بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية11%

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية مؤلف:
المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 534

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184141 / تحميل: 7011
الحجم الحجم الحجم
بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

الابتعاد عن إيذاء المؤمنين

يقول الحسين بن أبي العلاء: كنَّا في نحو عشرين نفراً عزمنا على الحَجِّ إلى بيت الله الحرام في مصاريف مُشتركة. وكنت أذبح لهم شاة في كل منزل ننزل فيه. وفي يوم، ونحن في السفر، زرت الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال لي: (يا حسين، أُتذلُّ المؤمنين؟!).

قلت: أعوذ بالله مِن ذلك.

فقال (عليه السلام): (بلغني أنَّك تذبح لهم في كلِّ منزل شاةً).

فقلت: يا مولاي، والله ما أردت بذلك غير وجه الله تعالى.

فقال (عليه السلام): (أما كنت ترى أنَّ فيهم مَن يُحبُّ أنْ يفعل مثل أفعالك فلا يبلغ مقدرته ذلك، فيتقاصر إليه نفسه؟!).

قلت: يا ابن رسول الله، أستغفر الله ولا أعود.

لم يكن الحسين بن العلاء يرى مِن عمله سوى قرى رفاق سفره، دون أنْ ينتبه لما في ذلك في تحقير للآخرين، فبيَّن له الإمام الصادق عيبه الأخلاقي، فتنبَّه الرجل إلى ذلك فوراً، ولم يعد لمثله (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢١

اتَّق الله ولا تَعجل

عن جرير بن مرزام قال:

قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): إنِّي أُريد العُمرة، فأوصني.

قال: (اتَّق الله ولا تَعجل).

فقلت: أوصني. فلم يزد على هذا.

إنَّ العجلة والتسرُّع كانا واضحين في أُسلوب تفكيره، فهو في أول منزل مِن منازل سفره يُصادف مجهولاً ويسمع منه ما لا يُحبُّ أن يسمع. وبدلاً مِن أنْ يُناقش الرجل ويُصحِّح له خطأه، يُقرِّر مُنازلته وقتله، ولكنَّه يلتزم وصية الإمام الصادق (عليه السلام) ويُمسك نفسه عن تنفيذ قراره.

كان مُعلِّم الأخلاق الإسلاميَّة يعرف عيب جرير الخلقي، فاستثمر فرصة طلبه النصح فأوصاه بعدم التسرّع الذي كان مِن أهمِّ عُيوبه، وبذلك نجَّاه مِن خطر السقوط.

٣٢٢

الإسراف مذموم

كان منصور بن عمّار مارَّاً قرب بيت قاضي بغداد، وكان باب البيت مفتوح، فوقف منصور أمام الباب وأخذ ينظر إلى داخل البيت واسع وضخم، ولفت نظره الغرف المفروشة والأواني الفاخرة، وتعدُّد الغُلمان والخُدَّام، وتعجَّب مِن هذه الزخارف والزينة.

طلب منصور ماءً للوضوء، فملأ أحد الغُلمان إبريقاً كبيراً وجاء به إليه، وعندما جلس ليتوضَّأ أراق ماء الإبريق كلَّه، وشاهده قاضي بغداد فقال له:

يا منصور، لماذا هذا الإسراف في الماء؟

أجاب منصور: أيَّها القاضي، أنت تُحاسبي في الماء المُباح للوضوء، ولا تُحاسب نفسك على هذا الإسراف العجيب في البناء!

والله يعلم مِن أين جاءتك هذه الأموال، ولم تكتف بمنزل صغير وخادم؟!

لماذا كلُّ هذا الإسراف وتحمُّل المعصية؟!

انتبه قاضي بغداد مِن غفلته بسبب كلام منصور، واعتدل بعد ذلك في صرف الأموال (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢٣

الشيطان لن ينصح مُسلماً

هناك حديث مرويٌّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) يدور حوله حوار يجري بين النبي يَحيى (عليه السلام)، وإبليس العدوِّ اللدود لبني آدم، فيُمعن النبيُّ يحيى (عليه السلام) النظر في أقوال إبليس ويستفيد منها.

قال يحيى: (فهل ظفرت بيَ ساعة قطُّ؟).

قال: لا، ولكنْ فيك خِصلة تُعجبني.

قال يحيى: (فما هي؟).

قال: أنت رجل أكول، فإذا أفطرت أكلت وبشمت، فيمنعك ذلك مِن صلاتك وقيامك بالليل.

قال يحيى: (فإنِّي أُعطي الله بهذا (عهداً) أنِّي لا أشبع مِن الطعام حتَّى ألقاه).

قال له إبليس: وإنِّي أُعطي الله عهداً أنِّي لا أنصح مسلماً حتَّى ألقاه (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢٤

لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ

أرسل الخليفة العباسي عبد الله بن طاهر والياً على خراسان، فدخل هذا بجنوده مدينة نيسابور، واستقرَّ بهم في المواضع المُخصَّصة لهم، إلا أنَّها لم تتَّسع لهم جميعاً، فوزَّع بعض جنوده على الأهالي وأجبرهم على استضافتهم، فأثار فيهم موجة مِن السخط والتذمُّر.

واتَّفق لأحد الجنود أنْ يسُكن مع رجل غيور زوجته جميلة، فاضطرَّ الرجل إلى أنْ يترك عمله ليبقى في البيت رقيباً لئلا تتعرَّض زوجه لاعتداء مِن الجنديِّ الشابِّ.

في أحد الأيَّام طلب الجندي من صاحب البيت أنْ يأخذ فرسه ليورده الماء غير أنَّ الرجل الذي لم يكن - مِن جِهة - يجرؤ على ترك زوجه مع الجنديِّ وحدهما في البيت، ويخاف - مِن جِهة أُخرى - رفض طلب الجندي، قال لزوجه أنْ تأخذ هي الفرس إلى الماء، ويبقى هو للمُحافظة على أثاث البيت، فأخذت الزوجة بزمام الفرس واتَّجهت نحو موضع الماء.

وفي تلك اللحظة اتَّفق أنْ مَرَّ عبد الله بن طاهر مِن ذلك المكان، فرأى امرأة وقوراً جميلة تقود فرساً نحو الماء، فعُجب مِن ذلك، واستدعى المرأة وقال لها: لا أراك مِن اللواتي يوردن الخيل، فما الذي دعاك إلى هذا؟!

قالت المرأة بغضب: هذا نتيجة عمل عبد الله بن طاهر الظالم، ثمَّ شرحت له الأمر.

تأثَّر عبد الله مِن قول المرأة وغَضب على نفسه؛ لأنَّه كان سبباً في أنْ يَشعر أهل نيسابور بالتعاسة والشقاء، فأمر المُنادين أنْ ينادوا في البلدة أنْ على جميع الجنود الخروج مِن المدينة حتَّى الغروب مِن ذلك اليوم، ومَن بات منهم في المدينة يُهدر

٣٢٥

ماله ودمه.

وترك هو المدينة إلى (شادياخ) القريبة مِن نيسابور حيث لحق به جنوده، فبنى في تلك المنطقة الواسعة لنفسه قصراً ولجنوده مقرَّات يسكنونها.

هذه المرأة التي كانت حياتها عُرضة للخطر ذكرت عبد الله بن طاهر بالسوء، فكان مِن أثر هذا الكلام والذَّمِّ الموجع أنْ حلَّ العُقدة ورفع الظلم، لا عن نفسها وزوجها فحسب، بلْ إنَّه قد أنقذ سائر الناس مِن التعسُّف والجور، وَوُضِع حَدٌّ للحالة المُزرية التي مَرَّت بها مدينة نيسابور.

وهذا هو مصداق الآية القرآنيَّة: ( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ... ) (النساء: 148) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢٦

اللَّهمَّ إنِّي أمسيت عنه راضياً فارضَ عنه

ومثلما يسعى الناس بدافع مِمَّا فيهم مِن أنانيَّة ورغبة في الحياة، إلى مُعالجة أمراضهم الجسميَّة، ويبحثون عن الدواء والعلاج، كذلك يسعى الذين يتمسَّكون بالحياة الإنسانيَّة والمعنويَّة بدافع مِن حُبِّ الذات وعِشق السموِّ والكمال، مِن أجل إصلاح أفكارهم وأخلاقهم، ويُباشرون بإرادة قويَّة بمُعالجة أنفسهم، فيقومون بواجباتهم، دون أنْ يُبالوا بالمشقَّات والصعاب. هؤلاء يستطيعون تزكية أنفسهم بما يبذلونه مِن سَعي وجُهد، ويتخلَّقون بمكارم الأخلاق والسجايا الإنسانيَّة، ليبلغوا في النهاية الكمال اللائق بمقام الإنسان.

أمثال هؤلاء كثيرون بين المسلمين، مُنذ عهد الرسول حتَّى العصر الحاضر، مِن الرجال والنساء مِن ذوي الإرادة القويَّة والعزم الراسخ، وعلى الرغم مِن أنْ أكثريَّة هؤلاء مجهلون، إلاَّ أنَّ التاريخ احتفظ لنا ببعض الأسماء، وفيها اسم عبد الله ذي البِجادَين.

كان عبد الله مِن قبيلة (هزينة) وكان اسمه عبد العُزَّى - والعُزَّى هو أحد أصنام عرب الجاهليَّة - مات أبوه وهو صغير، فكفله عَمُّه العابد للأصنام فعَني به وربَّاه حتَّى بلغ سِنَّ الشباب، فوهب له بعض أمواله وأغنامه. يومئذ كان الإسلام قد بدأ يُثير الحماس والتحرُّك في الناس، وكان كلام يدور في كلِّ مكان على هذا الدين الجديد، فكان أنْ أخذ عبد العُزَّى الشابّ يبحث عن حقيقة أمر هذا الدين بكلِّ حَماس وعِشق، مُتابعاً جميع الشؤون الإسلاميَّة، وعلى أثر سماعه كلام نبيِّ الإسلام والتعرُّف على التعاليم الإلهيَّة، أدرك فساد المُعتقدات التي كان هو وقبيلته يتَّبعونه، فعافت نفسه الأصنام وعبادتها والعادات الجاهليَّة، وآمن في قلبه بدين الله ولكنَّه لم يُظهر ذلك علانيَّة رعاية لعَمِّه.

٣٢٧

ظلَّت الحال على هذا المنوال بعض الوقت. وبعد فتح مَكَّة قال يوماً لعمِّه: ظللت أنتظرك طويلاً أنْ تعود إلى نفسك فتُسلِم وأُسلم معك، ولكنِّي أراك لا تُريد أنْ تترك عبادة الأصنام، وما تزال تُصرُّ على دينك الباطل، فاسمح لي أنْ أعتنق أنا الإسلام وألتحق بركب المسلمين. كان عَمُّه قد طرق سمعه مِن قِبل ميول ابن أخيه إلى الإسلام؛ لذلك غضب عند سماع كلامه غضباً شديداً، وقال: إنَّه لن يسمح له أبداً بذلك، وأقسم أنَّه إذا خالفه واعتنق الإسلام فسوف يسترجع منه كلَّ ما كان قد وهبه له.

كان الرجل يظنُّ أنَّ ابن أخيه الشابَّ سوف يرجع عن رأيه في الإسلام إذا هدَّده بانتزاع كلِّ شيء منه، وأنَّه سوف يطرد فكرة اعتناق الإسلام مِن رأسه، ويبقى عاكفاً على عبادة الأصنام. ولكنَّ الشابَّ كان مسلماً حقيقيَّاً، لا يُمكن أنْ تتزلزل عقيدته بالتهديد والوعيد، ولا أنْ يرجع عمَّا عزم عليه، فأعلن إسلامه بكلِّ جُرأة وصراحة، ولم يعبأ بالتهديدات الماليَّة.

عند ذلك لم يجد العمُّ إزاء مقالة الشابِّ إلاّ أنْ يُنفِّذ تهديده، فاسترجع منه كلَّ الأموال التي كان قد أعطاها له، ونزع عنه حتَّى الثوب الذي كان يرتديه، فانطلق الشابُّ عارياً إلى أُمِّه وقال لها: أحمل هوى الإسلام، ولا أطلب منك سوى إكساء العُريان. فأعطته أُمُّه قطعة مِن قماش كتَّان عندها، فشقَّها نِصفين كسا عُريِّه بهما واتَّخذ سبيله في الطريق إلى المدينة للتشرّف برؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

كان الفتى قد فُتِن بالحقيقة التي اكتشفها، فامتلأ قلبه بالثورة والحماس، والطهارة والخلوص، والصدق والصفاء. كان يغذُّ السير، كطائر أُطلق مِن سجنه وأصبح حُرَّاً يُحلِّق حيث يشاء، يُريد أنْ يرى رسول الإسلام بأسرع ما يستطيع؛ ليعُبَّ مِن عذب نمير تعاليمه الإلهيَّة المُحيية؛ ليصنع نفسه كما يليق به، ولينال السعادة الحقيقية والكمال الإنسانيِّ المنشود.

دخل المسجد بين الطلوعين عندما كان المسلمون قد اجتمعوا لأداء فريضة

٣٢٨

صلاة الصبح، فأدَّاها جماعة معهم بإمامة رسول الله. وبعد الصلاة استدعاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسأله عمَّن يكون، فقال له: اسمي عبد العُزَّى.

ثمَّ سرد عليه ما جرى له. فقال الرسول: (اسمك عبد الله).

وإذ رآه يلفُّ نفسه بتينك القطعتين مِن القماش لقَّبه بذي البِجادَين. ومُنذ ذلك اليوم عرفه الناس باسم عبد الله ذي البِجادَين.

وخرج عبد الله ذو البِجادَين مع المسلمين في حرب تبوك مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوفَّاه الله في هذه الغزوة. وعند دفنه قام النبي بنفسه بإنزال جسده إلى القبر. وبعد الانتهاء مِن مراسم الدفن، اتَّجه إلى القبلة، ورفع يديه نحو السماء ودعا له قائلاً: (اللَّهمَّ، إنِّي أمسيت عنه راضياً فارضَ عنه).

٣٢٩

التضرُّع إلى الله وأسباب الانتصار

في إحدى الحروب الإسلاميَّة حاصر جُند الإسلام إحدى قِلاع العدوِّ، بهدف الاستيلاء عليها بالقوَّة العسكريَّة، غير أنَّ القلعة كانت حصينة وطالت أيَّام الحصار. وعلى الرغم مِن أنَّ جُند الإسلام بذلوا خلال تلك المُدَّة جهوداً جبَّارة ومساعي حميدة؛ فإنَّهم لم ينجحوا في اقتحام الحِصن، فأخذت معنويَّات الجيش تهبط شيئاً فشيئاً، ويضعف عزمهم على الاستمرار .

وإذ وجد قائد الجيش أنَّ انتصاره في تلك الظروف مُستبعَد جِدَّاً، توجَّه إلى الله تعالى واستعاذ به مِن ذِلِّ النكوص فصام أيَّاماً، ورفع يديه بالدعاء إلى الله مُخلصاً صادقاً، طالباً الانتصار على العدوِّ، فتقبَّل الله تعالى دعواته، وسُرعان ما استجاب له .

كان القائد في أحد الأيَّام جالساً، فشاهد كلباً أسود يركض بين المُعسكر فشدَّ ذلك انتباهه وراح يُدقِّق فيه. وبعد ساعات وجد الكلب نفسه على حائط القلعة، فأدرك أنَّ للقلعة طريقاً إلى الخارج، وأنَّ الكلب يأتي مِن القلعة إلى المُعسكر بحثاً عن طعام ويعود إليه. فكلَّف بعض الجُند بتقصِّي مسير الكلب لمعرفة الطريق الذي يسلكه، ولكنَّهم لم يوفَّقوا للعثور على الطريق. فأمر بجراب أنْ يلوَّث بالسمن لإغراء الكلب به، ويملأ بالدفن ويُثقب في عِدَّة مواضع لينساب منه الحَبُّ فيما يجرُّ الكلب الجراب إلى حيث يُريد. ففعلوا ما أمر به، وألقوا بالجراب في المُعسكر في طريق الكلب .

وفي اليوم التالي خرج الكلب مِن القلعة مُتَّجهاً إلى المُعسكر حتَّى وصل إلى الجراب المدهون، فعضَّ عليه بأسنانه وكَرَّ راجعاً إلى القلعة، مُخلِّفاً وراءه حبَّات الدفن التي كانت تسقط مِن ثقوب الجراب. وبعد ساعة تتبَّع الجُند آثار الدفن على الأرض حتَّى وصلوا في النهاية إلى نقب كبير كان

٣٣٠

يسمح بالدخول إلى القلعة بيُسر وسهولة. فعيَّن القائد موعداً لجنده فاجتازوا النقب إلى داخل القلعة، وهاجموا العدوَّ الذي لم يجد بُدَّاً مِن الاستسلام، وانتهى الحصار بانتصار الإسلام .

لقد كان هذا الكلب دائم التردُّد على المُعسكر، ولكنَّ أحداً مِن الضباط والجنود لم يلتفت إليه؛ لأنَّ أحداً منهم لم يخطر له أنْ يكون هذا الحيوان سبباً لفتح القلعة ولانتصار المسلمين، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى عندما استجاب دعوة القائد، أوقع في قلبه أنْ يتنبَّه إلى الكلب كسبب مِن أسباب الانتصار، وبذلك أخرج المسلمين مِن مُشكلتهم الكُبرى، وفتح أمامهم باب الظفر، وأنقذهم مِن ذِلِّ الهزيمة والانكسار (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣١

يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ

إنَّ الله تعالى قد يشاء أنْ يصون المؤمنين مِن الأخطار والبلايا، بطُرق خارقة للعادة عن طريق إزالة العِلَّة التي تتهدَّدهم بالخطر، ومِن ذلك صيانة خليل الرحمان مِن الاحتراق بنيران عَبدة الأصنام .

لقد حطَّم النبي إبراهيم (عليه السلام) أصنام المُشركين، فأثار غضبهم، فقرَّروا أنْ يُحرقوه دفاعاً عن أصنامهم، فأوقدوا ناراً عظيمة وألقوا به فيها .

في مثل هذه الحالة لم يكن أمام إبراهيم الخليل مفرٌّ مِن الاحتراق في تلك النيران ليستحيل رماداً، ولكنَّ الله لم يُرِدْ له ذلك، بلْ أراد أنْ يصونه مِن نيرانهم، فقال للنار: ( ... يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (الأنبياء: 69 ).

فانقلبت النار المُحرقة برداً وسلاماً عليه بمشية الله تعالى الخاصَّة، وتبدَّل ذلك السعير المُلتهب إلى جوٍّ مِن السلامة خالٍ مِن كلِّ خطرٍ، وانهارت خُطَّة المُشركين في إحراق نبيِّ الله، وظلَّ سليماً في حفظ الله وصيانته (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٢

لا يَخرج الرجل عن مَسقط رأسه بالدَّين

إنَّ محمد بن أبي عمير كان رجلاً بزَّازاً فذهب ماله وافتقر، وكان له على رجل عشرة آلاف درهم، فباع داراً له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم، وحمل المال إلى بابه، فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟

قال: هذا مالك الذي عليَّ .

قال: ورثته؟

قال: لا .

قال: وهِبَ لك؟

قال: لا .

قال: فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟

قال: لا .

قال: فما هو؟

قال: بعت داري التي أسكنها لأقضي دَيني .

فقال محمد بن أبي عمير: حدَّثني ذريح المُحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يخرج الرجل عن مَسقط رأسه بالدَّين) (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٣

أذلُّ الناس مَن أهان الناس

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أذلُّ الناس مَن أهان الناس ).

روي أنَّ عمر بن عبد العزيز دخل إليه رجل، فذكر عنده عن رجلٍ شيئاً .

فقال عمر: إنْ شئتَ نظرنا في أمرك، فإنْ كنت كاذباً فأنت مِن أهل هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) (الحجرات: 6)، وإنْ كنت صادقاً فأنت مِن أهل هذه الآية: ( هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ) (القلم: 11)، وإنْ شئتَ عَفونا عنك؟

فقال: العفو، لا أعود إلى مثل ذلك أبداً (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٤

البادئ أظلم

كان مُعاوية بن أبي سفيان مِن بني أُميَّّة، وعقيل مِن بني هاشم، وكان آل هاشم سادات قريش، مُكرَّمين ومُحترمين، بينما كان آل أُميَّة يشعرون قِبالهم بالصِّغار والضِّعة، فكان ذلك مُدعاة لحِقدهم على آل هاشم، والسعي لمُعاداتهم والانتقام منهم .

كان مجلس مُعاوية في الشام يوماً مُكتظَّاً بالحاضرين، ومنهم عقيل، فأراد مُعاوية أنْ ينتهز الفرصة لينتقص منه، فالتفت إلى الحاضرين وسألهم، أتدرون مَن أبو لهب؟ الذي قال عنه القرآن: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ... ) (المسد: 1) إنَّه عَمُّ عقيل هذا .

فبادر عقيل قائلاً: أتدرون مَن كانت زوج أبي لهب؟ التي قال عنها القرآن: ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ) (المسد: 4 - 5) إنَّها عَمَّة مُعاوية هذا .

كان مُعاوية يومئذ في أوج سُلطانه وفي يده أزمَّة الأُمور في البلاد الإسلاميَّة الشاسعة، فلم يكن أحد ليجرؤ على إهانته، ولكنَّه بكلامه المُهين الذي قاله في عقيل، مزَّق ستار الاحترام عن نفسه وجرَّأ عقيلاً على أنْ يُكلِّمه بغِلظة، وأنْ يردَّ إهانته بمِثلها ويُحقِّره أمام الحاضرين (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٥

لعنة الله على الظالمين

كان الحَكم مِن ألدِّ أعداء الإسلام، وساهم مع مُشركي مَكَّة في إيذاء الرسول والمسلمين، وبعد هِجرة الرسول إلى المدينة، ظلَّ الحَكم في صفوف أعداء الإسلام ولم يترك إيذاء المسلمين، وعندما فتح جُند الإسلام مَكَّة تظاهر باعتناق الإسلام، وترك مَكَّة إلى المدينة، ولكنَّه لم يكفَّ هناك عن أعماله القبيحة، فاضطرَّ الرسول إلى نفيه إلى الطائف حيث ظلَّ حتَّى حُكم عثمان .

بعد موت يزيد بن مُعاوية، تسلَّم مروان بن الحَكم كرسيَّ الخلافة في الشام، وراح يدير شؤون البلاد، غير أنَّ أهل مَكَّة والمدينة لم يُبايعوه؛ لأنَّهم كانوا قد بايعوا عبد الله بن الزبير بالخلافة على نجد والحِجاز .

وبعد موت مروان خَلَفه ابنه عبد الملك، فصمَّم هذا على القضاء علىخلافة عبد الله بن الزبير عن طريق الحرب؛ ليبسط سُلطانه على تلك البلاد أيضاً، فأرسل الحَجَّاج بن يوسف على رأس جيش إلى مَكَّة، حيث اندلعت حرب ضَروس، انتصر فيها الحَجَّاج، وقتل عبد الله بن الزبير، ودخلت منطقة نجد والحِجاز الواسعة في مُلك عبد الملك القويِّ .

كان لعبد الله بن الزبير ولد اسمه ثابت اشتهر بالخطابة، حتَّى سمَّوه بلسان آل الزبير، وفي أحد الأيَّام دخل ثابت على عبد الملك، خليفة بني مروان المُقتدر مبعوثاً مِن قبل شخصٍ ما. فبادر عبد الملك إلى تحقيره وذكر مثالب آل الزبير، وقال له: إنَّ أباك كان يعرفك يوم سبَّك وشتمك .

فغضب ثابت مِن كلامه، وقال له: يا خليفة، أتدري لِمَ كان أبي يسبُّني؟

قال: كلا .

قال ثابت: لأنِّي كنت أنصحه بألاَّ يدخل الحرب اعتماداً على مُساندة أهل مَكَّة؛ لأنَّ الله لا ينصر بهم أحد؛ ولأنَّ أهل مَكَّة هُمْ الذين آذوا الرسول وأخرجوه منها،

٣٣٦

ثمَّ جاؤوا إلى المدينة واستمرُّوا في فسادهم وقبيح أعمالهم، حتَّى نفاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها عقاباً لهم .

كان هذا تعريفاً مِن ثابت بن عبد الله بالحَكم بن أبي العاص، جَدِّ عبد الملك قصد به رَدَّ إهانته والانتقام منه لما تفوّه به عنه، فغضب عبد الملك، وقال: لعنة الله عليك .

فردَّ ثابت في الحال: لعنة الله على الظالمين، كما لعنهم الله في القرآن الكريم .

وكان هذا تعريفاً آخر بعبد الملك، فاشتدَّ غضبه وأمر بسجن ثابت .

عبد الملك بن مروان، الخليفة القويُّ المُقتدر، بذكره مثالب ثابت بن عبد الله عرَّض نفسه لإهانته وتحقيره، وبلعنه زاد مِن جُرأة ثابت على رَدِّ اللعنة، وإنْ كان مِن دون تصريح، وبسجنه دلَّ على ضعفه وكَشف عن عجزه، وكأنَّه في الحقيقة قد اعترف بهزيمته (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٧

ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه

كان ليزيد بن أبي مسلم مقامٌ رفيعٌ في حكومة الحَجَّاج، إذ كان كاتبه الخاصَّ، ولكنَّه كان يتدخَّل في كلِّ أمر. وفي أيَّام خلافة سليمان بن عبد الملك طُرِد مِن وظيفته وأصبح غير مرغوب فيه .

وفي يوم مِن الأيَّام أُدخل على سليمان بن عبد الملك وهو مُكبَّل بالحديد، فلمَّا رآه ازدراه، فقال :

ما رأيت كاليوم قطُّ. لعنَ الله رجلاً أجرك رَسنه وحَكَّمك في أمره .

فقال له يزيد: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنَّك رأيتني والأمر عنِّي مُدبر، وعليك مُقبل، ولو رأيتني والأمر مُقبل عليَّ لأستعظمت منِّي ما استصغرت، ولأستجللت منِّي ما استحقرت .

قال: صدقت، فاجلِس، لا أُمَّ لك .

فلمَّا استقرَّ به المجلس، قال سليمان: عزمت عليك لتُخبرني عن الحَجَّاج، ما ظنُّك به؟ أتراه يهوي في جهنَّم، أمْ قد استقرَّ فيها؟

قال: يا أمير المؤمنين، لا تقلُ هذا في الحَجَّاج، فقد بذل لكم نصَفه وأحقن دونكم دمه، وأمَّن وليكم، وأخاف عدوَّكم، وإنَّ يوم القيامة لعن يمين أبيك عبد الملك ويسار أخيك الوليد، فاجعله حيث شئت .

فصاح سليمان: أُخرج عنِّي إلى لعنة الله .

ثمَّ التفت إلى جلسائه فقال: قبَّحه الله! ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه، ولقد أحسن المُكافأة، خلُّوا سبيله (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٨

لا تذيعَنَّ شيئاً على أخيك تَهدم به مروَّته

محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الأوَّل (عليه السلام)، قال :

قلت له: الرجل مِن إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه، فأسأله ذلك فيُنكره، وقد أخبرني قوم ثقات .

قال لي: (يا محمد، كَذِّب سمعك وبصرك على أخيك، فإنْ شهد عندك قَسَّامة قالوا لك قولاً فصدِّقه وكذِّبهم، ولا تُذيعن عليه شيئاً تُشينه به وتهدم به مروَّته، فتكون مِن الذين قال الله تعالى فيهم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ... ) ) (النور: 19) (1) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٩

مُروءة قائدٍ

كان إسماعيل بن أحمد الساماني يحكُم بلاد ما وراء النهر، فعزم عمرو بن الليث الصفاري على أنْ يُحاربه، ويُخرجه مِن ما وراء النهر، ويضمَّ أرضه إلى أرض بلدته التي يحكمها، فجهَّز جيشاً كبيراً في نيسابور، ثمَّ انطلق نحو بلخ، فبعث إليه إسماعيل بن أحمد برسالة قائلاً:

إنَّك تحكم أرضاً واسعة بينما لا أحكم أنا إلاَّ على منطقة صغيرة مِن ما وراء النهر، فاقنع بما عندك واترك لي ما عندي. ولكن عمرو بن الليث لم يلتفت إلى قوله، وواصل سيره وعبر نهر جيحون وطوى المنازل حتَّى بلغ بلخ.

هناك اختار مكاناً لجيشه، حيث حفر الخنادق وأعدَّ المراصد وقضى بضعة أيَّام يتهيَّأ للقتال، بينما ظلَّت فرق جيشه تتوافد وتستقرُّ في المكان المُخصَّص لها.

أمَّا قوَّاد إسماعيل بن أحمد وحاشيته، الذين كانوا قد سمعوا بشجاعة عمرو بن الليث، فعندما شاهدوا كثرة جنوده المُدجَّجين بالسلاح ارتعبوا وتشاوروا فيما بينهم قائلين: إنَّنا إنْ دخلنا الحرب مع عمرو وجنوده الأشدَّاء فإمَّا أنْ نُقتل عن آخرنا، وإمَّا أنْ نولِّي الأدبار عندما يَحمى وطيس الحرب ونرضى بذِلِّ الفرار، وكلا هذين الأمرين ليس فيهما عقل ولا صلاح، فمِن الخير - إذنْ - أنْ نغتنم الفرصة فنتقرَّب إليه ونطلب منه الأمان قبل أنْ تقع الهزيمة المُحتَّمة فهو رجل عاقل وقويٌّ، ولا يُنتظر منه أنْ تشوَّه سمعته بقتل هذا وذاك وهو سلاح العجزة والحَمقى.

فقال أحد الحاضرين: هذا كلام معقول ونصحُ شفوق فلا بُدَّ مِن العمل به.

فتقرَّر أنْ يجتمعوا في ليلة مُعيَّنة؛ لينفذُّوا ما عزموا عليه، وفي الليلة المُعيَّنة اجتمعوا وكتب كلٌّ منهم رسالة إلى عمرو يَعرضون عليه إخلاصهم ووفاءهم له طالبين منه الأمان، ووصلت الرسائل إلى يد عمرو، فقرأها واطّلع على مضامينها، ووضعها في خُرجه وختمه بختمه وأرسل إليهم بالأمان الذي طلبوه.

ودارت رَحى الحرب وانتصر إسماعيل بن أحمد بخلاف ما كان قوَّاده يتوقَّعون،

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وإن ادعى مدع أن محصل الإمامة(١) غير ذلك من صنوف الإجماع فلنذكره(٢) ولا أرى إلى ذلك سبيلا.

[و ](٣) قال ما الشيء الذي كان علي أجزأ منه فيه ولم تكن الفتن إلا على رأسه ولم تغلق الفتوح إلا في زمانه(٤) .

والذي يقال على هذا إنه تعرض برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسب له إذ سبه سبه كما سلف(٥) وأذاه أذاه وقد سلف أن عليا على الحق(٦) فإن كان الجاحظ أراد أنه كان(٧) على الخطأ فقد كذب رسول الله وإن ذهب إلى أنه كان فيما فعل على الحق فلا عيب وإن قال لم يكن فيه على غلط ولا صواب بل هو أمر عارض فلا حيلة ولا ذنب على من لم يجن وكلام الجاحظ يظهر منه التنقص(٨) .

وأما الفتن إذا اعتبرت فإن لسان الجارودية يقول إن مسببها الشورى إذ جعل علي أسوة بغيره من أصحاب الشورى مع الذي روى من لا يتهم من كون عمر رضوان الله عليه قال إن ولوها عليا حملهم على المحجة وسنذكر دليل قوله وربما ذكرنا عيبه غير علي وإنما أخذ على علي الدعابة وقد بينا أنها أخلاق النبوة فالطعن على علي بها مشكل فلما كان أحد ستة

__________________

(١) ن: الامامية.

(٢) ن: فليذكره.

(٣) لا توجد في: ن.

(٤) العثمانية: ١٨٥.

(٥) تقدم ص: (١٠٤).

(٦) تقدم ص: (٩٤).

(٧) لا يوجد في: ن.

(٨) ن: النقض.

٣٦١

تعلقت خواطر الحمية(١) بها وعلي كان يرى نفسه حقا المحل(٢) القابل لها وأنه مستحق الخلافة(٣) فلما ولي عثمان ولي علي ضعف بمن عداه من رجال الشورى المتشوقين إلى الخلافة المتقوين بإدخالهم في الشورى وضم إلى ذلك حوادثه فقتل وكان الحادث الذي جرى بالبصرة بسبب قتله واختلاف الجماعة على عليعليه‌السلام ثم كان فرع قتل عثمان صفين وقيام معاوية في الأخذ بثأره ثم كانت الواقعة الخارجية بسبب حرب صفين. وقد بينا مع قطع النظر عن النصوص الناصرة - أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه لم يكن سبب شيء مما جرى وأنه بمقام من بغي عليه عن قرب فكيف وقد ثبت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر بما جرى من مخاصمته للناكثين والقاسطين والمارقين وأن عمارارحمه‌الله تعالى تقتله الفئة الباغية في الصحيح وتلك المحاربات كانت الشاغلة علياعليه‌السلام عن الفتوح فليس عليه درك ولأن ألزم الدرك غير مهمل لزم ذلك الأنبياء في تخلف من تخلف عنهم واختلال أحوال الرعية فيما صدر منهم وهو باطل لا محالة.

وذكر شيئا يتعلق بحال سلمان في موافقته(٤) (٥) وليس ذلك مما يثبت حقا أو ينقض(٦) باطلا لضعف أصله.

الإشارة إلى ما وعدت به من ذكر قول عمر رضوان الله عليه إن ولوها

__________________

(١) ن: الخمسة.

(٢) ق: والمحل.

(٣) ق ون: للخلافة.

(٤) ن: موافقة.

(٥) العثمانية: ١٨٦.

(٦) ن: ينقص.

٣٦٢

عليا حملهم على المحجة فأقول(١) إن السيد المعظم المرتضى حكاه عن البلاذري في تاريخه صورة اللفظ إن ولوها الأجيلح سلك بهم الطريق.

قال ابن عمر فما يمنعك منه قال أكره أن أتحملها حيا وميتا(٢) .

ونقلنا من كتاب السقيفة تصنيف الجوهري ما يناسب هذا.

وقد روى صاحب كتاب الاستيعاب في إسناد(٣) لا أتهم فيه أحدا على السنة معروفا بقول باطل متصل يقول في سياق الحديث:

فقال ويحك يا ابن عباس ما أدري ما أصنع بأمة محمد قلت ولم(٤) وأنت بحمد الله قادر على أن تضع ذلك مكان الثقة قال إني أراك تقول إن صاحبك أولى الناس بها يعني عليا قلت أجل والله إني لأقول(٥) ذلك في سابقته(٦) وصهره قال إنه كما ذكرت ولكنه كثير الدعابة(٧) .

__________________

(١) ن: واقول.

(٢) الشافي: ٢٥٨.

(٣) والحديث كما جاء في المصدر:

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه من كتابي وهو ينظر في كتابه، قال: حدثنا ابو محمد قاسم بن اصبغ، حدثنا ابو عبيد بن عبد الواحد البزار، حدثنا محمد بن أحمد بن أيوب، قال قاسم: وحدثنا محمد بن اسماعيل بن سالم الصائغ، حدثنا سليمان بن داود، قالا حدثنا ابراهيم بن سعد، حدثنا: محمد بن اسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس، قال: بينا انا امشي مع عمر يوما اذ تنفس نفسا ظننت انه قد قبضت اضلاعه، فقلت: سبحان الله، والله ما اخرج منك هذا يا أمير المؤمنين الا امر عظيم، فقال: ويحك يا ابن عباس ... الى آخره.

(٤) ق: وهم.

(٥) ق: لا اقول.

(٦) في المصدر بزيادة: وعلمه وقرابته.

(٧) الاستيعاب: ٣ / ١١١٩.

٣٦٣

ولم أثبت ما أعرفه من الطرق(١) في ذلك إذ هذا الموضع موضع إيجاز(٢) الغرض منه ما ينهض بالرد على الجاحظ ومنع أن يكون سلمانرضي‌الله‌عنه قال ما قال من الكلام الفارسي لأنه كان يريد تثبيت إمامة عليعليه‌السلام والحاضرون عرب(٣) .

والجواب بما أن المصدور ينفث ولو كان خاليا ويتأوه ولو كان فريدا ولما رأى سلمان أن الرئاسة قد خرجت عن يد أربابها وغلب عليها الأبعد دون الأقرب والمفضول دون الأفضل قال ما قال اتباعا لعادة المكروب عند كربته وشدته.

قال وإذا كان جميع من حضر لا يعرف تفسير الكلمة تعين أن يكون سلمان فسرها لهم ولو كان كذا لنقل(٤) . وأقول:

إن هذا فاسد وما يدري الجاحظ أنه ما حضر المجلس من يفهم الكلمة إذ العرب كانوا مترددين إلى بلاد فارس وغيرها فبين مستجد(٥) وتاجر أو معاشرين لمن كان هذا فنه.

أما أن العرب الذين حضروا ما خلطوا أعجميا ولا من خالط أعجميا عرفوا منه شيئا من كلام العجم فتحكم ساقط مدفوع لا يذهب إليه ذو حس وأما أنه لو كان فسرها لنقل فممنوع إذ الجمهور ممن حضر كانوا

__________________

(١) ن: الطريق.

(٢) ق: انجاز.

(٣) قال الجاحظ: وان كان سلمان على ما قد وصفتم، وبالمكان الذي وصفتم من الحكمة والبيان، فما دعاه الى ان يكلم العرب والاعراب بالفارسية، وهو عربي اللسان فصيح الكلام، وهو يعلم انه لم يكن بحضرة المدينة فرس ولا من يتكلم بالفارسية ولا من يفهمها. انظر العثمانية: ١٨٧.

(٤) العثمانية: ١٨٨ نقله بالمعنى.

(٥) ق: مستنجد.

٣٦٤

بمقام الانحراف عن أمير المؤمنينعليه‌السلام مع أنه ليس كل مقول منقولا ولا كل منقول متصلا(١) .

وتعلق بأن سلمان لو قال ذلك وعرف أنكر عليه شيع أبي بكر(٢) . والجواب عن هذا بما أن أبا عثمان بعيد عن الحكمة نازح عن التدبير الموزون ذو لفظ غثه أكثر من سمينه لا يعرف وجوه الرأي ولا يستوري زند الاعتبار فلهذا يتفوه بما يتفوه به وينهض تارة مع أمير المؤمنينعليه‌السلام وتارة مع العباسية وتارة مع العثمانية يريد بذلك رضا الجميع وذلك موضع السفه إذ الجميع عند ذلك ساخطون عليه ذامون له عائبون عليه فعله قادحون في دينه.

وإذا عرفت هذا فإن الحكمة قاضية بأن الأمور إذا استقرت أو ما استقرت وطعن فيها طاعن يريد نقض إبرامها وتهويشها أن يلغى(٣) حديثه ويقع الإضراب عن مراجعته لئلا يتسع الحديث ويتنبه المتنبه ويراجع ذهنه الغافل ويعطف على تنقيبه العاقل ويكون ذلك مادة لنقض الإبرام ودحض ما أظفر به الوقت من المرام.

واعترض التعلق بمخالفة(٤) خالد بقوله يا بني عبد مناف أرضيتم بأن يلي هذا الأمر غيركم بأن قال إن خالدا إن كان أراد عموم بني عبد مناف فليس لقول خالد معنى وإن كان في(٥) قوم دون قوم فليس هو عاما وإن كان في عبد مناف للشرف والقرابة - فالعباس أولى بذلك من علي

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

(٢) العثمانية: ١٨٩ منقول بالمعنى.

(٣) ق: نلغى.

(٤) ق: مخالفة.

(٥) ن: من.

٣٦٥

وجميع بني عبد مناف(١) .

أقول إن الجارودية تستفسر أبا عثمان فإن قال أردت بالشرف العلم والفضل والزهد والجهاد والمعاني النفسانية والكسبية فإن العيان يكذبه ولسان النبوة ولسان السيرة وإن أراد بالشرف تعظيم الرسول له وتعظيم الله له فقد كذب وإن أراد بالشرف أن العباس كان أكبر من علي فليس ذلك موضع الشرف وإن أراد أنه كان عند الصحابة أكبر(٢) قدرا من علي فقد كذب ولئن كان هذا فهو قدح في الصحابة عظيم إذ يرجحون العباسرضي‌الله‌عنه على عليعليه‌السلام ويؤيد ذلك أن عمر لم يدخله في الشورى ولا أهلهرضي‌الله‌عنه لها.

قال وأما قوله أرضيتم يا بني عبد مناف فإنه لم يرد عليا بالتخصيص(٣) .

وأطال كلامه الغث الذي لا ينهض بحجة إذ غرض الخصم أنه ما وافق على خلافة أبي بكر رضوان الله عليه والإجماع إنما ينتظم باتفاق الجميع وهو أصل الخلافة فإذا انتفى انتفت.

وليس الجارودية متعلقين(٤) بخلاف خالد في أن ذلك مثبت خلافة علي ولو صرح خالد بخلافة علي ما قامت من ذلك حجة عند عاقل إذ الرواية من طريق الخصم واردة باستخلافه وما قامت عنده بذلك حجة فكيف تقوم بقول خالد هذا محال.

__________________

(١) العثمانية: ١٩٠.

(٢) ج و ق: اكثر.

(٣) العثمانية: ١٩١ منقول بالمعنى.

(٤) ق: في الجارودية من يتعلق.

٣٦٦

وقال إن خالدا رجع(١) وهذه دعوى.

وقال إن الأنصار بعد قولهم منا أمير ومنكم أمير رجعوا(٢) وهذا قول رجل جاهل بالسيرة أو معاند إذ رأس الأنصار مات على الخلاف وهو سعد بن عبادة والأنصار خصمتهم رواية(٣) أبي بكر الأئمة من قريش.

[ و ](٤) قال عن عليعليه‌السلام ولو ذكروه(٥) إشارة إلى من خالف ما كان لذكرهم دليل على أنه أولى بالإمامة من أبي بكر مع ما(٦) عددناه من خصاله التي لا يفي بها علي ولا غيره(٧) .

والذي يقول لسان الجارودية في هذا إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنى عليه وأثبت(٨) قصة الغار والعريش وربما تعلق بقصة مسطح وصدقة أبي بكر وقال إن ما سوى ذلك مما لا يبرئ من سقم ولا يرد من حيرة(٩) يجب تركه في الجانبين.

والذي يقول لسان الجارودية في هذا إنا قد أجبنا عن حديث الغار والعريش والصدقة وعن حال مسطح وكذا أجبنا عن غير ذلك من فنون عددها(١٠) في السيرة.

__________________

(١) العثمانية: ١٩٢.

(٢) العثمانية: ١٩٣.

(٣) ق: برواية.

(٤) لا توجد في: ق.

(٥) ن: ولو لا ما.

(٦) في المصدر: مهما.

(٧) العثمانية: ١٩٣.

(٨) ج وق: اثبته.

(٩) ن: حرة.

(١٠) ق: عددتها.

٣٦٧

وإذا عرفت هذا فاعلم أن عدو أمير المؤمنين محجوج بقوله في كون الذي روى غير ما أشار إليه لا عبرة به وقد بينا الجواب عما أشار إليه.

ولنذكر شيئا جمليا من ممادح أمير المؤمنينعليه‌السلام الثابتة عند القوم فنقول:

- ولقد أحسن ابن عبد البر وهو ممن لا يتهم في قوله قال أبو عمر فضائله لا يحيط بها كتاب وقد أكثر الناس من جمعها فرأيت الاقتصار منها على النكت التي يحسن المذاكرة بها وحكى عن أحمد بن حنبل ما صورته قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي لم يرو في فضل أحد من الصحابة بالأحاديث(١) الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب وكذلك قال أحمد بن شعيب(٢) بن علي النسائي(٣) .

وقال أخطب خطباء خوارزم في أول كتابه(٤) المناقب وذكر فضائل

__________________

(١) ق: الاحاديث.

(٢) كل النسخ: احمد بن سعيد بن علي النسوي وفي ق: السري.

(٣) الاستيعاب: ٢ / ٤٦٦.

وذكره ايضا ابن حجر في صواعقه: ٧٢، والعسقلاني في فتح الباري: ٨ / ٧١ والشبلنجي في نور الابصار: ٧٣.

وفي مستدرك الصحيحين: ٣ / ١٠٧.

روى بسنده عن محمد بن منصور الطوسي يقول: سمعت احمد بن حنبل يقول: ما جاء لاحد من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضائل ما جاء لعلي بن ابي طالب عليه‌السلام .

وجاء في الامامة والسياسة: ٩٣.

قال: وذكروا ان رجلا من همدان يقال له برد قدم على معاوية فسمع عمروا يقع في علي عليه‌السلام فقال له: يا عمرو ان اشياخنا سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فحق ذلك ام باطل؟ فقال عمرو: حق! وانا ازيدك انه ليس احد من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله له مناقب مثل مناقب علي. ففزع الفتى الحديث.

(٤) ق: كتاب.

٣٦٨

أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب هذا لفظه بل ذكر شيء منها فإن(١) ذكر جميعها يقصر عنه باع الإحصاء بل ذكر أكثرها يضيق عنه نطاق طاقة الاستقصاء ويدل(٢) على صدق ما ذكرت(٣) ما أنبأني الإمام الحافظ صدر الحفاظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني و(٤) قاضي القضاة الإمام الأجل نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي قالا(٥) أخبرنا الشريف الإمام الأجل نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبيرحمه‌الله عن الإمام محمد بن أحمد بن(٦) علي بن الحسن بن شاذان قال حدثنا المعافى بن زكريا أبو الفرج عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج عن الحسن بن محمد بن بهرام عن يوسف بن موسى القطان عن جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب(٧) .

قال وبهذا الإسناد عن ابن شاذان قال حدثني أبو محمد

__________________

(١) المصدر: اذ.

(٢) في المصدر: يدلك.

(٣) في المصدر بزيادة: ما اخبرني به السيد الامام الاول المرتضى شرف الدين، عز الاسلام، علم الهدى، نقيب نقباء الشرق والغرب، ابو الفضل محمد بن علي بن محمد بن المطهر بن المرتضى الحسيني في كتابه اليّ من مدينة الري، جزاه الله عني خيرا. قال: اخبرني السيد ابو الحسن علي بن ابي طالب الحسيني السيلقي ( وفي نسخة السليقي ) بقراءتي عليه قال: اخبرني الشيخ العالم ابو النجم محمد بن عبد الوهاب بن عيسى السمان الرازي، قال: اخبرني الشيخ العالم ابو سعيد محمد بن احمد بن الحسين النيسابوري الخزاعي، اخبرني محمد بن علي بن محمد بن جعفر الاديب بقراءتي عليه. وانبأني الامام الحافظ الى آخر.

(٤) في المصدر: قال انبأني.

(٥) في المصدر: قال انبأنا.

(٦) ق: ابي الثلج عن الحسن بن محمد بن بهرام عن يوسف بن موسى القطان الى آخره.

(٧) مناقب الخوارزمي: ٢.

٣٦٩

الحسين(١) بن أحمد بن مخلد المخلدي من(٢) كتابه عن الحسين بن إسحاق عن محمد بن زكريا عن جعفر بن محمد بن عمار عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه [ عن ] أمير المؤمنينعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله تعالى جعل لأخي علي فضائل لا تحصى كثرة(٣) فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه(٤) ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة(٥) رسم ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع(٦) .

ثم قال النظر إلى علي(٧) عبادة وذكره عبادة ولا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه(٨) .

وقد رأيت الاقتصار على هذا إذ الشروع في أمثال هذا يقطعنا عما نحن بصدده من مبادرة الانتصار لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في فنون سوف يأتي في مطاوي هذه الأوراق.

وذكر القصة في مناظرة علي أصحاب الشورى وهي جميلة جدا في إسناد مرفوع(٩) .

__________________

(١) المصدر: الحسن.

(٢) المصدر: في.

(٣) ن والمصدر: كثيرة.

(٤) في المصدر بزيادة: وما تأخر.

(٥) في المصدر: لذلك الكتاب.

(٦) في المصدر بزيادة: ومن نظر الى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.

(٧) في المصدر: النظر الى اخي علي بن ابي طالب عبادة.

(٨) مناقب الخوارزمي: ١ و ٢.

(٩) قال الخوارزمي في مناقبه: ٢٢١. واخبرني الشيخ الامام شهاب الدين افضل الحفاظ ابو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي، فيما كتب اليّ من همدان، اخبرني

٣٧٠

__________________

الحافظ ابو علي الحسن بن احمد بن الحسن الحداد، فيما اذن لي في الرواية عنه، اخبرني الشيخ الاديب ابو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن ابراهيم الطهراني سنة ثلاث وسبعين واربعمائة، اخبرني الامام الحافظ طراز المحدثين ابو بكر احمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني، قال الشيخ الامام شهاب الدين ابو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني، واخبرنا بهذا الحديث عاليا الامام الحافظ سليمان بن ابراهيم الاصبهاني في كتابه اليّ من اصبهان سنة ٤٨٨، عن ابي بكر احمد بن موسى بن مردويه، حدثني سليمان بن محمد بن احمد، حدّثني يعلى بن سعد الرازي، حدثني محمّد بن حميد، حدّثني زاهر بن سليمان بن الحرث بن محمد، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال:

كنت مع عليّ في البيت يوم الشورى، وسمعته يقول لهم: لاحتجنّ عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا عجميّكم تغيير ذلك، ثم قال: انشدكم الله أيها النفر جميعا أفيكم أحد وحد الله قبلي؟ قالوا: لا. قال: فانشدكم الله، هل منكم احد له اخ مثل جعفر الطيّار في الجنّة مع الملائكة؟ قالوا: اللهم لا. قال: انشدكم الله، هل فيكم احد له عم كعميّ حمزة اسد الله واسد رسوله سيد الشهداء غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: انشدكم بالله، هل فيكم احد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيّدة نساء اهل الجنّة غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: انشدكم بالله هل فيكم احد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنّة غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم بالله، هل فيكم احد ناجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر مرات، قدّم بين يديّ نجواه صدقة، قبلي؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم بالله، هل فيكم احد قال له رسول الله من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، ليبلغ الشاهد الغايب غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم الله، هل فيكم احد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم ائتني باحب خلقك اليك والي، واشدهم لك حبّا ولي حبّا يأكل معي من هذا الطير فاتاه واكل معه غيري؟ قالوا: اللهمّ، لا. قال: فانشدكم الله، هل فيكم احد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، لا يرجع حتّى يفتح الله على يده اذ رجع غيري منهزما غيري؟ قالوا: اللهم، لا قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال فيه رسول الله لوفد بني وليعة لتنتهين، او لأبعثنّ اليكم رجلا نفسه كنفسي، وطاعته كطاعتي ومعصيته كمعصيتي، يقتلكم بالسيف غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال رسول الله كذب من زعم انه يحبّني ويبغض هذا غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم أحد سلّم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من الملائكة، منهم جبرئيل، وميكائيل واسرافيل حيث جئت بالماء الى رسول الله من القليب غيري؟ قالوا: اللهم، لا.

٣٧١

__________________

قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له جبرئيل هذه هي المواساة فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّه منّي وانا منه وقال جبرئيل: وأنا منكما غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد نودي من السماء لا سيف الا ذو الفقار، ولا فتى الاّ عليّ غيري؟

قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النّبي غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انّي قاتلت على تنزيل القرآن وتقاتل على تأويل القرآن غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد ردّت عليه الشمس حتّى صلّى العصر في وقتها غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد امره رسول الله ان يأخذ براءة من أبي بكر، فقال أبو بكر: يا رسول الله نزل في شيء؟ فقال: انّه لا يؤدّي عنّي الاّ علي غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله لا يحبك الاّ مؤمن ولا يبغضك الاّ كافر غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم بالله اتعلمون انه تعالى امر بسد ابوابكم وفتح بابي فقلتم في ذلك، فقال رسول الله ما سددت ابوابكم ولا فتحت بابه، بل الله سد ابوابكم، وفتح بابه غيري؟ قالوا: اللهم، نعم. قال: فانشدكم بالله، اتعلمون انه ناجاني يوم الطائف دون الناس فأطال ذلك فقلتم ناجاه دوننا، فقال: ما انا انتجيته بل الله انتجاه غيري؟ قالوا: اللهم، نعم. قال: فانشدكم الله اتعلمون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الحق مع علي وعلي مع الحق يدور الحق مع علي كيف ما دار، قالوا: اللهم، نعم. قال: فانشدكم بالله اتعلمون ان رسول الله قال: اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. قالوا: اللهم، نعم. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد وقى رسول الله من المشركين بنفسه، واضطجع في مضجعه غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد بارز عمرو بن عبدود العامري حيث دعاكم الى البراز غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد انزل الله فيه آية التطهير حيث قال: انما يريد الى آخره غيري؟ قالوا: اللهم، لا.

قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله: انت سيد العرب غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: فانشدكم الله هل فيكم احد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما سألت الله شيئا الاّ سألت لك غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال ابو الطفيل: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الاصوات بينهم فسمعت عليا [ عليه‌السلام ] يقول: بايع الناس أبا بكر وانا والله اولى بالامر واحق به منه، فسمعت واطعت مخافة ان يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف. ثم بايع ابو بكر لعمر وانا والله احق بالامر منه فسمعت واطعت مخافة ان يرجع الناس كفارا، ثم انتم تريدون ان تبايعوا لعثمان اذن لا اسمع ولا اطيع، ان عمر جعلني في خمس نفر

٣٧٢

__________________

انا سادسهم، لايم الله لا يعرف لي فضل في الصلاح ولا يعرفونه لي كما نحن فيه شرع سواء وايم الله لو اشاء ان اتكلم ثم لا يستطيع عربهم ولا عجمهم، ولا المعاهد منهم، ولا المشرك ان يرد خصلة منها ثم قال: انشدكم الله ايها الخمسة امنكم اخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد له عم مثل عمي حمزة بن عبد المطلب اسد الله واسد رسوله غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد له ابن عم مثل ابن عمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد له اخ مثل اخى المزين بالجناحين يطير مع الملائكة في الجنة؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيدة نساء هذه الامة؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد له سبطان مثل ولدي الحسن والحسين سبطي هذه الامة ابني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غيري؟ قالوا: لا. قال:امنكم احد قتل مشركي قريش غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد وحدّ الله قبلي؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد صلّى الى القبلتين غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد امر الله بمودته غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد سكن المسجد يمر فيه جنبا غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد ردت عليه الشمس بعد غروبها حتى صلى العصر غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قربّ اليه الطير فاعجبه: اللهم ايتني باحب خلقك اليك، يأكل معي من هذا الطير، فجئت وانا لا اعلم ما كان من قوله فدخلت فقال: واليّ يا رب، واليّ يا رب غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد كان اقتل للمشركين عند كل شديدة تنزل برسول الله غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد كان اعظم عناء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مني حتى اضطجعت على فراشه ووقيته بنفسي وبذلت مهجتي غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد كان يأخذ الخمس غيري وغير زوجتي فاطمة؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد كان له سهم في الخاص وسهم في العام غيري؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد يظهره كتاب الله غيري حتى سد النبي ابواب المهاجرين وفتح بابي اليه حتى قام اليه عماه حمزة والعباس فقالا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سددت ابوابنا وفتحت باب علي فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما انا فتحت بابه، ولا سددت ابوابكم بل الله فتح بابه وسد ابوابكم؟ قالوا: لا. قال: امنكم احد تمم الله نوره من السماء حين قال ( فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) غيري؟ قالوا: اللهم، لا قال: امنكم احد ناجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ست عشر مرة غيري حين قال: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) اعمل بها احد غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: امنكم احد ولى غمض رسول الله غيري؟ قالوا: اللهم، لا. قال: امنكم احد آخر عهده برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين وضعه في حفرته غيري؟ قالوا: لا.

٣٧٣

وكذا مدح ابن عباد(١) مولانا صلّى الله عليه بغرائب فنون معلومة معروفة لا تدفع وكذا غيره(٢) .

ونقلت من كتاب مقاتل الطالبيين بعد أن ذكر مصنفه فنونا من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ما صورته:

قال أبو الفرج علي بن الحسين قد أتينا على صدر من أخباره فيه مقنع وفضائله رضوان الله عليه أكثر من أن تحصى والعامل(٣) فيها لا

__________________

(١) هو اسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن احمد بن ادريس الملقب بكافي الكفاة وبالصاحب ( لانه صحب الوزير ابن العميد من الصبا ) كان أديبا شاعرا، كاتبا، مؤلفا، تولى الوزارة لآل بويه ولد سنة ٣٢٠ وقيل ٣٢٤ وقيل غير ذلك وتوفي عام ٣٨٤ أو ٣٨٥. وللصاحب قصائد كثيرة في مدح مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وقد اثبت له اخطب خوارزم اربع مقطوعات في ص:٥٥ و ٦٥ و ١٠٨ و ٢٤٠ ونحن نكتفي بذكر واحدة منها:

حب النبي واهل البيت معتمدي

اذا الخطوب اساءت رأيها فينا

ايا ابن عم رسول الله افضل من

ساد الانام وساس الهاشمينا

يا قدوة الدين يا فرد الزمان اصخ

لمدح مولى يرى تفضيلكم دينا

هل مثل سبقك للإسلام لو عرفوا

وهذه الخصلة الغراء تلفينا

هل مثل علمك ان زلوا وان وهنوا

وقد هديت كما اصبحت تهدينا

هل مثل جمعك للقرآن تعرفه

لفظا ومعنى وتاويلا وتبيينا

هل مثل حالك عند الطير تحضره

بدعوة نلتها دون المصلينا

هل مثل بذلك للعاني الأسير

وللطفل الصغير وقد اعطيت مسكينا

هل مثل صبرك اذ خانوا واذ خبروا

حتى جرى ما جرى في يوم صفينا

هل مثل فتواك اذ قالوا مجاهرة

لو لا علي هلكنا في فتاوينا

يا رب سهل زياراتي مشاهدهم

فان روحي تهوى ذلك الطينا

يا رب صير حياتي في محبتهم

ومحشري معهم آمين آمينا

(٢) كذلك اثبت قطعات من الشعر لجماعة يمدحون بها أمير المؤمنينعليه‌السلام منهم: العباس بن عبد المطلب: ٨ وخزيمة بن ثابت الانصاري: ١٦ وبديع الزمان الهمداني: ٣٨ و ٩٩ وحسان بن ثابت: ٨٠ والسيد الحميري: ٩٩ و ١٠٨ بالاضافة الى قصائد اخطب خوارزم المنتشرة في الكتاب.

(٣) المصدر: القليل منها.

٣٧٤

موقع له في(١) هذا الكتاب والإكثار منها يخرجه(٢) عما شرطناه من الاختصار وإنما ينبه(٣) على من جهل(٤) عند(٥) الناس ذكره ولم يشع فيهم فضله وأما أمير المؤمنين(٦) فالمخالف والممالي(٧) والمضاد والموالي على ما لا يمكن من غمضه(٨) ولا يساغ(٩) ستره من فضائله المشهورة في العامة لا(١٠) المكتوبة عند الخاصة تغني من(١١) تفضيله بقول والاستشهاد عليه برواية(١٢) .

أقول فعلى قول أبي الفرج لا أرى للجاحظ موضعا يذكر فيه إذ قد خرج عن قاعدة الموالين والممالين(١٣) ولا لوم على أبي الفرج(١٤) في قوله إذ الذي شرع الجاحظ فيه شيء ما يتخيل لعاقل أن بشرا يقدم عليه أو يشير إليه جازاه الله تعالى بسيئ عمله.

قال الجاحظ ما معناه إنا لا نلتزم وفاق الكل وصورة(١٥) كلامه

__________________

(١) المصدر: مثل.

(٢) المصدر: والاكثار يخرجنا عما شرطناه من الاختصار.

(٣) المصدر: ننبه.

(٤) المصدر: خمل.

(٥) المصدر بزيادة: بعض.

(٦) المصدر: فأمير المؤمنين.

(٧) الممالي: مالأه على الامر: ساعده وعاونه ( المنجد ).

(٨) ن والمصدر: غمطه.

(٩) ن والمصدر: ينساغ.

(١٠) ن بزيادة: و.

(١١) المصدر: عن.

(١٢) مقاتل الطالبيين: ١٨.

(١٣) ق: تقديم وتأخير.

(١٤) ن بزيادة: الاصفهاني.

(١٥) لا توجد في: ق ون.

٣٧٥

وكيف تتفق أطباعهم على أسلوب(١) واحد والناس(٢) بين حاسد وراض وعصي(٣) وتقي وحكيم(٤) وسفيه(٥) وغالط ومصيب وعاقل وأحمق(٦) .

وقال ما معناه إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمز(٧) تعلق بقوله تعالى( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ ) (٨) قال ولو كان هذا وشبهه ناقضا إمامة أبي بكر كان لإمامة(٩) علي أنقض وأفسد وتعلق بخلاف من خالف عليه(١٠) . والذي أقول على هذا إن المثبت للخلافة لا يخلو إما أن يكون اتفاق جميع الأمة حسب(١١) الخبر الذي يروونه أمتي لا تجتمع على ضلالة أو اتفاق جميع عقلائهم أو إجماع المجربين منهم أو إجماع(١٢) ديانيهم أو اتفاق جميع علمائهم أو ما يترتب من هذه الأقسام هذا الذي يليق أن يذكر في القسمة فإن كان الأول فلا بد من اتفاق الجميع وإلا فالإمامة غير ثابتة وليس المراد من الجميع الذين كانوا في زمن النبيعليه‌السلام بل الأمة كافة إلى قيام القيامة ولا يرد على هذا أنه كانت تكون الإحالة على

__________________

(١) المصدر: سكون.

(٢) المصدر بزيادة: من.

(٣) ق: عصبي.

(٤) المصدر: حليم.

(٥) المصدر: سخيف.

(٦) العثمانية: ١٩٣.

(٧) ن: لمن.

(٨) التوبة: ٥٨.

والآية كاملة: ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ ) .

(٩) ق وج: امامة.

(١٠) العثمانية: ١٩٥.

(١١) ق: حيث.

(١٢) ن: اجتماع.

٣٧٦

الممتنع إذ النبيعليه‌السلام ما قال ابنوا على ما اتفقت عليه أمتي بل أبان أن أمته شريفة لا تجتمع على خطأ.

وكيف ما تقلبت الأقسام فهذا المعنى متعذر في التعلق بالرواية حسب ما يريد الخصم وإن كان المراد أحد الأقسام المذكورة في زمن أبي بكر رضوان الله عليه وكذا فيما بعده من الأزمنة فلا بد من برهان يدل عليه سلمناه لكن أين الإحاطة بجميع ما احتوى عليه أحد الأقسام.

وإن قال المعول على بعض من أعيان المسلمين فما برهانه بل ما أمارته ولئن ثبت ذلك لتكثرن الأئمة وإن قال بل هو إشارة إلى جماعة أعيان من الصحابة ولا يتعدى أشكل(١) لعدم البرهان عليه ومن كون باب الاستدلال بالإجماع يصير مسدودا على الخصم بعد الصحابة وهو لا يوافق عليه.

وإن تعلق الجاحظ بقوله كونوا مع السواد الأعظم فإنه لا بد لثبوت هذه الرواية من أصل قطعي(٢) لأنه منع رواية أنس الثقة عندهم في شأن علي بكونه واحدا.

ثم الذي يرد على الرواية كونها قاضية بخلاف القرآن المجيد رادة عليه لأن الله تعالى قال( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ) (٣) وقال تعالى( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) (٤) في غير ذلك من الآي الناهض بأن

__________________

(١) لا توجد في: ن.

(٢) ج بزيادة: و.

(٣) سورة ص: ٢٤.

والآية: ( قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ، وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ ) .

(٤) سبأ: ١٣.

٣٧٧

الزلل مع الغالب والصواب مع الأقل والعيان شاهد به.

ومما أقوله في تضعيف الرواية بالسواد الأعظم ينبغي أن يكون راويها(١) من غير السواد الأعظم منزها من التهمات عدلا في نفسه وأين ذاك.

وأما قياس الجاحظ بحال النبيعليه‌السلام فإنه قول سفيه إذ نبوة النبيعليه‌السلام لم تثبت بالإجماع ولم تتقرر(٢) قواعدها بالبشر بل بخالق البشر ومن كانت هذه مباحثه ومن الجهالة بالسنة والقرآن ما نبهنا عليه بمعزل عن منازلة أرباب الفضل ومصادمة أصحاب الاستنباط.

وأما أنه لو كان هذا وأمثاله قادحا في خلافة أبي بكر كانت إمامة علي أنقض وأفسد فإن الإمامية لا ترى البناء في إمامة علي على الإجماع لتعذر الوصول كما ذكرت إليه ولو كان ممكنا فإنهم غير بانين على ذلك بل على المنصوص في إمامته من جهة غير شيعته ومن جهة شيعته وبكون(٣) خصائصه المعظمة قدمته ومناقبه المفخمة رفعته ومزاياه الباهرة صدرته وأخرت غيره ممن لم يدانه وباعدته ثم إن الجاحظ خذله الله تعالى أوغل في شرح حال انتقاض الأمور على أمير المؤمنين صلوات الله عليه في ألفاظ سردها تعاطى فيها البلاغة وتوخى بها الفصاحة وهي إلى اللكن أقرب منها إلى البلاغة وإلى الحصر أدنى منها إلى الخطابة كلام مخذولة معانيه طويلة ألفاظه طائشة مراميه يحاول به كسف الشمس بالهباء وخطف النجوم بغير يد من أعنان السماء قال في سياق كلامه ثم بعث رسولا قد

__________________

والآية:( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) .

(١) ج: روايها.

(٢) ق: يقرر.

(٣) ق ون: تكون.

٣٧٨

اختاره بالحكم عليه وله(١) وبعث خصمه رسولا قد اختاره بالحكم عليه وله فكان(٢) رسوله المخدوع ورسول خصمه الخادع(٣) ثم رجعت الأمور إلى خصمه وانتزعت منه ومن ولده مرة بالبطش ومرة بالحيلة(٤) .

وذكر موافقة أصحاب عدو(٥) أمير المؤمنين لأميرهم ومخالفة أصحاب أمير المؤمنين له قال وهو يسر حسوا في ارتغاء فلم يكن ذلك عارا عندنا ولا عندكم على علي(٦) . والذي يقال على هذا إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يحكم من أشار إليه ولقد كذب فيما ادعاه بل كان رأيه تصويب مرامي الحتف إلى عدوه وإرهاف شفار الصوارم إلى مخالفة فشرع أعداؤه في رفع المصاحف عند صدام المزاحف واعتراض الأخطار الخواطف فأثر ذلك في ضعفة أصحابه فبردوا أوار الحرب بجهالاتهم وصدوه عن إيثاره بسفاهاتهم.

وقد كاد(٧) عبد الله بن بديل(٨) يقتنص عدوه فريسة عزمه وطعمة

__________________

(١) لا توجد في: ج.

(٢) ق ون: وكان.

(٣) المصدر: المخادع.

(٤) العثمانية: ١٩٥.

(٥) لا توجد في: ن.

(٦) العثمانية: ١٩٥.

(٧) ن: كان.

(٨) عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي من افاضل اصحاب عليعليه‌السلام واعيانهم.

قال عنه ابن الاثير في اسد الغابة: اسلم مع ابيه قبل الفتح وكان سيد خزاعة وشهد الفتح وحنينا والطائف وتبوك وكان له نخل كثير وقتل هو واخوه عبد الرحمن بصفين مع علي وكان ( يعني عبد الله ) على الرجالة وهو الذي صالح اهل اصبهان مع عبد الله بن عامر في خلافة عثمان سنة تسع وعشرين قال الشعبي كان على عبد الله بن بديل درعان وسيفان وهو يضرب اهل الشام ويقول:

لم يبق الا الصبر والتوكل

ثم التمشي في الرعيل الاول

٣٧٩

صارمه فلم يكن لهم فيه(١) حيلة(٢) جلاد ولا عزيمة مصاولة بل اكتنفوه بالحجارة واعتوروه بالمكاثرة فقتلوه ووقف معاوية عليه وقد بهره حاله وبلغ منه صياله فأنشد مشيرا إليه:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها

وإن شمرت يوما له الحرب شمرا

كليث هزبر كان يحمي ذماره

رمته المنايا قصدها فتفطرا

ثم ألجأه سفهاء أتباعه إلى التحكيم وقهروه على أن يحكم أبا موسى الأشعري فأجابهم جواب المضطر ووافقهم موافقة المقهور.

ولا عار كم نجد أسالت دماءه

بعرض وكم عضب فرته النوازل.

وأما تعرضه ببنيه(٣) وانتزاع الرئاسة منهم وصرف الملك عنهم فليس مما يأخذه ناقد ولا يطعن به نبيه إذ كانت مؤاتاة(٤) الأغراض ليست عنوان الفخر ومداناة المحاب ليست تيجان الشرف ...

فكم في الأرض من عبد هجين(٥)

يقبل كفه حر هجان(٦)

__________________

مشي الجمال في حياض المنهل

والله يقضي ما يشا ويفعل

فلم يزل يقاتل حتى انتهى الى معاوية فاحاط به اهل الشام فقتلوه فلما رآه معاوية قال: والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا فضلا عن رجالها وتمثل بقول همام:

اخو الحرب ان عضت به الحرب عضها

 ... وكانت صفين سنة سبع وثلاثين. انظر: اسد الغابة: ٣ / ١٢٤ والاصابة: ٢ / ٢٨٠ الجرح والتعديل: ٥ / ١٤ شرح ابن ابي الحديد: ٥ / ١٩٦.

(١) ق: له فيهم.

(٢) ق: جبلة.

(٣) ن: لبنيه.

(٤) ن: مواطاة.

(٥) هجين: لئيم.

(٦) هجان: كريم، حسيب ( المنجد ).

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534