بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)0%

بنور فاطمة (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 276

بنور فاطمة (ع)

مؤلف: السيد عبد المنعم حسن
تصنيف:

الصفحات: 276
المشاهدات: 85609
تحميل: 5729

توضيحات:

بنور فاطمة (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85609 / تحميل: 5729
الحجم الحجم الحجم

حيث تتم مصادرة أملاك السابقين وأي شخص يتجرد من العصبية المذهبية ويفهم أوليات السياسة يدرك مغزى مصادرة (فدك) وإخراج عمال فاطمة منها وبالقوة أو كما يعبر صاحب الصواعق المحرقة انتزاع فدك من فاطمة. ولم تكن فدك قطعة الأرض ، هي مقصد فاطمة (ع) بل الخلافة الإسلامية التي كانت حقا لزوجها علي بن أبي طالب كما سنبين ويمكن تلخيص أسرار المطالبة بفدك في الآتي :

١ ـ إن فاطمة كغيرها من البشر تطالب بحقها سواء كان ذلك نحلة أو هبة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو ميراثا أو حقوقا شرعية كالخمس ، ومن هذا الحق الطبيعي انطلقت الزهراء لتعري القوم وتكشف عن حقيقتهم ، والحكمة كانت تقتضي أن تكون المبادرة من الزهراء (ع) بعد أن استولى الحاكم الجديد على جميع امتيازات الهاشميين وكانت مطالبة علي بن أبي طالب وبقية الهاشميين بحقوقهم صعبة في ظل تلك الظروف التي رفض فيها هؤلاء مبايعة الخليفة وإمضاء ما جرى في السقيفة وأي محاولة منهم للتحرك كانت تعني إعطاء الطرف الآخر المبرر للتصفية التي كانت تلوح في الأفق من خلال كلمات جماعة السقيفة وهم يتشاورون ويبحثون عن طريقة يجبرون بها الهاشميين وعلى رأسهم علي (ع) على البيعة.

٢ ـ لقد رأت الزهراء في المطالبة بفدك فرصة طيبة للإدلاء برأيها حول الخلافة وكانت لا بد من أن تدلي بتصريحاتها أمام الجماهير فاختارت المسجد المكان المناسب حيث معقل الخلافة هنالك وحيث كان أبوها يلقي الحديث تلو الحديث عن فضلها ومكانتها عند الله وصدقها وزهدها وقدسيتها ، ولذلك عرفت نفسها في الخطبة قائلة واعلموا أني فاطمة وأبي محمد وانطلقت في مهمتها الرسالية لتظهر حال ومآل الخلافة ، وتكشف الحقائق ليهلك من هلك عن

١٠١

بينة ويحيى من حي عن بينة.

٣ ـ كانت الخلافة المغتصبة هي محط أنظار البتول الطاهرة (ع) فجاءت مطالبتها الحثيثة بفدك وغيرها من الحقوق وبعدها يفسح لها المجال لتطالب بالأمر الذي اختص به زوجها وهو ولاية أمر المسلمين وأصبحت فدك ترتبط بالخلافة بلا فاصل كما تحول محتواها وكبر معناها فلم ينحصر في قطعة الأرض المحدودة بل صار معناها الخلافة والبلاد الإسلامية كاملة

وذلك ما وضحه حفيدها الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) حينما ألح عليه الرشيد العباسي في أخذ فدك ، قال له الإمام : ما آخذها إلا بحدودها ، قال الرشيد : وما حدودها ، قال (ع) : الحد الأول عدن والحد الثاني سمرقند والحد الثالث إفريقية والحد الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية فقال له الرشيد ، فلم يبق لناشيء فتحول من مجلسي ـ أي إنك طالبت بالرقعة الإسلامية في العصر العباسي بكاملها ـ فقال الإمام : قد أعلمتك أني إن حددتها لم تردها. فدك إذا هي التعبير الثاني عن الخلافة الإسلامية والزهراء (ع) جعلت فدك مقدمة للوصول إلى الخلافة.

ذكر ابن الحديد في شرحه قال : سألت علي بن الفارقي مدرس مدرسة الغربية ببغداد فقلت له : أكانت فاطمة صادقة؟ قال : نعم قلت : فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها ، لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار والمدافعة بشئ ، لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود »(١) .

ـــــــــــــــ

(١) ـ شرح النهج ج ١٦ ص ٢٨٤.

١٠٢

 ومما يؤكد دعوانا في أن الخلافة كانت في الهدف الأساسي ما جاء في الإمامة والسياسة من قول ابن قتيبة وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله لقد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ، ما عدلنا به فقال علي كرم الله وجهه : أفكنت أدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم(١) .

 لقد كان لفاطمة (ع) موقف واضح من الخلافة حتى أن بيتها كان عند جماعة السقيفة هو مركز المعارضة حتى قال عمر في روايته لما جرى في السقيفة بعد أن ذكر أنها فتنة ولكن الله وقى شرها المسلمين يقول : وإن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة(٢) .

تجمع الهاشميون في بيت فاطمة (ع) وأعلنوا معارضتهم لما جرى في السقيفة ومعهم بعض الأنصار الذين كانوا يهتفون : لا نبايع إلا عليا كما ينقل ابن الأثير ثم يقول وتخلف علي وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة ، وقال الزبير : لا أغمد سيفا حتى يبايع علي فقال عمر : خذوا سيفه واضربوا به الحجر »(٣) .

وجاء في تاريخ اليعقوبي أن البراء بن عازب جاء فضرب الباب على بني هاشم وقال : يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر فقال بعضهم : ما كان المسلمون

ــــــــــــــــ

(١) ـ الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٢.

(٢) ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٥.

(٣) ـ المصدر ج ٢ ص ٣٢٧.

١٠٣

 يحدثون حدثا نغيب عنه ونحن أولى بمحمد. فقال العباس : فعلوها ورب الكعبة(١) .

وينقل أيضا أنه قد « تخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس والفضل بن العباس والزبير والمقداد وسلمان وعمار » « وبلغ أبا بكر وعمر أن هذه الجماعة قد اجتمعت مع علي في منزل الزهراء فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار »(٢) .

إذا لقد تابعت الزهراء أحداث المعارضة بكل تفاصيلها لأنها انطلقت من بيتها ، وكما هو معلوم تختلف أدوار المعارضة من شخص إلى آخر ، واتكأت فاطمة (ع) على شخصيتها الطاهرة المقدسة التي عرفهم بها القرآن والرسول فأعلنت المعارضة كما هو واضح من النصوص التاريخية التي استعرضناها ، وكانت المطالبة بفدك ، لكن القوم أبوا إلا أن يسدوا كل المنافذ التي كانت تفتح لإيصال كلمة الحق للناس ، ومع ذلك يظل موقف الزهراء نورا به يستكشف الحق لمن أراده حقيقة.

لقد كانت الفترة ما بين وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حين وفاة ابنته فاطمة الزهراء (ع) منحنى خطيرا في تاريخ الأمة الإسلامية ترك بصماته واضحة لمن ألقى السمع وهو شهيد.

وكان لفاطمة (ع) الدور الرئيسي في هذه الفترة وفي مقابل ذلك لم يسكت أصحاب السقيفة مكتوفي الأيدي وهم يرون الزهراء (ع) تفعل ما تفعل فكان لا بد لهم من محاولة إسكات هذه الصرخة فجرت الأحداث ساخنة كما تذكرها كتب التاريخ والسير.

ـــــــــــــــ

(١) ـ تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٤.

(٢) ـ تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٥ ـ ١٢٦.

١٠٤

 الخلفاء واقتحام الدار

بلغ الصراع أعلى قمة له بين أصحاب السقيفة والهاشميين ومن نادى بخلافة علي (ع) حينما تحصنوا بدار فاطمة (ع) وأعلنوا رفض الخلافة وكان لا بد للسلطة آنذاك أن تتخذ خطوات عملية أكثر تطورا حتى لا تتفاقم الأمور وتسير على غير ما يشتهون خصوصا وأن الطرف المقابل المعارض وعلى رأسه علي وفاطمة (ع) له من القدسية ما يلهب في الآخرين الحماس والتحرك لمواجهة الحكومة.

وفي مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث مقر الحكم بدأت المشاورات والتخطيط لإجبار المعارضين على البيعة وكما هو معلوم فإن بيت فاطمة يفتح مباشرة على المسجد ولا باب لهم إلا هذا كما سيأتي في حديث سد الأبواب إلا باب علي (ع).

لقد كانت فكرة أصحاب السقيفة تتلخص في ضرورة إجبار هؤلاء على البيعة حتى لو اضطرهم ذلك لقتالهم وقتلهم.

جاء في كتاب الإمامة والسياسة فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك يعني علي (ع) بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : إذهب فادع لي عليا ، قال فذهب إلى علي فقال له ما حاجتك؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي لسريع ما كذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرسالة قال : فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة(١) .

لقد كان الاصرار قويا من عمر وهو يلفت نظر أبي بكر إلى تخلف

ــــــــــــــــ

(١) ـ تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج ١ ص ١٣.

١٠٥

 علي (ع) عن البيعة حتى أنهم هددوه بالقتل يقول ابن قتيبة « فقالوا له : بايع ، فقال : إن لم أفعل فمه قالوا : إذا والله الذي لا إله هو نضرب عنقك! »(١) .

لقد استفحل الأمر بين الجبهتين حتى أنه وكما ينقل لنا اليعقوبي لو وافى عليا أربعون من المخلصين لكان لأمر الخلافة حديث آخر ولكن لم يجد علي من يعينه ، يقول اليعقوبي « وكان خالد بن سعيد غائبا فقدم فأتى عليا فقال هلم أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : أغدوا علي غدا محلقين الرؤوس فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر »(٢) .

ولم تبق وسيلة أمام السلطة إلا اقتحام الدار وإجبار من فيها حتى ولو كانت هذا الدار هي تلك الدار المقدسة التي يقطنها أهل البيت (ع) ولم يشفع أهل الدار دون أن تحرق وتنتهك حرمتها ، وهذا ما جرى عندما تفقد أبو بكر قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده : لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له يا أبا حفص : إن فيها فاطمة؟ قال : وإن(٣) .

 لقد حاولوا أن يلفتوا انتباه الخليفة الثاني الذي كان شديدا في الأخذ لبيعة أبي بكر ولكنه كان في كامل وعيه وهو ينوي الاحراق وإشعال النار في بيت بنت المصطفى ، لقد نظم الشاعر حافظ إبراهيم الحادثة قائلا :

ـــــــــــــــ

(١) ـ نفس المصدر ص ١٣.

(٢) ـ تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٦.

(٣) ـ الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٢.

١٠٦

وقولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أكرم بملقيها

أحرقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

من كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

لقد استقبلتهم الزهراء (ع) من وراء الباب صارخة إلى أين يا بن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم(١) .

لم يكن أمام القوم إلا الخلافة ، فاقتحموا تلك الدار وأدخلوا فيها الرجال.

يقول اليعقوبي « وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله ، فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار »(٢) .

لا أدري كيف طاوعتهم أنفسهم لهتك ستر هذه الدار التي كان الرسول يقبض حلقتها عند كل صلاة صائحا « الصلاة يا أهل البيت ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(٣) . من أين أتتهم الجرأة لكشف ذلك البيت الذي كان يخرج رسول الله في أسفاره منه ثم يكون أول محطة له عند عودته. هذا البيت الذي كان يقدسه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويأمر الناس بتقديسه ولكنها الخلافة الرئاسة الملك.

لقد أغلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كل الأبواب التي كانت تفتح على مسجده إلا باب هذا البيت فكيف يكون هو نفسه هدف الهجوم من الرجال لقد جرى كلشيء على مرأى ومسمع الخليفة أبي بكر إذ أن

ــــــــــــــــ

(١) ـ تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٦٤.

(٢) ـ تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٦.

(٣) ـ المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٥٨ ، مسند أحمد بن حنبل تفسير الطبري ، شواهد التنزيل وغيرها من المصادر.

١٠٧

 المنبر ليس ببعيد عن موقع الأحداث التي جرت في بيت فاطمة (ع) بل إن أبا بكر يعترف بأن الدار قد تم اقتحامها بأمره ويعتبرها إحدى أفعاله التي تمنى لو أنه لم يقم بها ، يقول في مرض موته : إني لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عنشيء وإن كانوا قد غلقوه على حرب(١) .

في اليعقوبي « وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ولو كان أغلق على حرب »(٢) .

في هذين النصين يبرز واضحا اعتراف الخليفة الأول بأن دار فاطمة قد اقتحمت بأمره ولعل كلمتي « أكشف » « وأفتش » دلالتهما بينة خصوصا وأن الدار المقصودة معقل المعارضة ، وملتقى الهاشميين فالكشف والتفتيش أقرب المعاني المعبرة عن مراد السلطة آنذاك والكشف معناه كما في لسان العرب لابن منظور رفعك الشئ عما يواريه ويغطيه وبالتأكيد على حسب كلام أبي بكر لم يكن ذلك برضاهم وإلا لتغير التعبير لأن رفع الشئ عما يواريه وإظهاره يكون من جانب الكاشف ، والمكشوف هنا بيت العصمة والطهارة بيت فاطمة التي قالت لأبي بكر وعمر عندما التقيا بها أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعرفانه وتعملان به؟ قالا نعم فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول رضا فاطمة من

ــــــــــــــــ

(١) ـ تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦١٩.

(٢) ـ تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١١٥.

١٠٨

رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ، قالا نعم ، سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأشكونكما إليه فبكى أبو بكر. حتى كادت نفسه تزهق وهي تقول: « والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها »(١) .

شئ عظيم هذا الذي فعلوه مع الزهراء حتى أصبحت تدعو على الخليفة الأول في كل صلاة لقد تفننوا في إرعاب قلب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عندما جاء عمر والرجال لإحراق الدار وجمعوا الحطب كانت أول من تلقتهم خلف الباب وصرخت ونادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة »(٢) .

ومع ذلك اقتحموا الدار وخلف الباب فاطمة ، وذلك ما أقر به أبو بكر في قوله وليتني لم أفتش بيت فاطمة وأدخله الرجال ولا ينفع الندم لأن فاطمة (ع) حينما قال أبو بكر هذا كانت قد وصلت إلى أبيها وشكت إليه لأنها ماتت وهي واجدة عليه كما مر.

لقد ظلل على الأجواء التوتر ورائحة الدم تملأ المدينة وشبح التصفية يطارد أهل البيت (ع) وفاطمة رمز المعارضة لا يبعد أن يصيبها وابل من غضب أصحاب السقيفة ، وهذا ما جرى للأسف الشديد فهم اقتحموا الدار وفيه فاطمة ، وأحرقوا الباب وخلفه فاطمة. وأنا أتابع هذه الأحداث أثناء بحثي لم

ــــــــــــــــ

(١) ـ الإمامة والسياسية ج ١ ص ١٣ ـ ١٤.

(٢) ـ المصدر السابق.

١٠٩

يهمني إلا فاطمة ولضبابية الرؤية التي كانت في كتب القوم صرت أبحث بتلهف هنا وهناك وأتصيد المعلومات لأن الذين كتبوا التاريخ لا بد لهم من أن يحفظوا ماء وجه المقدسين لديهم فلا يبرزوا إلا بعض الحقائق عنهم.

وكان يهمني مصير فاطمة ، لأنها عندي كانت تعني مصير الرسالة ، ووجدت الطامة الكبرى ، واكتملت لدي الصورة عندما رجعت إلى أحفادها « أهل البيت (ع) » وعرفت ما جرى ولكن قبل أن أصل إلى هذه الحقيقة لفت انتباهي أن جمهرة من العلماء ذكرت اسم المحسن كأحد أبناء الإمام علي من فاطمة لكن بعضهم اكتفى بذكره دون إشارة إلى موته والبعض الآخر قال أنه مات صغيرا أو حين ولادته وثالث قال أنه ولد سقطا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتساءلت عن سبب هذه الضبابية والتعتيم على زمن وكيفية وفاة المحسن بعد أن ثبت كونه من جملة أولاد علي من فاطمة الزهراء (ع) ، وتبين لي مع الأسف أن كل ذلك ـ من هؤلاء المؤرخين ـ كان محاولة منهم للجمع بين حقيقة كونه من جملة أولاد الزهراء من جهة وصرف مسألة العنف الذي بسببه أسقطت الزهراء محسنا ، فكانت الضبابية ، ولكن تواتر الأحداث مضافا إليها الروايات القائلة بإسقاط الزهراء أثناء الهجوم يؤكد حقيقة واحدة وهي أن فاطمة كانت تحمل في بطنها جنينا سماه النبي محسنا وهو في بطن أمه هذا الجنين لم ير النور قط ، وإليك الأحاديث التي جمعناها في هذا الصدد :

* ـ قال الطبري وابن الأثير « وقد ذكر أنه كان له (الإمام علي) منها (فاطمة) ابن آخر يقال له محسن وأنه توفي صغيرا »(١) .

* ـ قال يونس : سمعت ابن إسحاق يقول : « فولدت فاطمة لعلي حسنا

ــــــــــــــــ

(١) ـ الكامل لابن الأثير ج ٣ ص ٣٩٧ ، وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٥ ص ١٥٣.

١١٠

وحسينا ومحسنا ، فذهب محسن صغيرا ».

* وقال ابن إسحاق ، فولدت فاطمة لعلي حسنا وحسينا ومحسنا مات صغيرا(١) .

* قال ابن حزم الأندلسي : تزوج فاطمة علي بن أبي طالب فولدت له الحسن والحسين ، والمحسن مات المحسن صغيرا(٢) .

* جاء في تاج العروس ولسان العرب : شبر وشبير ومشبر هم أولاد هارون وذكر مثل ذلك كثير من الأعلام أمثال المحب الطبري في ذخائر العقبى وابن الأثير في أسد الغابة ج ٤ ص ٣٠٨ والعسقلاني في الإصابة ج ٤ ص ٤٧١ واليعقوبي في تاريخه. وبها سمى علي (رض) أولاده يعني حسنا وحسينا ومحسنا(٣) .

وهناك روايات تتحدث عن إسقاط المحسن قال المسعودي وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسنا(٤) .

ولد ثالث للزهراء اسمه محسن ، كما يذكر صاحب ذخائر العقبى في مودة القربى ويقول عنه أنه مات صغيرا واسم محسن جديد على مسامعي لم أسمع به وما ورد في الحسن والحسين غير قليل فلماذا لم يردشيء تفصيلي عن الابن الثالث لفاطمة الزهراء (ع)؟!

بعد التنقيب والبحث اكتشفت لماذا يذكر المحسن كثيرا إذ أن ذكره يستتبع أمورا تهد الجبال هدا وإليك شذرات مما وجدته وبعدها نحاول ربط الأحداث ببعضها لتتعرف على سر المحسن بن علي ثم نعرج على أهل البيت (ع) لنرسم الصورة كاملة :

ــــــــــــــــ

(١) ـ دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ١٦١.

(٢) ـ جمهرة أنساب العرب ص ١٦ ـ ٣٧.

(٣) ـ تاج العروس ج ٣ ص ٣٨٩ ، ولسان العرب ج ٤ ص ٣٩٣.

(٤) ـ إثبات الوصية ص ١٤٣.

١١١

جاء في كتاب الملل والنحل للشهرستاني : قال إبراهيم بن سيار بن هاني النظام إن عمر ضرب بطن فاطمة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : احرقوا دارها بمن فيها(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني في ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن يحيى أبي دارم المحدث أبو بكر الكوفي ، قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته :

كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب حضرته ورجل يقرأ عليه أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن(٢) .

إذا لقد أسقطت فاطمةعليها‌السلام الابن الثالث محسن وذلك يعني أنه قتل ولم يمت

 في الواقع إن الأحداث الساخنة التي كانت آنذاك كان لا بد من أن يتخللها مثل هذه المصائب الفظيعة التي لم يذكرها المؤرخون السنة صراحة والسبب معلوم كما ذكرنا ولكن شعاع الحق يرفض إلا أن يتسلل من بين ثنايا ذكر ما جرى أو بالأحرى ذكر ما يحبون ذكره مما جرى.

لقد ذكروا كما رأينا أن عمر كان يصر على أبي بكر أن يأخذ المتخلفين عن البيعة بالقوة ثم إنه هو الذي أخذ الرجال إلى باب دار فاطمة ومعه الحطب لحرق الدار إن هم رفضوا الخروج وعند وصولهم إلى باب الدار كان أول ما

ــــــــــــــــ

(١) ـ الملل والنحل ج ١ ص ٥٧ إبراهيم بن سيار أحد أقطاب المعتزلة.

(٢) ـ لسان الميزان ج ١ ص ٢٦٨.

وأورده أيضا صلاح الصفدي في (الوافي بالوفيات) ج ٦ ص ٧ وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان وينقل عن محمد بن أحمد بن حماد الكوفي بعد أن أرخ موته (كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب الخ كما نقلنا.

١١٢

 تلقتهم فاطمة (ع) خلف الباب كما ذكرت آنفا وللتأكيد أورد لك هذين النصين وعليك عزيزي القارئ أن تنتقل بروحك وعقلك إلى تلك الفترة التاريخية لتتصور ما يمكن أن يجري ، قال أحمد بن يحيى البلاذري : إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة فتلقته فاطمة على الباب فقالت : يا ابن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟ قال : نعم »(١) .

وعن نفس الحادثة ينقل ابن عبد ربه الأندلسي :

بعث إليهم ـ يعني المتخلفين عن البيعة ـ أبو بكر عمر ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت : يا ابن الخطاب : أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم(٢) .

لقد تصدت فاطمة (ع) لعمر من خلف الباب لعل قلوب الرجال تخشع عندما تسمع صوت امرأة قال عنها الرسول أنها سيدة نساء العالمين وربما لتكون عليهم الحجة أبلغ لقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : من آذى فاطمة فقد آذاني ولذلك صرخت كما ينقل ابن قتيبة : يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك.

 ومع ذلك اقتحموا الدار بشهادة أبي بكر في تأسفه على الثلاثة اللاتي ود أنه لم يفعلهن وقال وأدخله الرجال كما ، مر ، قال اليعقوبي فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار ولو لم يتم الهجوم ما كان هنالك داع لتأسف أبي بكر الذي جاء متأخرا.

لقد اقتحموا وإنشيء ت فقل هجموا على دار البتول الزهراء (ع) وكانت

ــــــــــــــــ

(١) ـ أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٨٦.

(٢) ـ العقد الفريد ج ٥ ص ١٣.

١١٣

 أول من تلقاهم خلف الباب ، والهجوم والاقتحام عادة يكون بلا استئذان ولا رحمة ومما لا شك أن كلشيء يعترض تلك الهجمة الشرسة لا بد أن يتحطم ويبعد عن الطريق ولكن بكل أسى ولوعة كان ذلك الشئ بضعة الرسول ووصيته فاطمة (ع) فضربت حتى أسقط جنينها ، هذه هي الحقيقة التي حاول القوم إخفاءها فتسللت من بين مجريات الأحداث وظهرت على صفحة التاريخ نقطة سوداء في جبين الأمة كان هذا القدر كاف لكي أجمع باقي خيوط القضية كاملة منذ وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حين موت الزهراء (ع) ، أو استشهادها نعم لقد انتقلت إلى جوار ربها مظلومة مقهورة بسبب ما جرى لها من ضرب ورفس أدى إلى إسقاط جنينها المحسن ومن ثم مرضت إلى أن لحقت بأبيها تشكو له ما جرى عليها.

بعد ذلك توجهت إلى أحفادها لكي استمع منهم تفاصيل ما جرى وهم أدرى بما جرى لجدتهم الزهراء (ع) وهناك تجلت لي الحقائق ولكن كانت تكمن عقدتي في أن ذلك يجعلني ألجأ إلى الروايات عن أهل البيت (ع) عن طريق الشيعة.

فسألت نفسي ولماذا لا آخذ بقولهم لقد عرفت من كتب السنة أن فاطمة غضبت على الخليفتين حتى ماتت ولم تأذن لأبي بكر أن يصلي عليها ثم إنها طالبت بالخلافة لعلي (ع) ، وكان بيتها مركز المعارضة كما علمت أن بيتها كان مستهدفا من السلطة التي قررت إجبار من في البيت على البيعة وإن أبوا فالقتل والإحراق ونفذوا ما خططوه وهجموا على الدار وكان خلف الباب الزهراء تذكرهم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصاياه ومع ذلك اقتحموا الدار وفاطمة تصرخ ورأيت بين طيات نفس الكتب أن هنالك من يقول بأن فاطمة ضربت وأسقط جنينها كما مر ومهما يكن صنف القول فتسلسل الأحداث يرجح وقوع ما جرى. لكل ذلك لم أجد أن عقلي يمانع في الأخذ

١١٤

 بقول الأئمة من أهل البيت (ع) حول ما جرى من أحداث أدت إلى وفاة فاطمة (ع) فكتب السنة ليست أولى بالأخذ منها بكتب الشيعة لأن هذا أول الكلام الذي يحتاج إلى دليل لسنا في صدده الآن.

وسأنقل لك عزيزي القارئ تمام الأحداث كما تراءت لي عند أهل البيت (ع) ، لقد تحدث أحفاد الزهراء وبينوا مفصلا ما جرى بعد أحداث السقيفة رواياتهم تقطر ألما وحسرة على هذه الأمة التي لم تحفظ رسول الله في أهله أغضبت الزهراء وأسقطت ابنها المحسن وقتلت زوجها غدرا وابنها الأكبر المجتبى الحسن سما وابنها الحسين ذبحا.

يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق حفيد الزهراء سليل النبوة « ولا يوم كيوم محنتنا بكربلاء ، وإن كان يوم السقيفة وإحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة ، وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر ».

إنني لن أستعرض كل ما ذكره أئمة أهل البيت (ع) حول الأحداث التي جرت بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأن ذلك يحتاج منا إلى مجلدات ، لقد أكثر أهل البيت في بيان ذلك حتى تتعرف الأمة على أصل المأساة التي سببت الفرقة والشتات وسآخذ بعضا من هذه الروايات لتكتمل الصورة أمام القارئ العزيز.

لقد جرت أحداث السقيفة وتنصيب الخليفة أبي بكر وأهل البيت مشغولون بمصابهم في وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبالذات الإمام علي (ع) الذي أوصاه الرسول ألا يلي غسله غيره.

انتهى أمر الخلافة التي لم يشارك في مشاوراتها علي بن أبي طالب فكان موقفه الذي علمته وسيأتيك مزيد من التفصيل عنه ، فلقد رفض البيعة وبدأ يذكر

١١٥

 الناس بالعهود والمواثيق ، يقول سلمان الفارسي فلما أن كان الليل حمل علي (ع) فاطمة على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا ، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام ، فعل ذلك مرتين وعندما رأى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يجمعه(١) . ورفض أن يبايع.

أرسلوا إليه ليبايع وبدأت من هنا المواجهة الساخنة بعد أن أمر عمر بجمع الحطب أمام بيت فاطمة مهددا بالإحراق إن لم يبايع علي ، جاؤوا ليجبروا أهل البيت على البيعة ، وقفت فاطمة خلف الباب لعل القوم يراعوا حرمتها وحريمها فلم ينفع فيهم ذلك قال الإمام الكاظم (ع) وهو موسى بن جعفر الصادق ـ وهو يصف ما جرى ـ لما حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا الأنصار وقال يا معشر الأنصار لقد حان الفراق إلى أن قال : ألا إن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي فمن هتكه فقد هتك حجاب الله. قال الراوي فبكى الإمام الكاظم « أبو الحسن (ع) طويلا وقطع بقية كلامه وقال : هتك ـ والله ـ حجاب الله هتك والله حجاب الله ، هتك والله حجاب الله »(٢) .

كما جاء عن الإمام الباقر (ع) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو يتحدث عن الزهراء : وحملت بالحسن فلما رزقته حملت بعد أربعين يوما بالحسين ثم رزقت زينب وأم كلثوم وحملت بمحسن فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجرى ما جرى يوم دخول القوم عليها دارها. أسقطت

ــــــــــــــــ

(١) ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي ص ٣١.

(٢) ـ بحار الأنوار : ج ٢٢ ص ٤٧٦ ـ ٤٧٧.

١١٦

 ولدا تماما ـ وهو محسن ـ وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها صلوات الله عليها.

وورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : لما أسري بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قيل له : إن الله يختبرك في ثلاث وصار يعددها إلى أن قال :

وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصبا الذي تجعله لها وتضرب وهي حامل ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يمسها هوان ولا تجد ، مانعا وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب.

ويقول الإمام الصادق (ع) واصفا بعض ما جرى : وضرب سلمان الفارسي ، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين لإحراقهم بها وضرب فاطمة ورفس بطنها وإسقاط محسنها.

وقوله (ع) وهو يصف ما جرى لأهل البيت في رواية طويلة أخرى يتحدث فيها عما فعله القوم وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب : ويحكم ما هذه الجرأة على الله ورسوله ، قال عمر : ما علي إلا كأحد المسلمين فاختاري إنشيء ت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا. وهجومهم على الدار وركل عمر للباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حامل لستة أشهر وإسقاطه إياه وصياح أمير المؤمنين لفظة : يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما يقبله النساء ، فقد جاء المخاض من الرفسة ورد الباب فأسقطت محسنا ، وقال (ع) : فإنه لاحق بجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيشكو له(١) .

ــــــــــــــــ

(١) ـ بحار الأنوار موسوعة أحاديث لأهل البيت (ع) ج ٥٣ ص ١٨ ـ ١٩. وأغلب الأحاديث التي أوردناها في هذا المجال من المصادر الحديثية لأهل البيت وكتاب مأساة الزهراء شبهات وردود للسيد جعفر مرتضى العاملي.

١١٧

استشهاد الزهراء (ع)

ما أقسى لحظات فراق الأحبة ، خصوصا إذا كان للعلاقة جذور تضرب في عمق القيم والمثل وتسقى بالوحي علاقة لا كسائر العلاقات علاقة بين نبي عظيم وابنة صديقة طاهرة من لحمه ودمه ، ابنة ذابت في حب أبيها وليس حبا للأبوة فقط إنه حب من نوع آخر لا ندرك كنهه أنا وأنت لماذا؟! لأنها متبادلة بين أب اختاره الله باعتباره أعظم وأشرف خلق الله وهو المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنة طهرها الله وعصمها إذا هو حب منشؤه حب الله وطاعة الله لقد انفصمت عرى هذه العلاقة بانتقال الأب والمربي إلى الرفيق الأعلى ، وترك الرسالة الإلهية من خلفه وقد أناط استمرارها تلك بالطرف الباقي الآخر ، الابنة الزكية التي تدخلت الإرادة الإلهية مباشرة حتى في زواجها فكان الزوج عليا بن أبي طالب أفضل من يحفظ الرسالة في شخص فاطمة (ع) وغيرها. لكن القوم ما فهموا معنى الرسالة والرسول ، وما وعوا معنى النبوة والوحي بل لم يقدروا الله حق قدره فاعترضوا على حكمه وتجاوزوا قوله ومن ثم اعتدوا على مقام النبوة ، وأبوا إلا يجرعونا وكل المحبين لله ولرسوله الغصة تلو الأخرى ، وتأبى الدمعة إلا أن تتسلل مصحوبة بألم هائل ، إنها الزهراء وما أدراك ما الزهراء!! من يوم ما تعرفت على مأساتها وأنا أشعر بمسحة كآبة تمر بوجداني وحزن عميق يلفني عند ذكر اسمها فالقوم لم يراعوا فجيعتها بأبيها فاغتصبوا حقها وقبل ذلك ارتقوا مركبا صعبا هم ليسوا أهلا له ثم أرادوا إتمام ذلك ولو بالقوة فكان ما كان.

بقيت الزهراء حزينة منكسرة في بيتها تبكي وتشكو همها إلى الله عز وجل وتنتظر يومها الموعود فقد أخبرها المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنها أول

١١٨

أهل بيته لحوقا به كما مر فضلت تبكي وتبكي إلى أن جاء شيوخ أهل المدينة يظهرون لعلي انزعاجهم وتأذيهم من بكاء فاطمة ويطالبونه بأمرها بالكف عن ذلك أو تخييرها بين البكاء ليلا فقط أو نهارا فقط ، فبنى لها أمير المؤمنين علي (ع) بيتا خارج المدينة سمي بيت الأحزان. هناك واصلت مأساتها.

ويوما فيوما راحت تذبل تلك الزهرة اليانعة. وأخذ المرض منها مأخذا ، يقول الإمام الصادق (ع) (فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضا شديدا وكان ذلك هو السبب في وفاتها) كيف لا يكون كذلك وهي ابنة ثمانية عشر عاما لقد اكتملت عليها المصائب بضربها واقتحام دارها فكانت البداية والنهاية وصارت طريحة الفراش تنتظر أجلها الذي اقترب منها سريعا وبجانبها علي (ع) ، يقول الإمام زين العابدين (ع) عن أبيه الحسين (ع) قال : لما مرضت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصت علي بن أبي طالب (ع) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها ولا يؤذن أحدا بمرضها ، وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس على استمرار بذلك.

لقد يئست الزهراء من أهل المدينة الذين طلبت نصرتهم فلم ينصروها لقد سئمتهم وزهدت في مروءتهم فبلغ بها الأمر ألا تريد رؤيتهم في مرضها الأخير يكفيها علي (ع) ليقف بجانبها وهي على هذه الحالة.

في اليوم الأخير قبيل رحيلها نامت الزهراء (ع) في ساعة من ساعات ذلك اليوم وإذا بها ترى أباها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام في قصر من الدر الأبيض فلما رآهاصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : هلمي إلي بنية فإني إليك مشتاق!!

فقالت : والله إني لأشد شوقا إليك فقال لها : أنت الليلة عندي.

انتبهت من غفوتها وبدأت الاستعداد للحوق بأبيها إن هي إلا ساعات تقضيها في هذه الدنيا الفانية ويتحقق قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لها

١١٩

قبيل انتقاله وأكده لها بعد انتقاله إنها النبوة ومن ذلك كان يقين فاطمة بقرب النهاية بينما الفرح يغمرها لارتحالها إلى العالم الأبدي حيث الرضوان الأكبر وجنة عرضها السماوات والأرض يعتصرها ألم من ناحية أخرى. سوف تترك الزهراء (ع) الزواج العطوف وحيدا بعدها ، وفراخا لم تنبت أجنحتهم بعد وزهورا لم تتفتح. إنهم أفلاذ كبدها ستغادرهم وتتركهم لهذه الحياة التي تحمل الكثير الكثير من المأسي خصوصا لهؤلاء ، إنهم آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر الناس بلاء وأعظمهم امتحانا وإن بعض شذاذ الآفاق ونبذة الكتاب يتربصون بهم ستودعهم وهي تنظر إلى ذلك المستقبل غير المجهول لأبنائها وزوجها إنها تنظر بعين أبيها الباصرة بإذن الله إلى الغيب حيث يضرب علي بالسيف غيلة وهو في محرابه ويقتل الحسن سما والحسين تمزيقا بسيوف بدأ سلها في وجه أهل البيت (ع) منذ وفاة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كل ذلك يدور في خلد الزهراء وهي تمشي نحو الماء متكئة على الحائط من شدة الضعف لتغسل أطفالها وثيابهم أخر غسلة وهي ترتعش وكأنها تودعهم لا أدري عمق شعورها آنذاك ، إن من جملة أسمائها (الحانية) لأنها كانت القمة في الحنان والعطف على أبنائها.

دخل الإمام علي (ع) البيت ووجدها على رغم علتها تمارس أعمالها وتخدم في البيت. رق لها قلب الإمام وهي بهذه الحالة فأخبرته بأنه آخر أيامها وأخبرته بما رأته وسمعته من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أثناء نومها وعادت إلى فراشها ثم قالت له :

يا ابن عم!! إنه قد نعيت إلي نفسي وإنني لا أدري ما بي إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي قال لها علي (ع) : أوصني بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ، قالت : يا ابن عم! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ

١٢٠