بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية11%

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية مؤلف:
المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 534

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183818 / تحميل: 6989
الحجم الحجم الحجم
بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ومن مناقب أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الغزاة البدرية ما رواه الواحدي عند قوله تعالى( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) (١) روى عن البخاري ومسلم أنها نزلت في حمزة وعبيدة وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة ابني(٢) ربيعة والوليد بن عتبة ورواه مرفوعا عن(٣) أبي ذر و(٤) أنه كان يقسم على ذلك(٥) .

__________________

قال سلمة بن الأكوع: فجئت به أقوده الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مالك؟ قال: رمدت فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ادن منّي، فدنى منه، فتفل في عينيه، فما شكى وجعهما بعد، حتى مضى لسبيله، ثم اعطاه الراية، فنهض بالراية وعليه حلّة ارجوان حمراء قد أخرج كميّها، فأتى مدينة خيبر، فخرج مرحب صاحب الحصن، وعليه مغفر، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:

قد علمت خيبر انّي مرحب

شاكي السلاح بطل مجرّب

اطعن احيانا وحينا اضرب

اذ الحروب اقبلت تلهب

كان حماي كالحما لا يقرب

فبرز اليه علي - صلوات الله وسلامه عليه - فقال:

انا الذي سمتني امي حيدرة

كليث غابات شديد القسوره

اكتالكم بالسيف كيل السندره

فاختلفا ضربتين، فبدره علي عليه‌السلام بضربة فقدّ الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الاضراس، وأخذ المدينة، وكان الفتح على يديه.

وكذلك نقل هذا الخبر عن الثعلبي السيد هاشم البحراني في غاية المرام: ٤٦٧.

وقد أشار ابن ابي الحديد الى فرار الشيخين في قصيدته العلوية بقوله:

وما انس لا انس اللذين تقدما

وفرهما والفرقد علما حوب

وللراية العظمى وقد ذهبا بها

ملابس ذل فوقها وجلابيب

(١) الحج: ١٩.

(٢) ن: ابن ابي ربيعة.

(٣) ق: الى.

(٤) لا توجد في: ق.

(٥) قال الواحدي:

اخبرنا أبو عبد الله محمد بن ابراهيم المزكي، قال: اخبرنا عبد الملك بن الحسن بن يوسف،

١٤١

وزعم ملقح الفتن عدو الصحابة والقرابة أن منصوره خص بمخاطبته عند قذف مسطح لابنته بالذكر(١) وليس ذلك كما أثنى على جملة المهاجرين والأنصار فقال( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ) (٢) .

أقول: إن هذا الترجيح من ملقح الفتن ما جهل مفرط بالسيرة وهو خلق من لا اهتمام له بالإسلام أو حلية مغالط مدلس يهزأ في مباحثه ولا يربطه رباط دين ولا يقيده قيد حياء إذ أمير المؤمنين صلوات الله عليه المخصوص بنزول القرآن المتكاثر فيه من طريق من ليس من عدادنا ولو جمع ذلك لكان عدة أجزاء وسأذكر نبذة يسيرة من ذلك من كتاب الشيخ

__________________

قال: أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي قال: اخبرنا عمر بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة عن أبي هاشم، عن ابي مجلز عن قيس بن عبادة قال: سمعت ابا ذر يقول: اقسم بالله لنزلت( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) في هؤلاء الستة: حمزة وعبيدة، وعلي بن ابي طالب، وعتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة.

ورواه البخاري عن حجاج بن منهال، عن هشيم بن هاشم.

انظر: أسباب النزول: ١٧٦.

وذكر نزول الآية بشأن هؤلاء الستة جماعة آخرون وسطروها في كتبهم نذكر منها: شواهد التنزيل: ١ / ٣٨٦، صحيح البخاري: ٦ / ٩٨، وصحيح ابن ماجة: في ابواب الجهاد، والمستدرك: ٢ / ٣٨٦، وتفسير الرازي: ٢٣ / ٢٩، ومشكل الآثار: ٢ / ٢٦٨ والجامع لأحكام القرآن: ١٢ / ٢٥ وتفسير ابن كثير: ٣ / ٢١٢ وجامع الاصول: ٢ / ٣٢٢ والصواعق المحرقة: ١٢٤ وذخائر العقبى: ٨٩ والرياض النضرة: ٢٠٧.

(١) قال الجاحظ: ( ضمن كلام له ):

حتى انزل الله سبحانه على رسوله براءة عائشة، وامر أبا بكر بالانفاق على مسطح وعياله، وبالعفو عنه. وان يعيده الى رحله وتحت جناحه، فأنزل الله في محكم كتابه على نبيه يريد أبا بكر ( الى ان قال ) فقال الله - وهو يريد أبا بكر -: ( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ ) الآية. فقال ابو بكر: بلى يا رب، فرده الى رحله، وعفا عنه كما أمره الله.

انظر العثمانية: ٥٥.

(٢) النور: ٢٢.

١٤٢

الإمام الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني(١) قال بعد الخطبة:

واعلم أدام الله رعايتك أن القرآن مجزأ على أربعة أجزاء فربع فيه وفي أهل بيته ومواليه وربع في مخالفه(٢) ومعاديه وربع حلال وحرام وربع فرائض وأحكام(٣) .

وروى أبو الفرج الأصفهاني الأموي(٤) هذا المعنى أو ما يناسبه عن عليعليه‌السلام بالسند المتصل صورة المتن قال

__________________

(١) ابو نعيم احمد بن عبد الله بن احمد بن اسحاق بن موسى بن مهران الاصبهاني، الحافظ المشهور صاحب كتاب « حلية الأولياء » كان من الاعلام المحدثين وأكابر الحفاظ، وله كتاب « اخبار اصبهان » يقال: ان اول من اسلم من أجداده مهران وانه مولى عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر بن ابي طالبعليه‌السلام .

ولد ابو نعيم في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة وقيل غير ذلك، وتوفي في صفر وقيل يوم الاثنين الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة بأصبهان.

ترجم له: وفيات الأعيان: ١ / ٩١ تذكرة الحفاظ: ٣ / ٢٩٢ طبقات الشافعية: ٤ / ١٨.

(٢) ن: مخالفيه.

(٣) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(٤) هو ابو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن احمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله ابن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن ابي العاص بن امية القرشي الأموي الكاتب الاصبهاني جده مروان بن محمد المذكور آخر خلفاء بني امية وهو اصبهاني الأصل بغدادي المنشأ كان من أعيان ادباءها وأفراد مصنفيها وكان عالما بأيام الناس والأنساب والسير له مصنفات كثيرة منها كتاب « الأغاني » يقال انه جمعه في خمسين سنة وحمله الى سيف الدولة فأعطاه ألف دينار وله أيضا « الاماء الشواعر » و « مقاتل الطالبيين » و « آداب الغرباء » وغير ذلك.

ولد سنة اربع وثمانين ومائتين وتوفى يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة سنة ست وخمسين وثلاثمائة ببغداد وقيل سنة سبع وخمسين.

ترجم له: وفيات الأعيان: ٣ / ٣٠٧، ومعجم الادباء: ١٣ / ٩٤، اخبار اصبهان: ٢ / ٢٢ معجم المؤلفين: ٧ / ٧٨، تاريخ بغداد: ١١ / ٣٩٨.

١٤٣

نزل القرآن ربعا فينا وربعا في عدونا وربعا سير وأمثال(١) وربعا فرائض وأحكام ولنا كرائم القرآن(٢) .

وروى نحو هذا عن عدة طرق في كتابه المتعلق بما نزل من القرآن في أهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

وروى أبو نعيم عن محمد بن عمر بن غالب قال حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا عباد بن يعقوب(٤) قال حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أنزل الله تعالى آية فيها( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلا وعلي رأسها وأميرها كذا حدثناه مرفوعا(٥) .

ورواه غير مرفوع من عدة طرق وفي بعض ما رواه إلا وعلي سيدها وشريفها(٦) .

__________________

(١) ن: في امثال.

(٢) ما نزل من القرآن في أهل البيت: مخطوط ومفقود.

(٣) وذكر القندوزي في ينابيع المودة: ١٢٦ ( ط اسلامبول ):

روى في المناقب عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه‌السلام قال: نزل القرآن على أربعة أرباع، ربع فينا وربع في عدونا وربع سنن وامثال وربع فرائض وأحكام ولنا كرائم القرآن.

وجاء في حبيب السير لغياث الدين بن همام: ٢ / ١٣ ( ط طهران ): روى الحافظ أبو بكر احمد ابن موسى بن مردويه بسنده عن علي كرم الله وجهه قال: نزل ربع القرآن في شأننا وربعه في اعداءنا وربعه في السير والأمثال وربعه في الفرائض والأحكام ولنا كرائم كلام الملك العلاّم.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٥) حلية الأولياء ١ / ٦٤.

وذكره ايضا الخوارزمي في المناقب: ص ١٧٩، والمتقي في منتخب كنز العمال: ٥ / ٣١ ( المطبوع بهامش المسند )، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ٨٩، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٥٤، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ١٩، وسليمان القندوزي في ينابيع المودة: ١٢٥.

(٦) ورواه بهذا اللفظ اضافة على حلية الاولياء، جماعة من علماء العامة منهم: أخطب خوارزم في

١٤٤

وروى بإسناده عن ابن عباس قال لما نزلت( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (١) أومأ بيده إلى منكب علي فقال أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي(٢) .

ومن غريب ما يرد على المخذول ما رواه أبو الفرج(٣) بإسناده المتصل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال نزلت في عليعليه‌السلام ثمانون آية صفوا ما شركه فيها أحد من هذه الأمة(٤) .

__________________

مناقبه: ١٨٩، والهيثمي في مجمع الزوائد: ٩ / ١١٢، بزيادة: ولقد عاتب الله أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في غير مكان وما ذكر عليا الاّ بخير. والسيوطي في تاريخ الخلفاء: ٦٦، والمتقي في منتخب كنز العمال: ٥ / ٢٨، واحمد بن حنبل في فضائله: ٣ / ٦٥٤، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ٨٩، وفي الرياض النضرة: ٢٠٧، والكنجي في كفاية الطالب: ٥٤، والفخر الرازي في نهاية العقول: ١٩٦، والشبلنجي في نور الابصار: ١٠٥، وابن حجر في صواعقه: ٣٨ و ١٢٥، والقندوزي في ينابيع المودة: ١٢٦، والبرزنجي في مقاصد الطالب: ١٠.

(١) الرعد: ٧.

(٢) روى ابن جرير الطبري في تفسيره: ١٣ / ٧٢ بسنده عن ابن عباس قال لما نزلت( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) وضع - صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم - يده على صدره، فقال: أنا المنذر،( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ، واومأ بيده الى منكب علي -عليه‌السلام - فقال: انت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي.

وذكره السيوطي في الدر المنثور في تفسير الآية في سورة الرعد والفخر الرازي في تفسيره في ذيل تفسير الآية والمتقي في كنز العمال: ٦ / ١٥٧ والشبلنجي في نور الأبصار ص ٧٠ والمناوي في كنوز الحقائق ص ٤٢ والحاكم في المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٢٩. فقد روى هؤلاء هذا الحديث مع اختلافات في بعض ألفاظه.

(٣) ق: ابو الفتوح.

(٤) روى الخطيب في تاريخ بغداد: ٢ / ٢٢١ بسنده عن ابن عباس قال: نزلت في عليعليه‌السلام ثلاثمائة آية.

ابن حجر في الصواعق المحرقة ص ٧٢ والشبلنجي في نور الابصار ص ٧٣ عن ابن عباس قال: نزل في علي عليه‌السلام ثلاثمائة آية.

١٤٥

إذا عرفت هذا فاعلم أن ملقح الفتن فضل على علي غيره بجماعة يسيرة نزرة رغبهم منصوره في الإسلام كما ادعى وهم(١) الزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن وعثمان وبلال ومسطح وعامر بن فهيرة(٢) .

أقول وقد نبهت على شيء من قواعدهم أو قواعد أعيانهم عنده وهذه الرواية الواردة من عدة طرق ومنها يا علي بك يهتدي المهتدون دالة على أن كل مهتد بعده على وجه الأرض إلى أن تقوم القيامة مهتدون بأمير المؤمنين صلوات الله عليه فأين النفر الذين أشار إليهم ممن لا يحصى عدده(٣) ولا تضبط أفراده(٤) مع حوادث جرت من أعيان من ذكر رضوان الله عليهم.

وروى مرفوعا عن ابن عباس في قوله تعالى( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٥) قال عن ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام فأين من

__________________

وكذلك أيضا ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء: ١١٧، والعلامة الكنجي في كفاية الطالب: ١٠٨، وسليمان القندوزي في ينابيع المودة: ١٢٦.

(١) الاضافة منا.

(٢) العثمانية: ٥٤.

(٣) ن: عددهم.

(٤) ن: افرادهم.

(٥) الصافات: ٢٤.

وذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة: ص ٨٩ قال:

الآية الرابعة قوله تعالى ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) قال: اخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري ان النّبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم قال: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) عن ولاية عليّ عليه‌السلام ( ثم قال ) وكأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله تعالى: ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) اي عن ولاية عليّ عليه‌السلام وأهل البيت.

وانظر أيضا تذكرة الخواص: ٢١ ارجح المطالب: ٦٣ ينابيع المودّة: ١١٢.

١٤٦

تسأل جميع الأمة عن ولايته ممن أمر مثلا بالنفقة على ابن خالته قاذف ابنته وهو بمقام منهي عن كلفته(١) وهي عندنا منزهة وإنما ملقح الفتن ذكرها في كتابه لأمر غير مهم لا يفي(٢) بذكرها لا أحسن الله تعالى جزاءه.

وروى ما هو مشهور من نزول قوله تعالى( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (٣) الآية في عليعليه‌السلام وأقل مراتبها ناصركم فإذا أمير المؤمنين ناصر جميع المؤمنين فكل منهم مغموس في حقه مرموس في مواهبه.

وروى عن ابن عباس مرفوعا في قوله جل وعز( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٤) أن النبيعليه‌السلام قال لعلي أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك(٥) يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي عدوك غضابا مقمحين قال يا رسول الله ومن عدوي قال من تبرأ منك ولعنك ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قال رحم الله عليارحمه‌الله (٦) .

__________________

(١) ن: خلقيّته.

(٢) ن: نفي.

(٣)( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) المائدة: ٥٥.

لقد روى الحديث نزول هذه الآية بشأن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام طائفة من الرواة وحملة الحديث منهم: الفخر الرازي في تفسيره في سورة المائدة في ذيل الآية المذكورة، والزمخشري في الكشاف في ذيل الآية، ابن جرير الطبري في تفسيره: ٦ / ١٨٦ والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير الآية، كنز العمال: ٦ / ٣١٩ و ٧ / ٣٠٥ والهيثمي في مجمع الزوائد: ٧ / ١٧ والمحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ٨٨ وص ١٠٢.

(٤) البيّنة: ٧.

(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٦) اورده الحسكاني في شواهد التنزيل: ٢ / ٣٥٧ باختلاف يسير في بعض الفاظه.

١٤٧

إذا عرفت هذا فاعلم أن ملقح الفتن بما أراد من ترجيح غيره عليه كاذب بالنقل الذي لا يتهم راويه(١) ولا يغلط من روى عنه صلوات الله عليه وأقل المراتب أن يكون علي وشيعته خير البشر إذا كانت اللفظة بغير همز وإن كانت بهمزة كان الفضل بها على جميع المكلفين بالإطلاق هذا نوع تنبيه يليق بما نحن فيه في هذه الأوراق المختصرة.

وقد روى ابن مردويه من نيف وأربعين طريقا - أن عليا خير البشر(٢) .

__________________

وذكر ابن حجر في صواعقه: ٩٦ قال:

الآية الحادية عشرة قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال: أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي، عن ابن عباس: ان هذه الآية لما نزلت قال - صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم - لعلي - عليه‌السلام -: هو انت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابا مقمحين قال: ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك.

وذكر هذا أيضا الشبلنجي في نور الابصار: ٧٠ و ١٠١.

وذكر السيوطي في الدر المنثور: في ذيل تفسير الآية:

اخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله، قال كنا عند النبي - صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم فأقبل علي، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده، انّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) فكان أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اذا اقبل علي قالوا: جاء ( خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) .

وقال ايضا: اخرج ابن مردويه عن علي قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم الم تسمع قول الله: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) انت وشيعتك، موعدي وموعدكم الحوض، اذا جاءت الامم للحساب تدعون غرا محجلين.

وذكره ايضا الالوسي في روح المعاني: ٣٠ / ٢٠٧ ( ط مصر ).

وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة: ١٠٥ ( ط النجف ) عن ابن عباس - رضي‌الله‌عنه - لما نزلت هذه الآية: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال لعلي: هو أنت وشيعتك، تأتي يوم القيامة انت وهم راضون مرضيون. ويأتي اعداءك غضابا مقمحين.

(١) ن: رواته.

(٢) وروى الخطيب في تاريخ بغداد: ٧ / ٤٢١ بسنده عن جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم -: علي خير البشر فمن امترى فقد كفر.

١٤٨

وهذا مؤكد لرد ملقح الفتن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفضيل غير علي عليه.

وذكر ملقح الفتن أن سعدا فخر عليه فلم يعارضه(١) .

ولا يمتنع أن يكون غرض ملقح الفتن بذلك الطعن على سعد ونحن لا نستثبت ما حكاه إذ كان قد ثبت(٢) أن من آذى عليا آذى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثبت أن سبه سبه(٣) وثبت أن مفارق علي مفارق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤)

وروى من طريق الخصم أن مبغض علي منافق(٥) .

وروى المخالف لنا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه من مات على بغض علي فلا يبالي مات يهوديا أو نصرانيا(٦) وقد روينا آنفا أن

__________________

وروى ايضا في: ٣ / ١٩ من الكتاب المذكور، بسنده عن زر عن عبد الله عن علي -عليه‌السلام - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم -: من لم يقل علي خير الناس فقد كفر.

وذكر هذا ايضا ابن حجر في تهذيب التهذيب: ٩ / ٤١٩.

كنوز الحقائق: ص ٩٢ قال:

علي خير البشر من شك فيه كفر.

الرياض النضرة: ٢ / ٢٢٠ قال:

عن عقبة بن سعد العوفي، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله - وقد سقط حاجباه على عينيه - فسألناه عن علي عليه‌السلام ، قال: فرفع حاجبيه بيده فقال: ذاك من خير البشر.

وذكره ايضا المحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ٩٦ والحديث أيضا ورد في لسان الميزان: ٣ / ١٦٦ وفرائد السمطين: ١ / ١٥٤ وكنز العمال: ٦ / ١٥٩.

(١) العثمانية: ٥٦.

(٢) مرت الاشارة الى عدة أحاديث في هذا الباب ص: ٣٤.

(٣) مرت الاشارة الى عدة أحاديث في هذا الباب ص: ٤٦.

(٤) مرت الاشارة الى عدة أحاديث في هذا الباب ص: ٣٥.

(٥) مرت الاشارة الى عدة احاديث في هذا الباب ص: ٢٠.

(٦) ابن المغازلي في مناقبه: ٥٠.

١٤٩

علياعليه‌السلام خير البشر وإذا كان الأمر كذا فمن حاول تقدمه عليه بالشرف وعلوه عليه بالمنزلة كان رادا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاقا(١) له ونحن ننزه خلصاء الصحابة عن ذلك.

ولو ثبت أن غير سعد كان المخاطب لأمير المؤمنينعليه‌السلام بالفخر عليه وأنه سكت عنه لكان الوجه في الرد عليه منه كونه لا يحفل بما وقع اعتبارا بما نظمته في مثل هذا المقام أو فيما يناسبه والدهر مولع بأرباب السجايا الميمونة الكرام.

إذا الفلك الأعلى الأثير تعرضت

لعز علاه الساقطات النوازل

أبى مجده الأسمى الحجاج وعابه

بنادي النهى يوم الفخار التفاضل.

وشرع يصف سعدا مستثمرا من ذلك أنه مستجيب لمن نصره(٢) .

ونحن غير قادحين في سعد ولا ينهض الثناء عليه بكون من حثه على الإسلام أشرف من أمير المؤمنينعليه‌السلام سيد البشر حسب النقل الذي أشرنا إليه ولا يكون سعد مدانيا لأمير المؤمنين في شرفه أو مقارنا له في

__________________

بسنده عن معاوية بن جيدة القشيري، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم يقول لعلي: لا يبالي من مات وهو يبغضك مات يهوديا أو نصرانيا.

وكذلك أورده الهمداني الحسيني في مودة القربى: ٦٣. وفي ص ٩١: يا علي لا يبغضك من الانصار الاّ من كان يهوديا.

وكذلك ذكر القندوزي في ينابيع المودة: ٢٥٧.

وأيضا في نفس الكتاب ص ٢٥١: من احبك يا علي كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة ومن مات يبغضك فلا يبالي مات يهوديا أو نصرانيا.

(١) من: مشتاقا.

(٢) العثمانية: ٥٦ فانه قال: وقد فخر عليه سعد فلم يعارضه، فأين مبلغ ما ذكرتم مما ذكرنا اذا كان مثل سعد من مستجيبه وهو المستجاب الدعوة وأول من أراق دما في الاسلام وأول من رمى بسهم يوم بدر الى آخره.

١٥٠

منزله فكيف فرعه الذي يستثمر ملقح الفتن الشرف به لمن عول عليه.

قال ملقح الفتن مفارق أمير المؤمنين ما معناه إنكم إذا قلتم بأن المحارب أبلغ رتبة من الوادع كان ذلك طعنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ(١) كان علي محاربا والنبيعليه‌السلام وادعا(٢) .

والجواب بما أن الكلام في كون غير الرئيس وادعا وغيره محاربا يشرب(٣) كئوس المتاعب ويخضب من دماء الأقران بنان القواضب.

وذكر ملقح الفتن عدو الدين ما حاصله إن الرئيس يعالج أتعابا كثيرة(٤) بخلاف المحارب(٥) .

وهذا كلام مدغل إذ لم يكن منصوره أيام رسول الله رئيسا حتى يتم له ما أراد وهو موضع البحث.

أضربنا عن هذا الكلام(٦) بأن(٧) الجارودية تمنع هذا وتقول لو سلمنا أن أتعاب الرئيس أشد لما فضل على علي غيره إلا بعد تقرير أن ذلك الاجتهاد(٨) مشروع وأين ذاك.

أضربنا عن هذا فإن أتعاب عليعليه‌السلام ما(٩) تحمله من أعباء

__________________

(١) ن: اذا.

(٢) العثمانية: ٥٧.

(٣) ن: يرشف.

(٤) ن: كبيرة.

(٥) العثمانية: ٥٧ و ٥٨.

(٦) لا توجد في: ن.

(٧) ن: فان.

(٨) ن: لاجتهاد.

(٩) ن: بما.

١٥١

الخلافة وأتعاب من تقدم(١) عليه جزء يسير(٢) وعين اليقين(٣) شاهدة(٤) ولا يساوي الأنزر الأغزر ولا الأصغر التافه الأكبر.

وأخذ(٥) يصغر من حال عمرو بن عبد ود وحال الوليد بن عتبة متعصبا على أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو بما أشار إليه مكذب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كانت الرواية من طرق القوم لضربة علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود تعدل عمل أمتي إلى يوم القيامة(٦) ولا يقال لمن قتل نكسا(٧) أو صادم خائما(٨) أو لاقى جبانا.

هذا وروى أخطب خطباء خوارزم(٩) في إسناده أن علياعليه‌السلام لما قتل عمروا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم أعط علي بن أبي طالب فضيلة لم تعطها أحدا قبله ولا تعطيها أحدا بعده(١٠) .

__________________

(١) ن: يعدم.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن، وبدله: عنه حروبه.

(٣) ن: التعين.

(٤) ن: ساهرة.

(٥) العثمانية: ٥٩.

(٦) تقدمت الاشارة الى بعض المصادر التي ذكرت هذا الحديث هامش ص (٥٩).

(٧) النكس بالكسر فالسكون: الرجل الضعيف ( المنجد ).

(٨) ن: حاتما، والخائم: الجبان المنكسر والمتراجع ( لسان العرب - خيم - ).

(٩) هو الحافظ الموفق بن احمد بن محمد ( أو اسحاق ) البكري المكي الحنفي المعروف بأخطب خوارزم، يكنى بأبي المؤيد وأبي محمد وأبي الوليد، كان فقيها حافظا ومحدثا خطيبا طائر الصيت وأديبا شاعرا وكان يخطب بجامع خوارزم سنين كثيرة، ولد سنة ٤٨٤ ه‍ وتوفي في اليوم الحادي عشر من صفر سنة ٥٦٨ ه‍ وقيل غير ذلك له مؤلفات كثيرة منها: مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام وكتاب الأربعين وكتاب مقتل الحسينعليه‌السلام .

ترجم له: معجم المؤلفين: ١٣ / ٥٢ الغدير. ٤ / ٣٩٨ وأنباه الرواة: ٣ / ٣٣٢ اعلام الزركلي: ٧ / ٣٣٣.

(١٠) مناقب الخوارزمي: ١٠٥ و ١٠٦.

١٥٢

وهذا شاهد تكثير(١) النكاية في المشركين والأثر البين في الكافرين. وقد ذكر الثعلبي أن الجراح أثبتت عمرا يوم بدر فلم يحضر أحدا(٢) .

ومن أثبتته(٣) الجراح وبعد شرب كأسه أقدم على الحرب متقدما أبطالا كثيرة كانوا معه في الجيش يطلب المبارزة عين الندب الشجاع وقلب أنجاد البهم المكافحين.

وحكى الثعلبي صورة حال محاورته عليا قبل مصاولته تشهد بأن المشار إليه كان من النجدة في قلتها والشجاعة في ذروتها(٤) .

__________________

(١) ن: ثليين ( كذا ).

(٢) الكشف والبيان: مخطوط.

(٣) ن: اثبته.

(٤) روى الحاكم في المستدرك: ٣ / ٣٢ بسنده عن ابن اسحاق، قال: كان عمرو بن عبدود ثالث قريش وكان قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ولم يشهد أحدا، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده، فلما وقف هو وخيله قال له علي -عليه‌السلام -: يا عمرو قد كنت تعاهد الله لقريش ان لا يدعوك رجل الى خلتين الا قبلت منه احداهما، فقال عمرو: اجل، فقال له علي -عليه‌السلام -: فاني ادعوك الى الله عز وجل والى رسوله والى الاسلام. فقال: لا حاجة لي في ذلك، قال: فاني ادعوك الى البراز، قال: يا ابن اخي لم؟ فو الله ما احب ان أقتلك فقال عليعليه‌السلام : لكني والله أحب ان اقتلك، فحمى عمرو فاقتحم عن فرسه فعقره ثم أقبل فجاء الى عليعليه‌السلام وقال: من يبارز؟ فقال عليعليه‌السلام وهو مقنع في الحديد فقال: انا له يا نبي الله، فقال انه عمرو بن عبدود، اجلس فنادى عمرو: الاّ رجل؟ فاذن له رسول الله - صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم - فمشى اليه عليعليه‌السلام وهو يقول:

لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

ذو نبهة وبصيرة والصدق منجي كل فائز

إني لأرجو ان اقيم عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز

فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي، قال ابن من؟ قال: ابن عبد مناف، أنا علي ابن أبي طالب، فقال: عندك يا ابن أخي من اعمامك من هو أسن منك فانصرف فاني أكره أن أهريق دمك، فقال علي عليه‌السلام : لكني والله ما اكره أن أهريق دمك، فغضب فنزل فسلّ

١٥٣

ولم يذكر المدغل طائلا حتى يكون الكلام بحسبه.

ثم من المستغرب أن يكون لمنصور ملقح الفتن شرف بمحاربة مستجيبيه ولا يكون لأمير المؤمنينعليه‌السلام الشرف بمحاربة يمينه كما أسلفت(١) .

ولقد ضرب مقدم العلماء في زمنه ابن الخطيب الرازي(٢) المثل بأمير المؤمنينعليه‌السلام وحاتم هذا في شجاعته وهذا في سخاوته جاعلا ذلك في جانب الأمور الضرورية والعلوم الجلية.

ولقد بلغنا خبر طريف عن رجل يقال له مفرج الفرنجي وقد حضر

__________________

سيفه كأنه شعلة نار، ثم اقبل نحو عليعليه‌السلام مغضبا واستقبله علي -عليه‌السلام - بدرقته فضربه عمرو في الدرقة فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه، وضربه علي -عليه‌السلام - على حبل العاتق فسقط وثار العجاج فسمع رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم التكبير فعرف ان علياعليه‌السلام قتله ( الى آخر الحديث ).

وذكره الشبلنجي ايضا في نور الابصار: ص ٧٩.

وزاد ابياتا لعمرو يقول:

ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ وقف الشجاع مواقف القرن المناجز

وكذاك اني لم أزل متسرعا قبل الهزاهز

ان الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز

فأجابه علي عليه‌السلام :

لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

( الى آخر الأبيات المتقدمة ).

(١) لا توجد في: ن.

(٢) هو محمد بن عمر بن الحسن، التميمي البكري الرازي الشافعي المعروف بالفخر الرازي وبابن خطيب الري. مفسر متكلم فقيه اصولي اديب شاعر طبيب، ولد بالري سنة ٥٤٣ وقيل ٥٤٤ وتوفي سنة ٦٠٦ ه‍ له تآليف كثيرة منها التفسير الكبير.

انظر: وفيات الأعيان: ١ / ٦٠٠ وطبقات الشافعية: ٥ / ٣٥. ميزان الاعتدال: ٢ / ٣٢٤ لسان الميزان: ٤ / ٤٢٦.

١٥٤

بساط بعض الملوك فسئل عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وغيره فجهل غيره وقال عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه إنه مصور عندنا في البيع لا ينال صورته إلا بطاليا(١) وهو رجل حاسر يلقى دارعا.

وإن شروعنا في التنبيه على هذا يلحقنا بملقح الفتن في عبارة أو عقلية(٢) فلنقتصر على هذا حذارا من خطر زلته.

قال عدو السنة ما معناه إن الشيعة ترى أن الذي(٣) منع العرب من تقديمه كونه قتل منهم الأحبة في كلام بسيط ودافع بأن أبا سفيان وكان وجها كان(٤) مع بني هاشم على أبي بكر وذكر أبا حذيفة(٥) وأطرأه وكان علي قتل أخاه(٦) .

واعلم أن هذا كلام لا حاصل له ناصرا(٧) لملقح الفتن إذ الإمامية تقول أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام منصوص عليه فسواء بايعته العرب أو لم تبايعه لا ينقص ذلك ما(٨) ثبت من النص المعلوم عليه وإن دوفعت عن النص فهم قائلون أنه كان أفضل الصحابة والأفضل مقدم سواء وقعت الموافقة على بيعته أو لا.

فإن قال إنما أردت أن الشيعة تقول إنه منصوص عليه وإنما عدلوا عن النص لتلك العلة وهي قتل الأحبة من العرب.

__________________

(١) ن: بايطاليا.

(٢) ق: غفلة.

(٣) ن: الذين.

(٤) لا توجد في: ق.

(٥) يعني أبا حذيفة بن عتبة.

(٦) العثمانية: ٦٠.

(٧) ن: ناصر.

(٨) ق: مما.

١٥٥

قلت فقد كان ينبغي أن يبين ذلك وما بينه سلمنا أنه ذكر ذلك لكن أمير المؤمنينعليه‌السلام ما كان قتله مقصورا على الجماعة الذين أشار إليهم حتى يتوجه الكلام إذ كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه قتل ولده حنظلة وشرك في عتبة وربيعة وقتل الوليد بن عتبة وعلى الإيراد بحنظلة قول.

ولقد تضمنت السيرة أنه قتل يوم أحد من أرباب الألوية تسعة فكيف من عداهم وله المناقب المأثورة في بني قريظة وما صنعه في خيبر والأحزاب وغير ذلك من المقامات المعلومة والمصادمات المفهومة وقد فهم عمر ذلك وهو أقرب عهدا وأعرف بالقواعد فقال إن قريشا تنظر إليكم يعني بني هاشم نظر الثور إلى جازره.

ولو لم تبن الإمامية دفع النص على قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام لأحبة(١) المشركين لكان له وجه بما أنهعليه‌السلام كان مشغولا بجهاز النبيعليه‌السلام وخلا الجمهور بالملك فغلبوا عليه والحكم للحاضر.

وهذا كما قال بعض الوعاظ وقد سئل عن خبر السقيفة فقال ضاق نطاق الوقت عن شرح ما تم ثم مات الشاه فاشتغل(٢) الرخ(٣) بتجهيزه تفرزن(٤) البيذق(٥) .

أو نقول إنهم أحسوا من أمير المؤمنين بخشونته في الدين وحموسته في الحق فتجافاه من تجافاه لذلك.

__________________

(١) ق: احبة.

(٢) ق وج: اشتغل.

(٣) الرخ بالضم فالسكون: قطعة من قطع الشطرنج ( المنجد ).

(٤) ق وج: تفرزت.

(٥) ق وج: البيدق. والبيذق هو الماشي راجلا ومنه بيدق الشطرنج وتفرزن البيذق، صار فرزانا، والفرزان: الملكة في لعب الشطرنج. ( المنجد ).

١٥٦

أو نقول إن أمير المؤمنينعليه‌السلام جمع محاسن الشرف فرأى كثير منهم أنه إذا انضم إلى ذلك شرف الرئاسة غارت نجومهم عند مجده النفساني والعرضي فرأوا تقديم غيره ممن ليس كذا.

وأقول إن عمر فهم ما يشبه هذا في قوله إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم الخلافة والنبوة.

وقال إنه لم يحضر من بني هاشم غير علي وحضر من بني تيم رجلان أبو بكر وطلحة وربما كانت إشارته بذلك إلى وقعة أحد(١) .

أقول إن تمام المعنى على مذهب عدو الإسلام - فبنو تيم أفضل من بني هاشم وأدفع وأشد عناء.

والجواب عن هذا بما أنه لم يجعل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصيبا في الحضور وأن وجوده وعدمه سيان فإن قال إنما أردت بذلك من عدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلت من اعتبر(٢) عرف أن حاصل الكلام يفيد بظاهره أن شرف القبيلة التيمية أشرف من القبيلة الهاشمية وإلا فقد كان يكفي أن يقول إن بلاء علي دون بلاء فلان وفلان لكنه تلفظ بلفظ حاصله:

إن القبيلة أشرف من القبيلة وهو كذب و(٣) تكذيب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون كفرا.

سلمنا أنه قال إن بلاء اثنين من بني تيم أفضل وأحمد(٤) من بلاء علي وهو كذب متعمد أو قول جاهل جدا لا يصلح له أن يجري في

__________________

(١) العثمانية: ٦٣ نقله بالمعنى.

(٢) ق: اعترف.

(٣) فقط في: ن.

(٤) ن وق: اكمل.

١٥٧

الصحائف يراعته(١) ولا تسري في فلوات اللطائف عزمته إذ بسيف أمير المؤمنينعليه‌السلام قتل تسعة من أرباب الألوية فكيف بمن عداهم وقتل الواحد الفرد من أرباب الألوية يقاوم قتال جيش لاكتناف الصناديد بهاتيك البنود ومعرفتهم أن الحراسة بعزها(٢) المعقود وبكونهم(٣) روح الأنجاد الأمجاد الصابرين على الجلاد قوام العساكر قوام عزها الباهر وما عرفنا لمن أشار إليه اصطلام قرن أو كشف غمه بل الذي نقله السدي أن طلحة استسلم وعزم على ما لا أقدم(٤) على حكايته ولا أرى التهجم بروايته.

وأما ابن عمه فما عرفت أنه ذكر في تلك الوقعة بمقام صيال ومحل جلاد.

وتعلق(٥) في شجاعة منصوره بشتم بديل بن ورقاء يوم الحديبية وشتم عروة بن مسعود(٦) وكان ذلك وهو مع رسول الله ومعه أصحابه هذا هو

__________________

(١) ن: يراعة.

(٢) ن: يعزها.

(٣) ن: يلويهم.

(٤) ق: اقدر.

(٥) قال الجاحظ في العثمانية: ٦٤.

« وأبو بكر الذي لما أتى بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الحديبية في نفر من أصحابه فأقبل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا محمد لقد اغتررت بقتال قومك، وان قريشا ستقاتلكم عن ذراريهم واموالهم، قد استنفروا الأحابيش وخرجوا الى بلدح معهم العوذ المطافيل، والله ما ارى معك احدا له وجه مع اني اراكم قوما لا سلاح لكم، ولو قد عض هؤلاء الحديد لقد اسلموكم. قال ابو بكر: عضضت ببظر اللات، أنحن نسلمه؟ قال له بديل: أما والله لو لا يدلك عندي لاجبتك والله اني وقومي لنحب أن يظهر محمد ».

(٦) قال الجاحظ:

« وأقبل عروة بن مسعود في نفر من قومه حتى أناخ راحلته عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: اني تركت كعبا وعامرا على أعداد الحديبية، معهم العوذ المطافيل وما أرى معك أحدا أعرف

١٥٨

المعروف قال لسان الجارودية عند هذا مع ثبوته:

أين السباب لمفردين مسالمي

عز الرسول وحزبه الكرار(١)

ألقى سلاحهما الأمان فلا يد

ترجو الدفاع بصارم بتار

من خوض ملتطم الحتوف فسائح

أو سابح(٢) في موجه التيار(٣)

تستسلم الأنجاد فيه لضيغم

وترى الفرار منزها من عار(٤)

لو لا غلاب الموت كل مدرع

لكسا الممات ملابس الفرار

شهدت له الأسماع بعد وقبلها

عين العيان لحاضر نظار(٥)

صهر الرسول وسيفه ووصيه

وأخوه وارث علمه الزخار

حاز العلاء تقاصرت عن شأوه

شمس النهار ببرجها السيار

فليصمت المثني عليه وشانئ

حلى الجميع بحلية الإحصار.

وتعلق في شجاعته بتجهيز الجيش إلى أهل الردة وإصبائه(٦) على ذلك(٧) .

وهذا تعلق واه إذ هو قار(٨) والجيش هو المصادم وعدة أولئك بالأخلق القلة وعدة الجيش بالكثرة فأين البسالة الباهرة الراجحة على

__________________

وجهه ونسبه، وأنهم لخلقاء أن يخذلوك - والقوم سكوت - فغضب أبو بكر وقال: امصص بظر اللات، انحن نخذله؟ قال عروة: أما والله لو لا يدلك عندي لأجبتك » أنظر العثمانية: ٦٤.

(١) في الهامش: للمصنف جزاه الله أفضل الجزاء.

(٢) ق: سارح.

(٣) ن: من خوض ملتطم الحضوف ( كذا ) لضيغم وترى الفرار - منزها عن عار.

(٤) لا يوجد هذا البيت في: ن.

(٥) ن: النظار.

(٦) اصبأ القوم: هجم عليهم ( المنجد ).

(٧) العثمانية: ٦٥.

(٨) ن: فار.

١٥٩

شجاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام من هذا.

وتعلق في شجاعته بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله على ميمنته يوم حنين ولم يذكر أن علياعليه‌السلام ثبت وذكر أن أبا بكر ثبت في موضعه(١) .

والذي يقال على هذا إنا لا نعرف ثبوت ما قال وقد حكينا ما جرت عليه الحال في وقعة هوازن وهي وقعة يوم حنين من طريق المفضل بن سلمة ولو ثبت فما عرفنا للمشار إليه قتيلا ولو ثبت فما ذهب أحد إلى أن المشار إليه رضوان الله عليه ما كان بمقام من لا يحضر حربا ولا يقف في صف حتى يتوجه الطعن بما قال بل هو في مقام المفاخرة بينه في النجدة وبين أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولا نسبة بين نجدة أمير المؤمنين وصورة ما أشار إليه بل المروي(٢) أن أمير المؤمنينعليه‌السلام كان من الثابتين المحاربين الصابرين المصاولين.

وذكر مخاطبة أبي بكر رسول الله في أسرى بدر وإشارته بأخذ الفدية(٣) .

وروى الثعلبي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال(٤) في سياق حديث أبكي للذي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله(٥) .

وذكر شيئا لا نعرفه وإذا فتح تصديق الخصم أعضل على الفريقين.

__________________

(١) العثمانية: ٦٦.

(٢) ج ون: عن.

(٣) العثمانية: ٦٧ - ٦٨.

(٤) لا توجد في: ن.

(٥) الكشف والبيان: مخطوط.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

أمّا ما هو المقصود من «أزواج» هنا ، فللمفسّرين أقوال كثيرة.

ما هو مسلّم به أنّ «أزواج» جمع «زوج» عادة ، تطلق على الذكر والأنثى من أي نوع ، سواء كان ذلك في عالم الحيوان أو في غيره ، ثمّ شمل المعنى كلّ إثنين يقترنان مع بعضهما البعض أو حتّى إذا تضادّا ، حتّى الغرفتين المتشابهتين في البيت يقال لهما زوج ، ودفّتي الباب وهكذا ، فالمتصوّر أنّ لكلّ مخلوق زوج.

على كلّ حال فليس من المستبعد أن يكون المعنى المقصود هنا هو المعنى الخاصّ ، أي جنس المذكر والمؤنث ، والقرآن الكريم يخبر من خلال هذه الآية عن وجود ظاهرة الزوجية في جميع عوالم النبات والإنسان والموجودات الاخرى التي لم يطّلع عليها البشر.

هذه الموجودات يمكن أن تكون النباتات التي لم تحدّد سعة دائرة الزوجية فيها حتّى الآن. أو إشارة إلى الحيوانات التي تعيش في أعماق البحار ، وهذه الحقيقة لم تعرف سابقا ، وما عرف منها في العصر الحاضر إلّا جانب يسير.

أو أنّها إشارة إلى موجودات اخرى تقطن كواكب اخرى في هذا الكون المترامي. أو موجودات حيّة لا ترى بالعين المجرّدة ، وإن كان العلماء في وقتنا الحاضر يشيرون إلى أنّ ليس في تلك الموجودات الحيّة ذكر وأنثى ، ولكن عالم هذه الموجودات الحيّة غامض ومعقّد إلى درجة أنّ العلم البشري حتّى الآن لم يلج كلّ غوامضها ومكنوناتها.

وحتّى وجود الزوجية في عالم النبات ـ كما قلنا ـ لم يكن معلوما منها في عصر نزول القرآن سوى بعض الحالات المحدودة كما في النخل وأمثاله ، وقد كشف القرآن الكريم الستار عن ذلك كلّه ، وقد ثبت أخيرا من البحوث العلمية أنّ الزوجية قضيّة عامّة وشاملة في عالم النبات.

كذلك احتمل أيضا أن تكون قضيّة الزوجية هنا إشارة إلى وجود البروتونات الموجبة والالكترونات السالبة في الذرّة التي تعتبر الأساس في تشكيل كلّ

١٨١

الموجودات في عالم المادّة ولم يكن الإنسان مطّلعا على هذه الحقيقة والزوجية قبل تفجير الذرّة ، ولكن بعد ذلك ثبت علميا وجود الأزواج السالبة والموجبة في نواة الذرّة والالكترونات التي تدور حولها.

البعض اعتبر «الزوجية» هنا إشارة إلى تركيب الأشياء من «مادّة» و «صورة» أو «جوهر» و «عرض» ، والبعض الآخر قالوا : إنّها كناية عن «الأصناف والأنواع المختلفة» للنباتات والبشر والحيوانات وسائر موجودات العالم.

ولكن الواضح أنّه حينما نستطيع حمل هذه الألفاظ على المعنى الحقيقي (جنس المذكّر والمؤنّث) ولا نجد قرينة على خلاف ذلك ، فلا داعي لأن نبحث بعد ذلك عن المعاني الكناية ، وكما لا حظنا فإنّ هناك عدّة تفاسير جميلة للزوجية بالمعنى الحقيقي لها.

وعلى كلّ حال ، فإنّ هذه الآية واحدة من الآيات التي توضّح محدودية علم الإنسان ، وتدلّل على أنّ هناك الكثير من الحقائق الخافية علينا وعن معلوماتنا حتّى الآن.

* * *

١٨٢

الآيات

( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) )

التّفسير

هذه الآيات تتحدّث في قسم آخر من آثار عظمة الله في عالم الوجود ، وحلقة اخرى من حلقات التوحيد التي مرّ منها في الآيات السابقة ما يتعلّق بالمعاد وإحياء الأرض الميتة ، ونمو النباتات والأشجار.

تقول الآية الكريمة الاولى( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) .

«نسلخ» من مادّة (سلخ) وتعني في الأصل نزع جلد الحيوان ، والتعبير في الآية تعبير لطيف ، فكأنّ نور النهار لباس أبيض ألبسه جسد الليل ، ينزع عنه إذا حلّ الغروب ليبدو لونه الذاتي ، والتأمّل في هذا التعبير يوضّح هذه الحقيقة ، وهي أنّ الظلام هو الطبيعة الأصل للكرة الأرضية ، وأنّ النور والإضاءة صفة عارضة عليها

١٨٣

تأتيها من مصدر آخر ، فهو كاللباس الذي يرتدى ، وحينما يخلع ذلك الثوب ، يظهر اللون الطبيعي للبدن(١) .

هنا يشير القرآن الكريم إلى ظلمة الليل ، وكأنّه يريد ـ بعد أن تعرّض إلى كيفية إحياء الأرض الميتة كآية من آيات الله في الآيات السابقة ـ أن يعرض نموذجا عن الموت بعد الحياة من خلال مسألة تبديل النور بظلمة الليل.

على كلّ حال ، فعند ما يستغرق الإنسان في ظلمة الليل ، ويتذكّر النور وبركاته ونشاطه ومنبعه يتعرّف ـ بتأمّل يسير ـ على خالق النور والظلام.

الآية التي بعدها تتعرّض إلى النور والإضاءة وتذكر الشمس فتقول :( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ) (٢) .

هذه الآية تبيّن بوضوح حركة الشمس بشكل مستمر ، أمّا ما هو المقصود من تلك الحركة؟ فللمفسّرين أقوال متعدّدة :

قال بعضهم : إنّ ذلك إشارة إلى حركة الشمس الظاهرية حول الأرض ، تلك الحركة التي ستستمر إلى آخر عمر العالم الذي هو نهاية عمر الشمس ذاتها.

وقال آخرون : إنّه إشارة إلى ميل الشمس في الصيف والشتاء نحو الشمال والجنوب على التوالي ، لأنّنا نعلم بأنّ الشمس تميل عن خطّ اعتدالها في بدء الربيع بطرف الشمال ، لتدخل في مدار (٢٣) درجة شمالا ، وتعود مع بدء الصيف قليلا قليلا حتّى تنتهي إلى خطّ اعتدالها عند بداية الخريف وتستمر على خطّ سيرها ذلك باتّجاه الجنوب حتّى بدء الشتاء ، ومن بدء الشتاء تتحرّك باتّجاه خطّ

__________________

(١) الراغب في «المفردات» يقول : السلخ نزع جلد الحيوان ، يقال سلخته فانسلخ ، وعنه استعير سلخت درعه نزعتها ، وسلخ الشهر وانسلخ ، ولكن بعض المفسّرين يقولون : إنّ ذلك في حالة تعدّي «سلخ» بحرف الجرّ «عن» وإذا تعدّى بالحرف «من» يكون بمعنى الإخراج ، ولكن ليس من دليل واضح في كتب اللغة على هذا التفاوت ـ على ما نعلم ـ وإن كان «لسان العرب» يقول : «انسلخ النهار من الليل خرج منه خروجا» والظاهر أنّ هذا مأخوذ من المعنى الأوّل.

(٢) هذه الجملة لها إعرابان ، فإمّا أن تكون معطوفة على «الليل» والتقدير «وآية لهم الشمس» ، وإمّا أن تكون مبتدأ وخبر ، فالشمس مبتدأ و (تجري) خبر ، وقد اخترنا الإعراب الأوّل.

١٨٤

اعتدالها حتّى تبلغ ذلك عند بدء الربيع. وبديهي أنّ جميع تلك الحركات في الواقع ناجمة عن حركة الأرض حول الشمس وانحرافها عن خطّ مدارها ، وان كانت ظاهرا تبدو وكأنّها حركة الشمس.

وآخرون اعتبروا الآية إشارة إلى حركة الشمس الموضعية بالدوران حول نفسها ، حيث أثبتت دراسات العلماء بشكل قطعي أنّ الشمس تدور حول نفسها(١) .

وآخر وأحدث التفاسير التي ظهرت بخصوص هذه الآية ، هو ما كشفه العلماء أخيرا من حركة الشمس مع منظومتها باتّجاه معيّن ضمن المجرة التي تكون المجموعة الشمسية جزءا منها ، وقيل أنّ حركتها باتّجاه نجم بعيد جدّا أطلقوا عليه اسم «وجا».

كلّ هذه المعاني المشار إليها لا تتضارب فيما بينها ، ويمكن أن تكون جملة «تجري» إشارة إلى جميع تلك المعاني ومعاني اخرى لم يصل العلم إلى كشفها ، وسوف يتمّ كشفها في المستقبل.

وعلى كلّ حال ، فإنّ حركة كوكب الشمس الذي يعادل مليون ومائتي الف مرّة حجم الأرض ، بحركة دقيقة ومنظمة في هذا الفضاء اللامتناهي ، ليس مقدورا لغير الله سبحانه الذي تفوق قدرته كلّ قدرة وبعلمه اللامتناهي ، لذا فإنّ الآية تضيف في آخرها( ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .

أمّا آخر ما قيل في تفسير هذه الآية فهو أنّ تعبير الآية يشير إلى نظام السنّة الشمسية الناشئ عن حركة الشمس عبر الأبراج المختلفة ، ذلك النظام الذي يعطي لحياة الإنسان نظاما وبرنامجا معيّنا يؤدّي إلى تنظيم حياته من مختلف النواحي.

لذا فإنّ الآية التالية تتحدّث عن حركة القمر ومنازلة التي تؤدّي إلى تنظيم أيّام

__________________

(١) طبق هذا التّفسير فإنّ (اللام) في «لمستقر لها» بمعنى «في» ويكون التقدير «في مستقر لها».

١٨٥

الشهر ، وذلك لأجل تكميل البحث السابق ، فتقول الآية :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) .

المقصود بـ (المنازل) تلك المستويات الثمانية والعشرون التي يطويها القمر قبل الدخول في «المحاق» والظلام المطلق. لأنّ القمر يمكن رؤيته في السماء إلى اليوم الثامن والعشرين ، ولكنّه يكون في ذلك اليوم هلالا ضعيفا مائلا لونه إلى الاصفرار ، ويكون نوره قليلا وشعاعه ضعيفا جدّا ، وفي الليلتين الباقيتين من الثلاثين يوما تنعدم رؤيته تماما ويقال : إنّه في دور (المحاق) ، ذلك إذا كان الشهر ثلاثين يوما ، أمّا إذا كان تسعة وعشرين يوما ، فإنّ نفس هذا الترتيب سيبدأ من الليلة السابعة والعشرين ليدخل بعدها القمر في (المحاق).

تلك المنازل محسوبة بدقّة كاملة ، بحيث أنّ المنجّمين منذ مئات السنين يستطيعون أن يتوقّعوا تلك المنازل ضمن حساباتهم الدقيقة.

هذا النظام العجيب ينظّم حياة الإنسان من جهة ، ومن جهة اخرى فهو تقويم سماوي طبيعي لا يحتاج إلى تعلّم القراءة والكتابة لمتابعته. بحيث أنّ أيّ إنسان يستطيع بقليل من الدقّة والدراية في أوضاع القمر خلال الليالي المختلفة يستطيع بنظرة واحدة أن يحدّد بدقّة أو بشكل تقريبي أيّة ليلة هو فيها.

ففي الليلة الاولى يظهر الهلال الضعيف وطرفاه إلى الأعلى ، ويزداد حجمه ليلة بعد ليلة حتّى الليلة السابعة حيث تكتمل نصف دائرة القمر ، ثمّ تستمر الزيادة حتّى تكتمل الدائرة الكاملة للقمر في الليلة الرابعة عشرة ويسمّى حينئذ «بدرا». ثمّ يبدأ بالتناقص تدريجيا حتّى الليلة الثامنة والعشرين حيث يصبح هلالا باهتا يشير طرفاه إلى الأسفل.

نعم ، فإنّ النظم يشكّل أساس حياة الإنسان ، والنظم بدون التعيين الدقيق للزمن ليس ممكنا ، لذا فإنّ الله سبحانه وتعالى قد وضع لنا هذا التقويم الدقيق للشهور والسنين في كبد السماء.

١٨٦

بعد استعراضنا لأشكال القمر ومنازله يتّضح تماما معنى الجملة التالية( حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (١) .

وفي الحقيقة فإنّ الشبه بين العرجون والهلال من جوانب عديدة : من ناحية الشكل الهلالي ، ومن ناحية اللون الأصفر ، والذبول ، وإشارة الأطراف إلى الأسفل ، وكونه في وسط دائرة مظلمة تكون في حالة العرجون منسوبة إلى سعف النخل الأخضر ، وبالنسبة للهلال منسوبة إلى السماء المظلمة.

والوصف بـ (القديم) إشارة إلى كون العرجون عتيقا ، فكلّما مرّ عليه زمن وتقادم أكثر أصبح ضعيفا وذابلا واصفّر لونه وأصبح يشبه الهلال كثيرا قبل دخوله المحاق.

وسبحان الله فقد تضمّن تعبير واحد قصير كلّ تلك الظرافة والجمال؟

الآية الأخيرة من هذه الآيات ، تتحدّث عن ثبات ودوام ذلك النظم في السنين والشهور ، والنهار والليل ، فقد وضع الله سبحانه وتعالى لها نظاما وبرنامجا لا يقع بسببه أدنى اضطراب أو اختلال في وضعها وحركتها ، وبذا ثبت تاريخ البشر وانتظم بشكل كامل ، تقول الآية :( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) .

من المعلوم أنّ الشمس تطوي في دورانها خلال العام الأبراج الإثني عشر ، في حين أنّ القمر يطوي منازله خلال شهر واحد ، وعليه فحركة القمر أسرع من حركة الشمس في مدارها اثنتي عشرة مرّة ، لذا فإنّ الآية تقول بأنّ الشمس بحركتها لا يمكنها أن تدرك القمر في حركته فتقطع في شهر واحد ما تقطعه في سنة واحدة. وبذا يختلّ النظام السنوي لها.

__________________

(١) «عرجون» كما قال أغلب المفسّرين وأهل اللغة : من الانعراج وهو الاعوجاج والانعطاف ، وعليه فالنون زائدة وهو على وزن فعلون ، ويعتقد آخرون أنّه مأخوذ من «عرجن» فالنون ليست زائدة ، وبمعنى : أصل عنقود الرطب المتّصل بالنخلة ، وتوضيح ذلك أنّ الرطب يظهر على شكل عنقود من النخلة ، وأصل ذلك العنقود يكون على شكل مقوّس أصفر اللون يبقى معلّقا في النخلة ، و «قديم» : بمعنى العتيق الذي مضى زمنه.

١٨٧

كما أنّ الليل لا يتقدّم على النهار ، بحيث يدخل جزء منه في النهار ، فيختلّ النظام الموجود ، بل إنّهما ـ على مدى ملايين السنين ـ ثابتان على مسيرهما دون أدنى تغيير.

يتّضح ممّا قلنا أنّ المقصود من حركة الشمس في هذا البحث ، هي الحركة بحسب حسّنا بها ، والملفت للنظر هنا ، هو أنّ هذا التعبير عن حركة الشمس ظلّ يستعمل حتّى بعد أن ثبت للجميع بأنّ الشمس هي المركز الثابت لحركة الأرض حولها ، فمثلا يقال : إنّ الشمس قد تحوّلت إلى برج الحمل ، أو يقال : وصلت الشمس إلى دائرة نصف النهار ، أو أنّ الشمس بلغت الميل الكامل (الميل الكامل هو بلوغ الشمس إلى أقصى نقطة ارتفاع لها في نصف الكرة الأرضية الشمالي في بداية الصيف أو بالعكس أدنى نقطة انخفاض في بداية الشتاء).

هذه التعبيرات تدلّل دوما على أنّه حتّى بعد أن تمّ الكشف عن دوران الأرض حول الشمس وثبات الأخيرة ظلّت تستخدم ، لأنّ النظر الحسّي يستشعر حركة الشمس وثبات الأرض ، ومن هنا تستعمل هذه التعبيرات ، وعلى هذا أيضا يكون قوله تعالى :( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) .

كذلك يحتمل أن يكون المقصود من (السباحة) هنا حركة الشمس في فلكها مع المنظومة الشمسية والمجرّة التي نحن فيها ، حيث أنّ الثابت علميا حاليا أنّ المنظومة الشمسية التي نعيش فيها جزء من مجرّة عظيمة هي بدورها في حالة دوران. إذ أنّ «فلك» كما يقول أرباب اللغة بمعنى : بروز واستدارة ثدي البنت ، ثمّ أطلقت على القطعة المدوّرة من الأرض أو الأشياء المدوّرة الاخرى أيضا ، ومنه اطلق على مسير الكواكب الدوراني.

جملة( كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) في إعتقاد الكثير من المفسّرين ، إشارة إلى كلّ من الشمس والقمر والنجوم الاخرى التي تتّخذ لنفسها مسارات ومدارات ، وإن لم يرد ذكر النجوم في الآية ، ولكن بملاحظة ذكر «الليل» واقتران ذكر النجوم مع

١٨٨

القمر والشمس ، لا يستبعد المعنى المذكور ، خاصّة وأنّ «يسبّحون» ورد بصيغة الجمع.

وكذلك يحتمل أن تكون الجملة إشارة إلى كلّ من الشمس والقمر والليل والنهار ، لأنّ كلا من الليل والنهار له مدار خاص ، ويدور حول الأرض بدقّة ، فالظلام يغطّي نصف الكرة الأرضية دوما ، والنور يغطّي النصف الآخر منها ، وهما يتبادلان المواضع خلال أربع وعشرين ساعة ويتمّان دورة كاملة حول الأرض.

«يسبّحون» من مادة «سباحة» وهي كما يقول «الراغب» في المفردات : المرّ السريع في الماء والهواء. واستعير لحركة النجوم في الفلك والتسبيح تنزيه الله تعالى ، وأصله المرّ السريع في عبادة الله!» ولذا فإنّها في الآية إشارة إلى الحركة السريعة للأجرام السماوية ، والآية تشبهها بالموجودات العاقلة المستمرة في دورانها ، وقد ثبت حاليا أنّ الأجرام السماوية تنطلق بسرعة هائلة في الفضاء.

* * *

بحوث

١ ـ حركة الشمس (الدورانية) و (الجريانية)

«الدوران» لغة يطلق على الحركة المغزلية ، في حال أنّ «الجريان» يطلق على الحركة الطولية ، والملفت للنظر أنّ الآيات أعلاه ، نسبت الحركتين إلى الشمس ، فقالت :( وَالشَّمْسُ تَجْرِي ) و( كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) .

كانت المحافل العلمية أيّام نزول الآية متمسّكة بنظرية «بطليموس» التي كانت تقول بأنّ الأجرام السماوية ليس فيها حركة دورانية ، بل إنّ باطن الأفلاك التي تتكوّن من أجسام بلّورية متراكمة على بعضها البعض كتراكم طبقات البصلة وثابتة ، وحركتها تتبع حركة أفلاكها ، وعليه فلم يكن في تلك الأيّام معنى لا لجريان الشمس ولا غيره.

١٨٩

أمّا بعد أن تداعت الاسس التي تقوم عليها فرضية بطليموس في ضوء الاكتشافات الجديدة في القرون الأخيرة ، وتحرّرت الأجرام السماوية من قيد الأفلاك البلورية ، فقد قويت نظرية كون الشمس هي مركز المنظومة الشمسية ، وهي ثابتة وجميع المنظومة الشمسية تدور حولها.

هنا أيضا لم تكن تعبيرات الآيات أعلاه مفهومة فيما يتعلّق بحركة الشمس الطولية والدورانية حتّى أثبت العلم بتطوّره عدّة حركات للشمس في العقود الأخيرة. وهي :

حركة الشمس الموضعية حول نفسها.

حركة الشمس الطولية مع المنظومة الشمسية باتّجاه نقطة محدّدة في السماء.

وحركتها الدورانية مع المجرّة التي تتبعها وبذا ثبتت معجزة علمية اخرى للقرآن.

ولتوضيح هذه المسألة نورد ما ورد في إحدى دوائر المعارف حول حركة الشمس :

للشمس حركة ظاهرية واخرى واقعية ، وتشترك الشمس في الحركة الظاهرية ـ اليومية ـ فهي تشرق من مشرق نصف الكرة الأرضي الذي نعيش فيه ، وتمرّ في طرف الجنوب من نصف النهار ثمّ تغرب من المغرب ، وعبورها من نصف النهار يشخّص الظهر الحقيقي ـ الزوال ـ.

وللشمس أيضا حركة ظاهرية اخرى ـ سنوية ـ حول الأرض بحيث أنّها تقترب من المشرق درجة واحدة كلّ يوم ، وفي هذه الحركة تمرّ الشمس مقابل الأبراج مرّة واحدة كلّ عام ، ومدار هذه الحركة يقع على صفحة «دائرة البروج» ولهذه الحركة أهميّة عظمى في علم الفلك ، فظاهرة «الاعتدالين» و «الانقلاب» و «الميل الكلّي» كلّها مرتبطة بهذا العلم ، وعلى أساس ذلك يحسب العام الشمسي.

علاوة على هذه الحركات الظاهرية فإنّ للشمس حركة دورانية في المجرّة ،

١٩٠

فالشمس تنطلق بسرعة دورانية في الفضاء تعادل مليون ومائة وثلاثين ألف كيلومتر في الساعة!! وفي داخل المجرّة فهي ليست ثابتة أيضا ، بل إنّها أيضا تدور بسرعة تقارب إثنين وسبعين الف كيلومتر في الساعة ضمن المجموعة النجمية المسمّاة «الجاثي على ركبتيه»(١) .

وعدم علمنا بتلك الحركة السريعة للشمس هو بعد الأجرام السماوية ، والذي هو المانع من تشخيص تلك الحركة الموضعية أيضا.

دورة الحركة الوضعية للشمس على محورها تستغرق حدود الخمسة وعشرين يوما بلياليها(٢) .

٢ ـ تعبير «تدرك» و «سابق»

إنّ التعبيرات القرآنية استعملت بدقّة متناهية لا يمكن الإحاطة بجميع أبعادها. ففي الآيات أعلاه حينما تتحدّث عن الحركة الظاهرية للقمر والشمس خلال المسيرة الشهرية والسنوية تقول :( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) . إذ أنّ القمر ينهي مسيرته في شهر واحد بينما الشمس في عام كامل.

أمّا حينما تحدّثت عن الليل والنهار قالت :( وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ) لعدم وجود فاصلة بينهما ولتعاقبهما. فالتعابير غاية في الدقّة.

٣ ـ نظام النور والظلام في حياة البشر :

تعرّضت الآيات أعلاه إلى موضوعين من أهمّ المواضيع المتعلّقة بحياة البشر.

__________________

(١) «الجاثي على ركبتيه» : مجموعة من النجوم التي تتشاكل فيما بينها لترسم صورة شخص جاث على ركبتيه ، ومنه أخذت التسمية.

(٢) أي أنّ الشمس في كلّ خمس وعشرين يوما من أيّامنا تدور دورة واحدة حول نفسها ، وقد شخصت هذه المسألة من مراقبة العلماء للبقع الموجودة على سطح الشمس ، فقد لوحظ أنّها تتبادل مواقعها ثمّ تعود كما كانت خلال هذه المدّة.

١٩١

على أنّهما آيتان من آيات الله وهما مسألة ظلمة الليل ومسألة الشمس ونورها.

قلنا سابقا أنّ النور من ألطف وأكثر موجودات العالم المادّي بركة. وليس لإضاءتنا ومعيشتنا فقط فكلّ حركة ونشاط مرتبط بنور الشمس ، نزول قطرات المطر ، نمو النباتات ، تفتّح البراعم ، نضوج الثمار والفواكه ، خرير الجداول ، تلوين مائدة الطعام بأنواع المواد الغذائية ، وحتّى حركة عجلة المصانع العظيمة ، وتوليد الطاقة الكهربائية ، وأنواع المنتجات الصناعية ، كلّها تعود في أصلها إلى هذا المنبع العظيم للطاقة ، أي نور الشمس.

وخلاصة القول فإنّ جميع الطاقات على سطح الكرة الأرضية ـ عدا الطاقة الناجمة عن تفجير الذرّة ـ جميعها تستمدّ وجودها من نور الشمس ، ولو لا الأخير لخيّم الصمت والموت على كلّ مكان.

ظلمة الليل مع أنّها تذكر بالموت والفناء ، فإنّها تعدّ من الأمور الحياتية الهامّة في حياة البشر ، لأنّها تعدل نور الشمس وتؤثّر عميقا في راحة جسم وروح الإنسان ، والمنع من المخاطر الناجمة عن تسلّط أشعّة الشمس بشكل متواصل ومستمر ، بحيث لو لم يكن الليل عقيب النهار لارتفعت درجة الحرارة على سطح الأرض إلى درجة أنّ الأشياء جميعا تأخذ بالاشتعال والاحتراق ، كذلك في القمر حيث الليالي والأيّام طويلة (كلّ ليلة هناك تعادل حوالي خمسة عشر يوما بلياليها على الأرض ، كذلك الحال بالنسبة للنهار) فحرارة النهار قاتلة ، وبرودة مجمّدة.

وعليه فإنّ كلا من «النور والظلام» آية إلهية عظيمة.

ناهيك عن أنّ النظام المتناهي الدقّة الذي يحكمهما ، أدّى إلى تنظيم تأريخ حياة البشر ، ذلك التأريخ الذي لو لا وجوده لتفتتت الروابط الاجتماعية ، وأصبحت الحياة بالنسبة إلى البشر أشبه بالمستحيل ، وبذا فإنّ كلا من «النور والظلام» آيتان إلهيتان من هذه الناحية أيضا.

والملفت للنظر هنا هو قول القرآن الكريم :( وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ) . وهذا

١٩٢

التعبير يدلّل على أنّ النهار خلق قبل الليل ، والليل بعده تماما ، فلو أنّ أحدا نظر من خارج الكرة الأرضية فسيرى موجودين أسود وأبيض يدوران بشكل مرتّب حول الأرض ، وفي مثل هذه الحركة الدائرية لا يمكن تصوّر القبل والبعد فيها.

ولكن إذا أخذنا بنظر الإعتبار أنّ الأرض التي نعيش عليها كانت يوما ما جزءا من الشمس ، وفي ذلك الوقت لم يكن سوى النهار ، ولا وجود لليل ، ثمّ بعد أن انفصلت الكرة الأرضية عن الشمس وابتعدت تكون لها ظلّ مخروطي الشكل من الجهة المخالفة للشمس فكأنّ الليل ، الليل الذي أصبحت حركته بعد النهار ، نعم ، لو توجّهنا لكلّ ذلك لاتّضحت دقّة ولطافة هذا التعبير.

وكما قلنا سابقا فليس الشمس والقمر وحدهما يسبحان في هذا الفضاء المترامي ، بل إنّ الليل والنهار أيضا يسبحان حول الكرة الأرضية ، وكلّ منهما له مدار ومسير دائري.

وقد ورد في روايات متعدّدة عن أهل البيتعليهم‌السلام التصريح بأنّ الله سبحانه وتعالى خلق النهار قبل الليل. فعن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال جوابا على سؤال في حديث طويل: «نعم خلق النهار قبل الليل ، والشمس والقمر والأرض قبل السماء»(١) .

وعن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه قال : «فالنهار خلق قبل الليل وفي قوله تعالى :( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ) أي قد سبقه النهار»(٢) .

وورد نفس المعنى عن الإمام الباقرعليه‌السلام حين قال : «إنّ اللهعزوجل خلق الشمس قبل القمر ، وخلق النور قبل الظلمة»(٣) .

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٣٨٧ ، ح ٥٥.

(٢) نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٣٨٧ ، ح ٥٣.

(٣) نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٣٨٧ ، ح ٥٤.

١٩٣

الآيات

( وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) )

التّفسير

حركة السفن في البحار آية إلهيّة :

رغم أنّ بعض المفسّرين أمثال القرطبي اعتبر الآية الاولى من هذه الآيات من أعقد وأصعب آيات هذه السورة ، إلّا أنّه وبتدقيق النظر في هذه الآيات وربطها بالآيات السابقة ، يتّضح أن ليس هناك تعقيد في هذه الآيات ، لأنّ الآيات السابقة تحدّثت عن دلالة قدرة الباريعزوجل في خلق الشمس والقمر والليل والنهار وكذلك الأرض وبركاتها ، وفي هذه الآيات التي أمامنا يتحدّث الباريعزوجل عن البحار وقسم من بركات ونعم ومواهب البحار ، يعني حركة السفن التجارية والسياحية على سطحها.

علاوة على أنّ حركة السفن في خضمّ المحيطات ليست بعيدة في الشبه عن حركة الكواكب السماوية في خضمّ المحيط الفضائي.

١٩٤

لذا فإنّ الآيات الكريمة تقول أوّلا :( وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ) .

الضمير «لهم» لا يعود فقط على مشركي مكّة ، بل على جميع العباد الذين أشارت لهم الآيات السابقة.

«ذرّية» : كما يقول الراغب في مفرداته ، أصلها الصغار من الأولاد ، وإن كان يقع على الصغار والكبار معا عرفا ، ويستعمل للواحد والجمع.

وما تذكره الآية من حمل ذريّاتهم وليس هم ربّما لأنّ الأولاد هم أكثر حاجة لركوب مثل ذلك المركب السريع ، بلحاظ أنّ الكبار أكثر استعدادا للسير على سواحل البحار وطي الطريق من هناك!!

فضلا عن أنّ هذا التعبير أنسب لتحريك عواطفهم.

«مشحون» أي مملوء ، إشارة إلى أنّ السفن لا تحملهم هم فقط ، بل أموالهم وتجارتهم وأمتعتهم وما أهمّهم أيضا.

وما قاله البعض من أن «الفلك» إشارة إلى سفينة نوح ، و «ذريّة» بمعنى الآباء من مادّة «ذرأ» بمعنى خلق ، فيبدو بعيدا ، إلّا إذا كان من قبيل ذكر المصداق البارز.

على كلّ حال فإنّ حركة السفن والبواخر التي هي من أهمّ وأضخم وسائل الحمل والنقل البشري ، وما يمكنها إنجازه يعادل آلاف الأضعاف لما تستطيعه المركّبات الاخرى ، كلّ ذلك ناجم عن خصائص الماء ووزن الأجسام التي تصنع منها السفن ، والطاقة التي تحرّكها ، سواء كانت الريح أو البخار أو الطاقة النووية.

وكلّ هذه القوى والطاقات التي سخّرها الله للإنسان ، كلّ واحدة منها وكلّها معا آية من آيات الله سبحانه وتعالى.

ولكي لا يتوهّم أنّ المركّب الذي أعطاه الله للإنسان هو السفينة فقط ، تضيف الآية التالية قائلة :( وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ ) .

المراكب التي تسير على الأرض ، أو في الهواء وتحمّل البشر وأثقالهم.

١٩٥

ومع أنّ البعض فسّر هذه الآية بخصوص «الجمل» الذي لقّب بـ «سفينة الصحراء» ، والبعض الآخر ذهب إلى شمولية الآية لجميع الحيوانات ، والبعض فسّرها بالطائرات والسفن الفضائية التي اخترعت في عصرنا الحالي تعبير «خلقنا» يشملها بلحاظ أنّ موادّها ووسائل صنعها خلقت مسبقا) ولكن إطلاق تعبير الآية يعطي مفهوما واسعا يشمل جميع ما ذكر وكثيرا غيره.

في بعض آيات القرآن الكريم ورد مرارا الاقتران بين «الأنعام» و «الفلك» مثل قوله تعالى :( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ ) زخرف ـ ١٢ ، وكذلك قوله تعالى :( وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ) المؤمن ـ ٨٠.

ولكن هذه الآيات أيضا لا تنافي عمومية مفهوم الآية مورد البحث.

الآية التالية ـ لأجل توضيح هذه النعمة العظيمة ـ تتعرّض لذكر الحالة الناشئة من تغيير هذه النعمة فتقول :( وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ ) .

فنصدّر أمرنا لموجة عظيمة فتقلب سفنهم ، أو نأمر دوّامة بحرية واحدة ببلعهم ، أو يتقاذفهم الطوفان بموجة في كلّ اتّجاه بأمرنا ، وإذا أردنا فنستطيع بسلبنا خاصّية الماء ونظام هبوب الريح وهدوء البحر وغير ذلك أن نجعل الاضطراب صفة عامّة تؤدّي إلى تدمير كلّ شيء ، ولكنّنا نحفظ هذا النظام الموجود ليستفيدوا منه. وإذا وقعت بين الحين والحين حوادث من هذا القبيل فإنّ ذلك لينتبهوا إلى أهميّة هذه النعمة الغامرة.

«صريخ» من مادّة «صرخ» بمعنى الصياح. و «ينقذون» من مادّة «نقذ» بمعنى التخليص من ورطة.

وأخيرا تضيف الآية لتكمل الحديث فتقول :( إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ ) .

نعم فهم لا يستطيعون النجاة بأيّة وسيلة إلّا برحمتنا ولطفنا بهم.

«حين» بمعنى «وقت» وهي في الآية أعلاه إشارة إلى نهاية حياة الإنسان وحلول أجله ، وذهب البعض إلى أنّها تعني نهاية العالم بأسره.

١٩٦

نعم ، فالأشخاص الذين ركبوا السفن أيّا كان نوعها وحجمها يدركون عمق معنى هذه الآية ، فإنّ أعظم السفن في العالم تكون كالقشّة حيال الأمواج البحرية الهائلة أو الطوفانات المفجعة للمحيطات ، ولو لا شمول الرحمة الإلهية فلا سبيل إلى نجاة أحد منهم إطلاقا.

يريد الله سبحانه وتعالى بذلك الخيط الرفيع بين الموت والحياة أن يظهر قدرته العظيمة للإنسان ، فلعلّ الضالّين عن سبيل الحقّ يعودون إلى الحقّ ويتوجّهون إلى الله ويسلكون هذا الطريق.

* * *

١٩٧

الآيات

( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) )

التّفسير

الإعراض عن جميع آيات الله :

بعد أن كان الحديث في الآيات السابقة عن الآيات الإلهيّة في عالم الوجود ، تنتقل هذه الآيات لتتحدّث عن ردّ فعل الكفّار المعاندين في مواجهة هذه الآيات الإلهيّة ، وكذلك توضّح دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم وإنذارهم بالعذاب الإلهي الأليم.

يفتتح هذا المقطع بالقول :( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (١) .

__________________

(١) «وإذا قيل لهم ...» جملة شرطية ، وجزاؤها محذوف يستفاد من الآية اللاحقة ، والتقدير : «وإذا قيل لهم اتّقوا أعرضوا عنه».

١٩٨

للمفسّرين أقوال عديدة حول ما هو معنى قوله :( ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ) و( ما خَلْفَكُمْ ) منها : أنّ المقصود بـ «ما بين أيديكم» العقوبات الدنيوية التي أوردت الآيات السابقة نماذج منها ، والمقصود بـ «ما خلفكم» عقوبات الآخرة ، وكأنّه يراد القول بأنّها خلفهم ولم تأت إليهم وسوف تصل إليهم في يوم ما وتحيط بهم ، والمقصود بـ «التقوى» من هذه العقوبات ، هو عدم إيجاد العوامل التي تؤدّي إلى وقوع هذه العقوبات ، والدليل على ذلك أنّ التعبير بـ «اتّقوا» يرد في القرآن إمّا عند ذكر الله سبحانه وتعالى أو عند ذكر يوم القيامة والعقوبات الإلهيّة ، وهذان الذكران وجهان لحقيقة واحدة ، إذن أنّ الاتّقاء من الله هو اتّقاء من عقوباته.

وذلك دليل على أنّ الآية تشير إلى الاتقاء من عذاب الله ومجازاته في الدنيا وفي الآخرة.

ومن هذه التّفسيرات أيضا عكس ما ورد في التّفسير الأوّل ، وهو أنّ «ما بين أيديكم» تعني عقوبات الآخرة و «ما خلفكم» تعني عذاب الدنيا ، لأنّ الآخرة أمامنا (وهذا التّفسير لا يختلف كثيرا عن الأوّل من حيث النتائج).

وذهب آخرون إلى أنّ المقصود من «بين أيديكم» الذنوب التي ارتكبت سابقا ، فتكون التقوى منها بالتوبة وجبران ما تلف بواسطتها ، و «ما خلفكم» الذنوب التي سترتكب لا حقا.

والبعض يرى بأنّ «بين أيديهم» الذنوب الظاهرة ، و «ما خلفكم» الذنوب الباطنة والخفيّة.

وقال البعض الآخر : «ما بين أيديكم» إشارة إلى أنواع العذاب في الدنيا ، و «ما خلفكم» إشارة إلى الموت (والحال أنّ الموت ليس ممّا يتّقى منه!!).

والبعض ـ كصاحب تفسير «في ظلال القرآن» ـ اعتبر هذين التعبيرين كناية عن إحاطة موجبات الغضب والعذاب الإلهي التي تحيط بالكافر من كلّ جانب.

و «الآلوسي» في «روح المعاني» و «الفخر الرازي» في «التّفسير الكبير» كلّ

١٩٩

منهما ذكر احتمالات متعدّدة ، ذكرنا قسما منها.

و «العلّامة الطباطبائي» في «الميزان» يرى أنّ «ما بين أيديكم» الشرك والمعاصي في الحياة الدنيا ، و «ما خلفكم» العذاب في الآخرة(١) . في حين أنّ ظاهر الآية هو أنّ كلا الإثنين من جنس واحد ، وليس بينهما سوى التفاوت الزمني ، لا أنّ إحداهما إشارة إلى الشرك والذنوب ، والاخرى إشارة إلى العقوبات الواقعة نتيجة ذلك.

على كلّ حال فأحسن تفسير لهذه الجملة هو ما ذكرناه أوّلا ، وآيات القرآن المختلفة شاهد على ذلك أيضا ، وهو أنّ المقصود من «ما بين أيديكم» هو عقوبات الدنيا و «ما خلفكم» عقوبا الآخرة.

الآية التالية تؤكّد نفس المعنى وتشير إلى لجاجة هؤلاء الكفّار وإعراضهم عن آيات الله وتعاليم الأنبياء ، تقول الآية الكريمة :( وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ ) .

فلا الآيات الأنفسية تؤثّر فيهم ، ولا الآفاقية ، ولا التهديد والإنذار ، ولا البشارة والتطمين بالرحمة الإلهيّة ، لا يتقبّلون منطق العقل ولا أمر العواطف والفطرة ، فهم مبتلون بالعمى الكلّي بحيث لا يتمكّنون حتّى من رؤية أقرب الأشياء إليهم ، وحتّى أنّهم لا يفرّقون بين ظلمة الليل وشمس الظهيرة.

ثمّ يشخّص القرآن الكريم أحد الموارد المهمّة لعنادهم وإعراضهم فيقول :( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

ذلك المنطق الضعيف الذي يتمسّك به الأنانيون والبخلاء في كلّ عصر وزمان ويقولون : إنّ فلانا أصبح فقيرا بسبب عمل ارتكبه وأدّى به إلى الفقر ، مثلما أنّنا أغنياء بسبب عمل عملنا فشملنا لطف الله ورحمته ، وعليه فليس فقره ولا غنانا

__________________

(١) الميزان ، المجلّد ١٧ ، الصفحة ٩٦ ، (ذيل الآيات مورد البحث).

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534