بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)0%

بنور فاطمة (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 276

بنور فاطمة (ع)

مؤلف: السيد عبد المنعم حسن
تصنيف:

الصفحات: 276
المشاهدات: 85618
تحميل: 5729

توضيحات:

بنور فاطمة (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85618 / تحميل: 5729
الحجم الحجم الحجم

 فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع(١) .

والحديث لا يحتاج مني إلى توضيح فهو أوضح من الشمس في رابعة النهار.

٤ ـ حديث الراية :

حاول أحدهم أن يثبت لي وهو يحاورني أفضلية الخلفاء الثلاثة على علي (ع) قلت له : هناك حديث واحد كاف لبيان الفرق بين علي (ع) وأبي بكر وعمر ، روى ابن كثير في كتابه البداية والنهاية : بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر (رض) إلى بعض حصون خيبر فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث عمر (رض) فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح فقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه كرارا ليس بفرار ، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وهو يومئذ أرمد فتفل في عينيه ثم قال : خذ الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك »(٢) .

من خلال هذه الرواية نستشف من هو الأفضل وإلا لماذا ميز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا (ع) بهذه الصفات التي جاءت في الحديث وهو من أوتي جوامع الكلم وفصاحة اللسان وبلاغة اللسان وبلاغة التعبير خصوصا ما جاء في آخر الكلام « ليس بفرار » إشارة إلى فرار من سبقه من ساحة الوغى وقد استحى ابن كثير من ذكر ذلك فذكرها الطبري في تاريخه بكل وضوح عندما قال : « فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجبنه أصحابه ويجبنهم ».

ــــــــــــــــ

(١) ـ تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٣ ـ ٦٤.

(٢) ـ البداية والنهاية ج ٤ ص ١٨٧.

١٤١

ولقد أورد الحديث البخاري في كتاب الجهاد والسير باب ما قيل في لواء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وباب فضل من أسلم على يديه رجل.

كما جاء في صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير غزوة ذي قرد وفي كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي.

وأنا لا أريد أن أفضل أحدا على أحد دون دليل ولكني أرى نفسي ملزما بتفضيل من فضله الله ، ولقد جاء في سيرة ابن هشام : « عندما نزلت سورة براءة بعث بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر ثم أرسل عليا في أثره فأخذها منه فلما رجع أبو بكر قال : هل نزل فيشيء؟ قال : لا ولكني أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي »(١) .

ولأن الحديث عن فضائل علي ومكانته يطول سنورد ملخص ما جاء به ابن حجر العسقلاني المعروف عند أهل السنة والجماعة في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة :

مما أورده :

* حديث الراية المتقدم.

* حديث الانذار.

* عندما نزلت آية التطهير ( إنما يريد الله أن ) أخذ الرسول رداءه ووضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين وتلى الآية.

* نومه في فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما هاجر.

* حديث المنزلة.

* سد الأبواب إلا باب علي (ع) فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره.

ـــــــــــــــ

(١) ـ السيرة النبوية ابن هشام ج ٤ ص ١٨٩ ومثله في المستدرك ج ٣ ص ٥١ وتفسير الطبري.

١٤٢

* قول الرسول من كنت مولاه فعلي مولاه.

* قول عمر « لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن ».

* قول علي « سلوني سلوني عن كتاب الله تعالى فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار ».

* قال معاوية لسعد بن أبي وقاص : ما منعك أن تسب أبا تراب « يعني عليا » ، فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم فلن أسبه سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي عليا فأتاه الحديث ونزلت الآية ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال اللهم هؤلاء أهلي.

* قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي « لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ».

* قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله « ما تريدون من علي إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي ».

* قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « وإن تؤمروا عليا وما أراكم فاعلين ـ أقول : صدق الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم » (١) .

ــــــــــــــــ

(١) ـ الإصابة في تمييز الصحابة ص ٥٠٧ ـ ٥٠٨.

١٤٣

* مناظرة للمأمون العباسي في فضل علي (ع)(١) .

ولو أردنا التحدث عن مناقب وفضائل أمير المؤمنين علي (ع) لاحتاج ذلك إلى مجلدات وما أوردناه فيه الكفاية لذي عينين ونختم هذا المطلب بمناظرة الخليفة العباسي المأمون واحتجاجه على الفقهاء في زمانه حول فضل علي (ع) بالرغم من أن المأمون وكل الخلفاء العباسيين كانوا ممن ينصبون العداء لأهل البيت (ع) إلا أنهم في البداية عندما تسلموا زمام الأمور ولتوطيد أركان حكمهم كانوا ينادون بالرضا من آل محمد وكانت ثورتهم على الأمويين تحت هذا الشعار ولكن الملك عقيم ما إن استقر وضعهم حتى بدأوا في محاربة آل محمد (ع) وشيعتهم وكانوا أعظم من بني أمية في عداوتهم لأهل البيت (ع) ، جاء في العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي :

بعث المأمون إلى يحيى بن أكثم قاضي القضاة وعدة من العلماء وأمره أن يحضر معه مع الفجر أربعين رجلا كلهم فقيه يفقه ما يقال ويحسن الجواب ، فأتموا العدد وغدوا عليه قبل طلوع الفجر وبدأ معهم الحوار في مواضيع شتى ثم قال : إنني لم أبعث إليكم لهذا ولكنني أحببت أن أنبئكم أن أمير المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه ودينه الذي يدين الله به ، قالوا : فليفعل أمير المؤمنين وفقه الله فقال المأمون : إن أمير المؤمنين يدين الله على أن علي بن أبي طالب خير خلق الله بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأولى الناس بالخلافة ، قال إسحاق (أحد الفقهاء) قلت : يا أمير المؤمنين) إن فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في علي وقد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة ، فقال يا إسحاق : اختر إنشيء ت أن أسألك وإنشيء ت أن تسأل قال إسحاق : فاغتنمتها منه ، فقلت : بل أسألك

ــــــــــــــــ

(١) ـ العقد الفريد ابن عبد ربه الأندلسي ج ٥ ص ٩٢ ـ ١٠١.

١٤٤

يا أمير المؤمنين. قال : سل ، قلت من أين قال أمير المؤمنين إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقهم بالخلافة بعده؟ قال : يا إسحاق أخبرني عن الناس بم يتفاضلون حتى يقال فلان أفضل من فلان؟ قلت : بالأعمال الصالحة ، قال : صدقت. قال : فأخبرني عمن فضل صاحبه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إن المفضول عمل بعد وفاة الرسول بأفضل من عمل الفاضل على عهد الرسول ، أيلحق به؟ قال إسحاق : فأطرقت ، فقال لي : يا إسحاق لا تقل نعم فإنك إن قلت نعم أوجدتك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهادا وحجا وصياما وصلاة وصدقة قلت : أجل يا أمير المؤمنين لا يلحق المفضول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفاضل أبدا ، قال. يا إسحاق فانظر ما رواه لك أصحابك ومن أخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك من فضائل علي بن أبي طالب فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر وعمر فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعلي وحده فقل إنهما أفضل منه ، لا والله ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان فإن وجدتها مثل فضائل علي فقل أنهم أفضل منه ، لا والله ، ولكن قس إلى فضائله فضائل العشرة الذين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنهم أفضل منه ، ثم قال : يا إسحاق أي الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قلت الإخلاص بالشهادة قال : أليس السبق إلى الإسلام؟ قلت : نعم قال أقرأ ذلك في كتاب الله تعالى :( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) إنما عنى من سبق إلى الإسلام ، فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الإسلام؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، إن عليا أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم ، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم ، قال : أخبرني أيهما أسلم قبل؟ ثم أناظرك من بعده في الحداثة والكمال ، قلت : علي أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة فقال : نعم فأخبرني

١٤٥

عن إسلام علي حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاما من الله ، قال إسحاق : ـ فأطرقت فقال لي : يا إسحاق لا تقل إلهاما فتقدمه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأن رسول الله لم يعرف الإسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى.قلت : أجل بل دعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا إسحاق ، فهل يخلو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلف ذلك من نفسه؟ قال : فأطرقت. فقال : يا إسحاق لا تنسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى التكلف فإن الله يقول عن الرسول( وما أنا من المتكلفين ) قلت : أجل يا أمير المؤمنين ، بل دعاه بأمر الله ، فقال : فهل صفة الجبار جل ذكره أن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟ قلت : أعوذ بالله! فقال : أفتراه في قياس قولك يا إسحاق إن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم ، وقد كلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعاء الصبيان إلى ما لا يطيقونه ، فهو يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهمشيء ولا يجوز عليهم حكم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى الله عز وجل؟ قلت أعوذ بالله قال : يا إسحاق فأراك إنما قصدت لفضيلة فضل بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا على هذا الخلق أبانه بها منهم ليعرف مكانه وفضله ولو كان الله تبارك وتعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا؟ قلت : بلى قال : فهل بلغك أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا أحدا من الصبيان من أهله وقرابته ، لئلا تقول إن عليا ابن عمه؟ قلت : لا أعلم ، ولا أدري فعل أو لم يفعل. قال يا إسحاق ، أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسأل عنه؟ قلت : لا. قال : فدع ما قد وضعه الله عنا وعنك.

ثم قال : أي الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الإسلام؟ قلت : الجهاد

١٤٦

في سبيل الله ، قال : صدقت ، فهل تجد لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما تجد لعلي في الجهاد؟ قلت : من أي وقت؟ قال : في أي الأوقاتشيء ت؟ قلت : بدر قال : لا أريد غيرها ، فهل تجد لأحد إلا دون ما تجد لعلي يوم بدر ، أخبرني كم قتلى بدر؟ قلت نيف وستون رجلا من المشركين. قال : فكم قتلى علي وحده؟ قلت لا أدري. قال : ثلاثة وعشرون أو اثنان وعشرون والأربعون لسائر الناس. قلت يا أمير المؤمنين ، كان أبو بكر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عريشه ، قال : ليصنع ماذا؟ قلت : يدبر ، قال : ويحك! يدبر دون رسول الله أو معه شريكا أم افتقارا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى رأيه ، قال : أي الثلاثة أحب إليك؟ قلت : أعوذ بالله أن يدبر أبو بكر دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أن يكون معه شريكا أو أن يكون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افتقار إلى رأيه. قال : فما الفضيلة بالعريش إذا كان الأمر كذلك؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل ممن هو جالس؟ قلت : يا أمير المؤمنين كل الجيش كان مجاهدا. قال : صدقت ، كل مجاهد ولكن الضارب بالسيف المحامي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الجالس أفضل من الجالس ، أما قرأت في كتاب الله( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) .

قلت : وكان أبو بكر وعمر مجاهدين قال : فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟ قلت : نعم. قال : فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر.

قلت : أجل قال : يا إسحاق ، هل تقرأ القرآن؟ قلت : نعم قال : إقرأ علي :

١٤٧

( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) فقرأت منها حتى بلغت( يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) إلى قوله :( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) قال : على رسلك ، فيمن أنزلت هذه الآيات؟ قلت : في علي. قال : فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال : إنما نطعمكم لوجه الله؟ قلت : أجل قال وسمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليا؟ قلت : لا قال : صدقت ، لأن الله جل ثناؤه عرف سيرته ، يا إسحاق ألست تشهد أن العشرة في الجنة؟ قلت : بلى يا أمير المؤمنين. قال : أرأيت لو أن رجلا قال : والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا ، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله ، أكان عندك كافرا ، قلت : أعوذ بالله قال : أرأيت لو أنه قال ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا أكان كافرا؟ قلت : نعم. قال : يا إسحاق أرى بينهما فرقا. يا إسحاق أتروي الحديث؟ قلت : نعم قال : فهل تعرف حديث الطير(١) ؟ قلت : نعم قال : فحدثني به.

قال فحدثته الحديث. يا إسحاق ، إني كنت أكلمك وأنا أظنك غير معاند للحق ، فأما الآن فقد بان لي عنادك ، إنك توافق أن هذا الحديث صحيح قلت : نعم ، رواه من لا يمكنني رده. قال : أفرأيت أن من أيقن أن هذا الحديث صحيح ، ثم زعم أن أن أحدا أفضل من علي ، لا يخلو من إحدى ثلاثة : من أن تكون دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنده مردودة عليه ، أو أن يقول : إن الله عز وجل عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه ، أو أن يقول : إن الله عز وجل لم يعرف الفاضل من المفضول ، فأي الثلاثة أحب إليك؟

ــــــــــــــــ

(١) ـ أهدي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طير مشوي فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ـ فجاء علي فأكل معه « أسد الغابة لابن الأثير » ج ٦ ص ٦٠١ ، وأورده أحمد بن حنبل والحاكم.

١٤٨

 فأطرقت. ثم قال : يا إسحاق لا تقل منها شيئا ، فإنك إن قلت منها شيئا استتبتك ، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله. قلت : لا أعلم ، وإن لأبي بكر فضلا. قال : أجل ، لولا أن له فضلا لما قيل إن عليا أفضل منه ، فما فضله الذي قصدت إليه الساعة؟ قلت : قول الله عز وجل :( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) فنسبه إلى صحبته ، قال : يا إسحاق ، أما إني لا أحملك على الوعر من طريقك ، إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا ، وهو قوله( فقال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ) الآية.

قلت : إن ذلك صاحب كان كافرا ، وأبو بكر مؤمن. قال : فإذا جاز أن ينسب إلى صحبة من رضيه كافرا جاز أن ينسب إلى صحبة نبيه مؤمنا وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث ، قلت : يا أمير المؤمنين إن قدر الآية عظيم ، إن الله يقول :( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) قال : يا إسحاق تأبى الآن إلا أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك ، أخبرني عن حزن أبي بكر ، أكان رضى أم سخطا؟ قلت : إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وغما أن يصل إلى رسول اللهشيء من المكروه قال : ليس هذا جوابي ، إنما كان جوابي أن تقول : رضى الله أم سخطا؟ قلت : بل رضى لله. قال : فكأن الله جل ذكره بعث إلينا رسولا ينهى عن رضى الله عز وجل وعن طاعته ، قلت : أعوذ بالله. قال : أو ليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضى لله؟ قلت : بلى قال : أو لم تجد أن القرآن يشهد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : « لا تحزن » نهيا له عن الحزن ، قلت : أعوذ بالله. قال : يا إسحاق ، إن مذهبي الرفق بك لعل الله يردك إلى الحق ويعدل بك عن

١٤٩

الباطل لكثرة ما تستعيذ به. وحدثني عن قول الله( فأنزل سكينته عليه ) من عنى بذلك : رسول الله أم أبا بكر؟ قلت : بل رسول الله قال : صدقت. قال فحدثني عن قول الله عز وجل :( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) إلى قوله( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) أتعلم من المؤمنون الذين أراد الله في هذا الموضع؟ قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين. قال : الناس جميعا انهزموا يوم حنين فلم يبق مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا سبعة نفر من بني هاشم : علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله ، والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله من جراح القومشيء ، حتى أعطى الله لرسوله الظفر فالمؤمنون في هذا الموضع علي خاصة ثم من حضره من بني هاشم. قال: فمن أفضل : من كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك الوقت وأنزل عليه السكينة ، أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه؟ قلت : بل من أنزلت عليه السكينة! قال : يا إسحاق ، من أفضل ، من كان معه في الغار أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه ، حتى تم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أراد من الهجرة؟ إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أن يأمر عليا بالنوم على فراشه وأن يقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك.

فبكى علي رضي الله عنه. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك يا علي أجزعا من الموت؟ قال : لا ، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، ولكن خوفا عليك ، أفتسلم يا رسول الله؟ قال : نعم قال : سمعا وطاعة وطيبة نفس بالفداء لك يا رسول الله. ثم أتى مضجعه واضطجع ، وتسجى بثوبه. وجاء المشركون من قريش فحفوا به ، لا يشكون أنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من بطون قريش رجل

١٥٠

ضربة بالسيف لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه. وعلي يسمع ما القوم فيه من تلف النفس ولم يدعه ذلك إلى الجزع ، كما جزع صاحبه في الغار ، ولم يزل علي صابرا محتسبا. فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتى أصبح فلما أصبح قام ، فنظر القوم إليه فقالوا : أين محمد؟ قال : وما علمي بمحمد أين هو؟ قالوا : فلا نراك إلا كنت مغررا بنفسك منذ ليلتنا. فلم يزل علي أفضل ، ما بدأ به يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله إليه. يا إسحاق هل تروي حديث الولاية؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين. قال : أروه ففعلت. فقال : يا إسحاق ، أرأيت هذا الحديث هل أوجب لعلي أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت : إن الناس ذكروا أن الحديث إنما كان بسبب زيد بن حارثة لشئ جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال : وفي أي موضع قال هذا؟ أليس بعد منصرفه من حجة الوداع؟ قلت : أجل قال : فإن زيد بن حارثة استشهد قبل الغدير ، كيف رضيت لنفسك بذلك؟ أخبرني لو رأيت أبنا لك قد أتت عليه خمس عشرة سنة يقول : مولاي مولى ابن عمي أيها الناس ، فاعلموا ذلك.

أكنت منكرا عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟ فقلت : اللهم نعم. قال : يا إسحاق : أتنزه ابنك عما لا تنزه عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويحكم! لا تجعلوا فقهاءكم أربابا إن الله جل ذكره قال في كتابه :( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ولم يصلوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنهم أرباب ، ولكن أمروهم فأطاعوا أمرهم يا إسحاق أتروي حديث « أنت مني بمنزلة هارون من موسى »؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قد سمعته وسمعت من صححه ومن جحده. قال : فمن أوثق عندك من سمعت منه فصححه أو من جحده؟ قلت : من صححه. قال : فهل يمكن أن يكون الرسول (صلى الله عليه

١٥١

وآله وسلم) مزح بهذا القول؟ قلت : أعوذ بالله.قال : فقال قولا لا معنى له فلا يوقف عليه؟ قلت أعوذ بالله. قال : أفما تعلم أن هارون كان أخا موسى لأبيه وأمه؟ قلت : بلى. قال فعلي أخو رسول الله لأبيه وأمه؟ قلت : لا. قال : أوليس هارون كان نبيا وعلي غير نبي؟ قلت : بلى. قال : فهذان الحالان معدومان من علي وقد كانا في هارون ، فما معنى قوله « أنت مني بمنزلة. هارون من موسى » قلت له : إنما أراد أن يطيب بذلك نفس علي لما قال المنافقون إنه خلفه استثقالا له. قال : فأراد أن يطيب نفسه بقول لا معنى له؟ قال فأطرقت قال : يا إسحاق له معنى في كتاب الله بين. قلت : وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال : قوله عز وجل حكاية عن موسى أنه قال لأخيه هارون :( اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) قلت : يا أمير المؤمنين إن موسى خلف هارون في قومه وهو حي ، وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلف عليا كذلك حين خرج إلى غزاته. قال : كلا ليس كما قلت. أخبرني عن موسى حين خلف هارون ، هل كان معه حين ذهب إلى ربه أحد من الصحابة أو أحد من بني إسرائيل؟ قلت : لا. قال : أوليس استخلفه على جماعتهم قلت : نعم قال : فأخبرني عن رسول الله حين خرج إلى غزاته ، هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان؟ فأنى يكون مثل ذلك؟ وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدل على استخلافه عليا لا يقدر أحد أن يحاجج فيه. قلت : وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال : قوله عز وجل حين حكى عن موسى قوله :( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا ) فأنت مني يا علي بمنزلة هارون من موسى ، وزيري من أهلي ، وأخي أشد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبح الله كثيرا ونذكره كثيرا أمر أن يدخل في هذا شيئا غير هذا؟ ولم يكن ليبطل قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن

١٥٢

يكون لا معنى له. قال : فطال المجلس وارتفع النهار فقال يحيى بن أكثم القاضي : يا أمير المؤمنين قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير وأثبت ما لا يقدر أحد أن يدفعه.

أهل البيت (ع)

هم أولو الأمر بعد النبي (ص)

* الحديث الأول :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنهم خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي(١) هل هنالك أوضح من ذلك حجة علينا دلالة واضحة ومعان بينة وأوامر جازمة ، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

ــــــــــــــــ

(١) ـ مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٨ قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

١٥٣

* الحديث الثاني :

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ».

وقال أيضا : « يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه هدى ونور وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي » وسئل زيد بن أرقم « راوي الحديث ، فهل نساؤه من أهل بيته قال : لا. وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر أو الدهر» ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده »(١) .

ولو لم يكن لدينا سوى هذا الحديث لكفى لإثبات خلافة أهل البيت (ع) وإمامتهم وأنهم عدول القرآن لا يفترقون عنه وأن المتمسك بهما معا لن يضل أبدا والمفرط بهما أو بواحد منهما ضال بلا شك.

وقد حاول البعض أن يضع في مقابله حديث » كتاب الله وسنتي « والعجب كل العجب أن علماءهم عندما يروون هذا الحديث يكتبون في ذيله متفق عليه والحال أن حديث » وسنتي حديث مرسل لا سند له ، وأول من رواه مالك في موطئه مرفوعا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يروه غيره من أصحاب الصحاح المعتبرة بينما حديث « كتاب الله وعترتي » متواتر لدى الفريقين تسنده أحاديث أخرى بألفاظ مختلفة.

والحق يقال إن واضعي الحديث « المحترفين هذا الفن » أبدعوا وأجادوا وهم

ــــــــــــــــ

(١) ـ مسلم في صحيحه باب فضائل علي بن أبي طالب ورواه بثلاثة طرق مستدرك الحاكم كتاب معرفة الصحابة ص ٢٧ ، مسند أحمد بن حنبل ج ٣ ص ١٧ ـ ص ١٦ ، الترمذي ج ٥ ص ٦٦٣ ـ ٦٦٢.

١٥٤

يصنعون في مقابل كل حديث حول أهل البيت (ع) حديثا يرفع من شأن غيرهم والأمثلة كثيرة سنذكر بعضها إن شاء الله.

ولا أدري كيف يتمسكون بهذا الحديث وأول من خالفه عمر بن الخطاب في رزية يوم الخميس المعروفة والتي سيأتي ذكرها حينما قال « حسبنا كتاب الله » وهو بنفسه الذي فرض حظرا على الصحابة في رواية أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كما أحرق أبو بكر الأحاديث المكتوبة حتى لا تختلط بالقرآن على حد زعمهم وغيرها من الحوادث التي تثبت عدم الاعتراف بالسنة كما هو متعارف عليه الآن.

وحديث العترة يثبت فيما يثبت عصمة أهل البيت (ع) لأن الذي لا يفارق القرآن ولا يفترق عنه يعني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مثل القرآن تماما ، ولو كان هنالك ثمة احتمال ولو ضئيل جدا بافتراق أهل البيت (ع) عن القرآن لما أكد لنا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في كلامه أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، وبهذا المعنى نفهم آية التطهير التي نزلت في أهل البيت (ع).

( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ولقد أجمعت مصادر التفسير والحديث على نزول هذه الآية في خمسة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين كما جاء في صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أهل البيت (ع)(١) .

والآية ناطقة بعصمة أهل البيت (ع) مما يؤهلهم دون غيرهم للقيام بدور الإمامة لحفظ الشريعة الإسلامية وممارسة دور الرسول (صلى الله عليه وآله

ــــــــــــــــ

(١) ـ وجاء أيضا مثل ذلك في المستدرك ج ٣ ص ١٤٧ وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه.

١٥٥

وسلم) القيادي في الأمة والذي لا يتأتى إلا لمعصوم مصطفى من السماء وهذا ما لخصته آية التطهير والتي صدرت بأداة الحصر « إنما » وهي من أقوى أدوات الحصر ، وفيها إذهاب الرجس عن أهل البيت (ع) والرجس يعني مطلق الذنوب والآثام والأدناس ، والقيام بالتطهير بإرادة الله تعالى كل ذلك مؤداه عصمة أهل البيت (ع).

وعندنا في السودان من أوضح الواضحات التي لا تقبل الجدل عندنا في السودان أن أصحاب الكساء أو أصحاب العباءة هم الخمسة الذين نزلت فيهم آية التطهير كما تواتر في الأحاديث.

* حوار حول العصمة في حديث الثقلين.

جرى حوار بيني وبين أحد الأصدقاء حول عصمة الإمام قال لي : أنتم مغالون تبالغون في حب أهل البيت (ع) حتى ادعيتم أنهم معصومون ومفوضون بالتشريع ونحن لا نرى سوى عصمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قلت : أولاً أهل السنة والجماعة لا يقولون بأن النبي معصوم في كلشيء بل في أمر التبليغ فقط ، ولا ندري كيف يحددون ويصنفون الأمور الواردة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أي منها من الدين وأي من غيره وذلك بخلاف قول الشيعة الذين يقولون بعصمة النبي المطلقة ولا فرق في ذلك بين أمور التشريع وغيرها. أما عصمة أهل البيت فالآية واضحة في دلالتها يقول تعالى :( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) الآية. أضف إلى ذلك مجموعة الأحاديث التي نستشف منها بوضوح دلائل العصمة وحسبك في ذلك حديث الثقلين بعد أن ثبتت صحته لدى جمهور المسلمين سنة وشيعة.

قال : هذا الحديث لا يدل على العصمة فهو فقط يخبرنا بالرجوع لأهل البيت.

قلت : بل الحديث أوضح من أن يبحث فيه عن العصمة إذ أن صحة الحديث يؤكد عصمتهم وإليك البيان ، وسألته : ـ ما قولك في القرآن؟ قال : ـ

١٥٦

ماذا تقصد؟! قلت : ـ هل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه؟ قال : ـ لا. قلت : ـ إن اقتران أهل البيت (ع) بالكتاب والتصريح بعدم الافتراق عنه يدل على عصمتهم. إذ أن صدور أي مخالفة للشريعة منهم سواء كان عمدا أم سهوا أم غفلة يعتبر افتراقا عن القرآن ، لو قلنا بأنهم يفترقون عنه ولو للحظة فهذا تكذيب للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أخبر عن الله عز وجل بعدم وقوع الافتراق وتجويز الكذب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدا مناف لعصمته حتى في مجال التبليغ وقد أكد على الحديث في أكثر من موضع.

أضف إلى ذلك أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اعتبر التمسك بهم عاصما من الضلالة دائما وأبدا كما هو مقتضى ما تفيده كلمة لن التأبيدية فإذا كان هنالك مجال لضلالتهم ولو للحظة فكيف يكون التمسك بهم عاصما.

هذا عن العصمة أما ما قلته عن التفويض فلا أحد من الشيعة يقول به ، إنما هو قول أعداء الدين الذين حاولوا تشويه الصورة النقية للتشيع ، وأنت إذا أردت أن تتعرف على معتقدات الشيعة فيجب عليك الاطلاع عليها من كتبهم وأقوال علمائهم لا من كتب وأقوال المناوئين لهم الذين لا يتورعون عن الكذب والافتراء ، ومعروف عند الشيعة أن الأئمة يقولون بما قاله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وها هو الإمام أمير المؤمنين علي (ع) يقول « علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب » فهم لا يقولون بالتفويض بل أهل السنة والجماعة هم الذين فوضوا الصحابة في التشريع حتى أمضوا اجتهادات الصحابة الواضحة مقابل النصوص المؤكدة.

بعد هذا الحوار أخذ صاحبي يبحث له عن مخرج وبدأ يقفز بالحديث هنا وهناك ويحاول أن يجد ثغرة يصطادني بها وعندما لم يجد قال لي : ـ يا أخي أنا مفوض أمري إلى الله نحن أهل تسليم.

١٥٧

قلت : ـ التسليم لا يكون إلا للحق ، أما التفويض لله فلا يلغي إرادتك ويجمد عقلك. إذا كنت تصبوا إلى الحقيقة واصل بحثك عنها ثم فوض الأمر إلى الله يهديك إلى الصراط المستقيم ، أما أن تكون لا تدري أعلى حق أنت أم على غيره ثم تفوض الأمر هذا تبرير لا يقبل شرعا ولا عقلا. وتركته وذهبت.

بقي أن نبين بعض المصادر التي ذكر فيها حديث الثقلين : ـ

* صحيح مسلم فضائل علي (ع).

* صحيح الترمذي ج ٥ ص ٦٦٢ ـ ٦٦٣.

* صحيح أحمد بن حنبل ج ٣ ص ١٧ ـ ج ٥ ص ١٨٢ ومواضع متعددة.

* مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٠٩ وكتاب معرفة الصحابة ص ٢٧ وغيرها من المصادر.

الحديث الثالث :

قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ».

مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٤٣ وغيره من المصادر مثل كنز العمال وتاريخ البغدادي ورواية أخرى تعضدها جاءت في مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٤٩ « أهل بيتي أمان لأمتي » ما أبلغ تعبير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الحديث الذي يشبه أهل البيت (ع) بسفينة نوح التي حملت المؤمنين برسالته ومن لم يؤمن بها أخذته أمواج الطوفان حتى ابنه الذي قال كما جاء في القرآن( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) (سورة هود : آية / ٤٣) لم ينج من تلك الأمواج وأصبح من الهالكين ، واليوم أمواج الفتن تتلاطم ويذهب ضحيتها أولئك الذين لم يركبوا في سفينة النجاة التي أخبر بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكل الذين يقدمون الأعذار والتبريرات لعدم تمسكهم بأهل البيت (ع) وركوبهم

١٥٨

سفينة النجاة هم كابن نوح الذي اعتبر الجبل عاصما له من الغرق دون السفينة ، والفرق أن الجبال تعددت في وقتنا الحاضر وأكثرها علوا عند من يفكر فيها جبل « عدالة الصحابة » فهل يا ترى يعصمهم من الأمواج الهادرة؟!

وحتى نعطر أجواء هذا البحث نعرج على القرآن الكريم لنستضئ بنوره ونقتبس منه بعض المعاني يستفيد منها من يريد أن يصل إلى الحق.

الآية الأولى : مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للنصارى.

قال الله سبحانه وتعالى :

( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (سورة آل عمران : آية / ٦١).

تواتر لدى الفريقين نزول هذه الآية ـ كما بينا في حديثنا حول الزهراء (ع) في علي وفاطمة والحسنين ، جاء في صحيح مسلم « ولما نزلت هذه الآية دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي ».

قال الفخر الرازي في تفسيره « وأعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث »(١) .

إن القرآن بدقته وبلاغته يعطي لأولي الألباب بصيرة وتوجيها من أقصر الطرق وأيسرها والآية المذكورة تحمل دلالات عظيمة وتفصل معاني الاصطفاء والاختيار الإلهي في أقصر العبارات وأبلغها.

ــــــــــــــــ

(١) ـ التفسير الكبير للرازي ج ٨ ص ٨٠.

١٥٩

وكما جاء في الأحاديث لم يأخذ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله معه أبا بكر وعمر كما أنه لم يأخذ عائشة أو غيرها من زوجاته ..

لم يأخذ إلا هذه العصبة المباركة والتي لم يكن اختيارها اعتباطيا أو عاطفيا في وقت تمر فيه الرسالة بمنعطف تاريخي وهي تواجه نصارى نجران وتتحداهم إنما كان اختيارا ربانيا كما عبر عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أباهل بهم ، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى.

ويأتي البعض لإقناعنا بأن الصحابة أفضل من أهل البيت (ع) وكيف يكون ذلك وهذا الاقتران بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته من كل مورد وكما ورد في الآيات مما يؤكد بأنهم الامتداد الرسالي لهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهنالك ملاحظة جديرة بالالتفات إليها ، وأذكرها لأصحاب العقول المستنيرة الباحثة دوما عما هو أحق بالاتباع وهي موقعية علي (ع) في آية المباهلة فهو ليس من أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كالحسن والحسين كما أنه بالطبع لا يدخل في قائمة النساء ومع ذلك أتى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا نجد له مكانا إلا نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وأنفسنا وأنفسكم ) هذه المفردة القرآنية تعتبر عليا الحالة التجسيدية الكاملة لشخصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا ما أكده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديثه « علي مني وأنا من علي » فتدبر!!

١٦٠