مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٧

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل12%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 469

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 230269 / تحميل: 5738
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

عليه من بعده، وإنما ( أتاك بالحديث أربعة )(٥) ليس لهم خامس: رجل منافق، مظهر للايمان، متصنع للاسلام باللسان، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدا، ولو علم المسلمون أنه منافق كاذب ما قبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: هذا قد صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد رآه وسمع منه وأخذ عنه، وهم لا يعرفون حاله - إلى أن قال - فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا لم يحفظه على وجهه، فأوهم(٦) فيه ولم يتعمده كذبا، فهو في يديه، يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول: انا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجل ثالث، سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فيحفظ(٧) المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، ولو علم(٨) أنه منسوخ لرفضه، ولو علم الناس إذا سمعوا منه انه منسوخ لرفضوه.

ورجل رابع، لم يكذب على الله ولا على رسوله، بغضا للكذب، وخوفا من الله تعالى، وتعظيما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يتوهم، بل حفظ الحديث على وجهه، فجاء به كما سمعه، لم يزد فيه ولم ينقص منه، وحفظ الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، وإن امر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونهيه، مثل القرآن ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام له وجهان، كلام عام وكلام خاص مثل القرآن، وقال عز

__________________

(٥) في نسخة: ذكر الحديث من أربعة.

(٦) في نسخة: فوهم ( منه قده ).

(٧) في نسخة: فحفظ ( منه قده ).

(٨) في نسخة: فلو يعلم ( منه قده ).

٣٤١

وجل في كتابه:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّ‌سُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٩) يسمعه من لا يدري ولم يعرف ما أراد(١٠) الله عز وجل، وما عني به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس كل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله عن الشئ فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يفهم(١١) ، حتى أنهم كانوا يحبون أن يجئ الاعرابي أو الطارئ(١٢) ، فيسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى يسمعه.

وكنت أنا أدخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كل يوم دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انه لم يكن يصنع ذلك بأحد غيري، وكنت إذا ابتدأت(١٣) أجابني، وإذا سكت ابتدأني، ودعا الله أن يحفظني وأن يعصمني(١٤) ، فما نسيت شيئا قط منذ دعا لي، واني قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انك منذ(١٥) دعوت الله لي دعوة لم انس مما تعلمني شيئا، ولم يفتني شئ، ولم اكتبه، فلم تمله علي؟ ولم تأمرني بكتابته؟ أتتخوف علي النسيان؟ فقال: يا أخي، لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله عز وجل انه قد استجاب لي فيك، وفي شركائك الذين يكونون بعدك، وإنما تكتبه لهم» الخبر، وفيه ذكر الشركاء، وهم الأوصياء من ولدهعليهم‌السلام .

[ ٢١٥٢٩ ] ١٠ - كتاب عاصم بن حميد: عن خالد بن راشد، عن مولى لعبيدة السلماني، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام - في حديث - أنه قال: « ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال قولا آل منه إلى غيره، وقال قولا

__________________

(٩) الحشر ٥٩: ٧.

(١٠) في نسخة: عنى ( منه قده ).

(١١) في نسخة: ولا يستفهمه ( منه قده ).

(١٢) الاعرابي الطارئ: المتجدد قدومه ( مجمع البحرين ج ١ ص ٢٧٥ ).

(١٣) في نسخة: سألت ( منه قده ).

(١٤) في نسخة: يفهمني ( منه قده ).

(١٥) في نسخة: بما ( منه قده ).

١٠ - كتاب عاصم بن حميد: ص ٣٨.

٣٤٢

وضع على غير موضعه، وكذب عليه» فقام إليه علقمة وعبيدة السلماني فقالا: يا أمير المؤمنين، فما نصنع بما قد خبرنا في هذه الصحف عن أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: « سلا عن ذلك علماء آل محمدعليهم‌السلام » كأنه يعني نفسه.

١٥ -( باب نوادر ما يتعلق بأبواب صفات القاضي، وما يجوز أن يقضي به)

[ ٢١٥٣٠ ] ١ - مصباح الشريعة: قال الصادقعليه‌السلام : « لا يحل الفتيا لمن لا يستفتي من الله عز وجل بصفاء سره، واخلاص عمله وعلانيته، وبرهان من ربه في كل حال، لان من أفتى فقد حكم، والحكم لا يصح الا بإذن الله وبرهانه، ومن حكم بالخبر بلا معاينة، فهو جاهل مأخوذ بجهله، ومأثوم بحكمه، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أجرأكم على الفتيا أجرأكم على الله عز وجل، أو لا يعلم المفتي أنه هو الذي يدخل بين الله تعالى وبين عباده؟ وهو الحائر بين الجنة والنار، ولا تحل الفتيا في الحلال والحرام بين الخلق، الا لمن [ كان ](١) أتبع الخلق(٢) ، من أهل زمانه وناحيته وبلده ( بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعرف ما يصلح من فتياه )(٣) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وذلك لربما ولعل وعسى، لان الفتيا عظمية، وقال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لقاض: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: ( فهل أشرفت على مراد الله عز وجل في أمثال القرآن؟ قال: لا، قال ):(٤) إذا هلكت وأهلكت، والمفتي يحتاج إلى معرفة معاني

__________________

الباب ١٥

١ - مصباح الشريعة ص ٣٥١.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المخطوط: الحق، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) ليس في المصدر.

٣٤٣

القرآن، وحقائق السنن، وبواطن(٥) الإشارات، والآداب، والاجماع والاختلاف، والاطلاع على أصول ما اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه، ثم إلى حسن الاختيار، ثم إلى العمل الصالح، ثم الحكمة، ثم التقوى، ثم حينئذ ان قدر» .

[ ٢١٥٣١ ] ٢ - أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد: عن ابن مسعود، انه كان يقول: هلك القائسون.

[ ٢١٥٣٢ ] ٣ - وقد روى هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان امر بني إسرائيل لم يزل معتدلا حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم، فقالوا فيهم بالرأي فأضلوهم.

وقال ابن عيينة: فما زال امر الناس مستقيما، حتى نشأ فيهم ربيعة الرأي بالمدينة، وأبو حنيفة بالكوفة، وعثمان بالبصرة، وأفتوا الناس وفتنوهم، فنظرناهم فإذا هم أولاد سبايا الأمم.

[ ٢١٥٣٣ ] ٤ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح: عن حميد بن شعيب، عن جابر الجعفي، عن الباقرعليه‌السلام ، قال: « ان المؤمن بركة على المؤمن، وان المؤمن حجة لله ».

[ ٢١٥٣٤ ] ٥ - النعماني في كتاب الغيبة: عن محمد بن همام، ومحمد بن الحسين بن جمهور معا، عن الحسن(١) بن محمد بن جمهور، عن أبيه، عن

__________________

(٥) في المخطوط: « ومواطن » وما أثبتناه من المصدر.

٢ - كنز الفوائد ص ٢٩٧.

٣ - كنز الفوائد ص ٢٩٧.

٤ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح ص ٦١.

٥ - الغيبة للنعماني ص ١٤١ ح ٢.

(١) في المخطوط: « الحسين » وما أثبتناه من المصدر هو الصواب ( راجع معجم رجال الحديث ج ٥ ص ١١٣ ).

٣٤٤

بعض رجاله، عن المفضل، قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « خبر تدريه خير من عشرة ترويه، ان لكل حق حقيقة(٢) ، ولكل صواب نورا، ثم قال: انا والله لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها، حتى يلحن له فيعرف اللحن ».

[ ٢١٥٣٥ ] ٦ - الصدوق في العيون: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي حيون مولى الرضا، عن الرضاعليه‌السلام ، قال: « من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم، ثم قال: إن في اخبارنا متشابها كمتشابه القرآن، ومحكما كمحكم القرآن، فردوا متشابها إلى محكمها، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا ».

[ ٢١٥٣٦ ] ٧ - عوالي اللآلي: وبعث عليعليه‌السلام عبد الله بن العباس إلى البصرة قاضيا.

[ ٢١٥٣٧ ] ٨ - وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « إن الله لا يقدس أمة ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه [ من القوي ](١) ».

[ ٢١٥٣٨ ] ٩ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فمن شدة ما يلقاه من الحساب، يود أنه لم يكن قضى بين اثنين في تمرة ».

[ ٢١٥٣٩ ] ١٠ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي، وإني أراك ضعيفا مستضعفا، فلا تأمر على اثنين،

__________________

(٢) في المخطوط: « حقيقة حقا » وما أثبتناه من المصدر.

٦ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ص ٢٩٠ ح ٣٩.

٧ - عوالي اللآلي: ج ٣ ص ٥١٥ ح ٣.

٨ - عوالي اللآلي ج ٣ ص ٥١٥.

(١) أثبتناه من المصدر.

٩ - عوالي اللآلي ج ٣ ص ٥١٦ ح ٩.

١٠ - عوالي اللآلي ج ٣ ص ٥١٦ ح ١٠.

٣٤٥

وعليك بخاصة نفسك» .

[ ٢١٥٤٠ ] ١١ - علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، عن حماد قال سألت: أبا عبد اللهعليه‌السلام ، عن لقمان وحكمته - إلى أن قال - قالعليه‌السلام : « ان الله تبارك وتعالى، أمر طوائف من الملائكة، حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقائلة، فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم، فقالوا: يا لقمان، هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض، تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: ان أمرني ربي بذلك فالسمع والطاعة، لأنه ان فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني، وان هو خيرني قبلت العافية، فقالت الملائكة: يا لقمان، لم(١) ؟ قال: لان الحكم(٢) بين الناس من أشد(٣) المنازل من الدين، وأكثرها(٤) فتنا وبلاء ما يخذل ولا يعان، ويغشاه الظلم من كل مكان، وصاحبه منه بين أمرين: ان أصاب فيه الحق فبالحري ان يسلم، وان أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا وضعيفا، كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكما سريا شريفا، ومن اختار الدين على الآخرة يخسرهما كلتيهما، تزول هذه ولا تدرك تلك(٥) قال: فعجبت الملائكة من حكمته، واستحسن الرحمن منطقه » الخبر.

[ ٢١٥٤١ ] ١٢ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « أعدل الخلق أقضاهم بالحق ».

وقالعليه‌السلام : « أفظع شئ ظلم القضاة »(١) .

__________________

١١ - تفسير القمي ج ٢ ص ١٦٢.

(١) في المصدر زيادة: قلت ذلك.

(٢) في نسخة: الحاكم ( منه قده ).

(٣) في المخطوط: بأشد، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في المخطوط: وأكثر، وما أثبتناه من المصدر.

(٥) في المخطوط: هذه، وما أثبتناه من المصدر.

١٢ - غرر الحكم ج ١ ص ١٨٤ ح ١٨٨.

(١) نفس المصدر ج ١ ص ١٨٣ ح ١٨٥.

٣٤٦

أبواب آداب القاضي

١ -( باب جملة منها)

[ ٢١٥٤٢ ] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، انه كتب إلى رفاعة لما استقضاه على الأهواز كتابا فيه: « ذر المطامع، وخالف الهوى، وزين العلم بسمت صالح، نعم عون الدين الصبر، لو كان الصبر رجلا كان رجلا صالحا، إياك والملالة فإنها من السخف والنذالة، لا تحضر مجلسك من لا يشبهك، تخير لودك(١) ، واقض بالظاهر، وفوض إلى العالم [ الباطن ](٢) ، ودع عنك أظن(٣) وأحسب وأرى، ليس في الدين إشكال، لا تمار سفيها ولا فقيها، اما الفقيه فيحرمك خيره، واما السفيه فيحزنك شره، ولا تجادل أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن بالكتاب والسنة، ولا تعود نفسك الضحك فإنه يذهب البهاء، ويجرئ الخصوم على الاعتداء، إياك وقبول التحف من الخصوم، وحاذر الدخلة، من ائتمن امرأة حمق، ومن شاورها فقبل منها ندم، احذر دمعة المؤمن فإنها تقصف(٤) من

__________________

أبواب آداب القاضي

الباب ١

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٤ ح ١٨٩٩.

(١) في نسخة: لوردك ( منه قده ).

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في المخطوط: الباطن، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) تقصف: تكسر ( مجمع البحرين ج ٥ ص ١٠٩ ).

٣٤٧

دمعها، وتطفئ بحور النيران عن صاحبها، لا تبتز(٥) الخصوم، ولا تنهر السائل، ولا تجالس في مجلس القضاء(٦) غير فقيه، ولا تشاور في القضاء(٧) ، فان المشورة في الحرب ومصالح العاجل، والدين فليس(٨) بالرأي إنما هو الاتباع، لا تضيع الفرائض وتتكل على النوافل، أحسن إلى من أساء إليك، واعف عمن ظلمك، وارع من نصرك، واعط من حرمك، وتواضع لمن أعطاك، واشكر الله على ما أولاك، واحمد على ما أبلاك، العلم ثلاثة: آية محكمة، وسنة متبعة، وفريضة عادلة، وملاكهن أمرنا» .

[ ٢١٥٤٣ ] ٢ - وعنهعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فيما عهده إليه، وفي رواية في عهده إلى مالك حين ولاه مصر -: « أنظر في القضاء بين الناس، نظر عارف بمنزلة الحكم عند الله، فان الحكم ميزان قسط الله الذي وضع في الأرض، لانصاف المظلوم من الظالم، والاخذ للضعيف من القوي، وإقامة حدود الله على سننها ومنهاجها، التي لا يصلح العباد والبلاد الا عليها، فاختر للقضاء بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، واجمعهم للعلم والحلم والورع، ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يضجره عي العي، ولا يفرطه جور الظلم(١) ، ولا تشرف نفسه على الطمع، ولا يدخل في اعجاب، [ ولا ](٢) يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، أوقفهم عند الشبهة، وآخذهم لنفسه بالحجة، وأقلهم تبرما من تردد الحجج، وأصبرهم على كشف الأمور وايضاح الخصمين(٣)

__________________

(٥) تبتز: أي تغلب وتسلب وفي الدعائم: تنبز والنبز هنا بمعنى السب والكلام الخشن ( انظر لسان العرب ج ٥ ص ٣١٢ و ٤١٣ ).

(٦) في المخطوط: الفقيه، وما أثبتناه من المصدر.

(٧) في المصدر: الفتيا.

(٨) في المصدر: ليس هو.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٥٩.

(١) في المصدر: الظلوم.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر زيادة: لا يزدهيه الاطراء.

٣٤٨

ولا يستميله الاغراء، ولا يأخذ فيه التبليغ بان يقال: قال فلان، وقال فلان، فول القضاء من كان كذلك» . الخبر.

ورواه في النهج: عنهعليه‌السلام ، باختلاف تقدم في كتاب المكاسب(٤) .

٢ -( باب كراهة القضاء في حال الغضب، وعدم جواز الحكم من غير تأمل)

[ ٢١٥٤٤ ] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انه نهى ان يقضي القاضي وهو غضبان أو جائع أو ناعس، وقال: « يقول الله عز وجل: [ يا ابن آدم ](١) اذكرني حين تغضب، أذكرك حين أغضب، والا أمحقك فيمن أمحق ».

[ ٢١٥٤٥ ] ٢ - وعن عليعليه‌السلام ، أنه قال لرفاعة: « لا تقض وأنت غضبان، ولا من النوم سكران ».

وتقدم قولهعليه‌السلام : « ولا يدخل في اعجاب، يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه »(١) .

__________________

(٤) تقدم في الحديث ٢ من الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به.

الباب ٢

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٧ ح ١٩٠٧.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٧ ح ١٩٠٩.

(١) تقدم في الحديث ٢ من الباب ١ من أبواب آداب القاضي.

٣٤٩

٣ -( باب استحباب مساواة القاضي بين الخصمين في الإشارة والنظر والمجلس، وكراهة ضيافة أحد الخصمين دون الآخر)

[ ٢١٥٤٦ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « اعلم أنه يجب عليك ان تساوي بين الخصمين حتى النظر إليهما، حتى لا يكون نظرك إلى أحدهما أكثر من نظرك إلى الثاني ».

[ ٢١٥٤٧ ] ٢ - دعائم الاسلام: عن رسول الله ( صلى اله عليه وآله )، أنه نهى ان ينزل الخصم على قاض.

[ ٢١٥٤٨ ] ٣ - ونزل رجل على عليعليه‌السلام بالكوفة فأضافه، ثم جاءه في خصومة، فقال [ له علي ](١) عليه‌السلام : « أخصم أنت؟ تحول عني، فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى ان ينزل الخصم الا ومعه خصمه ».

[ ٢١٥٤٩ ] ٤ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه نهى ان يحابي القاضي أحد الخصمين، بكثرة النظر، وحضور الذهن، ونهى عن تلقين الشهود.

[ ٢١٥٥٠ ] ٥ - وعن عليعليه‌السلام ، انه كان يقول: « ينبغي للحاكم أن يدع التلفت إلى خصم دون خصم، وان يقسم النظر فيما بينهما بالعدل، ولا يدع خصما يظهر بغيا على صاحبه ».

__________________

الباب ٣

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٥.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٧ ح ١٩٠٦.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٧ ح ١٩٠٦.

(١) أثبتناه من المصدر.

٤ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٣ ح ١٨٩٣.

٥ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٣ ح ١٨٩٥.

٣٥٠

٤ -( باب أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم عند الشك في المسألة، ولا في حضور من هو أعلم منه، ولا قبل سماع كلام الخصمين، ويجب عليه انصاف الناس حتى من نفسه)

[ ٢١٥٥١ ] ١ - الصدوق في العيون: عن محمد بن عمر بن أسلم الجعابي، عن الحسن بن عبد الله الرازي التميمي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائهعليهم‌السلام : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما وجهني إلى اليمن: إذا تحوكم إليك، فلا تحكم لاحد الخصمين دون أن تسمع من الآخر، قال: فما شككت في قضاء بعد ذلك ».

[ ٢١٥٥٢ ] ٢ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه لما بعث عليا أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى اليمن، قال له: « يا علي، إذا قضيت بين رجلين، فلا تقض للأول حتى تسمع ما يقول الآخر ».

وتقدم قول عليعليه‌السلام ، فيما كتبه إلى رفاعة: « ولا تشاور في القضاء، فان المشورة في الحرب ومصالح العاجل »(١) .

٥ -( باب انه يستحب للانسان ان يقوم عن يمين خصمه، ويستحب للقاضي أن يقدم الذي عن يمين خصمه بالكلام)

[ ٢١٥٥٣ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإذا تحاكمت إلى حاكم، فانظر أن تكون عن(١) يمين خصمك - إلى أن قال - فإذا ادعيا جميعا، فالدعوى

__________________

الباب ٤

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ٢ ص ٦٥ ح ٢٨٦ وعنه في البحار ج ١٠٤ ص ٢٧٥.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٣ ح ١٨٩٦.

(١) تقدم في الحديث ١ من الباب ١ من أبواب آداب القاضي.

الباب ٥

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٥.

(١) في المصدر: على.

٣٥١

للذي على يمين خصمه» .

٦ -( باب كراهة الجلوس إلى قضاة الجور)

[ ٢١٥٥٤ ] ١ - الشيخ المفيد في أماليه: عن علي بن خالد المراغي، عن ( ثوابه بن يزيد، عن أحمد بن علي المثنى )(١) عن شبابة بن سوار، عن المبارك بن سعيد، عن خليل الفراء، عن أبي المجبر(٢) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أربعة مفسدة للقلوب - إلى أن قال - ومجالسة الموتى » فقيل له: يا رسول الله، وما مجالسة الموتى؟ قال: « مجالسة كل ضال عن الايمان، وجائر في الاحكام ».

٧ -( باب ان المفتي إذا أخطأ، اثم وضمن)

[ ٢١٥٥٥ ] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « من حكم في قيمة عشرة دراهم، فأخطأ حكم الله، جاء يوم القيامة مغلولة يده، ومن أفتى بغير علم، لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض ».

[ ٢١٥٥٦ ] ٢ - وعن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنه قال: « من أفتى بغير علم، لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض(١) ، ولحقه وزر

__________________

الباب ٦

١ - أمالي المفيد ص ٣١٥ ح ٦.

(١) كذا في المخطوط، وفي المصدر: « ثوابة بن يزيد، عن أحمد بن علي بن المثنى »، والظاهر أن الصحيح: ثوابة بن أحمد بن عيسى، عن محمد بن المثنى بن قيس بن دينار « راجع تاريخ بغداد ج ٣ ص ٢٨٣، ج ٧ ص ١٤٩ و ج ٩ ص ٢٩٩ ».

(٢) في المخطوط: المجتر، وما أثبتناه من المصدر، والظاهر أن الذي قبله هو: خليد وليس خليل « راجع أسد الغابة ج ٥ ص ٢٩٠ ».

الباب ٧

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٢٨ ح ١٨٧٧.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٩٧.

(١) في المصدر زيادة: وملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

٣٥٢

من عمل بفتياه» .

[ ٢١٥٥٧ ] ٣ - وسأل رجل ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن مسألة، فأجابه، قال له الاعرابي: ان أنا فعلت ما أمرتني فهو في عنقك، فسكت ربيعة، فردد ذلك عليه مرارا، لا يجيبه، وأبو عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام يسمعه، فقال: « يا اعرابي، هو في عنقه، قال أو لم يقل ».

٨ -( باب تحريم الرشوة في الحكم، والرزق من السلطان على القضاء)

[ ٢١٥٥٨ ] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « من أكل السحت الرشوة في الحكم» قيل: يا بن رسول الله، وان حكم بالحق؟ قال: « وان حكم بالحق قال: فاما الحكم بالباطل فهو كفر، كما قال الله عز وجل:( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُ‌ونَ ) (١) .

[ ٢١٥٥٩ ] ٢ - وعن عليعليه‌السلام ، أنه قال في حديث: « ولا بد من قاض، ورزق للقاضي » وكره أن يكون رزق القاضي على الناس الذين يقضي لهم، ولكن من بيت المال.

[ ٢١٥٦٠ ] ٣ - وعنهعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فيما عهد إليه من امر القضاة، بعد ذكر صفاتهم كما تقدم(١) -: « ثم أكثر تعاهد امره وقضاياه، وابسط عليه من البذل ما يستغني به عن الطمع،

__________________

٣ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٩٦.

الباب ٨

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٢ ح ١٨٩١.

(١) المائدة ٥: ٤٤.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٨ ح ١٩١٢.

٣ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٦٠.

(١) تقدم في الحديث ٢ من الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

٣٥٣

وتقل به حاجته إلى الناس، واجعل له منك منزلة لا يطمع فيها غيره، حتى يأمن من اغتيال الرجال إياه عندك، ولا يحابي أحدا للرجاء، ولا يصانعه لاستجلاب حسن الثناء، أحسن توقيره في مجلسك، وقربه منك» الخبر.

وتقدم قول عليعليه‌السلام ، فيما كتب إلى رفاعة: « احذر التحف من الخصوم، وحاذر الدخلة »(٢) .

[ ٢١٥٦١ ] ٤ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، أنه قال: « من السحت ثمن الميتة - إلى أن قال - والرشوة في الحكم، وأجر القاضي، الا قاض يجرى عليه من بيت المال » الخبر.

[ ٢١٥٦٢ ] ٥ - وبهذا الاسناد: عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنه قال: « لا بد من قاض، ورزق للقاضي ».

[ ٢١٥٦٣ ] ٦ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي: عن عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « من أكل السحت سبعة: الرشوة في الحكم » الخبر.

[ ٢١٥٦٤ ] ٧ - الشيخ المفيد في أماليه: عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، جميعا عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، [ عن أبي حمزة الثمالي ](١) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليهما‌السلام - في حديث - قال: « قال موسى بن عمران

__________________

(٢) وتقدم في الحديث ١ من الباب ١ من أبواب آداب القاضي.

٤ - الجعفريات ص ١٨٠.

٥ - الجعفريات ص ٢٤٥.

٦ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي ص ٧٦.

٧ - أمالي المفيد ص ٨٥ ح ١.

(١) أثبتناه من المصدر وهو الصواب « راجع معجم رجال الحديث ج ٢٢ ص ١٨٧ و ج ٢١ ص ١٣٥ ».

٣٥٤

عليه‌السلام : إلهي فمن ينزل دار القدس عندك؟ قال: الذين لا تنظر أعينهم إلى الدنيا، ولا يذيعون اسرارهم في الدين، ولا يأخذون على الحكومة الرشا» الخبر.

[ ٢١٥٦٥ ] ٨ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « لعن الله الراشي، والمرتشي، ومن بينهما يمشي ».

٩ -( باب تحريم الحيف في الحكم، والميل مع أحد الخصمين)

[ ٢١٥٦٦ ] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، انه كتب إلى رفاعة قاضيه على الأهواز: « إعلم يا رفاعة، ان هذه الامارة أمانة، فمن جعلها خيانة، فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة، ومن استعمل خائنا، فان محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله منه برئ في الدنيا والآخرة ».

[ ٢١٥٦٧ ] ٢ - وعن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنه قال: « كان في بني إسرائيل قاض، وكان يقضي بينهم بالحق، فلما حضره الموت قال لامرأته: إذا انا مت ودليت في لحدي، فأنزلي إلي وانظري إلى وجهي، فإنك ترين ما يسرك إن شاء الله، ففعلت فرأت دودة عظيمة تعترض في منخره، ففزعت من ذلك، فلما كان الليل رأته في منامها، فقال لها: أفزعك ما رأيت مني؟ قالت: أجل، لقد فزعت، قال: ما كان الذي رأيت الا من اجلك، خاصم إلي أخوك رجلا، فلما جلسا إلي، قلت في نفسي: اللهم اجعل الحق له، ووجه القضاء على صاحبه، فلما اختصما كان الحق كما أحببت، فوجهت القضاء، فأصابني من ذلك ما رأيت ».

[ ٢١٥٦٨ ] ٣ - القطب الراوندي في قصص الأنبياء: باسناده إلى الصدوق،

__________________

٨ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٦٦ ح ٦٠.

الباب ٩

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣١ ح ١٨٩٠.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٣ ح ١٨٩٤.

٣ - قصص الأنبياء ص ١٨٠، وعنه في البحار ج ١٠٤ ص ٢٧٦ ح ٤.

٣٥٥

عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « كان قاض في بني إسرائيل، وكان يقضي بالحق فيهم، فلما حضرته الوفاة قال لامرأته: إذا مت فاغسليني وكفنيني، وغطي وجهي وضعيني على سريري، فإنك لا ترين سوء إن شاء الله تعالى، فلما مات فعلت ما كان امرها به، ثم مكثت بعد ذلك حينا ثم إنها كشفت عن وجهه، فإذا دودة تقرض من منخره، ففزعت من ذلك فلما كان الليل أتاها في منامها - يعني رأته في النوم - فقال لها: فزعت مما رأيت؟ قالت: أجل، قال: والله ما هو إلا في أخيك، وذلك أنه أتاني ومعه خصم له، فلما جلسا قلت: اللهم اجعل الحق له، فلما اختصما كان الحق له، ففرحت فأصابني ما رأيت لموضع هواي مع موافقة الحق ».

١٠ -( باب تحريم الحكم بالجور)

[ ٢١٥٦٩ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه: « أن علياعليهم‌السلام اشتكى عينيه، فعاده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا عليعليه‌السلام يصيح، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أجزعا أم وجعا؟ فقال عليعليه‌السلام : ما وجعت وجعا قط أشد(١) منه، فقال: يا علي، إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الفاجر، نزل معه بسفود من نار فنزع روحه، فتصيح جهنم، فاستوى عليعليه‌السلام جالسا، فقال: يا رسول الله، هل يصيب ذلك أحدا من أمتك؟ فقال: نعم، حاكم جائر، وآكل

__________________

الباب ١٠

١ - الجعفريات ص ١٤٦.

(١) في نسخة: أشق ( منه قده ).

٣٥٦

مال اليتيم، وشاهد الزور» .

[ ٢١٥٧٠ ] ٢ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « إذا جلس القاضي في مجلسه، هبط عليه ملكا يسددانه ويرشدانه(١) ، فإذا جار عرجا وتركاه ».

[ ٢١٥٧١ ] ٣ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « من جار متعمدا أو مخطئا، فهو في النار ».

[ ٢١٥٧٢ ] ٤ - وعن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « إذا فشا الزنى ظهر موت الفجأة، وإذا جار الحاكم قحط المطر ».

[ ٢١٥٧٣ ] ٥ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال: « القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، رجل جار متعمدا فذلك في النار ».

[ ٢١٥٧٤ ] ٦ - أمين الاسلام الطبرسي في مجمع البيان: عن البراء بن عازب قال: كان معاذ بن جبل جالسا قريبا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في منزل أبي أيوب الأنصاري، فقال معاذ: يا رسول الله، أرأيت قول الله تعالى:( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ‌ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ) (١) الآيات، فقال: « يا معاذ، سألت عن عظيم [ من ](٢) الامر - ثم أرسل عينيه، ثم قال - تحشر عشرة أصناف من أمتي اشتاتا، قد ميزهم الله تعالى من المسلمين، وبدل صورهم - إلى أن قال - وبعضهم عمي يترددون - إلى أن قال - والعمي:

__________________

٢ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٣٤٢ ح ١.

(١) في المصدر: يوفقانه.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣١ ح ١٨٨٧.

٤ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣١ ح ١٨٨٨.

٥ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣١ ح ١٨٨٩.

٦ - مجمع البيان ج ٥ ص ٤٢٣.

(١) النبأ ٧٨: ١٨.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٣٥٧

الجائرون في الحكم» الخبر.

[ ٢١٥٧٥ ] ٧ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « من حكم بين اثنين فجار فقد ظلم، فلعنة الله على الظالمين ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إني أخاف على أمتي من بعدي ثلاثة: زلة عالم، وحاكم جائر، وهوى متبع ».

١١ -( باب نوادر ما يتعلق بأبواب آداب القاضي)

[ ٢١٥٧٦ ] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه نهى أن يتكلم القاضي قبل أن يسمع قول الخصمين، يعني يتكلم بالحكم.

[ ٢١٥٧٧ ] ٢ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال لأسامة بن زيد وقد سأله حاجة لبعض من خاصم إليه: « يا أسامة، لا تسألني حاجة إذا جلست مجلس القضاء، فان الحقوق ليس فيها شفاعة ».

[ ٢١٥٧٨ ] ٣ - وعن عليعليه‌السلام ، أنه بلغه أن شريحا يقضي في بيته، فقال: « يا شريح اجلس في المسجد، فإنه أعدل بين الناس، فإنه وهن بالقاضي أن يجلس في بيته ».

[ ٢١٥٧٩ ] ٤ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال: « دخلت المسجد فإذا برجلين من الأنصار يريدان أن يختصما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال أحدهما لصاحبه: هلم نختصم إلى عليعليه‌السلام ، فجزعت من قوله،

__________________

٧ - لب اللباب: مخطوط.

الباب ١١

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٤ ح ١٨٩٦.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٧ ح ١٩٠٥.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٣٤ ح ١٨٩٧.

٤ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٥٢٩ ح ١٨٨١.

٣٥٨

فنظر إلي رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال: انطلق واقض بينهما، قلت: وكيف اقضي بحضرتك يا رسول الله؟ قال: نعم، فافعل، فانطلقت فقضيت بينهما، فما رفع إلي قضاء بعد ذلك اليوم الا وضح لي ».

[ ٢١٥٨٠ ] ٥ - إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات: عن إسماعيل بن ابان، عن عمر بن شمر، عن سالم الجعفي، عن الشعبي قال: وجد عليعليه‌السلام درعا له عند نصراني، فجاء به إلى شريح يخاصمه إليه، فلما نظر إليه شريح ذهب يتنحى، فقال: « مكانك » فجلس إلى جنبه، وقال: « يا شريح، اما لو كان خصمي مسلما ما جلست إلا معه ولكنه نصراني، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كنتم وإياهم في طريق، فالجئوهم إلى مضائقه، وصغروا بهم كما صغر الله بهم، في غير أن تظلموا » الخبر.

[ ٢١٥٨١ ] ٦ - عوالي اللآلي: روي أن أمير المؤمنينعليه‌السلام ولى أبا الأسود الدؤلي القضاء ثم عزله، فقال له: لم عزلتني؟ وما خنت ولا جنيت! فقالعليه‌السلام : « اني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك ».

[ ٢١٥٨٢ ] ٧ - وعن عليعليه‌السلام ، قال: « لا يعدي الحاكم على الخصم، إلا أن يعلم بينهما معاملة ».

__________________

٥ - كتاب الغارات ج ١ ص ١٢٤.

٦ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٣٤٣ ح ٥.

٧ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٤٥٤ ح ١٩١.

٣٥٩

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

ذلك فيما يرويه المؤرخون أن معاوية أراد عزله عن الكوفة فبلغه ذلك ، فرأى أن يسافر الى دمشق ويبادر بتقديم استقالته عن منصبه حتى لا تكون عليه حزازة ، وليرى الناس أنه كاره للإمارة والحكم ، ولما وصل الى دمشق عنّ له أن يلتقي بيزيد قبل التقائه بمعاوية فيحبذ له الخلافة من بعد أبيه ليتخذ من اغرائه وسيلة الى اقراره فى الحكم ، كما أدلى بذلك لأصحابه ولما التقى بيزيد قال له :

« إنه قد ذهب أعيان أصحاب محمد (ص) وكبراء قريش وذوو أسنانهم ، وإنما بقي أبناؤهم وأنت من أفضلهم ، وأحسنهم رأيا ، وأعلمهم بالسنة والسياسة ، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة؟. »

ولما سمع ذلك يزيد الطائش المغرور طار لبه فرحا وسرورا فانبرى إليه قائلا :

« أو ترى ذلك يتم؟ »

« نعم ».

ومضى يزيد مستعجلا الى أبيه فأخبره بمقالة المغيرة ، فارتاح معاوية بذلك وبعث بالوقت خلفه فعرض عليه مقالته ليزيد فأجابه بصدور ذلك منه ثم انبرى إليه يحفزه على تحقيق هذه الفكرة قائلا له مقال المنافق الذي لا يعرف الخير ولا يفكر به :

« يا أمير المؤمنين ، قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان. وفي يزيد منك خلف فاعقد له ، فان حدث بك حدث كان كهفا للناس وخلفا منك ، ولا تسفك دماء ، ولا تكون فتنة!! »

وأصابت هذه الكلمات الهدف المقصود لمعاوية فقال له مخادعا ومستشيرا :

« ومن لي بهذا؟ »

٤٢١

« أكفيك أهل الكوفة ، ويكفيك زياد أهل البصرة ، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. »

فاستحسن معاوية رأيه ، وأجازه على ذلك فأقره فى عمله ، ثم أمره بالخروج الى الكوفة ليعمل على تحقيق ذلك ، ولما انصرف عنه اجتمع بقومه فبادروه بالسؤال عن مصيره فأجابهم بما جلبه من البلاء والفتن لعموم المسلمين من أجل غايته قائلا :

« لقد وضعت رجل معاوية فى غرز بعيد الغاية على أمة محمد (ص) وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا » وتمثل :

بمثلي شاهد النجوى وغالى

بي الأعداء والخصم الغضابا

وسار المغيرة حتى انتهى الى الكوفة ، ففاوض بمهمته جماعة ممن عرفهم بالولاء والإخلاص للبيت الأموي فأجابوه الى ما أراد فأوفد منهم عشرة الى معاوية بعد أن أرشاهم بثلاثين ألف درهم ، وجعل عليهم عميدا ولده موسى ، فلما انتهوا الى معاوية حبذوا له الأمر ودعوه الى انجازه فشكرهم معاوية ، وأوصاهم بكتمان الأمر ، ثم التفت الى ابن المغيرة فساره قائلا :

« بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ »

ـ بثلاثين ألف درهم.

فضحك معاوية وقال :

« لقد هان عليهم دينهم »(1) .

لقد توصل معاوية الى تحقيق ذلك بشراء الأديان والضمائر والى الاعتماد

__________________

(1) تأريخ الطبري 6 / 169 ، الكامل لابن الأثير 3 / 214 ، وكان قدوم المغيرة على معاوية في سنة 45 ، ففي هذه السنة عمل معاوية مقدمات البيعة لولده.

٤٢٢

على الوسائل التي لم يألفها المسلمون ، ولم يقرها الدين.

وفود الأمصار :

ووجه معاوية دعوة رسمية الى جميع الشخصيات الرفيعة فى العالم الإسلامى يدعوهم الى الحضور في دمشق ليفاوضهم في أمر البيعة ليزيد ، فلما حضروا عنده دعا الضحاك بن قيس الفهري سرّا وقال له :

« إذا جلست على المنبر ، وفرغت من بعض موعظتي وكلامى ، فاستاذني للقيام ، فاذا أذنت لك فاحمد الله تعالى ، واذكر يزيد وقل فيه الذي يحق له عليك ، من حسن الثناء عليه ، ثم ادعني الى توليته من بعدي فاني قد رأيت وأجمعت على توليته ، فاسأل الله في ذلك ، وفى غيره الخيرة وحسن القضاء ».

ثم دعا فريقا آخر من الأذناب والعملاء الذين هان عليهم دينهم فباعوه بأبخس الأثمان ، فأمرهم بتصديق مقالة الضحاك وتأييد فكرته ، وهم : عبد الرحمن بن عثمان الثقفي ، وعبد الله بن مسعدة الفزاري ، وثور بن معن السلمي ، وعبد الله بن عصام الأشعري ، فاستجابوا لدعوته ، ونزى معاوية على المنبر فحدث الناس بما شاء أن يتحدث به ، وبعد الفراغ من حديثه انبرى إليه الضحاك فاستأذنه بالكلام فأذن له ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : « أصلح الله أمير المؤمنين ، وأمتع به ، إنا قد بلونا الجماعة والألفة والاختلاف ، والفرقة ، فوجدناها ألمّ لشعثنا ، وأمنة لسبلنا ، وحاقنة لدمائنا وعائدة علينا فى عاجل ما نرجو ، وآجل ما نؤمل ، مع ما ترجو به الجماعة من الألفة ، ولا خير لنا أن نترك سدى ، والأيام عوج رواجع والله يقول : « كل يوم هو في شأن » ، ولسنا ندري ما يختلف به العصران ، وأنت

٤٢٣

يا أمير المؤمنين ميت كما مات من كان قبلك من أنبياء الله وخلفائه ، نسأل الله بك المتاع ، وقد رأينا من دعة يزيد بن أمير المؤمنين ، وحسن مذهبه وقصد سيرته ، ويمن نقيبته ، مع ما قسم الله له من المحبة في المسلمين ، والشبه بأمير المؤمنين ، في عقله ، وسياسته وشيمته المرضية ، ما دعانا الى الرضا به في امورنا ، والقنوع به في الولاية علينا ، فليوله أمير المؤمنين ـ أكرمه الله ـ عهده ، وليجعله لنا ملجأ ومفزعا بعده ، نأوي إليه إن كان كون ، فانه ليس أحد أحق بها منه ، فاعزم على ذلك عزم الله لك في رشدك ، ووفقك في امورنا ».

ودل هذا الكلام على أن صاحبه رجل سوء ونفاق ، فقد عمد الى سحق جميع القيم الإنسانية في سبيل أطماعه ومنافعه.

ولما فرغ الضحاك من مقالته انبرى من بعده زملاؤه فأيدوا مقالته ، وأخذوا ينسبون ليزيد فضائل المحسنين ، ويضفون عليه مواهب العبقريين ، ويطلقون عليه الألقاب الضخمة ، والنعوت الشريفة التي اتصف بعكسها ، وأخذوا يموهون على المجتمع أنهم إنما تكلموا من صالحه واسعاده ، وهم ـ يعلم الله ـ إنما أرادوا هلاكه وتحطيمه ، والقضاء على نواميسه ومقدساته وبعد ما انتهى حديث هؤلاء التفت معاوية الى الوفد العراقي ليسمع رأيه وكان شخصية الوفد الأحنف بن قيس حليم العرب وسيد تميم فطلب منه معاوية الرأي فى الأمر ، فقام الأحنف خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم التفت الى معاوية قائلا :

« أصلح الله أمير المؤمنين ، ان الناس قد أمسوا فى منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد بن أمير المؤمنين ، نعم الخلف وقد حلبت الدهر أشطره يا أمير المؤمنين فاعرف من تسند إليه الأمر من

٤٢٤

بعدك ، ثم اعص أمر من يأمرك ، لا يغررك من يشير عليك ، ولا ينظر لك وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أن أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا » :

لقد منح الأحنف النصيحة الى معاوية وأرشده الى الحق فأشار عليه بعدم سماع أقوال المرتزقين الذين ينظرون الى صالح أنفسهم أكثر مما ينظرون لصالحه ، وبيّن له أن العراقيين والحجازيين لا يرضون بهذه البيعة ما دام حفيد الرسول وسبطه الأول حيا ، وقد اثارت هذه الكلمات غضب النفعيين والمرتشين الذين تذرع معاوية بهم الى تحقيق هدفه فقام إليه الضحاك بن قيس فندد بمقالته وشتم العراقيين وهذا نص كلامه :

« أصلح الله أمير المؤمنين ، إن أهل النفاق من أهل العراق مروءتهم في أنفسهم الشقاق ، والفتهم في دينهم الفراق ، يرون الحق على أهوائهم كأنما ينظرون بأقفائهم ، اختالوا جهلا وبطرا ، لا يرقبون من الله راقبة ، ولا يخافون وبال عاقبة ، اتخذوا ابليس لهم ربا ، واتخذهم ابليس حزبا ، فمن يقاربوه لا يسروه ، ومن يفارقوه لا يضروه ، فادفع رأيهم يا أمير المؤمنين فى نحورهم ، وكلامهم في صدورهم ، ما للحسن وذوي الحسن في سلطان الله الذي استخلف به معاوية في أرضه؟ هيهات لا تورث الخلافة عن كلالة ، ولا يحجب غير الذكر العصبة ، فوطنوا أنفسكم يا أهل العراق على المناصحة لإمامكم ، وكاتب نبيكم وصهره ، يسلم لكم العاجل ، وتربحوا من الآجل ».

ولم نحسب أن العراق قد ذم بمثل هذا الذم الفظيع ، أو وصم بمثل هذه الامور ، ولكن العراقيين هم الذين جروا لأنفسهم هذا البلاء وتركوا هذا الوغد وأمثاله يحط من كرامتهم ، ويتطاول عليهم.

٤٢٥

وعلى أي حال ، فان الأحنف لم يذعن لمعاوية ولم يعتن بمقالة الضحاك فقد انبرى يهدد معاوية باعلان الحرب إن أصرّ على تنفيذ فكرته قائلا :

« يا أمير المؤمنين ، إنا قد فررنا(1) عنك قريشا فوجدناك أكرمها زندا ، وأشدها عقدا ، وأوفاها عهدا ، قد علمت أنك لم تفتح العراق عنوة ، ولم تظهر عليها قعصا ، ولكنك أعطيت الحسن بن علي من عهود الله ما قد علمت ليكون له الأمر من بعدك ، فان تف فأنت أهل الوفاء وإن تغدر تعلم ، والله إن وراء الحسن خيولا جيادا ، وأذرعا شدادا ، وسيوفا حدادا ، إن تدن له شبرا من غدر ، تجد وراءه باعا من نصر ، وإنك تعلم أن أهل العراق ما أحبوك منذ أبغضوك ، ولا أبغضوا عليا وحسنا منذ أحبوهما ، وما نزل عليهم فى ذلك غير من السماء ، وإن السيوف التي شهروها عليك مع علي يوم صفين لعلى عواتقهم ، والقلوب التي أبغضوك بها لبين جوانحهم ، وأيم الله إن الحسن لأحب لأهل العراق من علي ».

لقد بالغ الأحنف فى نصح معاوية ، وذكر له تمسك العراقيين بولاء أهل البيت (ع) وان اخلاصهم للإمام الحسن أكثر من أبيه ، وهم على استعداد الى مناجزته إن نفذ بيعة يزيد ، وانطلق عبد الرحمن بن عثمان فندد بمقالة الأحنف ، وحرض معاوية على تنجيز مهمته قائلا له :

« أصلح الله أمير المؤمنين ، ان رأي الناس مختلف ، وكثير منهم منحرف ، لا يدعون أحدا الى رشاد ، ولا يجيبون داعيا الى سداد ، مجانبون لرأي الخلفاء ، مخالفون لهم في السنة والقضاء ، وقد وقفت ليزيد فى أحسن القضية وأرضاها لحمل الرعية ، فاذا خار الله لك فاعزم ثم اقطع قالة الكلام فان يزيد أعظمنا حلما وعلما ، وأوسعنا كنفا ، وخيرنا سلفا ، قد

__________________

(1) فررنا : أي بحثنا وفتشنا.

٤٢٦

أحكمته التجارب ، وقصدت به سبل المذاهب فلا يصرفنك عن بيعته صارف ، ولا يقفن بك دونها واقف ، ممن هو شاسع عاص ينوص للفتنة كل مناص لسانه ملتو ، وفي صدره داء دوّى ، إن قال فشر قائل ، وإن سكت فذو دغائل ، قد عرفت من هم أولئك وما هم عليه لك من المجانبة للتوفيق والكلف للتفريق فاجعل ببيعته عنا الغمة ، واجمع به شمل الأمّة ، فلا تحد عنه إذا هديت له ، ولا تنش عنه إذا وقفت له ، فان ذلك الرأي لنا ولك ، والحق علينا وعليك ، اسأل الله العون وحسن العاقبة لنا ولك ».

وصورت لنا هذه الكلمات ضميرا قلقا ، ونفسا أثيمة ، قد اعتنقت الشر ، وابتعدت عن الخير ، وانبرى معاوية يهدد من لا يوافقه على رغبته ليفرض على المجتمع الخضوع لفكرته ، والرضا ببيعة يزيد قائلا :

« أيها الناس : إن لإبليس إخوانا وخلاّنا ، بهم يستعد ، وإياهم يستعين ، وعلى ألسنتهم ينطق ، إن رجوا طمعا أو جفوا ، وإن استغنى عنهم أرجفوا ، ثم يلحقون الفتن بالفجور ، ويشققون لها حطب النفاق ، عيابون مرتابون ، إن ولوا عروة أمر حنقوا ، وإن دعوا الى غي أسرفوا وليسوا أولئك بمنتهين ، ولا بمقلعين ، ولا متعظين ، حتى تصيبهم صواعق خزي وبيل ، وتحل بهم قوارع أمر جليل ، تجتث اصولهم كاجتثاث اصول الفقع(1) فأولى لأولئك ثم أولى ، فانا قد قدما وأنذرنا إن أغنى التقدم شيئا أو نفع النذر ».

بمثل هذا الإرهاب الفظيع الذي لم يعهد له نظير تذرع معاوية الى تحقيق فكرته ، ثم استدعى الضحاك بن قيس فولاه الكوفة جزاء لكلامه

__________________

(1) الفقع : بالفتح والكسر ، البيضاء الرخوة من الكماة.

٤٢٧

بعد هلاك المغيرة ، واستدعى عبد الرحمن فولاه الجزيرة ، وقام يزيد بن المقفع رافعا عقيرته قائلا :

« أمير المؤمنين هذا ـ وأشار الى معاوية ـ ».

ثم قال : « فإن هلك ، فهذا ـ وأشار الى يزيد ـ ».

ثم قال : « فمن أبى ، فهذا ـ وأشار الى السيف ـ!!! »

فاستحسن معاوية كلامه وقال له :

« اجلس ، فأنت سيد الخطباء وأكرمهم!! »

بهذا اللون من الإرهاب فرض معاوية ابنه الفاسق الفاجر خليفة على المسلمين ، فلولا السيف لما وجد الى ذلك سبيلا. ولما رأى الأحنف بن قيس تصميم معاوية على فكرته وعدم تنازله عنها انبرى إليه قائلا :

« يا أمير المؤمنين : أنت أعلمنا بليله ونهاره ، وبسره وعلانيته ، فان كنت تعلم أنه خير لك فوله واستخلفه ، وإن كنت تعلم أنه شر لك ، فلا تزوده الدنيا وأنت صائر الى الآخرة ، فانه ليس لك من الآخرة إلا ما طاب ، واعلم أنه لا حجة لك عند الله إن قدمت يزيد على الحسن والحسين وأنت تعلم من هما ، وإلى ما هما ، وإنما علينا أن نقول : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير »(1) .

ولم يعتن معاوية بمقالة الأحنف ونصحه ، ولم يفكر في مصير المسلمين إذا استخلف عليهم ولده قرين الفهود والمدمن على الخمور ، وأخذ معاوية ولده يزيد فأجلسه فى قبة حمراء وبايعه بولاية العهد وأمر الناس بمبايعته ، وأقبل بعض العملاء فسلم عليهما ثم أقبل على معاوية فقال له :

« يا أمير المؤمنين : اعلم انك لو لم تول هذا ـ وأشار الى يزيد ـ

__________________

(1) الامامة والسياسة 1 / 174 ـ 180.

٤٢٨

أمور المسلمين لاضعتها ».

فالتفت معاوية الى الأحنف :

« ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟ »

ـ أخاف الله إذا كذبت ، وأخافكم إذا صدقت.

ـ جزاك الله على الطاعة خيرا.

وخرج الأحنف فلقيه ذلك الرجل بعد أن أجزل له معاوية بالعطاء فقال للأحنف معتذرا من مقالته :

« يا أبا بحر : إني لأعلم ان شر من خلق الله هذا وابنه ـ يعنى معاوية ويزيد ـ ولكنهم استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال ، فليس يطمع في استخراجها إلا بما سمعت »(1) .

لقد أحدث معاوية بهذه البيعة المشومة صدعا في الإسلام ، وقد صور لنا الشاعر الموهوب عبد الله بن هشام السلولي بمقطوعته الرائعة جزعه وجزع خيار المسلمين من خلافة يزيد بقوله :

فان تأتوا برملة أو بهند

نبايعها أميرة مؤمنينا

إذا ما مات كسرى قام كسرى

نعد ثلاثة متناسقينا

فيا لهفا لو أن لنا ألوفا

ولكن لا نعود كما عنينا

إذا لضربتموا حتى تعودوا

بمكة تلعقون بها السخينا

خشينا الغيظ حتى لو شربنا

دماء بني أميّة ما روينا

لقد ضاعت رعيتكم وأنتم

تصيدون الأرانب غافلينا(2)

لقد ذعر المسلمون في جميع أقطار الأرض من هذا الحادث الخطير

__________________

(1) تاريخ ابن خلكان 1 / 230 ، التمدن الإسلامى 4 / 76 ـ 77.

(2) مروج الذهب 2 / 339.

٤٢٩

لأن الخلافة عندهم ليست كسروية ولا قيصرية حتى تورث بل أمرها شورى بين المسلمين يختارون لخلافتهم من أحبوا وذلك عند الجمهور من أبناء السنة والجماعة ، وأما عند الشيعة فإنها حق شرعي لأمير المؤمنين وأولاده الطيبين كما نصّ النبي (ص) على ذلك.

ومهما يكن من شيء فإن معاوية بعد ما أخذ البيعة ليزيد من أهل دمشق رفع مذكرة الى جميع عماله يطلب فيها أخذ البيعة ليزيد من جميع المواطنين ، واستجاب جميع عماله لذلك سوى مروان بن الحكم فإنه قد ورم أنفه لصرف الأمر عنه وهو شيخ الأمويين بعد معاوية ، وتوجّه فورا بحاشيته الى دمشق ، فلما مثل عند معاوية انبرى إليه وهو مغيظ قائلا :

« أقم الامور يا ابن أبي سفيان ، واعدل عن تأميرك الصبيان ، واعلم أن لك من قومك نظراء ، وأن لك على مناوءتهم وزراء ».

فاندفع إليه معاوية يخادعه قائلا له بناعم القول :

« أنت نظير أمير المؤمنين ، وعدته في كل شديدة ، وعضده ، والثاني بعد ولي عهده. »

ثم أعطاه ولاية العهد حيلة منه ومكرا وأخرجه من عاصمته مكرما فلما وصل الى يثرب عزله عن منصبه(1) وجعل مكانه سعيد بن العاص وقيل الوليد بن عاقبة ، وكتب إليه أن يأخذ البيعة من أهل المدينة لولده إلا انه فشل أخيرا فى أداء مهمته فقد أصرت الجماهير على رفض دعوة معاوية وعدم طاعته في شأن خليفته الجديد ، خصوصا الشخصيات الرفيعة من أبناء المهاجرين والأنصار فإنهم قد شجبوا ذلك وأعلنوا سخطهم وإنكارهم على معاوية ، فإنهم كانوا يحقرون يزيد ويأنفون أن يعد في مصافهم ،

__________________

(1) مروج الذهب 2 / 330.

٤٣٠

فضلا عن أن يكون خليفة عليهم.

سفرة معاوية الاولى بشرب :

ورأى معاوية بعد امتناع المدنيين عن بيعة يزيد واجماعهم على رفضها أن ينطلق بنفسه الى المدينة ليفاوض أهل الحل والعقد ، وليشتري الذمم والضمائر بالأموال ، ويتوعد ويرهب من لم يخضع للمادة ليفوز ولده بالخلافة وسافر من أجل هذه الغاية الى يثرب وذلك سنة خمسين من الهجرة ، فلما انتهى إليها بعث فورا نحو عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير. فلما حضروا عنده أمر حاجبه أن لا يسمح لأحد بالدخول عليه حتى يخرج هؤلاء النفر من عنده ثم التفت إليهم قائلا :

« الحمد لله الذي أمرنا بحمده ، ووعدنا عليه ثوابه ، نحمده كثيرا كما أنعم علينا كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد : فإني قد كبر سني ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أن أدعى فأجيب ، وقد رأيت أن أستخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا ، وأنتم عبادلة قريش وخيارهم ، وأبناء خيارهم ، ولم يمنعني أن أحضر حسنا وحسينا إلا أنهما أولاد أبيهما علي ، على حسن رأيي فيهما ، وشديد محبتي لهما فردوا على أمير المؤمنين خيرا ، رحمكم الله ».

وقد احتوى كلامه على اللين والمدح والثناء ، ولكن هؤلاء الأبطال الذين هم نخبة العرب والمسلمين رأيا وإقداما ، لم يذعنوا لمعاوية وردوا عليه مقاله وعرفوه بمن هو أهل للخلافة وأول من تكلم منهم حبر الأمّة عبد الله

٤٣١

ابن عباس فقال :

« الحمد لله الذي ألهمنا أن نحمده ، واستوجب علينا الشكر على آلائه وحسن بلائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وصلى الله على محمد وآل محمد.

أما بعد : فانك قد تكلمات فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإن الله جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه اختار محمدا (ص) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس من تشرف به ، وأولاهم بالأمر أخصهم به ، وإنما على الأمّة التسليم لنبيها ، إذا اختاره الله لها ، فإنه إنما اختار محمدا (ص) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم ».

وتكلم من بعده عبد الله بن جعفر فقال :

« الحمد لله أهل الحمد ومنتهاه : نحمده على إلهامنا حمده ، ونرغب إليه في تأدية حقه ، وأشهد أن لا إله إلا الله واحدا صمدا ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأن محمدا عبده ورسوله (ص).

أما بعد : فان هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقرآن ، فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإن أخذ فيها بسنة رسول الله (ص) فأولو رسول الله (ص) ، وإن أخذ فيها بسنة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر من آل الرسول؟ وأيم الله لو ولوه بعد نبيهم لوضعوا الأمر موضعه لحقه وصدقه ، ولأطيع الرحمن وعصي الشيطان ، وما اختلف في الأمّة سيفان ، فاتق الله يا معاوية ، فانك قد صرت راعيا ، ونحن رعية ، فانظر لرعيتك ، فانك مسئول عنها غدا ، وأما ما ذكرت من ابني عمي ، وتركك أن تحضرهما ، فو الله ما أصبت الحق ، ولا يجوز لك ذلك إلا بهما ، وإنك لتعلم انهما معدن العلم

٤٣٢

والكرم ، فقل أودع واستغفر الله لي ولكم ».

وبيّن عبد الله بن جعفر استحقاق أهل البيت (ع) للخلافة على جميع الوجوه فان كان مدرك استحقاقها القرآن الكريم فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ، وإن كانت السنة المقدسة قال الرسول أولى بالأمر من غيرهم ، وإن كانت سنة الشيخين قال الرسول (ص) أولى بالأمر وذلك لمواهبهم وكمالهم وتقدمهم على غيرهم بالعلم والفضل ، ثم بيّن الأضرار الناجمة من ترك الأمّة لهم وعدم اتباعهم ، وانبرى من بعده عبد الله بن الزبير فقال :

« الحمد لله الذي عرفنا دينه ، وأكرمنا برسوله ، أحمده على ما أبلى وأولى ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد : فان هذه الخلافة لقريش خاصة ، تتناولها بمآثرها السنية وأفعالها المرضية ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتق الله يا معاوية وأنصف نفسك ، فإن هذا عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله (ص) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عم رسول الله (ص) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمة رسول الله ، وعلي خلف حسنا وحسينا وأنت تعلم من هما ، وما هما ، فاتق الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك ».

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وحفزهم لمعارضة معاوية وإفساد مهمته ، وانبرى من بعده عبد الله بن عمر فقال :

« الحمد لله الذي أكرمنا بدينه ، وشرفنا بنبيه (ص).

أما بعد : فإن هذه الخلافة ليست بهرقلية ، ولا قيصرية ، ولا كسروية يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فو الله ما أدخلنى مع الستة من أصحاب الشورى إلا على أن الخلافة ليست

٤٣٣

شرطا مشروطا ، وإنما هي في قريش خاصة ، لمن كان لها أهلا ممن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ممن كان أتقى وأرضى ، فإن كنت تريد الفتيان من قريش فلعمري إن يزيد من فتيانها ، واعلم انه لا يغني عنك من الله شيئا ».

لقد شجب ابن عمر بيعة يزيد ولكنه لم يلبث أن سمع وأطاع وبايع له لأن معاوية قد أرشاه بمائة ألف دينار(1) وبذلك فقد باع عليه ضميره ودينه.

ومهما يكن من شيء فان معاوية قد ثقل عليه كلام هؤلاء النفر فلقد جابهوه بعدم صلاحية ابنه للخلافة ، وانهم أولى بها منه ، وانبرى إليهم مجيبا :

« قد قلت وقلتم ، وإنه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحب إلي من أبنائهم ، مع ان ابني إن قاولتموه وجد مقالا ، وإنما كان هذا الأمر لبني عبد مناف لأنهم أهل رسول الله (ص) فلما مضى رسول الله ولىّ الناس أبا بكر وعمر من غير معدن الملك والخلافة ، غير أنهما سارا بسيرة جميلة ثم رجع الملك الى بني عبد مناف فلا يزال فيهم الى يوم القيامة وقد أخرجك الله يا ابن الزبير وأنت يا ابن عمر منها ، فأما ابنا عمي هذان فليسا بخارجين من الرأي إن شاء الله ».

وعلى أي حال فقد فشل معاوية فى مهمته ونزح عن يثرب وولى الى عاصمته ، وأعرض عن ذكر بيعة يزيد(2) فلقد عرف انها لا تتم ما دام الحسن حيا ، فأخذ يطيل التفكير في كيفية اغتيال الإمام حتى يتم له الأمر وقد توصل الى ما أراد ، فاغتاله بالسم كما سنبينه عند نهاية المطاف من هذا الكتاب.

__________________

(1) سنن البيهقي 8 / 159 ، تأريخ ابن كثير 8 / 137 ، فتح الباري 13 / 59.

(2) الامامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

٤٣٤

لقد اتخذ معاوية بعد اغتياله للإمام جميع التدابير ، واعتمد على جميع الوسائل فى ارغام المسلمين على بيعة يزيد ، وفرضه حاكما عليهم ، وقد راسل الوجوه من أبناء المهاجرين والأنصار يدعوهم الى ذلك ، وذكر المؤرخون نصوص رسائله مع أجوبتهم له ، وقد كتب الى الإمام الحسينعليه‌السلام ما نصه :

« أما بعد : فقد انتهت إلي منك امور ، لم أكن أظنك بها رغبة عنها ، وإن أحق الناس بالوفاء لمن أعطى بيعة من كان مثلك ، في خطرك وشرفك ، ومنزلتك التي أنزلك الله بها ، فلا تنازع الى قطيعتك ، واتق الله ، ولا تردن هذه الأمّة في فتنة ، وانظر لنفسك ودينك وأمّة محمد ، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون »

وأجابه أبو الشهداء (ع) فذكر له الاحداث الجسام التي ارتكبها وعرض عليه ما مني به المسلمون من الظلم والجور فى دوره ، وقد استشهدنا ببعض فصوله للاستدلال به على شجب الإمام الحسين (ع) لموبقات معاوية وقد جاء فى آخر جوابه ما لفظه :

« وقلت فيما قلت : لا ترد هذه الأمّة في فتنة. وإني لا أعلم فتنة لها أعظم من امارتك عليها.

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ، ولأمّة محمد ، وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك ، فإن أفعل فإنه قربة الى ربي ، وإن لم أفعل فأستغفر الله لذنبي وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى.

وقلت فيما قلت : متى تكدني أكدك ، فكدني يا معاوية فيما بدا لك فلعمري لقديما يكاد الصالحون ، وإني لأرجو أن لا تضر إلا نفسك ، ولا تمحق إلا عملك ، فكدني ما بدا لك.

٤٣٥

واتق الله يا معاوية ، واعلم أن لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها! واعلم أن الله ليس بناس لك ، قتلك بالظنة ، وأخذك بالتهمة وامارتك صبيا يشرب الخمر ، ويلعب بالكلاب!! ما أراك إلا وقد أوبقت نفسك ، وأهلكت دينك ، وأضعت الرعية والسلام. »(1)

ولم يجد مع ابن هند النصح ، ولا التحذير من عقوبة الله ، فقد راح يعمل بوحي من جاهليته الى ضرب الإسلام ، والى ارغام المسلمين على مبايعة يزيد المستحل لجميع ما حرم الله.

سفره الثاني الى يثرب :

ولما رأى معاوية أن خيار الصحابة ، وأبناء المهاجرين والأنصار لم يستجيبوا لدعوته ، وأصروا على رفض بيعة يزيد سافر مرة أخرى الى يثرب ، وقد أحاط نفسه بالقوى العسكرية ليرغم الجبهة المعارضة على الاستجابة له ، وفي اليوم الثاني من قدومه أرسل الى الإمام الحسين ، والى عبد الله بن عباس ، وسبق ابن عباس فأجلسه معاوية عن يساره وشاغله بالحديث حتى أقبل الحسين (ع) فأجلسه عن يمينه وسأله عن بني الحسن وعن أسنانهم فاخبره بذلك ، وخطب معاوية خطبة أشاد فيها بيزيد ، وذكر علمه بالقرآن والسنة ، وحسن سياسته ، ثم دعاهم الى بيعته والى الاستجابة لقوله.

خطبة الامام الحسين :

وقام أبي الضيم بعد خطاب معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 188 ـ 190.

٤٣٦

« أما بعد : يا معاوية ، فلن يؤدي القائل وإن أطنب في صفة الرسول (ص) من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله (ص) من ايجاز الصفة ، والتنكب عن استبلاغ النعت ، وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ، ولقد فضلت حتى أفرطت ، واستأثرت حتى أجحفت ، ومنعت حتى بخلت ، وجرت حتى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب ، حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمّة محمد ، تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش والحمام السبّق لأترابهن ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصرا.

ودع عنك ما تحاول!! فما أغناك أن تلقي الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فو الله ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحنقا في ظلم ، حنى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ، ولات حين مناص ، ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسول (ص) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائم عند موت الرسول فاذعن للحجة بذلك ، ورده الإيمان الى النصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل وقلتم كان ويكون حتى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك فهناك فاعتبروا يا اولي الأبصار.

٤٣٧

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (ص) وتأميره له ، وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار لعمر الله يومئذ مبعثهم حتى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدوا عليه أفعاله ، فقال (ص) : لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري ، فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول فى أوكد الأحكام ، وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعا ، وحولك من لا يؤمن في صحبته ، ولا يعتمد فى دينه وقرابته وتتخطاهم الى مسرف مفتون ، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي فى دنياه ، وتشقى بها في آخرتك ، إن هذا لهو الخسران المبين ، واستغفر الله لي ولكم. »

وذهل معاوية فنظر الى ابن عباس فقال له :

« ما هذا يا ابن عباس؟؟ »

« لعمر الله إنها لذرية الرسول ، وأحد أصحاب الكساء ، ومن البيت المطهر ، قاله عما تريد ، فإن لك في الناس مقنعا حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين »(1) .

وانصرف الإمام (ع) وترك الأسى يحر في نفس معاوية ، واعتمد معاوية بعد ذلك على جميع وسائل العنف والإرهاب ، فقد روى المؤرخون أنه لما كان في مكة أحضر الإمام الحسين ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن ابن أبي بكر ، وابن عمر وقال لهم : إني أتقدم إليكم ، إنه قد أعذر من أنذر ، إني كنت أخطب فيكم ، فيقوم إليّ القائم منكم فيكذبني على رءوس الناس ، فأحمل ذلك وأصفح. وإني قائم بمقالة ، فأقسم بالله لئن ردّ عليّ

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 195 ـ 196.

٤٣٨

أحدكم كلمة فى مقامى هذا ، لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف الى رأسه ، فلا يبقينّ رجل إلا على نفسه!

ودعا صاحب حرسه بحضورهم فقال له : أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين ومع كل واحد سيف ، فان ذهب رجل يردّ عليّ كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما؟!

وخرج وخرجت الجماعة معه فنزى على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

« إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم ، لا يبتز أمر دونهم ، ولا يقضى إلا عن مشورتهم ، وانهم قد رضوا وبايعوا يزيد ، فبايعوا على اسم الله »(1) .

وبهذه الوسائل الرهيبة ، والكذب السافر حمل معاوية المسلمين على بيعة يزيد وقد انتهك بذلك الحرمات ، والقى المسلمين فى الفتن والبلاء.

عائشة وبيعة يزيد :

ولم تعارض عائشة هذه البيعة المشومة ، ولم تعمل أي عمل إيجابي ضد هذه الكارثة الكبرى التي روع بها المسلمون ، وانتهكت بها حرمة الإسلام ، فقد كانت تدلي بالرأي لمعاوية في حمل المعارضين على الطاعة فقد أوصته بالرفق بهم ، واللين معهم ليستجيبوا له قائلة :

« وارفق بهم ـ أي بالمعارضين ـ فإنهم يصيرون الى ما تحب إن شاء الله!! »(2)

__________________

(1) الكامل لابن الأثير وغيره.

(2) الإمامة والسياسة.

٤٣٩

لقد وقفت عائشة هذا الموقف المؤسف من بيعة يزيد الماجن الخليع وهي من دون شك تعلم بفسقه ، وبلعبه بالفهود والقرود ، واستباحته لما حرم الله ، إن الفكر ليقف حائرا أمام موقفها هذا ، وموقفها من بيعة أمير المؤمنين (ع) الذي هو أخو النبي وأبو سبطيه ، وباب مدينة علمه ، فإنها لما أخبرت ببيعته انهارت أعصابها ، وهتفت وهي حانقة مغيظة ، وبصرها يشير الى السماء ثم ينخفض فيشير الى الأرض قائلة :

« والله ليت هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لابن أبي طالب!! »

وقفلت راجعة الى مكة تحفز الجماهير لحرب الإمام رائد العدالة الاجتماعية الكبرى في الأرض ، فقادت الجيوش لمناجزته حتى أغرقت الأرض بالدماء ، وأشاعت الثكل والحزن والحداد بين المسلمين للإطاحة بحكمه.

وعلى أي حال ، فإن موقف عائشة من بيعة يزيد ، وتأييد ابن عمر وسائر القوى النفعية لها قد أخلد للمسلمين الفتن والمصاعب وجرّ لهم الويلات والخطوب ، فقد سارت الخلافة الإسلامية تنتقل بالوراثة الى الطلقاء وأبنائهم الذين لم يألوا جاهدا في الكيد للإسلام ، وفى نشر البغي والفساد في الأرض.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469