما دلّ على التحريف، فلا تصلح لمعارضة تلك الروايات، بل مقتضى القاعدة المقرّرة في علم الاصول لزوم الأخذ بما اشتهر ورفع اليد به عن الشاذ النادر.

إنها أخبار آحاد

ثالثاً: إنّه بعد التنزّل عن كلّ ما ذكر، فلا ريب فلا ريب في أنّ روايات التحريف أخبار آحاد، وقد ذهب جماعة من أعلام الإمامية إلى عدم حجّية الآحاد مطلقاً ومن يقول بحجّيتها لا يعبأ بها في المسائل الإعتقادية، وهذا ما نصّ عليه جماعة.

٥٦

من اخبار التحريف

وبعد، فلا بأس بذكر عدد من أهمّ الروايات الموجودة في كتاب الإمامية - التي ادّعى بعض العلماء ظهورها في النقصان - وعلى هذه فقس ما سواها.

ولا بدّ من عرض تلك الأحاديث بنصوصها، ثم الكلام عليها بالنظر إلى اسانيدها وفي مدى دلالتها على المدعى، وما يترتّب عليها من شبهات ووجوه الجواب عنها.

وأهمّ الأحاديث التي قد يستند إليها للقول بتحريف القرآن هي الأحاديث التالية:

1 - عن جابر، قال:

«سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام والأئمّة من بعدهعليهم‌السلام »(1) .

2 - عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام إنّه قال:

«ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء»(2) .

3 - عن سالم بن سلمة، قال:

«قرأ رجل على أبي عبداللهعليه‌السلام - وأنا أسمع - حروفاً من

__________________

(1) الكافي 1: 178، ورواه الصّفار في بصائر الدرجات: 13.

(2) الكافي 1: 178، بصائر الدرجات: 213.

٥٧

القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبداللهعليه‌السلام :

مه، كفّ عن هذه القراءة، إقرأ كما يقرأ الناس، حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله تعالى على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه عليعليه‌السلام .

وقال: أخرجه علي إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله تعالى كما أنزله على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جمعته بين اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه. فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه»(1) .

4 - عن ميسر، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال:

«لولا أنّه زيد في كتاب الله ونقص عنه، ما خفي حقّنا على ذي حجا، ولو قد قام قائمنا فنظق صدّقه القرآن»(2) .

5 - عن الأصبغ بن نباتة، قال:

«سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام»(3) .

وعن أبي عبداللهعليه‌السلام قال:

«إنّ القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم، وفصل ما بينكم»(4) .

__________________

(1) الكافي 2: 462.

(2) تفسير العياشي 10: 13.

(3) الكافي 2: 459.

(4) الكافي 2: 459.

٥٨

وعن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال:

«نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام»(1) .

6 - عن محمد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال:

«قلت له: جعلت فداك، إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟

فقال: لا، إقرؤوا كما تعلّمتم، فسيجيئكم من يعلّمكم»(2) .

7 - عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«إنّ في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فالقيت، إنّما الإسم الواحد منه في وجوه لا تحصى، يعرف ذلك الوصاة»(3) .

8 - عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«لو قد قرئ القرآن كما انزل لألفينا فيه مسمّين»(4) .

9 - عن البزنطي، قال: «دفع إليّ أبو الحسنعليه‌السلام مصحفاً فقال - وقال -: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه( لم يكن الذين كفروا ... ) فوجدت فيه - فيها - اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم

__________________

(1) الكافي 2: 459.

(2) الكافي 2: 453.

(3) تفسير العياشي 1: 12.

(4) تفسير العياشي 1: 13.

٥٩

وأسماء آبائهم، قال: فبعث إليّ: إبعث إليّ بالمصحف»(1) .

10 - عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال:

«نزل جبرئيل بهذه الآية على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا:( وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا - في علي -فأتوا بسورة من مثله ) (2) .

11 - عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأزواجه، ثم قال: سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم، يا ابن سنان: إنّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقصوها وحرّفوها»(3) .

12 - عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

«أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب»(4) .

13 - عن ابن نباتة قال:

«سمعت علياًعليه‌السلام يقول: كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما انزل، قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما انزل؟

فقال: لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء

__________________

(1) الكافي 2: 461، وانظر البحار 92: 54.

(2) الكافي 1: 345.

(3) ثواب الاعمال: 100، وعنه في البحار 89: 50.

(4) رجال الكشي 247، وعنه في البحار 89: 54.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

إنـي لأخشى عليكم أن يحـل بكم

مثـل العذاب الذي أودى على إرم

ثم ولت عنهم » إلى آخر الرواية.(١)

__________________

١ ـ كتاب « الإحتجاج » للشيخ الطبرسي ج ٢ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، طبع ايران ، عام ١٤٠٤ هـ ، وذكرت هذه الخطبة في الكتب التالية :

١ ـ مجالس الشيخ المفيد.

٢ ـ أمالي الشيخ الطوسي.

٣ ـ بلاغات النساء ، لابن طيفور.

٤ ـ مقتل الإمام الحسين ، للخوارزمي.

٥ ـ البيان والتبيين ، للجاحظ.

٦ ـ روضة الواعظين ، للفتال.

٧ ـ مطالب السؤول ، لمحمد بن طلحة الشافعي.

٨ ـ مناقب آل أبي طالب ، لإبن شهر آشوب.

٣٤١

الفصل الرابع عشر

دار الإمارة

السيدة زينب في مجلس ابن زياد

ماذا جرى بعد ذلك؟

٣٤٢

٣٤٣

دار الإمارة

كانت دار الإمارة في الكوفة ـ قبل حوالي عشرين سنة من فاجعة كربلاء ـ مقراً للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وكانت السيدة زينب تعيش في ذلك المكان في ظل والدها أمير المؤمنين ، وهي في أوج العزة والعظمة ، وفي جو مملوء بالعواطف والإحترام ، فيما بين إخوتها وذويها.

والآن! وبعد عشرين سنة أصبحت دار الإمارة مسكناً للدعي بن الدعي : عبيد الله بن زياد ، وتبدلت معنويات دار الإمارة مائة بالمائة ، فبعد أن كانت مسكن أولياء الله ، صارت مسكن الد أعداء الله ، وألأم خلق الله.

واليوم دخلت السيدة زينب إلى دار الإمارة ، وهي في حالة تختلف عما مضى قبل ذلك.

ذكر الشيخ المفيد في كتاب ( الإرشاد ) ما يلي :

ثم إن ابن زياد جلس في قصر الإمارة ، وأذن للناس إذناً عاماً ، وأمر بإحضار رأس الإمام الحسينعليه‌السلام فأحضر

٣٤٤

ووضع بين يديه ، وجعل ينظر إليه ويتبسم ، وكان بيده قضيب فجعل يضرب به ثناياه!!

وكان إلى جانبه رجل من الصحابة يقال له : « زيد بن أرقم » وكان شيخاً كبيراً ، فلما رآه يفعل ذلك قال له : « إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت ثنايا رسول الله ترتشف ثناياه »(١) ثم انتحب وبكى!

فقال ابن زياد : أتبكي؟ أبكى الله عينيك ، والله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لأضربن عنقك ، فنهض من بين يديه وصار إلى منزله.(٢)

وجاء في التاريخ : أن إبن زياد أمر بالسبايا إلى السجن ، فحبسوا وضيق عليهم ، ثم أمر أن يأتوا بعلي بن الحسينعليهما‌السلام والنسوة إلى مجلسه.(٣)

__________________

١ ـ وفي نسخة : لقد رأيت شفتي رسول الله عليهما ما لا أحصيه كثرةً يقبلهما.

٢ ـ كتاب « الإرشاد » للشيخ المفيد ص ٣٤٢ وكتاب « المنتخب » للطريحي ص ٤٦٤ ـ المجلس العاشر.

٣ ـ كتاب « أمالي الصدوق » ، ص ١٤٠ ، وكتاب « روضة الواعظين » للفتال ، ج ١ ص ١٩٠.

٣٤٥

السيدة زينب في مجلس ابن زياد

ذكر الشيخ المفيد في كتاب « الإرشاد » :

« وأدخل عيال الحسينعليه‌السلام على ابن زياد ، فدخلت زينب أخت الحسين في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها ، فمضت حتى جلست ناحيةً من القصر ، وحفت بها إماؤها.

فقال ابن زياد ، من هذه التي انحازت ناحيةً ومعها نساؤها؟!

فلم تجبه زينب.

فأعاد القول ثانيةً وثالثةً يسأل عنها؟

فقالت له بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله.

فأقبل عليها ابن زياد وقال لها : الحمد لله الذي فضحكم

٣٤٦

وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.(١)

فقالت زينب : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وطهرنا من الرجس تطهيرا ، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا والحمد لله.

فقال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟!(٢)

فقالت : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده(٣) فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك أمك يابن مرجانة!!

فغضب ابن زياد واستشاط(٤) ، فقال له عمرو بن حريث : أيها الأمير ، إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.

فقال ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين

__________________

١ ـ قال الزبيدي في « تاج العروس » : الأحدوثة ـ بالضم ـ : ما يتحدث به. قال ابن بري : الأحدوثة : بمعنى الأعجوبة ، يقال : قد صار فلان أحدوثة. وقال الطريحي في « مجمع البحرين » : « الأحدوثة : ما يتحدث به الناس ».

٢ ـ وفي نسخة : « كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك »؟

٣ ـ وفي نسخة : فتحاج وتخاصم.

٤ ـ وفي نسخة : « فغضب وكأنه هم بها » : أي : أراد ضربها أو قتلها.

٣٤٧

والعصاة المردة من أهل بيتك.

فرقت زينب وبكت وقالت له : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت.

فقال ابن زياد : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوها سجاعاً شاعراً.(١)

ثم التفت ابن زياد إلى علي بن الحسين وقال له : من أنت؟(٢)

فقال : أنا علي بن الحسين.

فقال : أليس الله قد قتل علي بن الحسين؟

فقال علي : قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين ، قتله الناس.

فقال ابن زياد : بل الله قتله.

فقال علي بن الحسين : الله يتوفى الأنفس حين موتها.

__________________

١ ـ وفي نسخة : هذه شجاعة ولعمري لقد كان أبوها شجاعاً. كما في نسخة « تاريخ الطبري » ج ٥ ص ٤٥٧.

٢ ـ وفي نسخة : « من هذا »؟

٣٤٨

فغضب ابن زياد وقال : ولك جرأة على جوابي(١) وفيك بقية للرد علي؟! إذهبوا به فاضربوا عنقه.

فتعلقت به زينب عمته ، وقالت : يا بن زياد! حسبك من دمائنا. واعتنقته وقالت : والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه.

فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة ، ثم قال : عجباً للرحم! والله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه ، دعوه فإني أراه لما به.(٢)

ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين وأهله فحملوا إلى دار جنب المسجد الأعظم ، فقالت زينب بنت علي : « لا يدخلن علينا عربية إلا أم ولد مملوكة ، فإنهن سبين وقد سبينا.(٣) (٤)

* * * *

__________________

١ ـ وفي نسخة : وبك جرأة لجوابي.

٢ ـ الإرشاد للشيخ المفيد ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، وكتاب الملهوف ، لابن طاووس ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، وتاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٥٧.

٣ ـ سبين : أسرن.

٤ ـ بحار الأنوار ج ٤٥ ص ١١٨ ، والملهوف ص ٢٠٢.

٣٤٩

في هذا الحوار القصير بين الخير والشر ، وبين الفضيلة والرذيلة ، وبين القداسة والرجس ، وبين ربيبة الوحي وعقيلة النبوة وبين الدعي ابن الدعي! إنكشفت نفسيات كل من الفريقين.

أرأيت كيف صرح ابن زياد بالحقد والعداء لأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والشماتة وبذاءة السان ، وحقارة النفس ودناءة الروح ، وقذارة الأصل؟

فهو يحمد الله تعالى على قتل أولياء الله ، وتدفعه صلافة وجهه أن يقول : « وفضحكم » ، وليت شعري أية فضيحة يقصدها؟!

وهل في حياة أولياء الله من فضيحة؟!

أليس الله تعالى قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً؟!

أليس نسبهم أرفع نسب في تاريخ العظماء؟!

أليست حياتهم متلألأة بالفضائل والمكارم؟!

وهل ـ والعياذ بالله ـ توجد في حياتهم منقصة واحدة أو عيب واحد حتى يفتضحوا؟

ولكن ابن زياد يقول : « وفضحكم ».

ويزداد ذلك الرجس عتواً ويقول : « وأكذب أحدوثتكم » الأحدوثة : ما يتحدث به الناس ، والثناء والكلام الجميل ،

٣٥٠

والقران الكريم هو الذي يثني على آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهل اكذب الله تعالى القرآن الذي هو كلامه ( عزوجل )؟!

والرسول الأقدس ـ الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ـ قد أثنى على أهل بيته بالحق والصدق ، فهل أكذب الله تعالى رسوله الأطهر ، الذي هو أصدق البرية لهجة؟!

وقد فرضت الضرورة على حفيدة النبوة ، ووليدة الإمامة ، ورضيعة العصمة أن تتنازل وتجيب على تلك الكلمات الساقطة السافلة.

٣٥١

ماذا جرى بعد ذلك؟

قال الشيخ المفيد في ( الإرشاد ) : ولما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسينعليه‌السلام فدير به ( أي : طيف به ) في سكك الكوفة كلها وقبائلها.

فروي عـن زيد بن أرقم أنه قال : مر بـه علي وهـو على رمـح وأنا في غرفة لي(١) فلما حاذاني سمعته يقرأ : «أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ».(٢)

فوقف ـ والله ـ شعري وناديت : رأسك ـ والله ـ يابن رسول الله أعجب وأعجب.(٣)

__________________

١ ـ الغرفة : الحجرة المطلة على الطريق.

٢ ـ سورة الكهف ، الآية ٩.

٣ ـ الارشاد للشيخ المفيد ص ٢٤٥.

٣٥٢

وذكر السيد ابن طاووس في كتاب ( الملهوف ) : قال الراوي : ثم إن ابن زياد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال ـ في بعض كلامه ـ : « الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وأشياعه ، وقتل الكذاب بن الكذاب!!

فما زاد على هذا الكلام شيئاً حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ـ وكان من خيار الشيعة وزهادها ، وكانت عينه اليسرى قد ذهبت يوم الجمل ، والأخرى يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم فيصلي فيه إلى الليل ـ فقال : يابن مرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه ، يا عدو الله! اتقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين؟!

فغضب ابن زياد وقال : من هذا المتكلم؟

فقال : أنا المتكلم يا عدو الله! أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس ، وتزعم أنك على دين الإسلام.

واغوثاه! أين أولاد المهاجرين والأنصار ، لينتقمون منك ومن طاغيتك ، اللعين بن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين.

فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه ، وقال : علي به ، فتبادرت الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه ، فقامت

٣٥٣

الأشراف من بني عمه ، فخلصوه من أيدي الجلاوزة وأخرجوه من باب المسجد ، وانطلقوا به إلى منزله.

فقال ابن زياد : إذهبوا إلى هذا الأعمى ـ أعمى الأزد ، أعمى الله قلبه كما أعمى عينه ـ فإيتوني به.

فانطلقوا إليه ، فلما بلغ ذلك الأزد إجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم.

وبلغ ذلك ابن زياد ، فجمع قبائل مضر وضمهم إلى محمد بن الأشعث ، وأمرهم بقتال القوم.

قال الراوي : فاقتتلوا قتالاً شديداً ، حتى قتل بينهم جماعة من العرب.

ووصل أصحاب ابن زياد إلى دار عبد الله بن عفيف ، فكسروا الباب واقتحموا عليه.

فصاحت ابنته : أتاك القوم من حيث تحذر!

فقال : لا عليك ناوليني سيفي ، فناولته إياه ، فجعل يذب عن نفسه ويقول :

أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر

عفيـف شيخي وابن أم عامر

كـم دارع مـن جمعكم و حاسر

وبـطـل جـدلتـه مغـاور

وجعلت ابنته تقول : يا أبت ليتني كنت رجلاً أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء القوم الفجرة ، قاتلي العترة البررة.

٣٥٤

وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة ، وهو يذب عن نفسه فلم يقدر عليه أحد ، وكلما جاؤوه من جهة قالت ابنته : يا أبت جاؤوك من جهة كذا ، حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به.

فقالت أبنته : واذلاه يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به.

فجعل يدير سيفه ويقول :

أقسم لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري

فما زالوا به حتى أخذوه ، ثم حمل فأدخل على ابن زياد.

فلما رآه قال : الحمد لله الذي أخزاك.

فقال له عبد الله بن عفيف : يا عدو الله وبماذا أخزاني الله؟!

والله لو فرج لي عن بصري

ضاق عليك موردي ومصدري

فقال له ابن زياد : ماذا تقول ـ يا عبد الله ـ في أمير المؤمنين عثمان بن عفان؟

فقال : يا عبد بني علاج ، يابن مرجانة ، وشتمه ـ ما أنت وعثمان بن عفان أساء أم أحسن ، وأصلح أم أفسد ، والله تعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ، ولكن سلني عنك وعن أبيك وعن يزيد وأبيه؟

فقال ابن زياد : والله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت غصة بعد غصة.

٣٥٥

فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله رب العالمين ، أما أني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة من قبل أن تلدك أمك ، وسألت الله أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه ، وأبغضهم إليه ، فلما كف بصري يئست من الشهادة ، والآن فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرفني الإجابة بمنه في قديم دعائي.

فقال ابن زياد : إضربوا عنقه.

فضربت عنقه وصلب في السبخة.(١) (٢)

__________________

١ ـ السبخة : إسم موضع في الكوفة.

٢ ـ كتاب ( الملهوف ) للسيد ابن طاووس ص ٢٠٣ ـ ٢٠٧.

٣٥٦

٣٥٧

الفصل الخامس عشر

ترحيل آل رسول الله إلى الشام

السيدة زينب الكبرى في طريق الشام

السيدة زينب الكبرى في الشام

الدخول في مجلس الطاغية يزيد

ماذا حدث في مجلس يزيد؟

رأس الإمام الحسين في مجلس الطاغية يزيد

٣٥٨

٣٥٩

ترحيل آل رسول الله إلى الشام

وقد جاء في كتب التاريخ : أن ابن زياد كتب إلى يزيد بن معاوية رسالة يخبره فيها بقتل الإمام الحسين وأسر نسائه وعياله ، وتفاصيل أخرى عن الفاجعة.

فكتب يزيد في جواب رسالته : أن يبعث إليه برأس الحسين ورؤوس من قتل معه ، والنساء الأسارى.

فاستدعى ابن زياد بـ « مفخر بن ثعلبة العائذي » و « شمر ابن ذي الجوشن » للإشراف على القافلة ومن معها من الحرس ، وسلم إليهم الرؤوس والأسرى ، وأمر بـ « علي بن الحسين » أن تغل يديه إلى عنقه بسلسلة من حديد!

فساروا بهن إلى الشام كما يسار بسبايا الكفار ، يتصفح وجوههن أهل الأقطار!(١)

__________________

١ ـ كتاب « الملهوف » ص ٢٠٨ ، و « الإرشاد » للشيخ المفيد ص ٢٤٥.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688