بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية11%

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية مؤلف:
المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 534

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184255 / تحميل: 7018
الحجم الحجم الحجم
بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وأقول إن غاش الإسلام لم يذكر مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام في الثابتين المجالدين وقد ذكر الشيخ الأجل الفاضل أبو البقاء هبة الله بن ناصر بن الحسين بن نصيررضي‌الله‌عنه (١) ما أنا حاكيه أو بعضه في هذه الحال قال:

إن المبارزين يوم بدر والصابرين يوم حنين لما ولى الناس مدبرين سبعة علي والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث وإخوان له ورجل من ولد الزبير بن عبد المطلب وكان ثامنهم أيمن ابن أم أيمن وهو أيمن بن عبيد وكانت أم أيمن مولاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسمها بركة واستشهد أيمن يومئذ.

ثم قال وقال قوم كان علي والعباس والفضل وعقيل وأبو سفيان وربيعة ابنا الحرث وأيمن وأسامة بن زيد وذكر أن عليا كان لازم الثنية يمنع القوم أن يجوزوا إليه وذكر شعر العباس(٢) في ذلك

__________________

(١) ذكره الأفندي في رياض العلماء في موضعين وقد اختلف في اسم جدّه فقد عبّر عنه في موضع:

السيد أبو البقاء هبة الله بن ناصر بن الحسين بن نصر وفي موضع آخر: الشيخ الرئيس أبو البقاء هبة الله بن ناصر بن نصير، ثم ذهب الى اتّحادهما.

وقال عنه انه كان من أكابر علماء الشيعة، وفي درجة الشيخ الطوسي وقبيله، وينقل عنه الشيخ ابو عليّ الطبرسي ويروي هو عن الشيخ أبي عبد الله محمد، بن هبة الله، بن جعفر الطرابلسي، عن الشيخ الطوسي. وقد روى عنه الحسين بن محمد بن طحّال بمشهد عليّ - عليه‌السلام - في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وأربعمائة على ما يظهر من كتاب ( المزار الكبير ) لمحمّد بن جعفر المشهدي.

انظر: رياض العلماء: ٥ / ٣١٤ و ٣١٦ وكذلك الثقات العيون في سادس القرون: ٣٣٣.

(٢) هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عمّ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله المتوفى ٣٢، وأما الأبيات فقد وردت في عدّة مصادر بشكل مختلف بسبب عدّها قتلى يوم حنين عشرة بدل ثمان وذلك باضافة عتبة ومعتّب ابني ابي لهب اليها فالأبيات حسب تلك المصادر كما يلي:

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة

وقد فرّ من فرّ عنه فاقشعوا

١٦١

و(١) سوف أذكر موضع الغرض منه إشارة(٢) إلى ذلك وهو(٣)

نصرنا رسول الله في الحرب سبعة

وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا

وثامننا لاقى الحمام بسيفه

لما مسه في الله لا يتوجع.

قال وفي رواية أنهم كانوا تسعة وسمى من روى ذلك السبعة المذكورين في الرواية الأولى وسمى معهم عتبة ومعتبا ابني أبي لهب واستشهد على ذلك بقول رجل من المسلمين(٤) :

لم يواس النبي غير بني هاشم

تحت السيوف يوم حنين

هرب الناس غير تسعة رهط

فهم يهتفون فالناس أين

ومضى أيمن شهيدا سعيدا

حائزا في الجنان قرة عين

و اعتبرت بعض المظان مما يرويه المفسرون من غيرنا فما(٥) رأيت

__________________

وقولي إذا ما الفضل كرّ بسيفه

على القوم اخرى يا بني ليرجعوا

وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه

لما ناله في الله لا يتوجع

راجع: مجمع البيان: ٥ / ١٨ والارشاد: ٧١ - ٧٦ وعنه البحار: ٢١ / ١٥٦.

(١) لا توجد في: ج وق.

(٢) ق وج: الاشارة.

(٣) لا توجد في: ق وج.

(٤) هو أبو موسى مالك بن عبادة الغافقي، لم اعثر على ترجمة وافية له غير انّه صحابيّ. انظر الاصابة: ٣ / ٣٤٧ و ٤ / ١٨٧.

والأبيات كما جاءت في ارشاد المفيد: ٧١ والبحار: ٢١ / ١٥٦ عنه هي:

لم يواس النّبي غير بني هاشم

عند السيوف يوم حنين

هرب الناس غير تسعة رهط

فهم يهتفون بالناس اين

ثمّ قاموا مع النبي على الموت

فاتوا زينا لنا غير شين

وسوى ايمن الأمين من القوم

شهيدا فاعتاض قرّة عين

(٥) ج وق: وما.

١٦٢

لمن أشار إليه ذكرا فيمن ثبت.

وذكر أن أبا سفيان دخل على أبي بكر رضوان الله عليه يستشفعه إلى رسول الله في زيادة الصلح فلم يفعل ثم أتى عمر ثم عثمان ثم فاطمة ثم عليا(١) وجعل صاحب الرسالة هذا برهان شرفه على غيره.

والذي يقال على هذا إنه بدأ بمن طمع في موافقته اعتبارا بشفاعته في أسارى بدر وأخذ الفدية منهم.

وجعل آخر من خاطبه أبعدهم عن موافقته لأن أبا سفيان صاحب رئاسة وانتقاد والحكمة قاضية بأن يدخل الإنسان من أسهل الأبواب وأيسر المطالب فإذا ضاق عليه الباب السهل وتعذر عليه الوجه المتيسر عدل إلى غير ذلك من الوسائل الصعبة والوجوه المتعسرة.

وبرهان ذلك أنه مهما شك الناس فيه فلا يشكون في أن فاطمة صلّى الله عليه ( وآله ) البضعة منه العزيزة عليه المعظمة عند الله تعالى زوج أقرب الناس إليه والدة ابنيه العزيزين لديه فلو كانت البداءة(٢) دليل الشرف ما كان أبو سفيان عداها ولهذا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قال -: ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صلى وصام من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان فعظم ذلك على الصحابة وهابوه أن يسألوه فسألوا فاطمة أن تسأله.

ومن ذلك أنه لما نزل قوله تعالى( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) (٣)

__________________

(١) العثمانيّة: ٧٢.

(٢) ق: البدأة وكلاهما بمعنى: أول الحال.

(٣) تمام الآية الشريفة:( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ) الفجر: ٢٣.

١٦٣

[ و ](١) هابوه أن يسألوه عن صورة مجيئها فلجئوا إلى علي في مسألته.

وكم لأمير المؤمنينعليه‌السلام من مناقب تدفع(٢) هباء هذه المقاصد مقلدة جيد مجده أشرف القلائد.

وروى الثعلبي في تفسيره يقول سمعت أبا منصور الخمشاذي(٣) يقول سمعت محمد بن عبد الله الحافظ يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب(٤) .

وروى أخطب خطباء خوارزم في إسناده عن ابن عباس قال:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب(٥) .

__________________

(١) لا يوجد في: ن.

(٢) ج: فدفع.

(٣) ن: الجمشاذي.

(٤) الكشف والبيان: مخطوط. وذكره ايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٠٧.

وقال أخطب خطباء خوارزم ( ضمن كلام له ):

وهو ما أخبرني به الشيخ الامام الزاهد فخر الأئمة أبو الفضل بن عبد الرحمن الحفرميدي الخوارزمي جزاه الله خيرا اجازة. قال: أخبرني الشيخ الامام أبو محمد الحسن بن احمد السمرقندي قال: حدثني أبو القاسم عبد الرحمن بن احمد بن محمد بن عبدان العطار واسماعيل ابن أبي نصر عن عبد الرحمن الصابوني واحمد بن الحسين البيهقي قالوا جميعا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ يقول: سمعت القاضي الامام أبا الحسن علي بن الحسن وأبا الحسن محمد بن المظفر الحافظ يقولان: سمعنا أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي يقول: سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضائل ما جاء لعلي بن ابي طالب عليه‌السلام .

انظر المناقب: ٣.

(٥) مناقب الخوارزمي: ٢.

١٦٤

ومن طريق المشار إليه في سند متصل عن ابن عباس قال رجل لابن عباس سبحان الله ما أكثر مناقب علي وفضائله إني لأحسبها ثلاثة آلاف(١) فقال ابن عباس أولا تقول إنها إلى ثلاثين ألفا أقرب(٢) .

هذه تنبيهات اقتضت الحال سطرها والأمر(٣) في ظهوره أشهر من أن يحتاج إلى تفصيل.

قال المباهت حكاية عن شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام وما يدعونه(٤) من فضله في العلم والتأويل وأنه كان يسأل ولا يسأل وأنه ليس لأبي بكر فتيا كثيرة ولا كثير رواية(٥) وغير ذلك من فنون ذكرها أن العثمانية يعتبرون الفضل حين وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا بعده إذ(٦) الحادثات تحدث وتظهر علم من أجاب عنها ويعتبرون أيضا بمن كان أسد رأيا به(٧) في ذلك الوقت وهو وقت وفاة النبيعليه‌السلام وهذا لم يثبت(٨) .

قال والبناء على أصالة الرأي وقوة العزم ولم يكن لعلي من ذلك شيء يفضل به أبا بكر في ذلك الدهر فإنا نستدل على صواب رأيه وأنه كان المفزع والرشد بعد رسول الله في المعضلات وعند الشبهات(٩) .

__________________

(١) رسمت في النسخ: الف.

(٢) مناقب الخوارزمي: ٣.

(٣) ج وق: للأمر.

(٤) ن: يدعون.

(٥) في المصدر: فتيا كبيرة ولا كبير رواية.

(٦) ن: اذا.

(٧) لا توجد في: ق.

(٨) العثمانية: ٧٤.

(٩) العثمانية: ٧٦.

١٦٥

والذي أقول على هذا المعنى وإن كان في طي كلام بسيط غث(١) صورة حال أبكم يعد نفسه فصيحا وأخرس يرى خرسه نطقا إذ البلاغة قلة الكلام وكثرة معانيه وشرف اللفظ ورقة حواشيه كما قال عبد الرحمن الكاتب(٢)

تزين معانيه ألفاظه

وألفاظه زائنات المعاني

لا في لفظ غث بسيط يسفر فجره عن معنى قصير مع مغالطات وإيهامات تنضم إليه فتضع(٣) منه ولو انتاط بالبلاغة وارتبط بالفصاحة فكيف إذا ضم بين الهذر والباطل والميل على من خص بكرم الشمائل والمجد الكامل يريد الفضيلة بسعة لفظه وهو من النقص في قلته ومن البكم في سامي درجته.

ونقول وهي بلوى ابتلينا بمقارعتها واصطلينا بنار غيابتها أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان صاحب ألوية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حروبه وهي دليل البسالة و(٤) أمارة الأصالة إذ صاحب اللواء أمام الجيش يحتاج إلى قوة الرأي في التقدم به تارة والتأخر به تارة والثبات تارة.

وأنفذه إلى اليمن وكان السديد المقاصد الشريف المصادر والموارد واستخلفه على أهله بمدينته وجعله بمنزلة هارون من موسى في شرف

__________________

(١) ق: عن.

(٢) لعله عبد الرحمن بن هبة الله بن حسن بن رفاعة، المعروف بكاتب الأمير ناصر الدولة. اديب، ناظم، ناثر من أهل مصر، من آثاره: رسائل في عشر مجلدات. توفي سنة ٥٩٣، انظر:خريدة القصر: ١ / ٥٦ و ٦٤.

(٣) ج وق: تضع.

(٤) لا توجد في: ج وق.

١٦٦

منزلته وذلك أمارة حصافته(١) وأمانته وعلو مرتبته.

وغيره لما نهض إلى مرحب خام(٢) عند منازلته ولم يحسن الرأي في مبارزته وكان من رأيه في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرب العذاب من أصحاب النبيعليه‌السلام في الإشارة بأخذ الفدية وكذا لما اختلف وصاحبه فيمن تولى فنزل قوله تعالى( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٣) .

وأما أمير المؤمنين صلوات الله عليه فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قال له امض إلى نسيب مارية للصولة عليه فقال يا(٤) رسول الله تأمرني في الأمر فأكون فيه مثل السكة المحماة في العهن أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقالعليه‌السلام بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب(٥)

ثقة منه بميمون تدبيره المؤيد وتهذيبه المسدد.

__________________

(١) حصف: كان جيد الرأي محكم العقل ( المنجد ).

(٢) خام: جبن.

(٣) والآية المباركة كاملة:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الحجرات: ١.

(٤) لا توجد في: ج.

(٥) عن علي، قال: اكثر على مارية قبطي ابن عم لها يزورها ويختلف اليها فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خذ هذا السيف، فانطلق فان وجدته عندها فاقتله، قلت: يا رسول الله اكون في امرك كالسكة المحماة لا أرجع حتى امضي لما أمرتني، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟

قال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.

فاقبلت متوشحا السيف، فوجدته عندها فاخترطت السيف، فلما رآني اقبلت نحوه، عرف اني أريده، فأتى نخلة فرقى ثم رمى بنفسه على قفاه ثم شغر برجله شغر (*) فاذا به أجب، امسح، ماله قليل ولا كثير فغمدت السيف ثم أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته فقال:

الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت.

انظر كنز العمال: ٥ / ٤٥٤، وذكره أيضا في: حلية الأولياء: ٣ / ١٧٨.

__________________

(*) من شغر الكلب اذا رفع احدى رجليه.

١٦٧

وبعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان المشير على عمر بإنفاذ العساكر والمقام بالمدينة فرجع إلى رأيه(١) . لما جرى الحديث في أخذ

__________________

(١) ابن ابي الحديد في شرح النهج: ٩ / ٩٦.

في شرحه لخطبة أمير المؤمنين رقم (١٤٦) عند قوله عليه‌السلام ان هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة، الى آخره قال: واعلم أن هذا الكلام قد اختلف في الحال التي قاله فيها لعمر، فقيل: قاله له في غزاة القادسية وقيل في غزاة نهاوند والى هذا القول الأخير ذهب محمد بن جرير الطبري في ( التاريخ الكبير ) والى القول الأول ذهب المدائني في كتاب ( الفتوح ).

( الى ان قال ) فاما وقعة القادسية فكانت في سنة أربع عشرة للهجرة، استشار عمر المسلمين في أمر القادسية، فأشار عليه علي بن أبي طالب - في رواية ابي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني - الا يخرج بنفسه، وقال: انك ان تخرج لا يكن للعجم همة الاّ استئصالك، لعلمهم انك قطب رحا العرب، فلا يكون للاسلام بعدها دولة، وأشار عليه غيره من الناس ان يخرج بنفسه، فأخذ برأي علي ٧.

( الى أن قال ) فاما وقعة نهاوند فان أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ذكر في كتاب التاريخ ان عمر لما أراد أن يغزو العجم وجيوش كسرى وهي مجتمعة بنهاوند، استشار الصحابة فقام عثمان فتشهد ( الى ان قال ) فقال علي بن ابي طالب ٧: أما بعد فان هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، انما هو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعزه وأمدّه بالملائكة، حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، وان مكانك منهم مكان النظام من الخرز، يجمعه ويمسكه فان انحل تفرق ما فيه وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا، والعرب اليوم وان كانوا قليلا، فانهم كثير عزيز بالاسلام اقم مكانك واكتب الى أهل الكوفة، فانهم أعلام العرب ورؤساءهم وليشخص منهم الثلثان، وليقم الثلث، واكتب الى أهل البصرة ان يمدوهم ببعض من عندهم ولا تشخص الشام ولا اليمن، انك ان أشخصت أهل الشام من شامهم، سارت الروم الى ذراريهم، وان أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة الى ذراريهم، ومتى شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أقطارها وأطرافها، حتى يكون ما تدع وراءك أهم اليك مما بين يديك من العورات والعيالات، ان الأعاجم أن ينظروا اليك غدا قالوا: هذا أمير العرب وأصلهم، فكان ذلك أشد لكلبهم عليك. وأما ما ذكرت من مسير القوم فان الله هو أكره لسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما ما ذكرت من عددهم فانا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وانما كنا نقاتل بالصبر والنصر.

فقال عمر: اجل، هذا الرأي الى آخره.

١٦٨

حلي الكعبة كان المشير بتبقيته على قاعدته فبنى الأمر على ذلك(١) وما عرفنا لمنصوره ما يناسب هذه التدبيرات المهمات الكليات والجزئيات.

وأما الفقه، فإن المفسرين من غيرنا رووا عند قوله تعالى( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (٢) أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليعليه‌السلام إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وتعي وحق على الله أن تعي(٣) .

__________________

(١) ربيع الأبرار للزمخشري ( عن احقاق الحق: ٨ / ٢٠٣ والغدير: ٦ / ١٧٧ ).

قيل لعمر: لو أخذت حلي الكعبة فجهزّت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر، وما تصنع الكعبة بالحلي؟ فهمّ بذلك فسأل عليا - عليه‌السلام - فقال: انّ القرآن انزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأموال أربعة، اموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، والفيء فقسمه على مستحقيه، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها، وكان حلي الكعبة فيها يومئذ، فتركها الله على حاله ولم يتركه نسيانا، ولم يخف عليه مكانا فأقرّه حيث أقرّه الله ورسوله. فقال له عمر: « لولاك لافتضحنا » وتركه.

ونقله عن ربيع الأبرار بعين ما تقدم العلامة الأمر تسري في أرجح المطالب: ١٢٢.

(٢) الآية:( لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) الحاقة: ١٢.

(٣) رواه الخوارزمي بسنده عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام . أنظر مناقبه: ١٩٩.

ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره: ٢٩ / ٣٥ والسيوطي في الدر المنثور في تفسير الآية الشريفة.

وروى الطبري أيضا في تفسيره ٢٩ / ٣٥ بسنده عن مكحول قال:

قرأ رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) ثم التفت الى علي عليه‌السلام فقال: سألت الله أن يجعلها اذنك. قال علي عليه‌السلام : فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم فنسيته.

وذكر الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية المباركة قال:

وعن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم انه قال لعلي عليه‌السلام - عند نزول هذه الآية - سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي، قال علي عليه‌السلام : فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنسى.

وروى ذلك أيضا الفخر الرازي في تفسيره: ٣٠ / ١٠٧.

وقال الهيثمي في مجمعه: ١ / ١٣١.

١٦٩

وفي هذا مقنع في علمه أيام حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن ذلك ما رواه أخطب خطباء خوارزم مرفوعا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى يحيى بن زكريا(١) في زهده وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب(٢) .

وتقرير فضل مولانا في العلم كون الله تعالى( عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ

__________________

وعن ابي رافع أن رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم قال لعلي بن ابي طالبعليه‌السلام :

ان الله أمرني ان اعلمك ولا اجفوك، وأن ادنيك ولا اقصيك، فحق عليّ ان اعلمك وحق عليك أن تعي.

وذكر ما يقرب الى ذلك المتقي في كنز العمال: ٦ / ٣٩٨.

(١) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

(٢) مناقب الخوارزمي: ٤٠ و ٤١.

بسنده عن احمد بن الحسين، اخبرني ابو عبد الله الحافظ في التاريخ، أخبرني ابو جعفر محمد بن احمد بن سعيد حدثني محمد بن سلم بن دارة، حدثني عبد الله بن موسى العبسي حدثني ابو عمرو الازدي عن ابي راشد الحراني ابي الحمراء قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد الحديث.

وأورده أيضا في مقتل الحسين: ٤٣.

وفي الرياض النضرة: ٢ / ٢١٧، مثله الا أن فيه زيادة: والى ابراهيم في حلمه.

وايضا الرياض النضرة: ٢ / ٢١٨ قال:

وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم قال: من أراد أن ينظر الى ابراهيم في حلمه، والى نوح في حكمه، والى يوسف في جماله، فلينظر الى علي بن ابي طالب.

وفي ذخائر العقبى: ٩٣ كما ورد في مقتل الحسين. وكذلك في: البداية والنهاية: ٧ / ٣٥٦ وفرائد السمطين ١ / ١٧٠.

وفي مناقب ابن المغازلي: ٢١٢ من أراد أن ينظر الى علم آدم وفقه نوح فلينظر الى علي بن ابي طالب.

وميزان الاعتدال: ٤ / ٩٩ ولسان الميزان: ٦ / ٢٤.

١٧٠

كُلَّها ) (١) ومن روايته مرفوعا في جملة حديث(٢) يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهوعيبة علمي فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كله عنده وذلك قبل وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

__________________

(١) اشارة الى الآية الشريفة في سورة البقرة: ٣١ وهي( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) .

(٢) والحديث كما ذكره أخطب خطباء خوارزم:

أنبأني ابو العلاء الحافظ الحسن بن احمد العطار الهمداني، أخبرني الحسن بن أحمد المقري، اخبرني احمد بن عبد الله الحافظ، حدثني حبيب بن الحسن، حدثني عبد الله ايوب القربى، حدثني زكريا بن يحيى المقري، حدثني اسماعيل بن عباد المدني، عن شريك، عن منصور، عن ابراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من عند زينب بنت جحش فأتى بيت ام سلمة، وكان يومها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يلبث ان جاء علي - عليه‌السلام - فدق الباب دقا خفيا، فاستبشر رسول الله الدق وأنكرته ام سلمة.

فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قومي فافتحي له الباب، فقالت: يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره ان افتح له الباب فاتلقاه بمعاصمي وقد نزلت فيّ آية من كتاب الله بالأمس؟ فقال لها كالمغضب: ان طاعته طاعة الرسول، ومن عصى الرسول فقد عصى الله.

ان بالباب رجلا ليس بالنزق ولا بالخرق، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ففتحت له الباب، فأخذ بعضادتي الباب حتى اذا لم يسمع حسا ولا حركة، وصرت الى خدري، استأذن فدخل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتعرفينه؟ قلت: نعم، هذا علي بن أبي طالب - عليه‌السلام - قال: صدقت، سجيته من سجيتي، ولحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة علمي، اسمعي واشهدي، هو قاتل الناكثين والقاسطين، والمارقين من بعدي اسمعي واشهدي هو - والله - محيي سنتي، اسمعي واشهدي، لو ان عبدا عبد الله ألف عام، من بعد ألف عام، بين الركن والمقام، ثم لقى الله مبغضا لعلي - عليه‌السلام - لاكبه الله يوم القيامة على منخريه في نار جهنم.

انظر مناقب الخوارزمي: ٤٣ و ٤٤.

وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة أمير المؤمنين - عليه‌السلام - ٢ / ٤٨٢ بسنده عن عباية، عن ابن عباس، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: علي عيبة علمي.

وذكره أيضا في الفتح الكبير: ٢ / ٢٤١ والسيوطي في الجامع الصغير: ٢ / ٦٦ والحمويني في فرائد السمطين: ١ / ٣٣١.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

١٧١

ومن ذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمه ألف باب يفتح كل باب ألف باب(١) وفي ذلك يقول الشاعر(٢)

علمه في مجلس واحد

ألف حديث حسبة الحاسب

كل حديث من أحاديثه

يفتح ألفا عجب العاجب

وكان من أحمد يوم الوغى

جلدة بين العين والحاجب

ولست مستوفيا ما يليق بهذا الباب لكنا نذكر ما لا بد منه.

وأما بعد وفاته فمن ذلك تنبيهه أبا بكر في قصة جرت لشارب

__________________

(١) رواه الفخر الرازي في تفسيره في ذيل تفسير قوله تعالى( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) . قال:

قال علي عليه‌السلام : علمني رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم الف باب من العلم واستنبطت من كل باب الف باب.

كنز العمال: ٦ / ٣٩٦، قال:

عن علي عليه‌السلام قال: علمني رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم الف باب من العلم يفتح الف باب.

قصص الأنبياء للثعلبي: ص ٥٦٦ في تفسير قوله تعالى ( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) في حديث طويل منه.

فدعا علي عليه‌السلام اليهود فقال: سلوا عما بدا لكم فان النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم علمني الف باب من العلم فتشعب لي من كل باب ألف باب.

وأيضا أورد حديث « علمني الف باب » الذهبي في ميزان الاعتدال: ٢ / ٦٧ والهندي في منتخب كنز العمال: ( المطبوع بهامش المسند: ٥ / ٤٣ ) والقندوزي في ينابيع المودة: ١١ و ٧١ و ٧٧.

(٢) الأبيات هي للسيد الحميري ( ١٠٥ - ١٧٣ ) وهي تختلف عما جاء في ديوانه: ١٢٨ ( تحقيق شاكر هادي شكر ) ط دار مكتبة الحياة بيروت.

محمد خير بني غالب

وبعده ابن ابي طالب

هذا نبي ووصي له

ويعزل العالم في جانب

حدثه في مجلس واحد

الف حديث معجب عاجب

كل حديث من أحاديثه

يفتح الفا عدة الحاسب

فتلك وفّت الف الف له

فيها جماع المحكم الصائب

١٧٢

خمر قال بعض الثقات إنها مروية من طريق الخاصة والعامة وأن أبا بكر رجع إليه وكذا فهمه(١) ما الكلاء(٢) جواب اليهودي(٣) وقد عجز عنه أبو بكر

__________________

(١) ن بزيادة: الكلالة.

(٢) ذكر القرطبي عن ابي عبيدة عن ابراهيم التيمي، قال:

سئل أبو بكر عن قوله تعالى: ( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) ( في قوله تعالى من سورة عبس: ( فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. )

( وَحَدائِقَ غُلْباً. وَفاكِهَةً وَأَبًّا. مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) الآيات ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ و ٣٠ و ٣١ و ٣٢. )؟ فقال: اي سماء تظلني، وأي ارض تقلني، وأين اذهب؟ وكيف أصنع؟ اذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد تبارك وتعالى.

انظر تفسير القرطبي: ١ / ٢٩ والزمخشري في الكشاف: ٣ / ٢٥٣ وابن كثير في تفسيره: ١ / ٥ والخازن في تفسيره: ٤ / ٣٧٤ وابن حجر في فتح الباري: ١٣ / ٢٣٠.

(٣) ذكر ابن دريد في المجتنى: ٣٥ ( كما ذكره العلامة الاميني في الغدير: ٧ / ١٧٩ ) عن أنس بن مالك. قال:

اقبل يهودي بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأشار القوم الى أبي بكر فوقف عليه، فقال: اريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها الاّ نبي أو وصي نبي. قال أبو بكر: سل عما بدا لك. قال اليهودي: أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله. وعما لا يعلمه الله. فقال ابو بكر: هذه مسائل الزنادقة يا يهودي! وهمّ أبو بكر والمسلمون - رضي الله عنهم باليهودي، فقال ابن عباس - رضي‌الله‌عنه -: ما انصفتم الرجل. فقال أبو بكر: اما سمعت ما تكلم به؟ فقال ابن عباس: ان كان عندكم جوابه والا فاذهبوا به الى علي رضي‌الله‌عنه يجيبه، فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه. قال:

فقام ابو بكر ومن حضره حتى اتوا علي بن أبي طالب، فاستأذنوا عليه فقال أبو بكر: يا أبا الحسن ان هذا اليهودي سألني مسائل الزنادقة فقال علي: ما تقول يا يهودي؟ قال: اسألك عن أشياء لا يعلمها الاّ نبي، أو وصي نبي، فقال له: قل. فرد اليهودي المسائل فقال علي - رضي‌الله‌عنه - أما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود: ان العزير ابن الله، والله لا يعلم ان له ولدا.

وأما قولك: اخبرني بما ليس عند الله. فليس عنده ظلم للعباد.

وأما قولك: اخبرني بما ليس لله فليس له شريك. فقال اليهودي: اشهد ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وانك وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال ابو بكر والمسلمون لعلي عليه

١٧٣

رضوان الله عليه.

ومن كتاب أحمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب قال كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن(١) .

ومن الكتاب أن عليا نبه عمر لما أراد أن يرجم المجنونة فصفح عنها(٢) ومن رواية أخطب خطباء خوارزم أن مولاناعليه‌السلام نبه عمر على ترك الحد على الحامل فرجع إليه وقال عمر عجزت النساء أن تلد

__________________

السلام: يا مفرّج الكرب.

وذكره ايضا المحدث الحنفي الشهير بابن حسنويه في كتابه در بحر المناقب ( على ما جاء في احقاق الحق: ٨ / ٢٣٩ ).

(١) فضائل الصحابة: ٢ / ٦٤٧.

وقد ورد هذا الحديث عن عمر في عدة مصادر منها: الاستيعاب ٣ / ١١٠٢ وصفة الصفوة: ١ / ١٢١ كفاية الطالب: ٩٥ اسد الغابة: ٤ / ٢٢ ذخائر العقبى: ٨٢ طبقات ابن سعد: ٢ ق ٢ ص ١٠٢ تهذيب التهذيب: ١ / ٣٣٧ الصواعق المحرقة: ٧٦ ينابيع المودة: ٢١١ نور الابصار: ٧٤ أرجح المطالب: ١٢١ وكنز العمال: ٥ / ٢٤١ والاصابة: ٤ ق ١ ص ٢٧٠.

(٢) فضائل الصحابة: ٢ / ٧٠٧ و ٧١٩.

وجاء في صحيح ابي داود: ٢٨ / ١٤٧ باب المجنون يسرق أو يصيب حدا روى بسنده عن ابي ظبيان، عن ابن عباس، قال:

اتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا فأمر بها عمر ان ترجم، فمرّ بها على علي بن أبي طالب - عليه‌السلام - فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم اتاه فقال: يا عمر اما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فارسلهما قال فجعل يكبر.

وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة: احمد بن حنبل في مسنده: ١ / ١٤٠ و ١٥٤ والبخاري في صحيحه في كتاب المحاربين في باب لا يرجم المجنون والمجنونة، والدارقطني في سننه في كتاب الحدود: ص ٣٤٦ والمتقي في كنز العمال: ٣ / ٩٥، والمناوي في فيض القدير: ٤ / ٣٥٦ والعسقلاني في فتح الباري: ١٥ / ١٣١ وابن عبد البر في الاستيعاب: ٣ / ١١٠٣ والخوارزمي في مناقبه: ٣٨ والحمويني في فرائد السمطين: ١ / ٣٥٠.

١٧٤

مثل علي بن أبي طالب لو لا علي لهلك عمر(١) وكذا نبه عثمان(٢) والأمر في هذا واضح.

__________________

(١) قال الخوارزمي في مناقبه (٣٩):

وبهذا الاسناد عن أبي سعيد السمان هذا أخبرني أبو عبد الله الحسين بن هارون القاضي الضبي املاءا ولفظا أخبرني أبو القاسم عبد العزيز بن اسحاق سنة ثلاثين وثلاثمائة انّ عليّ بن محمد النخعي حدثه، قال: حدّثني سليمان بن ابراهيم المحاربي، حدّثني: نصر بن مزاحم بن نصر المقري حدّثني ابراهيم الزبرقان التيمي، حدّثني أبو خالد، حدّثني زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب - عليه‌السلام - قال: لما كان في ولاية عمر، اتي بامرأة حامل، سألها عمر عن ذلك فاعترفت بالفجور فأمر بها عمر أن ترجم فلقيها عليّ بن أبي طالب - عليه‌السلام - فقال: ما بال هذه المرأة؟ فقالوا: أمر بها عمر أن ترجم، فردّها عليّ - عليه‌السلام - فقال له: أمرت بها أن ترجم؟ فقال: نعم اعترفت عندي بالفجور، فقال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ ثمّ قال له عليّ - عليه‌السلام -: فلعلك انتهرتها أو اخفتها؟ فقال عمر: قد كان ذلك قال عليّ - عليه‌السلام -: أو ما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لا حدّ على معترف بعد البلاء، انه من قيّدت أو حبست أو تهدّدت فلا اقرار له، فخلى عمر سبيلها ثم قال: عجزت النساء أن يلدن مثل عليّ بن أبي طالب: لو لا علي لهلك عمر.

وجاء هذا الحديث أيضا في الرياض النضرة: ٢ / ١٩٥ باختلاف في اللفظ ومطالب السؤول: ١٣ وينابيع المودّة: ٧٥ وأرجح المطالب: ١٢٤، وفرائد السمطين: ١ / ٣٥٠.

(٢) موطأ مالك بن أنس كتاب الحدود: ص ١٧٦ قال:

ان عثمان بن عفّان اتي بامرأة قد ولدت في ستّة أشهر، فأمر بها أن ترجم فقال له عليّ بن أبي طالب - عليه‌السلام -: ليس ذلك عليها، ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) وقال: ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ) فالحمل يكون ستّة أشهر فلا رجم عليها. فبعث عثمان في اثرها فوجدها قد رجمت.

وأورده أيضا البيهقي في سننه: ٧ / ٤٤٢ والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً ) من سورة الأحقاف روى بسنده وبألفاظ مختلفة وبزيادة: فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا، عليّ بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها.

وكان من قولها لاختها: يا اخية لا تحزني فو الله ما كشف فرجي احد قط غيره قال: فشب الغلام بعد فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به.

١٧٥

وذكر ملقح الفتن ساب الصحابة تنبيه أبي بكر عمر على ما دخل في قلبه من الإشكال بكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدخل مكة في قصة الحديبية(١) .

وإذا اعتبرت مقاصد عدو الدين ظهر لك أنه غير بان على عقيدة ولا سالك جدد طريق.

شرع يذكر في عمر من التردد(٢) ما يلقيه أعداءه من القدح فيه وأي ضرورة قادته إلى ذلك لو لا تهمته على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمدح شخصا ثم يقع فيه ويثني على آخر ثم يضع منه.

وذكر في المديحة(٣) أن عمر وعثمان جهلا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات وكانا يدافعان عن ذلك وأن أبا بكر نبههما(٤) .

ولا أرى ذلك من المناقب.

ثم إن ملقح الفتن كما نبه على معرفة صحابي جهل صحابيين مقدمين(٥) وذكر قوله عند بذل من بذل من العرب الصلاة دون الزكاة لو

__________________

وروى احمد بن حنبل في مسنده: ١ / ١٠٤ بسنده عن الحسن بن سعد عن أبيه.

ان يحنس وصفيّة كانا من سبيّ الخمس، فزنت صفيّة برجل من الخمس فولدت غلاما، فادّعاه الزاني ويحنس، فاختصما الى عثمان فرفعهما الى عليّ بن أبي طالب - عليه‌السلام - فقال عليّ عليه‌السلام : اقضي فيهما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم - ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) وجلدهما خمسين خمسين.

وذكره المتقي ايضا في كنز العمال: ٣ / ٢٢٧.

(١) العثمانيّة: ٧٨ و ٧٩.

(٢) ق: ما تردّد.

(٣) ن: مديحه.

(٤) العثمانيّة: ٧٩.

(٥) المصدر السابق: ٨١.

١٧٦

منعوني عقال بعير لجاهدتهم.

وقال إنه علم الجميع أن لفظة الوحدانية لا تمنع القتال لأنه قال إلا بحقها وأن الجميع تعلموا منه ذلك(١) .

وهذا وأشباهه مما يشكل الحال فيه على الجاحظ - هي دعاو لا تستند إلى برهان وهو كون الجميع ما عرفوا وعرف هو.

ثم إن ذلك تكذيب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كان علي عيبة علمه فكيف يعلم غيره ما لم يعلم إلا أن يقول أبو عثمان إن أبا بكر أعلم من رسول الله بالأحكام وهو كفر.

وقال إن عليا كان يزكيه ويروي عنه ولم نسمعه روى عن علي شيئا ولا زكاه ولا فضله على أن عليا قد كان عنده فاضلا(٢) عالما وجيها(٣) .

والذي يقال على كونه أخذ عنه وروى أنه دعوى سلمنا أنه روى عنه لكن قد يروي الراوي رواية عن شخص وإن كان يعرفها من عدة طرق أو يكون مشافها بها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إما ليكون ذلك حجة على راويها أو على من يحسن ظنه براويها إذ قد قررنا أن عليا حوى علم رسول الله فتعين التأويل.

وأما أنه لم يرو عن علي شيئا ولا زكاه مع معرفته بفضله(٤) وعلمه فإن الدرك على مهمل الفضائل لا على صاحب الفضائل والمجد الكامل.

__________________

(١) العثمانيّة: ٨١.

(٢) في المصدر بزيادة: عاليا.

(٣) العثمانيّة: ٨٢.

(٤) ق: بتفضّله.

١٧٧

وأما أنه ما زكاه فيكفي في تزكية أمير المؤمنين صلوات الله عليه تزكية إله الوجود حسب ما تضمنته عرصات الكتاب المجيد الذي شرع الجاحظ في تسليط التصغير عليه والقصد بما يقتضي التحقير له على ما أشار في بعض كتبه إليه.

وبعد ذلك تزكية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكونه سيد البشر(١) وخير الخلق والخليقة(٢) وأنه المشهود له بالجنة(٣) في غير ذلك من

__________________

(١) مرّت الاشارة الى بعض مصادره هامش ص: ٧٢.

(٢) ذكر ابن ابي الحديد في شرح النهج: ٢ / ٢٦٧ عن احمد بن حنبل عن مسروق قال:

قالت عائشة: انك من ولدي ومن احبهم اليّ فهل عندك علم من المخدج؟ فقلت: نعم، قتله علي بن ابي طالب على نهر يقال لأعلاه تأمّرا ولأسفله النهروان، بين لخاقيق وطرفاء، قالت: ابغني على ذلك بينة، فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك، قال: فقلت لها: سألتك بصاحب القبر، ما الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] فيهم؟ فقالت: نعم سمعته يقول: انهم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقر بهم عند الله وسيلة.

وأيضا ذكر في البداية والنهاية: ٧ / ٢٩٦.

(٣) روى سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٥٤ بسنده عن ابن عمر، قال:

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي انت في الجنة، قالها ثلاثا.

وأبو بكر البغدادي في موضح اوهام الجمع والتفريق: ٤٣ بسنده عن فاطمة بنت محمد - عليها‌السلام - قالت: نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى علي فقال: هذا في الجنة.

ومحمد بن محمود الخوارزمي في جامع المسانيد: ١ / ٢٢١ عن ام هاني.

ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر الى علي ذات يوم فرآه جائعا فقال له: يا علي ما أجاعك؟ قال: يا رسول الله اني لم أشبع منذ كذا وكذا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ابشر بالجنة.

والطبري في منتخب ذيل المذيل: ١١٥ بسنده عن ام ( مرثد قالت:

خرجنا معه تعني مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: أول من يشرف عليكم رجل من أهل الجنة، فأشرف علي عليه‌السلام .

وابن الأثير في اسد الغابة: ٥ / ٥٧٨ بسنده عن ام خارجة امرأة زيد بن ثابت، قالت: أتينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حائط ومعه أصحابه، اذ قال اول رجل يطلع عليكم فهو من أهل الجنة، فليس أحد منا الا وهو يتمنى أن يكون من وراء الحائط، قالت: فبينما نحن

١٧٨

مناقب (١) حالية الأعناق جالية(٢) عنايات(٣) شبه المراق تشهد بها عين المشاهدة وتقرر أساسها أكف اليقين.

تراءت لأحداق العيون(٤) شهوده

فأكرم بها من شاهد لا يكذب

تجلى بقطري نجره(٥) وفخاره

فلا الدجن(٦) يخفيه ولا الليل يحجب

ولا الشمس حلت في أجل بروجها

ولم يكم(٧) معناها ستار وغيهب

__________________

كذلك، اذ سمعنا حسا فرفعنا أبصارنا اليه ننظر من يدخل فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عسى أن يكون عليا، فدخل علي بن أبي طالب.

وذكره أيضا العسقلاني في الاصابة: ٤ / ٤٢٨.

والقندوزي في ينابيع المودة: ٨٣ رواه ملخصا مع اختلاف في اللفظ يسير.

والهيثمي في مجمع الزوائد: ٩ / ١١٨ قال:

وعن سلمى امرأة ابي رافع، انها قالت: اني لمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاسراف فقال: ليطلعن عليكم رجل من أهل الجنة اذ سمعت الخشفة فاذا علي بن أبي طالب.

وأيضا في ٩ / ٥٨ عن ابن مسعود قال:

دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما حائطا ( الى ان قال ) قال: يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة اللهم اجعله عليا فدخل علي.

وفي ص ١١٧ قال:

روي عن ابن مسعود قال: كنا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فدخل علي بن أبي طالب فسلّم.

وجاء في أرجح المطالب: ٦٦١ قال:

عن جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنه قال: كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتذاكروا أصحاب الجنة فقال: ان أول أهل الجنة دخولا اليها علي بن ابي طالب.

(١) لا توجد في: ن.

(٢) ن: جالبة.

(٣) ن: غبايات.

(٤) ج وق: العيان.

(٥) ج وق: نحره.

(٦) الدجن: الغيم المطبق المظلم ( المنجد ).

(٧) كمى يكمي: كتم ( المنجد ).

١٧٩

فلو أن أفواه الرجال عواطل

من القول قال المجد ها أنا مقرب

أنضد من در العيان مناقبا

يذوب لها فخر البرايا ويذهب

أقول وإن لم ينظم القول ناظم

وأشدو وإن لم يلف(١) قول يطرب

إلا فليقل من قال أو ظل صامتا

سواء لديه حاضرون وغيب

فلا صامت يمحو فخار ابن فاطم

علي ولا ذو مقول يتعتب.

وبعد: فإن الدرك على تارك التزكية مع المعرفة بشرف المزكى الإحاطة بمماجد الرئيس.

أراد أبو عثمان غمص(٢) ابن فاطم

علي فألقى نفسه في المعاطب

إذا(٣) المجد يجلوه(٤) لسان مؤيد

ينظمه في سلك در المناقب

فكيف بغى نصرا(٥) لغير مشيد

فخارا تجلى عنده كالثواقب.

[ ثم إن كلام الجاحظ سيأتي ](٦) والرواية عن أبي بكر رضوان الله عليه من جملة المحدثين من غيرنا أن رسول الله قال [ في ](٧) علي والحسن والحسين وفاطمة أنا سلم لمن سالمهم حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم(٨)

__________________

(١) ن: يكف.

(٢) ج وق: غمض وغمصه: احتقره.

(٣) ن: اذ.

(٤) ج وق: يحلوه.

(٥) ن: غمصا.

(٦) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن وبدله: وبعد فقد جاءت التزكية في الرواية الى آخره.

(٧) لا توجد في: ج وق.

(٨) الرواية عن أبي بكر ذكرها المحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٩٩ وسيأتي ذكر مصادر الرواية في محلها ان شاء الله.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

.. إلى غير ذلك من الكتاب والسنّة.

وأمّا ما ذكره من أنّ المراد بهذا التجويز نفي وجوب شيء عليه ، فلا يرفع الإشكال ؛ لأنّه إذا لم يجب عليه بعدله وحكمته أن يرسل الرسل بالحكمة والموعظة الحسنة ، فقد جاز أن يرسل رسولا إلى قوم ولا يأمرهم إلّا بسبّه ومدح إبليس ـ إلى غير ذلك ممّا بيّنه المصنّف ـ ، وتجويزهم مثل ذلك على الله سبحانه دليل على عدم معرفتهم به ، وأنّهم ما قدروه حقّ قدره.

ولو جوّزت أشباه هذه الأمور على أحد منهم لعدّها من أكبر النقص عليه ، والذنب إليه ، فكيف تجوز في حقّ الملك الجامع لصفات الكمال؟!

* * *

٣٦١

قال المصنّف ـ قدّس الله سرّه ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أراد الله الطاعات وأحبّها ورضيها واختارها ، ولم يكرهها ولم يسخطها ، وأنّه كره المعاصي والفواحش ولم يحبّها ولا رضيها ولا اختارها(٢) .

وقالت الأشاعرة : قد أراد الله من الكافر أن يسبّه ويعصيه ، واختار ذلك ، وكره أن يمدحه(٣) .

وقال بعضهم : أحبّ وجود الفساد ، ورضي وجود الكفر(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٦.

(٢) النكت الاعتقادية : ٢٦ ـ ٢٧ ، تصحيح الاعتقاد : ٤٩ ـ ٥٠ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩.

(٣) الإبانة في أصول الديانة : ١٢٧ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٩٩ ، المسائل الخمسون : ٦٠ المسألة ٣٥ ، المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٢٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤ و ١٧٨ و ١٧٩ ، تحفة المريد على جوهرة التوحيد : ٤٢ ، شرح العقيدة الطحاوية : ١٣٠.

(٤) المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٢٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

٣٦٢

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة ـ كما سبق ـ : إنّ الله تعالى مريد لجميع الكائنات ، فهو يريد الطاعات ويرضى بها للعبد ، ويريد المعاصي بمعنى التقدير ؛ لأنّ الله تعالى مريد للكائنات.

فلا بدّ أن يكون كلّ شيء بتقديره وإرادته ، ولكن لا يرضى بالمعاصي ، والإرادة غير الرضا ، وهذا الرجل يحسب أنّ الإرادة هي عين الرضا ، وهذا باطل.

وأمّا قوله : « كره أن يمدحه » فهذا عين الافتراء.

وكذا قوله : « أحبّ الفساد ورضي بوجود الكفر » ولا عجب هذا من الشيعة ، فإنّ الكذب والافتراء طبيعتهم ، وبه خلقت غريزتهم.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٠.

٣٦٣

وأقول :

قوله : « يريد الطاعات ويرضى بها » ليس بصحيح على عمومه ، فإنّ الطاعات التي لم تقع ليست مرادة ولا مرضية له ، وإلّا لوقعت.

وقوله : « ويريد المعاصي بمعنى التقدير » ، ليس بصحيح أيضا ، فإنّ الإرادة سبب التقدير لا نفسه.

ولو سلّم ، فلا بدّ من إرادة المعاصي ؛ لأنّ التقدير بدون إرادة غير ممكن ؛ لأنّها هي المخصّصة.

قوله : « ولكن لا يرضى بالمعاصي » باطل ، إذ لو لم يرض بها فما الذي ألزمه بفعلها.

قوله : « والإرادة غير الرضا » مسلّم ، لكنّ إرادة الفعل تتوقّف على الرضا به ، كما إنّ إرادة الترك تتوقّف على كراهة الفعل ومرجوحيّته من جهة.

وعلى هذا يبتني كلام المصنّف ، لا على إنّ الإرادة نفس الرضا ، كما زعمه الخصم.

وبالجملة : الفعل بالاختيار يستلزم الرضا به ، وتركه بالاختيار يستلزم كراهته ، وإلّا لخرج العمل عن كونه عقلائيا ، فيكون الله سبحانه ـ بناء على تقديره وتكوينه لأفعال العباد ـ راضيا ومحبّا لسبّه والفساد الواقعين ، كارها لمدحه والصلاح المتروكين ؛ وهذا ما قاله المصنّف.

وأمّا ما رمى به الخصم الشيعة من الكذب والافتراء ، فنحن نكله إلى المصنف إذا عرف أحوال رجالنا ورجالهم ، ونظر إلى ما كتبناه في المقدّمة.

٣٦٤

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أراد النبيّ ٦ من الطاعات ما أراد الله تعالى ، وكره من المعاصي ما كرهه الله تعالى(٢) .

وقالت الأشاعرة : بل أراد النبيّ كثيرا ممّا كرهه الله تعالى ، وكره كثيرا ممّا أراده الله تعالى(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٦.

(٢) إنقاذ البشر من الجبر والقدر ـ المطبوع ضمن رسائل الشريف المرتضى ـ ٢ / ٢٣٦ ، مجمع البيان ٧ / ٣٩٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٨٥.

(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٣١٠ ـ ٣١١.

٣٦٥

وقال الفضل(١) :

غرضه من هذا الكلام ـ كما سيأتي ـ أنّ الله تعالى يريد كفر الكافر ، والنبيّ يريد إيمانه وطاعته ، فوقعت المخالفة بين الإرادتين ، وإذا لم يكن أحدهما مريدا لشيء يكون كارها له ؛ هكذا زعم.

وقد علمت أنّ معنى الإرادة من الله ها هنا هو : التقدير ، ومعنى الإرادة من النبيّ : ميله إلى إيمانهم ورضاه به.

والرضا والميل غير الإرادة بمعنى التقدير ، فالله تعالى يريد كفر الكافر بمعنى : يقدّر له في الأزل هكذا ، والنبيّ لا يريد كفره ، بمعنى أنّه لا يرضى به ولا يستحسنه ، فهذا جمع بين إرادة الله وعدم إرادة النبيّ ولا محذور فيه.

نعم ، لو رضي الله بشيء ، ولم يرض رسوله بذلك الشيء وسخطه ، كان ذلك محذورا ، وليس هذا مذهبا لأحد.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٥.

٣٦٦

وأقول :

أيصحّ في العقل أن يقال : إنّ الله تعالى يقدّر شيئا ويفعله ، ولا يرضى به النبيّ ولا يستحسنه؟!

مضافا إلى ما عرفت من أنّ تقدير الفعل يستلزم الرضا به ، وتقدير الترك يستلزم الكراهة له.

فيكون الله سبحانه بتقديره للكفر والمعصية ، راضيا بهما وقد كرههما النبيّ

وبتقديره لترك الإيمان والطاعة ، كارها لهما وقد رضي النبيّ بهما وأرادهما ، فاختلف الله ورسوله.

* * *

٣٦٧

قال المصنّف ـ أعزّ الله منزلته ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أراد الله من الطاعات ما أراده أنبياؤه ، وكره ما كرهوه ، وأراد ما كره الشياطين من الطاعات ، وكره ما أرادوه من الفواحش(٢) .

وقالت الأشاعرة : بل قد أراد الله ما أرادته الشياطين من الفواحش ، وكره ما كرهوه من كثير من الطاعات ، ولم يرد ما أرادته الأنبياء من كثير من الطاعات ، بل كره ما أرادته منها(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٧.

(٢) مجمع البيان ٧ / ٣٩٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٨٢ ـ ١٨٥.

(٣) الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣٢١ ، المواقف : ٣١٥ ـ ٣١٦.

٣٦٨

وقال الفضل(١) :

هذا يرجع إلى معنى الإرادة التي ذكرناها في الفصل السابق(٢) ، وهذا الرجل لم يفرّق بين الإرادة والرضا ، وجلّ تشنيعاته ناش من عدم هذا الفرق.

وأمّا قوله : « كره الله ما كره الشياطين من الطاعات » فهذا افتراء على الأشاعرة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٦.

(٢) انظر الصفحة ٣٦٣.

٣٦٩

وأقول :

قد عرفت أنّ المختار لا يفعل شيئا إلّا لإرادته له ورضاه به ، ولا يترك أمرا إلّا لكراهته له ، وإلّا لخرج العمل عن كونه عقلائيا.

فإذا فرض أنّ الله تعالى هو الفاعل لأفعال البشر ، فلا بدّ أن يكون مريدا لما يقع من الفواحش كما هو مراد للشياطين ، وأن يكون كارها لما يقع من الطاعات كما هو مكروه للشياطين ؛ فتمّ ما ذكره المصنّف.

* * *

٣٧٠

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وقالت الإمامية : قد أمر الله عزّ وجلّ بما أراده ونهى عمّا كرهه(٢) .

وقالت الأشاعرة : قد أمر الله بكثير ممّا كره ونهى عن كثير ممّا أراد(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٧.

(٢) النكت الاعتقادية : ٢٥ ، شرح جمل العلم والعمل : ٥٦ ، المنقذ من التقليد ١ / ٨٥ و ١٧٩ ـ ١٨٠ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩.

(٣) الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٣ ـ ١٢٤ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣٢٠ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٦٨ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٣ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ وما بعدها ، المسائل الخمسون : ٦٠ و ٦١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤ وما بعدها ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٣٧١

وقال الفضل(١) :

قد عرفت ممّا سلف أنّ الله تعالى لا يجب عليه شيء ، ولا قبيح بالنسبة إليه ، فله أن يأمر بما شاء وينهى عمّا يشاء(٢) .

فأخذ المخالفون من هذا أنّه يلزم على هذا التقدير أن يأمر بما يكرهه وينهى عمّا يريده ؛ وقد عرفت جوابه.

وإنّ المراد بهذا : عدم وجوب شيء عليه ، وهذا التجويز لنفي الوجوب وإن لم يقع شيء من الأمور المذكورة في الوجود.

فالأمر بالمكروه والنهي عن المراد جائز ، ولا يكون واقعا ، فهو محال عادة وإن جاز عقلا بالنسبة إليه ـ كما مرّ غير مرّة ـ ، وسيجيء تفاصيل هذه الأجوبة عند مقالاته في ما سيأتي.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٧.

(٢) انظر الصفحة ٣٤٩ من هذا الجزء.

٣٧٢

وأقول :

لم نأخذ ذلك ممّا ذكره وإن كان صالحا للأخذ منه ، بل أخذناه من قولهم : إنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى(١) ؛ لأنّ خلق الشيء وتقديره يستلزم الإرادة له والرضا به ، وتقدير عدم الشيء يستلزم كراهته ـ كما سبق ـ ، فإذا أمر الله سبحانه بما قدّر عدمه ، فقد أمر بما لا يريده وكرهه ، وإذا نهى عمّا قدّر وجوده ، فقد نهى عمّا أراده ورضيه ـ كما ذكره المصنّف ـ ، وهذا على مذهبهم واقع جار على العادة.

ولو سلّم أنّا أخذناه ممّا ذكره ، فمن أين أحرز عادة الله تعالى في عدم وقوع شيء من الأمور المذكورة وهي غيب؟!

على إنّ تجويز ذلك على الله سبحانه نقص في حقّه وأيّ نقص!! لأنّه من الجهل أو العجز ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون.

* * *

__________________

(١) خلق أفعال العباد ـ للبخاري ـ : ٢٥ ، الإبانة عن أصول الديانة : ٤٦ ، الإنصاف ـ للباقلّاني ـ : ٢٨ و ٤٣ ، تمهيد الأوائل : ٣١٨ و ٣٤١ وما بعدها ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣١٩ وما بعدها و ٣٤٣ ، المواقف : ٣١١ ـ ٣١٥.

٣٧٣

قال المصنّف ـ شرّف الله قدره ـ(١) :

فهذا خلاصة أقاويل الفريقين في عدل الله عزّ وجلّ.

وقول الإمامية في التوحيد يضاهي قولهم في العدل ، فإنّهم يقولون :

إنّ الله تعالى واحد لا قديم سواه ، ولا إله غيره ، ولا يشبه الأشياء ، ولا يجوز عليه ما يصحّ عليها من التحرّك والسكون ، وإنّه لم يزل ولا يزال حيّا قادرا عالما مدركا ، لا يحتاج إلى أشياء يعلم بها ، ويقدّر ويحيي ، وإنّه لمّا خلق الخلق أمرهم ونهاهم ، ولم يكن آمرا ولا ناهيا قبل خلقه لهم(٢) .

وقالت المشبّهة : إنّه يشبه خلقه ؛ فوصفوه بالأعضاء والجوارح ، وإنّه لم يزل آمرا وناهيا إلى ما بعد خراب العالم وبعد الحشر والنشر ، دائما بدوام ذاته(٣) .

وهذه المقالة في الأمر والنهي ودوامهما مقالة الأشعرية أيضا(٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٧.

(٢) أوائل المقالات : ٥١ ـ ٥٣ ، شرح جمل العلم والعمل : ٧٨ ـ ٧٩ ، تقريب المعارف : ٨٨ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٧٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٣١ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٣) الملل والنحل ١ / ٩٤ ، شرح المواقف ٨ / ٢٥ ـ ٢٦.

(٤) التقريب والإرشاد ـ للباقلّاني ـ ٢ / ٣٠٦ ، اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٣٦ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٠٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٦٦ ، إرشاد الفحول : ٣١.

٣٧٤

وقالت الأشاعرة أيضا : إنّه تعالى قادر ، عالم ، حيّ إلى غير ذلك من الصفات بذوات قديمة ، ليست هي الله ولا غيره ولا بعضه ، ولولاها لم يكن قادرا ، عالما ، حيّا(١) .

تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٢٥ ـ ٣٢ ، تمهيد الأوائل : ٢٢٧ ـ ٢٢٩ و ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، الإنصاف : ٣٨ ـ ٣٩ ، الملل والنحل ١ / ٨٢ ، المسائل الخمسون : ٤٣ وما بعدها.

٣٧٥

وقال الفضل(١) :

أكثر ما في هذا الفصل قد مرّ جوابه في ما سبق من الفصول على أبلغ الوجوه بحيث لم يبق للمرتاب ريب.

وما لم يذكر جوابه من كلام هذا الفصل ـ في ما سبق ـ هو ما قال في الأمر والنهي ، وأنّ الأشاعرة يقولون : بدوامهما.

فالجواب : إنّهم لمّا قالوا بالكلام النفسي ، وإنّه صفة لذات الله تعالى ، فيلزم أن تكون هذه الصفة أزلية وأبدية

والكلام لمّا اشتمل على الأمر والنهي يكون الأمر في الكلام النفسي أزلا وأبدا ، ولكن لا يلزم أن يكون آمرا وناهيا بالفعل قبل وجود الخطاب والمخاطبين حتّى يلزم السفه ـ كما سبق ـ ، بل الكلام بحيث لو تعلّق الخطاب عند التلفّظ به يكون المتكلّم آمرا وناهيا ، وهذا فرع لإثبات الكلام النفساني ، فأيّ غرابة في هذا الكلام؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٠٩.

٣٧٦

وأقول :

قد عرفت بطلان أجوبته ، ومنه تعرف بطلان جوابه هنا ، ولا أدري لم التزم بعدم الخطاب في القدم والأزل ، وقد أجازوا خطاب المعدوم(١) وقالوا : لا يقبح منه شيء؟!(٢) .

نعم ، لمّا علم أنّ خطاب المعدوم سفه بالضرورة ، التزم بعدم الخطاب غفلة عن مذهبه!

ولو التفت لكابر في نفي السفه ، كما كابر في نفي الأمر والنهي الفعليّين ، مع الالتزام بثبوت الأمر والنهي النفسيّين ، والحال أنّ النفسي مدلول الفعلي ، وكابر في ثبوت الأمر والنهي النفسيّين بدون الخطاب ، مع إنّهما لا يحصلان بدونه.

* * *

__________________

(١) التقريب والإرشاد ـ للباقلّاني ـ ٢ / ٢٩٨ وما بعدها ، المستصفى من علم الأصول ١ / ٨٥ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٠٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٦٦.

(٢) انظر : المسائل الخمسون : ٦١ المسألة ٣٦ ، المواقف : ٣٢٨.

٣٧٧

قال المصنّف ١(١) :

وقالت الإمامية : إنّ أنبياء الله وأئمّته منزّهون عن المعاصي ، وعمّا يستخفّ وينفّر(٢) .

ودانوا بتعظيم أهل البيت الّذين أمر الله بمودّتهم وجعلها أجر الرسالة ، فقال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )(٣) .

وقال أهل السنّة كافّة : إنّه يجوز عليهم الصغائر(٤) .

وجوّزتالأشاعرة عليهم الكبائر(٥) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٨.

(٢) أوائل المقالات ٤ / ٦٢ و ٦٥ ، تصحيح الاعتقاد : ١٢٩ ، الذخيرة في علم الكلام : ٣٣٧ و ٤٢٩ ، شرح جمل العلم والعمل : ١٩٢ ، تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ١٥ ، المنقذ من التقليد ١ / ٤٢٤ ، تجريد الاعتقاد : ٢١٣ و ٢٢٢.

(٣) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٤) التقريب والإرشاد ١ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٣٢١ وقال : « وأمّا أنّه هل يجب كونهم معصومين عن الصغائر قبل البعثة وبعدها؟

فالروافض أوجبوا ذلك ومن عداهم جوّزوا ذلك » ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٧٩ وج ٢ / ١١٦ و ١١٧ ، المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٥ وقال : « أمّا الصغائر عمدا فجوّزه الجمهور إلّا الجبّائي ».

(٥) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٣٢٠ ، المواقف : ٣٥٩ ، شرح المواقف ٨ / ٢٦٤ و ٢٦٥.

٣٧٨

وقال الفضل(١) :

أجمع أهل الملل والشرائع كلّها على وجوب عصمة الأنبياء عن تعمّد الكذب في ما دلّ المعجز القاطع على صدقهم فيه ، كدعوى الرسالة وما يبلّغونه عن الله وأمّا سائر الذنوب فأجمعت الأمّة على عصمتهم من الكفر(٢) .

وجوّز الشيعة إظهار الكفر تقيّة عند خوف الهلاك ؛ لأنّ إظهار الإسلام حينئذ إلقاء للنفس في التهلكة ، وذلك باطل ؛ لأنّه يقضي إلى إخفاء الدعوة بالكلّيّة وترك تبليغ الرسالة ، إذ أولى الأوقات بالتقيّة وقت الدعوة ، للضعف بسبب قلّة الموافق وكثرة المخالفين(٣) .

وأمّا غير الكفر من الكبائر ، فمنعه الجمهور من الأشاعرة والمحقّقين.

وأمّا الصغائر عمدا ، فجوّزه الجمهور إلّا الصغائر الخسيسة كسرقة حبّة أو لقمة(٤) ، للزوم المخالفة لمنصب النبوّة.

هذا مذهبهم ، فنسبة تجويز الكبائر إلى الأشاعرة افتراء محض.

وأمّا ما ذكر من تعظيم أنبياء الله وأهل بيت النبوّة ، فهو شعار أهل السنّة ، والتعظيم ليس عداوة الصحابة ، كما زعمه الشيعة والروافض ، بل

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣١٢.

(٢) شرح المواقف ٨ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

(٣) شرح المواقف ٨ / ٢٦٤.

(٤) انظر : شرح المواقف ٨ / ٢٦٤.

٣٧٩

التعظيم أداء حقوق عظم قدرهم في المتابعة ، وذكرهم بالتفخيم ، واعتقاد قربهم من الله ورسوله ، وهذه خصلة اتّصف بها أهل السنّة والجماعة.

* * *

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534