بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية11%

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية مؤلف:
المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 534

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184252 / تحميل: 7018
الحجم الحجم الحجم
بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وأصحابه في قتال أهل الردة -: ورواه عن النبي مرفوعا أنهم قوم أبي موسى الأشعري عن عياض الأشعري قال ورواه الحاكم في صحيحه عن عثمان بن السماك عن عبد الملك بن محمد عن وهب عن جرير عن شعبة.

أقول و(١) قال محمد بن حبان أبو حاتم صاحب كتاب المجروحين وهو غير متهم فيما يذكره على رجال المخالفين في الفضل بن دلهم سمعت الحنبلي يقول سمعت أحمد بن زهير يقول سألت يحيى بن معن(٢) عن الفضل بن دلهم فقال ضعيف الحديث(٣) .

وأما ما يتعلق بالضحاك فقد ذكر ابن حبان ثلاثة بهذا الاسم وضعفهم وهم الضحاك(٤) بن بيراس(٥) والضحاك بن الأهوار(٦) والضحاك(٧) بن حجرة المسبحي(٨) .

وقال وأما ما يتعلق بجويبر بن سعد(٩) أصله من بلخ ضعفه يحيى بن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا توجد في: ن.

(٢) ن: معين وكذا المصدر.

(٣) المجروحين: ٢ / ٢١٠.

(٤) قال ابن حبان:

اخبرنا الحنبلي قال: حدثنا احمد بن زهير عن يحيى بن معين، قال: الضحاك بن نبراس ليس بشيء. المجروحين: ١ / ٣٧٩.

(٥) ن: نيراس وفي المصدر: نبراس.

(٦) ن: الضحاك بن زيد الاهوازي وكذا في المصدر. قال محمد بن حبان: يروى عن اسماعيل ابن ابي خالد وروى عنه عبد الملك بن مروان الاهوازي وكان ممن يرفع المراسيل ويسند الموقوف، لا يجوز الاحتجاج به، لما كثر منها. راجع المجروحين: ١ / ٣٧٩.

(٧) في المصدر: الضحاك بن حجوة المنبجي وقال عنه: يروى عن ابن عيينة وأهل بلده، العجائب اخبرنا عنه عمر بن سعيد بن سنان بنسخة مقلوبة يطول ذكرها، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه الا للمعرفة فقط. انظر المجروحين ١ / ٣٧٩.

(٨) ن: المسيحي.

(٩) ن: وقال جويبر بن سعيد الى اخره.

٢٦١

سعد(١) يروي عن الضحاك أشياء(٢) مقلوبة فقال كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن جويبر بن سعد سمعت محمد بن محمود(٣) يقول قلت ليحيي بن معن(٤) جويبر كيف حديثه فقال ضعيف(٥) .

قال وقالت العثمانية فإن زعمت الرافضة أن الله أنزل في علي آيا كثيرا وذكر قوله تعالى( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٦) وضعف الرواية ورجح قصة الغار ومسطح(٧) .

وسوف نعتبر أصل هذه الرواية كذا حكى عن الأصحاب أن قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) (٨) أنها نزلت في علي وسوف نعتبر أصل هذه الرواية إن شاء الله تعالى.

أقول: إني اعتبرت كتاب الشيخ العالم أبي الفرج الأصفهاني الأموي في الآي النازل(٩) في أهل البيتعليهم‌السلام فرأيته قد روى من عدة طرق منها أخبرني أحمد بن الحسن قال حدثنا أبي قال حدثنا حصين بن مخارق عن سعيد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن عليعليه‌السلام في

__________________

(١) ن: سعيد وكذا المصدر.

(٢) ن: اسانيد.

(٣) ن بزيادة: سمعت الدارمي يقول. وكذا في المصدر.

(٤) ن: معين. وكذلك في المصدر.

(٥) راجع المجروحين: ١ / ٢١٧.

(٦) النساء: ٥٩.

والآية كاملة هي: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) .

(٧) العثمانية: ١١٥ و ١١٧.

(٨) البقرة: ٢٠٨.

وتتمتها: ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) .

(٩) ن: النازلة.

٢٦٢

قوله تعالى( ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) (١) فقال(٢) ولايتنا أهل البيت(٣)

وروى من طريقين أحدهما عن الباقر والآخر عن علي بن الحسينعليه‌السلام أن الدخول في السلم ولاية آل محمد.

وفي رواية أخرى في الآية عن الباقر أنه قال أمروا والله بولاية علي بن أبي طالب وآل محمدعليهم‌السلام (٤) .

وأما الأولى: فرواها الشيخ المذكور بإسناده إلى أبي مريم قال سألت جعفر بن محمد الصادق عن هذه الآية( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ ) الآية فقال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام منهم فقلت يا ابن رسول الله أكانت طاعته مفترضة فقال والله ما كانت لأحد من هذه الأمة إلا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة من أطاع رسول الله فليطع أمير المؤمنين من طاعة الله عز وجل(٥)

ورواه(٦) بهذا الطريق أنها نزلت في علي بن أبي طالب وآل محمدعليهم‌السلام (٧) قال وزعموا أن الله أنزل( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ )

__________________

(١) البقرة: ٢٠٨.

والآية كاملة: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) .

(٢) ن: قال.

(٣) ما نزل من القرآن في أهل البيت: مخطوط ومفقود.

(٤) روى نزول الآية بشان أمير المؤمنين بالاضافة الى ابي الفرج الاصفهاني القندوزي في ينابيع المودة: ١١١.

(٥) ن: من اطاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اطاع الله عزّ وجلّ.

(٦) ن: ورواية هذا الطريق.

(٧) ما نزل من القرآن في أهل البيت: مخطوط.

وروى نزول هذه الآية بشان أمير المؤمنين عليه‌السلام جماعة منهم:

النيشابوري في تفسيره: ٥ / ٧٩ والقندوزي في ينابيع المودة: ١١٦ والحسكاني في شواهد التنزيل: ١ / ١٤٨ وابن حيان الاندلسي المغربي في تفسيره ( على ما في احقاق الحق: ٣ / ٤٢٤ ).

٢٦٣

الآية(١) .

أقول والكلام ناقص إذ يفوته(٢) في علي.

وروى هو غير ذلك من كونها نزلت في قصة أشار إليها(٣) قال وإن يكن الأمر على غير ذلك فليس(٤) تأويل الرافضة بأقرب التأويل(٥) .

والذي أقول على هذا إن أبا عثمان لم يسند روايته وكذا الواحدي وهو إلى العداوة أقرب لم يسند قوله أنها في غير عليعليه‌السلام وإنما حكى ذلك حكاية.

__________________

(١) العثمانية: ١١٨.

(٢) ن: بدل ( يفوته ) ( تتمته ).

(٣) قال الجاحظ:

اما ظاهر الكلام، فيدل على ما قال اصحاب التأويل كابن عباس وغيره، حين زعموا انها نزلت في عبد الله بن سلام ورهط من مشركي أهل الكتاب، وذلك انهم اتوا النبي (ص) عند الظهر، فقالوا: يا رسول الله، ان بيوتنا قاصية، ولا نجد مسجدا دون هذا المسجد، وان قومنا لما صدقنا الله ورسوله عادونا، وتركوا مخالطتنا، واقسموا الا يكلمونا، فبينما هم يشكون عداوة قومهم لهم، اذ نزلت: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) . فلما قرأها النبي (ص) قالوا: رضينا بولاية الله ورسوله والمؤمنين واذّن بلال للصلاة فخرج النبي (ص) الى المسجد وهم معه، والناس من بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فتلا النبي (ص) ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) فان تكن هذه الآية كما قال ابن عباس ومجاهد، فليس لعلي فيها ذكر. انظر العثمانية: ١١٨.

(٤) لا توجد في ق.

(٥) قال الجاحظ: وقد عرفنا ان تأويل هذا الكلام يشبه غير الذي قالوا، وليس لنا ان نجعله كما قالوا الا بخبر عن النبي (ص) او باجماع من اصحاب التاويل على تفسيره وذلك ان قوله:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) يدل على العدد الكبير، وانتم تزعمون انه عنى عليا وحده، وليس لأحد ان يجعل( الَّذِينَ ) لواحد الا بخبر يجمع عليه، فان لم يقدر على ذلك فليس له ان يحوّل معنى الكلام عن ظاهر لفظه: انظر العثمانية: ١١٩.

٢٦٤

إذن(١) نحن نثبت ما يدعيه الأصحاب بالروايات المتكاثرات المعتبرات وإذا تقرر ذلك حملنا قوله تعالى( وَهُمْ راكِعُونَ ) بلفظ الجمع على تفخيم أمير المؤمنينعليه‌السلام وقد يأتي لفظ الجمع ويراد به الواحد قال الراجز

جاء الشتاء وقميصي أخلاق

شراذم يضحك مني النواق(٢)

وهذا ظاهر في باب الأدب. الإشارة إلى جملة من الروايات في ذلك من طرق شيخ لا يتهم نحكي منها المعنى إيثارا للإيجاز فنقول:

روى الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بإسناده المتصل إلى أبي رافع قال دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو نائم وحية في جانب البيت فكرهت أن أثب عليها وأوقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخفت أن يكون يوحى(٣) إليه فاضطجعت بين الحية وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن كان فيها سوء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دونه فمكثت ساعة فاستيقظ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) الحمد لله الذي أتم لعلي نعمه وهنيئا لعلي تفضيل الله تعالى إياه(٤)

__________________

(١) ق ون: بدل ( اذن ) ( لكنا ).

(٢) النواق: اسم ابن الشاعر كما في الهامش.

(٣) ن: اوحي.

(٤) المائدة: ٥٥. روى نزول هذه الآية بشأن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام طائفة من المفسرين والمحدثين منهم:

محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: ٨٨ والآلوسي في روح المعاني: ٦ / ١٤٩ والشوكاني في فتح القدير: ٢ / ٥٠ وابن حيان الاندلسي في البحر المحيط: ٣ / ٥١٣ وابن كثير في، تفسيره: ٢ / ٧١ والنيسابوري في اسباب النزول: ١٤٨ والسيوطي في لباب النقول: ٩٠ وسبط

٢٦٥

وروى بإسناده المتصل عن ابن عباس في قول الله عز وجل( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) إلى قوله تعالى( فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) (١) قال أتى عبد الله بن سلام ورهطه من أهل الكتاب نبي الله فقالوا يا رسول الله إن بيوتنا قاصية لا نجد أحدا يجالسنا ويخالطنا دون هذا المسجد وإن قومنا لما رأونا صدقنا الله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا العداوة وأقسموا لا يخالطونا ولا يؤاكلونا فشق ذلك علينا فبينما(٢) هم يشكون ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ نزلت هذه الآية على رسوله( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) فنودي بالصلاة صلاة الظهر وخرج رسول الله إلى المسجد والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد فإذا مسكين يسأل فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال أعطاك أحد شيئا قال نعم قال(٣) من قال ذاك الرجل القائم قال على أي حال

__________________

ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ١٨ والشبلنجي في نور الابصار: ١٠٥ والطبري في تفسيره: ٦ / ١٦٥ والخازن في تفسيره: ١ / ٤٧٥ والقندوزي في ينابيع المودة: ١ / ١١٤ والزمخشري في الكشاف ١ / ٣٤٧ والرازي في تفسيره: ١٢ / ٢٦ والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير الآية. وذكر المتقى في كنز العمال: ٧ / ٣٠٥ قال:

عن ابي رافع دخلت على رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم وهو نائم - او يوحى اليه - واذا حيّة في جانب البيت فكرهت ان اقتلها وايقظه فاضطجعت بينه وبين الحيّة فاذا كان شيء كان بي دونه، فاستيقظ وهو يتلو هذه الآية: ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) فقال: الحمد الله فرآني الى جنبه فقال: ما اضجعك هنا؟

قلت: لمكان هذه الحيّة، قال: قم اليها فاقتلها فقتلتها، ثم اخذ بيدي فقال: يا ابا رافع سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا، حقا على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه ليس وراء ذلك شيء. قال اخرجه الطبراني وابن مردويه وابو نعيم.

(١)( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) المائدة: ٥٦.

(٢) ن: فبينا.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج.

٢٦٦

أعطاكها قال وهو راكع قال وذلك علي بن أبي طالب فكبر رسول الله عند ذلك وهو يقول( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) (١) .

ورواه بالسند المتصل إلى محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس فأنشد حسان بن ثابت يقول في ذلك:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكل بطيء في الهدى(٢) ومسارع

أيذهب مدحي والمحبر ضائعا

وما المدح في جنب الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا

أقول فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

فبينها(٣) في محكمات الشرائع

وروى في إسناده المتصل عن جعفر بن محمد أنها نزلت في علي وروي عن الباقر كلاما يشتبه الحال فيه(٤) .

وروى بإسناده المتصل عن عبد الوهاب بن مجاهد عن ابن عباس( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) قال علي بن أبي طالب:

وروى مسندا إلى مجاهد أنها نزلت في علي بن أبي طالب(٥) ولم أحك اللفظ.

وروى ذلك في إسناد متصل بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ورواه مرفوعا إلى عمار بن ياسر ورواه في إسناد متصل بميمون بن مهران عن ابن

__________________

(١) المائدة: ٥٦ وذكره ايضا السيوطي في الدر المنثور في ذيل الآية الشريفة باختلاف في اللفظ.

(٢) ق: الهوى.

(٣) ن: وبيّنها.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

٢٦٧

عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب(١) .

ورواه في إسناد متصل بسلمة بن كهيل(٢) وروى ذلك(٣) في إسناد متصل عن الحسن بن زيد عن أبيه عن آبائه ورواه من طريق آخر عن ابن عباس ومن طريقين آخرين ومن طريق آخر متصل بابن عباس(٤) .

[ وروى بإسناده المتصل عن مجاهد ](٥) .

[ ورواه بإسناد متصل(٦) عن السدي ](٧) ورواه في إسناد متصل بالضحاك عن ابن عباس ورواه الثعلبي في إسناد متصل بعباية الربعي في متن مطول حسن قال في سياقه قال أبو ذر فو الله ما استتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنزل عليه جبرئيلعليه‌السلام من عند الله عز وجل فقال يا محمد اقرأ قال وما أقرأ قال(٨) اقرأ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) .

وذكر أن إعطاء السائل الخاتم كان بعين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعاءه بعد ذلك اللهم ف( اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) عليا اشدد به ظهري(٩) وحكى الثعلبي عن السدي وعتبة(١٠) بن أبي حكيم وعتبة بن عبد الله إنما عنى بقوله سبحانه( وَالَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٣) ن: ورواه.

(٤) ن: عن السدى.

(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق ون.

(٦) ق: وروى باسناده المتصل.

(٧) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٨) لا يوجد في: ج.

(٩) الكشف والبيان: مخطوط.

(١٠) ق: عنه ابن ابي حكيم.

٢٦٨

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) علي بن أبي طالب مر به سائل وهو في المسجد فأعطاه خاتمه(١) .

أقول: وقد روى الثعلبي بإسناد عن ابن عباس أنها نزلت في عبادة بن الصامت وأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى الشيخ الفاضل العالم يحيى بن البطريق(٢) من طريق ابن المغازلي الشافعي بالإسناد الذي له إليه قال أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن(٣) الحسن بن شاذان البزاز إذنا قال حدثنا الحسن(٤) بن علي العدوي قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) قال نزلت في عليعليه‌السلام (٥) .

وهذا طريق لا أعرف فيه متهما مقدوحا فيه وفي صحيح النسائي عن ابن سلام قال أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا يا رسول الله إن قومنا حادونا لما صدقنا(٦) الله ورسوله وأقسموا لا يكلموننا فأنزل الله تعالى( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية ثم أذن بلال موذنه لصلاة الظهر فقام الناس يصلون فمن بين ساجد وراكع وسائل يسأل(٧) فأعطى علي خاتمه وهو راكع فأخبر السائل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرأ

__________________

(١) الكشف والبيان: مخطوط.

(٢) عمدة عيون صحاح الاخبار: ١٢٢.

(٣) ق: عن.

(٤) في المصدر: الحسين.

(٥) مناقب ابن المغازلي: ٣١١ حديث ٣٥٤.

(٦) ن: صدوا.

(٧) ن: اذ سائل بسوال.

٢٦٩

علينا رسول الله( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) إلى آخر الآية(١) .

أقول إن الترجيح لما رويناه من وجوه.

أحدها كثرة الرواية(٢) والقائلين ونزارة هذه الرواية.

الوجه الثاني أن أيام رسول الله عقبتها دول مختلفة منها دولة بني أمية وعبد الله بن الزبير والجميع أعداء مجاهرون إلا عمر بن عبد العزيز وكان معاوية يبذل الرغائب على الوضع من عليعليه‌السلام وسبه وكانوا يعلمون الصبيان في المكاتب فنونا تضع من عليعليه‌السلام حتى أن معاوية بذل لسمرة بن جندب(٣) أربعمائة ألف درهم على معنيين يجعل أحدهما في علي والآخر في عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فأجاب إلى ذلك وهو قوله تعالى( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) (٤) والمعنى الآخر( وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها ) (٥) المعنى المتعلق بالمدح في

__________________

(١) عمدة عيون صحاح الاخبار: ١٢١ نقلا عن الجمع بين الصحاح الستة من صحيح النسائي وكذلك غاية المرام: ١٠٤ والدر المنثور: ٢ / ٢٩٣.

(٢) ن: الروايات.

(٣) سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، نزل البصرة وسكن بها.

عن ابي هريرة: ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعشرة في بيت من اصحابه: « اخركم موتا في النار » فيهم سمرة بن جندب فكان سمرة اخرهم موتا. عن عامر بن ابي عامر، قال: كنا في مجلس يونس بن عبيد فقالوا: ما في الارض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه، يعنون دار الامارة قتل بها سبعون الفا. فسالت يونس، فقال: نعم من بين قتيل وقطيع، قيل من فعل ذلك؟ قال: زياد وابنه وسمرة. مات سمرة سنة ثمان وخمسين وقيل: سنة تسع وخمسين انظر: سير اعلام النبلاء: ٣ / ١٨٣ واسد الغابة: ٢ / ٣٥٤ والاصابة: ٢ / ٧٨ والجرح والتعديل: ٤ / ١٥٤.

(٤) البقرة: ٢٠٧ واخر الآية:( وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) .

(٥) البقرة: ٢٠٥

٢٧٠

عبد الرحمن والمتعلق بالذم في علي.

ثم إن الرواية عن ابن عباس ليس فيها صورة حال وجملة من هذه الروايات فيها صورة أحوال وهي قرينة(١) صوابها.

وأما رواية ابن عباس إن صحت عنه فلعله سمع من غير ثقة فأدى ذلك على ما سمع أو حسن ظنه مثلا(٢) بمن لم يحسن الظن به.

وتعلق الجاحظ في الخلاف بفنون منها أن عليا كان أزهد الناس فكيف يحول الحول وعنده مال يجب فيه الزكاة(٣) .

قال ولو كان ذلك كذلك ما كان بلغ من قدر صنيع رجل في إعطاء درهم ودرهمين من زكاته الواجبة ما إن يبلغ به إلى هذه القدر الذي ليس فوقه قدر(٤) .

قال وكيف اتفق له ألا يزكى إلا وهو يصلي(٥) قال فإن لا تفيد الآية الدلالة إلا أن تكون مشهورة كقصة(٦) الغار أو يكون لفظه يدل على غير ما قال غيرهم أو أن ينص الرسول على أن هذه الآية نزلت في علي ولو كان كذلك ما اختلف فيه أصحاب التأويل(٧) .

__________________

وتتمتها:( وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) .

(١) ق: قريبة.

(٢) لا يوجد في: ق.

(٣) العثمانية: ١١٩.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

(٦) ق: كقضية.

(٧) العثمانية: ١٢٠.

٢٧١

والذي أقول على هذه الجملة(١) إن أبا عثمان أسلف فيما مضى أن أبا بكر أزهد من أمير المؤمنين وهاهنا ذكر أن أمير المؤمنين أزهد الناس فهو لا محالة كاذب في أحد القولين.

قوله كيف يجامع الزهد استبقاء المال حولا يجب فيه الزكاة قول ساقط من وجوه أحدها أن الله تعالى قال لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) (٢) أي لا تكن بخيلا ولا متلافا فتعينت متابعته( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٣) .

أضربنا عن هذا فبناء الجاحظ على أن الزكاة وجوبها محصور في حئول(٤) الحول دليل جهله إذ الغلات لا يراعى في(٥) وجوبها الحول فلعل مولانا زرع زرعا أو جاءه ثمر(٦) نخل تعينت فيه الزكاة وكان أداؤه في وقت ذلك.

أضربنا عن هذا فهل يستنكر لزاهد أو نبي أن يكون عنده خمسة أباعر لسفره وحركته ومنفعته الفنون(٧) في حضرته؟

هذا لا ينكره إلا سفيه لا يعرف السنة ولا مذاهب الحكمة وشرف المزايا إذ من بذل ما في يديه احتاج إلى غيره وذل لمن سواه والمؤمن لا

__________________

(١) ج ون: بزيادة ( اولا ).

(٢) الاسراء: ٢٩.

(٣) الاحزاب: ٢١.

تتمتها: ( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) .

(٤) ن: حول.

(٥) لا توجد في: ن.

(٦) ق: تمر.

(٧) الفنون: ما يشعر مزاولها بلذة عند مزاولته اياها كركوب الخيل ( المنجد ).

٢٧٢

يذل نفسه وما كل نفس ترضى بالمهابط السفلية والرذائل الدنية.

قوله وما بلغ من قدر الصدقة بدرهمين حتى يبلغ به هذا المبلغ(١) .

قلت هذا مع الذي قررناه(٢) من صواب الرواية بحث مع إله الوجود.

أضربنا عن هذا فإن الذي شرع فيه ناقضا(٣) لغرضنا بان لغرضنا إذ كان الشكر التمام كما ذكر مع نزارة الدرهمين برهان إخلاص مولانا صلوات الله عليه وإلا(٤) فهي نظرا إلى حقارتها ليست موضع المدح التام كما ذكر.

أضربنا عن هذا فلعل الله تعالى جلاله أراد أن يوقظ أحداق(٥) الغافلين بالثناء الجم حيث لم يفعلوا مثل فعله مقوما لهم عوج غفلتهم بذلك.

أضربنا عن هذا فلعل الله تعالى(٦) جلاله أراد أن يبين أن كثيرا ممن يتصدق لا تقارن أعماله خلوص النية ليرجع إلى الله تعالى في إخلاص النية حيث يرى أثرها.

أضربنا عن هذا فلعل الله تعالى أراد أن يبين لمن يبالغ في الثناء على إنسان عند إعطاء الأموال الوافرة أن هاتيك الصدقات غير منوطة بالمقاصد الصالحات لئلا يعتمدوا عليه ويقصدوا في المهمات إليه فيزلوا.

بيان ذلك أنهم يرون الثناء الجم توجه لأجل درهمين ولا يتوجه إلى

__________________

(١) العثمانية: ١١٩.

(٢) ق: كررناه.

(٣) ق: ناقصا.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٥) ن: حذّاق.

(٦) ن بزيادة: جل.

٢٧٣

غيره بإعطاء المال الجم أو ليزيل(١) عن خاطر من يظن أنه مخلص أنه مخلص(٢) لئلا يدخله الزهو والعجب.

وأما استطرافه(٣) لكونه أدى الزكاة في حال صلاته لا في غير تلك الحال فإن الجواب عنه بما أنه رأى المحل القابل وقعود من حضر عن مساعدته فرأى اغتنام(٤) رحمته أو لأن الله تعالى بعث ذلك السائل ليظهر للحاضرين قدر عناية الله تعالى به عقيب صدقته بما أنزل من الآي في مدحته وإرغام الأعداء بتفخيم ناحيته(٥) من حضر منهم ومن غاب عنهم.

وأما قوله(٦) إنه إما لفظ دال أو ما يناسب خبر الغار فقد بينا فيما روينا صريحا عن أعيان وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرائن أحوال أن الآية نزلت في أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وأما حديث الغار فقد تكرر وتكرر الجواب عنه.

وقال لسان الجارودية عند استثمار الشرف منه:

على أنني راض بأن أحمل الهوى

وأخلص منه لا علي ولا ليا.

وأما قوله إن النبي لو نص على أن الآية في أمير المؤمنين ما اختلفوا فيه(٧) فقول رجل جاهل بالسنة بعيد عن صواب النقل إذ الآثار النبوية مختلفة جدا وما لزم ذلك بطلانها.

__________________

(١) ن: فيزول.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٣) ن: استطراقه.

(٤) ق وج: اغنام.

(٥) ن: ناحية.

(٦) لا يوجد في: ج.

(٧) العثمانية: ١٢٠.

٢٧٤

وعلى قود بحث الجاحظ يلزم الطعن في القرآن المجيد إذ المسلمون مختلفون(١) عنه حسب الآيات المختلفة في ظاهرها فلأن لزم الاختلاف في التأويل بطلان ما اختلفوا فيه كان هذا سعيا في فساد القرآن وهو كفر وما يجهل مثل هذا إلا غبي.

هذا فيما يرجع إلى أحكام ليست أغراضا للمختلفين فكيف ما هو مظنة لاختلاف المختلفين ومنع قول من قال إن قول الله تعالى( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٢) علي(٣) .

فقد(٤) ذكرنا ما عندنا في ذلك في مطاوي هذه الأوراق وقرائن الأحوال شاهدة بأنه المحل القابل لها ولو لم تنطق هذه الرواية بها وقد سلف تبيينه(٥) على ذلك.

قال وكذب إن النبي مات ولم يجمع القرآن(٦) إذ القراء المشهورون يروون عن الأوائل الذين مصدر القراءة عنهم أنهم قرءوه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف يقرؤه من لا يجمعه؟

وقد ذكر ابن عبد البر المغربي أن جماعة جمعوا القرآن على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم علي(٧) .

__________________

(١) ن: يختلفون.

(٢) الرعد: ٤٣.

والآية كاملة هي: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) .

(٣) العثمانية: ١٢١.

(٤) ن: وقد.

(٥) ق: تبنيه.

(٦) العثمانية: ١٢١.

(٧) لم اعثر عليه في الاستيعاب المطبوع.

٢٧٥

وقد سبق من قبل في كلام المخذول على ما حكيته عنه أن جماعة كانوا مخصوصين بحفظ القرآن على عهد رسول الله فكيف يحفظ شيء(١) لم يجمع بعد ولكن المخذول يتكلم(٢) بحسب الهوى غير ناظر في عاقبة.

وطعن بما أن السائل إذا سأل عن علماء التأويل ذكروا ابن عباس ونحوه ولم يذكروه(٣) وقد سبق جواب الجاهل عن ذلك وأتمم ذلك فأقول:

إنه قد يكون إغفال ذكره لاشتهار أمره إذ الشمس لا تحتاج إلى دال عليها ولا كاشف لها وأما أن أبا بكر وعمر لا يذكران في علماء التأويل كما قال فإن الوجه فيه عدم ضبطهما القرآن وحفظه فكيف يتأول متأول شيئا لا يحويه ولا يدريه.

وقد كان عمر رضوان الله عليه حفظ البقرة في سبع عشرة سنة وقيل في اثنتي عشرة سنة ونحر جزورا(٤) .

وهذا يوضح عذره رضوان الله عليه في عدم المعرفة بالتأويل وكذا نعذر أبا بكر(٥) في عدم المعرفة بالأب وعمر أيضا(٦) .

__________________

(١) ن: بزيادة: و.

(٢) ن: تكلم.

(٣) العثمانية: ١٢١.

(٤) عن عبد الله بن عمر، قال: تعلم عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزورا. انظر: تفسير القرطبي ١ / ٣٤ وشرح ابن ابي الحديد: ٣ / ١١١ والدر المنثور:١ / ٢١.

(٥) اخرج ابو عبيدة عن ابراهيم التيمي قال:

سئل ابو بكر عن قوله تعالى: ( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) ؟ فقال: اي سماء تظلني؟ او اي ارض تقلني ان قلت في كتاب الله ما لا اعلم؟ وفي لفظ القرطبي: اي سماء تظلني؟ واي ارض تقلني؟ واين اذهب؟ وكيف اصنع؟ اذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما اراد تبارك وتعالى.

ذكره القرطبي في تفسيره: ١ / ٢٩ الزمخشري في الكشاف: ٣ / ٢٥٣ وابن كثير في تفسيره: ١ / ٥ الخازن في تفسيره: ٤ / ٣٧٤ النسفي في تفسيره: ٨ / ٣٨٩ السيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٣١٧ ابن حجر في فتح الباري: ١٣ / ٢٣٠.

(٦) عن انس بن مالك قال:

٢٧٦

ورجح عبد الله بن عباس في معرفة التأويل قال في معرفته ولم نجد عند أحد شطره ولا قريبا منه(١) يعرض بأمير المؤمنين.

ويكفينا في الشهادة(٢) على تكذيبه ذل الحبر المعظم ابن عباس بين يديه واستخذاؤه عند ما نبهه عليه(٣) من معنى( الْعادِياتِ ) عليه وقد سلف(٤) من طريق لا يتهم فأراد الجاحظ أن يضع من علي فرفع منه إذ كان المدعى له معرفة التأويل ضارعا عنده مستفيدا منه مقرا على نفسه بالعجز عن مداناته على ما أسلفت فأراد الجاحظ أن يذم فمدح وأن يفضح فافتضح.

__________________

ان عمر قرأ على المنبر:( فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدائِقَ غُلْباً. وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) ، قال: كل هذا عرفناه فما الاب؟ ثم رفض عصا كانت في يده فقال: هذا لعمر الله هو التكلف، فما عليك ان لا تدري ما الاب؟ اتبعوا ما بيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه الى ربه. وفي لفظ اخر: قال انس: بينا عمر جالس في اصحابه اذ تلا هذه الآية: ( فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا ) الى اخرها ثم قال: هذا كله عرفناه فما الاب؟ قال: وفي يده عصية يضرب بها الارض فقال: هذا لعمر الله التكلف، فخذوا ايها الناس بما بيّن لكم فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه الى ربه. وبلفظ اخر ان عمر قرأ هذه الآية فقال: كل هذا عرفناه فما الاب؟ ثم رفض عما كانت بيده وقال: هذا لعمر الله التكلف، وما عليك يا ابن ام عمر ان لا تدري ما الاب، ثم قال: اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه وعن ثابت: ان رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله: ( وَفاكِهَةً وَأَبًّا ) : ما الاب؟ فقال عمر: نهينا عن التعمق والتكلف اورد هذه الاحاديث:

ابن جرير في تفسيره: ٣٠ / ٣٨ والحاكم في المستدرك: ٢ / ٥١٤ والخطيب في تاريخ بغداد: ١١ / ٤٦٨ والزمخشري في الكشاف: ٣ / ٢٥٣ ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٤٩ وابن الاثير في النهاية: ١ / ١٠ وابن كثير في تفسيره: ٤ / ٤٧٣ والخازن في تفسيره: ٤ / ٣٧٤ والسيوطي في الدر المنثور: ٦ / ٣١٧ والمتقى في كنز العمال: ١ / ٢٢٧ وابن حجر في فتح الباري: ١٣ / ٢٣٠ والقسطلاني في ارشاد الساري: ١٠ / ٢٩٨.

(١) العثمانية: ١٢٢.

(٢) ن: بالشهادة.

(٣) ج: تممه.

(٤) ص: (١٠٧).

٢٧٧

وأما أنه لو كانت الآية كما تزعم الروافض كما قال لعرفها ابن عباس فقد روينا عنه(١) ما يشهد بما حاولناه من غير طريق الروافض كما زعم وأراه إشارة إلى قوله تعالى( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية. ادعى أن العثمانية فضلت أبا بكر على علي بما أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سماه الصديق قال ولم يسم النبي عليا باسم يبينه(٢) به(٣) .

وهذا قول جاهل بالسيرة أو معاند وكلا القسمين يمنعان ذا الدين أن يجاري أهل الفضل في ميادينه ويساميهم في براهينه إذ قد روى المحدثون من غيرنا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بانه بكونه أمير المؤمنين(٤) ذكر أخي السعيد رضى

__________________

(١) ن: عليه.

(٢) في المصدر: ينسبه.

(٣) العثمانية: ١٢٢.

(٤) روى ابو نعيم الاصفهاني في حلية الاولياء ١ / ٦٣ بسنده عن انس قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ]: يا انس اسكب لي وضوءا ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين قال انس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الانصار وكتمته اذ جاء علي فقال: من هذا يا انس؟ فقلت: علي فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه ويمسح عرق وجه علي بوجهه قال علي: يا رسول الله لقد رايتك صنعت بي شيئا ما صنعت بي من قبل قال وما يمنعني وانت تودي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.

وروى الحديث بعين ما تقدم:

الخوارزمي في مناقبه: ٤٢ وكمال الدين الشافعي في مطالب السوول: ٢١ والحمويني في فرائد السمطين: ١ / ١٤٥ وابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ٢ / ٢٥٩.

وفي تاريخ بغداد: ١٣ / ١٢٢ بسنده عن ابن عباس قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم: ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن اربعة فقام عمه العباس فقال له: فداك ابي وامي انت ومن؟ قال: اما انا فعلى دابة الله البراق، واما اخي صالح على ناقة الله التي عقرت، وعمي حمزة اسد الله واسد رسوله على ناقتي العضباء، واخي

٢٧٨

الدين (١) قدس الله تعالى روحه فيما سطره إلي ما صورته

__________________

وابن عمي وصهري علي بن ابي طالب على ناقة من نوق الجنة.

( الى ان قال ) فلا يمر بملأ من الملائكة الا قالوا: هذا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو حامل عرش رب العالمين، فينادي مناد من لدنان العرش - او قال: من بطنان العرش - ليس هذا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، ولا حامل عرش رب العالمين، هذا علي بن ابي طالب أمير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين الى جنان رب العالمين، افلح من صدقه، وخاب من كذبه، ولو ان عابدا عبد الله بين الركن والمقام الف عام والف عام حتى يكون كالشن البالي ولقي الله مبغضا لآل محمد اكبه الله على منخره في نار جهنم.

وفي مناقب اخطب خطباء خوارزم: ٨٦ بسنده عن ابن عباس قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] هذا علي بن ابي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي وقال يا ام سلمة اشهدي واعلمي واسمعي هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وعيبة علمي وبابي الذي اوتى منه، اخي في الدين وخدني في الآخرة ومعي فى السنام الاعلى.

(١) هو السيد رضي الدين ابو القاسم علي بن موسى بن جعفر الحسني اخو المؤلف.

عالم زاهد فقيه ورع اديب شاعر صاحب الكرامات والمقامات العالية.

قال عنه العلامة في بعض اجازاته: وكان رضي الدين علي صاحب كرامات حكى لي بعضها وروى لي والدي البعض الاخر.

وقال في موضع اخر: ان السيد رضي الدين كان ازهد اهل زمانه. وقال عنه الحر العاملي في امل الامل: ٢ / ٢٠٥:

حاله في العلم والفضل والزهد والعبادة والثقة والفقه والجلالة والورع اشهر من ان يذكر وكان ايضا شاعرا اديبا منشئا بليغا.

وقال عنه الامين في اعيان الشيعة: ٨ / ٣٥٨.

وكان ابرز اعلام هذه الاسرة - يعني اسرة بني طاووس - السيد النقيب رضي الدين علي بن سعد الدين ابي ابراهيم موسى بن جعفر ( الى ان قال ) ولد قبل ظهر يوم الخميس منتصف المحرم سنة ٥٨٩ بالحلة وبها نشأ وترعرع ثم عد من كتبه ٤٨ كتابا.

ثم قال عنه: كان رضي الدين على جانب كبير من العلم والفضل والمعرفة كما تشهد به مؤلفاته واثاره واقوال المؤرخين والرجاليين الذين ترجموا له.

توفي سنة ٦٦٤ وحمل الى مشهد جده علي بن ابي طالب عليه‌السلام .

٢٧٩

ومن جملته باب فيها كتاب له أول بخطبة وأخر نحو سبع كراريس تضمنت مائة وخمسة أحاديث عن ثمانية عشر شيخا برجالهم إلا شاذا عسى فيه بعض رجالهم كما ذكر من عدها في تسمية مولانا علي صلوات الله عليه في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) بأمير المؤمنين(٢) منها ما سماه الله تعالى(٣) جلاله به(٤) ومنها ما سماه جبرئيلعليه‌السلام به(٥) ومنها ما سماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوحي.

ومنها ما قاله ولم يذكر أنه أوحى إليه(٦) .

ومنها ما سماه به(٧) حيوان صامت.

ومنها ما سماه به جماد بإذن الله جل جلاله وذكر غير هذا.

وفي بعض ما ذكرت مقنع إذ هو في مقابلة دعوى لا أصل لها.

ثم من طريف الأمور أن يدعي إجماع المسلمين على هذا الاسم وأنه لأبي بكر دون غيره(٨) .

واعلم أن الذي يرد على عدو السنة فيما قال ما رواه الشيخ الثقة يحيى

__________________

ترجم له كثيرون من ارباب التراجم منهم:

الحر العاملي في امل الامل: ٢ / ٢٠٥ والامين في اعيان الشيعة: ٨ / ٣٥٨ لؤلؤة البحرين: ٢٣٥ مقدمة البحار: ١ / ١٤٣ روضات الجنات: ٤ / ٣٢٥.

(١) ما بين القوسين لا يوجد في: ن.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

(٣) ن بزيادة: جل.

(٤) لا يوجد في: ق.

(٥) لا توجد في: ن.

(٦) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٧) لا توجد في: ج وق.

(٨) العثمانية: ١٢٣.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534