بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية11%

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية مؤلف:
المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 534

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية
  • البداية
  • السابق
  • 534 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184155 / تحميل: 7011
الحجم الحجم الحجم
بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

قال وضاح(١) ما رأيت أحدا قط أعلم بالحديث من محمد بن مسعود ولا(٢) بالرأي من سحنون(٣) .

وذكر المشار إليه قبل هذا ما صورته قال الحسن الحلواني(٤) وحدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن قال أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة(٥) .

وقال عن ابن إسحاق أول ذكر آمن بالله ورسوله علي بن أبي طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين(٦) .

قال أبو عمر قيل أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة وقيل ابن اثنتي عشرة سنة وقيل ابن خمس عشرة سنة(٧) (٨) وقيل ابن ست عشرة سنة وقيل ابن عشر

__________________

وجاء في العقد الفريد: ٢ / ١٩٤، قال: قال أبو الحسن أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو أول من شهد ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله.

وذكر الشيخ سراج الدين الغزنوي في كتابه الغرة المنيفة: ١٢٧: وقد قيل ان عليا رضي‌الله‌عنه كان وقت اسلامه بالغا ابن خمس عشرة سنة.

والخطيب التبريزي في اكمال الدين: ٦٨٧ قال: هو أول من أسلم من الذكور في أكثر الأقوال، وقد اختلف في سنه يومئذ، قيل: كان له خمس عشرة سنة، وقيل ستة عشرة، وقيل ثماني سنين، وقيل عشر سنين.

(١) في المصدر: ابن وضاح.

(٢) في المصدر بزيادة: اعلم.

(٣) الاستيعاب: ٣ / ١٠٩٣.

(٤) في جمع النسخ: الحلوى والصحيح ما اثبتناه.

(٥) الاستيعاب: ٣ / ١٠٩٣.

(٦) الاستيعاب: ٣ / ١٠٩٣.

(٧) ما بين القوسين لا يوجد في: ج.

(٨) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

٦١

وقيل ابن ثمان(١) .

وذكر عمر بن شبة عن ابن المدائني(٢) عن ابن جعدبة(٣) عن نافع عن ابن عمر قال أسلم علي وهو ابن ثلاث عشرة سنة.

قال وذكر أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا سريج بن النعمان - قال حدثنا الوليد(٤) بن السائب - عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.

قال أبو عمر هذا أصح ما قيل في ذلك وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين(٥) .

وأما بيان الوجه الثاني من كون بغضته(٦) كفرا فيدل عليه

ما رواه أحمد بن حنبل عن مسافر(٧) الحميري - عن أبيه(٨) عن أم سلمة تقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليعليه‌السلام لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق(٩) .

__________________

(١) الاستيعاب: ٣ / ١٠٩٣.

(٢) في المصدر: عن المدائني.

(٣) كذا في المصدر وهو الصحيح وفي النسخ: ابن جعدة.

(٤) في المصدر: الفرات.

(٥) الاستيعاب: ٣ / ١٠٩٣ و ١٠٩٥.

(٦) ن: بغضه.

(٧) المصدر: مساور.

(٨) المصدر: عن امه.

(٩) فضائل الصحابة: ٢ / ٦١٩ وبطريق ثان عن مسافر، في مسنده: ٦ / ٢٩٢ وذكر احمد بن حنبل أيضا في مسنده: ١ / ١٢٧ قال: حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل، عن أبيه، قال: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن عليّعليه‌السلام قال:عهد النبيّ - صلى الله عليه [ وآله ] - اليّ: انه لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق.

٦٢

ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري من سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه إنا كنا لنعرف المنافقين ببغضهم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه(١) .

__________________

وذكره أيضا في فضائله: ٢ / ٥٦٣ حديث ٩٤٨.

ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي، الحديث التاسع من مسند أمير المؤمنين علي بن ابي طالب - عليه‌السلام - من افراد مسلم ( على ما في عمدة ابن البطريق: ٢١٨ ) قال: عن زر بن حبيش، قال: قال علي - عليه‌السلام - والذي فلق الحبة وبرئ النسمة انه لعهد النبي الامّي صلى‌الله‌عليه‌وآله - اليّ لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق.

وأورده ايضا أبو داود في صحيحه على ما في عمدة ابن البطريق: ٢١٨.

وذكر الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٣٣ قال:

وعن ابن عباس قال: نظر رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم الى علي - عليه‌السلام - فقال: لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق، من احبك فقد احبني، ومن ابغضك فقد ابغضني، وحبيبي حبيب الله، وبغيضي بغيض الله، ويل لمن ابغضك بعدي. ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط.

وذكر أيضا في: ٩ / ١٣٣ فقال:

وعن عمران بن الحصين، ان رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم - قال لعلي - عليه‌السلام -:

لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق، قال: رواه الطبراني في الأوسط.

(١) نقله عن الصحاح الستة ابن البطريق في عمدته: ٢١٨ والبحراني في غاية المرام: ٦١٠.

وذكر احمد بن حنبل في فضائله: ٢ / ٥٧٩ فقال:

حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل، قال: حدثني ابي، قال: حدثنا اسود بن عامر، قال: حدثنا اسرائيل، عن الأعمش، عن ابي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: انما كنا نعرف منافقيني الانصار ببغضهم عليا عليه‌السلام .

وفي: ٢ / ٦٣٩ من فضائله وبسنده عن جابر بن عبد الله، قال:

ما كنا نعرف منافقينا معشر الانصار الا ببغضهم عليا عليه‌السلام .

وذكره الترمذي في صحيحه: ٢ / ٢٩٩.

بسنده عن ابي سعيد الخدري، قال: انا كنا لنعرف المنافقين - نحن معشر الانصار - ببغضهم علي

٦٣

ومن الكتاب أيضا من صحيح البخاري بحذف الإسناد قالت أم سلمة قال النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن(١) .

__________________

ابن أبي طالبعليه‌السلام .

ورواه أيضا أبو نعيم في حلية الأولياء: ٦ / ٢٩٤.

وجاء في مستدرك الصحيحين: ٣ / ١٢٩.

بسنده عن أبي عبد الله الجدلي، عن أبي ذر - رضوان الله تعالى عليه - قال: ما كنا نعرف المنافقين الا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام .

وذكره المتقي الهندي في كنز العمال: ٦ / ٣٩ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢١٤.

وروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ٣ / ١٥٣.

بسنده عن أبي الأحوص، قال: كنا عند ابن مسعود فتلا ابن عباس هذه الآية ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) الى أن قال ابن عباس: ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) علي بن ابي طالب، كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ببغضهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب: ٢ / ٤٦٤.

عن أبي الزبير، عن جابر، قال: ما كنا نعرف المنافقين الا ببغض علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

وذكره أيضا الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٣٢ باختلاف في اللفظ يسير.

(١) الجمع بين الصحاح الستة: مخطوط.

وقد ذكر هذا الحديث بهذا اللفظ أيضا الترمذي في صحيحه: ٢ / ٢٩٩ وجاء في كنز العمال: ٦ / ١٥٦.

لا يبغض عليا مؤمن ولا يحبه منافق.

وأيضا في: ٦ / ١٥٨ من نفس الكتاب، قال: لا يحب عليا الاّ مؤمن، ولا يبغضه الاّ منافق.

ثم قال: أخرجه الطبراني عن ام سلمة.

٦٤

ومن مسند ابن حنبل(١) في جملة حديث عن النبيعليه‌السلام (٢) في علي بن أبي طالب - لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق في غير ذلك من آثار عدة تركت إثباتها إذ نحن في غير هذه المباحث.

وذكر ما حاصله:

( إن إسلامه مع قلة العمر تلقين القيم ورياضة السائس وبعد أن يكون في ذلك السن(٣) هو تام العقل )(٤) .

وهي عصبية منه لا تستند إلى برهان وإنما دأب الناصب تكثير الألفاظ مع قلة الحاصل منها وصدود(٥) الحق عنها.

وادعى أنه يعلم أن طباعه كطباع حمزة(٦) غير مسند(٧) ذلك إلى أمارة

__________________

(١) ما في المسند هو بلفظ: لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق أنظر المسند: ٦ / ٢٩٢.

وأما الحديث المذكور فقد رواه احمد في فضائله: ٢ / ٦٢٢ حديث ١٠٦٦ وأوله:

بسنده عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أبيه، قال: خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الجمعة، فقال: يا أيها الناس قدموا قريشا ولا تقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها، قوة رجل من قريش قوة رجلين من غيرهم، وأمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم، يا أيها الناس أوصيكم بحب ذي أقربها، اخي وابن عمي علي بن ابي طالب، فانه لا يحبه الاّ مؤمن، ولا يبغضه الاّ منافق، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد ابغضني، ومن ابغضني عذبه الله عز وجل، قال: أخرجه ابن النجار.

اقول: وكذلك ورد في كنز العمال: ٧ / ١٤٠، والرياض النضرة ٢ / ٢١٣.

(٢) ن:صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) ن بزيادة: و.

(٤) العثمانية: ٧.

(٥) ق: صدور.

(٦) قال الجاحظ: فالمعلوم عندنا في الحكم وفي المغيب جميعا، أن طباعه كطباع عميه، حمزة والعباس. العثمانية: ٩.

(٧) ن: مستند.

٦٥

فضلا عن دليل.

وتعلق بأن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يدع ذلك(١) .

والذي يرد على قول الناصب:

أن أبا عمرو المغربي الشاطبي قال إن النبيعليه‌السلام قال عن علي إنه أول أصحابي إسلاما(٢) فلو كان تلقينا لا مزية له في ذلك على غيره لما مدحه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك.

وروى ذلك في إسناد متصل عن سلمان عن النبيعليه‌السلام (٣) وأما أن عليا ما تمدح(٤) بوفور العقل وسداد الرأي المقررين(٥) شرف إسلامه(٦) فيكفي في ذلك قولهعليه‌السلام متمدحا - إني أول من صلى

__________________

(١) قال: وأعجب من ذلك انه لم يدّع هذا له أحد في دهره كما لم يدعه لنفسه. العثمانية: ١١.

(٢) الاستيعاب: ٣ / ١٠٩٩.

(٣) قال ابن عبد البر: حدثنا احمد بن قاسم، حدثنا قاسم بن اصبغ، حدثنا الحرث بن أبي اسامة، حدثنا يحيى بن هشام، حدثنا سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن خنيس بن المعتمر، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه [ وآله ] وسلم -:

اولكم ورودا عليّ الحوض، اولكم اسلاما علي بن ابي طالب. انظر الاستيعاب: ٣ / ١٠٩١.

(٤) ن: يمدح.

(٥) ن: المقر ومن.

(٦) العثمانية: ١٤.

وايضا رواه الحاكم في المستدرك: ٣ / ١٣٦.

بسنده عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: اولكم واردا عليّ الحوض اولكم اسلاما علي بن ابي طالب.

وروى هذا الحديث أيضا الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ٢ / ١٨ وابن الأثير في اسد الغابة: ٤ / ١٧ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٤٠٠ والهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٠٢.

وجاء في مسند احمد بن حنبل: ٥ / ٢٦.

بسنده عن معقل بن يسار قال: وضأت النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ذات يوم، فقال:

٦٦

مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

__________________

هل لك في فاطمة تعودها؟ فقلت: نعم فقام متوكئا عليّ فقال: اما انه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك، قال: فكأنه لم يكن عليّ شيء حتى دخلنا على فاطمةعليها‌السلام فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي، وطال سقمي، قال ابو عبد الرحمن: وجدت في كتاب ابي بخط يده في هذا الحديث قال: أو ما ترضين اني زوجتك اقدم امتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما.

الاصابة: ج ١٨ القسم ١ ص ١١٨.

قال: واخرج ابن مندة من رواية علي بن هاشم بن البريد، حدثتني ليلى الغفارية قالت: كنت اغزو مع النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم، فاداوي الجرحى، وأقوم على المرضى فلما خرج علي عليه‌السلام الى البصرة خرجت معه، فلما رأيت عائشة اتيتها فقلت: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فضيلة في علي عليه‌السلام ؟ قالت: نعم، دخل على رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم وهو معي وعليه جرد قطيفة فجلس بيننا فقلت: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم: يا عائشة، دعي لي اخي فانه أول الناس اسلاما، وآخر الناس بي عهدا، وأول الناس لي لقيا يوم القيامة.

وجاء في اسد الغابة: ٥ / ٥٢٠ في سياق حديث ذكره الى ان قال: فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فقال: مالك تبكين يا فاطمة؟ فو الله لقد أنكحتك اكثرهم علما، وأفضلهم حلما، وأولهم سلما وذكره في كنز العمال: ٦ / ٣٩٢.

وكذلك في الرياض النضرة: ٢ / ١٨٢ في ضمن حديث ساقه الى أن قال فقال: ما يبكيك؟ وقد زوجتك اقدمهم سلما واحسنهم خلقا.

كنز العمال: ٦ / ٣٩٥ قال:

عن عمر قال: لن تنالوا عليا فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم يقول: ثلاثة لئن يكون لي واحدة منهن احب اليّ مما طلعت عليه الشمس، كنت عند النبي صلى الله عليه و ( وآله ) وسلم وعنده أبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم فضرب بيده على منكب علي عليه‌السلام فقال: انت أول الناس اسلاما، وأول الناس ايمانا، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، قال: أخرجه ابن النجار.

كنز العمال: ٥ / ١٥٣.

قال عن ابي اسحاق: ان عليا عليه‌السلام لما تزوج فاطمة عليها‌السلام ، قال لها النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم: لقد زوجتكه وانه لأول اصحابي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما، قال: أخرجه الطبراني.

(١) روى ذلك النسائي في خصائصه: ص ٢.

٦٧

وروى المشار إليه أن النبيعليه‌السلام (١) استنبئ يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء(٢) .

إذا عرفت هذا فتمدحه بالإسلام ينبئ أنه كان يرى ذلك فخرا تماما وشرفا باذخا ولو كان على سبيل التلقين تقليدا غير بان له على قاعدة

__________________

بسنده عن حبة العرني، قال سمعت علياعليه‌السلام يقول: انا أول من صلّى مع رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم.

ورواه أيضا احمد بن حنبل في مسنده: ١ / ١٤١ وابن سعد في طبقاته: ج ٣ القسم ١ ص ١٣، وابن الأثير في اسد الغابة: ٤ / ١٧.

وجاء في كنز العمال: ٦ / ٣٩٥، قال:

عن علي عليه‌السلام قال: أنا أول رجل صلّى مع النبي صلى الله عليه و ( آله ) وسلّم، قال أخرجه أبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وابن سعد.

وذكر الواحدي في أسباب النزول ص ١٨٢.

قال: قال الحسن والشعبي والقرطبي: نزلت الآية في علي عليه‌السلام ، والعباس، وطلحة بن شيبة، وذلك انهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه واليّ ثياب بيته، وقال العباس: انا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال علي عليه‌السلام : ما ادري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله تعالى هذه الآية ( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ ) الى آخر الآية.

وايضا ذكره الطبري في تفسيره: ١٠ / ٦٨ والرازي في تفسيره ايضا في ذيل تفسير الآية في سورة التوبة.

(١) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٢) الاستيعاب: ٣ / ١٠٩٥.

وذكر الترمذي في صحيحه: ٢ / ٣٠٠

بسنده عن أنس بن مالك قال: بعث النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم يوم الاثنين وصلّى علي عليه‌السلام يوم الثلاثاء وقال: وروى هذا عن مسلم عن حبة عن علي عليه‌السلام .

وأورد ابن جرير الطبري في تاريخه: ٢ / ٥٥ بسنده عن جابر مثل ذلك وروى الحاكم في المستدرك: ٣ / ١١٢ بسنده عن بريدة، قال:

انطلق ابو ذر وساق الحديث ( الى أن قال ): واوحي الى رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم يوم الاثنين، وصلى علي عليه‌السلام يوم الثلاثاء.

٦٨

لذهب معنى التمدح به وفي ذلك رد على الناصب.

وتعلق الناصب في كون إسلام أمير المؤمنينعليه‌السلام ما كان فرعا لتمام آرائه(١) وهو صبي بأنه لو كان كذلك لاحتج به(٢) .

وذكر فنونا تجري في هذا الباب غثة(٣) ساقطة ألفاظا(٤) سمينة جدا(٥) هزيلة المعنى جدا يسأمها اللبيب ويعافها الأريب ولو لا أنه لا يليق بمن دخل في أمر أن يتعاجز عنه لرأيت ترك الخوض في هذا الوشل(٦) المهين أولى من الدخول فيه وأيضا فإن الخصم و(٧) ذا الذهن الغال(٨) قد يؤثر عنده كلام الهازل ويقرر عنده قواعد الباطل.

والجواب عما قال:

بما أن من أعيان الصحابة من كان يناظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يأمر به ويرد عليه وهو حي بين أظهرهم في عز رئاسة ينافس عليها وإمامة يسارع إليها فكيف يؤثر قول عليعليه‌السلام بعده في شيء حاصله الدفع عن مراتب الملك وتسنم درجات العز.

ونتنزل(٩) عن هذا ونقول للناصب:

وأنت بالآخرة معرض عن موالاة أمير المؤمنينعليه‌السلام وموازرته

__________________

(١) ج: أرابه.

(٢) العثمانية: ١٠ نقله بالمعنى.

(٣) ق ون: عنه.

(٤) ن: الفاظ.

(٥) ن: جسدا.

(٦) الوشل: الماء القليل.

(٧) لا توجد في: ن.

(٨) ن: الغافل.

(٩) ق: ننزل وفي ج: ينزل.

٦٩

مع كون الانحراف عنه كفرا.

وبعد فإن أبلغ ما كان يقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه(١) في مدح فطنته وطباعه -(٢) : إني كنت أيام الصبوة صحيح الذهن مقوم الفطنة وأي وازع(٣) هذا للخصم عن مخاصمته(٤) على الملك ومصادمته عن مراتب المجد بل لو ذكر هذا كان بمقام الطرد له عن الرئاسة والدفع له عن الإمامة إذ هو تعلق غث يضع المتعلق به ويهبط درجات المتمسك بهديه.

قال الناصب ولو أن عليا كان أيضا بالغا لكان إسلام زيد(٥) وخباب(٦) أفضل من إسلامه لأن الرجلين تركا المألوف وعلي نشأ على

__________________

(١) ق: فان ابلغ ما كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول الى آخره.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٣) ن: رادع.

(٤) ن بزيادة: في مدح فطنته وطباعه.

(٥) هو زيد بن حارثة بن شراحيل، من أوائل المسلمين، زارت سعدى أم زيد قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية على أبياتبني معن، فاحتملوا زيدا وهو غلام فأتوا به في سوق عكاظ، فعرضوه للبيع فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهبته له، وتبناه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وزوجه بنت عمته زينب بنت جحش. وقد ورد اسمه في القرآن المجيد، امّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على غزوة مؤتة واستشهد فيها وهو ابن خمس وخمسين سنة. انظر: الاصابة: ١ / ٥٦٣.

(٦) هو خبّاب بن الأرتّ، بن جندلة، بن سعد، بن خزيمة، بن كعب، أبو عبد الله كان من السابقين الأولين، ومن المستضعفين، قيل: انه اسلم سادس ستة وعذب عذابا شديدا لأجل ذلك. روى الطبراني من طريق زيد بن وهب، قال: لما رجع علي من صفين مرّ بقبر خبّاب، فقال: رحم الله خبابا، اسلم راغبا، وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، وابتلى في جسمه احوالا، ولن يضيع الله أجره. وشهد خباب بدرا وما بعدها، ونزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين. انظر: الاصابة: ١ / ٤١٦.

٧٠

الإسلام(١) . والذي يقال للناصب(٢) إنه ما كفاه الانحراف عن أمير المؤمنين حتى ضم إلى ذلك الانحراف عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يناظره ويقاهره.

بيانه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما رويناه عن صاحب كتاب الاستيعاب وهو مروي من طريق غيره أثنى على أمير المؤمنين صلوات الله عليها بتقدم إسلامه وإذا كان إسلامه في حال الطفولية بمقام الشرف على غيره فكيف ما إذا كان إسلامه بعد انتظام سداده وتمام رشاده.

ثم إن التعلق الذي تعلق به باغض أمير المؤمنين ضعيف من جهة الاعتبار بما أن أمير المؤمنين قبل الإسلام كان يخالط الكفار كما يخالطهم زيد وخباب ويسمع مقالتهم كما يسمعها الرجلان فإن كان والحال هذه عنده(٣) من(٤) السداد التام والنقد المعتبر ما لا يعتد بما سمع(٥) فهذه مرتبة له شريفة نفسانية قدسية تعاف مهابط الخطإ وتترك مساقط الضلال يفضل بها من سواه ويعلو(٦) بها قذال غيره وإن كان لا ينفر عنها(٧) ولا يوافق عليها فهو أيضا نوع شرف يفوق به غيره ويتميز به على من سواه.

وأي منقبة لمن رجع عن عبادة الأصنام وخدمة الأوثان وقد بلغ رشده وعرف قصده إلى خدمة الصانع الأزلي الأبدي هل هذا عند من

__________________

(١) العثمانية: ٢٢.

(٢) في النسخ: على الناصب.

(٣) ق: فله.

(٤) ج: فمن.

(٥) ن: يسمع.

(٦) ن: يعلق.

(٧) ق: عليها.

٧١

عقل من المناقب البليغة في شيء أو مما يستطرف.

قال عدو أمير المؤمنين صلوات الله عليها ولو كان علي أسلم بالغا مدركا و(١) كان مع إدراكه وبلوغه كهلا كان إسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه لأن من أسلم وهو يعلم أن له ظهرا كأبي طالب وردء كبني هاشم ليس كغيره(٢) .(٣) ولم أحك فص(٤) كلامه لأنه حشو بغيض غمام لا غيث فيه وقشر لا لب يقارنه ويدانيه.

والجواب عنه بما أنه كان ينبغي أن يقرر أن عليا صلوات الله عليها لو خلا من أبي طالب لوقف عن الإسلام وإذا لم يفعل ذلك فقد فجر إذ حكم على غيب وادعى مشاركة إله الوجود في خاص صفات مجده وهو كفر.

ثم ما يدريه أن خبابا وزيدا ما كانا آمنين بجوار بعض رؤساء الكفار كما كان غيرهما آمنا بذلك من أذى المشركين ثم ما يدريه أنهما لما أسلما كانا(٥) بمقام إظهار الإسلام والإشكال إنما يتوجه بذلك.

ثم ما يدري مبغض أمير المؤمنين عدو رسول الله بل عدو الله إذ قد روى ابن حنبل وغيره أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال اللهم وال من والاه وعاد من عاداه(٦) أن زيدا وخبابا كانا(٧) مقيمين بين كفار متعصبين

__________________

(١) لا توجد الواو في: ن.

(٢) ن: لغيره.

(٣) العثمانية: ٢٣.

(٤) ن: نص.

(٥) ن: كان.

(٦) فضائل الصحابة: ٢ / ٥٩٩ ح ١٠٢٢ و ٦١٠ ح ١٠٤٢ وسوف يأتي ذكر طرق هذا الحديث مفصلا فانتظر.

(٧) ن: كان.

٧٢

على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا إن كان كما قلت فالإشكال زائل وإن لم يكن فقد كان ينبغي أن ينبه عليه ليتم تعلقه.

وزعم مؤذي أمير المؤمنينعليه‌السلام بل مؤذي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنقل الثابت من طريق الخصم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال من آذى عليا فقد آذاني(١) وصورة ما اعتمد المشار إليه أذى

__________________

(١) فقد روى هذا الحديث جملة من علماء العامة، نشير الى بعض منها، فقد رواه احمد بن حنبل في فضائله: ٢ / ٦٣٣ ح ١٠٧٨.

وروى الحاكم في المستدرك: ٣ / ١٢٢.

بسنده عن عمرو بن شاس الاسلمي - وكان من أصحاب الحديبية - قال خرجنا مع علي عليه‌السلام الى اليمن فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي، فلما قدمت اظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم، قال: فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم في ناس من اصحابه، فلما رآني أبدني عينيه - يقول: حدد اليّ النظر - حتى اذا جلست قال: يا عمرو أما والله لقد آذيتني فقلت: اعوذ بالله ان اوذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى عليا فقد آذاني.

ورواه ايضا احمد بن حنبل في مسنده: ٣ / ٤٨٣، وابن الاثير في اسد الغابة: ٤ / ١١٣، وابن حجر في الاصابة: ج ٤ القسم ١ ص ٣٠٤، وقال: اخرجه احمد والبخاري في تاريخه وابن حبان في صحيحه وابن مندة.

وأورده ايضا ابن عبد البر في الاستيعاب بطريقين: ٢ / ٤٤٢، والمتقي في كنز العمال: ٦ / ١٥٢ و ٤ / ٤٠٠، والهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٢٩. وقال: رواه احمد والطبراني باختصار.

وذكره ايضا المحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٦٥.

وذكر الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٢٨ قال:

وعن سعد بن ابي وقاص قال: كنت جالسا في المسجد انا ورجلين معي، فنلنا من علي فاقبل رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: ما لكم وما لي؟ من آذى عليا فقد آذاني.

وذكر هذا ايضا ابن حجر في صواعقه: ص ٧٣، والشبلنجي في نور الأبصار ص ٧٢.

وذكر المحب الطبري في ذخائر العقبى: ٦٥.

قال: وعنه - أي عن عمرو بن شاس الاسلمي - قال: قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم: من احب عليا فقد احبني، ومن ابغض عليا فقد ابغضني، ومن آذى عليا فقد آذاني.

ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل، قال: اخرجه ابو عمر النمري.

٧٣

لأمير المؤمنين فتبرهن ما قلته.

قال المشار إليه وإسلام أبي بكر أفضل من إسلام زيد وخباب لأنهما كانا مغمورين وكان أبو بكر ظاهرا معروفا فإسلامه أجمل(١) وأنبل والناس إلى قوله أميل(٢) .

وادعى أن أبا بكر كان له مال وأن عتبة بن ربيعة(٣) كان فقيرا وأنه كان يغشاه(٤) . ولم يبرهن على شيء من ذلك بنقل من سيرة معروفة وكتاب مشهور وقد أظهرنا كذبه في مقدمة(٥) عمر أمير المؤمنينعليه‌السلام أو بغضته ومن كان بهذه الصفة فدعواه(٦) غير متقبلة وحكايته جد مهملة وقد أكثر أصحابنا الطعن على دعوى عتبة وأنه كان خياطا.

ونقول مع هذا(٧) ما يدري مفارق علي بل مفارق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل مفارق الله أن خبابا لو كان بحال أبي بكر ما كان يكون كحالهما في الإسلام إذ البرهان إنما يتقرر حيث يريد الإثبات بهذا.

وأما قوله إن الناس كانوا إلى إسلامه أميل فمما يحتاج إلى دليل.

والدليل على صواب ما رميت به صاحب الرسالة ما نقلته من كتاب

__________________

(١) ن: اكمل.

(٢) العثمانية: ٢٤ نقله بالمعنى.

(٣) هو عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية البهراني حليف الأوس وهو من بني بهز بن امرئ القيس، قيل انه شهد بدرا وذكر بعض انه شهد اليرموك وكان من الامراء، أنظر: الاصابة: ٢ / ٤٥٣.

(٤) العثمانية: ٢٥ و ٢٦.

(٥) ن: مقدار.

(٦) ن: فدعاويه.

(٧) ن بزيادة: ايضا.

٧٤

فضائل عليعليه‌السلام رواية ولده عنه(١) ما صورته:

قال و(٢) حدثني أبي قال(٣) حدثني(٤) ابن نمير قال حدثنا عامر بن السبط قال حدثنا(٥) أبو الجحاف عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر الغفاري قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) يا علي إنه من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني(٧) .

وزعم أن أبا بكر رضوان الله عليه كان داعية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨) وليس هذا مما نحن فيه من تقدم الإسلام أو شرف

__________________

(١) يعني: احمد بن حنبل.

(٢) لا توجد في المصدر ولا في، ن.

(٣) ن بزيادة: و.

(٤) في المصدر: حدثنا.

(٥) في المصدر: حدثني.

(٦) ن بزيادة: وسلّم تسليما.

(٧) فضائل الصحابة ٢ / ٥٧٠ ح ٩٦٢ وقد روى هذا الحديث جماعة من العامة منهم:

الحاكم في المستدرك: ٣ / ١٢٣ بسنده عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم: يا علي من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني.

وذكره ايضا الذهبي في ميزان الاعتدال: ١ / ٣٢٣ والهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٣٥ والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٦٧.

وقال الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٢٨.

وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم عليا عليه‌السلام أميرا على اليمن وبعث خالد بن الوليد على الجبل فقال: ان اجتمعتما فعلي عليه‌السلام على الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ( الى أن قال ): فخرج - يعني النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم - فقال: ما بال اقوام ينتقصون عليا، من تنقص عليا فقد تنقصني، ومن فارق عليا فقد فارقني، ان عليا مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة ابراهيم الى آخره.

وجاء في كنز العمال: ٦ / ١٥٦ انه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من فارق عليا فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله، قال: أخرجه الطبراني عن ابن عمر.

(٨) العثمانية: ٢٦.

٧٥

مقامات الإسلام في شيء إذ للفضائل والتفاخر مقام غير هذا المقام مع أن الإسكافي أجاب عن هذا الكلام بما هو معروف(١) .

__________________

(١) قال ابو جعفر الاسكافي ( في رده على عثمانية الجاحظ المطبوع في آخر كتاب العثمانية ص ٣١٣ ):

ما أعجب هذا القول، اذ تدعي العثمانية لأبي بكر الرفق في الدعاء وحسن الاحتجاج وقد اسلم ومعه في منزله ابنه عبد الرحمن فما قدر أن يدخله الاسلام طوعا برفقه ولطف احتجاجه، ولا كرها بقطع النفقة عنه وادخال المكروه عليه، ولا كان لابي بكر عند ابنه عبد الرحمن من القدر ما يطيعه فيما يأمره به ويدعوه اليه، كما روي ان أبا طالب فقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما وكان يخاف عليه من قريش أن يغتالوه فخرج ومعه ابنه جعفر يطلبان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوجده قائما في بعض شعاب مكة يصلي وعلي عليه‌السلام معه عن يمينه، فلما رآهما أبو طالب قال لجعفر: تقدم وصل جناح ابن عمك! فقام جعفر عن يسار محمد صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم فلما صاروا ثلاثة تقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتأخر الاخوان، فبكى أبو طالب وقال:

ان عليا وجعفرا ثقتي

عند ملمّ الخطوب والنوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

اخي لأمي من بينهم وأبي

والله لا اخذل النبي ولا

يخذله من بنيّ ذو حسب

فتذكر الرواة ان جعفرا اسلم منذ اليوم لأن أباه أمره بذلك وأطاع امره، وابو بكر لم يقدر على ادخال ابنه عبد الرحمن في الاسلام، حتى أقام بمكة، على كفره ثلاث عشرة سنة، وخرج يوم احد في عسكر المشركين ينادي: انا عبد الرحمن بن عتيق هل من مبارز!! ثم مكث بعد ذلك على كفره حتى أسلم عام الفتح، وهو اليوم الذي دخلت فيه قريش في الاسلام طوعا وكرها، ولم يجد احد منها الى ترك ذلك سبيلا.

وأين كان رفق ابي بكر وحسن احتجاجه عند ابيه أبي قحافة وهما في دار واحدة؟ هلاّ رفق به ودعاه الى الاسلام فاسلم، وقد علمتم انه بقي على الكفر الى يوم الفتح فاحضره ابنه عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو شيخ كبير رأسه كالثغامة فنفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منه وقال: غيروا هذا فخضبوه ثم جاءوا به مرة اخرى فاسلم، وكان ابو قحافة فقيرا مدقعا سيئ الحال وأبو بكر عندهم كان مثريا فائض المال، فلم يمكنه استمالته الى الاسلام بالنفقة والاحسان.

وقد كانت امرأة أبي بكر ام عبد الله ابنه - واسمها نملة بنت عبد العزى بن اسعد بن عبدود العامرية - لم تسلم وأقامت على شركها بمكة، وهاجر أبو بكر وهي كافرة، فلما نزل قوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) فطلقها أبو بكر. فمن عجز عن ابنه وابيه وامرأته فهو عن

٧٦

وأما (١) أنا فأرى التباعد عن قذف خلصاء الصحابة والتنازح(٢) عن التعرض بالقرابة(٣) .

قال المخذول عند الله تعالى بدليل ما رواه الخوارزمي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال اللهم انصر من نصره واخذل من خذله(٤) ما صورته:

( ولا سواء إسلام من أسلم على(٥) أن يمون ويكلف وإسلام من كان يمان قبل إسلامه ويكلف بعد إسلامه وفرق بين الكهل الدافع والحدث وأن أبا بكر كان يلقى في الله ورسوله ما لم يكن علي يلقاه )(٦) .

هذا شيء من معنى كلامه متعصبا على أمير المؤمنينعليه‌السلام ويكفيه في الجواب بعد ثبوت ما ظهر من انحرافه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) إلى قوله تعالى( مُهِيناً ) (٧) .

وقد سبق تنبيه على هذا ويزيده وضوحا ما رواه أبو المؤيد الخوارزمي عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي قال حدثني وهو آخذ

__________________

غيرهم من الغرباء أعجز ومن لم يقبل منه ابوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج ولا خوفا من قطع النفقة عنهم وادخال المكروه عليهم فغيرهم أقل قبولا منه وأكثر خلافا عليه.

(١) أضفنا الكلمة ليستقيم الكلام.

(٢) تنازح: بعد.

(٣) ن: للقرابة.

(٤) مناقب الخوارزمي: ٨٠، ٩٤ وفي ن بزيادة: الى آخره.

(٥) لا توجد في: ن.

(٦) العثمانية: ٢٦ و ٢٧.

(٧) في ن: الآية كلها مثبتة( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) الأحزاب: ٥٧.

٧٧

بشعره قال حدثني أبي علي بن الحسينعليه‌السلام وهو آخذ بشعره قال حدثني حسين بن علي وهو آخذ بشعره قال حدثني علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو آخذ بشعره قال حدثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بشعره قال يا علي من آذى شعرة منك(١) فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه ملك السماوات والأرض(٢) .

وتقرير ذلك بما يأتي من الرواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعلي أنت مني بمنزلة رأسي من بدني ورواه(٣) صاحب كتاب الاستيعاب(٤) .

والجواب عما قاله أنه أحال على دعوى في أن أبا بكر رضوان الله عليه كان يلقى في الله ورسوله ما لم يكن علي يلقاه ولئن سلمنا ذلك فليس هذا من العلم بأن إسلام أبي بكر أشرف من إسلام علي إلا بعد أن يثبت بالبرهان أن أبا بكر(٥) لما أسلم علم أو غلب على ظنه أنه يؤذى وأن أمير المؤمنين علم أو غلب على ظنه(٦) أنه لا يؤذى بل الذي كان يظهر

__________________

(١) ن: قال من شعرة مني فقد آذاني.

(٢) في المصدر: ملء السماوات وملء الأرض، انظر مناقب الخوارزمي: ٢٣٥ باختلاف في اللفظ يسير.

(٣) ن: وروى.

والحديث لم أجده في الاستيعاب في الطبعة التي عندي ولكن الحديث رواه باللفظ المذكور أعلاه أو بلفظ: « علي مني مثل رأسي من بدني » أو بلفظ « علي مني كرأسي من بدني » جماعة منهم: ابن المغازلي في مناقبه: ٩٢ رواه باللفظين والخوارزمي في مناقبه: ٨٦ و ٨٩ والهيثمي في الصواعق المحرقة: ٧٥ والخطيب في تاريخ بغداد: ٧ / ١٢ والمحب في الرياض النضرة ٢ / ١٦٢ وذخائر العقبى: ٦٣ والقندوزي في ينابيع المودة: ١٨٥ و ٢٨٤.

(٤) ما بين المعقوفتين فقط في: ن.

(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٦) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

٧٨

غير ذلك إذ أمير المؤمنين ورسول الله صلوات الله عليهما كانا فيما أتياه بمقام المتعرضين للفتك بهما لأنهما أصل القاعدة في تغيير سنن الشرك فإقدامه على الإسلام بدء تعرض للتلف(١) وأما(٢) أن أبا طالب كان منيعا في قومه فمن عرف السيرة عرف أن بني هاشم لم يكونوا بمقام المقاومة(٣) للمشركين كافة من قريش وغيرهم بل من بطون قريش عدا بني هاشم فلو اغتالا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليا عجز بنو هاشم عن(٤) مصارمتهم(٥) ومصادمتهم وخاصة إذا كان الفاتك بهما غير مشهور والقاصد إليهما بالاغتيال غير معلوم.

وفيما أوردته وأورده إن شاء الله تعالى على صاحب الرسالة أنه إن كان بمقام(٦) مذعن(٧) بما(٨) قلت وحاد عنه فهو مبغض لا محالة فيكفيه وعيد بغضة(٩) أمير المؤمنين صلوات الله عليه وإن كان بمقام جاهل فهو حال في مقام المحذور إذ دخل في باب مخطر من غير أن يعرف ما ينتهي(١٠) خطره إليه فالرزية قلادة المذكور بين معرفته وجهالته.

وأما أن أبا بكر أسلم على أن يمون ويكلف وكون علي كان يمان

__________________

(١) ق: بالتلف.

(٢) فقط في: ن.

(٣) ن: المقدم.

(٤) ن: عند.

(٥) المصارمة: المقاطعة ( المنجد ).

(٦) ق: مقام.

(٧) ن: من على.

(٨) في جميع النسخ: ما قلت.

(٩) ن: بغضته.

(١٠) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

٧٩

ويكلف بعد الإسلام(١) فقول هاذ(٢) أي برهان قام على ما ذكر أو أمارة.

وأما أن أمير المؤمنين كان يمان ويكلف بعد إسلامه فرد ظاهر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لو كان إسلامه ضعيف القواعد ما مدحه رسول الله في عدة روايات مشرفات له على غيره(٣) فيلحقه إذن من الوعيد ثمرات قوله تعالى( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) (٤) وأما أنه كان يكلف بعد الإسلام فدعوى لا برهان عليها.

ومتى فتح باب البحث كيف كان ساغ أن يقول قائل إن أبا عثمان ملحد من غير دليل وكما أن هذا لا يقوم به حجة قبل إقامة برهانه(٥) فكذا هذا.

وأما أنه فرق بين إسلام الحدث والكهل فقد أجبنا عن مثله.

قال شانئ أمير المؤمنينعليه‌السلام ما حاصله إن أبا بكر كان فيه معاضدة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إسلامه(٦) وليس هذا معنى يتعلق بالإسلام الذي البحث فيه بل هو شيء خارج عن ذلك.

ولو(٧) كان ذلك في مقابلة قول من قال إنه ما دافع ولا نصر رسول الله أصلا كان لذلك وجه لكن هذا ما جرى فإذن(٨) المذكور يسر

__________________

(١) العثمانية: ٢٦.

(٢) ن: هاز.

(٣) قد مرت الاشارة الى بعضها هامش ص ( ١٣ و ١٤ ).

(٤) النساء: ١١٥.

(٥) ن: برهان.

(٦) العثمانية: ٢٨.

(٧) ق: فلو.

(٨) ن: فان.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الآيتان

( وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) )

التّفسير

إذ لم تنفع المواعظ :

إنّ هذه الآيات ـ التي ذكرت بعد استعراض قصص مجموعة من الأنبياء العظام ، مثل نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ، وقبل أن يعمد القرآن الكريم إلى استعراض قصّة موسى بن عمران ـ إشارة إلى عدّة أصول وقواعد عامّة تحكم في جميع القصص والحوادث ، وهي قواعد وأصول إذا فكّرنا فيها كشفت القناع عن حقائق قيمة ترتبط بحياتنا ـ جميعا ـ ارتباطا وثيقا.

في البداية يقول :( وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) فالصعاب والمشاق والبلايا التي تصيب الأفراد إنّما يفعلها الله بهم عسى أن ينتبهوا ، ويتركوا طغيانهم ، ويرجعوا إلى الله ويتوبوا إليه.

١٢١

وذلك لأنّ الناس ما داموا في الرخاء والرفاه فهم في غفلة ولما يكون لديهم استعداد وقابلية لقبول الحق. أمّا عند ما يتورّطون في المحنة والبلاء ، يشرق نور فطرتهم وتوحيدهم ويتذكرون الله قهرا بلا اختيار ، وتستعد قلوبهم لقبول الحق.

ولكن هذه اليقظة والنهضة ليست عند الجميع على حدّ سواء ، فهي في كثير من الناس سريعة وعابرة وغير ثابتة ، وبمجرّد أن تزول المشكلات يعودون إلى غفلتهم وغفوتهم ، ولكن هذه المشكلات تعتبر بالنسبة إلى جماعة آخرين نقطة تحول في الحياة ، ويعودون إلى الحق إلى الأبد.

والأقوام الذين جرى الحديث ـ في الآيات السابقة ـ حولهم كانوا من النمط الأوّل.

ولهذا قال تعالى في الآية اللاحقة : عند ما لم تغيّر تلك الجماعات سلوكها ومسيرها تحت ضغط المشكلات والحوادث ، بل بقوا في الضلال ، رفعنا عنهم المشكلات وجعلنا مكانها النعم والرخاء فازدهرت حياتهم وكثر عددهم وزادت أموالهم( ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا ) .

و «عفوا» من مادة «عفو» التي تكون أحيانا بمعنى الكثرة ، وأحيانا بمعنى الترك والإعراض ، وتارة تكون بمعنى محو آثار الشيء. ولكن لا يبعد أن يكون أصل جميع تلك الأمور هو الترك ، غاية ما هنالك قد يترك شيء لحاله حتى يتجذر ، ويتوالد ويتناسل ويزداد ، وربّما يترك حتى يهلك وينهدم تدريجا وشيئا فشيئا. ولهذا جاء بمعنى الزيادة والهلاك معا.

وقد احتمل المفسّرون في الآية المبحوثة ثلاثة احتمالات أيضا :

الأوّل : أنّنا أعطيناهم إمكانيات حتى يزدادوا فيستعيدوا كل ما فقدوه ـ في فترة الشدّة والضراء ـ من الأفراد والأموال.

الآخر : أنّنا أعطيناهم نعما كثيرة جدا بحيث غرتهم ، فنسوا الله ، وتركوا شكره.

الثّالث : أنّنا أعطيناهم نعما كي يستطيعوا بها أن يزيلوا أثار فترة النكبة

١٢٢

ويمحوها.

إنّ هذه التفاسير وإن كانت متفاوتة من حيث المفهوم ، ولكنّها من حيث النتيجة متقاربة فيما بينها.

ثمّ أضاف : أنّهم عند زوال المشكلات بدل أن يلتفتوا إلى هذه الحقيقة وهي «النعمة» و «النقمة» بيد الله ، وأنّهم راجعون إلى الله ، يتذرعون ـ لخداع أنفسهم ـ بهذا المنطق ، وهو إذا تعرضنا للمصائب والبلايا ، فإنّ ذلك ليس بجديد ، فقد مس آباءنا الضراء والسراء ، وكانت لهم حالات رخاء وحالات بلاء ، فالحياة لها صعود ونزول ، والصعاب أمواج غير ثابتة وسريعة الزوال( وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ) . فهي إذن قضية طبيعية ، ومسألة اعتيادية.

فيقول القرآن الكريم في الختام : إنّ الأمر عند ما بلغ إلى هذا الحد ، ولم يستفيدوا من عوامل التربية ـ أبدا ـ بل ازدادوا غرورا وعنجهيّة وتكبرا أهلكناهم فجأة ومن غير سابق إنذار ، لأنّ ذلك أشد إيلاما ونكالا لهم ، وعبرة لغيرهم :( فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) .

* * *

١٢٣

الآيات

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) )

التّفسير

التّقدم والعمران في ظل الإيمان والتقوى :

في الآيات الماضية وقع البحث فيما جرى لأقوام مثل قوم هود وصالح وشعيب ونوح ولوط على نحو الإجمال ، وإن كانت تلك الآيات كافية لبيان

١٢٤

النتائج المشحونة بالعبر في هذه القصص ، ولكن الآيات الحاضرة تبيّن النتائج بصورة أكثر وضوحا فتقول :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) ، أي لو أنّهم سلكوا سبيل الإيمان والتقوى ، بدل الطغيان والتمرد وتكذيب آيات الله والظلم والفساد ، لم يتخلصوا من غضب الله وعقوبته فسحب ، بل لفتحت عليهم أبواب السماء والأرض.

ولكن للأسف ـ تركوا الصراط المستقيم الذي هو طريق السعادة والرفاه والأمن ، وكذبوا الأنبياء ، وتجاهلوا برامجهم الإصلاحية ، فعاقبناهم بسبب أعمالهم( وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) .

* * *

بحوث

وهنا مواضيع ينبغي الوقوف عندها :

1 ـ بركات الأرض والسماء

لقد وقع حديث بين المفسّرين في ما هو المراد من «بركات» الأرض والسماء؟فقال البعض : إنّها المطر ، والنباتات التي تنبت من الأرض.

وفسّرها البعض بإجابة الدعاء ، وحل مشاكل الحياة.

ولكن هناك احتمال آخر ـ أيضا ـ هو أنّ المراد من البركات السماوية هي البركات المعنوية ، والمراد من البركات الأرضية هي البركات المادية.

ولكن مع ملاحظة الآيات السابقة يكون التّفسير الأوّل أنسب من الجميع ، لأنّه في الآيات السابقة التي شرحت

العقوبات الشديدة التي حلّت بالمجرمين والطغاة ، فأشارت تارة إلى نزول السيول من السماء وطغيان الينابيع والعيون من الأرض (مثل طوفان نوح) وأخرى إلى الصواعق والصيحات السماوية ، وثالثة إلى الزلازل الأرضية الرهيبة.

١٢٥

وفي الآية المطروحة هنا طرحت هذه الحقيقة على بسط البحث ، وهي : أنّ العقوبات ما هي إلّا لأفعالهم هم ، وإلّا فلو كان الإنسان طاهرا مؤمنا ، فإنّه بدل أن يحل العذاب السماوي أو الأرضي بساحته ، تتواتر عليه البركات الإلهية من السماء والأرض أجل ، إنّ الإنسان هو الذي يبدل البركات بالبلايا.

2 ـ معنى «البركات»

«البركات» جمع «بركة» وهذه الكلمة ـ كما أسلفنا ـ تعني في الأصل «الثبات» والاستقرار ، ويطلق على كل نعمة وموهبة تبقى ولا تزول ، في مقابل الموجودات العارية عن البركة ، والسريعة الفناء والزوال ، والخالية عن الأثر.

والملفت للنظر أنّ فائدة التقوى والإيمان لا تقتصر على نزول البركات الإلهية ، بل هما سبب في أن يصرف الإنسان ما لديه في المصارف اللازمة الصحيحة.

ففي المثل نلاحظ اليوم أنّ قسما كبيرا من الطاقات الإنسانية ، والمصادر الاقتصادية تصرف في سبيل سباق التسلح وصنع الأسلحة المدمّرة. وبذلك تنعدم البركة فيها ، ولا تثمر سوى الدمار والخراب ، ولكن المجتمعات البشرية إذا تحلّت بالتقوى والإيمان ، فإنّ هذه المواهب الإلهية سيكون لها وضع آخر ، ومن الطبيعي أن تبقى آثارها وتخلد ، وتكون مصداقا لكلمة البركات.

3 ـ ماذا يعني «الأخذ»؟

في الآية أعلاه استعملت كلمة «أخذ» في مفهوم المجازاة والعقوبة ، وهذا في الحقيقة لأجل أنّ الشخص الذي يراد عقوبته يؤخذ أوّلا في العادة ، ثمّ يوثق بوسائل خاصّة حتى لا تبقى له قدرة على الفرار ، ثمّ يعاقب.

١٢٦

4 ـ المفهوم الواسع للآية

إنّ الآية الحاضرة وإن كانت ناظرة إلى وضع الأقوام الغابرة ، ولكنّه من المسلّم أن مفهومها مفهوم واسع وعام ودائم ، ولا تنحصر في شعب معين أو قوم خاص ، فإنّها سنة إلهية أن يبتلى غير المؤمنين ، والمتورطين في المعاصي والذنوب بأنواع مختلفة ومتنوعة من البلايا في هذه الدنيا ، فربّما ينزل عليهم البلاء السماوي والأرضي ، وربّما تشتعل نيران الحروب العالمية أو المحلية فتبتلغ أموالهم وتبيدها وربّما يفارقهم الأمن والاستقرار ، فتسحق المخاوف والهواجس بأظلافها أبدانهم ونفوسهم ، وحسب تعبير القرآن يكون كل ذلك بما كسبت أيديهم ورد فعل لأعمالهم.

إن فيض الله ليس محدودا ولا ممنوعا ، كما أنّ عقوباته لا تختص بقوم أو شعب.

لماذا تعيش الأمم الكافرة في الرخاء؟

من كل ما قلناه يتّضح الجواب على سؤال يدور كثيرا بين جماعة من الناس ، وهو : إذا كان الإيمان والتقوى يبعثان على نزول أنواع البركات الإلهية ، ويكون العكس موجبا لسلب البركات ، فلما ذا نشاهد الشعوب غير المؤمنة ترفل في الرخاء والرفاه ، في حين يعيش جماعة من أهل الإيمان بعسر ومشقّة؟

إنّ الإجابة على هذا السؤال تتّضح بملاحظة نقطتين :

1 ـ إنّ تصوّر أنّ الشعوب غير المؤمنة الفاقدة للتقوى ترفل في النعمة والرخاء وتغرق في السعادة هو تصور خاطئ ينبع من اشتباه أكبر ، وهو اعتبار الثروة دليلا على السعادة.

إنّ الناس يتصورون ـ عادة ـ أنّ كل شعب امتلك صناعة أكثر تقدما ، وثروة أكبر ، كان أسعد من غيره ، في حين لو تسنى لنا أن ننفذ إلى أعماق هذه

١٢٧

المجتمعات ونلاحظ الآلام الممضة التي تحطم روح هذه الشعوب وجسمها عن كثب ، فسوف نسلّم أن أكثر تلك الشعوب هي من أشقى سكان الأرض.

هذا بغض النظر عن أنّ هذا التقدم النسبيّ إنّما هو نتيجة استخدامهم لأصول ومبادئ مثل السعي والاجتهاد ، والنظم والشعور بالمسؤولية التي هي جزء من تعاليم الأنبياء ، ومن صلب توجيهاتهم.

في هذه الأيّام ـ التي نكتب فيها هذا القسم من التّفسير ـ نشرت الجرائد والصحف أنّه حدث في نيويورك ـ التي هي واحدة من أكبر نقاط العالم المادي ثروة وأكثرها تقدما ـ حادث جدّ عجيب على أثر انقطاع فجائي للتيار الكهربائي ، وذلك الحادث هو أنّ كثيرا من الناس هاجموا المحلات والمخازن وسرقوا كل ما فيها بحيث أن ثلاثة آلاف من المغيرين على المحلات اعتقلوا بواسطة البوليس.

إنّ من المسلّم أن عدد المغيرين ـ في الواقع ـ أكثر بأضعاف من هذا العدد ، وهذا العدد هم الذين لم يمكنهم الفرار والهرب والنجاة من قبضة البوليس ، كما أنّه من المسلّم أن المغيرين لم يكونوا سراقا محترفين هيّئوا أنفسهم من قبل لمثل هذه الإغارة العمومية ، لأنّ الحادثة المذكورة كانت حادثة فجائية.

من هذا نستنتج أنّه مع حالة انقطاع عابر للتيار الكهربائي يتحول عشرات الآلاف من سكان مدينة ثرية ومتقدمة ـ كما يشاءون تسميتها ـ إلى لصوص وسراق ، إن هذا لا يدل على الانحطاط الخلقي لدى شعب من الشعوب فحسب ، بل يدل على فقدان الأمن الاجتماعي الشديد أيضا.

والخبر الآخر الذي نقلته الصحف ، ويكمل ـ في الحقيقة ـ هذا الخبر ، وهو أن أحد الشخصيات المعروفة كان يقيم في تلك الأيّام في نيويورك ، في أحد الفنادق الشهيرة ذات العشرات من الطوابق ، قال : إنّ انقطاع التيار الكهربائي تسبب في أن يمسي التجول في معابر وصالات ذلك الفندق عملا بالغ الخطورة ، بحيث أنّ

١٢٨

مسئولي الفندق ما كانوا يسمحون لأحد بأن يغادر مكانه إلى غرفته منعا من أن يتعرض للمغيرين داخل صالات الفندق ، ولهذا نظموا المسافرين والنزلاء في جماعات مكونة من عشرة أو أكثر ، وتولى موظفون مسلحون إيصالهم إلى غرفهم تحت حراسة مشددة.

ثمّ يضيف ذلك الشخص المذكور : أنّه ما لم يعان من الجوع الشديد لم يجرأ على الخروج من غرفته.

ولكن انقطاع التيار الكهربائي هذا يقع في البلاد المتأخرة الشرقية كثيرا ، ولكن لا تحدث مثل هذه المشاكل ، وهذا يفيد أن سكان البلدان المتقدمة رغم كونهم يمتلكون ثروة عظيمة ، وصنائع عظيمة ، لا يملكون أدنى قدر من الأمن في بيئتهم.

هذا مضافا إلى أنّ شهود عيان يقولون : إنّ القتل والاغتيال في تلك البيئات كشرب الماء من حيث السهولة واليسر.

ونحن نعلم أنّنا أعطينا الدنيا كلها لأحد وكان يعيش في مثل هذه الظروف ، كان من أشقى أهل الأرض على أنّ مشكلة الأمن هي واحدة من مشكلاتهم ، وإلّا فهناك مفاسد اجتماعية أخرى كل واحد منها بدوره حالة مؤلمة جدا ومع الالتفات إلى هذه الحقائق فلا معنى لتوهّم أنّ الثروة سعادة.

2 ـ أمّا ما يقال عن سبب تخلّف المجتمعات المتحلية بالإيمان والتقوى ، فإذا كان المقصود من الإيمان والتقوى هو مجرّد ادعاء الإسلام وادعاء أتباع مبادئ الأنبياء وتعاليمهم ، فالاعتراض وجيه. ولكننا لا نعتبر حقيقة الإيمان والتقوى إلّا نفوذهما في جميع أعمال الإنسان ، وجميع شؤون الحياة ، وهذا أمر لا يتحقق بمجرّد الادعاء والزعم.

إنّ من المؤسف جدّا أن نجد التعاليم الإسلامية ومبادئ الأنبياء متروكة أو شبه متروكة في كثير من المجتمعات الإسلامية ، فملامح هذه المجتمعات ليست

١٢٩

ملامح مجتمعات المسلمين الصادقين الحقيقيين.

لقد دعا الإسلام إلى الطهارة والاستقامة والأمانة والاجتهاد والجد ، فأين تلك الأمانة والاجتهاد؟

إنّ الإسلام يدعو إلى العلم والمعرفة واليقظة والوعي ، فأين ذلك العلم والوعي واليقظة؟! وإن الإسلام يدعو إلى الاتحاد والتضامن ووحدة الصفوف والتفاني ، فهل سادت هذه الأصول والمبادئ في المجتمعات الإسلامية الحاضرة بصورة كاملة ، ومع ذلك بقيت متخلّفة؟!

لهذا يجب أن نعترف بأنّ الإسلام شيء ، والمسلمون اليوم شيء آخر.

في الآيات اللاحقة والمزيد من التأكيد على عمومية هذا الحكم ، وأن القانون أعلاه ليس خاصا بالأقوام الغابرة بل يشمل الحاضر والمستقبل أيضا ـ يقول : هل أنّ المجرمين الذين يعيشون في نقاط مختلفة من الأرض يرون أنفسهم في أمن من أن تحل بهم العقوبات الإلهية ، فتنزل بهم صاعقة أو يصبهم زلزال في الليل وهم نائمون( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ ) .

وهل هم في أمان من ذلك العذاب في النهار وهم غارقون في أنواع اللهو واللعب( أوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) .

يعني أنّهم في قبضة القدرة الإلهية في جميع الأحوال والأوقات ، ليلا ونهارا ، في اليقظة والنوم ، في ساعات الفرح والترح ، وبإشارة واحدة وأمر واحد يقضى عليهم جميعا ، ويطوي صفحة حياتهم نهائيا ، دون الحاجة الى مقدمات وأسباب قبلية ، أو لمرور الزمان لهذا العمل.

أجل في لحظة واحدة ، ومن دون أية مقدمات يمكن أن تحل أنواع المصائب والنوائب بهذا الإنسان الغافل.

والعجيب أنّ البشرية الحاضرة ، رغم كل ما أحرزته من تقدم ورقي في

١٣٠

الصنائع وفي التكنولوجيا ، ومع أنّها سخرت طاقات الكون والطبيعة المختلفة لخدمة نفسها ، فإنّها ضعيفة وعاجزة تجاه هذه الحوادث ، بنفس المقدار من العجز والضعف الذي كان عليه إنسان العصور السابقة. يعني أن الإنسان لم يتغير حاله تجاه الزلازل والصواعق وما شابهها ، حتى بالنسبة إلى إنسان ما قبل التاريخ.

وهذه علامة قوية على نهاية عجز الإنسان وشدة ضعفه رغم قدرته وقوته وهذه حقيقة يجب أن يجعلها الإنسان نصب عينيه دائما وأبدا.

وفي الآية اللاحقة يعود القرآن الكريم إلى ذكر وتأكيد هذه الحقيقة بشكل آخر فيقول : أفأمن المجرمون من المكر الإلهي ، في حين لا يأمن مكره إلّا الخاسرون( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ) .

و «المكر» ـ كما قلنا في ذيل الآية 94 من سورة آل عمران ـ يعني في اللغة العربية كل حيلة ووسيلة لصرف الشخص عن الهدف الذي يمضي إليه ، سواء كان حقا أو باطلا ، وقد أخذ في مفهوم هذه اللغة نوع من التدرج والنفوذ التدريجي.

وعلى هذا فالمراد من المكر الإلهي ، هو أنّ الله تعالى يصرفهم بخططه القوية التي لا تقهر عن حياة الرفاه واللذة دون اختيارهم ويقطعها عليهم. وهذه إشارة إلى العقوبات الإلهية الفجائية والمهلكة.

جواب على سؤال :

إنّ الجملة التي وردت في ختام الآية الحاضرة تقول : لا يأمن أحد ـ إلّا الخاسرون ـ من المكر الإلهي والعقوبة الإلهية ، وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل تشمل هذه العبارة الأنبياء والأئمّة العظام والصالحين؟

لقد تصوّر البعض أنّهم خارجون من هذا الحكم ، وأنّ الآية تختص بالمجرمين. ولكن الظاهر أن هذا الحكم عام يشمل الجميع ، لأنّه حتى الأنبياء والأئمّة كانوا مراقبين لأعمالهم دائما كي لا تصدر منهم أدنى زلة أو عثرة ، لأنّنا

١٣١

نعلم أن مقام العصمة ليس مفهومه أن المعصية مستحيلة عليهم ، بل يعني أنّهم مصونون عن الإثمّ والمعصية بفعل إرادتهم وإيمانهم وحسن اختيارهم ، إلى جانب العنايات الربانية.

إنّهم كانوا يخافون من ترك الأولى ويتجنبونه ، ويخشون أن لا يتمكنوا من القيام بمسؤولياتهم الثقيلة. ولهذا نقرأ في الآية (15) من سورة الأنعام حول الرّسول الأعظم( قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .

ولقد رويت في تفسير الآية الحاضرة ـ أيضا ـ أحاديث تؤيد ما قلناه : «صليت خلف أبي عبد الله (الصادق)عليه‌السلام ، فسمعته يقول : «اللهم لا تؤمني مكرك. ثمّ جهر فقال :( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ) .

ونقرأ في نهج البلاغة أيضا : «لا تأمنن على خير هذه الأمّة عذاب الله ، لقول الله سبحانه :( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ) (1) .

إنّ عدم الأمن من المكر الإلهي ـ في الحقيقة ـ يعني الخوف من المسؤوليات والخوف من التقصير فيها ، ومن المعلوم أن الخوف يجب أن يكون في قلوب المؤمنين دائما إلى جانب الأمل بالرحمة الإلهية بشكل متساو ، وأن التوازن بين هذين هو منشأ كلّ حركة ونشاط ، وهو الذي يعبّر عنه في الرّوايات بالخوف والرجاء.

وقد جاء التصريح في هذه الرّوايات بوجوب أن يكون المؤمنون دائما بين الخوف والرجاء ، ولكن المجرمين الخاسرين نسوا العقوبات الإلهية بحيث صاروا يرون أنفسهم في منتهى الأمن المكر الإلهي.

وفي الآية اللاحقة يقول القرآن الكريم ـ بهدف إيقاظ عقول الشعوب الغافية وإلفات نظرهم إلى العبر التي كانت في حياة الماضيين : ألا يتنبه الذين ورثوا

__________________

(1) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الجملة 377.

١٣٢

السيادة على الأرض ـ من الأقوام الماضية ـ إلى ما في حياة الماضيين وقصصهم من عبر ، فلو أنّنا أردنا أن نهلكهم بذنوبهم لفعلنا( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ) .

ويمكننا أيضا أن نتركهم أحياء ونسلب منهم الشعور وحس التشخيص والتمييز بالمرّة بسبب توغّلهم في الذنوب ، بحيث لا يسمعون معها حقيقة ، ولا يقبلون نصيحة ، ويعيشون بقية حياتهم حيرى( وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) .

أمّا كيف يسلب الله تعالى من هذا الفريق من المجرمين حس التمييز والتشخيص ، فيمكنك الوقوف على مزيد التوضيح في هذا المجال في تفسير الآية (7) من سورة البقرة.

* * *

١٣٣

الآيتان

( تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102) )

التّفسير

في هاتين الآيتين ركّز القرآن الكريم على العبر المستفادة من بيان قصص الماضين ، والخطاب متوجه هنا إلى الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أن الهدف هو الجميع ، يقول القرآن الكريم أوّلا : هذه هي القرى والأقوام التي نقص عليك قصصهم :( تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها ) (1) .

ثمّ يقول : لم يكن إهلاكهم قبل إتمام الحجة عليهم ، بل لقد جاءهم الأنبياء أوّلا بالبراهين الجلية وبذلوا قصارى جهدهم في إيقاظهم وإرشادهم( وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ) .

ولكنّهم قاوموا الأنبياء وخالفوا دعوتهم ، وأصروا ولجّوا في عنادهم ، ولم

__________________

(1) «نقصّ» من مادة «قص» وقد مر شرحها في ذيل الآية 7.

١٣٤

يكونوا على استعداد لأن يؤمنوا بما كذبوا به من قبل ، بل استمروا على تكذيبهم حتى مع مشاهدتهم البينات :( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) .

من هذه الجملة يستفاد أنّ الأنبياء الإلهيين قاموا بدعوتهم وإرشادهم مرارا وتكرارا ، ولكن المشركين لجوا في عنادهم ، وبقوا متصلبين في مواقفهم المتعنتة الرافضة ، وأعرضوا عن قبول دعوة الأنبياء حتى بعد وضوح الكثير من الحقائق.

وفي العبارة اللاحقة يبيّن تعالى علّة هذا التعنت واللجاج :( كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ ) .

يعني أنّ الذين يسيرون في درب خاطئ ، ويستمرون في السير في ذلك الطريق ، ينتقش الانحراف والكفر على قلوبهم نتيجة تكرار العمل السيء.

ويتجذر الفساد في نفوسهم ، كما يثبت النقش على السكة (والطبع في اللغة نقش صورة على شيء كالسكة) وهذا في الحقيقة هو أثر العمل وخاصيته.

وقد نسب إلى الله هو تعالى مسبب الأسباب ، وهو منشأ تأثير كل مؤثر ، فهو يهب الفعل هذه الخاصية عند تكراره ، حيث يجعله «ملكة» في نفس الشخص.

ولكن من الواضح والبيّن أن مثل الضلال ليس له أي صفة جبرية وقهرية ، بل إنّ موجد الأسباب هو الإنسان وإن كان التأثير بأمر الله تعالى (فتأمل).

وفي الآية اللاحقة بيّن تعالى قسمين آخرين من نقاط الضعف الأخلاقي لدى هذه الجماعات ، والتي تسببت في ضلالها وهلاكها.

في البداية يقول : إنّهم كانوا لا يحترمون العهود والمواثيق بل ينقضونها( وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ) .

وهذا العهد يمكن أن يكون إشارة إلى «العهد الفطري» الذي أخذه الله على جميع عباده بحكم الجبلة والفطرة ، لأنّه عند ما أعطاهم العقل والذكاء والقابلية ، كان مفهوم ذلك هو أخذ العهد الميثاق منهم بأن يفتحوا عيونهم وآذانهم ، ويروا الحقائق ويسمعوها ، وهذا هو ما أشارت إليه الآيات الأخيرة من هذه السورة (أي

١٣٥

الآية 173) وهو المعروف بـ «عالم الذّر» الذي سنشرحه بإذن الله في ذيل تلك الآيات.

كما أنّه يمكن أن يكون إشارة إلى العهد الذي كان الأنبياء الإلهيون يأخذونه من الناس ، وكان أكثر الناس يقبلونه ، ولكنّهم ينقضونه.

أو يكون إشارة إلى جميع المواثيق «الفطرية» و «التشريعية».

وعلى كل حال فإنّ روح نقض الميثاق كان من أسباب معارضة الأنبياء والإصرار على سلوك طريق الكفر والنفاق ، والابتلاء بعواقبها المشؤومة.

ثمّ يشير القرآن الكريم إلى عامل آخر إذ يقول :( وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ ) .

يعني أن روح التمرد والتجاوز على القانون ، والخروج عن نظام الخلقة والقوانين الإلهية ، كان عاملا آخر من عوامل استمرارهم على الكفر ، وإصرارهم على مخالفة الدعوة الإلهية.

ويجب الانتباه إلى أن الضمير في «أكثرهم» يرجع إلى جميع الأقوام والجماعات السالفة.

وما ورد في الآية من أن أكثرهم ينقضون العهد إنّما هو من باب رعاية حال الأقليات التي آمنت بالأنبياء السابقين ، وبقيت وفيّه لهم ، وهذه الجماعات المؤمنة وإن كانت قليلة وضئيلة العدد جدّا بحيث أنّها ما كانت تتجاوز أحيانا أسرة واحدة. ولكن روح الواقعية وتحري الحق المتجلّية في كل آيات القرآن أوجبت أن لا يتجاهل القرآن الكريم حق هذه الجماعات القليلة أو الأفراد المعدودين ، بل يراعيها فلا يصف جميع الأفراد في المجتمعات السالفة بالانحراف والضلال ونقض العهد والفسق.

وهذا موضوع جميل جدّا ، وجدير بالاهتمام ، وهو ما نشاهده ونلحظه في آيات القرآن كثيرا.

* * *

١٣٦

الآيات

( ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) )( وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) )

التّفسير

المواجهة بين موسى وفرعون :

بعد ذكر قصص ثلة من الأنبياء العظام باختصار في الآيات السابقة بيّن تعالى في هذه الآيات والآيات الكثيرة اللاحقة قصّة موسى بن عمران ، وما جرى بينه وبين فرعون وملئه وعاقبة أمره.

وعلّة بيان هذه القصّة بصورة أكثر تفصيلا من قصص الأنبياء الآخرين في هذه السورة قد تكون لأجل أنّ اليهود أتباع موسى بن عمران كانوا أكثر من

١٣٧

غيرهم في بيئة نزول القرآن ، وكان إرشادهم إلى الإسلام أوجب(1) .

وثانيا : لأنّ قيام النّبي الأكرم كان أشبه بقيام موسى بن عمران من غيره من الأنبياء.

وعلى كل حال فإنّ هذه القصة الزاخرة بالعبر قد أشير إلى فصول أخرى منها أيضا في سور أخرى ، مثل : سورة البقرة ، طه ، الشعراء ، النمل ، القصص ، وسور أخرى ، ولو أنّنا درسنا آيات كل سورة على حدة ، ثمّ وضعناها جنبا إلى جنب لم نلحظ فيها جانب التكرار على خلاف ما يتصوره البعض ، بل ذكر من هذه الملحمة التاريخية في كل سورة ما يناسبها من البحث للاستشهاد به. وحيث أنّ مصر كانت أوسع ، وكان لشعبها حضارة أكثر تقدما من قوم نوح وهود وشعيب وما شابههم ، وكانت مقاومة الجهاز الفرعوني ـ بنفس النسبة ـ أكثر وأكبر ، ولهذا تمتع قيام موسى بن عمران بأهمية أكبر ، وحوى عبرا ونكات أكثر ، وقد ركّز القرآن الكريم على النقاط البارزة المختلفة من حياة موسى وبني إسرائيل بمناسبات مختلفة.

وعلى العموم يمكن حصر وتلخيص حياة هذا النّبي الإلهي العظيم في خمس دورات ومراحل :

1 ـ مرحلة الولادة ، وما جرى عليه من الحوادث حتى ترعرعه في البلاط الفرعون.

2 ـ مرحلة فراره من مصر ، وحياته في أرض «مدين» في كنف النّبي شعيبعليه‌السلام .

3 ـ مرحلة بعثته ، ثمّ المواجهات الكثيرة بينه وبين فرعون وجهازه.

4 ـ مرحلة نجاته ونجاة بني إسرائيل من مخالب فرعون ، والحوادث التي

__________________

(1) صحيح أنّ هذه السورة نزلت في مكّة ، ولم تكن مكّة مركز تجمع اليهود ، ولكن من دون شك كان لحضور في المدينة وسائر نقاط الحجاز أثر واسع في المجتمع المكّي.

١٣٨

جرت عليه في الطريق ، وعند وروده إلى بيت المقدس.

5 ـ مرحلة مشاكله مع بني إسرائيل.

ويجب الانتباه إلى أن القرآن الكريم تناول في كل سورة من سور قسما ـ أو عدّة أقسام ـ من هذه المراحل الخمس.

ومن تلك الآيات التي تناولت جوانب من قصّة موسىعليه‌السلام هذه الآيات ، وعشرات الآيات الأخر من هذه السورة ، وهي تشير إلى مراحل ما بعد بعثة موسى بن عمران بالنبوة. ولهذا فإنّنا نوكل الأبحاث المتعلقة بالمراحل السابقة على هذه المرحلة إلى حين تفسير الآيات المرتبطة بتلك الأقسام في السور الأخرى ، وبخاصّة سورة القصص.

في الآية الأولى من الآيات الحاضرة يقول تعالى :( ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ ) أي من بعد قوم نوح وهود وصالح.

ويجب الالتفات إلى أنّ «فرعون» اسم عام ، وهو يطلق على كل ملوك مصر ، كما يطلق على ملوك الروم «قيصر» وملوك فارس «كسرى».

ولفظة «الملأ» ـ كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق ـ تعني الأعيان والأشراف الذين يملأون ببريقهم وظواهرهم الباذخة العيون ، ولهم حضور ملفت للنظر في جميع ميادين المجتمع.

والسر في إرسال موسى في بداية الدعوة إلى فرعون وملأه هو أنّه علاوة على أنّ إحدى برامج موسى كان هو نجاة بني إسرائيل من براثن استعمار الفراعنة وتخليصهم من أرض مصر ـ وهذا لا يمكن أن يتم من دون الحوار مع فرعون ـ إنّما هو لأجل أن المفاسد الاجتماعية وانحراف البيئة لا تعالج بمجرّد الإصلاحات الفردية والموضعية فقط ، بل يجب أن يبدأ بإصلاح رؤوس المجتمع وقادته الذين يمسكون بأزمة السياسة والإقتصاد والثقافة ، حتى تتهيأ الأرضية لإصلاح البقية ، كما يقال عرفا : إنّ تصفية الماء يجب أن تكون من المنبع.

١٣٩

وهذا هو الدرس الذي يعطيه القرآن الكريم لجميع المسلمين ، لإصلاح المجتمعات الإسلامية.

ثمّ يقول تعالى :( فَظَلَمُوا بِها ) .

ونحن نعلم أنّ لفظ الظلم بالمعنى الواسع للكلمة هو : وضع الشيء في غير محلّة ، ولا شك في أن الآيات الإلهية توجب أن يسلّم الجميع لها ، وبقبولها يصلح الإنسان نفسه ومجتمعه ، ولكن فرعون وملأه بإنكارهم لهذه الآيات ظلموا هذه الآيات.

ثمّ يقول تعالى في ختام الآية :( فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) .

وهذه العبارة إشارة إجمالية إلى هلاك فرعون وقومه الطغاة المتمردين ، الذي سيأتي شرحه فيما بعد.

وهذه الآية تشير إشارة مقتضبة إلى مجموع برنامج رسالة موسى ، وما وقع بينه وبين فرعون من المواجهة وعاقبة أمرهم.

أمّا الآيات اللاحقة فتسلّط الاضواء بصورة أكثر على هذا الموضوع.

فيقول أوّلا :( وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

وهذه هي أوّل مواجهة بين موسى وبين فرعون ، وهي صورة حية وعملية من الصراع بين «الحق» و «الباطل».

والطريف أنّ فرعون كأنّه كان ينادى لأوّل مرّة بـ «يا فرعون» وهو خطاب رغم كونه مقرونا برعاية الأدب ، خال عن أي نوع من أنواع التملق والتزلف وإظهار العبودية والخضوع ، لأنّ الآخرين كانوا يخاطبونه عادة بألفاظ فيها الكثير من التعظم مثل : يا مالكنا ، يا سيدنا ، يا ربنا ، وما شابه ذلك.

وتعبير موسى هذا ، كان يمثل بالنسبة إلى فرعون جرس إنذار وناقوس خطر. هذا مضافا إلى أن عبارة موسى( إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) كانت ـ في الحقيقة ـ نوعا من إعلان الحرب على جميع تشكيلات فرعون ، لأنّ هذا التعبير

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534