الطريق الى خراسان

مؤلف: كمال السيد
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
ISBN: 964-438-040-1
الصفحات: 411
مؤلف: كمال السيد
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
ISBN: 964-438-040-1
الصفحات: 411
الإهداء
الى من اختـار في أرض الهجرة قم ..
بقعة طيبة ..
فاختاره الله وقد ذرّف على الأربعين ..
الى روح المغفور له أحمد حسن علي ..
أهدي ثواب الكتاب ..
الى نجل موسى بن جعفر..
وشقيق فاطمة ..
علي الرضا ..
مذ كنتُ طفلاً في العراق |
وكنتُ أحلم بالنهاز |
|
وكنتُ اُصغي في المساء |
وكنتُ أسمع إن ريماً |
|
الى حكايات الشتاء |
في القفاز |
|
وكنت اشفف بالرياح |
راحت تطارده الذئاب |
|
تدور ما بين الازقة |
بين المفاوز والشعاب |
|
او تجوس |
وكان خوفٌ في العيون الحور |
|
وكنت اسمع ان نجماً |
من غدر السهام.. |
|
في السماء |
فرأت على بعد طيوفاً |
|
هوى بطوس |
مثل أجنحة الحمام |
|
لم ينطفئ أبداً |
مثل ندى الغمام |
|
أضاء بين المشرقين |
شمّت به زمن السلام |
|
بمثل آلاف الشموس |
فهوت إليه |
|
*** |
وكان صدراً للإمام |
|
مذكنتُ طفلاً في العراق |
*** |
لكن وبعدمــا مضــت السنون |
رسمت بعيني الربيع |
|
وتكشف الزمن الخـؤون |
فرحت أحبو في الصقيع |
|
وجدت نَفسي مثل ريمٍ |
إلى الأمام إلى الإمام |
|
في الضباب |
صوت تفجر في هيام |
|
كانت تطاردني الذئاب |
كأن قلبي |
|
في كلّ وادٍ بالجنوب |
يستحيلُ فراشةً |
|
وكل تلٍّ في الشمال |
مشدودةً للظى الغرام |
|
الخوف يخنق فيّ أنفاسي |
راحت ترفرف نحو غربته الحزينة |
|
ويصفعني السؤال |
في التحام |
|
* * * |
والى منائره المضيئة |
|
وأنا أهيم على مصيري |
في الظلام |
|
في اليباب |
عانقت شبّاك الإمام |
|
البوم يضرب وجهي الدامي |
فأضاءت الأنوار روحي |
|
وينعب بي غراب |
والسلام |
|
حتى إذا انقلب الزمان |
* * * |
|
وراح يؤذن بالفراق |
كمال السيّد |
|
جميع أرجاء العراق |
||
جاءت اليّ فراشة بيضاء |
||
مثل ندى الصباح |
||
جاءت تلملم ما تشظّى من جراح |
ليست بداية
كانت ثلوج « بهمن » ذلك العام تهطل بغزارة ، وقد أوى السيد محمد الى حجرته ، صفق الباب خلفه ، فيما ظلّت الرياح تعصف بشدّة ، وعندما يتزامن هطول الثلج مع هبوب الريح يكون الـ« كولاك »١ شديدة البرودة لهذا انصرف السيد محمد عن فكرة الذهاب الى منزله مفضّلاً البقاء في حجرته الصغيرة القريبة من باب القبلة
كان يمكنه الانصراف الى منزله والتبكير في العودة الى « حرم » السيدة فاطمة اذ يتعيّن عليه أن يضيء القناديل في منائر الحرم
كان السيد محمد وهو رجل متوسط العمر قد عوّد أسرته إلا ينتظروا عودته ، فقد يخطر في باله ان يمضي ليلته في مرقد السّيدة للصلاة والتهجد ، فيجد في ذلك حلاوة الايمان في تلك الظلال الوافرة المفعمة بالسلام.
كانت الريح المجنونة ذلك المساء وهي تلفح العابرين والمسافرين بالبرد والثلج ، قد بذرت في قلب محمد فكرة البقاء واللجوء الى حجرته
الصغيرة الدافئة.
وكانت المدفأة العتيقة تبعث ضوءً خافتاً ، وتنشر فيما حوله دفئاً أسرج قنديلاً صغيراً وجلس في فراشه وقعت عيناه على بعض الكتب القديمة فيها كتب الادعية وبعض كتب التاريخ ويظهر في مكان مستقل من الرف المصحف الشريف ملفوف بمنديل أخضر.
وكان من عادته وقد ختم القرآن عدّة مرّات أنه اذا أراد التلاوة أن يغمض عينيه ويهمس خاشعاً بالصلاة على محمد وآله ثم يفتح المصحف الشريف ويقرأ الصفحتين.
استفتح محمد كعادته في ليالي الشتاء فظهرت له سورة « فصّلت » ، وكانت أول آية في أعلى اليمين من الصفحة تحمل رقم ٣٩ راح محمد يرتّل بصوت شجي الآيات متأمّلاً ترجمتها باللغة الفارسية لأنه كان يحرص على تدبّر ما يقرأ :
«ومن آياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزّت وربت ، ان الذي حياها لمحيي الموتى انه على كل شيء قدير »
الرياح لا تزال تزمجر وهي تجوس خلال أزّقة قم الملتوية الضيقة ، وكان صوت الريح يمتزج مع صوت محمدٍ وهو يرتلّ القرآن ترتيلا :
«ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصّلت آياته
أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ... ».
«ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم وانّهم لفي شكّ منه مريب .. ».
كانت الريح ما تزال تعصف ومحمد يرتّل بصوت شجي آيات القرآن حتى وصل الآية الاخيرة في صفحة اليسار :
«سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق أو لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد .. ».
قبل محمد المصحف بخشوع ووضعه في مكانه.
دفء الفراش ، وزمهرير الرياح وهي تولول في ازّقة المدينة الصغيرة جعلته يستسلم الى الرقاد مبكّراً
الثلوج ما تزال تهطل بغزارة لتغطي كلّ شيء الأزقة والشوارع والاشجار أصبحت المدينة أكواماً من القطن المندوف ولم يعد يُرى من معالمها شيء.
لا يدرى محمد كم مضى من الوقت عندما هبّ من نومه وقد التمعت حبّات عرق فوق جبينه نظر الى ساعته الفضية القديمة كانت عقارب الزمن تشير الى الثانية بعد منتصف الليل ما يزال الصوت الذي سمعه في عالم الأطياف جليّاً في أعماقه :
ـ قم! واسرج قناديل المنائر
نهض من فراشه وراح ينظر الى الثلج المتساقط بغزارة
وقد بدت مآذن الحرم صامتة تنتظر طلوع الفجر
انتابه هاجس في أن ما رآه في نومه لا يعدو أن يكون اضغاث أحلام لهذا عاد الى فراشه الدافىء لينام
مرّة أخرى رأى في عالم الطيف ذات الفتاة وهي تأمر بالنهوض لم ير وجهها كانت تقف وراء ستائر بيضاء مغمورة بالنور.
هبّ من فراشه كان الصوت يملأ اعماقه ، وقد نفض عنه كل أثرٍ للنعاس.
ارتدى معطفه الصوفي وحمل معه القنديل متجهاً الى السلالم.
انبعث الضوء من قلب المنائر كينابيع للنور وقد بدت من بعيد كما لو كانت فنارات في مرافئ تعصف بها الريح.
عاد محمد الى حجرته ، وكان قد بقي على طلوع الفجر ثلاث ساعات شعر بانّ ذهنه المتيقظ يأبى النوم ، وقد هزّته الرؤيا واشعلت في أعماقه آلاف القناديل الفتاة التي رآها من خلف الستائر بيضاء المغمورة بالنور ، ما تزال تهمين على ذهنه ، ولأول مرّة في حياته اجتاحته مشاعر لا تقاوم في معرفة مزيد عن تلك العذراء التي ألقت برحلها في قم منذ ألف عام الكتب العتيقة المرصوفة فوق الرف بدت وكأنها تدعوه الى رحلة في عمق التاريخ وهكذا بدأ محمد رحلته لسبرأ غوار زمن سحيق فلعلّه يرى عن قرب عذراء قم.
التاريخ ذاكرة الجنس البشري ذلك الشيخ الغارق في السنين
والحوادث يفرك جبينه المليء بالغضون ليضيء شمعة في هذا العصر أو ذاك ، وفي هذه النقطة من دنيا الله الواسعة أو تلك ترى ماذا يحكي عن تلك الفتاة التي جاءت الى قم على قدر؟!
الرياح الباردة ما تزال تهبّ بشدّة ، والثلج ما يزال يهطل بغزارة وقد غفت المدينة الصغيرة وحدهم المسافرون في تلك الارض الغارقة في الليل والثلج ، يفتحون أعينهم بصعوبة لينقلوا خطاهم في معالم الطريق ومحمد جالس في حضرة الشيخ يصغي الى صمته المدويّ.
١
مثلما هبّ موسى بن عمران في وجه الفرعون مثلما هبّ في وجه هامان وقارون ؛ هبّ موسى بن جعفر في وجه هارون هارون الذي قال جدّه من قبل : إنّما أنا سلطان الله في الارض انه ظلّ السماء في الارض انه مشيئة الله وإرادته
من أجل هذا نهض موسى بأمر الله ليقول لهارون لا جاء ليطالب بفدك فدك التي كانت يوماً ما بقعة صغيرة فوهبتها السماء الى فاطمة لتكون نحلة لها لتكون ارثاً ولتكون فيما بعد رمزاً للميراث الغتصب والحق المقهور رمزاً لكل الارض الاسلامية.
من أجل هذا نهضت فاطمة بنت محمد لتطلب حقها في
فدك.
ما اصغر فدكاً فوق الارض وفي الجغرافيا وما أوسعها في خارطة التاريخ؟!
اهتزت المدينة من اقصاها الى اقصاها فقد جاء موسى يطلب ميراث جدّته البتول جاء يسترد فدكاً بحدودها العجيبة : من عدن الى سمرقند الى أفريقا الى سيف البحر مما يلي الجزر وارمينيا
اشتعل هارون حقداً ان موسى يهدد عرشه كنوزه وقصوره سلطانه ودولته
وقفت فاطمة بسنيها الستّ تترقب عودة أبيها الذي خرج عند الفجر ولم يعد ليست فاطمة وحدها كانت تنتظر عودة الرجل الأسمر الذي يحمل في وجهه طيوف النبوّات بل المدينة بأسرها كانت تترقب ما يريد هارون من موسى
كانت تنتظر الى شقيقها علي وقد بدا وجهه سماءً تنوء بغيوم حزينة أدركت فاطمة أن أباها سيغيب ولعلّه لن يعود ربّما لن تراه ولن تسمع صوته الدافئ شعرت فاطمة بالبرد بالخوف يملأ أعماقها امتلأت عيناها بالدموع حزناً
ان موجات الحزن أعمق تأثيراً من هزّات الفرح إنّها
تحفر أماكنها عميقاً في الذاكرة ولا شيء أخلد في دنيا الطفولة البريئة من مشاهد اليتم
لقد فقدت فاطمة امها قبل أن تعى ما حولها من الدنيا وها هي تشهد العاصفة عاصفة القدر عندما تنتزع الأيدي الغليظة أباها الرحيم من أهله وبنيه ، لتثقله بالقيود والأغلال
نظرت فاطمة الى أخيها خُيّل اليها أنها ترى سماءً مثقلة بالغيوم الله وحده الذي يعرف اغوار الحبّ الذي تتدفق ينابيعه الصافية في قلب فاطمة فاطمة التي شهدت بأمّ عينيها عاصفة الزمن المرير
لقد بدأ زمن الشتات زمن التشرّد زمن تصبح تهمة الزندقة فيه أهون بكثير من أن يقال هذا من أبناء علي من أحفاد محمد
هارون يخشى موسى يخشى كلماته إنّها صدى لكلمات محمد لخطب علي.
وقفت فاطمة تودّع من بعيد قافلة أخذت طريق البصرة ـ وقد خفق قلبها الى قبّة تحفّها سيوف ورماح ان قلبها لا يخطئ
غابت القافلة في الأفق البعيد وكانت السماء ما انفكّت
تمطر على هون.
عادت فاطمة مع شقيقها علي عادت تجرجر نفسها وخطاها الى منزل بدا في ذلك الصباح الغائم خيمة مزقتها رياح الزمهرير لقد رحل الاب انهار عمود الخيمة رحل السلام وربما دون عودة نظرت فاطمة الى السماء المثقلة بالغيوم والمطر انبسجت دموع طفولية من عينيها دموع تشبه مطراً حزيناً راحت تتساقط بصمت.
يالوعة اليتم في قلوب اليتامى ويا لقسوة الزمهرير ، زمهرير الخوف الخوف من المجهول
عندما يرحل الأب تصبح الدنيا برداً وصعيقاً تصبح بلا شمس بلا دفء ولا نور.
٢
ومضى التاريخ يشعل الحوادث هنا وهناك في دنيا الناس.
وتمرّ الايام متتابعة كأمواج نهر تتدافع باتجاه نقطة ما.
وفي بغداد عاصمة الشرق ، تربّع هارون ، يقود أزمّة الأيّام يحاول دفع الأيام في اتجاه الذي يريد ، ويأبى التاريخ. جلس هارون يفكّر ويدبّر ، وبدت آثار الارهاق على وجهه المكدود لكأنه يصارع قدراً لا مفرّ عنه.
ولو قدّر للمرء أن يجوس خلال القصر تلك الليلة لرأى كيف يسعى الانسان بكل ما أوتي من قدرة الى تغيير مسار التاريخ.
ها هو الرشيد تجتاحه موجة من الأرق المدمّر ، الأرق الذي لا يمكن مواجهته برحلة في مياه دجلة ولا ارتياد قصور برامكة وعبّ كؤوس اللذة لقد اندثر البرامكة الى الأبد ، ولم يعد الرشيد يستمتع بالليالي الحمراء فقد غزا جسده مرض لا يُعرف دواؤه! واستولى عليه هاجس الخوف على ملكه العريض الممتد من سمرقند الى حدود أفريقيا ؛ وما برحت الغيوم المسافرة تهطل في تلك الاراضي المترامية لتتدفق بعد حين ذهباً وفضاً ؛ وهارون غارق حتى هامة رأسه في بحر من اللذائذ فكأنه عاد الذي أراد أن يبني جنته في الأرض!
ولكن ما باله هذه الليلة مكدّر الخاطر ، تعصف في رأسه آلاف الهواجس كخنازير وحشية؟!
اشار الى حارس يقف كتمثال :
ـ عليّ بالاصمعي!
وما أسرع أ، جاء فجلس قريباً منه ، وأدرك الاصمعي أن هارون يصارع هواجس في أعماقه هواجس لا نهاية لها!
وطال الانتظار ، لشدّ ما يتغير الكائن البشري أين دماء العافية التي كانت تموج في وجهه ، لقد غادره ذلك الألق الوردي وحلّت مكانه صفرة رجل حيث الخطى نحو رمسه.
غمغم امبراطور الشرق :
ـ ألا تحبّ أن ترى محمداً وعبد الله٢ ؟
ـ أجل يا أمير المؤمنين إني لأحب ذلك.
قال الأصمعي ذلك وحاول النهوض.
تمتم الرشيد :
ـ مكانك يا أصمعي سيأتيان.
إشارة خفيفة ، وانطلق حارس يدعوهما.
راح الاصمعي بعد أن حضرا يدير الحديث بلباقة أديب يعرف كيف ينفذ الى نفوس الملوك والأمراء.
تساءل الرشيد وقد ذهب شطر من الليل :
ـ كيف رأيتهما.
ـ ما رأيت مثلهما في ذكائهما وجودة ذهنهما ، أطال الله بقاءهما ، ورزق الأمة من رأفتهما.
ضمّ الرشيد ولديه الى صدره ، وكتم في اعماقه عبرة حرّى وعاد الانتظار والترقّب ، ونهض الأمين ، والمأمون ، وهما يتفننان في أدب من يريد مغادرة مجلس ملوكي ويوحي لمن يراهما انهما يليقان بولاية العهد.
تداعت مشاهدة قديمة في ذاكرة الاصمعي تذكر لقاءه
الأول بهارون منذ سنين بعيدة كان الفضل البرمكي يومها رجل له نفوذ السلاطين ، ولكن يالدورة الزمان!
ها هو هارون الذي مخر عباب اللذائذ يهيمن عليه قلق في مستقبل عرشه ، تطارده نبوءة رجل من أبناء محمد
سوف تتهدم القصور ويستحيل دجلة الى نهر من دم ، ها هو هارون يقف عاجزاً مستسلماً أمام قدر غامض
وتذكر الاصمعي تلك الليلة الرهيبة التي رأى فيها رأس جعفر البرمكي ما تزال صورة هارون المتحفزة كالوحش ترعبه كانت ليلة رهيبة الكلمات المترعة بالرعب تلهب كيانه :
ـ الحق باهلك يا اصمعي!
وخانته قدماه وهو يتقهقر منحيناً الى الباب ، ومشى من دون « برذونه » ، ولكنه عندما تذكر ذلك في منتصف الطريق رفض العودة ، فقد يلقى القبض عليه ويلحق بجعفر وعندها ادرك سرّ وقوف السندي بن شاهك ورجال شرطته عند جسر الرصافة ذلك الصباح الغائم.
تصوّر في تلك الحقبة الهائجة أن بغداد ستثور ، فالبرامكة ليسوا حمقى عندما كانوا يبعثرون الأموال بمناسبة وغير مناسبة
وركن كل شيء عاد الى طبيعته ، واختفى رجال الشرطة من جسر الرصافة وكانت مياه دجلة تجري تتدافع امواجها كما كانت منذ مئات السنين حتى جثمان جعفر بشقيه والذي ظلّ عاماً كاملاً اختفى واضحت جثته رماداً تذوره الرياح رياح التاريخ٣ .
ان هواجس هارون التي تقض مضجعه تتجسد في الخطر العلوي فهؤلاء المشرّدون منذ اكثر من قرن هم مشاريع للثورة في كل مكان تطأه أقدام علوي تشتعل الثورة ، ويتألق حلم الحرّية.
غمغم الرشيد كمن يحدّث نفسه :
ـ كيف بك يا أصمعي إذا ظهر تعاديهما وبدت البغضاء بينهما ، ووقع بأسهما بينهما حتى تفسك الدماء ، ويودّ كثير من الاحياء انهم كانوا موتى.
أعادت الكلمات الغامضة الأصمعي الى نفسه وهتف مأخوذاً بما يسمع :
ـ أهذه نبوءة منّجم يا أمير المؤمنين؟!
قال هارون وفي عينيه حزن ويأس :
ـ بل نبوءة عن الاوصياء عن الانبياء!
وأدرك الأصمعي إن هارون يؤمن بكل ما يقوله موسى بن جعفر الصادق.
أطرق هارون يفكر ، وكمن يحاول تغيير مسار الأقدار رفع رأسه وأشار الى حارس قريب :
ـ عليّ بالعباسي!
انطوى وقت ما عندما رأى الفضل بن الربيع الذي بنى مجده على أحلام زبيدة وتدمير البرامكة.
قال الرشيد قبل أن يستقر في جلسته :
ـ أنت تعرف محمداً وعبد الله ، عبد الله أكبر وفيه حزم المنصور ودهاؤه ، ولكن محمداً منهمك في ملذّاته منصرف الى ملاهيه ، فان تولّى الخلافة ضاعت البلاد وتبدّد ما بينته من الأمجاد.
قال الفضل وهو يعرف كيف يستحوذ على عقل هارون :
ـ يا أمير المؤمنين ، ان هذا أمر خطير، الزلّة فيه لا تغتفر وللكلام فيه مكان غير هذا.
نهض الاصمعي ، ليجلس في زاوية بعيدة من زوايا القصر المنيف ، فيما ظلّ الرجلان يخططان لمستقبل الايام.
قال الفضل :
ـ لا تنسى يا سيدي أن أمّه عربية هاشمية ان زبيدة لا
تنافسها امرأة في المجد ولقد تولّى السفاح الخلافة قبل أخيه المنصور وهو اصغر منه لأن أمّه عربية وأم المنصور امرأة من البربر.
ان أهل بغداد وقادة الجيوش والعرب لا يعدلون بالأمين أحداً.
ـ والمأمون؟!
ـ لتكن خلافته بعد أخيه.
ـ ان الأمين سوف يفكّر في اقصائه وتوليه العهد لغيره لقد رأى بعينيه كيف ننقض العهود.
لا أظن ذلك يا سيدي فالعهد مودع في جوف الكعبة ولن يجرؤ أحد على نقض ما يؤسسه الرشيد.
سكت هارون على مضض ، وحانت منه التفاته فرأى نور الفجر٤ يخترق ظلمة الفضاء وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.
٣
ومضى التاريخ يشعل الحوادث ، مات الرشيد بعد ربع قرن من الحياة اللاهية ، حياة حافلة بكل لذائذ الدنيا الفاتنة ، ومات الفضل البرمكي في السجن ، مات الرشيد ودفن في طوس ، قبل أن، يخمد ثورة اشتعل أوارها في خراسان.
المأمون في خراسان يترقب ما تتمخض عنه الأيام الأمين يعتلي العرش الخلافة ، ويبدأ بتحريض من الفضل بن الربيع وزبيدة ومن نفسة الأمّارة بالسوء تنفيذ خططه في إقصاء أخيه من ولاية العهد ويعلن تنصيب ابنه موسى ويمنحه لقب « الناطق بالحق »!
ويردّ المأمون بالغاء العملة التي تحمل اسم الأمين ،
ويرفض دعوات متكررة للحضور في بغداد.
مئات العمّال ينهمكون ببناء ميادين للصيد حول القصور الخلافة في بغداد ، وعمال السفن يبدأون صنع سفن الخليفة الجديد سفن تشبه سفن الأحلام.
ومياه البحر المتوسط تحمل سفناً اسلامية متوجهه لاسترداد جزيرة « قبرص».
سيوف الاسلام في الاندلس تسترد « طرطوشة » من « لويس » ، ومعارك ضارية على الحدود ، وجفاف يبشر بقحط شديد.
ثورة في « حمص » ضد الأمين ، ثورات في « افريقية » ضد « الاغالبة » والعيون التي تحلم بالحريّة تبحث عن علوي مشرّد يفجّر فوهّة البركان القادم.
كل شيء يتزلزل تحت الأقدام لم يكن هناك من شيء ثابت منذ رحيل السلام.
العقول تسقط صريعة تحت بروق المطامع وجال من الشيعة ينفون وفاة الامام موسى ، ويرفضون إمامة ابنه علي يغتالون الحقيقة من أجل حطام رخيص دراهم معدودة.
وعلي بن موسى يعلن امامته لوقف حالة التداعي ويربك
خطط « الواقفية »٥ في تصفية مذهب أهل البيتعليهمالسلام .
ها هو التاريخ يشعل الحوادث هنا وهناك
وقد انفجر الصراع بين الأخوين الأمين والمأمون.
الأمين يحرّك جيشاً جرّاراً لاحتلال خراسان ، فيردّ المأمون باعداد جيش تحت قيادة « طاهر بن الحسين » ، فتدور ملحمة رهيبة جنوب طهران ويهزم جيش الأمين.
وفيما كانت الحرب تدور رحاها ، اشتعلت ثورة في « دمشق » بقيادة « السفياني » مستنصراً بقبائل اليمانية.
جيش آخر يغادر « بغداد » تحت قيادة « الانباري » يصطدم بقوات المأمون في همدان وينتصر المأمون مرّة أخرى فيعلن خلافته رسمياً.
أصبح مصير بغداد على كفّ عفريت ، الجيوش الخراسانية تزحف باتجاه بغداد تتساقط المدن ، كتفاحات في موسم قطاف.
جيوش الامين تتراجع الى بغداد للدفاع عن عاصمة الرشيد.
مئة الف أو يزيدون من اللصوص والمحتالين يتطوّعون ويشتركون في عملية الدفاع عن المدينة المهدّدة.
وطلائع من قوات طاهر بن الحسين تصل بغداد وتأخذ مواقعها.
المجانيق تبدأ قصفها المدينة المحاصرة وتدك مواقع المدافعين ، بغداد بين نارين نار في الشمال ونار في الجنوب ، ودجلة يجري غير مكترث بما يجري ، ونسائم أيلول تبشّر بشتاء قارص ، والرياح تجري بغير ما تشتهي « حرّاقات »٦ الأمين.
أرخى المساء ستائره على بغداد ، وقذائف المجانيق تشتعل في سماء المدينة المحاصرة كشهب العذاب.
الأمين في قصره على ضفاف دجلة ، وألحان موسيقية تنساب كمياه دجلة ، كانت القذائف الملتهبة تسقط قريباً ، وتفرّ بعض فتيات القصر مذعورات ، وكانت زبيدة تراقب قلقة ابنها الذي سينطفئ.
سقطت قذيفة مشتعلة ، وتطايرت الشظايا لتسدل الستار على آخر حفل ملوكي للأمين.
نهض الخليفة المهزوم ليواجه قدره ، لقد فرّ وزيره الفضل بن ربيع وتركه وحيداً.
سوف تسقط بغداد في يد « ابن مراجل » وسينعم بلذائذ لا
نهاية لها.
أمر الخليفة بنقل اسرته الى قلعة المنصورة ، وكانت حلقة الحصار تشتد.
وفي غمرة الليل البهيم اشتعلت النار في قصور الخلافة قصور بناها المنصور والمهدي ، والرشيد ، تلتهما النار الأمين ينظر من فوق « المنصورة » الى الحرائق ، فتحترق معها أحلامها.
ابن الرشيد تموج في أعماقه رغبات مجنونة ، وحملته ذاكرته الى مشاهد من حياة أبيه اللاهية ، وما روته له زبيدة من أقاصيص هارون ، وحكاياته ، وها هي المجانيق تحرق كل شيء أحلامه وآماله ورغباته التي لا تنتهي و حياته وهو بعد لم يبلغ الثلاثين.
وفي لحظة يأس مرير ، وفيما كان قادته يفرّون تحت جنح الظلام كتب الأمين الى « هرثمة » قائد القوّات الشمالية :
يسأله التوسط لدى أخيه ، مقابل التنازل عن الخلافة.
وجاء الجواب : لقد « بلغ السيل الزبى » ، و« شغل الحلي أهله أن يعارُ » مع ذلك فاني مجتهد في الاصلاح وسآخذ لك عهداً ، وثيقاً يحفظ لك حياتك ولكن توجه اليّ ليلاً لنتباحث في
الأمر »٧ .
حل المساء تلك الليلة من اُخريات « المحرّم » ونسائم أيلول الباردة تحمل رائحة النخيل الذي يحف دجلة كأهداب حورية.
ارتدى خليفة ثياباً بيضاء وارتدى فوقها طيلساناً اسود اللون لإضفاء الصفة الرسمية كملك عباسي.
وشهدت النخيل موكباً صغيراً فيه شبّان وفتيات يتجهون نحو « الحرّاقة الأسد » في مرساها بدجلة.
لقد فضل الأمين ركوب زورقه الملكي ، فربما يكون له هيبة الليث وحصّة الأسد.
وبدأ أسد البحر يشق أمواج دجلة صوب الشمال ، وأشار الى جارية أن تغنيه أبيات « أبي نؤاس » التي دشن بها زورقه العجيب ، وراحت الكلمات الشاعرة تتناثر فوق ضفاف دجلة :
سخر الله للأميـن مطايا |
لـم تسخـر لصاحب المحراب |
|
فاذا ما ركابه سـرن بـرّاً |
سار في الماء راكبـاً ليث غاب |
|
عجب الناس إذ رأوك عليه |
كيف لو أبصروك فوق العقاب |
|
ذات ظفر ونسر وجناحين |
تشـق العبـاب بعـد العبـاب٨ |
اشتعلت في اعماقه رغبة في أن يعانق غلامه الاثير٩ ،
ولكنه ترك ذلك لحين عودته.
توقفت المجانيق عن قصفها وساد الهدوء تلك الليلة المتوتّرة وخامر زبيدة شعور بان المحادثات قد اسفرت عن نتائج طيبة ، ولكن قلقاً مدمّراً يعصف بقلبها ، ان قلب الأم لا يخطئ!
كان الأسد النهري ما يزال يشق طريقه وسط الأمواج المتدافعة صوب البصرة ، فجأة من قلب الليل والمياه المتدافعة اندفعت اشباح مخيفة كالتي يرويها البحارة القادمون من المحيط الهندي حدث كل شيء بسرعة فقد اهتز المركب الاسطوري ووجد الخليفة الشاب نفسه في قبضة عمالقة أولي بأس شديد.
انبعث صرخات مذعورة من الفتيات ، والقي القبض على الخليفة الذي شدّ وثاقه بغلظة ؛ واستدار الزورق منقلباً باتجاه الجنوب الى حيث تربض قوّات طاهر بن الحسين وتترقب لحظة الاقتحام بشهوة من يريد استباحة آلاف الجواري الحسان.
وفي لحظة يأس القى الخليفة العابث نفسه وسط أمواج دجلة لتبتلعه المياه ، ولكن عمالقة الانس انتشلوه ، حتى لا تنسج حوله الاساطير.
وفي غمرة تلك الليلة العاصفة سقط رأس الخليفة العباسي السادس ليصلب على برج بغداد١٠ .
٤
ليس هناك ما هو اكثر مرارة من أن يشهد الانسان لحظات الانهيار انهيار الاشياء اهتزاز ثوابت الزمن
كل شيء بات يهتز وخفت صوت الانسان لتنبري عشرات الاصوات الغامضة الاصوات الي تستمد قوّتها من غرائز كامنة في النفس البشرية في اللحظة التي يسقط فيها العقل أمام بريق الاطماع.
الدنيا دوّامة يدور بأهلها ، إِعصار فيه نار في ذلك الزمن الردئ حيث يهتز كل شيء تحت وقع سنابك خيل مجنونة ، وقف الرجل الذي ناهز الخمسين من عمره عيناه تسافران في سماء لا انتهاء لها ، وكفّاه ممدودتان الى حيث
تتجه القلوب في اللحظات التي توشك فيها الأمواج أن تحطّم سفينة تائهة كلمات هادئة متضرعة متوسلة الى الله :
ـ « يا من دلّني على نفسه ، وذلك قلبي بتصديقه أسألك الأمن والايمان في الدنيا وفي الآخرة »١١ .
دخلت فاطمة جلست قرب شقيقها تستشعر الطمأنينة في عالم يموج بالرعب ، تتشرب الخير ، في عالم يعج بالشرور
يتألق في عينيها حزن مرير حزن يمتد الى ربع قرن هو كل حياتها المفعمة بالحزن.
ما تزال تتذكر منذ عشرين سنة اللحظات التي أخذوا فيها أباها الطيّب الى بغداد لم تره منذ ذلك الوقت ، هل تنسى اللحظة التي فارقت أمها الحياة كانت ليلة شتائية أيضاً ليلة قارسة البرد لم تجد فيها دفءً الا قرب شقيقها علي
وها هو علي في قلب الاعصار تماماً في المنطقة الساكنة في النقطة المركزية حيث تنعدم الحركة الاعصارية.
وكانت فاطمة التي لم تجد كفئاً لها منذ أمد بعيد ترنو الى الانسان الذي تشعر بحضرته انها أكثر قرباً من الملكوت ملكوت السماوات البعيدة.
ففي حضرته تشعر فاطمة بتجاوز حدود الذات ، لتستحم روحها في بحيرة من ذلك النور الذي يسطع في القلوب.
لكأن آلاف القناديل تسرج في اعماقها.
هكذا تعيش فاطمة لحظات قرب شقيقها الوحيد.
البركان الذي انفجر بمكّة تصل هزّاته مدينة الرسول لقد ثار محمد بن جعفر١٢ وقمعت الثورة في مهدها ، وها هي خيول المأمون الخليفة السابع تتجه الى المدينة للانتقام من العلويين.
« الجلودي »١٣ الرجل الغليظ القلب يقود جنوده لنهب دور الطالبيين في المدينة الخائفة.
الخيول الغازية تدخل المدينة وهدفها نهب بيوت الطالبيين ومصادرة كل ما يملكون ، وفي رأس الجلودي الغليظ أوامر شخصية من الخليفة العباسي السابع تقضي بسلب النساء الحلل والحلي فلا يدع لهن الا ثوباً واحداً ترتديه.
وعم الرعب كل شيء يهتز ، الخيول الغازية لاتعرف المقدسات ، والجودي يمضي في تنفيذ مهمته.
نهض علي لمواجهة الرعب القادم ، جمع النسوة في
حجرة واحدة ، وقف لمواجهة السلّابين.
قلب فاطمة وهو القلب الوحيد الذي وسع كل ما يموج في تلك الحجرة من آلام
وان ذاكرتها مشحونة بكل الملاحم الخالدة ، بكل ذلك التاريخ المثقل بالحزن بكل اللحظات المريرة التي عانتها المرأة آلام خديجة ، هجرة فاطمة ، وأحزان زينب.
ما تزال العاصفة الهوجاء تصفر بغيظ تريد أن تجتث شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وسمعت فاطمة وهي مستغرقة في تداعيات الزمن الراحل حواراً عند باب الدار :
قال صوت فيه غلظة الجلادين :
ـ انني انفذ أمر الخليفة.
اجاب صوت هادىء :
ـ اذا كان هدفكم سلب النسوة فسأقوم نيابة عنكم بذلك.
قال الصوت الغليظ :
ـ ومن يضمن لي أنك تفعل ذلك ان أوامر الخليفة تقضي بسلب النساء حللهن وحليهن الا ثوباً واحداً.
قال الصوت الملائكي :
ـ أقسم لك بانني سأفعل ذلك.
نظر « الجلودي » الى الرجل العلوي رأى في عينيه إصراراً وثباتاً أين منه الجبل ، أدرك بأنه اذا اقتحم المنزل عنوة فانه سيدفع ثمن ذلك باهظاً ، قد يتفجر الوضع انه لم يقبل في حياته انساناً يقف هادئاً في مواجهة سيوف متصلة ، رأى كثيراً من الرجال ينحون أمامه ، يطلّ من عيونهم رعب وخوف.
أمّا الآن فانه يقف أمام انسان آخر انسان تطلّ عيناه على اعماق مغموره بالسلام!
اشار الجلودي الى جنوده بالانسحاب ؛ والتفت الى الرجل الذي ناهز الخمسين قائلاً :
ـ سأنتظر.
دلف علي الى باحة الدار ثم الى حجرة في زاوية منه ، ونظر الى نسوة وفتيات.
القلوب الصغيرة تخفق تصغي الى صهيل خيول مجنونة ادركت فاطمة ما يموج في قلب أخيها أن اصعب شيء على رجل أن يسلب امرأة حليّها أن ينتزع قرطيها وقلادتها
وأساور من يدها من أجل هذا تقدمت فاطمة لتحطّم تلك اللحظات المفعمة بالمرارة
انتزعت قرطيها وقلادتها وأخرجت كفيها من أساور من فضة وقدّمتها الى أخيها ، وسرعان ما انتقلت هذه الخطوة الى سائر النسوة فتجمعت في كفّي علي المبسوطتين ، الحلي والحلل فانطلق بها الى الذئاب المتربصة عند عتبة الباب.
وهكذا مرّت العاصفة الصفراء ، تحسب نفسها قد اجتثت كل ما يقف في طريقها ، لم تعبأ بأوراد البنفسج المبثوث هنا وهناك من الأرض ، يبعث بشذاه في الفضاء الواسع دون أن يلتفت اليه أحد
وفي تلك الليلة الشتائية ، وفيما كان الجلودي يبتعد عن الدار جلست فاطمة تحدّث من اجتمعن حولها التماساً لدفء الكلمات المقدسة قالت فاطمة :
ـ حدّثتني فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق قالت :
حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين قالت :
حدثتني فاطمة بنت الحسين بن علي قالت :
حدثتني ام كلثوم عن أمها فاطمة بنت النبيعليهالسلام قالت :
« أنيستم قول رسول الله عليه وآله السلام يوم غدير خم : من كنت مولاه
فعلي مولاه وقولهعليهالسلام : انت مني بمنزلة هارون من موسى »١٤ .
والتفتت فاطمة الى فتاة صغيرة تتألق في عينيها النجلاوين أقمار ونجوم :
اكتبي يا ابنة أخي. اكتبي حتى لا يضيع ميراث الانبياء.
سكتت فاطمة كانت تدرك ان هذا الاعصار القادم من مرو يريد اجتثاث علي علي الذي ما يزال يقاوم عواصف الزمن علي الذي يخفق حبّه في قلوب الأحرار والمقهورين.
من أجل هذا قالت :
ـ حدثتني فاطمة بنت جعفر الصادق قالت :
حدثتني فاطمة بنت محمد الباقر قالت :
حدثتني فاطمة بنت علي بن الحسين قالت :
حدثتني فاطمة بنت الحسين قالت :
حدثتني زينب بنت فاطمة قالت :
حدثتني فاطمة بنت رسول الله قالت :
سمعت رسول اللهعليهالسلام يقول :
« لما أُسري بي الى السماء ، دخلت الجنة ، فاذا أنا بقصر من درّة بيضاء مجوّفة ، وعليها باب مكلّل بالدر والياقوت ، وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي ، فإذا مكتوب على الباب : لا إله
إلّا الله محمد رسول الله ، علي وليّ القوم ، وإذا مكتوب على الستر : بخ بخ من مثل شيعة علي؟!
فدخلته فاذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوّف وعليه باب من فضة مكلّل بالزبرجد الأخضر ، واذا على الباب ستر ، فرفعت رأسي فاذا مكتوب على الباب : محمد رسول الله ، علي وصيّ المصطفى ، واذا على الستر مكتوب : بشّر شيعة علي بطيب المولد.
فدخلته فإذا بقصر من زمرّد أخضر مجوّف لم أر أحسن منه وعليه باب من ياقوتة حمراء مكلّلة باللؤلؤ وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فاذا هي مكتوب على الستر : شيعة علي هم الفائزون.
فقلت يا حبيبي جبريل! لمن هذا؟!
فقال : يا محمد لابن عمك ووصيّك علي بن أبي طالب
يحشر الناس كلهم يوم القيامة حفاة عراة ، الا شيعة علي ، ويدعى الناس بأسماء امهاتهم الا شيعة علي فانهم يدعون بأسماء آبائهم.
فقلت يا حبيبي جبريل : وكيف ذاك؟
قال : لانهم أحبّوا علياً فطاب مولدهم١٥ .
وانبثق شلال من حبّ الهي يملأ القلوب بهجة والنفوس