بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)21%

بنور فاطمة (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 276

بنور فاطمة (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92246 / تحميل: 6943
الحجم الحجم الحجم
بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الآية الثانية :

( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (١) .

لا يختلف اثنان من وجوب طاعة أولي الأمر كما جاء في هذه الآية التي قرنت طاعتهم بطاعة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وهؤلاء القادة الواجبة طاعتهم على سبيل الجزم لا بد أن يكونوا في مصاف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من وجود الصفات والخصائص الربانية إلى وجوب الاقتداء والتمسك بهم وهذا يستوجب عصمتهم لأنه يستحيل أن يأمرنا الله تعالى على سبيل الجزم بطاعة من يحتمل خطؤه وعصيانه ، لأنه مفترض الطاعة بلا استثناء ولا حدود ، والاتباع في حالة الخطأ منهي عنه ، فكيف يجتمع الأمر والنهي في فعل واحد باعتبار واحد؟

فيثبت من ذلك أن من أمر الله بطاعتهم على سبيل الجزم وجب أن يكونوا معصومين وذلك ما توصل إليه الفخر الرازي في تفسيره فأثبت عصمة أولي الأمر ولكنه في محاولة يائسة حاول صرف المعنى عن أهل البيت (ع) إلى أهل الحل والعقد ولا نجد من هو أجدر من أهل من الأمة والذين لم نجد لهم تعريفا ثابتا أو فهما واضحا في الشرع الذي أمرنا بطاعتهم. البيت (ع) لما ذكرنا من أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لنا باتباعهم وأنهم معصومون وإلى غير ذلك مما تقدم ذكره فهم أولو الأمر المعنيون بالآية.

وبهذا تكون الحقيقة قد تجلت لمن يريد الأخذ بها وإن معالم طريق الخلاص باتت واضحة وسبيل النجاة منحصر في اتباع أهل البيت (ع) وعلى الأقل فإن هذا ما

ــــــــــــــــ

(١) ـ سورة النساء : الآية / ٥٩.

١٦١

 قادني إليه الدليل ـ أهل البيت الذين اصطفاهم الله لحمل أعباء الرسالة بعد رسوله الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله مستحفظا بعد مستحفظ أوصياء معصومون يحافظون على سير الشريعة في خطها المستقيم وينفون عنها كل الشبهات ويقفون بقوة أمام محاولة تحريفها من قبل المنافقين والحاقدين ، والتاريخ يشهد لهم بذلك وواقعنا أيضا وسنبين ذلك لاحقا.

عندما كنت أحاور ذلك السلفي الذي أجريت معه المناظرة المذكورة في أول الكتاب وفي أثناء حوارنا لمعت عيناه فجأة وكأنه عثر على ضالته وفاجأني بسؤال معتقدا أنه سيضعني في زاوية حرجة سؤال من ظن أنه بلغ منتهى العلم والحكمة ، قال : من قال لكم أن الأئمة اثنا عشر ولماذا هذا العدد بالذات؟ وضحك!! قلت له : يا أخي بالنسبة للعدد فلو فتحنا هذا الباب لمعرفة الحكمة من العدد سأجر إليك أسئلة لا قبل لك بها فلماذا كان الخلفاء أربعة فقط؟ ولماذا اختار موسى سبعين رجلا لميقات ربه ولم يكونوا ثمانين؟ ولماذا خلق الله سبع سماوات وسبعا من الأرض ولم تكن كل واحدة منهما عشرة مثلا ولماذا كان عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر ولماذا يقول تعالى( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) ولم يكونوا خمسة عشر وهكذا أضف إلى ذلك أن الآيات والروايات التي وردت عن أهل البيت (ع) كافية لتوجهنا للأخذ منهم ونحن لم نجد سوى الشيعة متمسكة بهم وهنالك تعلم بعدد الأئمة ولا ضرورة للاحتجاج عليك بعدد الأئمة من مصادركم لأن الموضوع فرعي ومع ذلك وبلطف من الله تعالى لإظهار الحق ولإقامة الحجة لم تخل مصادر أهل السنة والجماعة من الأحاديث التي تحدد عدد الأئمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصدفة كنت أحمل أحد مجلدات موسوعة تجمع ما جاء في الصحاح الستة من أحاديث وفتحت باب الإمارة وقرأت عليه عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله (صلى

١٦٢

 الله عليه وآله وسلم) : « يكون بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش » وقلت له : هل سمعت؟ فبهت الذي كفر وانتفض انتفاضة قوية وكأنه قد مس بطائف من الشيطان ، وقال : من أين لك هذا الحديث؟! فذكرت له المصادر وأذكرها هنا تتمة للفائدة :

* صحيح البخاري كتاب الأحكام ج ٩ ص ٧٢٩.

* صحيح مسلم ج ٣ كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش.

* صحيح الترمذي ج ٤ ص ٥٠١.

* سنن أبي داوود كتاب المهدي ص ٥٠٨.

* مسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ٣٩٨.

وهذا الحديث جعل علماء أهل السنة يعيشون في تخبط ومشكلة كبيرة لن يخرجوا منها ولن يجدوا لها حلا إلا عند أتباع أهل البيت (ع) وهم الشيعة المعروفون ب‍ « الاثني عشرية » ولقد حاول البعض أن يجد تفسيرا معقولا للحديث على أرض الواقع فمنهم من عد أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وتوقف ، ومنهم من زاد عليهم الحسن بن علي ثم تحير ، وبعضهم أضاف إليهم معاوية وبني أمية فلم يوفق لضبط العدد وآخر أصبح انتقائيا يختار كما يتراءى له وهكذا

والأمر لا غموض فيه ولا لبس عند شيعة أهل البيت ذلك بعد أن علمنا حقهم في الولاية والخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس من المعقول أن يخرج هذا العدد خارج دائرتهم وقد جاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي الباب (٩٤) عن المناقب بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم

١٦٣

 القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي « المهدي ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ».

أما النصوص الواردة من مصادر الشيعة عن طريق أهل البيت (ع) فهي متواترة وواضحة بخصوص هذا الشأن ، ولم يرع أحد من الأمة أنه أحد الأئمة الاثني عشر كما قال أهل البيت (ع) عن أنفسهم والتاريخ يخبرنا عن سيرتهم بل أعداؤهم اعترفوا بمكانتهم السامية وعلمهم الغزير وأخلاقهم الرفيعة وهم كما جاء في الحديث آنف الذكر :

١ ـ علي بن أبي طالب.

٢ ـ الحسن بن علي.

٣ ـ الحسين بن علي.

٤ ـ علي بن الحسين الملقب بزين العابدين والسجاد.

٥ ـ ثم ابنه محمد بن علي الملقب بالباقر.

٦ ـ ثم ابنه جعفر بن محمد الملقب بالصادق.

٧ ـ ثم ابنه موسى بن جعفر الملقب بالكاظم.

٨ ـ ثم ابنه علي بن موسى الملقب بالرضا.

٩ ـ ثم ابنه محمد بن علي الملقب بالجواد.

١٠ ـ ثم ابنه علي بن محمد الملقب بالهادي.

١١ ـ ثم ابنه الحسن بن علي الملقب بالعسكري.

١٢ ـ ثم ابنه محمد بن الحسن ويدعى المهدي والقائم والحجة.

هؤلاء هم أولو الأمر الذين فرض الله علينا طاعتهم في القرآن( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وعرفنا منزلتهم( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) (سورة آل عمران : آية / ٣٤).

١٦٤

الفصل السادس

الانقلاب

( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )

(سورة آل عمران : آية / ١٤٤)

١٦٥

١٦٦

ماذا حدث؟

اختزلت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) ما حدث بكلمات بليغة في خطبتها الرائعة ، قالت : « فلما اختار الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الأقلين وهدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم وأوردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ».

عبارات رصينة تلحظ الانقلاب الذي جرى بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لم يأل جهدا في بيان حدود الشريعة ولم يسكت عن أمر الخلافة وأوضح للأمة ما يجب أن تتمسك به بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ـ كما بينا ـ ولكن أبى البعض إلا أن يخالف أوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليدخل الأمة في نفق مظلم ومتاهات تتخبط فيها إلى يومنا هذا اللهم إلا من أنعم الله عليه بمعرفة أهل البت (ع) حق المعرفة.

وما أن تحاول الخوض في غمار أحداث الانقلاب إلا ويظهر لك من تمسح بلباس الدين ليخرج من جيبه بطاقة الفتنة ويشهرها في وجهك ، أو يخرج لك صنم « عدالة الصحابة » ، لكي تتوجه إليه تاركا المقاييس الإلهية الحقيقية التي تميز بها الحق عن الباطل وعندما يضطر أحدهم لمناقشة قضية الخلافة يطوي هذه الصفحة سريعا قائلا : إن المسلمين والصحابة اتفقوا على خلافة أبي بكر التي

١٦٧

كانت بالشورى الإسلامية! أقول بإمكانكم اليوم الهروب من الحقيقة بسبب العاطفة اللامنطقية والتعصب الأعمى ولكن لا بد أن يكشف الغطاء هنالك في يوم المحشر وحينها ستقولون( يا ليتني كنت ترابا ) .

ومع هذا يسخر الله من يسبر أغوار التاريخ ليخرج لنا الحقيقة ، وستكون كتب القوم شاهدة على وهن ما يعتمدونه من تصويب كل ما فعله الصحابة المقدسون.

وقبل مناقشة ما جرى في السقيفة من أحداث الشورى المزعومة يجدر بنا أن نتحدث عن أهم نظرية أسس عليها أهل السنة والجماعة قاعدتهم التي انطلقوا منها لأخذ معالم دينهم وهي « نظرية عدالة الصحابة » وبئس ما أسسوا( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله والله لا يهدي القوم الظالمين ) (١) .

هذه النظرية التي تخالف منطق القرآن والعقل بل وتناقض صريح الأحاديث الشريفة الواردة في كتب التاريخ والسيرة جعلت الأمة تتيه وتتخبط وأحيانا تجمد وتقف حائلا بين الناس والحق ، فهؤلاء الصحابة بأنفسهم يهدمون هذه النظرية من أساسها بأقوالهم وأفعالهم ، أما ما وضع من فضائل مكذوبة لهم فلا يحتاج أمرها إلى ذكاء خارق لمعرفة ضعفها ووهنها سندا ومتنا وذلك لمخالفتها الواقع ، ولو لم تكن إلا هذه النظرية لكفى بها تمييعا وتضعيفا لمعتقد أهل السنة والجماعة الذي لا يفرق بين المسلم والكافر ولا بين المؤمن والمنافق.

ــــــــــــــــ

(١) ـ سورة التوبة : آية / ١٠٩.

١٦٨

مع عدالة الصحابة

الصحابي عند أهل السنة والجماعة هو كل من لقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مؤمنا به ولو ساعة من النهار ومات على الإسلام ، وبالطبع لم يبق بمكة والطائف أحد سنة عشر إلا أسلم وشهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حجة الوداع. وإنه لم يبق في الأوس والخزرج أحد في آخر عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ودخل في الإسلام ، وألحق بهذا الكم الهائل من أمروا في الفتوح بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كل هؤلاء يدخلون تحت مصطلح الصحابي بمفهوم أهل السنة.

ويرون أنهم كلهم عدول كما قال ابن عبد البر في مقدمة كتابه الإستيعاب ، « والصحابة يشاركون سائر الرواة في كل ذلك إلا في الجرح والتعديل فإنهم كلهم عدول » وقال ابن حجر « اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول » وغير ذلك من أقوال علمائهم ويرون زندقة من يناقش أحوالهم.

* القرآن وعدالة الصحابة :

القرآن الكريم يقف عكس هذا الكلام تماما وينقضه وكذلك العقل الذي لم يهبه الله لنا إلا لتصديق الوحي ومن ثم الانطلاق لمعرفة الحقائق ، وما جرى بين أولئك الصحابة يجعلنا نقف حيارى أمام أفعالهم المخالفة للدين في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته وما فعلوه في أهل بيته.

والمتتبع لآيات الذكر الحكيم بعيدا عن التعصب والالتفاف إعراضا عن الحقيقة يدرك أن في الصحابة منافقين مردوا على النفاق ، ورموا فراش

١٦٩

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالإفك وحاولوا اغتياله وفيهم المرتابون وأن القلة منهم مؤمنة بحق وقد أطلق عليهم القرآن صفة الشاكرين( لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) (١) ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) (٢) ويقول( وقليل من عبادي الشكور ) (٣) .

ونفس هؤلاء الأصحاب قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم أنهم يوم القيامة يختلجون دونه فيقول : « أصحابي ، أصحابي فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ».

ومما لا شك فيه أن المنافقين والمرتابين والذين سينقلبون على أعقابهم عاشوا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلوا خلفه وصحبوه في حله وترحاله ، وهذه بعض الآيات التي تتحدث عن حال بعضهم وهم حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( قالت الأعراب آمنا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) (سورة الحجرات : آية / ١٤).

( إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ) (سورة التوبة : آية / ٤٥).

( فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر ، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) (سورة التوبة : آية / ٨١).

( ذلك بأنهم أتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ، أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ، ولو نشاء

ــــــــــــــــ

(١) ـ سورة الزخرف : آية / ٧٨.

(٢) ـ سورة الأعراف : آية / ١٧.

(٣) ـ سورة سبأ : آية / ١٣.

١٧٠

 لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ) (سورة محمد : آية / ٢٨ ـ ٣٠).

( ها أنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) (سورة محمد : آية / ٣٨).

( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا ، أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) (سورة محمد : آية / ١٦).

( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ، قل هو أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم ، والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) (سورة التوبة : آية / ٦١).

( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ) (سورة التوبة : آية / ٢٥).

أقول أضف إليها قوله تعالى :

( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ، فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) (سورة الأنفال : آية / ١٦) فتأمل!

وهنالك فئة كبيرة من المنافقين لم يتناساها القرآن وأشار إليها بوضوح في أكثر من مورد وهي جماعة لا يستهان بها ولكن للأسف ونحن ندرس التاريخ في مدارسنا لم نعلم منهم إلا عبد الله بن أبي سلول ، وكلما ذكر النفاق في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قفز إلى ذهني هذا المنافق مع أن القرآن يركز عليهم بشدة وذلك لا يكون إلا إذا كانت حركة النفاق قوية جدا

١٧١

 داخل المجتمع الإسلامي ولولا ذلك لم يولها القرآن هذا الاهتمام. والعجب كل العجب أن هذا التيار المنافق سكنت حركته بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ندري لماذا؟ فهذه الفئة المنافقة إما أنها آمنت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على يد الخلفاء الثلاثة ، وإما وجدت الوضع ملائما في عهدهم فقفزت إلى أعلى مراكز السلطة وامتلكت قرار الأمة ، والأخير أقرب ، وما جرى بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دليلنا على ذلك :

ما أن أجمع المسلمون على تنصيب علي (ع) بعد مقتل عثمان حتى برز النفاق من جديد ليقود الحرب ضد خليفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فخاض علي الحروب المتتالية ـ الجمل ، صفين ، النهروان ، وأخيرا استشهد ليعود الأمر كما كان عليه وتتسلط جبهة النفاق على رقاب المسلمين من جديد.

وهذه بعض من الآيات تبين مدى قوة جبهة النفاق في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون ) (سورة التوبة : آية / ٦٤).

( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ) (سورة التوبة : آية / ١٠١).

( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ) (سورة التوبة : آية / ٩٧).

( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ) (سورة التوبة : آية / ٩٨).

( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن

١٧٢

المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون) (سورة التوبة : آية / ٦٧).

( وعد الله المنافقين والمنافقات نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم ) (سورة التوبة : آية / ٦٨).

( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ) (سورة الفتح : آية / ٦).

هذا قليل من كثير ولو تصفحنا كتاب الله لتعرفنا على مزيد من صفات المنافقين والمنافقات ولما احتجنا إلى كل هذا التكلف حتى نصنع هالة قدسية لكل من صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهنالك كما لا يخفى على الألمعي علاقة بين حركة التيار المنافق والحروب التي جرت في عهد الإمام علي (ع) ، ونظرة إلى أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حول صفات المنافقين تصل إلى السر الذي جعل الجيوش تتحرك لقتال علي (ع) قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق).

هذا المعيار أوضح من أن يحتاج إلى بيان ، إذ أن من صفة المنافق بغض علي (ع) وأعظم مصداق للبغض في أعلى مراتبه الحرب ولقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب قال : « والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأميصلى‌الله‌عليه‌وآله إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق »(١) .

ــــــــــــــــ

(١) ـ صحيح مسلم ج ١ ص ٦١ باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان.

١٧٣

ولقد كان ذلك معروفا في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قال أبو ذر : « ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب »(١) .

* السنة وعدالة الصحابة :

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ « ليردن علي أناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول : أصحابي فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك »(٢) .

يا قوم ما لكم كيف تحكمون؟ من أين لكم بهذه الخزعبلات التي يرفضها القرآن والسنة؟ لماذا نظل نبرر كل انحراف؟ وإلى متى نغض الطرف عما حدث؟ حتى هؤلاء الصحابة شهدوا على أنفسهم بأنهم أحدثوا الكثير بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما جاء في البخاري « عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت : طوبى لك صحبت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبايعته تحت الشجرة! فقال : يا بن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده »(٣) .

وقال أنس بن مالك « ما عرفت شيئا مما كان على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غير الصلاة وقد ضيعتم ما ضيعتم منها. وقال الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت : ما يبكيك؟ فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت »(٤) .

ــــــــــــــــ

(١) ـ مستدرك الحاكم ج ٣ / ١٢٩.

(٢) ـ البخاري باب الحوض كتاب الرقاق ج ٤ / ٩٥ صحيح مسلم كتاب الفضائل باب إثبات حوض نبينا.

(٣) ـ البخاري ج ٥ ص ٦٦.

(٤) ـ البخاري ج ١ ص ٧٤.

١٧٤

وروى أنس بن مالك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للأنصار : إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض ، قال أنس فلم نصبر »(١) .

وإليك هذه الحادثة التي توضح حال هؤلاء الصحابة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال : أقبلت عير من الشام تحمل طعاما ونحن نصلي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الجمعة فانفض الناس إلا اثني عشر رجلا فنزلت هذه الآية( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) .

وغير ذلك من الأحداث التي تبين الحالات المتباينة بين الصحابة ، ولكن أهل السنة وخاصة علماءهم أبو إلا يطمسوا الحقيقة ويستغفلوا العامة بلعبهم على وتر العاطفة وارتباط الناس بدينهم فجعلوا الصحابة أصلا من أصول الدين لا يجوز النقاش فيه أو السؤال عنه أو الطعن فيه بينما يمكنك الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكل ارتياح ، وأصبح عندهم الأمر عكسيا الأصل (النبوة) صار فرعا والفرع (الصحابة) أصبح أصلا ، (وعند نقدك لأحد الصحابة تتهم بالزندقة وعندما تدافع عن عصمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يثبتون بشتى الطرق أنه يخطئ ويسهو ويصيبه السحر وأن عمر بن الخطاب يفكر ويقدر أفضل منه)(٢) ، والمسلمون منقادون لعلمائهم بدون تعقل ودراية( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) (٣) . فخاضوا بهم في

ــــــــــــــــ

(١) ـ البخاري ج ٢ / ١٣٥.

(٢) ـ أنظر البخاري ج ١ / ٢٢٥ و ج ٢ / ٧٢٦.

(٣) ـ سورة التوبة : آية / ٣١.

١٧٥

متاهات لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى ، وكثيرا ما يشتبه البعض في الاستدلال على عدالة جميع الصحابة بقوله تعالى( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) مع أن الآية تتحدث عن المؤمنين فقط وتحصر رضى الله سبحانه وتعالى فيهم ، والاستدلال بقوله تعالى (المؤمنين) على أنهم جميع الصحابة محل نظر يضاف إلى ذلك أن هنالك منافقين قد بايعوا رسول الله على هذه الواقعة ومن ضمنهم كما ذكر المؤرخون عبد الله بن سلول المنافق المعروف فهل يا ترى تشمله هذه الآية؟ إذا قلنا بالنفي فالمعنى الواضح أن الآية لا تشمل كل من بايع وإنما المؤمنين منهم وبالتالي فهي مخصصة ولا يصح أصلا الاحتجاج بها لأنها أخص من المدعى ، وإثبات إيمان كل الصحابة يحتاج إلى دليل سابق على ذلك. ثم إن الله تعالى يقول في آية أخرى( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) والآية صريحة بإخبارها أن هنالك من ينكث وبهذا يكون رضا الله تعالى ما دام الإيمان والاستقامة وعدم الانتكاث ، وحديث إبراء المتقدم يؤكد على ذلك.

* الصحابة عند شيعة أهل البيت (ع) :

أما أهل البيت وشيعتهم فيرون أن لفظ الصحابي ليس مصطلحا شرعيا وإنما شأنه شأن سائر مفردات اللغة العربية ، والصاحب في لغة العرب بمعنى الملازم والمعاشر ولا يقال إلا لمن كثرت ملازمته ، والصحبة نسبة بين اثنين ، ولذلك لا تستعمل الصاحب وجمعه الأصحاب والصحابة في الكلام إلا مضافا ، كما ورد في القرآن الكريم( يا صاحبي السجن ) و( أصحاب موسى ) وكذلك كان يستعمل في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يقال :

١٧٦

صاحب رسول الله ، وآصحال رسول الله ، مضافا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو مضافا إلى غيره مثل قولهم (أصحاب الصفة) لمن كانوا يسكنون صفة مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم استعمل الصحابي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا مضاف إليه وقصد به أصحاب النبي ، وصار اسما لهم ، وعلى هذا فإن (الصحابي) و (الصحابة) من اصطلاح المتشرعة وتسمية المسلمين ، وليس اصطلاحا شرعيا.

أما عدالتهم فإن مدرسة أهل البيت (ع) ترى تبعا للقرآن أن في الصحابة منافقين ومرتابين الخ كما بينا بالآيات والأحاديث ، والصحبة عندهم ليست بهذا المفهوم الذي أسس عليه أهل السنة دينهم ، وعندما يتحدثون عن الصحابة يضعون نصب أعينهم آيات الذكر الحكيم وقول إمامهم علي (ع) عندما سئل أمن المعقول أن تكون عائشة وطلحة والزبير على باطل قال : « ويحك يا رجل لا يعرف الحق بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله ».

وهكذا فالشيعة يقدسون ما قدسه الله ويلتزمون بالولاء لمن التزم بقيم السماء ويتبرؤون من أعداء الله ورسوله وأهل بيته المنصوص عليهم ، ولهم أدعية يقرؤونها ويدعون بها لأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المخلصين ومن أشهرها ما ورد في الصحيفة السجادية للإمام الرابع للشيعة علي بن الحسين « زين العابدين (ع) ».

« اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وكاتفوه وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالته ، وفارقوا الأرواح والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به ، ومن كانوا منظومين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته الخ الدعاء.

١٧٧

* مصيبة الأمة :

والمصيبة التي منيت بها هذه الأمة هي عدم كتابتها للحديث وذلك بفضل ذكاء أبي بكر وعمر الحاد اللذين شددا في منع نشر كلمات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فتأخر زمان التدوين لينتهز معاوية الفرصة ويغدق في العطاء للوضاعين للحديث ويوسع عليهم لضرب خصومه السياسيين وعلى رأسهم علي (ع) الذي أمر معاوية بسبه على المنابر ، استفاد معاوية من هذا المنع وأجزل في الدفع لوعاظ السلاطين لكي يختلقوا له مجموعة من الفضائل والمناقب للخلفاء الثلاثة في مقابل فضائل لعلي (ع) ، وعلى امتداد التاريخ لم يبق حديث في فضائل أهل البيت (ع) إلا وألفوا في مقابله فضيلة لأعدائهم ، ومثال ذلك حديث « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » والذي كان في مقابل حديث « النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ».

قلت لأحدهم وهو يحاورني : إن كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحا أفلا يعتبر علي منهم فيحق لي اتباعه؟ قال : علي من أكابر الصحابة! قلت له : إذا أنا أقتدي بعلي (ع) الذي رفض بيعة أبي بكر وقاتل عائشة وطلحة والزبير ولو ظفر بطلحة والزبير أثناء القتال في صفوف أعدائه لقتلهم ، وكنت سأقاتل مع علي (ع) لو كنت حاضرا في حرب صفين ولو تمكنت من معاوية لقتلته ، وكنت سأجهز على عمرو بن العاص وهو يظهر سوأته لعلي (ع) حتى لا يقتله! أليس من حقي أن أقتدي بأي صحابي كما تدعون؟! ألا ساء ما يحكمون.

* حديث العشرة المبشرين المزعوم :

ما بدأت حوارا مع أحد ما جرى بعد رسول الله (صلى الله عليه

١٧٨

وآله وسلم) إلا وبادرني « إنهم مبشرون بالجنة » مستندا إلى حديث العشرة المبشرين بالجنة كما يزعمون وإنه لعمري حديث لا يحتاج مني إلى كثير عناء لإثبات وهنه ومخالفة متنه لواقع الأحداث التاريخية ، وهو لا يعدو أن يكون إحدى الأكاذيب التي وضعت كغيرها من الفضائل ، وأورده هنا كنموذج لمأساة الأمة.

العشرة المبشرون بالجنة هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح.

هذا الحديث الضعيف سندا كما بين فطاحل العلم يكذبه متنه كذلك ولا ندري لماذا اشتهر هؤلاء العشر بالتبشير بالجنة وحصرت فيهم مع أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشر غيرهم كآل ياسر والحسن والحسين وأبي ذر ، والقرآن أيضا يبشر كل من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى بالجنة.

إن هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم بمثل هذه الروايات الموضوعة لم يفطنوا إلى وضوح كذب الأحاديث إذ أنها لو كانت وردت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حقيقة لسمعنا في التاريخ احتجاج عمر بها مثلا في السقيفة كدعاية انتخابية لأبي بكر يسند بها انتخابه له.

وياليتني أجد من يوضح لي هل من الممكن أن يكون عبد الرحمن بن عوف أحد رواة هذا الحديث معتقدا بصحته ومع ذلك يسل سيفه على علي (ع) يوم شورى الستة قائلا : بايع وإلا تقتل؟ ويقول لعلي (ع) بعدما انتقضت البلاد على عثمان : إذاشيء ت فخذ سيفك وآخذ سيفي إنه قد خالف ما أعطاني. وهل أبو بكر وعمر المبشران بالجنة هما اللذان ماتت الصديقة بضعة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي واجدة عليهما؟ وهل هما اللذان قالت لهما : إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما

١٧٩

إليه؟ وهل أبو بكر هذا هو الذي أوصت فاطمة (ع) أن لا يصلي عليها وأن لا يحضر جنازتها؟ وهل كان عمر يصدق هذه الرواية وله إلمام بها وهو يناشد مع ذلك حذيفة اليماني العالم بأسماء المنافقين ويسأله عن أنه هل هو منهم؟

وهل كان طلحة والزبير يؤمنان بقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهما يؤلبان على عثمان ويشاركان في قتله؟ وهما اللذان خرجا على إمامهما وخليفة المسلمين المفروض عليهما طاعته بعد أن عقدت له البيعة فنكثا بيعته وأسعرا عليه نار البغض وقاتلاه وقتلا.

أو ليس طلحة والزبير هما اللذان ارتكبا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هتك حرمته ما لم يرتكبه أحد ، حينما أخرجا زوجته عائشة تسير بين العساكر في البراري والفلوات غير مبالين في ذلك ولا متحرجين؟!!

وغير ذلك الكثير مما يؤكد أن الحديث مكذوب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصله ولا تحتاج معرفة ذلك إلى كبير عناء.

السقيفة

حتى نتعرف على حقيقة ما جرى يوم تنصيب أبي بكر خليفة للمسلمين لا بد لنا من أن نتصفح أحداث ذلك اليوم ومن ثم نحدد هل هي الشورى كما يدعون :

جاء في طبقات ابن سعد « عندما انتقل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الرفيق الأعلى اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة وتبعهم جماعة من المهاجرين(١) . ولم يبق حول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أقاربه الذين

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

النفسيّ، وإظهار الطاعة القلبيّة بعمل محسوس.

ثمّ لو كانت ( البيعة ) الطريق الوحيد لانتخاب الحاكم وتعيين القائد، لوجب أن يرد لها ذكر في أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطاهرين: ولقد كان الإمام عليّعليه‌السلام هو الخليفة الوحيد الذي انتخب للحكم عن طريق البيعة دون بقيّة الخلفاء، فالاُمّة لم تبايع أيّاً من الخلفاء الأربعة بحقيقة البيعة، سواه أللّهم إلّا في أبي بكر والتي كانت البيعة في مورده بيعةً ناقصةً، أقتصرت على بعض المسلمين لا عامّتهم(١) ، وكانت بمثابة التسليم للأمر الواقع.

وهناك أحاديث غامضة حول البيعة تحتاج إلى الدراسة والتحقيق فلتراجع المصادر التالية :

بحار الأنوار ( الجزء ٢ ) كتاب العلم ( باب ٣٣ ) الأحاديث: ٢١ و ٢٢ و ٢٣ و ٢٨. وبحار الأنوار ( الجزء ٢٧ ) كتاب الإمامة ( الباب ٣ ) الأحاديث: ١ و ٤ و

__________________

(١) كما مرّ عليك سابقاً.

٢٤١
٢٤٢

الفصل الرابع

صفات الحاكم الإسلاميّ

إنّ أهميّة ( القيادة والحكم ) في حياة الاُمّة وخطورتها البالغة وما يترتّب عليها من سعادة وشقاء، تقتضي اعتبار سلسلة من الشروط والصفات في الحاكم، والرئيس لولاها لانحرفت القيادة عن طريق الحقّ، وانتهت بالاُمّة إلى أسوء مصير. ولقد فطن الإسلام إلى ذلك الأمر الخطير والناحية الحسّاسة، فاشترط وجود صفات معينة في الحاكم والرئيس وقد فرض على الاُمّة الإسلاميّة مراعاة هذه الأوصاف والشروط عند انتخاب الحاكم

وها نحن نشير فيما يلي إلى بعض هذه الصفات، مع الإشارة إلى شيء من أدلتها وفلسفتها على نحو الإجمال والاختصار :

١. الإيمان :

وهو الإعتقاد القلبيّ بالإسلام عقيدةً ونظاماً وخلقاً كما في القرآن الكريم والسنّة المطهرة، ويدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى أنّ الدين الإسلاميّ أفضل المبادئ وخير المناهج، وأنّ العقيدة بالله تعالى، وبشرائعه من مبادئه الأوّليّة فلا يحقّ للكافر بها أن يسود المؤمنين ؛ بحكم العقل ؛ لأنّ ذلك يكون من قبيل تسويد من لا كفاءة له على صاحب

٢٤٣

الكفاءة التامّة ـ قوله سبحانه:( وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) ( النساء: ١٤١ ).

وأيّ سبيل أقوى من الولاية والحكومة على المؤمنين.

* * *

٢. حسن الولاية والقدرة على الإدارة :

إنّ صلاحية الشخص للحكم والإدارة منوطة بقدرته على القيام بلوازم الولاية وأعبائها، فحسن الولاية والكفاءة الإدارية شرط أساسيّ لاحتلال مقام الحكومة والرئاسة، إذ التأريخ البشريّ قديماً وحديثاً يشهد بأنّ تصديّ الحكّام غير القادرين على الإدارة وغير الأكّفاء للولاية جرّ على الشعوب والاُمم ـ وخاصّةً الإسلاميّة ـ أسوء المآسي، وأشد الويلات.

إنّ بداهة هذا الشرط وأهميّة هذه الصفة واضحة لكلّ أحد بحيث لا نحتاج إلى إقامة دليل عليها، فالقيادة توجب بذاتها هذا الشرط وتوفّر مثل هذه الصفة في الحاكم والرئيس حتّى إذا لم يقم على ذلك دليل من خارج.

وإلى أهمية هذه الصفة الحيوية في الحاكم يشير الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ يقول: « لا تصلُح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاثُ خصال :

١. ورع يحجزه عن معاصي الله.

٢. وحلم يملكُ به غضبهُ.

٣. وحسنُ الولاية على من يلي حتّى يكون كالوالد ( وفي رواية كالأب ) الرحيم »(١) .

بل ويشترط الإسلام أن يكون الحاكم أكفأ من غيره على الإدارة، وأقدر من غيره

__________________

(١) الكافي ١: ٤٠٧.

٢٤٤

على الولاية والقيادة.

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « أيّها الناسُ إنّ أحقَّ الناس بهذا الأمر أقومهم [ وفي رواية أقواهم ] وأعلمهم بأمر الله فإن شغب شاغب استُعتب وإن أبى قُوتل »(١) .

إنّ أهم ما يشترط في الحاكم في نظر الإسلام هو حسن الولاية على من يلي اُمورهم، والمقدرة الكافية على قيادتهم، إذ بذلك يمكن للحاكم والرئيس أن يلمَّ شعث المسلمين، ويجمع شملهم، ويدفعهم إلى مدارج الكمال والتقدّم، ويجعلهم في المقدّمة من الشعوب والاُمم، وفي القّمة من الحضارة المدنيّة والازدهار، وحسن الولاية، هذا هو ما يسمّيه ويقصده السياسيّون اليوم بالنُضج العقليّ والرُشد السياسيّ.

٣. التفوّق في الدراية السياسيّة :

على أنّ مجرّد المقدرة وحسن الولاية لا يكفي كما عرفت في منطق الإسلام بل يشترط أن يكون الحاكم الإسلاميّ متفوّقاً على غيره في الدراية السياسيّة فيكون أوسع من غيره في الاطّلاع على مصالح الاُمّة، وأعرف من غيره باُمورها وحاجاتها، لكي لايغلب في رأيه، ولا يُخدع في إدارته، ولكي يصل المجتمع الإسلاميّ إلى أفضل أنواع القيادة وأدراها، وأكفأها.

من أجل ذلك يتعين على الحاكم الأعلى للاُمّة الإسلاميّة أن تبلغ رؤيته السياسيّة والاجتماعيّة درجةً يستطيع معها أن يقود الاُمّة سياسيّاً واجتماعيّاً ويدفع بهم في طريق التقدم جنباً إلى جنب مع الزمن.

وهذا يستلزم أن يكون الحاكم الأعلى للاُمّة مُلماً بالأوضاع السياسيّة وعارفاً بما يجري على الساحة الدوليّة من تطورات سياسيّة لكي يحفظ اُمّته من كلّ ما يمكن أن يتوجّه إليها من أخطار.

يقول الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام في هذا الصدد: « العالمُ بزمانه لا

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (١٧٢).

٢٤٥

تهجمُ عليه اللوابسُ »(١) .

فإنّ من يسوس الاُمّة ويقودها دون بصيرة بالأحوال والأوضاع المحيطة بها يجرّ إليها الويل والانحراف عن جادّة الحقّ كما قال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : « العاملُ على غير بصيرة كالسَّائر على غير الطَّريق، لا تزيده سرعة السير من الطريق إلّا بُعداً »(٢) .

إنّ تسليم القيادة الجماعة إلى من لا يعرف شؤون السياسة والإدارة، ولا يحسن الولاية والإمرة، يكون كإعطائها إلى الصبيان وهو أمر معلوم العواقب، واضح المخاطر كما يقول الإمام عليّعليه‌السلام : « يأتي على الناس زمان لا يُقرّب فيه إلّا الماحلُ ( أي الساعي في الناس بالوشاية ) ولا يُظرّف فيه إلّا الفاجر ».

إلى أن قالعليه‌السلام : « فعند ذلك يكون السلطانُ بمشورة النساء، وإمارة الصبيان »(٣) .

ومن المعلوم أنّ المراد من قولهعليه‌السلام من إمارة الصبيان هو الإشارة إلى تفويض الاُمور إلى من لا يتمتع بالرشُد السياسيّ، والخبرة القياديّة، والبصيرة الإداريّة، وليس المراد من الصبيّ ـ في المقام ـ هو غير البالغ شرعاً وذلك بقرينة أنّ الإمام يتحدث عن زمن تضيع فيه المقاييس الصحيحة للسياسة والاجتماع، فبدل أن تسلّم فيه القيادة إلى ذوي الفهم والفكر والكفاءة تُسلّم إلى من لا يملك ذلك.

إنّ تأكيد الإسلام على هذا الشرط ـ بهذه الدرجة الكبيرة من التأكيد ـ إنّما هو لصيانة الاُمّة الإسلاميّة من التورّط في المشاكل بسبب ضعف القادة والحكام في السياسة أو غفلتهم عن مقتضيات عصرهم، وجهلهم بمتطلبات زمانهم وضروراته، فبسبب هذا الضعف والجهل والغفلة يمكن أن تقع الاُمّة الإسلاميّة فريسةً للمؤامرات الأجنبيّة الشرسة، وتغدو آلةً طيّعةً بأيدي الأعداء، لتنفيذ أغراضهم، وتحقيق مقاصدهم، وهو أعظم ما تصاب به الأمم والشعوب في حياتها وتاريخها.

__________________

(١ و ٢) الكافي ١: ٢٧، ٤٣.

(٣) نهج البلاغة: الحكم رقم (١٠٢).

٢٤٦

٤. العدالة :

إنّ أهمّ ما يجب أنّ يتحلّى به الحاكم الإسلاميّ والرئيس الأعلى للحكومة الإسلاميّة ـ بعد حسن الولاية ـ هو أن يكون متصفاً بالعدالة، بعيداً عن المعاصي والذنوب فأيّ حاكم يمكن أن يؤتمن على مصير الاُمّة، ومقدّراتها ويكون ملتزماً بالدين، ومخلصاً لواجباته ووفيّاً لمصالح الاُمّة، ما لم يتصف بالعدالة التي هي حالة نفسانيّة تمنعه من ارتكاب الذنوب، وتردعه عن اقتراف المعاصي، التي منها الخيانة، والكذب، والتضليل، والغلول.

ولعلّ أوضح ما يدلّ على لزوم وجود مثل هذه الصفة في الحاكم، وحثّ الناس على اعتبارها وملاحظتها فيه عند اختياره وانتخابه هو قوله تعالى:( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ) ( هود: ١١٣ ).

وأيّ ركون إلى الظلم أعظم من تسليط الحاكم الفاسق، والقبول بولايته، والانصياع لأوامره وتسليم مقدرات الاُمّة إليه ؟

وقال سبحانه:( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) ( الكهف: ٢٨ ).

وفي آية أُخرى يعتبر طاعة الأسياد الفاسدين الفاسقين موجباً للضلال وينقل عن لسان المضلَّلين بهم وقولهم:( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ) ( الأحزاب: ٦٧ ).

وأنت إذا لاحظت الآيات الواردة حول الإطاعة تجد أنّ إطاعة الفاسق أمر محرّم بنص الكتاب فراجع الآيات الواردة بهذا الصدد.

وفي هذا المجال قال الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تصلُح الإمامةُ إلّا لرجل فيه ثلاثُ خصال: ورع يحجزه عن محارم الله »(١) .

__________________

(١) الكافي ١: ٤٠٧.

٢٤٧

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدِّماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين :

١. البخيل، فتكون في أموالهم نهمتهُ

٢. ولا الجاهل، فيُضلَّهم بجهله

٣. ولا الجافي، فيقطعهم بجفائه

٤. ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم

٥. ولا المُرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ( أي الحدود التي عيّنها الله لها ).

٦. ولا المُعطّل للسّنّة فيهلك الاُمّة »(١) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « من نصب نفسه للنَّاس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدبها أحقّ بالإجلال من معلّم النَّاس ومؤدّبهم »(٢) .

قال الإمام عليّعليه‌السلام : « لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلّا بإمام عدل »(٣) .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يوم واحد من سطان عادل خير من مطر أربعين يوماً، وحدّ يقام في الأرض أزكى من عبادة سنة »(٤) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « وعدل السلطان خير من خصب الزَّمان »(٥) .

وقال الإمام الحسين بن عليّعليه‌السلام : « فلعمري ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الله، الحابس نفسه على ذات الله »(٦) .

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (١٢٧) شرح عبده.

(٢) نهج البلاغة: الحكم الرقم (٧٣).

(٣) الكافي ١: ٣١٤.

(٤) المستدرك ٣: ٢١٦.

(٥) البحار ٧٨: ١٠.

(٦) روضة الواعظين: ٢٠٦، الإرشاد للمفيد: ٢١٠.

٢٤٨

وقالعليه‌السلام أيضاً: « إنّما الخليفةُ من سار بكتاب الله وسُنّة نبيّه »(١) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : « ايّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شيء من الأخذ والعطاء أن تتحاكموا إلى أحد هؤلاء الفُسّاق »(٢) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « اتقوا الله وأطيعوا إمامكم فإنَّ الرَّعيَّة الصَّالحة تنجو بالإمام العادل، ألا وإنَّ الرَّعيَّة الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر »(٣) .

وقال الإمام الكاظمعليه‌السلام : « طاعة ولاة العدل تمام العزِّ »(٤) .

وكتب الإمام عليّعليه‌السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني عامله على أرديشرخرة: « أمَّا بعد فإنَّ من أعظم الخيانة خيانة الاُمّة، وأعظم الغشِّ على أهل المصر غشّ الإمام »(٥) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « اتقوا الحكومة إنَّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين كنبيّ أو وصيِّ نبيّ »(٦) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إيّاكُم أن يُحاكم بعضُكُم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلمُ شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلتُهُ قاضياً فتحاكموا إليه »(٧) .

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أحبّ النَّاس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً إمام عادل وأبغضُ الناس إلى الله، وأبعدهم منهُ مجلساً إمام جائر »(٨) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرَّحمن وكلتا يديه

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦: ٤٩.

(٢) التهذيب ٦: ٣٠٣.

(٣) البحار ٨: ٤٨٢.

(٤) تحف العقول: ٢٨٢.

(٥) البحار ٨: ٦١٨.

(٦) وسائل الشيعة ( كتاب القضاء ) ١٨: الباب ٣ الطبعة الجديدة نقلاً عن الكافي ٧: ٤٠٦.

(٧) الوسائل ١٨: أبواب صفات القاضي الباب (١).

(٨) جامع الاُصول ٤: ٥٥ أخرجه الترمذيّ.

٢٤٩

يمين، الَّذين يعدلون في حُكمهم وأهلهم وما ولوا »(١) .

إنّ الحديث الأخير وإن كان حول القضاء والفصل بين الخصومات إلّا أنّ اعتبار هذه الصفة في مقام القيادة والزعامة العليا يكون أقوى بدليل الأولويّة، لأنّ مقام الرئاسة العليا والقيادة أكثر خطورةً وأهميّةً من مقام القضاء، ومسؤوليّة الفصل بين الخصومات ولذلك فهو أكثر حاجة إلى اعتبار وصف العدالة.

أضف إلى ذلك، أنّ من كان يتصدّى للقضاء ـ في تلك العهود ـ كان نفسه يشغل مقام الحكم والإدارة أيضاً

ثمّ إذا كان وصف العدالة مشترطاً في إمام الجماعة الذي يؤم جماعةً من المصلّين وهو عمل محدود ومؤقت، كما نعلم، فمن الأولى أن يكون مشترطاً في الحاكم الإسلاميّ للاُمّة المتربّع علس مسند القيادة العامّة والآخذ بمقدرات الاُمّة، والمتصرف في عامّة شؤونها، والمدبّر لاُمورها في شتى المجالات الحيويّة في خضمِّ الحياة السياسيّة.

* * *

٥. الرجولة :

إذا كان الإسلام يشترط أن يكون الوالي والحاكم والقاضي رجلاً فليس لأجل أنّه يريد الحطّ من كرامة المرأة والتقليل من شأوها وشأنها، أو احتقارها، إنّما يقوم بهذا العمل مراعاةً للظروف والنواحي الطبيعيّة في المرأة والخصائص التكوينيّة التي تقتضي مثل هذا التفاوت في موضوع الرئاسة العليا، كما أنّ مبدأ توزيع المسؤوليات الاجتماعيّة وتقسيم الوظائف حسب الإمكانيات يقتضي من جانب آخر إيكال كلّ مسؤوليّة ووظيفة إلى من يمكنه ـ بحكم طبيعته ـ القيام بها، وأدائها.

وحيث إنّ ( المرأة ) انسانة عاطفية أكثر من الرجل، لذلك، فهي قد اعفيت في ـ منطق الإسلام ـ من المسؤوليّات الشاقة والواجبات الثقيلة، وأوكل كلّ ذلك إلى

__________________

(١) جامع الاُصول ٤: ٥٣ أخرجه مسلم.

٢٥٠

( العنصر الرجاليّ ) باعتباره قادراً ـ بحكم خلقته وصلابة تكوينه ـ على القيام بالأعمال الخشنة والمهمّات الثقيلة العبء، ولذلك أُنيطت إليه الرئاسة العليا للاُمّة والبلاد لكونها أثقل المسؤوليّات الاجتماعيّة وأشدّها وطأةً فيما حظر على المرأة التصدي لها وتحمّلها.

فكما أنّ الرجل لا يصلح للاُمور المحتاجة إلى مزيد من العاطفة كالاُمومة والتربية، فكذلك لا تصلح المرأة للاُمور التي تحتاج إلى مزيد من الصلابة كالقيادة والزعامة.

وهذا أمر أثبتته التجارب فقد دلّت على عدم استعداد المرأة لخوض هذا الميدان بنفسها.

إنّ ( المرأة ) حسب نظر القرآن الكريم إنسانة ظريفةُ الإحساس، لطيفةُ المشاعر ولذلك، فهي تتناسب حسب حكاية القرآن عنها ـ مع الزينة والحليّ، لا مع النواحي الخشنة من الحياة البشريّة، فليس للمرأة في مقام الجدل والمناقشة منطق قويّ، وموقف صلب، لأنّها بحكم طبيعتها ومشاعرها العاطفيّة الطاغية، ميّالة إلى الزينة ميالة إلى العيش فيها إذ يقول:( أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) ( الزخرف: ١٨ ).

فالآية تستنكر على المشركين جعلهم البنات لله واختيارهم الذكور

يقول العلاّمة الطباطبائيّ في تفسير الميزان: ( قوله تعالى:( أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) ، أي ؛ وجعلوا لله سبحانه من ينشأ في الحلية، أي يتربى في الزينة، وهو في المخاصمة والمحاجّة غير مبين لحجّته، لا يقدر على تقدير دعواه.

وإنّما ذكر هذان الوصفان لأنّ المرأة بالطبع أقوى عاطفةً، وشفقةً، وأضعف تعقّلاً بالقياس إلى الرجل، وهو بالعكس، ومن أوضح مظاهر قوّة عواطفها ؛ تعلّقها الشديد بالحلية والزينة وضعفها في تقرير الحجّة المبنيّ على قوّة التعقّل )(١) .

إنّ الأدلّة الإسلاميّة ( سنّةً وسيرةً وإجماعاً ) تقتضي بأنّ المرأة لا يجوز لها أن تتصدّى

__________________

(١) الميزان ١٨: ٩٣.

٢٥١

لفصل الخصومات والقضاء وهو شعبة صغيرة من شُعب الإمارة، وما ذلك إلّا لعدم قدرتها على الاستقامة والثَّبات أمام المؤثّرات القويّة التي تعترض القضاة غالباً، وعجزها عن التزام جانب الحقّ بعيداً عن العاطفة، والتأثير العاطفيّ. فعن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « يا عليّ ليس على النساء ولا تولي القضاء »(١) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام في وصية لابنه الحسنعليه‌السلام كتبها له بحاضرين: « ولا تملكُ المرأةُ ما جاوز نفسها فإنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة »(٢) .

ومن المعلوم ؛ أنّ القضاء هو أحد الاُمور الخارجة عن شؤونها الخارجة عن حيطة قدرتها

وأمّا السيرة العمليّة فلم يعهد من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طيلة حياته أن أعطى امرأة منصب القضاء، ونصب منهنّ قاضيةً تفصل بين الخصومات(٣) .

رغم وجود طائفة من النساء ذوات علوم ومحاسن أخلاق.

بل لم يفعل ذلك حتّى الأمويّون والعباسيّون الذين ولُوا أمر الاُمّة الإسلاميّة أكثر من خمسمائة سنة رغم أنّهم ولّوا كثيراً من عبيدهم وغلمانهم وقلّدوهم المناصب الرفيعة(٤) .

وأمّا إجماع العلماء فهو أوضح من أن يخفى على أحد، فقد أجمع علماء الإماميّة كلّهم على عدم انعقاد القضاء للمرأة وإن استكملت جميع الشرائط الاُخرى، ووافقهم على ذلك طائفة من علماء الطوائف الإسلاميّة الاُخرى كالشافعي(٥) .

قال ابن قُدامة في المغني: ( إنّ المرأة لا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يولّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأةً قضاءاً ولا ولاية

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: ٦ ( كتاب القضاء ).

(٢) نهج البلاغة: الرسائل الرقم (٣١).

(٣) تفسير الميزان ٥: ٣٤٧.

(٤) راجع كتاب: رسالة بديعة في تفسير آية( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) من الصفحة ٧٠ ـ ٧٦ وهي رسالة مفصّلة في حكم تصدّي المرأة للقضاء والحكومة من نظر الكتاب والسنّة.

(٥) راجع كتاب: رسالة بديعة في تفسير آية( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) من الصفحة ٧٠ ـ ٧٦ وهي رسالة مفصّلة في حكم تصدّي المرأة للقضاء والحكومة من نظر الكتاب والسنّة.

٢٥٢

بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالباً )(١) .

وقال الشيخ الطوسيّ في « الخلاف »: لا يجوز أن تكون امرأة قاضيةً في شيء من الأحكام وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون قاضيةً في كلّ ما يجوز أن تكون شاهدةً فيه، وهو جميع الأحكام إلّا الحدود والقصاص، وقال ابن جرير: يجوز أن تكون قاضيةً في كلّ ما يجوز أن يكون الرجل قاضياً فيه، لأنّها تُعدّ من أهل الاجتهاد.

ثمّ استدل على المنع بقوله: إنّ جواز ذلك يحتاج إلى دليل لأنّ القضاء حكم شرعيّ، فمن يصلح له يحتاج إلى دليل شرعيّ وروي عن النبيّ أنّه قال: « لا يفلح قوم وليتهم امرأة »(٢) .

فإذا كان تولّي القضاء محظوراً على المرأة وهو ليس إلّا شعبةً محدودةً من شعب الزعامة والولاية، كان حظر تولّي الرئاسة العليا للبلاد والتي يأخذ الرئيس والحاكم الأعلى بموجبها بمقادير الاُمّة ؛ بطريق أولى.

وقد دلّت على حظر تولّي الولاية والحكم على المرأة أحاديث كثيرة منها :

عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: « لا يفلح قوم وليتهم امرأة »(٣) .

ورواه الترمذيّ بنحو آخر هو: « لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة »(٤) .

كما رواه ابن حزم بكيفيّة أُخرى هي: « لا يُفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة »(٥) .

وذكره ابن الأثير في النهاية « ما أفلح قوم قيّمهم امراة »(٦) .

__________________

(١) المغني لابن قدامة ١٠: ١٢٧.

(٢) الخلاف ( كتاب آداب القضاء ) ٢: ٢٣٠ المسألة (٦).

(٣) الخلاف ( كتاب آداب القضاء ) ٢: ٢٣٠ المسألة (٦).

(٤) أخرجه الترمذيّ كما في جامع الاُصول ٤: ٤٩ والنسائيّ أيضاً في سُننه: ٨ ( كتاب آداب القضاء ).

(٥) الملل والأهواء ٤: ٦٦، ٦٧، ورواه في كنز العمال ٦: ١١ وأسنده إلى البخاريّ وابن ماجة وأحمد بن حنبل، وفي لفظهم ( لن يُفلح ) بدل ( لا يُفلحُ ).

(٦) النهاية ٤: ١٣٥.

٢٥٣

وفي المستند: « لا يصلُح قوم وليتُهُم امرأة »(١) .

وعن أبي هريرة عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إذا كان أُمراؤُكُم شراركُم، وأغنياؤكم بخلاءكم، واُموركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهورها »(٢) .

وهذا وقد جمع الإمام الباقر محمّد بن عليّعليه‌السلام الحظر عن الأمرين ( القضاء والحكومة ) في حديث واحد إذ قال: « ليس على النساء أذان ولا إقامة ».

إلى أن قال: « ولا تولَّى المرأة القضاء ولا تولَّى الإمارة »(٣) .

إلى غيرها من الأحاديث والروايات المتضافرة مضافاً إلى السيرة العمليّة. بل وروح الشريعة الإسلاميّة المتمثّلة في الحفاظ على شرف المرأة وكرامتها ومكانتها الحقيقية الطبيعيّة، ومضافاً إلى سعي الشريعة الإسلاميّة للحفاظ على الأخلاق الاجتماعيّة وسلامة أمر الاُمّة بإشاعة جوّ التقوى ؛ وذلك يستلزم بأن تُصان المرأة من الظهور على المسرح السياسيّ في أعلى مستوياته لما في ذلك من أخطار لا تخفى.

ولابدّ في الأخير من الإشارة إلى أمرين هامّين :

الأوّل: أنّ عدم السماح للمرأة بتولّي القضاء والولاية ليس بخساً لحقّها، أو حطّها من كرامتها أو حرماناً لها من حقّها، بل رفع لمسؤوليّة ثقيلة جداً عن كاهلها، ووضعها في الموضع الصحيح لها في تركيبة الحياة الاجتماعيّة المستقيمة السويّة، وفي الحقيقة إيكال ما هو مناسب لها إليها، ممّا يكون متناسباً مع تركيبتها العاطفيّة الرقيقة ألا وهو تربية الأولاد وتثقيفهم، وتعليمهم مالهم وما عليهم من الشؤون والوظائف الاجتماعيّة، كما لها أن تقوم بما هو دون الولاية من قبيل التصدّي للتعليم والتمريض والخياطة والطبابة وما سواها من الشؤون والأعمال الاجتماعيّة.

يقول العلاّمة الطباطبائيّ في تفسير الميزان: ( وأمّا غيرها ( أي الولاية والقيادة ) من

__________________

(١) المستند ٢ ( كتاب القضاء ): ٥١٩.

(٢) الترمذيّ في سننه ٤ ( كتاب الفتن ): ٥٢٩ و ٥٣٠.

(٣) الخصال٢: ٣٧٣، البحار ١٠٣: ٢٥٤، الحديث ١.

٢٥٤

الجهات كجهات التعلّم والتعليم والمكاسب والتمريض والعلاج وغيرها ممّا لا ينافي نجاح العمل فيها مداخلة العواطف فلم تمنعهنّ السنّة، والسيرة النبويّة تُمضي كثيراً منها، والكتاب أيضاً لا يخلو من دلالة على إجازة ذلك في حقّهنّ، فإنّ ذلك لازم ما أُعطين من الحريّة والإرادة والعمل في كثير من شؤون الحياة )(١) .

ثمّ في الجوّ الإسلاميّ الذي يوجده الإسلام بتعاليمه ونظامه يتّخذ أعمال المسلم والمسلمة صفة العبادة الشرعيّة ويتحلّى بقداسة لا يماثلها شيء في غير المجتمع الإسلاميّ. ولذلك فإنّ ما أُعطيت المرأة من المسؤوليّة تتّخذ صفة العبادة والقداسة، وهذا يعني أنّ الإسلام أبدل عملاً بعمل آخر مع الاحتفاظ بالقيمة الشرعيّة فإذا أسقط عن المرأة الجهاد مثلاً، جعل حسن تبعّلها جهاداً كالجهاد في سوح الحرب. فلا فضل لعمل على عمل مادام الهدف واحداً هو تحقيق أمر الله وإرادته وإطاعته فيما أراد.

وفي هذا الصدد يقول العلاّمة الطباطبائيّ في تفسير الميزان: ( انّ الإسلام لم يهمل أمر هذه الحرمات كحرمان المرأة من فضيلة الجهاد في سبيل الله دون أن يكون قد تداركها، وجبر كسرها بما يعادلها عنده بمزايا وفضائل فيها مفاخر حقيقية، كما أنّه جعل حسن التبعّل مثلاً جهاداً للمرأة(٢) وهذه الاُمور التي هي مفاخر في نظر الإسلام أوشكت أن لا يكون لها عندنا ـ في ظرفنا الفاسد ـ قدر، لكن الظرف الإسلاميّ الذي يقوّم الاُمور بقيمها الحقيقية، ويتنافس فيه في الفضائل الإنسانيّة المرضية عند الله سبحانه، وهو يقدّرها حقّ قدرها، يقدّر لسلوك كلّ إنسان مسلكه الذي ندبه إليه، وللزومه الطريق الذي خطّ له ؛ من القيمة ما يتعادل فيه أنواع الخدمات الإنسانيّة، وتتوازن أعمالها فلا فضل في الإسلام للشهادة في معركة القتال والسماحة بدماء المهج ـ على ما فيه من الفضل ـ، على لزوم المرأة وظيفتها في الزوجيّة وكذا لا فخار لوال يدير رحى المجتمع الحيويّ، ولا لقاض يتكئ على مسند القضاء وهما منصبان ليس للمتقلِّد

__________________

(١) تفسير الميزان ٥: ٣٤٧.

(٢) لاحظ نهج البلاغة: الحكم (١٣٦) قال الإمام عليّ: « وجهاد المرأة حسن التَّبعّل ».

٢٥٥

ـ بهما في الدنيا ـ لو عمل فيما عمل، بالحقّ وجرى فيما جرى على الحقّ ـ إلّا تحمّل أثقال الولاية والقضاء، والتعرّض لمهالك ومخاطر تهدّدهما حيناً بعد حين في حقوق من لا حامي له إلّا ربّ العالمين فأيّ فخر لهؤلاء على من منعه الدين من الورود موردهما، وخطّ له خطّاً آخر، وأشار إليه بلزومه وسلوكه

وخلاصة القول: أنّه ليس من المستبعد أن يُعظِّم الإسلام اُموراً نستحقرها، أو يُحقّر اُموراً نستعظمها ونتنافس فيها )(١) .

* * *

الثاني: انّنا لا ننكر وجود نساء معدودات تمتَّعن بالقدرة على الإمرة، وتحلَّين بالمنطق القويّ، والفكر المتفوّق إلّا أنّ وجود هؤلاء النسوة المعدودات لا يدلّ على قدرة العنصر النسويّ بعمومه على الإدارة والولاية، والتحلّي بهذه الخصيصة وهل يمكن خرق القاعدة العامّة لعدة موارد شاذّة ؟ ونحن نعلم أنّ المقنّين يراعون عند وضع القوانين، الأكثريّة الساحقة، فهي الملاك في الخطابات القانونية وهي الملاك أيضاً في الخطابات الشرعيّة لا الأقليّة النادرة والأفراد المعدودون.

* * *

٦. العلم بالقانون اجتهاداً أو تقليداً :

لمّا كانت الحكومة الإسلاميّة هي حكومة القانون الإلهيّ على الناس لزم أن يكون الحاكم المجري له في مجالات الحكم والإدارة عالماً به، وإلاّ عادت حكومةً استبداديّةً ينبع القانون فيها من إرادة الحاكم وهواه. وفي هذا المجال يقول الإمام الخمينيّ :

( بما أنّ الحكومة الإسلاميّة هي حكومة القانون كان لزاماً على حاكم المسلمين أن يكون عالماً بالقانون ـ كما ورد في الحديث ـ وكلّ من يشغل منصباً أو يقوم بوظيفة معينة فإنّه يجب عليه أن يعلم في حدود اختصاصه وبمقدار حاجته ). إلى أن قال: ( انّ الحاكم

__________________

(١) تفسير الميزان ٥: ٣٥١ ـ ٣٥٢.

٢٥٦

ينبغي أن يتحلّى بالعلم بالقانون وعنده ملكة العدالة مع سلامة الاعتقاد وحسن الأخلاق وهذا ما يقتضيه العقل السليم، خاصّة ونحن نعرف أنّ الحكومة الإسلاميّة تجسيد عمليّ للقانون وليست ركوب هوى فالجاهل بالقوانين لا أهليّة فيه للحكم )(١) .

ثمّ على القول بأنّ الولاية ـ عند عدم التمكن من الإمام المعصوم ـ من شؤون الفقيه العدل، يلزم أنّ يكون الحاكم هو الفقيه، بيد أنّه لا يلزم أن يتصدّى الفقيه بنفسه إدارة البلاد، بل يمكن له أن يُوكل شخصاً آخر ـ ترتضيه الاُمّة وتختاره ـ ويكون عارفاً بالقانون عن طريق الاجتهاد، وتجتمع فيه سائر الصفات والمؤهّلات.

ولأجل ذلك قلنا: اجتهاداً أو تقليداً ويدلّ على ذلك مضافاً إلى ما عرفت قول الإمام الحسين بن عليّعليه‌السلام : « مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله والامناء على حلاله وحرامه »(٢) .

وقولهعليه‌السلام : « والله ما الإمام إلّا القائم بالقسط، الحاكم بالكتاب الحابس نفسه على ذات الله »(٣) .

ومن المعلوم أنّ القيام بالقسط والحكم على طبق الكتاب لا ينفكّ عن العلم بالقانون الإسلاميّ اجتهاداً، أو تقليداً.

* * *

٧. الحريّة :

يختلف نظام الرقِّ في الإسلام عمّا هو عليه في سائر الأنظمة البشريّة، فإنّ النظم البشريّة ترى جواز استعباد الانسان واسترقاقه لأخيه الإنسان بحجّة أنّه أقلّ ثقافةً أو لأنّه يعيش في بلد متأخّر، أو لأنّه يجري في عروقه دم وضيع، أو لأنّه لا ينتمي إلى حزب !!

غير أنّ الإسلام الذي حرّم على الناس التفاضل بهذه الخرافات، انقذهم من سيادة بعضهم على بعض بتلك الحجج الواهية السخيفة، ولم يجز لأحد أن يسلب حريّة

__________________

(١) الحكومة الإسلاميّة: ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) تحف العقول: ١٧٢ ( طبعة بيروت ).

(٣) روضة الواعظين: ٢٠٦.

٢٥٧

غيره لتلك الحجج والمعاذير فقال القرآن الكريم:( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إلّا نَعْبُدَ إلّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ ) ( آل عمران: ٦٤ ).

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « بعث الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ليُخرج عبادهُ من عبادة عباده إلى عبادته ومن عهود عباده إلى عُهوده، ومن طاعة عباده إلى طاعته، ومن ولاية عباده إلى ولايته »(١) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « ولا تكُن عبد غيرك وقد جعلك الله حُراً »(٢) .

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « أيّها الناسُ إنّ آدم لم يلد سيّداً ولا أمة. وإنّ الناس كلهم أحرار ولكنَّ الله خوّل بعضكم بعضاً »(٣) .

وقد وجّه الإسلام دعوته الشاملة إلى كلّ اُمم الأرض، ودعاها إلى التحرّر من العبوديات الباطلة والانضواء تحت لواء واحد هو لواء الإسلام لله تعالى والتسليم لأوامره في جوّ من المساواة الكاملة والوحدة الشاملة يوم لم يسمع العالم عن الاُمميّة الحديثة شيئاً.

منذ ذلك اليوم دعا الإسلام إلى صيانة الحريّات الطبيعيّة المعقولة، وحارب بشدة من يحاول إغفالها وتجاهلها.

إنّ تحرير الإنسان من وطأة استعباد الآخرين له ممّا جوز القرآن أن تراق من أجله الدماء إذ قال سبحانه:( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ) ( النساء: ٧٥ ).

ولذلك فإنّ الإسلام لا يُقرّ بالرقّيّة والاسترقاق الذي تقول به الأنظمة البشريّة، نعم ؛ للإسلام نظام للرقّ بشكل آخر، وهو موقف يتخذه الإسلام الحنيف كعمل اضطراري لمعالجة حالة شاذّة.

__________________

(١) الوافي ٣ ج ١٤٢: ٢٢.

(٢) نهج البلاغة: الرسائل ( الرسالة ٣١ ).

(٣) روضة الكافي: ٦٩.

٢٥٨

فإنّ أعداء الإسلام وأعداء الحريّة إذا هاجموا المسلمين وعرّضوا حياتهم للخطر كان جزاء المعتدين أن يُقتلوا أينما ثُقفوا ما لم تضع الحرب أوزارها(١) ، فإذا وضعت الحرب أوزارها استؤسروا ثمّ وضعوا تحت ولاية حكيمة تعلمهم ما هو جزاء المعتدين على حقوق الآخرين وحرياتهم وتعطي لهم ولأمثالهم درساً عملياً تُفهمهم أنّ الذي يريد أن يستعبد الناس فهو يستعبد جزاءً وفاقاً، وستظل هذه الولاية ريثما ينشأ نشأةً أُخرى يفهم في ضوئها قيمة الحريّة المخوّلة إليه، والسبيل الذي يجب أن تصرف فيه فإذا عرف ذلك ردّت إليه حريته، ويعيش معه في راحة وأمان قال الله سبحانه:( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) ( النور: ٣٣ ).

وهذه الآية تفيد ؛ أنّ تعريض العبد للحريّة والخروج من حالة الرقيّة أمر مرغوب فيه في الإسلام بشرط أن يُعلم منه الخير، ولا يكون تحريره مضرّاً بالإسلام والمسلمين.

وبهذا تظهر العلّة في عدم سماح الإسلام للعبيد بأن يتصدّروا مسند القيادة ويسلّم إليهم المجتمع الإسلاميّ زمام إدارتهم وحكومتهم.

فإنّ الذي استُرقّ لسوء ماضيه ولإرادته العدوان على نفوس المسلمين وحرياتهم وأموالهم وأعراضهم، لا يجوز أن يعطى إليه زمام قيادتهم إذ لا يؤمن على أموال المسلمين وحريّاتهم ونفوسهم وأعراضهم، وهو الذي سبق له الاعتداء عليها.

وخلاصة القول: نعلم من هذا الموقف الإسلاميّ اتّجاه العبد ؛ بأنّ الإسلام إنّما سلب عنهم الصلاحيّة للقيادة لأنّهم كانوا من الذين يريدون أن يسلبوا حريّة الناس، فلا يمكن لمن يحمل هذه النزعة الخطيرة، ولو في أمد من الزمان ـ أن سيود على المسلمين، ويُسلَّط على شؤونهم.

* * *

هذا مضافاً إلى أنّ حرمان العبد من الارتفاع إلى مستوى القيادة نوع من النكال

__________________

(١) سيأتي مفصّل القول في هذا المجال عند البحث عن أحكام الجهاد.

٢٥٩

والتبكيت للعبد، ولكلّ من يريد ما أراد من العدوان والتجاوز على حرمة المسلمين وبلادهم.

ثمّ كيف يصلح العبد للولاية وهو بدوره مولّىً عليه فهل يجوز أن يرفع إلى مستوى قيادة الأحرار ؟

يبقى أن يعرف القارئ الكريم أنّ الإسلام كما قلنا لم يعمد الاسترقاق إلّا للضرورة ؛ إذ لم يكن أمام الإسلام اتّجاه المعتدين بعد السيطرة عليهم إلّا خمس خيارات :

١. أن يقتلهم جميعاً ويسفك دمائهم عن آخرهم وهي قسوة تتنافى مع روح الإسلام الرحيمة المحبّة للسلام.

٢. أن يسجنهم جميعاً وذلك يكلف الدولة تكاليف باهضةً وميزانيةً ضخمةً مضافاً إلى أنّ السجن ممّا يعقّد السجين، ويزيده اندفاعاً في الشرور والفساد.

٣. أن يتركهم ليعودوا إلى بلادهم سالمين، وهذا رجوع إلى المؤامرة والاحتشاد والعدوان مرّة اُخرى.

٤. أن يتركهم ليسرحوا في بلاد الإسلام وهذا يعني تعريضهم لسفك دمائهم على أيدي المسلمين، انتقاماً منهم.

ولـمـّا لم يكن اختيار شيء من هذه الطرق اختياراً عقلائيّاً يبقى أمام الإسلام طريق خامس وهو :

٥. استرقاقهم، بمعنى جعلهم تحت ولاية المسلمين ليراقبوا بشدة تصرفاتهم، وليتسنّى لهم من خلال العيش في ظل الحياة الإسلاميّة أن يقفوا على تعاليم الدين وينشأوا نشأةً إسلاميّةً ويكون الإسلام بهذا قد حافظ على حياتهم، ومنع من سفك دمهم، لأنّ مالكهم سوف يحرص عليهم أشدّ الحرص ويحافظ على حياتهم أشد المحافظة بخلاف من لا يملكهم، ولا يرجوا منهم نفعاً.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276