بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية11%

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية مؤلف:
المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 534

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184236 / تحميل: 7015
الحجم الحجم الحجم
بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

والسنّة أو نقلوه باعتباره تفسير لها(1) .

وكلمتا «ركّع» وهي جمع للراكع ، و «السجود» وهي جمع ساجد ، لم يرد بينهما واو العطف ، بل ذكرتا وصفا لتقارب هاتان العبادتان.

وبعد إعداد البيت للعبادة ، أمر الله تعالى إبراهيمعليه‌السلام :( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .

كلمة «أذّن» مشتقة من «الأذان» أي «الإعلان». و «رجال» جمع «راجل» أي «ماشي». و «الضامر» تعني الحيوان الضعيف. و «الفجّ» في الأصل تعني المسافة بين جبلين ، ثمّ أطلقت على الطرق الواسعة و «العميق» تعني هنا «البعيد».

جاء في حديث رواه علي بن إبراهيم في تفسيره : عند ما تسلّم إبراهيمعليه‌السلام هذا الأمر الربّاني قال : إنّ أذاني لا يصل إلى أسماع الناس ، فأجابه سبحانه وتعالى (عليك الأذان وعليّ البلاغ)! فصعد إبراهيمعليه‌السلام موضع المقام ووضع إصبعيه في أذنيه وقال : يا أيّها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم. وأبلغ اللهعزوجل نداءه أسماع جميع الناس حتّى الذين في أصلاب آبائهم وأرحام أمّهاتهم ، فردّوا : لبيّك اللهمّ لبّيك! وإنّ جميع الذين يشاركون في مراسم الحجّ منذ ذلك اليوم وحتّى يوم القيامة ، هم من الذين لبّوا دعوة إبراهيمعليه‌السلام (2) .

وقد ذكرت الآية هنا الحجّاج المشاة أوّلا ، ثمّ الراكبين ، لأنّهم أفضل منزلة عند الله ، بسبب ما يتحمّلون من صعاب السفر أكثر من غيرهم ، ولهذا السبب قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للحاج الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة ، وللحاج الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة»(3) .

__________________

(1) يراجع تفسير الآية موضع البحث في تفاسير الميزان ، وفي ظلال القرآن ، والتبيان ، ومجمع البيان ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي.

(2) بتلخيص ، عن تفسير علي بن إبراهيم حسبما نقله تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، 488. والآلوسي في روح المعاني ، والفخر الرازي ، في التّفسير الكبير في تفسير الآية موضع البحث مع بعض الفارق.

(3) تفسير «روح المعاني» ، و «مجمع البيان» ، و «الفخر الرازي».

٣٢١

أو أنّ هذه المنزلة جاءت لتحديد أهميّة حجّ بيت الله الحرام ، الذي يجب أن يتمّ بأي أسلوب وبأيّة إمكانات. وأن لا ينتظر الحاج مركبا له.

أمّا عبارة «ضامر» فتعني الحيوان الضعيف ، إشارة إلى أنّ هذا الطريق يجعل الحيوان هزيلا ، لأنّه يجتاز صحاري جافة محرقة لا زرع فيها ولا ماء ، واستعدادا لتحمل الصعاب في هذا الطريق.

أو يكون المراد أنّ على الحاج إختيار جواد قوي سريع صابر ، رشيق ضامر ، متدرّب على السير في مثل هذه الطرق ، ولا فائدة ترجى من الحيوان المنعم في هذا الطريق. (مثلما لا يمكن للرجال المترفين اجتياز هذا الطريق).

أمّا عبارة( مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) فهي إشارة إلى توجّه الحجاج إلى الكعبة ، ليس فقط من الأماكن القريبة ، بل يشمل ذلك الحجّاج من الأماكن البعيدة أيضا. كلمة «كلّ» لا تعني هنا الاستغراق والشمول ، بل الكثرة.

ويذكر المفسّر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حياة مثيرة لرجل يدعى «أبو القاسم بشر بن محمّد» فيقول : رأيت حين الطواف شيخا هزيلا بدت عليه آثار السفر ، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدّمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب : من فجّ عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخا هزيلا من شدّة تعب السفر وآلامه ، فقلت : والله لهي مشقّة ، إلّا أنّها طاعة خالصة وحبّ عميق لله تعالى.

فسّره ذلك ثمّ أنشد :

زر من هويت وإن شطّت بك الدار

وحال من دونه حجب وأستار!

لا يمنعنّك بعد من زيارته

إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار!

حقّا إنّ جاذبية بيت الله هي بدرجة تجعل القلوب الطافحة بالإيمان تهوى

٣٢٢

إليه من جميع الأنحاء ، قربت أم بعدت ، تجذب الشاب والشيخ والصغير والكبير ، من كلّ أمّة ومكان ، بعيدا أم قريبا ، الكل يلبّون الله يأتونه عشّاقا ليروا مظاهر ذات الله الطاهرة في تلك الأرض المقدّسة بأعينهم ، ويشعروا برحمته التي لا حدود لها من أعماق وجودهم(1) .

وتناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت :( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) . أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة ، ليروا منافع لهم بأم أعينهم.

وقد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان ، إلّا أنّه لا تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية ، فهي تشمل جميع المنافع والبركات المعنوية والمكاسب المادية ، وكلّ عائد فردي واجتماعي وفلسفة سياسيّة واقتصادية وأخلاقية. فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه المنافع! إنّها لعبارة جميلة! ما أولاهم أن يجعلهم الله شهودا على منافعهم! ليروا بأعينهم ما سمعوه بآذانهم!

وعلى هذا ذكر في كتاب الكافي حديثا عن الإمام الصادقعليه‌السلام في الردّ على استفسار ربيع بن خيثم عن كلمة المنافع ، منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال : «الكل»(2) .

وسنتناول بإسهاب شرح هذه المنافع في ملاحظاتنا على هذه الآية إن شاء الله.

ثمّ تضيف الآية :( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ

__________________

(1) يقول العالم الفاضل العلامة الشعراني رضى الله عنه : إن ذلك ليس عجيبا بالنسبة للذين يأتون إلى مكة من الأندلس أو المغرب أو من أنحاء نائية في الصين أو من استرالية. حيث يستغرق سفرهم زمنا طويلا يصل إلى عدة أشهر نظرا لوسائط النقل التي كانت تستعمل آنذاك وافتقاد الطرق للأمن (إضافة إلى ذلك كان البعض من المتولهين ببيت الله يتعرضون إلى السرقة في الطريق فيضطرون إلى العمل من أجل إعداد مؤنة باقي الطريق إلى بيت الله الحرام).

(2) تفسير نور الثقلين ، المجلد الثالث ، الصفحة 488 نقلا عن كتاب الكافي.

٣٢٣

الْأَنْعامِ ) أي أنّه على المسلمين أن يحجّوا إلى البيت ويقدّموا القرابين من المواشي التي رزقهم الله ، وأن يذكروا اسم الله عليها حين الذبح في أيّام محدّدة معروفة. وبما أنّ الاهتمام الأساس في مراسم الحجّ ، ينصب على الحالات التي يرتبط فيها الإنسان بربّه ليعكس جوهر هذه العبادة العظيمة ، تقيّد الآية المذكورة تقديم القربان بذكر اسم الله على الاضحية فقط ، وهو أحد الشروط لقبولها من لدن العلي القدير. وهذا الذكر إشارة إلى توجّه الحاج إلى الله كلّ التوجّه عند تقديم الأضحية ، وهمّه كسب رضى الله وقبوله القربان ، كما أنّ الاستفادة من لحم الضحية تقع ضمن هذا التوجّه.

وفي الحقيقة يعتبر تقديم الأضاحي رمزا لإعلان الحاج استعداده للتضحية بنفسه في سبيل الله ، على نحو ما ذكر من قصّة إبراهيمعليه‌السلام ومحاولة التضحية بابنه إسماعيلعليه‌السلام . إنّ الحجّاج بعملهم هذا يعلنون استعدادهم للإيثار والتضحية في سبيل الله حتّى بأنفسهم.

وعلى كلّ حال فإنّ القرآن بهذا الكلام ينفي أسلوب المشركين الذين كانوا يذكرون أسماء الأصنام التي يعبدونها على أضاحيهم ، ليحيلوا هذه المراسم التوحيديّة إلى شرك بالله. وجاء في ختام الآية :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) .

كما يمكن أنّ تفسّر هذه الآية بأنّ القصد من ذكر اسم الله في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) هو التكبير والحمد لله ربّ العالمين لما أنعم علينا من نعم لا تعدّ ولا تحصى.

خاصة بما رزقنا من بهيمة الأنعام التي نستفيد في حياتنا من جميع أجزاء أبدانها(1) .

* * *

__________________

(1) في التّفسير الأوّل (أي ذكر اسم الله على الأضحية) تكون «على» هنا للاستعلاء ، أمّا في التّفسير الثّاني (أي الذكر المطلق لاسم الله تعالى في هذه الأيّام) فإنّ «على» تعني «من أجل» فالفرق بين هذين التّفسيرين كبير ، سنشير إليه في الملاحظات.

٣٢٤

بحوث

1 ـ ما هي الأيّام المعلومات؟

يأمرنا الله سبحانه وتعالى ـ في الآيات السابقة ـ أن نذكره في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) . وجاء ذلك أيضا في سورة البقرة الآية (203) بشكل آخر( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) . فما هي الأيّام المعلومات؟ وهل تطابق في معناها الأيّام المعدودات ، أمّ لا؟

اختلف المفسّرون في هذه الأيّام ، كما اختلفت الرّوايات التي ذكرت بهذا الصدد : حيث يرى بعض المفسّرين ـ ويستندون إلى بعض الأحاديث الإسلامية ـ أنّه يقصد بـ «الأيّام المعلومات» الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة ، وأمّا «الأيّام المعدودات» فهي «أيّام التشريق» أي اليوم الحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر من ذي الحجّة. الأيّام التي تشرق فيها القلوب.

أمّا المجموعة الثّانية من المفسّرين فقد استندوا إلى أحاديث أخرى فقالوا : إنّ العبارتين تشيران إلى أيّام التشريق التي تعتبر هي الأيّام الثلاثة ذاتها ، وأحيانا يضاف إليها اليوم العاشر أي عيد الأضحى.

وعبارة( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) التي جاءت في سورة البقرة ، تدلّ على أنّ أيّام التشريق ليست أكثر من ثلاثة أيّام ، لأنّ التعجيل فيها يحدث نقصا في أيّامها فتصبح يومين.

ومع ملاحظة أنّ التضحية جاءت في الآيات ـ موضع البحث ـ بعد ذكر الأيّام المعلومات. ونعلم أنّ تقديم الأضاحي يتمّ في اليوم العاشر من ذي الحجّة ، فإنّ ذلك يؤكّد أنّ الأيّام المعلومات هي الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة التي تنتهي بيوم الأضحى. وعلى هذا يقوى دليل التّفسير الأوّل القائل باختلاف معنى الأيّام المعلومات والأيّام المعدودات.

٣٢٥

ومع الأخذ بوحدة المعاني التي تضمنّتها الآيتان ، يبدو أنّ الأرجح في هذه القضيّة القول بأنّ الآيتين تشيران إلى موضوع واحد ، وهدفهما الاهتمام بذكر الله في أيّام معيّنة تبدأ من العاشر من ذي الحجّة وتنتهي بالثّالث عشر منه. ومن الطبيعي أن تكون إحدى الحالات التي يجب ذكر اسم الله فيها ، هي حين تقديم الأضاحي(1) .

2 ـ ذكر الله في أرض «منى»

جاء في روايات عديدة أنّ ذكر الله في هذه الأيّام تكبير خاص يذكر بعد إتمام صلاة ظهر يوم عيد الأضحى ، ويستمر ذكر هذا التكبير في خمس عشرة صلاة (أي ينتهي بعد صلاة صبح اليوم الثّالث عشر) وهو كما يلي :

«الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»(2) .

كما نصّت بعض الأحاديث على أنّ التكبير في المرّات الخمسة عشر خاص بالذين هم بأرض «منى» في أيّام الحجّ ، أمّا من كانوا في المناطق الاخرى فعليهم ذكر هذا التكبير عقب عشر صلوات (يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد ، وينتهي بصلاة صبح اليوم الثّاني عشر)(3) والأحاديث الخاصّة بالتكبير دليل آخر على أنّ الذكر في الآيات السابقة عامّ وليس محدّدا بتقديم الأضاحي. رغم أنّ هذا المفهوم الكلّي يشمل هذا المصداق أيضا.

__________________

(1) وعليه يزول الخلاف بين هاتين المجموعتين من المفسّرين في تفسير عبارة «ويذكر اسم الله» حيث خصّصت أولاها ذكر اسم الله بتقديم الأضاحي ، والأخرى جعلت مفهومه عامّا ، وبهذا يكون التّفسير الأوّل مصداقا للتفسير الثّاني ، ويكون التّفسير الثّاني ذا مفهوم واسع وعام.

(2) ورد الحديث السابق عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام وقد ذكر في بحار الأنوار ، المجلّد 99 ، صفحة 306.

(3) بحار الأنوار ، المجلّد 99 ، صفحة 307.

٣٢٦

3 ـ فلسفة الحجّ وأسراره العميقة!

إنّ لشعائر الحجّ ـ كما هو الحال بالنسبة للعبادات الاخرى ـ بركات كثيرة جدّا في نفسيّة الفرد والمجتمع الإسلامي. ويمكنها ـ إن أجريت وفق أسلوب صحيح ـ أن تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدّلا جديدا كلّ عام.

وتمتاز هذه المناسك بأربعة أبعاد مهمّة :

1 ـ البعد الأخلاقي للحج :

أهمّ جانب في فلسفة الحجّ التغيّر الأخلاقي نحو الأحسن الذي يحصل عند الناس ، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تامّ عن الأمور المادية والامتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة ، ومع تحريم الملذّات ، وبناء الذات الذي يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادّة ، ويدخل إلى عالم النور والصفاء والتسامي الروحي. وترى الإنسان قد ارتاح فجأة من عبء الامتيازات الموهومة ، والدرجات والرتب والنياشين.

ثمّ تلي عمليّة الإحرام مراسم الحجّ الاخرى تباعا ، وفيها تتوطّد علاقة الإنسان الروحيّة مع خالقه ـ لحظة بعد أخرى ـ وتتوثّق. فينقطع عن ماضيه الأسود المملوء آثاما وذنوبا ، ويتّصل بمستقبل واضح كلّه نور وصفاء. خاصّة أنّ مراسم الحجّ تثير في الإنسان اهتماما كبيرا ـ في كلّ خطوة يخطوها ـ بإبراهيمعليه‌السلام محطّم الأصنام ، وإسماعيلعليه‌السلام ذبيح الله. وأمّه هاجرعليها‌السلام . ويتجلّى للحجّاج جهادهم وتضحياتهم ، إضافة إلى كون أرض مكّة عامّة ، والمسجد الحرام وبيت الكعبة ومحلّ الطواف حولها خاصّة ، تذكر الحاجّ بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقادة الإسلام العظام وجهاد المسلمين في صدر الإسلام ، فيتعمّق أثر هذه الثورة الأخلاقية بدرجة يشاهد فيها الحاج في كلّ زاوية من زوايا المسجد الحرام وأرض مكّة المقدّسة وجه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليعليه‌السلام ، وسائر قادة المسلمين ، ويسمع قعقعة سيوفهم وصهيل خيولهم.

أجل ، إنّ هذه الأمور كلّها تتّحد وتتضامن لتمهّد لثورة أخلاقية في القلوب

٣٢٧

المستعدّة. وبشكل لا يمكن وصفه تفتح في حياة الفرد صفحة جديدة. ولهذا نصّت الأحاديث الإسلامية على أنّ الذي يؤدّي الحجّ تامّا صحيحا «يخرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمّه»(1) !

فالحجّ ولادة ثانية للمسلم. يستهلّ بها حياة إنسانية جديدة ، ولا حاجة هناك لإعادة القول بأنّ هذه البركات وتأثيرها وما نشير إليه بعد هذا ليست نصيب من اقتنع من مكاسب الحجّ بقشرته ورمي اللب جانبا. كما أنّها ليست نصيب من يعتبر الحجّ سياحة للتنفيس عن الخاطر ، أو للتظاهر والرياء ، أو طريقا للحصول على متاع شخصي دنيوي ، وهو في الحقيقة لم يتوصّل إلى معنى الحج الحقيقي ، فكان نصيبه ما يستحقّه!

2 ـ البعد السياسي للحجّ

ذكر أحد كبار فقهاء المسلمين أنّ مراسم الحجّ في الوقت الذي تستبطن أخلص وأعمق العبادات ، هي أكثر الوسائل أثرا في التقدّم نحو الأهداف السياسيّة الإسلامية. فجوهر العبادة التوجّه إلى الله ، وجوهر السياسة التوجّه إلى خلق الله ، وهذان الأمران امتزجا في الحجّ بدرجة أصبحا كنسيج واحد.

إنّ الحجّ عامل مؤثّر في وحدة صفوف المسلمين.

الحجّ عامل مهمّ في مكافحة التعصّب القومي والعنصري والتقوقع في حدود جغرافية.

والحجّ وسيلة لتحطيم الرقابة التي تفرضها الأنظمة الظالمة ، وتدمير هذه الأنظمة المتسلّطة على رقاب الشعوب الإسلامية.

والحجّ وسيلة لنقل الأنباء السياسية للبلدان الإسلامية من نقطة إلى أخرى.

__________________

(1) بحار الأنوار ، المجلّد 99 ، الصفحة 26.

٣٢٨

وأخيرا الحجّ عامل مؤثّر في تحطيم قيود العبودية والاستعمار وتحرير المسلمين.

ولهذا السبب كان موسم الحجّ زمن الجبابرة كبني أميّة وبني العبّاس الذين كانوا يسيطرون على الأراضي الإسلامية المقدّسة ، ويراقبون كلّ تحرّك تحرّري إسلامي ليقمعوه بقوّة ، كان الموسم متنفّسا للحرية ولاتّصال فئات المجتمع الإسلامي الكبير بعضها مع بعض ، لطرح القضايا السياسيّة المختلفة التي تهمّ كلّ مسلم.

وعلى هذا الأساس قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في معرض حديثه عن فلسفة الفرائض والعبادات «الحجّ تقوية للدّين»(1) .

كما أنّ أحد السياسيين الأجانب المشهورين قال : «الويل للمسلمين إن لم يعرفوا معنى الحجّ ، والويل لأعدائهم إذا أدرك المسلمون معنى الحجّ»!

واعتبرت الأحاديث الإسلامية الحجّ جهاد الضعفاء ، إذ يمكن للشيوخ والنساء الضعيفات المشاركة في الحجّ ليظهروا عظمة الامّة الإسلامية. وليدخلوا الرعب في قلوب أعداء الإسلام بمشاركتهم في صفوف المصلّين المتراصّة في دوائر تحيط ببيت الله الحرام. وهي توحّد الله وتكبّره.

3 ـ البعد الثقافي للحجّ

يمكن أن يؤدّي التقاء المسلمين أيّام الحجّ دورا فعّالا في التبادل الثقافي في المجتمع الإسلامي ، خاصّة إذا لا حظنا أنّ اجتماع الحجّ العظيم يمثّل بشكل حقيقي فئات المسلمين من أنحاء العالم ، حيث لا تصنّع في المشاركة في حجّ بيت الله الحرام ، فالحجّاج جاؤوا من شتّى المجموعات والعناصر والقوميات ، وقد اجتمعوا رغم اختلاف ألسنتهم.

__________________

(1) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم 252.

٣٢٩

لهذا ذكرت الأحاديث الإسلامية أنّ من فوائد الحجّ نشر أخبار آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنحاء العالم الإسلامي ، يقول «هشام بن الحكم» أحد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام المخلصين نقلا عن هذا الإمام العظيمعليه‌السلام أنّه قال حول فلسفة الحجّ والطواف حول الكعبة : «إنّ الله خلق الخلق وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ، ومصلحتهم من أمر دنياهم ، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ، وليتعارفوا ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ، ولتعرف آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعرف أخباره ويذكر لا ينسى»(1) .

ولهذا السبب كان المسلمون يجدون في الحجّ متنفّسا من جور الخلفاء والسلاطين الظلمة الذين منعوا المسلمين من نشر هذه الأحكام ، لحلّ مشاكلهم بالاجتماع بأئمّة الهدىعليهم‌السلام في المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة ، وبكبار علماء المسلمين ، لينهلوا من مناهل القرآن النقيّة والسنّة النبويّة الشريفة.

ومن جهة ثانية يمكن أن يكون الحجّ مؤتمرا ثقافيا إسلاميا يحضره مفكّرو العالم الإسلامي في أيّام الحجّ في مكّة المكرّمة ، ليتحاوروا فيما بينهم ويعرضوا نظرياتهم وأفكارهم على الآخرين.

وقد أصبحت الحدود بين البلدان الإسلامية ـ الآن ـ سببا لتشتّت ثقافتهم الأصيلة ، واقتصار تفكير مسلمي كلّ بلد بأنفسهم فقط ، حتّى تقطّعت أواصر المجتمع الإسلامي الموحّد. بينما يستطيع الحجّ أن يغيّر هذا الوضع.

وما أجمل ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام في ختام الحديث السابق الذي رواه هشام بن الحكم : «ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلّمون على بلادهم وما فيها هلكوا ، وخربت البلاد ، وسقطت الجلب والأرباح ، وعميت الأخبار»(2) .

__________________

(1) وسائل الشيعة ، المجلّد الثامن ، الصفحة 9.

(2) المصدر السابق.

٣٣٠

4 ـ البعد الاقتصادي للحجّ

خلافا لما يراه البعض ، فإنّ مؤتمر الحجّ العظيم يمكن أن يستفاد منه في تقوية أسس الإقتصاد في البلدان الإسلامية. بل إنّه وفق أحاديث إسلامية معتبرة يشكّل البعد الاقتصادي جزءا مهمّا من فلسفة الحجّ.

فما المانع من وضع أسس سوق مشتركة إسلامية خلال اجتماع الحجّ العظيم ، ليوسّع المسلمون مجال التبادل التجاري فيما بينهم بشكل تعود منافعهم إليهم لا إلى أعدائهم. ومن أجل تحرير اقتصادهم من التبعية الأجنبية ، وهذا العمل عبادة وجهاد في سبيل الله ، ولا يمكن أن يكون حبّا للدنيا وطمعا فيها.

ولذا أشار الإمام الصادقعليه‌السلام في الحديث السابق خلال شرحه فلسفة الحجّ ، إلى هذا الموضوع بصراحة باعتبار أنّ أحد أهداف الحجّ ، تقوية العلاقات التجارية بين المسلمين.

وجاء في حديث آخر للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية (198) من سورة البقرة( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) . قالعليه‌السلام : «فإذا أحلّ الرجل من إحرامه وقضى فليشتر وليبيع في الموسم»(1) .

وكما يبدو فإنّ هذا العمل لا إشكال فيه ، بل فيه ثواب وأجر.

وبهذا المعنى جاء في نهاية حديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام لبيان فلسفة الحجّ بشكل مسهب : (ليشهدوا منافع لهم)(2) إشارة إلى المنافع المعنوية والماديّة. والأخيرة على رأي بعضهم معنوية أيضا.

فالحجّ باختصار عبادة عظيمة لو أستفيد منها بشكل صحيح في تشكيل مؤتمرات متعدّدة سياسيّة وثقافية واقتصادية ، لحلّ مشاكل العالم الإسلامي ، ومفتاحا لحلّ معضلات المسلمين ، وقد يكون هو المراد من حديث الإمام الصادق

__________________

(1) تفسير العياشي ، حسبما جاء في تفسير الميزان ، المجلّد الثّاني ، ص 86.

(2) بحار الأنوار ، ج 99 ، ص 32.

٣٣١

عليه‌السلام حيث قال : «لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة»(1) .

كما قال الإمام عليعليه‌السلام «الله الله في بيت ربّكم ، لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا»(2) أي لا يمهلكم الله إن تركتم بيت ربّكم خاليا.

ولأهميّة هذا الموضوع الذي خصّص له باب في الأحاديث الإسلامية تحت عنوان «وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ» فإذا أراد المسلمون تعطيل الحجّ في عام من الأعوام ، فعلى الحكومات الإسلامية أن ترسلهم بالقوّة إلى مكّة(3) .

4 ـ ما هو مصير لحوم الأضاحي في عصرنا؟

يستفاد من الآية السالفة الذكر أنّ الهدف من تقديم الأضحية ، إضافة إلى الجوانب المعنوية والروحية والتقرّب إلى الله تعالى ، يشمل الاستفادة من لحومها ومنح قسم منها إلى الفقراء والمحتاجين.

وتحريم الإسراف في الإسلام ليس خافيا على أحد ، فقد أكدّه القرآن والحديث والدليل العقلي. ومن هذا كلّه نستنتج عدم جواز ترك اللحوم على الأرض في «منى» ولا يجوز دفنها ، إذ أنّ وجوب تقديم الأضاحي لا يقصد به هذه الأعمال فيجب نقل لحومها إلى مناطق أخرى بحاجة إليها إن لم نجد محتاجين في «منى» ليستفاد منها على أفضل وجه ، وهذا هو مقتضى الجمع بين الأدلّة والبراهين.

ولكنّنا نجد ـ ومع الأسف ـ أنّ الكثير من المسلمين عملوا بالحكم الأوّل ، ونسوا العمل بالحكم الثّاني ، ولذا نشهد في كلّ عام تلف الآلاف المؤلّفة من لحوم الأضاحي التي بإمكانها أن تكون منبع غذائي مهمّ لشرائح المحرومين في

__________________

(1) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 14.

(2) نهج البلاغة ، الوصيّة ، 47.

(3) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 15.

٣٣٢

المجتمعات الإسلامية ، ولكنّها تترك في تلك الأرض المقدّسة بحالة سلبية ومزعجة جدّا. وقد تحدّث لحدّ الآن الكثير من المفكّرين وعلماء المسلمين حول هذا الموضوع مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية ، وحتّى أنّهم تبرّعوا بتكاليف حفظها ونقلها إلى المؤسّسات المختصّة ، ولكن جمود وتحجّر رجال الدين الوهّابيين من جهة ، وعدم اهتمام المسؤولين في الحكومة السعودية من جهة أخرى كانت مانعا لتنفيذ هذا المشروع.

ومع غضّ النظر عن مسألة حرمة الإسراف التي هي من الثوابت في التفكير الإسلامي ، فإنّ منظر المذابح يوم عيد الأضحى في الحجّ حاليا بشع وغير منطقي إلى درجة يثير علامات الاستفهام لدى كلّ ضعيف الإيمان حول شعيرة الحجّ بالكامل ، ويعطي للأعداء مبرّرا قويّا للطعن والتقبيح غافلين عن أنّ هذه المسألة هي نتيجة جهل وإهمال رجال الدين الوهّابيين والسلطات السعودية ، فعلى هذا ، فإنّ عظمة الإسلام وأصالة مناسك الحجّ توجب على المسلمين من جميع مناطق العالم أن يمارسوا الضغط على المسؤولين في تلك الدولة لإنهاء هذه الحالة الموحشة ، وتنفيذ الحكم الإسلامي في هذه المسألة.

وإذا وردت أحاديث إسلامية في حرمة إخراج لحوم الأضاحي من أرض «منى» أو من «حرم مكّة» فإنّ ذلك يعود إلى زمن كان فيه في مكّة المكرّمة عدد كاف من المستهلكين والمستحقّين.

ولهذا ورد في حديث صحيح الإسناد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ أحد أصحابه سأله عن هذا الموضوع ، فأجاب : «كنّا نقول لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه ، فأمّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه»(1) .

* * *

__________________

(1) وسائل الشيعة ، المجلّد العاشر ، الصفحة 150 (أبواب الذبح الباب 42 الحديث 5).

٣٣٣

الآيتان

( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) )

التّفسير

تتابع هذه الآيات البحث السابق عن مناسك الحجّ مشيرة إلى جانب آخر من هذه المناسك ، فتقول أوّلا :( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) أي ليطّهروا أجسامهم من الأوساخ والتلوّث ، ثمّ ليوفوا ما عليهم من نذور. و( لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) أي يطوفوا بذلك البيت الذي صانه الله عن المصائب والكوارث وحرّره.

وكلمة «تفث» تعني ـ كما قال كبار اللغويين والمفسّرين ـ القذارة وما يلتصق بالجسم وزوائده كالأظافر والشعر. ويقول البعض : إنّ أصلها يعني القذارة التي تحت الأظافر وأمثالها(1) . ورغم إنكار بعض اللغويين لوجود مثل هذا الاشتقاق

__________________

(1) عن قاموس اللغة ، ومفردات الراغب الاصفهاني ، وكنز العرفان ، وتفسير مجمع البيان ، وتفاسير أخرى.

٣٣٤

في اللغة العربية ، إلّا أنّ الراغب الاصفهاني نقل كلام بدويّ قاله بحقّ أحد الأشخاص القذرين : «ما أتفثك وأدرنك» دليلا على عربية هذه الكلمة ووجود اشتقاق لها في اللغة العربية.

وقد فسّرت( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) في الأحاديث الإسلامية بتقليم الأظافر وتطهير البدن ونزع الإحرام. وبتعبير آخر : تشير هذه العبارة إلى برنامج «التقصير» الذي يعدّ من مناسك الحجّ. وجاء في أحاديث إسلامية أخرى بمعنى حلاقة الرأس التي تعتبر أحد أساليب «التقصير».

كما جاء في «كنز العرفان» حديث رواه ابن عبّاس في تفسير هذه الآية : «القصد إنجاز مشاعر الحجّ كلّها»(1) إلّا أنّه لا سند لدينا لحديث ابن عبّاس هذا.

والذي يلفت النظر في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه فسّر عبارة( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) بلقاء الإمام ، وعند ما سأله الراوي عبد الله بن سنان عن توضيح لهذه المسألة قال: «إنّ للقرآن ظاهرا وباطنا»(2) .

وهذا الحديث ربّما كان إشارة إلى ملاحظة تستحقّ الاهتمام. وهي أنّ حجّاج بيت الله الحرام يتطهّرون عقب مناسك الحجّ ليزيلوا الأوساخ عن أبدانهم ، فعليهم أن يطهّروا أرواحهم أيضا بلقاء الإمامعليه‌السلام ، خاصّة وأنّ الخلفاء الجبابرة كانوا يمنعون لقاء المسلمين لإمامهم في الظروف العادية. لهذا تكون أيّام الحجّ خير فرصة للقاء الإمام ، وبهذا المعنى نقرأ حديثا للإمام الباقرعليه‌السلام قال فيه : «تمام الحجّ لقاء الإمام»(3) .

وكلاهما ـ في الحقيقة ـ تطهير ، أحدهما تطهير لظاهر البدن من القذارة والأوساخ ، والآخر تطهير باطني من الجهل والمفاسد الأخلاقية.

__________________

(1) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، ص 270.

(2) نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، صفحة 492.

(3) وسائل الشيعة المجلّد ، العاشر ، الصفحة 255 (أبواب المزار الباب الثّاني الحديث الثّاني عشر).

٣٣٥

أمّا «الوفاء بالنذر» فيعني أنّ كثيرا من الناس ينذرون تقديم أضاحي إضافيّة في الحجّ ، أو التصدّق بمال ، أو القيام بعمل خيري في أيّام الحجّ ، ولكنّهم ينسون ويغفلون عن كلّ ذلك عند وصولهم إلى مكّة ، لهذا أكّد القرآن عليهم الوفاء بالنذور ، وإلّا يقصّروا في ذلك(1) .

أمّا لماذا سمّيت الكعبة بالبيت العتيق؟

«العتيق» مشتقّة من «العتق» أي التحرّر من قيود العبودية ، وربّما كان ذلك لأنّ الكعبة تحرّرت من قيود ملكية عباد الله ، ولم يكن لها مالك إلّا الله ، كما حرّرت من قيد سيطرة الجبابرة كأبرهة.

ومن معاني «العتيق» أيضا الشيء الكريم الثمين ، وهذا المعنى يتجسّد في الكعبة بوضوح. ومن المعاني الاخرى للعتيق «القديم» يقول الراغب الاصفهاني : العتيق المتقدّم في الزمان أو المكان أو الرتبة. وهذا المعنى أيضا واضح بالنسبة للكعبة ، فهي أقدم مكان يوحّد فيه الله. وبحسب ما جاء في القرآن( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ) (2) وعلى كلّ حال فلا مانع من إطلاق العتيق على بيت الله بعد ملاحظة ما تتضمّنه هذه الكلمة من معان ، أشار كلّ مفسّر إلى جانب منها. أو ذكرت الأحاديث المختلفة جوانب أخرى من معانيها.

أمّا المراد من «الطواف» الوارد في آخر الآية المذكور أعلاه فهناك بحث بين المفسّرين (هناك طوفان ـ بعد مراسم عيد الأضحى في منى ـ على الحجّاج أن يقوموا بهما ، الطواف الأوّل يدعي «طواف الزيارة» ، والثّاني «طواف النساء»).

يرى بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ مفهوم الطواف عام هنا ، لأنّ الآية لم تتضمّن

__________________

(1) احتمل بعض المفسّرين القصد من النذور القيام بمشاعر الحجّ ، إلّا أنّه بمراجعة حالات استعمال كلمة النذر في القرآن المجيد ، يتّضح لنا أنّه يقصد المعنى المتداول من كلمة النذر ، لهذا فإنّ استخدامها في مناسك الحجّ دون دليل ، خلافا لمعناها الظاهر.

(2) آل عمران ، 96.

٣٣٦

قيودا أو شرطا ما ، فهي تضمّ طواف الحجّ وطواف النساء ، حتّى أنّها تشمل طواف العمرة أيضا(1) .

في وقت يرى مفسّرون آخرون أنّ الآية تقصد طواف الزيارة فقط ، الذي يجب على الحاج بعد إحلاله من إحرام الحجّ(2) .

إلّا أنّ الأحاديث الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام تفيد أنّ القصد هنا طواف النساء ، ففي حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) قال : «طواف النساء»(3) .

كما روي عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام حديث بهذا المعنى(4) .

وهذا الطواف يسمّى عند أهل السنّة طواف الوداع.

ومع ملاحظة هذه الأحاديث يبدو التّفسير الأخير هو الأقوى ، خاصّة إذا عبّر بهذا المعنى أيضا في تفسير( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) . حيث يجب إضافة إلى تطهير البدن من القذارة والشعر الزائد ، استعمال العطر أيضا. ومن المعلوم أنّه لا يجوز استعمال العطور في الحجّ إلّا بعد إتمام الطواف والسعي ، أو عند ما لا يكون طواف بذمّة الحاج إلّا طواف النساء.

وأشارت الآية الأخيرة إلى خلاصة ما بحثته الآيات السالفة الذكر ، حيث تبدأ بكلمة «ذلك» التي لها جملة محذوفة تقديرها «كذلك أمر الحجّ والمناسك» ثمّ تضيف تأكيدا لأهميّة الواجبات التي شرحت( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) .

والمقصود هنا بـ «الحرمات» ـ طبعا ـ أعمال ومناسك الحجّ ، ويمكن أن

__________________

(1) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 271.

(2) مجمع البيان نقلها في تفسير الآية ـ موضع البحث ـ عن بعض المفسّرين لم يذكر أسماءهم.

(3) وسائل الشيعة المجلّد التاسع الصفحة 390 أبواب الطواف الباب الثّاني.

(4) المصدر السابق.

٣٣٧

يضاف إليها احترام الكعبة خاصة والحرم المكّي عامّة. وعلى هذا فإنّ تفسير هذه الآية باختصاصها بالمحرّمات ـ أي كلّ ما نهى الله عنه ـ أو جميع الواجبات ، مخالف لظاهر الآية. كما يجب الانتباه إلى أنّ «حرمات» جمع «حرمة» وهي في الأصل الشيء الذي يجب أن تحفظ حرمته ، وألّا تنتهك هذه الحرمة أبدا.

ثمّ تشير هذه الآية وتناسبا مع أحكام الإحرام إلى حليّة المواشي ، حيث تقول :( وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) .

عبارة( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) يمكن أن تكون إشارة إلى تحريم الصيد على المحرم الذي شرع في سورة المائدة الآية (95) حيث تقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) .

كما قد تكون إشارة إلى عبارة جاءت في نهاية الآية ـ موضع البحث ـ تخصّ تحريم الأضحية التي تذبح للأصنام التي كانت متداولة زمن الجاهلية. لأنّ تذكية الحيوان يشترط فيها ذكر اسم الله عليه عند الذبح ، ولا يجوز ذكر اسم الصنم أو أي اسم آخر عليه.

وفي ختام هذه الآية ورد أمران يخصّان مراسم الحجّ ومكافحة العادات الجاهلية :

الأوّل يقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) و «الأوثان» جمع «وثن» على وكن «كفن» وتعني الأحجار التي كانت تعبد زمن الجاهلية ، وهنا جاءت كلمة الأوثان إيضاحا لكلمة «رجس» التي ذكرت في الآية ، حيث تقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ ) . ثمّ تليها عبارة( مِنَ الْأَوْثانِ ) أي الرجس هو ذاته الأوثان.

كما تجب ملاحظة أنّ عبدة الأوثان زمن الجاهلية كانوا يلطّخونها بدماء الأضاحي ، فيحصل مشهد تقشّعر الأبدان من بشاعته ، وقد يكون التعبير السابق إشارة إلى هذا المعنى أيضا.

٣٣٨

والأمر الثّاني هو( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) أي الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحّة.

مسألة : ما معنى( قَوْلَ الزُّورِ ) ؟

يرى بعض المفسّرين أنّه إشارة إلى كيفيّة تلبية المشركين في مراسم الحجّ في زمن الجاهلية ، لأنّهم يلبّون بشكل يتضمّن الشرك بعينه ، ويبعدونه من صورته التوحيديّة ، فقد كانوا يردّدون : «لبّيك لا شريك لك ، إلّا شريكا هو لك! تملكه وما ملك!».

حقّا إنّه كلام باطل ودليل على( قَوْلَ الزُّورِ ) الذي يعني في الأصل : الكلام الكاذب ، والباطل ، والبعيد عن حدود الاعتدال.

ومع هذا فإنّ اهتمام الآية المذكورة بأعمال المشركين في مراسم الحجّ على زمن الجاهلية ، لا يمنع من تعميمها على بطلان أيّة عبادة للأصنام بأيّة صورة كانت ، واجتناب أي قول باطل مهما كانت صورته.

ولهذا فسّرت بعض الأحاديث الأوثان بلعبة الشطرنج ، وقول الزور بالغناء ، والشهادة بالباطل. وفي الحقيقة فإنّ ذلك بيان لبعض أفراد ذلك الكلّي ، وليس القصد منه حصر معنى الآية بهذه المصاديق فقط. وجاء في حديث للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة ألقاها على المسلمين «أيّها الناس ، عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ، ثمّ قرأ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) .

إنّ هذا الحديث أيضا إشارة إلى سعة مفهوم هذه الآية.

* * *

٣٣٩

الآيات

( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) )

التّفسير

تعظيم شعائر الله دليل على تقوى القلوب :

عقّبت الآيات هنا المسألة التي أكدّها آخر الآيات السابقة ، وهي مسألة التوحيد ، واجتناب أي صنم وعبادة الأوثان. حيث تقول( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) (1) أي أقيموا مراسم الحجّ والتلبية في حالة تخلصون فيها النيّة لله وحده لا يخالطها أي شرك أبدا.

«حنفاء» جمع «حنيف» أي الذي استقام وابتعد عن الضلال والانحراف ، أو

__________________

(1) «حنفاء» و «غير مشركين». كلاهما حال لضمير «فاجتنبوا» ، و «اجتنبوا» في الآية السابقة.

٣٤٠

تاركي وصاحبي(١)

والذي يقول لسان الجارودية على هذا مثل الذي قال على غيره.

ثم إن قوله أن جميع الناس كذبوه إلا أبا بكر فإنه مشكل لثبوت تقدم إسلام غيره عليه وبلا خلاف خديجة.

ثم(٢) ما أغث سياقه عند من اعتبر أكد هذا بمثله وتعلق أيضا بقولهم إن النبيعليه‌السلام قال إن أبا بكر لم يسؤني قط(٣) وهذا يرد عليه شيء مما أورده الجارودية على مثله وهو(٤) ظاهر التناقض مؤكد بكونه لم يسؤه في الماضي بيانه لفظة(٥) قط(٦) وعلى هذا فقد كان النبي لا يسؤه كفر أبي بكر رضوان الله عليه والقول بذلك كفر.

وقال بعد هذا ما معناه فإن كان ما رويتموه في شأن علي حقا وما رووه في شأن أبي بكر حقا لزم التناقض وجهل الحال فيما يبنى عليه من ذلك(٧) .

وأقول إن الجارودية تقول أما ما روي من طرقكم لنا ووثقتم راويه فلا مرية في أنه حجة عليكم وفي نفس الأمر إذا أنصفتم(٨) لأن ذلك بعيد عن التهمة وما رويتموه لكم ووثقتموه(٩) فإنه مرجوح للتهمة وما رويتموه

__________________

(١) العثمانية: ١٣٧.

(٢) ن بزيادة: ان.

(٣) العثمانية: ١٣٧.

(٤) ق: وهذا.

(٥) ن: لفظ.

(٦) « قط » ظرف زمان لاستغراق الماضي وتختص بالنفي فتقول: « ما فعلت هذا قط » اي: في ما مضى من عمري.

(٧) العثمانية: ١٣٧.

(٨) ن: اتفقتم.

(٩) ن: زيفتموه.

٣٤١

علينا ووثقتموه فإنه مرجوح لا محالة عندنا وعندكم.

وإذا تقرر هذا فلا وجه للتوقف إذ الروايات في جانب أمير المؤمنينعليه‌السلام وفضله رواها الخصم ووثق رواتها وصححها كما سلف والمصحح عندهم في نصرتهم لا يقف بإزاء ذلك على ما سلف فكيف إذا كان ضعيفا عند الخصم.

وإذا تقرر هذا وضح ما تقوله الإمامية وخفي ما عداه ولا يورد على هذا منصف والتكلف والمدافعة لا وجه له عند من كان ذا حياء وأنفة والله الموفق.

وكرر حديث صلاة أبي بكر بالناس(١) ولا يعرف ذلك(٢) إن ثبت أنه(٣) صدر بإذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو ثبت فلا يدل على إمامة ورئاسة عامة.

[ و ](٤) قرر كون الصلاة لا تكون إلا بإذن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث لم يقع إنكار(٥) .

والجارودية تقول على هذا إنه لا مانع أن يكون المسلمون رأوا رجلا يصلي بالناس فتوهموا أن ذلك عن رضى ولا يدرون باطن الحال فلم ينكروا.

وعارض كون ذلك لا يكون عن إذن بأنه كيف يتقدر أن يجيء رجل من

__________________

(١) العثمانية: ١٧٠.

(٢) لا توجد في: ج.

(٣) لا يوجد في: ج وق.

(٤) لا يوجد: ن.

(٥) العثمانيّة: ١٧١.

٣٤٢

تلقاء نفسه يصلي(١) .

والجارودية لها أن تقول لا مانع أن يكون بعض من كان عند النبيعليه‌السلام أشار بذلك والنبيعليه‌السلام لا يعلم والمرض شاغل خاصة مرض الموت.

وعارض من نازعه في الإجماع على أبي بكر بالخلافة بأنه لا يعتد بالخلاف(٢) وفيه إشكال على مدعي إمامته(٣) إذ كان النص غير معروف والإجماع ممتنع فتضعضعت أركان الرئاسة.

وعارض بتخلف من تخلف عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٤) .

والجواب عنه لو ثبت بأن الإمامية لا تبني على الإجماع بل على النص المروي من طرق العامة والخاصة وبالأفضلية وتقرير ذلك في كتبهم واضح ليس هذا موضع ذكره.

والمباحث لا تكرر في كل كتاب ولا ينطق بها لسان الأقلام مع كل باحث بل مع أرباب الأهلية وذوي الأذهان المعتبرة الناقدة وإلى الآن ما عرفت ذلك جرى ولا رأيته روى رواية يصلح لناقد التعلق بها بل روايات مرسلات جدا وهو ضعف بين.

ومنها ما رددناه من غير هذا الوجه بل أبنا(٥) ضعفه من طرفهم بل الذي رأيته فيما بحثناه(٦) ودافع عنه طريقنا إليه من طرقهم أقوى من طرقهم فيما

__________________

(١) ن: فيصلّي.

(٢) ن: الخلافة.

(٣) ج: الاماميّة.

(٤) العثمانيّة: ١٧٢.

(٥) ق: أنبأ. ن: انما.

(٦) ن: يخشاه.

٣٤٣

يختصون به إلى ما يرومونه.

ولنا في منع إجماعهم مواد كثيرة قد تضمنتها طيات الاجتهاد وحوتها أكف الإرشاد(١) .

وادعى لمنصوره فضلا راجحا كاملا على فضل غيره(٢) والجارودية تنازع في ذلك بما يروى من طريق الخصم رادا على هذا القول من الطرق المعتبرة الواضحة والمزايا المعلومة لأمير المؤمنين غير مستفادة(٣) من نقل خاص وخبر معين ولو لم يكن إلا ما رواه أرباب الحديث من قول ربع السنة أحمد بن حنبل ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب لكفى(٤) فكيف والأمر أجلى من هذا وأبين.

وذكر حديث طلحة وخروجه عليه وعائشة وحرب أهل الشام وادعى أن سعيد بن زيد بن عمرو(٥) بن نفيل طعن عليه وعلى طلحة(٦) وذكر شيئا من ذلك عن أسامة(٧) .

والذي يقال على هذا إنا قد أوردنا من طريق الخصم - أن الحق مع

__________________

(١) ن: الارتياد.

(٢) العثمانيّة: ١٧٢.

(٣) ن: بدله ( فضلا عن المستفادة ).

(٤) تقدّم ص (٨٠).

(٥) ق: عمر.

(٦) قال الجاحظ: وطعن عليه سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعلى طلحة وقال: فتنة عمياء يخبط اهلها. قال طلحة: ابن عمّك كان اعلم بي وبك حين جعلني في الشورى واخرجك منها.

قال: ان ابن عمّي خافك وامنني. انظر العثمانيّة: ١٧٥.

(٧) قال: ودعا الى بيعته وعونه اسامة بن زيد فقال: انّي اذن لمفتون واسامة هو الّذي كان طلحة استشهده على قوله: قد بايعت واللج على قفيّ، فسأل اسامة عن ذلك فكلمه طلحة بكلام غليظ. العثمانيّة: ١٧٥.

٣٤٤

عليعليه‌السلام وإذا تقرر هذا كان الدرك على الممتنع لا على الممتنع منه(١) .

وأما حديث طلحة وعائشة فإن من عرف السيرة عرف أنهما كانا أصل وقعة البصرة القادحين في عثمان عرضاه للمتالف ثم خرجا آخذين بدمه وهذا لا يجهله إلا جاهل بالسيرة جدا إذ هو ظاهر عند العدو العارف فضلا عن الصديق المؤالف.

ثم إن أمير المؤمنينعليه‌السلام عند الجاحظ وغيره من المسلمين وقعت البيعة له وصحت وإذا تقرر هذا فينبغي أن يقوم البرهان على جواز الخروج عليه وما عرفناه.

ولهذه المباحث مواضع معروفة وهذا الذي ذكرنا(٢) فيه مقنع إذ هو كيف تقلبت الحال أقوى من كلام الجاحظ عند من اعتبر وأنصف والمدافعات باب لا يغلق إلا بيد الإنصاف.

ولو أني مثلا أوردت ما أعرف مفصلا لأمكن الجاحظ أن يقول لا نسلم(٣) وأن أحيل على كتاب لهم يقول لا أقبل وإن قبل تأول(٤) وإن تأول عاند في تأويله وإن لم يتأول أضرب عن الجواب شرع في فحش أو قطع الحديث مارا في غلوائه(٥) ساريا في بيداء أهوائه.

ونبرهن(٦) على هذا ما أظهرناه عليه من البهت وفنون المدافعات عيانا

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٢) ق: ذكرناه.

(٣) ن: او.

(٤) ق: فاوّل.

(٥) الغلواء: الغلو ( المنجد ).

(٦) ج: يبرهن.

٣٤٥

وقد أسلفنا ما يلزم من الدرك في الطعن على أمير المؤمنينعليه‌السلام والمباعدة له من طريق القوم.

ولنذكر ما روي من قول النبيعليه‌السلام إنك تقاتل(١) الناكثين والقاسطين والمارقين من طرق القوم إن شاء الله تعالى.

قال أبو عمر الحافظ ابن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب المغربي وروي من حديث علي ومن حديث ابن مسعود وحديث أبي أيوب الأنصاري أنه أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وروي عنه أنه قال ما وجدت إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله يعني والله أعلم( وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ) (٢) وما كان مثله هذا آخر كلامه(٣) .

ثم قال: وذكر أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في المؤتلف والمختلف(٤) قال حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا قال حدثنا عباد بن يعقوب قال حدثنا عفان بن سنان(٥) - قال حدثنا أبو حنيفة عن عطاء

__________________

(١) ن: قاتل.

(٢) الحج ٧٨.

والآية كاملة هي: ( وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ، وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .

(٣) الاستيعاب: ٣ / ١١١٧.

وايضا في فرائد السمطين: ١ / ٢٧٩ وانساب الأشراف: ٢ / ٢٣٦ والمستدرك: ٣ / ١١٥ وتاريخ دمشق ترجمة امير المؤمنين: ٣ / ١٧٤.

(٤) ظاهرا انه مخطوط.

(٥) ن: شيبان. وفي المصدر: سيار.

٣٤٦

قال: قال ابن عمر ما آسى على شيء إلا على ألا أكون قاتلت الفئة الباغية وعلى صوم الهواجر(١) .

وأقول : إن الشيخ العالم الفاضل يحيى بن البطريق روى في كتابه العمدة من الجمع بين الصحيحين قال وبالإسناد المقدم ذكره عن أبان بن سليمان(٢) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال من سل علينا السيف

__________________

(١) الاستيعاب: ٣ / ١١١٧، ورواه ايضا المحب الطبري في الرياض النضرة ٢ / ٢٤٢ باختلاف في اللفظ يسير.

وروى الحاكم في مستدركه: ٣ / ١١٥.

بسنده عن شعيب بن ابي حمزة القرشي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر، انه بينما هو جالس. مع عبد الله بن عمر اذ جاءه رجل من اهل العراق فقال: يا ابا عبد الرحمن اني والله لقد حرصت ان اتسمت بسمتك واقتدي بك في امر فرقة الناس واعتزال الشر ما استطعت، واني اقرأ آية من كتاب الله محكمة قد اخذت بقلبي فاخبرني عنها، أرأيت قول الله عزّ وجلّ: ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .

اخبرني عن هذه الآية، فقال عبد الله: مالك ولذلك، انصرف عني فانطلق حتى توارى عنا سواده واقبل علينا عبد الله بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي من شيء في امر هذه الآية ما وجدت في نفسي اني لم اقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عزّ وجلّ.

وابن سعد في طبقاته: ج ٤ القسم ١ ص ١٣٦.

بسنده عن سعيد بن جبير في حديث ساقه الى ان قال: قال ابن عمر: ما آسى من الدنيا الاّ على ثلاث، ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، والا اكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا.

وايضا في الطبقات: ج ٤ القسم ١ ص ١٣٧.

بسنده عن حبيب بن ابي ثابت قال: بلغني عن ابن عمر في مرضه الذي مات فيه انه قال: ما اجدني آسى على شيء من امر الدنيا الا اني لم اقاتل الفئة الباغية.

ورواه ايضا ابن الاثير في اسد الغابة: ٤ / ٣٣.

وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد: ٣ / ١٨٢.

قال وعن ابن عمر قال: ما آسى على شيء فاتني الا الصوم والصلاة، وتركي الفئة الباغية الا اكون قاتلتها واستقالتي عليا عليه‌السلام البيعة. قال: رواه الطبراني في الكبير والاوسط.

(٢) في المصدر: عن اياس بن سلمة عن ابيه.

٣٤٧

فليس منا(١) .

أقول إنه أراد والله أعلم من ديننا وقد أسلفت أن عليا من رسول الله بمنزلة الرأس من الجسد(٢) .

وروى أخطب خطباء خوارزم حديثا مرفوعا إلى أبي سعيد الخدري(٣) صورة لفظه:

أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين قلت يا رسول الله أمرتنا أن نقاتل هؤلاء فمع من قال مع علي بن أبي طالب معه يقتل(٤) عمار بن ياسر

ورفع حديثا آخر إلى عبد الله(٥) قال خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتى منزل أم سلمة فجاء علي فقال رسول الله هذا والله

__________________

(١) عمدة عيون صحاح الاخبار: ٣٤٢ نقله عن الجمع بين الصحيحين للحميدي.

اقول: ذكره مسلم في صحيحه: ١ / ٩٨ كتاب الايمان.

(٢) تقدم ص: ١٠٨.

(٣) قال الخوارزمي: اخبرني سيد الحفاظ ابو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب اليّ من همدان اخبرني ابو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة اخبرني ابو جعفر محمد بن علي بن رحيم الشيباني حدثني الحسين بن الحكم الحبري حدثني اسماعيل بن ابان حدثني اسحاق بن ابراهيم الازهر عن ابي هارون العبدي عن ابي سعيد الخدري قال:

امرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فقلنا يا رسول الله امرتنا بقتال هؤلاء فمع من نقاتل؟ قال: مع علي بن ابي طالب خاصة ومعه يقتل عمار بن ياسر. انظر مناقب الخوارزمي: ١٢٢ ورواه ايضا ابن الاثير في اسد الغابة ٤ / ٣٢ والامر تسري في ارجح المطالب: ٦٠٢ والحمويني في فرائد السمطين: ١ / ٢٨١.

(٤) ج وق: مقتل.

(٥) قال: واخبرنا ابو منصور شهردار هذا فيما كتب اليّ من همدان، اخبرني ابو الفتح عبدوس هذا كتابة، اخبرني الامام ابو بكر احمد بن اسحاق الفقيه، حدثني الحسن بن علي، حدثني زكريا ابن يحيى الخزاز المقري، حدثني اسماعيل بن عباد المقري، حدثني شريك، عن منصور،

٣٤٨

قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من(١) بعدي(٢)

ورفع حديثا آخر إلى أبي أيوب(٣) نحو حديث ابن معبد ورفع(٤) حديثا آخر إلى(٥) النبيعليه‌السلام أنه قال لعمار تقتلك الفئة الباغية ثم قال أخرجه مسلم في الصحيح(٦)

__________________

عن ابراهيم عن علقمة، عن عبد الله، قال:

خرج رسول الله - صلّى الله عليه [ وآله ] -: فأتى منزل ام سلمة فجاء علي عليه‌السلام فقال رسول الله - صلّى الله عليه [ وآله ] -: هذا والله قاتل القاسطين والمارقين والناكثين بعدي.

(١) لا توجد في: ج.

(٢) انظر مناقب الخوارزمي: ١٢٢.

ورواه ايضا المتقي الهندي في كنز العمال: ٦ / ٣١٩ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢٤٠ والحمويني في فرائد السمطين: ١ / ٢٨٣ وابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ٣ / ١٦٢.

(٣) قال: واخبرني ابو منصور شهردار هذا كتابة، اخبرني ابو الفتح عبدوس هذا كتابة، اخبرني ابو بكر محمد بن بالويه، حدثني الحسن بن علي بن شبيب المعمري، حدثني محمد بن حميد، حدثني سلمة بن الفضيل، قال: حدثني ابو زيد الاحول، عن غياث، عن ثعلبة، قال:

حدثني ابو ايوب الانصاري في خلافة عمر بن الخطاب، قال:

امرني رسول الله - صلّى الله عليه [ وآله ] - بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي بن ابي طالب عليه‌السلام انظر: مناقب الخوارزمي: ١٢٢ وايضا المستدرك: ٣ / ١٣٩ وفرائد السمطين: ١ / ٢٨٢.

(٤) قال: وبهذا الاسناد عن ابراهيم بن مرزوق هذا، حدثنا ابو داود، حدثنا شعبة، عن خالد الحذاء، عن الحسن بن ابي الحسن، عن ابيه، عن ام سلمة: ان رسول الله - صلّى الله عليه [ وآله ] - قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية.

(٥) ن: انّ.

(٦) مناقب الخوارزمي: ١٢٣. اقول: لقد وردت احاديث كثيرة لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية ونحن نشير الى قسم من المصادر التي ذكرت هذا الحديث. منها:

صحيح البخاري: في كتاب الصلاة في باب التعاون في بناء المسجد ١ / ١٢٢ وصحيح مسلم: في كتاب الفتن واشراط الساعة في باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى ان يكون مكانه، بطريقين ٤ / ٢٢٣٥. وصحيح الترمذي: ٥ / ٦٦٩. في مناقب عمار. ومستدرك الصحيحين: ٢ / ١٤٨ و ٣ / ٣٨٥ و ٣ / ٣٨٦ و ٣ / ٣٨٧، ومسند احمد بن حنبل: ٢ / ١٦١ و ٢ / ١٦٤ و ٤ / ١٩٧

٣٤٩

وقال أخطب خطباء خوارزم فيما رواه في كتاب المناقب إن علياعليه‌السلام فسر الناكثين بأصحاب الجمل والمارقين بالخوارج والقاسطين بأهل الشام(١) ومن كتاب الطرائف عن الخطيب أن أبا أيوب فسر الناكثين والقاسطين بما فسره(٢) أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال وأما المارقون فهم(٣) أهل الطرفاوات(٤) وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات والله ما أدري أين هم ولكن لا بد من قتالهم(٥) .

__________________

و ٦ / ٢٨٩. ومسند ابي داود الطيالسي: ٣ / ٩٠ وحلية الاولياء: ٤ / ١٧٢ وتاريخ بغداد:١٣ / ١٨٦ و ٥ / ٣١٥ و ٧ / ٤١٤. وطبقات ابن سعد: ج ٣ ق ١ ص ١٧٧ وج ٣ ق ١ ص ١٧٩ وج ٣ ق ١ ص ١٨١. واسد الغابة: ٢ / ١٤٣ و ٢ / ٢١٧ والامامة والسياسة: ١٠٦ والاصابة: ج ١ ق ٤ ص ١٢٥ والرياض النضرة: ١ / ١٤، ونور الابصار: ٨٩ وكنز العمال: ٧ / ٧٢ و ٧ / ٧٣ و ٧ / ٧٤ ومجمع الزوائد: ٩ / ٢٩٧ و ٧ / ٢٤٢ و ٩ / ٢٩٦.

(١) مناقب الخوارزمي: ١٢٥.

ومجمع الزوائد: ٧ / ٢٣٨ وينابيع المودة: ١٢٨.

(٢) ن: فسّر.

(٣) لا توجد في: ن.

(٤) ج وق: الطرقاوات.

(٥) الطرائف ( لرضي الدين علي بن موسى بن طاووسرحمه‌الله ): ١ / ١٠٣ ورواه ايضا الخطيب في تاريخ بغداد: ١٣ / ١٨٦ بسنده عن علقمة والاسود قالا:

اتينا ابا ايوب الانصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له: يا ابا ايوب ان الله اكرمك بنزول محمد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم وبمجيء ناقته تفضلا من الله وكراما لك حتى اناخت ببابك دون الناس ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به اهل لا اله الا الله، فقال: يا هذا ان الرائد لا يكذب اهله، وان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم امرنا بقتال ثلاثة مع علي عليه‌السلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فاما الناكثون فقد قاتلناهم، اهل الجمل طلحة والزبير، واما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم - يعني معاوية وعمرا - واما المارقون فهم اهل الطرقات واهل السعيفات واهل النخيلات واهل النهروانات، والله ما ادري اين هم ولكن لا بد من قتالهم ان شاء الله.

قال: وسمعت رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية وانت اذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمار بن ياسر ان رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي فانه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى، يا عمار من تقلد سيفا اعان

٣٥٠

__________________

به عليا على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در، ومن تقلد سيفا اعان به عدو علي عليه قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار، قلنا يا هذا حسبك رحمك الله حسبك رحمك الله.

رواه أيضا المتقي في كنز العمال: ٤ / ١٥٥ الاّ أنه قال فيه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من الهدى.

وروى الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٣٩.

بسنده عن عقاب بن ثعلبة، حدثني ابو ايوب الانصاري في خلافة عمر بن الخطاب، قال: امر رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم علي بن ابي طالب عليه‌السلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وايضا في مستدرك الصحيحين: ٣ / ١٣٩.

بسنده عن الاصبغ بن نباتة عن ابي ايوب الانصاري قال: سمعت النبي صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول لعلي بن ابي طالب عليه‌السلام : تقاتل الناكثين والقاسطين بالطرقات والنهروانات وبالسعفات، قال ابو ايوب: قلت: يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الاقوام؟ قال: مع علي ابن ابي طالب.

وذكر الخطيب في تاريخ بغداد: ٨ / ٣٤٠.

بسنده عن خليد العصري قال: سمعت أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام يقول يوم النهروان: امرني رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.

وابن الاثير في اسد الغابة: ٤ / ٣٣.

بسنده عن مخنف بن سليم قال: اتينا ابا ايوب الانصاري فقلنا: قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم ثم جئت تقاتل المسلمين قال: امرني رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وايضا في اسد الغابة: ٤ / ٣٣.

بسنده عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليا عليه‌السلام على منبركم هذا يقول: عهد اليّ رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ان اقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

والمتقي في كنز العمال: ٦ / ٨٢.

قال: عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليا عليه‌السلام على المنبر واتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين مالي اراك تستحل الناس استحلال الرجل ابله، أبعهد من رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم أو شيئا رأيته؟

قال: والله ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي بل عهد من رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم عهده اليّ وقد خاب من افترى، عهد اليّ النبي صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ان اقاتل

٣٥١

وقد كان يونس بن حبيب(١) يقول أحب أن أتولى حساب ثلاثة منهم طلحة والزبير ما الذي نقما على علي حتى خرجا عليه أو شيئا شبه هذا المعنى(٢) .

هذا ما نقلناه على سبيل التخصيص(٣) وأما ما يقال على سبيل العموم فإن ابن المغازلي الشافعي روى بإسناده عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاني جبرئيلعليه‌السلام بدرنوك من

__________________

الناكثين والقاسطين والمارقين.

وايضا في كنز العمال: ٦ / ٨٨.

قال: عن الثوري ومعمر عن ابي اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن ابي صادق قال: قدم علينا ابو ايوب الانصاري العراق فقلت له: يا ابا ايوب قد كرمك الله بصحبة نبيه محمد صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم وبنزوله عليك، فمالي اراك تستقبل الناس تقاتلهم، تستقبل هؤلاء مرة وهؤلاء مرة، فقال: ان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم عهد الينا ان نقاتل مع علي عليه‌السلام الناكثين، فقد قاتلناهم، وعهد الينا ان نقاتل مع علي عليه‌السلام المارقين فلم ارهم بعد.

وايضا في كنز العمال: ٦ / ٧٢.

قال: عن علي عليه‌السلام قال: امرت بقتال ثلاثة: القاسطين والناكثين والمارقين، فاما القاسطون فاهل الشام واما الناكثون فذكرهم واما المارقون فاهل النهروان - يعني الحرورية -.

وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد: ٩ / ٢٣٥.

قال: وعن عبد الله - يعني ابن مسعود - قال: امر رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وقد ذكر ايضا روايات بهذه المضامين وان اختلفت الالفاظ في مجمعه. انظر: ٩ / ٢٣٥ و ٧ / ٢٣٨.

(١) لعله يونس بن حبيب النحوي وكنيته ابو عبد الرحمن وهو مولى ضبة ولد سنة ٩٠ واخذ الادب عن ابي عمرو بن العلاء وحماد بن سلمة وكان النحو اغلب عليه، له من الكتب: « معاني القرآن الكريم » و « اللغات » و « الامثال » و « النوادر » مات ١٨٢ وقيل غير ذلك ترجم له: وفيات الاعيان: ٧ / ٢٤٤ ومعجم الادباء: ٢٠ / ٦٤ وتهذيب التهذيب: ٥ / ٣٤٦.

(٢) ن بزيادة: وقد ذكرنا في كتاب الموضوعات طرفا من هذه المواضيع.

(٣) ن: التلخيص.

٣٥٢

الجنة(١) فجلست عليه فلما صرت بين يدي ربي كلمني وناجاني فما علمني(٢) شيئا إلا علمه عليا(٣) ثم دعاه(٤) إليه فقال(٥) يا علي سلمك سلمي وحربك حربي وأنت العلم فيما بيني وبين أمتي(٦) بعدي(٧) .

وذكر كلاما عن الشعبي لا طائل فيه وهو عدو مبين من حزب عبد الملك وقد كانت للشعبي قصة في السرقة للدراهم ولا ينبغي أن يقبل قول سارق وهو مع ذلك خليط بني مروان وأمير المؤمنين مشنوؤهم(٨) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال عن الشعبي إنه لم يشهد الجمل ممن شهد بدرا أكثر من أربعة!(٩) وقول الشعبي كلا قول(١٠) ولو لم يشهد من أهل بدر إلا أربعة فإن الدرك عليهم إذ(١١) البيعة وقعت لأمير المؤمنينعليه‌السلام وصحت عند الخصوم فالمتخلف زاهق والناهض معه موفق لاحق ومن عرف السير(١٢) وعرف أصل القاعدة في حروب أمير المؤمنينعليه‌السلام كان

__________________

(١) في المصدر بزيادة: من درانيك الجنة.

(٢) ج وق: علمه.

(٣) في المصدر بزيادة: فهو باب مدينة علمي.

(٤) في المصدر بزيادة: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٥) في المصدر بزيادة: له.

(٦) في المصدر بزيادة: من.

(٧) مناقب ابن المغازلي: ٥٠ حديث ٧٣.

(٨) ن: مسبوبهم.

(٩) العثمانية: ١٧٦.

(١٠) ق: بدله ( على قول ).

(١١) ق: او.

(١٢) ق: المسير.

٣٥٣

المصوب له وإن لم يرد حديث بأن موافقته صواب والعدول عنه خطأ. أول الحال أن أصحاب الجمل نقموا على عثمان ما نقم عليه غيرهم(١) وكانوا محاربيه معاديه وعلي مخاصم طلحة على حمل الماء(٢) إليه وعائشة فحاله معها معلوم رواه الرواة ودونوه وقد ذكر جملة منه صاحب كتاب الاستيعاب الذي لا يتهم(٣) فلما قتل عثمان شرعوا مطالبين عليا بدمه إلا أن خروجهم كان لغير ذلك لأنه لم يتجدد من علي شيء أصلا يخاصمونه عليه ويؤاخذونه به ولا طالت له مدة يحدث(٤) فيها حوادث ولا عرفت محقا ولا مبطلا ادعى ذلك.

ثم شرع معاوية يطالب بدم ابن عمه عثمان محاربا أمير المؤمنينعليه‌السلام باغيا عليه فكان ما كان.

وقد قال(٥) مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام فأينا كان أهدى لمقاتله(٦) .

ثم كان من الخوارج ما كان قهروه على التحكيم فلما فعل حاربوه عليه وهذه أمور لا يبنى عليها من حديث خاص بل هذه سير يعرفها الخائضون في السير بل من قاربهم فضلا عن الإيغال(٧) معهم فيما أوغلوا فيه.

__________________

(١) ق: بدله ( ما نقموا عليه وغيرهم ).

(٢) ن: المال.

(٣) الاستيعاب: ٣ / ١٠٣٧ - ١٠٥٢.

(٤) ن: فحدثت.

(٥) نهج البلاغة كتاب ٢٨.

وهو جواب الى معاوية منه: ثم ذكرت ما كان من امري وامر عثمان فلك ان تجاب عن هذه لرحمك منه فاينا كان اعدى له واهدى الى مقاتله؟ امن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه. امن استنصره فتراخى عنه وبث المنون اليه حتى اتى قدره عليه الى آخره.

(٦) ن: لمقاتلته.

(٧) ق: الافعال.

٣٥٤

واعترض الطعن بخلاف سلمان على أبي بكر بوهن(١) حاله في الإسلام(٢) وهو دفع للمعلوم وبأنه ولي لعمر بن الخطاب وبأنه كان عند عمر معظما ولا يكون عنده معظما من(٣) يطعن في أبي بكر ونبه على ذلك بأن عمر نازل أبا بكر في خالد بن سعيد لما عقد له على أجناد الشام لما وقعت منه كلمة في بيعة أبي بكر حتى عزله(٤) .

والذي يقال على هذه الجملة أن أبا عمر صاحب كتاب الاستيعاب المغربي قال في جملة صفاته(٥) أول مشاهده الخندق ولم يفته بعد ذلك مشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان خيرا(٦) فاضلا عالما زاهدا متقشفا(٧) وذكر جملة حسنة من حال زهده وتقشفه(٨) .

__________________

(١) ق: موهن.

(٢) قال الجاحظ: انه ليس من المهاجرين ولا ممن شهد بدرا ولا احدا ولا لقي في الله ما لقي نظراؤه عند الناس كبلال وصهيب وخباب وعمار ولا كان من( الَّذِينَ آوَوْا، وَنَصَرُوا ) ، وذكروا في القرآن وقدموا وكان حديث الإسلام، قليل المشاهد، وانما اسلم حتى انحسرت الشدة وانكشف عنهم معظم الكربة الى اخر كلامه. انظر العثمانية: ١٧٨.

(٣) ق: لمن.

(٤) العثمانية: ١٧٨ - ١٧٩.

(٥) يعني سلمان الفارسي.

(٦) في المصدر بزيادة: حبرا.

(٧) الاستيعاب: ٢ / ٦٣٥.

(٨) قال صاحب الاستيعاب: ذكر هشام بن حسان عن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة الاف، وكان اذا خرج عطاءه تصدق به، وياكل من عمل يده، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها. وذكر ابن وهب وابن نافع عن مالك قال: كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش منه، ولا يقبل من احد شيئا، قال: ولم يكن له بيت وانما كان يستظل بالجذور والشجر: وان رجلا قال له: الا ابني لك بيتا تسكن فيه؟ فقال: مالي به حاجة، فما زال به الرجل حتى قال له: اني اعرف البيت الذي يوافقك، قال: فصفه لي، قال: ابني لك بيتا اذا انت قمت فيه اصاب رأسك سقفه، وان انت مددت فيه رجليك اصاب اصابعهما الجدار، قال: نعم، فبنى له بيتا كذلك. الاستيعاب: ٢ / ٦٣٥.

٣٥٥

إذا عرفت هذا فما بعد(١) هذا مرتبة في رفعة.

فإن قيل هذا شيء على(٢) غير الرأي والاعتبار فإن الجواب عنه بما أن عمر رضي رأيه واستنبله إذ جعله في مقام كسرى بالمدائن وأما أنه لو كان طعن على أبي بكر رضوان الله عليه ترك استنابته قياسا على خالد فإن الجواب عنه بما أن الأمور استقرت وانتظمت ورأى من قاعدة سلمان سدادا ومعرفة باللغة العجمية(٣) وهي(٤) بمقام العدم في العرب فولاه بلادا اللسان فيها اللغة(٥) العجمية وقد يغضي العاقل عن شيء لشيء كما يكره شيئا لشيء(٦) .

ولم يكن ذا قوم يخاف على الملك منه ويحاذر عليه بطريقة فهاتان علتان اقتضت تقديم سلمان العجمة وعدم القوم ومنع من تقديم خالد - الكلمة المشار إليها وحصول القوم الذين لهم الشكيمة والقوة.

وأما أنه ولي لعمر بن الخطاب رضوان الله عليه فلأن الدين قاض بأنه إذا رأى الإنسان مصلحة للمسلمين دخل في ولاية من كان ومن الذي شهد على نية سلمان بأنه كان يمضي الأمور وينوي بذلك أنه نائب(٧) لعمر بن الخطاب رضوان الله عليه.

وفسر كلمة سلمانرحمه‌الله تعالى في شأن البيعة كرداد ونكرداد بمعنى أنكم صنعتم وما صنعتم وأن المراد من ذلك أنكم أقمتم فاضلا

__________________

(١) ج وق: فبعد.

(٢) لا توجد كلمة ( على ) في: ج ون.

(٣) ن بزيادة: كما يكره شيئا لشيء.

(٤) ن: وهو.

(٥) ق: بلغة.

(٦) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٧) ن: كاتب.

٣٥٦

مجربا ولو كان غيره أفضل منه(١) . والذي يقال على هذا أن الجارودية يكفيهم تفسير الجاحظ إذ سلمان أنكر ما جرى إذ قدموا المفضول على الفاضل إذ لو كان جيدا ما أنكره ولا يرد على هذا لعل(٢) في تقديم المفضول مصلحة اقتضت تقدمه إذ لو كان ذلك كذلك لما أنكره سلمان(٣) .

إما أن يكون المراد من قوله صنعتم وما صنعتم صوابا أو بالعكس فإن كان الأول والثاني كان متناقضا لا يقع من سديد إذ يكون المعنى صنعتم صوابا بتقديمه وما صنعتم صوابا بتقديمه وإن كان الثالث كان محصلا لغرض الجارودية والرابع(٤) باطل بالإجماع منا ومن الجاحظ مع أن صورة ما أثبته بعض الثقات من صورة الكلمة كرديد ونكرديد وحق ميره ببرديد يعني فعلتم وما فعلتم وحق الرجل أذهبتم أي بايعتموه في حضرة الرسول ولم تفوا(٥) بالبيعة فكأنكم(٦) لم تبايعوه وأذهبتم حقه.

منع دعوى من ادعى أن بلالا أنكر على أبي بكر وعمر بكونه ولي لهما دمشق(٧) .

أقول إن لسان الجارودية أجاب عن مثل هذا في حال سلمان. وادعى أن المقداد كان متنكرا(٨) لأمير المؤمنينعليه‌السلام مقويا بذلك

__________________

(١) العثمانيّة: ١٧٩.

(٢) ن: العمل.

(٣) ن بزيادة: صنعتم وما صنعتم.

(٤) ن بزيادة: هو.

(٥) ق: تفوه.

(٦) ن: وكأنّكم.

(٧) العثمانيّة: ١٨٠.

(٨) ن: منكرا.

٣٥٧

أنه ما أنكر خلافة أبي بكر(١) . ولا نعرف هذا التنكر(٢) بل المقرر عند الإمامية خلافه ويكفي الإمامية في الإيراد مخالفة من خالف ولو لم تثبت إلا مخالفة خالد بن سعيد في كلمته لكفى وما قررته الإمامية من إنكار علي وجماعته وهو بحث طويل ذكره الأصحاب(٣) في كثير من كتبهم.

وحكى قصة كاذبة(٤) لا أصل لها مكذبة رسول الله صلى الله عليه

__________________

(١) العثمانية: ١٨١.

(٢) ن: النكر.

(٣) قال الطبرسي في الاحتجاج: ٧٥ « عن ابان بن تغلب قال: قلت لابي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : جعلت فداك هل كان احد في اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انكر على ابي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: نعم كان الذي انكر على ابي بكر اثنا عشر رجلا، من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني امية وسليمان الفارسي وابو ذر الغفاري والمقداد بن الاسود وعمار بن ياسر وبريدة الاسلمي، ومن الانصار: ابو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين.

وابي بن كعب وابو ايوب الانصاري.

( الى ان قال ) فسار القوم حتى احدقوا بمنبر رسول الله وكان يوم الجمعة فلما صعد ابو بكر المنبر فاول من تكلم خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم بعدهم الانصار. ( الى ان قال ) فقام اليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: اتق الله يا ابا بكر، فقد علمت ان رسول الله ٦ قال - ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له وقد قتل علي بن ابي طالب يومئذ عدة من صناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم -: يا معشر المهاجرين والانصار اني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم امرا فاحفظوه، الا ان علي بن ابي طالب اميركم بعدي وخليفتي فيكم بذلك اوصاني ربي الا وانكم ان لم تحفظوا فيه وصيتي وتؤازروه وتنصروه اختلفتم في احكامكم واضطرب عليكم امر دينكم ووليكم شراركم، الا وان اهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر امتي من بعدي. اللهم، ومن اساء خلافتي في اهل بيتي فاحرمه الجنة التي ( عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) » الحديث.

(٤) قال الجاحظ: والاغلب علينا ان المقداد لم يزل متنكرا لعلي، لان المقداد حين خطب ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الى النبي صلّى الله عليه [ وآله ] بعث النبي اليها عليا بذلك يخبرها، وانه قد رضيه لها، فكره علي ذلك فرجع الى النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وقال: رايتها كارهة.

فارسل النبي اليها رسولا فقالت: او لم اخبر عليا انني قد رضيت لنفسي بما رضي به النبي؟ فقام

٣٥٨

وآله في قوله إن الحق مع علي منافية شرف أمير المؤمنين مرجحا قول ضباعة(١) على قول أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وإذا بنيت المباحث على هذا فلقائل أن يقول إن الجاحظ كذب على الله ورسوله غير بانين(٢) ذلك على أصل وكما أن هذا لا ينبغي قبل ثبوته فكذا ذاك.

__________________

النبي صلّى الله عليه [ وآله ] خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال: « يا علي قم فانظر من عن يمينك وعن شمالك، واعلم انه ليس لك فضل على اسودهم واحمرهم الاّ بالدين ».

انظر العثمانية: ١٨١.

وخالد بن سعيد بن العاص بن عبد شمس القرشي الاموي يكنى ابا سعيد.

قال عنه في الاستيعاب: ٢ / ٤٢٠ - ٤٢٤.

أسلم قديما يقال انه كان ثالثا أو رابعا وقيل كان خامسا هاجر الى ارض الحبشة مع امرأته الخزاعية وولد له بها ابنه سعيد بن خالد وابنته ام خالد وكان قدومه من الحبشه مع جعفر بن ابي طالب، شهد مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] بعض غزواته وبعثه رسول الله على صدقات اليمن فتوفي رسول الله وهو باليمن وقال عنه: ٣ / ٩٧٣.

ضمن حديث: وبويع له [ يعني ابا بكر ] في اليوم الذي مات فيه رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] في سقيفة بني ساعدة، ثم بويع البيعة العامة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم وتخلف عن بيعته سعد بن عبادة، وطائفة من الخزرج، وفرقة من قريش ( الى ان قال ) وقيل انه تخلف عنه من قريش: علي والزبير وطلحة وخالد بن سعيد بن العاص. وقال: ٣ / ٩٧٥. وحدثنا احمد بن محمد، حدثنا احمد بن الفضل، حدثنا محمد بن جرير، حدثنا محمد بن سلمة عن ابن اسحاق عن عبد الله بن ابي بكر: ان خالد بن سعيد لما قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] تربص ببيعته لابي بكر شهرين ولقي علي بن ابي طالب وعثمان بن عفان وقال: يا بني عبد مناف لقد طبتم نفسا عن امركم يليه غيركم، فاما ابو بكر فلم يحفل بها واما عمر فاضطغنها عليه فلما بعث ابو بكر خالد بن سعيد اميرا على ربع من ارباع الشام، وكان اول من استعمل عليها، فجعل عمر يقول: اتؤمره؟ وقد قال ما قال، فلم يزل بابي بكر حتى عزله وولى يزيد بن ابي سفيان.

(١) ق: منباعة. ج: متباعة.

(٢) ن: بان.

٣٥٩

وذكر شيئا يتعلق بحال عمار وطعنه على عثمان(١) وليس هذا غرضا طائلا فنتحدث عليه وأنه ما كان ذلك قبل إحداثه(٢) وذكر شيئا يتعلق بطاعة عمار لعمر وأن أبا ذر كان يعظم عمر(٣) قال ولو اعترضتم مائة من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلتم إنهم كانوا طعانين على أبي بكر مؤكدين خلافة علي ما كان عندنا في أمرهم حديث قائم ولا خبر شاهد(٤) .

وقال إن حكم الممسك الرضا والتسليم(٥) .

وأقول إن هذا غلط لأنه إذا كانت الخلافة فرع الوفاق وثبت أنه لا ينسب إلى ساكت قول وقف الدليل إلا أن يقال إنا نعلم أن كل ساكت راض بباطنه وهو من الباطل الذي لا يشتبه على بصير.

ومدح سيرة أبي بكر رضوان الله عليه وهو يشكل إذ خلافة المشار إليه مبنية على الإجماع وإذا امتنع أشكل شكر شيء مما جرى فرعا عليها والإجماع متعذر فالشكر ممتنع بيانه:

أن الإجماع إنما يتقرر(٦) إذا اتفق جميع أهل الإسلام ما بين المشرق إلى المغرب والجنوب(٧) والشمال والعلم بهذا ممتنع فامتنع ما يبنى عليه فامتنع شكر ما تفرع عن الخلافة فتبرهن الإشكال على مذاهب الجارودية.

__________________

(١) العثمانية: ١٨٢.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٣) العثمانية: ١٨٢.

(٤) العثمانية: ١٨٣.

(٥) المصدر السابق.

(٦) ن: تقرر.

(٧) ن: الى.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534